الصحافة القضائية
القاضي ناصر عمران
ثمة حاجة لمران حقيقي في المساحة الدستورية والقانونية التي تقف عندها العلاقة ما بين الإعلام والقضاء وآليات العمل المتبادلة بينهما لظهور صحافة قضائية مختصة على غرار ما يدرس في كبريات معاهد الإعلام الأجنبي، فالصحافة القضائية جنس صحافي جديد يؤكد على نشاط المؤسسة القضائية والحصول على المعلومة التي كفلها الدستور والقانون للإعلامي مع ضمان حقوق وحريات المواطنين وأهمها سرية التحقيق وقرينة البراءة.

ونرى نواته وباكورة ظهوره الأول في التحقيقات القضائية التي يجريها الإعلاميون في موقع السلطة القضائية وتحديداً في صحيفة القضاء الالكترونية والتي تتناول مواضيع قانونية واجتماعية يتم فيها توظيف المعلومة القضائية بشكل ايجابي يبرز ثنائية (قضائية إعلامية) في العمل الإعلامي وذلك بالمتابعة لنشاط السلطة القضائية بمختلف مكوناتها والتغطية الصحفية لعملها وتحقيق الغاية الأساس وهي خدمة المواطن عن طريق نشر الثقافة القانونية وتوعية الرأي العام وتأمين حق المواطن في الوصول إلى المعلومة القانونية والقضائية بما يعزز الثقة بالقضاء والعدالة.

إن هذه المساحة التي يقدمها الإعلام القضائي والتي نجد لها صدى كبيرا عن طريق النشر بمواقع ومؤسسات إعلامية كبيرة دون أن نبخس تجارب أخرى مهمة لبعض الصحف العراقية وبخاصة صحيفة الصباح التي خصصت صفحة شهرية لنشاط مجلس القضاء الأعلى بالإضافة الى صفحة تشريعات قانونية وهذه التجارب بحاجة الى استثمار حقيقي من قبل وسائل الإعلام المختلفة للمساهمة في ظهور صحافة قضائية مختصة تأخذ على عاتقها التعامل مع القضاء على انه جسم مستقل داخل منظومة المؤسسات القانونية والدستورية للدولة ونشاطاته جديرة بالمتابعة ومن خلال إعلام موضوعي متخصص يعزز استقلالية القضاء وشفافيته.

لقد لعبت الخلفية المعرفية الماضوية دورا كبيرا في ابتعاد الإعلام عن ولوج الساحة القضائية وبالتالي النشاط القضائي والحصول على المعلومة الامر الذي انعكس بدوره على قصور واضح في التعاطي الإعلامي مع تجربة الاستقلال القضائي للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية في عام 2003 وهو حدث مفصلي في تاريخ الدولة العراقية الجديدة الخارجة من مرحلة الاستبداد والدكتاتورية باتجاه مرحلة الحرية والنظام الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان والذي يشكل القضاء المستقل محورا رئيسيا في حمايته وتعزيزه، وقد يرد سؤال هو في أذهان الكثير من الصحافيين وهو ان المؤسسات القضائية مقفلة وصعوبة الحصول على المعلومة فيها كما أن سياسة المؤسسة القضائية تجاه الإعلام حذرة في أغلب الأوقات اضافة إلى التعاطي القضائي الشحيح مع الإعلام فكيف يمكن التعامل مع القضاء في بلورة صحافة قضائية متخصصة..؟

إن الإجابة على ذلك هو غياب صحافة متخصصة في الشؤون القضائية فالصحافيون في الصحف والمجلات العاملة يعوزهم الإلمام بطبيعة عمل المؤسسة القضائية وان التعامل مع النشاط القضائي والتغطية الإعلامية لنشاطه بحاجة إلى الاطلاع على المسائل القانونية الأساسية بغية مواكبة عمله. فالإعلام المكتوب معرّض للوقوع في أخطاء جسيمة لاسيما أنّ الإعلاميين “ليسوا مطلعين بشكل كاف على المسائل أو المصطلحات القانونية” الامر الذي يمنعهم من الحفاظ على المسافة النقدية اللازمة بالنسبة لما تقوله لهم مصادرهم القضائية وهذه المسافة النقدية مرتبطة بشكل مباشر بالحريات والحقوق وضماناتها وأي تعامل سلبي بالنشر يضع الصحفي بمواجهة المسؤولية القانونية اضافة الى ذلك ان السلطة القضائية لها موقع اعلامي من ضمن واجباته التعاطي مع الصحافة والإعلام ولقد اثبتت التجربة أن التعاون الايجابي بين القضاء والإعلام يخدم المصلحة العامة لا سيما ضمان شفافية القضاء واستقلاليته من جهة والارتقاء بالدور الاعلامي الذي سيجعل الراي العام على تماس مع طبيعة العمل القضائي ونوع القضايا التي ينظرها من جهة أخرى واهمية ذلك في ضمان الحقوق والحريات وتحقيق العدالة

ونستطيع تلمس ذلك من خلال الموقف الاعلامي من الرؤية القضائية الموضوعية في التعامل مع الظواهر الاجتماعية السلبية والتي تشكل سلوكا اجراميا يهدد امن وطمأنينة المجتمع كجرائم الدكة والنهوة العشائرية واطلاق العيارات النارية مثالاً.

ان قرارات مجلس القضاء الاعلى صارت محط أنظار الرأي العام في الآونة الأخيرة لما تثيره من مواضيع اجتماعية وثقافية واقتصادية لها تماس مباشر بحياة المواطن ويتلمس خلالها اتخاذ إجراءات قانونية فاعلة من قبل القضاء على ارض الواقع مما يعزز ثقة المواطن بالقانون وبمؤسسات الدولة وكل ذلك يؤكد ضرورة بناء صحافة قضائية متخصصة تكون داعما مهما ورئيسيا للعملين الإعلامي والقضائي معا.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت