بحث قانوني هام حول القتل شبه العمد في القانون السوداني

يبين المشرع القتل العمد فى القانون بأنه يعد القتل قتلاً شبه عمداً اذا تسبب فيه الجانى بفعل على جسم الانسان ولم يكن الموت نتيجة راجحة لفعل اى ان القتل شبه العمد هو الذى يتسبب فيه الجانى بفعل جنائى عليه على جسم المجنى عليه ولم يكن قصده نتيجة لتسبيب الموت كما ان الموت لم يكن نتيجة راجحة لفعله ، وذلك يتبين من خلال ملابسات القضية والوسائل التى استخدمها الجانى فى ايقاع الاذي على جسم المجني عليه ، وذلك كمن يضرب أخر بالسوط فيموت نتيجة للصدمة العصبية ، فالسوط ليس من الوسائل التى يترجم معها الموت كما ان نية القتل تنتفى تبعاً لما استخدمه الجانى من وسائل وافعال على جسم المجنى عليه .

وقد اورد المشرع السودانى فى القانون واستثناءات تجعل القتل شبه عمداً وهى على سبيل الحصر وهى موضوع بحثنا هذا وسيتم مناقشتها فى وقتها .
كما ان المشرع أبان لنا ماهية القتل الخطأ (يعد القتل خطأ اذا لم يكن عمداً او شبه عمد وتسبب فيه الجانى عن اهمال او قلة احتراز او فعل غير مشروع اى ان القتل يكون قتلاً خطأ اذا لم يكن عمداً او شبه عمد ويكون الجانى تسبب فيه نتيجة اهمال كحارس الاشياء الذى يهمل فيها فتؤدى لوفاة انسان او نتيجة عدم احتراز وتبعد كقائد المركبة الذى يقود سيارته دون تفقد إطاراتها مما ينتج عنه موت انسان ، كما يكون عن فعل غير مشروع يرتكبه الجانى على جسم المجنى عليه بحسن نية وذلك كمن يقوم بعلم الاوشام و الشلوخ فتؤدى الى الموت .

مفهوم الدفوع القانونية :

هى استثناءات على سبيل الحصر اوردها المشرع السودانى فى القانون وهى عند تحقق القتل وفقاً لشرائطها القانونية تحليل صفة القتل العمد الى شبه العمد .
وهذه الدفوع القانونية خصها المشرع بشرط وضوابطها للتمتع بها ولم يتركها على اطلاقها لتكون باباً ينفذ منه اصحاب الاهواء والاغراض للإفلات عن العقاب . وقد منح القضاء سلطة واسعة للبحث عن توافر هذه الدفوع من خلال الظروف والملابسات التى تحيط بالقضية لاستخلاص امكانية توافر الدفع القانوني الاستفادة منه نسبة للجانى من عدمه .
ويستطيع الجانى الدفع بأحد هذه الدفوع من تلقاء نفسه او بواسطة محاميه ، على المحكمة التحقيق من صحة الدفع القانوني وذلك بالفحص الدقيق لمجريات الاحداث والظروف و الملابسات لها وحدها ان تقرر بصحة الدفع مع خضوعها فى ذلك لوقاية المحكمة الاعلى .
كما يجب على المحكمة ان تناقش هذه الدفوع من تلقاء نفسها ول مل يثرها الجانى . حيث تقدم المحكمة بالبحث و الاستتقصاء عن مدى امكانية الجانى الاستفادة من اى عنها من عدمه . وذلك كله حفاظاً على تحقيق العدالة حتى لا يؤخذ الابرياء بجرم لم يقصره .

الفرق بين الدفع القانونى ومانع المسؤولية :

الدفع القانونى كما بيناه انفاًَ يغير صفة القتل العمد الى قتل شبه عمد اذا توافرت العمد الى القتل شبه العمد اذا توافرت شروطه القانونية وتحقق.
اما مانع المسؤولية فهى صفة متعلقة بالجانى تمنع عنه المسائلة الجنائية .
وهذه الصفة أطفأها المشرع على الشخص حصراً فمتى ما قامت بالشخص منعت توقع العقاب عليه رغماً عن ثبوت ارتكابه وذلك نلمسه فى نص المادة (9) تحت عنوان فعل الصغير (لا يعد مرتكباً جريمة ، الصغير غي البالغ … الخ
بيد ان المشرع اجازة تطبيق تدابير خاصة بالرعاية والاصلاح عليه وهذا ما جاءت به المواد
ومن هذا القانون وكذلك نلتمس فاقد التمييز والاختيار بسبب الجنون الدائم او المؤقت او العاهات العقلية او النوم او الاغماء او بسبب تناول مادة مسكرة او مخدرة نتيجة اكراه او ضرورة او دون علم الجانى .
مما تقدم يتضح لنا ان مانع المسئولية هى صفة متى ما توافرت من شخص الجانى منعت توقيع العقوبة .
اما العقاب القانونى الوارد فى المادة (131) ف (2) فإنه لا يمنع العقاب انما يغير صفة القتل من قتل عمد الى قتل شبه عند مما يترتب عليه تخفف المسئولية على الجانى كما فى حالة مانع المسئولية .

• القتل الحاصل من الموظف العام متجاوزاً حدود السلطات المخولة له قانونياً بحسن نية او اثناء تجاوز حق الدفاع الشرعى بحسن نية او ارتكاب القتل تحت تأثير الاكراه .
•القتل الحاصل من الموظف العام متجاوزاً لحدود السلطة المخولة له قانوناً بحسن نية .
ينص القانون على انه (يعتبر القتل شبه عمداً اذا تجاوز الموظف العام لحدود السلطة المخولة له قانوناً وهو يعتقد بأن فعله الذى سبب الموت ضروري لتأدية واجبه) وعندئذ يخرج الموظف العام عن حدود الاباحة القانونية لخروجه عن حدود القانون ولكن اذا كان حسن نيته بأن كان بعد التثبيت والتحرى يعتقد خطأ بمشروعية ما قام به فأن القانون يعتبر ما وقع منه قتلاً شبه عمد .

-اركان الجريمة :

يشترط لتكوين هذه الجريمة :

اولاً : ان يكون الجانى موظفاً عمومياً او شخصاً مكلفاً بخدمة عامة يقوم بعلم لتحقيق العدالة العامة او شخصاً يساعد هذا الموظف فى هذا العمل ويتجاوز الموظف العام بفعله حدود سلطاته .
اول ما يلاحظ هنا هو علاقة هذه المادة بالمادة من القانون الجنائي لسنة 1991م بصورة قريبة ولكنها ليست مطابقة تماماً ، فوجه الشبه فى ان مسئولية الموظف العام او من يساعده قد تسقط تماماً اذا استوفى شروط المادة (2) او قد تخفف فقط من القتل العمد الى القتل شبه العمد اذا قصر عن ذلك ولكنه حقق شروط المادة فالقاعدة الاساسية انه لا مسئولية على الاطلاق على اى فعل يلزمه به او يقره القانون وبالتالى فلا مسئولية على الموظف العام او عمل اى شخص يساعد الموظف العام ، اذا كان العمل فى حدود السلطة التى يمنحها القانون .

ثانياً : ان يستعمل الموظف او الشخص المكلف بخدمة عامة سطوه واستعماله امه سطوه او استعمال الوظيفة كما يجوز ان تحصل باى طريقة ، وان تكون لدى الموظف العام او من يساعده سلطة استخدام القوة ولكنه تجاوزها ، ولا ينطبق هذا الدفع اذا لم تكن هناك اى سلطة لاستخدام القوة المادية . فإذا تعدى الموظف العام او الشخص الذى يساعده حدود السلطة التى منحها القانون فهو مسئول عن عمله مسئولية كاملة إلا فى حالة جريمة القتل العمد حيث ينشأ الدفع الجزئي والخاص بتلك الجريمة بما يحفف المسئولية عنها الى القتل شبه العمد تحت المادة

ثالثاً : ان يعمل الموظف فى حدود اختصاصه ، لانه يغير ذلك لا يمكن ان يترتب على عمله اى اثر او ينتج عنه اى ضرر .

رابعاً : ان يقع تجاوز السلطة باعتقاده بحسن نية اى انه يعتقد بأن ذلك العمل مشروع وضروري واجبه على ان يكون اعتقاداً خاطئاً ولكنه بحسن نية ، يعنى انه اعتقاده قام بعد ما يجب بذلك من عناية وانتباه .

خامساً : يجب ان يكون سلوك الجانى بدون قصد سيئ نحو الشخص الذى حدث له الموت ، بمعنى انه لم يستغل الموقف لتحقيق قصد سيئ مسبق او مستقل عن ضرورة العمل لتحقيق العدالة العامة . وعلى المحكمة ان تتحرى بنفسها حقيقة الظروف التى ارتكب فيها الفعل قلا تقتضى بالادانة إلا اذا توافرت العناصر اللازمة لذلك ، فعل صاحب الدفع عن اثبات فقد القت المادة على عاتق المتهم عبء اثبات حسن النية ، ومعنى ذلك ان المحاكم تشدد فيما يختص بحسن النية وليس فى هاذ الشرط مغالاة من المشرع لانه اذا كان يسوى بين العمل القانونى والعمل غير القانونى حتى لا يدعو تهديد الموظف العام بمسئولية مطلقة الى تردده فيما هو من وظيفته مما يلحق ضرراً بالمصلحة العامة .

فالمطلوب دائماً هو الوزن بين منح الموظفين العموميين السلطات والحماية الضرورية لتمكينهم من أداء واجباتهم لتحقيق المصلحة العامة فى ذلك من جهة وتغيير وضبط ممارسات تلك السلطات والحماية القانونية حتى لا يستغل الموظفين العموميين سلطاتهم فى التسلط على الناس وإهدار حقوقهم بما اقتضاه التبنية الى عدم الاقدام على العمل ما لم يكن بيد الفاعل الدليل على عدم قيام اسباب معقولة تبرر اعتقاده بمشروعية العمل .

ومن النماذج الطبية لتقليد سلوك الموظف العام اثناء تأديته لواجبه ما حدث فى قضية حكومة السودان ضد الخضر اليأس .
كلف المتهم – وهو رجل شرطة بنقطة جبل اولياء جنوب الخرطوم بالذهاب مع الشاكيين للقبض على المرحوم المتهم بإتلاف خراطيش المياه بقرية قريبة وذلك تحت المادة 368 من قانون العقوبات (إتلاف موارد المياه) ذهب المتهم فى عربة مع الشاكيين متسلحاً بمسدسه حيث وجودوا المرحوم يقوم بعمل الطوب من الطين ومعه شاهد الاتهام السادس ، طلب المتهم من المرحوم ان يذهب معه لنقطة الشرطة غسل المرحوم يديه وتوجه نحو العربة ليركب ولكن شاهد الاتهام السادس طلب منه إلا يذهب مع المتهم حتى لا يفقد حقه ، امر المتهم المرحوم بالركوب ولكنه كرر رفضه على أساس انه سيفقد اجره اليومى فى عمل الطوب من الطين هنا امسك المتهم بيد المرحوم لاجباره على الركوب إلا ان المرحوم جذب يده من المتهم ، طلب شاهد الاتهام الثانى من المرحوم الانصياع لامر المتهم ولكن المرحوم جذب يده ودفعه بقوة نحو العربة واخرج المتهم مسدسه المعبأ بالطلقات النارية وطلب من الجميع ان يبتعدوا ، ورجع الى والوراء ثم اطلق رصاصة واحدة من مسدسه اصابت المرحوم فى مؤخرة الرأس وأدت الى وفاته بمستشفى الخرطوم وأدانت المحكمة الكبرى المتهم بالقتل العمد ، حكمت عليه بالاعدام وأيدتها المحكمة العليا ورفضت دفع المتهم تحت المادة 44 لان تصرفه يفتقد لحسن النية الضروري لاعتقاده بأن القانون يلزمه او يقره على ذلك الفعل واخيراً قررت المحكمة العليا عدم انطباق المادة 249 / 3 لعدم توفر حسن النية فى ممارسة المتهم لسلطاته وانتهت الى تأييد لادانته بالقتل العمد وعقوبته الاعدام .

•وفى قضية حكومة السودان ضد / على عبدالله جمعه : كان المتهم عضواً فى دورية شرطة مكلفة بإحضار القطعان غير المسجلة وقد قبضوا بالفعل على احد القطعان وبعض رعاته وبالليل حاول احد الرعاة الهروب بالجمال إلا ان المتهم و الذى كانت عليه نوبة الحراسة اطلق عليه النار فأرداه قتيلاً وبعد ان رفض المرحوم الاستجابة لنداء المتهم له بالتوقف ، ادين المتهم الذى لا يرقى لدرجة القتل العمد باعتباره انه سبب الموت بتجاوزه لسلطاته كموظف بحسن نية .
ملخص ذلك ان القانون الجنائي يعتبر كل فعل مأذون فيه قانونياً او يقتضيه لا عقاب عليه ما لم يكن نتيجة قصداً او خطأ من مرتكب الفعل ففى هذه الحالة يؤخذ على قصده ، فاذا قصد المأذون له دفع الاعتداء وتنفيذ القانون فلا عقاب عليه . و اذا قصد القتل وكان من الممكن رد الاعتداء بقليل من العنف فإنه يكون مسئولاً عن قصد القتل ما دام قصد القتل ، ونفذ قصده وكذلك لا يسأل عن النتائج التى تتوقعها او التى كان يجب يسأل عن النتائج التى كان فى وسعه ان يتوقعها او التى يجب عليه ان يتوقعها ، فاذا ادى الضرب الى الموت فهو مسئول عن هذه الوفاة .
فالقاعدة ان كل فعل مأذون فيه يجب أداؤه تحت شرط السلامة العاقبة اى مع العناية والحيطة اللازمين و إلا كان الشخص متعدياً ويسأل عن نتيجة الجناية غير العمدية

القتل اثناء تجاوز حق الدفاع الشرعى بحسن النية :

الدفاع الشرعى او دفع الصيال كما عرفه فقهاء الشريعة الاسلامية .
الصيال لغة : مأخوذ من صال عليه ان استطال وصال وثب – يقال (صال الفعل يصول صولاً) وثب وبابه قال وصوله ايضاً : رب قول اشد من صول والمصالة المواثبة ، كذلك الصيال ، وصولاً العبير بالهمزة – اذا صاله يقتل الناس وعبر عليهم فهو جمل صؤول . )
عبر المشرع السودانى بأنه (لا يعد الفعل جريمة اذا وقع عند استعمال حق الدفاع الشرعى استعمالاً مشروعاً ) .
من شرح القانون من يعتبر الدفاع الشرعى تفويضاً قانونياً باستعمال الحق فى منع الجرائم فالبوليس هو المكلف بمنع الجرائم اصلاً ولكنه عندما لا يأتى الالتجاء اليه ليدرأ الاعتداء يمارس الفرد سلطته فى ذلك بتفويض من الشارع
والدليل من القرآن الكريم قوله تعالى : (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) امر الله عز وجل بالقتل لنفى الفتنة ومن الفتنة قصده قتل الناس بغير الحق .
وجاء فى السنة (أ) عن سعيد بن زيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون اهله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه او دون دينه فهو شهيد) رواه ابوداؤد وغيره
ولا بد من قياس الفارق لان الدفاع رخصة للمدافع يستعملها اذا شاء ولا يترتب مسئولية على عدم استعمالها ، اما مأمور الضبط فهو مكلف بمنع الجريمة و النكول عن هذا الواجب يحمله مسئولية وسلته فى ذلك عليها سبيل الحصر .

وهناك فرق بين الحق والرخصة ، فالحق يقابله التزام معين والرخصة كذلك – اما الدفاع الشرعى يرجع الى فكرة الموازنة بين المصالح المتعارضة للافراد وإثار مصلحة اولى بالرعاية تحققها للمصالح العامة وهو هدفه كل النظام قانونى ، فكل من الخصمين يرتكب عملاً غير مشروع ولكنه بالنظر الى الظروف التى وقع فيها كل من الفعلين رأى الشارع ان المصلحة العامة تحقق بآثار مصلحة المدافع فى درأ الاعتداء على مصلحة من بادر بالاعتداء فقلب عمل المدافع الى عمل مشروع .

اولاً : شروط الدفاع الشرعى :
فى حالة الدفاع الشرعى يوجد سلوك من جانب المتعدى وسلوك المدافع ويكون الفعل فى حدود الدفاع اذا توفرت شروط معينة فى الاعتداء وشروط اخرى فى الدفاع .
فشروط الاعتداء هى :
•وجود خطر بارتكاب جريمة .
•على النفس والمال او النفس والغير او مله او عرضه .
•ان يكون الخطر حلا او وشيك الوقوع
•يستحيل دفعه بالالتجاء الى السلطات العامة او بأي طريقة اخرى .
اما شروط الدفاع فهى :
•ان يكون لازماً لدفع الاعتداء
•وان يكون متناسباً مع الاعتداء .
وسنتكلم عن الاعتداء والدفاع فى مطلبين :

اولاً : شروط الاعتداء :
الشطر الاول :
قيام خطر بإرتكاب جريمة لابد ان يسبق الدفاع الشرعى الاعتداء او خطر اعتداء يتهدد المدافع نفسه او فى ماله ، اما فى نفس الغير او ماله ، الاصل فى الاعتداء الذى يبيح الدفاع الشرعى ان يشكل على المدافع خطراً حقيقياً ، فاذا انتفى الخطر بالكلية فلا تنشأ حالة الدفاع الشرعى .
بل يكون استعمال القوة جريمة يتوقف نوعها على سلوك الجانى وعلى قصد الجانى طبقاً للقواعد العامة
فلقد شرح الدفاع للتوقى من الجريمة لا لمجازاة المتعدى ، فالدفاع جائز فى المرحلة السابقة على انتهاء الجريمة سواء بدأ المتعدى فى تنفيذها او كان سيبدأ فى ذلك حالاً ، إذن يكفى لتحقيق فكرة الاعتداء ان يكون هناك فى خطر حال على وصف يحميه القانون الجنائي ، بحيث لو ترك المتعدى وشأنه لوقعت الجريمة ، اذا وقع الضرر بالفعل فمثلاً اذا بادر المتهم الى اطلاق النار على المجنى عليه إذ رآه بين الاشجار دون ان يكون قدر صدر منه او من غيره اى فعل مستوجب للدفاع ، فلا يصبح القول بأن هذا المتهم كان فى حالة دفاع شرعى ، كما لا يصبح اعتباره متجاوزا حق الدفاع اذ لا يصح القول بتجاوز الحق إلا مع قيامه .
لا يوجب القانون الجنائي لقيام حالة الدفاع الشرعى ان يقع بصفة مطلقة اعتداء حقيقي ، بل يكفى خطر الاعتداء ماثلاً فى ذهن المدافع وقت الدفاع ، ولو ثبت فيما بعد ان الخطر لم يكن له اصل فى الواقع بشرط ان يبين ان تخوف المدافع ، كان مبنياً على اسباب جريه مقبولة تحمل الانسان فى مثل ظروف المدافع وسنه وجنسه وقوته و إدراكه وخبرته بالحياة على ان يعتقد بقيام هذا الخطر وبجديته وبضرورة استعمال القوة لدفعه .

جاء فى قضية حكومة السودان ضد / ختم محمد حسن انتزاع المدافع السلاح الوحيد فى يد المتعدى واستعماله لذلك السلاح ضده لا يعد تجاوزاً لحق الدفاع الشرعى عن النفس طالما كان هناك تخوفاً معقولاً على نفسه من الموت او الاذى الجسيم لغرض التخوف المعقول وتأخذ المحكمة الاعتبار الظروف المحيطة بالحادث ، كعنف الاعتداء الواقع على المدافع وتفوق المتعدى فى القوة الجسدية عليه .
ان العبرة فى الخطر يكون بتقدير المدافع للظروف التى كان فيها بشرط ان يكون تقديره مبنياً على اسباب معقولة من شأنها ان تبرره (ففى قضية حكومة السودان ضد / آدم عمر يحي ان حق الدفاع الشرعى ينتهى بمجرد زوال الخطر الجاثم ، وعليه فان تسديد اى الضربات ضربات اخرى لا يعتبر تجاوزاً فقط لحق الدفاع الشرعى بل لفقدان هذا الحق
لذلك يجب على محكمة الموضوع ان تراقب تقرير توافر الخطر فى ذهن المراجع كما تبحث فيما اذا كان تقديره مبنياً على اسباب معقولة تبرر ما وقع منه ام لا ، فاذا كان مقبولاً ومشروعاً نشأة حالة الدفاع الشرعى و إلا فلا .

الشرط الثانى : موضوع الاعتداء : ان حق الدفاع الشرعى مؤسس على مبدأين احدهما ان سلطات الامن فى الدولة ليس موجودة فى كل مكان ، لذلك كان على الانسان ان يدافع عن نفسه اذا لم توجد هذه السلطات لتحميه من العدوان ، وثانيهما ان اول واجب على الانسان هو ان يساعد نفسه ويتجه القانون الجنائي السودان الى حصر الجرائم التى تبيح تسبيب الموت او الاذى الجسيم دفاعاً ، فلا يبيح الدفاع إلا لرد خطر جرائم معينة وهى المنصوص عليها فى المادة 12/4 من القانون الجنائي لسنة 1991م فتنص المادة على انه (لا بلغ حق الدفاع الشرعى تعتمد تسبيب الموت إلا اذا كان الخطر المراد د

الخاتمة:-

مما لاشك فيه ان جرائم القتل من الجرائم التى تشغل اهل القانون و الراى العام و هى من الجرائم التى شغلت اساتذة القانون و الشرطة و هذا البحث لا يبرز الحقائق الكاملة حولها و لكنه محاولة السير غور هذا البحر المتلاطم عله يتلمس شيئا من الحقيقية حول هذا الموضوع.

النتائج :

توصل البحث الى النتائج الاتية:
1-ان البحث فى الجرائم التى تقع بالمخالفة للمادة (131/2) تتسم بصفة التعقيد حول الوصول الى الحقيقة التى يمكن بموجبها اصدار الاحكام التى تخلق التوازن بين الردع ورد الحقوق الى اصحابها و عدم ظلم اولئك الذين يرتكبون تلك الجرائم و لكن فقهاء القانون و بفضل الله كما ورد ذكره اشاروا الى الكثير من الطرق التى يمكن من خلالها استفادة او عدم استفادة الجانى من الاستثناءات الواردة فى المادة (131) الفقرة (2).
2-من اهم الطرق التى ركز عليها فقهاء القانون فى محاسبة الجانى هو النظر الى بيئته وعاداته و تقاليده و درجة التعليم لديه فى قياس التصرف الذى قام به و مدى حاجته لذلك التصرف بحسب المقاييس الواردة ذكرها آنفا فهنا اوضح الفقهاء حقيقة ان القانون شرع لمصلحة المجتمع و لكنه يراعى امكانية التطبيق.
3-ان فكرة تجاوز الطن العام لحدود السلطة المخولة بحسن نية و استفادته من الاستثناء ذلك لكى يتمكن فى ان يؤدى الخدمة المكلف بها. و حتى لا يحدث نفور فى اداء الموظف العام لخدمته على ان يكون فى الحالة الاولى حسن النية عند قيامه بقتل شخص و فى المفترض ان يملك سلطة استخدام القوة مسبقا و الا لا يستفيد من الاستثناء.
4-ان فكرة الدفاع الشرعى قامت على اساس ان الجانى لا يمكنه فى قت وقوع الجريمة الاستعانة بالسلطة العامة و اشتراط فى نشوئه وجود عدوان حال وشيك و يكون عند ذلك العدوان ضرورة لاستخدام القوة, كما اشترط فى ممارسة ان يوجه الرد لمصدر العدوان على ان ينتناسب فقط, و لا يجوز ذلك فى مواجهة الموظف العام الا اذا خيف تسبيب الموت الا اذا كان العدوان قد يؤدى الى الموت, او الاذى الجسيم, او الاغتصاباو الاستدراج او الخطف على سبيل المثال.
5-الاكراه انعدام الرضا و التصرف تحت تاثير شخص اخر و قياسه يعتمد على محكمة الموضوع فى البيئة و التعليم كما سبق ذكره, و لابد لا يسرق المكر فى الفعل لكى يستفيد من الدفع بالاكراه و لا يجبر و الاكراه تعمد تسبيب الموت.
6-و يستفيد الجانى من حالة الضرورة الا اذا كانت ملجئة و حالية و ليست منتظرة و لم يكن هنالك حل غير القتل فالضرورة تقدر بقدرها المسألة مسألة وقائع تختص بها محكمة الموضوع و هى لحماية النفس او الغير و لا يستفيد الجانى من الدفع بها فى غير ما اشترط لوجودها.
7-حالة الرضا تعتبر وفق القانون السودانى يمكن الدفع بها على خلاف بعض القوانين التى لا تعتد بفكرة القتل الرحيم و لكن اشترط القانون السودانى التاكد من الرضا و مع التاكد من اهلية المجنى عليه.
8-اسراف الجانى فى الفعل المشروع المأذون به فيه مثال ضرب الزوج لزوجته وفق امر الشرع او المعلم للطالب فتجاوز ذلك القدر يلبسهم المسئولية.
9-اذا تسبب الجانى فى القتل اثناء العراك المفاجىء دون قيامه بسلوك شاذ مستغلا وضع المجنى عليه وقد اشترط المشرع فى قيام المسئولية تخطيط و تدبير مسبق و ان العراك مفتعل فهنا لا يمكن الاستفادة من الدفع و ملاحظة افعال قبل و بعد الفعل و اوقوال معاصريه و اتصرفات السابقة لذلك تمكن محكمة الموضوع من التاكد من انعدام او وجود التفكير اثناء العراك.
10-و الدفع بالاضطراب العقلى او النفسى او العصبى كسبب فى قتل المجنى عليه و فى هذا الصدد الطبيب هو الذى يمكنه تحديد ذلك الاضطراب و لا يستفيد الجانى من هذا الدفع مالم يثبت ان الضطراب كان اثناء تسبيب الموت و يعتبر استخدام المشرع لفكرة ثقافة الجانى و تعليمه و البيئة المحيطة و العادات و التقاليد من انجح الطرق فى تحديد الاستثناء بالاضافة الى الطبيب و الوقائع الخاصة بمحكمة الموضوع فى ذلك الصدد.
التوصيات:-
1-ان الدقة فى التفرقة بحسب الوقائع بين القتل العمد و الاستفادة من الاستثناءات المذكورة للخوف من ضياع الحقوق و ذلك لأهمية و حساسية الموضوع.
2-فكرة البيئة و التعليم و العادات و التقاليد مع ملاحظة التطور الذى اصبح يمكن من خلاله ادراك الجناة لماهية افعالهم و محاولة استغلال الطبيعة السابقة لهم للدفع بهم.
3-من خلال مراعاة التطور الذى طرأ على المجتمع بوجود الشبكة العنكبوتية التى يمكن ان يكون هنالك استفزاز من قرب باستخدام الاجهزة الحديثة وورود الرضا من خلالها و غيرها فلابد من تطور الفقه لتغطية مثل هذه المسائل بدقة.
4-ان تحديد الادوات التى يجب استخدامها فى الفعل المشروع عادة و ذلك لتمكن الطب فى الغالب من تحديد الوسائل و الاماكن التى تسبب الوفاة.