لاهمية هذين الخيارين في المعاملات فقد تضمنت احكامهما شريعتنا بالنص فجاءت السنة النبوية الشريفة على ذكرهما اذ قال رسول الله (ص) ( من أشترى شيئاً لم يره كان له الخيار اذا رآه )(1) وذكر عن النبي (ص) انه قال ( المسلم اخو المسلم لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعاً وفيه عيب الا بينة له ) (2) وخيار العيب كخيار الرؤية يثبت في البيع والايجار والقسمة دون حاجة الى اشتراطه في العقد فهو يفهم ضمناً اذ ان سلامة المبيع وخلوه من العيوب هو امر ضروري للزوم العقد (3) وخيار الرؤية كخيار العيب مع امكانية الرد ولو طالت المدة بعد العقد عند الاطلاع على المعقود عليه (4)ويتماثل الخياران في امكانية الفسخ دون اللجوء الى القضاء ان تم ذلك قبل القبض (5) كما ان اسباب سقوط الخيارين متماثلة الا في حالة واحدة سيأتي بيانها (6) ومؤنة رد المعقود عليه الى المكان الذي تم استلامه فيه تكون على المشتري في كلا الخيارين(7). وعلى الرغم من هذا التشابه بين الخيارين الا ان اوجه الاختلاف بينهما عديدة فمن حيث التعريف .

خيار الرؤية : ملك فسخ العقد او امضائه الثابت شرعاً وقانوناً للمتعاقد الذي لم تسبق له رؤية المعقود عليه لا وقت العقد ولا قبله اذا رآه .

بينما خيار العيب فهو:( ما يخرج عن اصل الخلقة السليمة بما يعد به الشيء ناقصاً ويعرف شرعاً بأنه ما ينقص القيمة عند التجار ) (8)وبثبوت خيار الرؤية في العقد يعتبر غير تام أي بالامكان فسخه قبل القبض او بعده بينما العقد يعتبر تاماً بعد القبض غير انه لا يكون ملزماً للمتعاقد اذا اطلع على العيب لان خيار العيب خيار نقيصه يمنع لزوم العقد واللزوم بعد التمام (9) اذاً فخيار الرؤية يسبق بثبوته خيار العيب وخيار الرؤية لا يثبت في المهر ولا في الصلح عن دم العمد بينما خيار العيب يثبت في الامرين (10) والفسخ بخيار الرؤية لا يفرض على المتعاقد اللجوء الى القضاء كما لا يحتاج فيه لرضا المتعاقد الاخر سواء تم قبل القبض ام بعده على العكس من خيار العيب الذي يحتاج الفسخ به اللجوء الى القضاء ان تم بعد القبض (11) وخيار الرؤية لا يجوز اسقاطه قصداً بصريح الاسقاط انما يسقط ضمناً بتصرف الشخص في حق نفسه ويتضمن ذلك سقوط حقه وسقوط حقه يعني سقوط حق الشارع بطريق الضرورة بينما خيار العيب فيمكن للمتعاقد اسقاطه صراحة لانه حق خالص له بما انه يمكن ان يثبت في العقد بالاتفاق الصريح او بالدلالة لان سلامة المعقود عليه من العيوب امر لا بد منه ولما كان الثابت بدليل النص كالثابت بصريحه اذا فللمتعاقد اسقاط خياره صراحة (12) ومن اشترى الشيء بأقل من قيمته فله الفسخ بخيار الرؤية سوى كان اشترى اصالة عن نفسه ام وكالة عن غيره وليس له ذلك في خيار العيب ان كان وكيلاً (13) وخيار الرؤية يسقط بوفاة صاحبه ولا ينتقل الى الوارث لتعلقه بأرادته بينما خيار العيب ينتقل الى الوارث اذا توفى من ثبت له الخيار لتعلقه بالمعقود عليه وليس بالمتعاقد (14) وخيار الرؤية لا يجوز عند الفسخ به تجزئة الصفقة بل يجب رد المعقود عليه كاملاً اما خيار العيب ففيه رأيان اولهما ان للمتعاقد رد المعقود عليه المعيب واسترداد الثمن او الابقاء عليه بكل الثمن (15)، اما الرأي الثاني فيخير به المشتري بين رد المعقود عليه المعيب واسترداد الثمن او الابقاء عليه مع انقاص الثمن (16) .

والمشرع العراقي تناول خيار الرؤية في عقد البيع في المادة ( 517 ) وفي عقد الايجار في المادة ( 733 ) كما اخذ بالرأي الاول بالنسبة لخيار العيب فقد نصـت المادة ( 558 ) ( اذا ظهر بالمبيع عيب قديم أن المشتري مخـير ان شاء رده وان شاء قبله بثمنه المسمى ) (17) . وفي اعتقادي ان المشرع العراقي لم يكن موفقاً في ذلك ويا حبذا لو اخذ بالرأي الثاني اذ يتيح للمشتري فرصة الاحتفاظ بالمعقود عليه المعيب اذا رغب في ذلك مع اجتناب الضرر الذي يتحمله ان قبل المبيع بكامل الثمن وهذا ما اخذت به القوانين الاخرى ، فالمشرع اليمني وبعد تنظيم قواعد خيار الرؤية قنن خيار العيب آخذاً بالرأي الثاني اذ اعتبر ان للمشتري الحق في رد المبيع المعيب واسترداد الثمن او الابقاء عليه مع انقاص الثمن في المادتين ( 245-247 ) مدني يمني وهذا هو اتجاه القوانين العربية الاخرى (18) كما ان قانون الوجائب التركي الذي عالج مسألة رؤية المعقود عليه في المادة ( 219 ) قد اخذ بالرأي الثاني بالنسبة لخيار العيب ويلاحظ ذلك من نص المادة ( 202 ) وكذلك المشرع الفرنسي اورد حكماً تبنى بموجبه ما ذهب اليه الرأي الثاني فمنح المتعاقد الحق في الاحتفاظ بالمعقود عليه المعيب مع انقاص الثمن اورده مع استرداد الثمن في المادة ( 1644 )(19)، لذا نقترح على المشرع العراقي اعادة النظر في نص المادة ( 558 ) . مما سبق ظهر ان خيار الرؤية مختلف عن خيار العيب وكل منهما يمثل نظاماً مستقلاً بأحكامه وقواعده فمعيار خيار الرؤية يتحدد برغبة المتعاقد في الفسخ او الامضاء بينما معيار خيار العيب هو مقدار الضرر ونقصان الفائدة بسبب العيب .

_________________

1- ابو بكر احمد بن الحسين بن علي البيهقي ، السنن الكبرى ، بدون سنة طبع – ص4 .

2- العلامة محمد بن علي الشوكاني – نيل الاوطار شرح ملتقى الاخبار – ج5 – بدون سنة طبع – ص255

3- علي فكري ، المعاملات المادية والادبية ، ط1 ، مصطفى البابي الحلبي واولاده ، القاهرة ، بدون سنة طبع ص50 ; سليم رستم باز اللبناني ، شرح المجلة ، ط3 ، المطبعة الادبية ، بيروت ، 1923م – ص175 ; د. غازي عبدالرحمن – التزام البائع بضمان العيوب الخفية – بحث منشور في مجلة العدالة – السنة الخامسة – العدد الثالث – ص776 .

4- السرخسي المبسوط ، ط1 ، مطبعة السعادة ، القاهرة ، بدون سنة طبع .– ص71 ; كمال الدين محمد عبدالواحد السيواسي ، فتح القدير ، ط1 ، المطبعة الاميرية ، مصر ، 1316هـ ص141 .

5- محمد جواد مغنيه – فقه الامام جعفر الصادق – ج3 – ط3 – الناشر مؤسسة انصاريان للطباعة والنشر – قم سنة 2002 – ص217-218 ; علاء الدين ابي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، ط1 ، مطبعة الجمالية ، مصر ، 1328هـ ، 1910م – ص281،299 ; احمد بن قاسم العنسي ، التاج المذهب لاحكام المذهب ، ط1 ، دار احياء الكتب العربية ، مصر ، 1947م – ص398 ، 482 ; موفق الدين ابي محمد عبدالله بن احمد بن محمد بن قدامه ، المغني على مختصر الامام ابي القاسم عمر بن الحسين بن عبدالله بن احمد الخرقي ويليه الشرح الكبير على متن المقنع ، تأليف الشيخ شمس الدين ابي الفرج عبدالرحمن بن ابي عمر محمد بن احمد ابن قدامه المقدسي ، مطبعة المنار،مصر ، 1347هـ ص119-120 .

6- الكاساني – مصدر سابق – ص297-298 .

7- السلطان ابي مظفر محي الدين محمد اورنك ، الفتاوى الهندية المعروفة بالفتاوى العالمكيرية ، المكتبة
الاسلامية ، محمد ازدمير ديار بكر ، تركيا ، بدون سنة طبع – ص61 .

8- الاستاذ علي فكري – مصدر سابق – ص50 .

9- السرخسي – مصدر سابق – ص71 ; الامام كمال الدين – مصدر سابق – ص137 ; د. محمد زكي عبدالبر ، احكام المعاملات المالية في المذهب الحنفي ، دار الثقافة للنشر ، قطر ، الدوحة ، بدون سنة طبع ص325 ; د. عبدالرزاق احمد السنهوري ، مصادر الحق في الفقه الاسلامي دراسة مقارنة بالفقه العربي ، ط3 ، جامعة الدول العربية معهد البحوث والدراسات العربية ، 1967م ،ج3– ص283-284 .

10- السرخسي – مصدر سابق – ص71-72 ; سليم رستم باز اللبناني ، شرح المجلة ، ط3 ، المطبعة الادبية ، بيروت ، 1923م ص179 .

11- محمد جواد مغنية ، فقه الامام جعفر الصادق ، ط2 ، مؤسسة انصاريان للطباعة
والنشر ، قم ، سنة 2002 – ص216 وما يليها ; صادق الحسيني الشيرازي ، المسائل الاسلامية في المسائل الحديثة ، ط1 ، 1423هـ ص284 . الكاساني – مصدر سابق – ص293 .

12- الامام كمال الدين – مصدر سابق – ص139 ; غازي عبد الرحمن ، التزام البائع بضمان العيوب الخفية ، بحث منشور في مجلة العدالة ، السنة الخامسة ، العدد الثالث – ص776-777 ; السنهوري – مصادر الحق – ج3 – مصدر سابق – ص284 .

13- السلطان ابي مظفر – مصدر سابق – ص62 .

14- الامام كمال الدين – مصدر سابق – ص149 ; سليم رستم – مصدر سابق – ص179 ; الامام كاشف الغطاء – وافاد ان خيار الرؤية يورث لدى الامامية – ص55-56 .

15- الشيرازي – مصدر سابق – على الفقهين الحنفي والمالكي – ص284 .

16- محمد جواد مغنية ، فقه الامام جعفر الصادق ، ط2 ، مؤسسة انصاريان للطباعة والنشر ، قم ، سنة 2002 – ص217 .

17- ذهبت محكمة التمييز في قرار لها الى انه ( اذا ظهرت مساحة العقار المبيع ناقصة نقصاً يتأثر به الثمن جملة واحدة وكان يتعذر تبعيض الصفقة للضرر فللمشتري حق الفسخ طبقاً للمواد ( 117،118،544 ) مدني ولا محل للرجوع الى احكام فراغ الاراضي الاميرية وقياس الملك الصرف في الحكم عليها بعد وجود النصوص الصريحة في هذا الشأن ( رقم القرار 34 -حقوقية- 763 ص180 تاريخ القرار 11-4-1963 منشور في قضاء محكمة التمييز المجلد الاول ) ص30 ; وقضت محكمة التمييز بقرار لها بأنه ( لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي واقع ضمن المدة القانونية وقرر قبوله شكلاً ولدى النظر في الحكم المميز وجد انه غير صحيح ومخالف للقانون وذلك لان محكمة الاستئناف اعتبرت المميز المدعي عاجز عن اثبات ادعائه ومنحته حق تحليف المميز عليه المدعى عليه يمين عدم الكذب بالأضرار واتخذت من رفضه لها قرينة على حسم الدعوى دون ان تجري التحقيقات اللازمة للوصول الى الحكم العادل بشأن ما دفع به المميز كون ما تم تدوينه على الوصل المؤرخ 28-12-1999 من اضافة كان بدون علمه وانه لم يتفق مع المميز عليه تنازله عن العيوب التي تظهر في المولد الكهربائي وان المميز عليه هو الذي قام ومن جانب واحد بأضافة تلك الملاحظة على الوصل اذ ان وصل المميز لم يربط بأوراق الدعوى لتطلع عليه هذه المحكمة لتبدي ملاحظاتها هذا وان هذه المحكمة لم تنظر بدفع المميز المتقدم والتأكد من صحة الاضافة وهل تعتبر عيباً ظاهرياً بالوصل واتخذت قرارها بشأن اسقاط قوته في الاثبات دون الركون الى خبرات من ذوي الاختصاص في المخطوطات ليعينوا ما اذا كانت تلك الملاحظة على الوصل مضافة ام لا وعلى ضوء ما تسفر عنه تلك التحقيقات تصدر حكماً بالدعوى وبعد اعتبار الطرف الذي يثبت ادعاؤه ودفعه لاعادة تنظيم اثباته ومنحه حق تحليف خصمه اليمين الحاسمة اذ انها اصدرت حكمها دون ملاحظة ذلك مما اخل بصحته لذا قرر نقضه واعادة الدعوة الى محكمتها للنظر فيها وفق ما تقدم ويبقى رسم التمييز تابعاً للنتيجة وصدر القرار بأتفاق ( رقم الاضبارة 337-1 منقول – 2001 تاريخ القرار 10 ربيع اول 1422هـ الموافق 2-6-2001م . قرار غير منشور ) .

18- راجع المواد ( 419 ، 444 ) مدني مصري ( 408 ، 445 ) مدني ليبي ( 387 ، 419 ) مدني سوري

19- القانون المدني الفرنسي لسنة 1804 – راجع في بيان موقف الفقهاء الفرنسيين

Proffesseur a lafacultede Dioit de Nante S ، Arant – Propos de ، Pierre CATALA ، Proffesseur a Lunirersite de Droit . de’ Econom ieet de Science Sociales de Paris ، ancienne preface ، P-866 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .