جاء في المادة (146) من قانوننا المدني ، الفقرة الاولى منها (( اذا نفذ العقد كان لازماً ، ولايجوز لاحد العاقدين الرجوع عنه ولا تعديله الا بمقتضى نص في القانون أو بالتراضي )). وعليه ، فلا يجوز لاحد المتعاقدين ان ينفرد بنقض العقد ولا بتعديله ، لان العقد شريعة المتعاقدين ، فلا تستطيع ارادة واحدة ان تعدل فيه ، وانما يجوز تعديله باتفاق الطرفين أو لسبب يقرره القانون(1). وكذلك يجب على القاضي أن يتقيد باتفاق المتعاقدين وان يلتزم بتطبيقه ، ويمتنع عليه التغيير أو التعديل فيه ، إلا ان هذا المبدأ لا يؤخذ على إطلاقه ، إذ أجاز القانون للقاضي تعديل العقد في حالات نص عليها القانون(2) . فالمشرع العراقي ، قد جعل الأصل في العقود ، هو إن ما تضمنه العقد يكون ملزماً للمتعاقدين ، إلا انه مع ذلك ، فقد منح القاضي وعلى سبيل الأستثناء ، السلطة في تعديل العقد بغية تحقيق العدالة . (( فسلطة القاضي في تعديل العقد هي الصلاحية التي منحها المشرع للقضاء ، والتي تتمثل بقيام القاضي بعمل أيجابي يجريه على العقد بالحذف أو بالأضافة أو بالتحوير والتغيير في بنوده ، فينزل منزلة المتعاقد ، بغية تحقيق العدالة التي يسعى المشرع الى تحقيقها بين المتعاقدين))(3).

فقد منح المشرع العراقي القاضي سلطة تعديل العقد المشوب بعيب الأستغلال ، فقد جاء في المادة (125 ) من القانون المدني (( اذا كان أحد المتعاقدين قد أستغلت حاجته أو طيشه أو هواه أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه فلحقه من تعاقده غبن فاحش ، جاز له في خلال سنة من وقت العقد أن يطلب رفع الغبن عنه الى الحد المعقول . فأذا كان التصرف الذي صدر منه تبرعاً جاز له في هذه المدة أن ينقضه )). فطبقاً لهذا النص ، يكون القانون قد أعطى للقاضي سلطة تعديل العقد المعيب بعيب الأستغلال (4)، وذلك من خلال إنقاص الالتزامات المترتبة في ذمة المتعاقد المغبون ، أو الزيادة في التزامات المتعاقد الغابن ، بما يرفع عن المتعاقد المغبون الغبن الفاحش . وهذا كله إذا كان العقد من عقود المعاوضة(5). ويقصد بعقد المعاوضة ، العقد الذي يأخذ فيه المتعاقد مقابلاً لما اعطاه ، كعقد البيع والايجار والعمل والمقاولة وعقد الفندقة وعقد النشر(6). وسلطة القاضي في تعديل العقد المعيب بعيب الاستغلال وفقاً لقانوننا المدني ، أنما تنصب على عقود المعاوضة المحددة التي فيها يعرف كل من المتعاقدين ، وقت أبرام العقد ، تحديد الفائدة التي تعود عليه من ابرامه هذا العقد ، أي فيها يعرف كل متعاقد وعلى وجه محدد مقدار ماأخذ ومقدار ماأعطى ، ففي هذه العقود يظهر الاختلاف في التعادل بين الاداءات المتقابلة ، بشكل واضح لا لبس فيه(7). أما عقود التبرع ، والتي فيها لايأخذ المتعاقد مقابلاً لما يعطي ، كعقد الهبة بدون عوض ، مثلاً ، (( فلا يمكن تصور اختلال التعادل ولا الغبن وإن كان يتصور فيها الاستغلال من باب أولى ، فالغبن الفاحش لايقع إلا في عقود المعاوضة وليس في صياغة ( المادة 125) ما يشعر بأن المشرع أن يحيد عن هذا المعنى))(8) .

وهذا يعني أن المشرع العراقي قد ميز بين عقد المعاوضة وعقد التبرع ، في حالة عيب الأستغلال ، فنحن امام تعديل للعقد في عقد المعاوضة ، أما في عقد التبرع فلم نكن أمام تعديل للعقد وإنما أمام سلطة إبطاله ، فبموجب المادة (125) سلطتان ، إحداهما تكون في عقود المعاوضات فقط ، تتمثل برفع الغبن عن المتعاقد المغبون الى الحد المعقول ، وهي سلطة القاضي تعديل العقد ، فلا يمكن للمتعاقد المغبون أن يطلب إبطال العقد . وثانيهما ، في عقود التبرع،إذ للمتعاقد أن يطلب إبطال العقد . ويجب أن ترفع الدعوى في الحالتين ، أي في حالة دعوى رفع الغبن أو دعوى إبطال عقد التبرع ، خلال سنة من تاريخ إبرام العقد(9). وفي عقد المعاوضة ، يكون للقاضي اجراء تعديل في العقد بأحدى وسيلتين ، الوسيلة الأولى ، إنقاص التزامات المتعاقد المغبون ، والثانية ، تعديل العقد من خلال زيادة التزامات المتعاقد الغابن(10) . بينما اعترض بعض الفقهاء(11).على وسيلة الزيادة مسوغاً ذلك ، بأن ليس للقاضي الحق في زيادة التزامات المتعاقد الغابن من تلقاء نفسه ، وانما يكون له ذلك بناء على رغبة المتعاقد الغابن ، لأن هذه الزيادة قد تزيد من الأعباء المحمل بها وقد لاتتفق مع مصالحه. إلا إننا لانتفق مع هذا الرأي ، لان نص المادة (125 ) من قانوننا المدني ، قد أعطى القاضي سلطة تعديل العقد برفع الغبن الى الحد المعقول ، ورفع الغبن يتحقق في الحالتين ، انقاص التزامات المتعاقد المغبون أو زيادة التزامات المتعاقد الغابن ، وصولاً الى رفع الغبن وتحقيق العدالة بين المتعاقدين . كان ذلك بياناً موجزاً لسلطة القاضي في تعديل العقد المشوب بعيب الأستغلال(12)، إلا إن هذا ليس هو التطبيق الوحيد لتعديل العقد ، بل هناك تطبيقات أخرى لتعديل العقد ، منها ما ورد في المادة (167 ) من قانوننا المدني ، التي تقضي بمنح سلطة تعديل العقد بغية حماية الجانب الضعيف في عقد الاذعان(13).

ويتحقق ذلك عن طريق تعديل الشروط التعسفية في العقد ، أو الاعفاء منها بما يحقق مصلحة الطرف المذعن. وكذلك يُمنحَ القاضي سلطة في تعديل العقد أثناء تنفيذه تمثلت بمنح المدين أجلاً لتنفيذ التزامه(14). وكذلك تعديل التزام المتعاقد الذي تتهدده خسارة فادحة بسبب حدوث ظروف طارئة ، بغية تنفيذ التزامه التعاقدي والحيلولة دون وقوع الفسخ(15). وكذلك للقاضي سلطة في تعديل أجر الوكيل اذا اتفق الطرفان على أجر(16). ولسنا هنا بصدد دراسة التطبيقات التشريعية لسلطة القاضي في تعديل العقد ، ولكن ما قدمناه بشأن سلطة القاضي في تعديل العقد المشوب بعيب الاستغلال ، كنا نريد من خلاله أظهار التمييز ، أوجه الشبه والاختلاف ،بين تعديل العقد من جهة وتصحيح العقد من جهة أخرى . فقد عرفنا بأن تصحيح العقد يتحقق من خلال وسائل يترتب عليها زوال البطلان أو التهديد به والأبقاء على العقد مصححاً بأثر رجعي . وهذا يعني أن العقد حتى يمكن تصحيحه يجب أن يكون مشوباً بعيب يبطله أو يهدده بالبطلان أما إذا كان صحيحاً وغير مشوب بمثل هذا العيب ، فأن ما يجري عليه من تغيير لايعد تصحيحاً له ، بمعنى آخر ، لايعد كل تغيير في عنصر من عناصر العقد ، بالأنقاص أو بالأضافة ، تصحيحاً للعقد ، فالتغيير المنصب على العقد الصحيح غير المعيب ، يعد تعديلاً للعقد ، اذ يكون المشرع قد أعطى للقاضي سلطة تعديل هذا العقد ( غير المعيب ) تحقيقاً للعدالة بين الطرفين المتعاقدين وليس لأنقاذ العقد من البطلان أو التهديد به ، لأن هذا العقد ليس عقداً باطلاً ولا مهدداً بالبطلان وإنما عقد صحيح يُجرى عليه التعديل .

من جهة أخرى ، فأن تعديل العقد لايمكن أن يحصل إلا بتغيير في العقد ، بينما تصحيح العقد المهدد بالبطلان يمكن أن يحصل ، في بعض الأحوال ، دون مساس بالعقد ، كما في تصحيح هذا العقد بأجازته أو ورود التقادم عليه . وعلى اساس ما تقدم من فروق بين المصطلحين، تعديل العقد وتصحيحه ، نرى ، أن المادة (125) من قانوننا المدني ، فيما جاءت به بشأن عقد المعاوضة ، لم تتضمن إشارة الى تصحيح العقد وإنما كان التغيير الحاصل بأنقاص التزامات المغبون أو زيادة التزامات الغابن ، تعديلاً للعقد لان هذا العقد لم يكن عقداً مهدداً بالبطلان فهو عقد غير مشوب بعيب ، ولكن يجوز للطرف المغبون المطالبة برفع الغبن الى الحد المعقول ، فالمشرع لم يعطه الحق بأبطال العقد ، حتى يكون مهدداً بالبطلان ، ومن جهة أخرى ، فأن رفع الغبن عن طريق الأنقاص أو الزيادة لم يكن هدفه زوال التهديد بالبطلان ، وإنما هدفه تحقيق العدالة بين المتعاقدين من جهة الحقوق والواجبات . أما إذا كنا امام عقد تبرع فأن المشرع العراقي اعطى للمتعاقد المغبون الحق في نقض العقد من خلال سنة من تاريخ ابرامه ، فعندها لانكون أمام تصحيح العقد بالتغيير ولا تعديله . وهذه الأحكام المتقدمة ، تختلف عما جاء به القانون المدني المصري ، فقد نصت المادة ( 129 ) منه على أنه (( 1- اذا كانت إالتزامات أحد المتعاقدين لاتتعادل البته مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر وتبين ان المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد أستغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو ينقص التزامات هذا المتعاقد . 2- ويجب أن ترفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد وألا كانت غير مقبولة . 3- ويجوز في عقود المعاوضة ان يتوقى الطرف الآخر دعوى الابطال اذا عرض ما يراه القاضي كافياً لرفع الغبن))(17). فطبقاً لهذا النص ، يتضح أن المشرع قد منح القاضي سلطتي أبطال العقد أو انقاص التزامات المتعاقد المغبون ، بناءً على طلب الأخير ، فالعقد المشوب بعيب الأستغلال يكون مهدداً بالأبطال خلال سنة من وقت إبرام العقد ، فخلال هذه المدة نكون أمام أمكانية بطلانه بناء على طلب من المتعاقد المغبون .

إلا إن هذه القابلية أو التهديد بالبطلان يزول بالتغيير في عنصر من عناصره ، بأحد الطرق الثلاثة الآتية :-

الأول : عندما يطلب المتعاقد المغبون أبطال العقد لعيب الاستغلال ، فللقاضي أن يرفض طلبه ويقضي بأنقاص التزاماته التعاقدية ، عندما يرى بأن الأمر لايستدعي إبطال العقد ، وعندها نكون أمام إنقاص للالتزامات التعاقدية بدلاً من أبطال العقد ، ومن ثم يزول التهديد بالبطلان مما يؤدي الى الأبقاء على العقد مصححاً وبأثر رجعي ، فعلى وفق ذلك ، يكون التغيير في العقد بالأنقاص تصحيحاً للعقد المعيب وليس تعديلاً له ، لأن هذا التغيير قد أدى الى زوال البطلان الذي كان يتهدده ، وسواء كنا أمام عقد معاوضة أو عقد تبرع .

أما الطريق الثاني : فهو أن يطلب المتعاقد المغبون انقاص التزاماته وهذا يعني بأنه قد تنازل عن التمسك بأبطال العقد ، وقد تم بذلك تصحيح هذا العقد المعيب بعيب الاستغلال ، وعليه يُلزم القاضي بالأجابة الى طلب المتعاقد المغبون بأنقاص التزامه أي لايستطيع أبطال العقد لان تصحيح العقد والأبقاء عليه أولى من بطلانه، وهذا التصحيح وفقاً للطريقين، يشمل عقود المعاوضة وعقود التبرع ،على حد سواء .

أما الطريق الثالث : الذي يتم من خلاله تصحيح العقد بالتغيير فيه ، فيقتصر على عقود المعاوضة إذ يستطيع المتعاقد الغابن ، أن يتوقى إبطال العقد إذا عرض ما يراه القاضي كافياً لرفع الغبن عن التعاقد المغبون ، والمسألة التقديرية هنا هي تقدير القاضي لهذا العرض في ضوء الظروف المحيطة بالدعوى ، فاذا رأى بأن ذلك العرض أي الزيادة في التزامات الطرف الغابن كافية لرفع الغبن ، أجابه الىطلبه وعندها يتم تصحيح هذا العقد بزوال ما كان يتهدده من بطلان ، فهنا نكون مع تصحيح العقد وانقاذه من البطلان المهدد به بناء على طلب المتعاقد الغابن(18).

وعلى هذا، فأن هناك اختلافات ما بين قانوننا المدني من جهة والقانون المدني المصري(19). من جهة أخرى، بشأن المعالجة التشريعية لعيب الاستغلال، فالقانون العراقي لم يتضمن تصحيحاً للعقد المعيب بالتغيير فيه وانما تضمن تعديلاً له. لأن هذا العقد صحيح غير مشوب بعيب يهدده بالبطلان، فلا يكون مجالاً لتصحيح العقد وإنما تعديله برفع الغبن الى الحد المعقول عن الطرف المغبون، وبناء على طلب الأخير. هذا إذا كان عقد معاوضة، أما اذا كنا أمام عقد تبرع فلم تكن المعالجة التشريعية لعيب الاستغلال عن طريق تصحيح العقد بالتغيير فيه أو تعديله، بل كان للمتعاقد المغبون أن يطلب نقضه، فهو قابل للأبطال خلال سنة من وقت إبرامه، فلا يكون قابلاً للتصحيح عن طريق انقاص إلتزامات الطرف المغبون، فليس للأخير طلب تصحيحه وأنما له طلب نقضه. بينما القانون المدني المصري قد تضمن في المادة (129) منه ثلاثة طرق لتصحيح العقد المشوب بعيب الاستغلال، في جميعها يتحقق التصحيح نتيجة التغيير في عنصر من عناصر العقد، الانقاص في التزامات المتعاقد المغبون أو الزيادة في التزامات المتعاقد الغابن، فهنا يتم التصحيح وأنقاذ العقد مما يتهدد به، عن طريق التغيير بالحذف أو الاضافة في عنصر من عناصر العقد . وعلى هذا ، فأننا لانتفق مع مَنْ يَعد بأن هذهِ الحالات تطبيقات لسلطة القاضي في تعديل العقد(20). يتضح مما تقدم ، أن هناك فارقاً أساسياً بين التصحيح والتعديل ، وهو أن الأول يرد على العقود المعيبة بعيب يؤدي الى بطلانها أو يجعلها قابلة له ، بينما التعديل فأنه لايرد إلا على عقد غير معيب بمثل هذا العيب . وعلى الرغم من ذلك ، فأنهما يشتركان في أن كلاًّ منهما يتحقق بالتغيير في عنصر من عناصر العقد .

فتعديل العقد لايمكن أن يتحقق إلا بالتغيير في عنصر من عناصر العقد يتمثل بالأضافة أو الأنقاص ، وكذلك التصحيح يحصل بهذه الوسائل وبوسائل أخرى . ونعتقد أن هذا التشابه قد ادى الى الخلط بين المفهومين، فأعتقد الكثيرون أن كل تغيير في عنصر من عناصر العقد ، وخاصة إذا كان التغيير بالأنقاص ، يعد تصحيحاً لهذا العقد ، فأدى ذلك ، الى إن بعض من الفقهاء قد عدّ قسماً من حالات تعديل العقد تصحيحاً له ، من جهة ثانية، فقد أخرج بعضهم الآخر قسماً من حالات تصحيح العقد وعدّها تعديلاً له . ومن جهة ثالثة ، فقد عدّ البعض أن تصحيح العقد هو التعديل ولا فرق بين المصطلحين ، ومن هؤلاء الفقهاء الذين وقعوا في هذا الخلط ، ضمن الأتجاه الأول ، الذي عد قسماً من حالات تعديل العقد تصحيحاً له ، الدكتور محمد عبد الظاهر حسين ، حيث ذكر (( فما يهمنا هنا هو الأشارة الواضحة في الفقرة الثانية من المادة (224) من القانون المدني المصري الى حق القاضي في التدخل لتصحيح الرابطة العقدية التي أحتوت على شرط جزائي – تعويض اتفاقي – وذلك عن طريق تخفيض مقداره الى الحد المعقول ….))(21). فهذا الرأي غير دقيق، لأن ماجاءت به الفقرة (2) من المادة(224) مدني مصري التي تقابل المادة ( 170/فقرة 2) من قانوننا المدني(22)، لايعد تصحيحاً قضائياً للعقد ، فالشرط الجزائي المغالى فيه لايعد شرطاً باطلاً ، فلا يهدد العقد بالبطلان ، فتخفيضه لايعد تصحيحاً لهذا العقد، وإنما تعديل له ، إذ تكون للقاضي سلطة في تعديل التعويض الاتفاقي سواء كان بأعفاء المدين منه أو بأنقاص قيمته المتفق عليها . وهذهِ السلطة ، أي التعديل، قد جاء بها القانون الفرنسي الصادر في 9 يوليو 1975 والذي أضاف الفقرة (2) للمادة (1152) من القانون المدني الفرنسي ، علاوة على ما نصت عليه المادة (1231) التي تجيز للقاضي تخفيض الشرط الجزائي في حال التنفيذ الجزئي للألتزام الأصلي ، وقد قرر بطلان كل شرط يخالف ذلك(23). وعليه ، فنحن هنا أمام سلطة التعديل التي تتمثل بتخفيض الشرط الجزائي ، لذا يكون الرأي الذي يرى بأن هذه السلطة هي تصحيح قضائي للعقد(24)،رأياً غير سليم لما تقدم من أسباب .

علاوة على ذلك ، قد أورد بعض الفقهاء(25)، أمثلة من القانون الفرنسي كونها من تطبيقات تصحيح العقد بأنتقاصه ، على الرغم من انها في الواقع تعد من تطبيقات سلطة القاضي في تعديل العقد بأنقاصه ، لما بيناه من اختلاف بين مصطلحي التعديل والتصحيح . ومن ذلك ، قانون 8 يوليو 1907 المعدل بقانون 10 مارس 1937، المتعلق بشأن بيع السماد والمواد الغذائية لحيوانات المزرعة ، فهذا القانون أعطى الحق لمشتري السماد في رفع دعوى إنقاص ثمن السماد اذا تجاوز الغبن الذي لحقه الربع وقت العقد ، وكذلك أجاز له المطالبة بالتعويض عن الاضرار التي لحقت به بسبب ذلك ،أما التعديل الذي ألحقه في10 مارس 1937 ، فجعل هذه الدعوى شاملة للمواد الزراعية الأخرى الضرورية للزراعة كالبذور مثلاً. وكذلك الأمر ، في القانون الصادر في 29 يونيو 1935 ، المتعلق ببيع المحل التجاري ، الذي أجاز للمشتري أن يطلب تخفيض الثمن إذا كانت قيمة العناصر المعنوية للمحل تتجاوز 33% من القيمة الفعلية له ، في يوم البيع . وكذلك القانون الصادر في 11 مارس 1957 ، الخاص بالملكية الادبية والفنية التي تقضي المادة (37) منه ، بأنه اذا تعرض الكاتب أو المؤلف او المخترع الى استغلال يتجاوز 7/12 من قيمة العمل الحقيقية ، فأنه يستطيع أنْ يراجع شروط السعر في العقد ، فالدعوى الممنوحة لهؤلاء ليست دعوى بطلان ، وإنما دعوى مراجعة أو اعادة تقييم السعر وتعديله . اننا نرى أن تلك الحالات ، وأمثالها(26). لاتعد تطبيقات لتصحيح العقد بأنتقاصه ، كما اعتقد بعض الفقهاء(27)، وإنما هي تطبيقات لتعديل العقد (28)، وذلك لان العقد في جميع هذه الحالات ، لم يكن مشوباً بعيب يجعله باطلاً أو قابلاً للأبطال ، فالقانون لم يخول الطرف المغبون إبطال العقد بسبب الغبن ، لذا فأن طلب انقاص الثمن أو مراجعة السعر يعد تعديلاً للعقد وليس تصحيحاً له ، فهدفه هنا ليس إنقاذ العقد من الأبطال ، فالعقد لم يكن مهدداً بالبطلان في أي وقت ، وإنما هدفه هو رفع الغبن وتحقيق العدالة بين المتعاقدين ، أي اعادة توازن الالتزامات بين الطرفين .

أما القسم الآخر من الفقهاء الذين لم يستطيعوا التمييز بين تصحيح العقد وتعديله ، فأنهم عدّوا قسماً من حالات تصحيح العقد تعديلاً له ، فلم يتضح عند هؤلاء(29). بأن التغيير في عنصر من عناصر العقد قد لايعد تعديلاً للعقد وإنما تصحيح له ، فقد عدّوا تدخل القاضي في حالة الفائدة المتفق عليها بين المتعاقدين ، إذا مازادت على النسبة المحددة قانوناً ، بأسقاط الزيادة التي تتجاوز ذلك الحد ، تعديلاً للعقد ، بالزام الدائن برد ما دفعه المدين زيادة على الحد الاقصى المسموح به(30). إلا ان هذا التغيير لايعد تعديلاً للعقد وانما تصحيح له لأن تلك الزيادة تعد باطلة لمخالفتها للقانون ، لذا وجب إستبعادها بتخفيض الفائدة الى الحد المسموح به قانوناً ، وذلك هدفُه إنقاذ العقد من البطلان بأستبعاد ما بطل منه(31). بالأضافة الى ما تقدم فأن هناك من رأى ، أن تعديل العقد هو تصحيحه لافرق بين المصطلحين ، وهذا ما يراه الدكتور فؤاد محمد معوض حيث ذكر(32). (( وهنا يتبين لنا دور القاضي في تعديل العقد بالغاء الشروط الفاسدة وتصحيح العقد وهو دور بارز يمثل الحقيقة قيداً على حرية المتعاقدين في التعاقد لأن القاضي اذا اسقط الشرط فأنه بذلك يكون قد ألغى جزءاً من العقد لان الشرط عقد كما يقولون وبالتالي يكون عمله تعديلاً للعقد وتصحيحاً له )). في حين إن ما ذكره بشأن إلغاء الشروط الفاسدة ، في الفقه الاسلامي ، لايعد تعديلاً للعقد وانما يعد تصحيحاً له وانقاذه من البطلان إذ إن الفساد هو مرتبة من مراتب البطلان في الفقه الحنفي(33).

_________________________

1- د. عبد الرزاق السنهوري /الوسيط في شرح القانون المدني /الجزء الاول/مصدر سابق/ص625.

2- د. عبد المنعم فرج الصدة /نظرية العقد في قوانين البلاد العربية / مكتبة المحكمة العليا / بدون سنة طبع /ص 476.

3- د. راقية عبد الجبار علي / مصدر سابق /ص6.

4- ويقصد بالاستغلال استفادة احد المتعاقدين من ضعف المتعاقد الآخر أستفادة تؤدي الى انعدام التعادل بين التزاماته أو ما يحصل عليه من فائدة وبين التزامات المتعاقد الآخر . بمعنى انه يجب لأتصال الغبن بالاستغلال ، توافر عنصرين ، مادي يتمثل بأختلال التوازن بين الالتزامات والثاني نفسي يتمثل بأستغلال ضعف نفس المتعاقد إذ يأتي الاختلال في التعادل بين الالتزامات نتيجة لأستغلال ذلك الضعف ، أي بلوغ الاستغلال درجة التأثير في ارادة المغبون عن طريق الطيش البين أو الهوى الجامح او الحاجة أو عدم الخبرة .

انظر في تفصيل ذلك ، واركان الاستغلال ، في د. الياس ناصيف / موسوعة العقود المدنية والتجارية / البحث الاول /اركان العقد /عيوب الرضا /1986 /ص232 وما بعدها . وكذلك د. عبد الفتاح عبد الباقي / مصدر سابق /ص386 .

5- ويشترط لاعمال سلطة القاضي في تعديل العقد المعيب بعيب الاستغلال أن يكون الاستغلال هو الذي دفع المتعاقد المغبون الى التعاقد . انظر تفصيل ذلك د. عبد المنعم فرج الصدة / مصادر الالتزام / مصدر سابق / ص200-201 .

6- د. عبدالمجيد الحكيم ، الاستاذ عبد الباقي البكري ، والاستاذ المساعد محمد طه البشير / مصدر سابق /ص25 . وكذلك انظر في التمييز بين عقود المعاوضة وعقود التبرع في د. منذر الفضل / النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني – دراسة مقارنة -/ مصادر الالتزام / الطبعة الاولى / بغداد /1991/ ص62-63.

7- أ.زهير الزبيدي / الغبن والاستغلال بين الشريعة الاسلامية والقوانين الوضعية / دراسة مقارنة / مطبعة دار السلام / بغداد / 1973/ص81.

8- د. عبد المجيد الحكيم ، الأستاذ عبد الباقي البكري ، والأستاذ المساعد محمد طه البشير / مصدر سابق /ص92.

9- انظر المادة (125 ) من قانوننا المدني وهذه المدة هي مدة سقوط وليس مدة تقادم ، فهي لاتقبل الوقف ولا الانقطاع ، فأذا لم يتم رفع أي من الدعويين ، خلال تلك السنة سقط حق المتعاقد المغبون في رفعها ، أيّاً كان الدافع الذي أدى الى عدم رفعها . انظر في ذلك ، إستاذنا الدكتور حسن علي الذنون / محاضرات في القانون المدني العراقي / نظرية العقد / القاها على طلبة قسم الدراسات القانونية /معهد الدراسات العربية العالية / 1956 /ص59 . وانظر كذلك د. غني حسون طه / مصدر سابق /ص214-215.

10- د. عبد المجيد الحكيم ، الاستاذ عبد الباقي البكري ، والأستاذ المساعد محمد طه البشير / مصدر سابق /ص94.

11- أ. زهير الزبيدي / المصدر السابق /ص 121.

12- ولم يأخذ القانون المدني الفرنسي بنظرية الاستغلال وكذلك لم يعترف بالغبن كسبب عام من اسباب بطلان العقد ، فقد قضت المادة (1118) منه بأن الغبن لايعيب الأتفاقات إلا في عقود خاصة وبالنسبة لأشخاص معينيين. وعلى هذا ،ذهب البعض الى إن منح القضاة سلطة تعديل التصرفات القانونية يجب أن تكون وفقاً لنصوص القانون ، فتدخل القضاة في تعديل التصرفات القانونية خارج هذا الأطار سيؤدي الى عدم استقرار المعاملات بين المتعاقدين وتزعزها . انظر في ذلك

WEILL et TERRE’ ،op .cit، p.225-226.

وقرب من هذا المعنى الدكتور سمير عبد السيد تناغو ، إذ ذكر ((… والأهم من ذلك ان الأنتقاص يعتمد على الأرادة الحقيقية للمتعاقدين ، بينما التعديل موجه ضد هذه الارادة ، فالتعديل انكار للعقد ….)) .انظر تفصيل ذلك د. سمير عبد السيد تناغو / مصدر سابق / ص420 .

– وهوعقد يستقل فيه أحد الطرفين بوضع شروط التعاقد مقدماً وفي صيغة مفصّلة وعلى شكل ( مشروع لائحي ) وينضم الى هذا المشروع كل من يريد التعامل مع الطرف الاول فيقتصر القبول على مجرد التسليم بهذه الشروط من دون مناقشة . د. اسماعيل غانم /مصدر سابق /ص131.

وانظر في طبيعة وأحكام عقد الاذعان ، د. عبد المجيد الحكيم /الموجز في شرح القانون المدني /الجزء الاول / مصادر الالتزام /الطبعة الخامسة /بغداد/ مطبعة نديم/ 1977/ص82 ومابعدها.

14- انظر المادة (177/فقرة 1) من قانوننا المدني والمادة ( 157 /فقرة 2) من القانون المدني المصري والمادة (246) من القانون المدني الاردني رقم43 لسنة 1976 المعدل.

15- أنظر المادة (146/فقرة 2) من قانوننا المدني والمادة (147/فقرة 2) من القانون المدني المصري.

16-أنظر المادة (940/فقرة 2) من قانوننا المدني والمادة (709/فقرة 2) من القانون المدني المصري.

17- وتقابلها المادة (130) من القانون المدني السوري رقم 84 لسنة 1949 المعدل.

18- د. السنهوري / الوسيط في شرح القانون المدني / الجزء الاول / مصدر سابق / ص501 هامش رقم (2) ، د. عبد العزيز المرسي حمود / مصدر سابق /ص17-20 ، د. ابراهيم الدسوقي ابو الليل / مصدر سابق /ص116 ، د. عبد المنعم فرج الصدة / مصادر الالتزام / مصدر سابق /ص228 ، د. احمد حشمت أبو ستيت / مصدر سابق /ص258.

19- وكذلك القانون المدني السوري فقد أخذ بنفس الاحكام التي جاءت بها المادة (129 ) من القانون المدني المصري . انظر المادة (130) من القانون المدني السوري .

20- ومنهم د. راقية عبد الجبار علي / مصدر سابق / ص95 وما بعدها ، د. محمد علي الخطيب / سلطة القاضي في تعديل العقد في القانون اليمني والمصري والفقه الاسلامي / رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق بجامعة عين شمس /1992/ص188 وما بعدها.

21- د. محمد عبد الظاهر حسين / الدور المنشئ للقاضي في أطار الروابط العقدية /القاهرة /دار النهضة العربية /2000/ص132 … وقد جاء في المادة (244/فقرة 2) من القانون المدني المصري (( ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض اذا أثبت المدين إن التقدير كان مبالغاً فيه الى درجة كبيرة ، أو إن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه)).

22- فقد نصت المادة (170/فقرة 2) على إنه (( ولايكون التعويض الاتفاقي مستحقاً اذا اثبت المدين ان الدائن لم يلحقه أي ضرر ويجوز تخفيضه اذا أثبت المدين ان التقدير كان فادحاً أو ان الالتزام الاصلي قد نفذ في جزء منه ويقع باطلاً كل اتفاق يخالف احكام هذه الفقرة )).

23- انظر د. عبد العزيز المرسي حمود /مصدر سابق /ص248-249 ، وكذلك :

LUC AUBERT et JESTAZ ،Le Contrat ،connaissance du droit،1992، Dalloz ،p.130.

24-وقد أخذ بهذا الرأي د. عبد العزيز المرسي حمود /مصدر سابق /ص247-248، ندى عبد الكاظم حسين /نظرية أنتقاص العقد/ رسالة ماجستير مقدمة الى كلية الحقوق /جامعة النهرين /2000/ص95 ، وكذلك د. أبراهيم الدسوقي أبو الليل /البطلان الجزئي للعقود والتصرفات القانونية/ دراسة تحليلية تطبيقية لنظرية الأنقاص / مطبوعات جامعة الكويت /1988/ص171-174.

25- د. عبد العزيز المرسي / مصدر سابق /ص235-236، ندى عبد الكاظم حسين /مصدر سابق/ص121-123.

– ومن تلك الحالات المشابهة في الحكم ، في قانوننا المدني ، ما قضت به المادة (940 /فقرة 2) منه ، التي اعطت القاضي سلطة في تخفيض أجر الوكيل اذا كان مبالغاً فيه، والتي تقابل المادة (709 /فقرة 2) من القانون المدني المصري …. وكذلك في سلطة القاضي بأنقاص التزامات الطرف المذعن وفقاً للمادة (167/فقرة 2) من قانوننا المدني التي منحت القاضي سلطة تعديل الشروط التعسفية أو اعفاء الطرف المذعن. منها والتي تقابل المادة (149 ) من القانون المدني المصري .

27- د. عبد العزيز المرسي حمود /مصدر سابق /ص235-238 ، د. ابراهيم الدسوقي ابو الليل / البطلان الجزئي للعقود والتصرفات القانونية / مصدر سابق /ص171-173 ، وكذلك ندى عبد الكاظم حسين /مصدر سابق /ص121-124.

28- وفي هذا نتفق مع د. محمد علي الخطيب / مصدر سابق /ص81-82 ، د. عبد الرحمن عبد العزيز متولي سعودي / سلطة القاضي في تعديل مضمون العقد – دراسة مقارنة / رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق / جامعة القاهرة /1996 /ص554 وما بعدها . وكذلك د. راقية عبد الجبار علي / مصدر سابق /ص108 ومابعدها.

29- ومن هؤلاء ،د. محمد علي الخطيب / مصدر سابق /ص82،د. فؤاد محمود معوض / دور القاضي في تعديل العقد / دراسة تحليلية وتأصيلية في الفقه الاسلامي والقانون الوضعي / الأسكندرية / دار الجامعة الجديدة للنشر /2004 /ص384.

30- انظر في ذلك ، المادة (172) من قانوننا المدني والتي تقابلها المادة (227) من القانون المدني المصري .

31- وبهذا نتفق مع د. السنهوري / الوسيط في شرح القانون المدني / الجزء الاول / مصدر سابق / ص501 هامش (2) ، د. عبد العزيز المرسي حمود / مصدر السابق /ص18 ، د. صاحب عبيد الفتلاوي / مصدر السابق /ص197.

32- د. فؤاد محمود معوض / المصدر السابق/ص336 ، والى هذا المعنى يذهب الدكتور محمد عبد الظاهر حسين حيث يرى بأن سلطة القاضي في تعديل بنود العقد تصحيحاً لهذا العقد ، د. محمد عبد الظاهر حسين /مصدر سابق / ص124-125.

33- د. السنهوري /مصادر الحق /الجزء الرابع /مصدر سابق /ص126.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .