بحث قانوني كبير حول حق الحضانة وفق الشرع

الفصل الثالث حق الحضانة

لاشك أن الطفل يكون في بداية حياته عاجزاً عن القيام بتدبير أموره بنفسه فهو لا يدرك ما ينفعه مما يضده، وهو يستمر على هذه الحال إلى حين بلوغه سناً تمكنه من القيام بتنظيم شؤونه ومصالحه بنفسه، من هنا كان لابد أن يكون هناك من يقوم بتربيته وإدارة مصالحه والعناية به حتى بلوغه هذه السن، وهذه الفترة التي يبقى فيها الطفل غير قادر على العناية بأموره تسمى بفترة الحضانة ، أما الشخص الذي يقوم بالعناية بأموره فيسمى الحاضن.
والحضانة في اللغة تأتي بمعنى حفظ الصغير وتربيته والعناية به، وفي هذا المعنى جاء في لسان العرب لابن منظور “الحضن ما دون الإبط إلى الكشح وقيل هو الصدر والعضدان وما بينهما والجمع أحضان ومنه الاحتضان وهو احتمالك لشيء وجعله في حضنك كما تحتضن المرأة ولدها فتحمله في أحد شقيها .. وحضن الصبي يحضنهُ حضناً رباه، والحاضن والحاضنة الموكلان بالصبي يحفضانه ويربيانه وفي حديث عروة بن الزبير عجبت لقوم طلبوا العلم حتى ذا نالوا منه صاروا حضاناً لأبناء الملوك أي مربين وكافلين.”( )

ويتضح من خلال هذا النص أن الحضانة في اللغة يراد بها تربية الصغير والعناية به وحفظه خلال الفترة التي يكون فيها عاجزاً عن العناية بنفسه وأن الشخص الذي يتولى هذه المهمة يسمى بالحاضن أو الحاضنة.
أما في الاصطلاح فقد عرفت الحضانة بتعريفات متعددة، ومتقاربة من حيث اللفظ والمعنى، فقد عرفها الإمام الكاساني من الحنفية بقوله “حضانة الأم ولدها هي ضمها إياه إلى جنبها واعتزالها إياه من أبيه، ليكون عندها فتقوم بحفظه وامساكه وغسل ثيابه”( ).

وعرضها الامام الرملي من الشافعية بقوله “حفظ من لا يستقل بأموره ككبير ومجنون وتربيته بما يصلحه ويقيه عما يضره”( ).
وعرفها الإمام ابن قدامة من الحنابلة بقوله ” هي كفالة الطفل وحفظه من الهلاك، والانفاق عليه وانجاؤه من المهالك”( ).
وعرفها الإمام العاملي من الإمامية بقوله “هي ولاية على الطفل والمجنون لفائدة تربيته وما يتعلق بها من حفظه وجعله في سريره ورفعه وكحله ودهنه وتنظيفه وغسل خرقه وثيابه ونحوه”( ).
ولم تختلف قوانين الأحوال الشخصية في تعريفها للحضانة عن المعنى الذي اورده لها فقهاء الشريعة حيث عرفها قانون الأحوال الشخصية العراقي بموجب قانون التعديل الثاني رقم (21) لسنة (1978) بقوله “يقصد بالحضانة في قانون الأحوال الشخصية تربية الطفل وتدبير شؤونه من قبل من له الحق في ذلك قانوناً والمحافظة على من يستطيع تدبير اموره بنفسه وتربيته بما يصلحه ويقيه ما يضره”.

وفي هذا التعريف نجد ان القانون قد أشار إلى أن الحضانة تشمل المحافظة على الطفل الذي لا يستطيع الاستقلال بأموره ، كما تشمل المحافظة على من يستطيع تدبيراً أموره بنفسه بما يحفظه ويقيه من الضرر، وبيان ذلك أن الفقرة (4) من المادة (57) قد اعطت للأب حق العناية بالصغير حتى اتمامه العاشرة من العمر وأجازت تمديد هذه الفترة حتى اكمال الصغير الخامسة عشرة من عمره متى ما تبين لها أن مصلحة الصغير تقتضي ذلك، فخلال الفترة الأولى يكون الصغير عاجزاً عن تدبير أموره بنفسه والعناية بها، وخلال الفترة الثانية (فترة التمديد) يكون الصغير قادراً على العناية بنفسه لكنه مع ذلك يبقى عاجزاً عن الاستقلال بهذه المهمة( ).

وعرفتها مدونة الأحوال الشخصية المغربية بأنها “حفظ الولد مما قد يضره قدر المستطاع والقيام بتربيته ومصالحه”( ).
أما القوانين العربية الأخرى فأكثرها لم تعط تعريفاً معيناً للحضانة ومنها القانون المصري والقانون السوري، والقانون الأردني والقانون التونسي.
ويبدو لنا أن التعريفات اللغوية والفقهية والقانونية على الرغم من اختلاف الألفاظ المستخدمة فيها فإنها جميعاً تصب في معنى واحد يمكن أن نعرف الحضانة من خلاه بأنها “حفظ الشخص الذي لا يستطيع الاستقلال بأموره ووقايته مما يهلكه أو يضره من قبل من يكون أهلاً لذلك”.
والبحث في الحضانة كحقٍ من حقوق الطفل يقتضي منا تناول هذا الموضوع في خمسة مباحث نخصص الأول منها لبيان أصحاب الحق في الحضانة ومراتبهم والثاني لبيان تكييفها الشرعي والقانوني والثالث لبيان شروطها والرابع لبيان اجرتها، والخامس لبيان مكانها، أما المبحث الأخير فنخصصه لبيان انتهاء الحضانة.

المبحث الأول أصحاب الحق في الحضانة ومراتبهم

لا خلاف بين فقهاء الشريعة الإسلامية وكذلك بين قوانين الأحوال الشخصية على أن الام مقدمة على غيرها في حضانة ولدها إلا أن الخلاف حدث بين فقهاء الشريعة وبين قوانين الأحوال الشخصية حول من ينتقل إليه حق حضانة الصغير بعد انتهاء فترة حضانة الأم لوفاتها أو فقيدها كل أبو بعض شروط الحضانة أو بانتهاء مدة حضانة النساء، وللاحاطة بالاتجاهات الفقهية والقانونية في هذا الصدد يتطلب منا الأمر تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين يخصص الأول منهما لبيان أصحاب الحق في الحضان ومراتبهم في الشريعة الإسلامية ونتناول في الثاني بيان هذا الأمر في قوانين الأحوال الشخصية.

المطلب الأول ـ أصحاب الحق في الحضانة ومراتبهم في الشريعة الإسلامية:

لما كانت أم الطفل هي أقرب الناس إليه وأشفقهم عليه وأعرفهم بحاجاته لذا أناط بها فقهاء الشريعة الإسلامية رعاية الصغير وحضانته في بداية عمره فهي مقدمة على غيرها في هذا المجال وفي هذا المعنى.يقول الإمام السرخسي في مبسوطه “وجعل حق الحضانة إلى الأمهات لرفقهن في ذلك مع الشفقة وقدرتهن على ذلك بلزوم البيوت، والظاهر أن الأم أحفى وأشفق من الأب على الولد فتتحمل في ذلك من المشقة ما لايتحمله الأب”( ).
ويستدل الفقهاء على رأيهم هذا بتقديم الأم على غيرها في الحضانة بالإضافة إلى ما ذكرناه من كون الأم أشفق الناس على الصغير وأعرفهم بحاجاته ببعض الأدلة النقلية منها ما روي من أن امراة جاءت إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقالت: يا رسول الله أن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وأن أباه يرد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنت أحق به ما لم تتزوجي( ).

ولهذه الأدلة فقد جعل فقهاء الشريعة الإسلامية حضانة الصغير في أول مراحل حياته للأم وهم يثبتون لها هذا الحق متى ما كانت أهلاً لذلك بأن توفرت فيها شروط الحضانة، أما في حالة وفاة الأم أو فقدها كل او بعض شروط الحضانة، أو انتهاء مدة حضانتها للصغير فقد قرر الفقهاء انتقال الحضانة عنها إلا انهم اختلفوا فيمن يلي الأم في هذه المسألة على النحو التالي:

أولاً : ذهب فقهاء الحنفية إلى أن الحضانة بعد الأم تنتقل إلى محارم الصغير من النساء فتقدم أم الأم وإن علت فإن لم توجد انتقلت إلى أم الأب وإن علت فإن لم توجد انتقلت إلى أخوات الصغير الشقيقات ثم الأخوات لأم فالأخوات لأب، ثم لبنت الأخت الشقيقة ثم لبنت الأخت لأب ثم لبنت الأخ الشقيقة ، ثم لبنت الأخ لأم ثم لبنت الأخ لأب ثم لعمة الطفل الشقيقة ثم للعمة لأم ثم للعمة لأب ثم خالات أبيه ثم عمات أمه ثم عمات أبيه بتقديم الشقيقة في كل منهن( ).
فإذا لم توجد حاضنة من هؤلاء أو لم يكن منهن من هي أهل للحضانة أو كانت اهلا لها إلا أن مدة حضانتها انقضت انتقلت الحضانة بعد ذلك إلى عصبات الصغير من الرجال( ). ويكون ترتيب هؤلاء من حيث استحقاقهم للحضانة بحسب ترتيبهم في استحقاق الإرث ، فيقدم الأب ثم الجد الصحيح وإن علا ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب ثم العم الشقيق ثم العم لأب( ).

ثانياً: ذهب فقهاء المالكية إلى القول بانتقال الحضانة بعد الأم إلى أم الأم ثم أم أم الأم ثم أم أبي الأم وهكذا وإن علون حيث تقدم الاناث من جهة أم الأم على الاناث من جهة أبي الأم ثم تأتي بعد ذلك الخالة وتقدم الخالة الشقيقة على الخالة لام والخالة لأم على الخالة لأب، ثم يأتي بعدها خالة الأم، ثم خالة الأب وتقدم في خالة الأم وخالة الأب التي لأب وأم على التي لأم والتي لأم على التي لأب ، ثم الجدة لأب (أي أم الأب) ثم أم أبي الأب، ثم أم أم أم الأب ثم أم أم أم أبي الأب، وهكذا وإن علون، ثم يأتي بعدها الأب ثم أخت المحضون ثم عمته ثم عمة أبيه ثم خالة أبيه وتقدم في هذه الحالات التي من أب وأم على التي من أم والتي من أم على التي من أب، ثم يأتي بعد ذلك الوصي ذكراً كان أم انثى ثم يأتي بعد الوصي العصبات وهم الأخ ثم الجد ثم ابن الاخ ثم العم ، ثم ابن العم وإن نزل( ).

ثالثاً : ذهب فقهاء الشافعية إلى القول بأن الحضانة تنتقل بعد الأم إلى الجدة (أم الأم) ثم جدة الأم وإن علت ثم الأخت الشقيقة ثم الأخت لأب ثم الخالة الشقيقة ثم الخالة لأب ثم بنت الأخ الشقيق ثم بنت الأخ لأب ثم بنت الأخت الشقيقة ثم بنت الأخت لأب ثم العمة الشقيقة ثم العمة لأب ثم بنت الخالة الشقيقة ثم بنت الخالة لأب ثم بنت الخالة لأم ثم بنت العمة الشقيقة ثم بنت العمة لأب ثم بنت العمة لأم، فإذا لم توجد حاضنة من هؤلاء انتقلت الحضانة إلى محارم الصغير من الرجال ويقدم الأب عليهم جميعاً ، ثم يكون ترتيبهم بعد الأب بحسب ترتيبهم في الإرث( ).

رابعاً: ذهب فقهاء الحنابلة إلى أن الحضانة بعد الأم تنتقل إلى أم الأم ثم جدة الأم وأن علت، ثم الأب، ثم أم الأب ثم جدة الأب، وأن علت ثم الجد لأب ، ثم أم الجد لأب وأن علت ثم الأخت لأبوين ثم الأخت لأم ثم لأخت الأب ثم الخالة لأبوين ثم الخالة لأم ثم الخالة لأب ثم العمة لأبوين ثم العمة لأم ثم العمة لاب ثم خالة الأم لأبوين ثم خالة الأم لأم ثم خالة الأم لأب ثم خالة الأب ثم عمة الأب ثم بنت الأخ لأبوين ثم بنت الأخ لأم ثم بنت الأخ لاب، ثم بنت الأخت لأبوين ثم بنت الأخت لأم ثم بنت الأخت لأب، فإذا لم توجد حاضنة من هؤلاء انتقلت الحضانة إلى محارم المحضون من الذكور فيقدم بعد الأب الأخوة الاشقاء ثم الأخوة لأب ثم ابناء الأخوة الأشقاء ثم أبناء الأخوة لأب( ).

خامساً: ذهب فقهاء الظاهرية إلى أن الحضانة تنتقل بعد الأم إلى الجدة ومنها إلى الأب ومن الأب إلى الجد ومن الجد إلى الأخ والأخت ويقدم من الأخ والأخت من كان أكثر صلاحاً وتقوى لأن في ذلك مصلحة الصغير فإن تساووا قدم من هو أكثر رفاهية في الدنيا لأن في ذلك أيضا مصلحة الصغير فإن تساووا في هذه الأمور يتم اجراء القرعة بينهم، ومن ثم تنتقل الحضانة بعدهم إلى الأقرب فالأقرب( ).

سادساً : ذهب فقهاء الإمامية إلى أن الحضانة بعد الأم تنتقل إلى الأب وبعد الأب إلى الجد وفي رأي آخر ـ وهو الراجح ـ إلى أم الأم لأنها بمنزلة الأم، وبعدها إلى الجدة لأم وأن علت ثم الجدة لأب وأن علت ثم العمة ثم الخالة ثم بنت العمة ثم بنت الخالة، فإذا لم توجد حاضنة من هؤلاء انتقلت الحضانة إلى محارم الصغير من الرجال ويقدم الجد لأم ثم الجد لأب ثم العم ثم الخال ثم ابن العم وإن نزل ثم ابن الخال وإن نزل( ).

سابعاً: ذهب فقهاء الزيدية إلى القول بأن الحضانة تنتقل بعد الأم إلى أم الام وإن علت ثم إلى الأب، ثم إلى الخالة ثم إلى أم الأب وإن علت ثم إلى أم أبي الأم وإن علت، ثم إلى الأخوات ثم إلى بنات الخالات ثم بنات الأخوات ثم بنات الأخ، ثم العمات ثم بنات العمات وتقدم الشقيقة على غيرها( ).

وهكذا يبدو واضحاً أن اختلاف الفقهاء حول هذه المسألة، مبني على تحقيق مصلحة الصغير، ولما كان أكثر الناس اهتماماً بتحيقيق مصلحة الصغير هو أشفقهم عليه اذ كلما زادت الشفقة على الصغير لدى الحاضن كلما كان أكثر رعايةً وعناية بالصغير وحفظاً له، لذا يبدو لنا أن الترتيب الذي قال به فقهاء الإمامية هو الأكثر قبولا، لأنه كما بينا يجعل الحضانة بعد الأم للأب على اعتبار أنه أشفق الناس بعدها على الصغير وبالتالي فهو أكثرهم سعياً لتحقيق مصلحته من جانب آخر نرى أن اعطاء الحضانة لغير الأب مع وجوده يؤدي إلى الاقرار به وقد قال تعالى (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده).
أما ما ذهب إليه الإمام ابن حزم من اعطاء الحضانة للأصلح في الدين والدنيا ، فهو في رأينا يهدف إلى تحقيق مصلحة الصغير إلا أننا نرى ان هذا الامر قد يؤدي إلى الاضرار بالأب في حالة تساويه في الصلاح مع غيره من الناس إذ ذهب الإمام ابن حزم إلى ضرورة اجراء القرعة في مثل هذه الحالة وقد لا تأتي القرعة للأب وهذا مما يؤدي إلى الاضرار به وهو الأمر الذي نهى عنه الشارع.
ويلاحظ بعد عرض الاتجاهات الفقهية المتعلقة بمراتب أصحاب الحق في الحضانة أن بينها أوجه اتفاق واختلاف نوجزها بالآتي:

1 ـ أوجه الاتفاق:

تتفق المذاهب الفقهية فيما يتعلق بترتيب أصحاب الحق في الحضانة ومراتبهم في المسائل التالية:
أ ـ أن الأم أحق الناس بحضانة الصغير فهي تقدم على غيرها من الناس.
ب ـ أن ترتيب الحاضنين إنما يكون بحسب شفقتهم وعطفهم على الصغير لذا نجد أن جمهور الفقهاء وانطلاقاً من هذه الناحية يقدمون النساء على الرجال في تولي الحضانة.
ج ـ أن أي من المذاهب الفقهية لم يعتمد في بيانه لترتيب الحاضنين على أدلة نقلية من قرآن أو سنة وإنما اعتمد الجميع على أدلة عقلية لعل من أبرزها أن شفقة النساء تزيد على شفقة الرجال.

2 ـ أوجه الاختلاف:

تختلف المذاهب الفقهية فيما بينها في المسائل التالية:

أ ـ الاختلاف حول من يلي الأم في تولي الحضانة فذهب الجمهور إلى اعطاء هذا الحق إلى محارم الصغير من النساء وخالفهم فقهاء الإمامية فقالوا بانتقالها بعد الام إلى الأب.

ب ـ أن الإمام ابن حزم الظاهري أشار فيما يتعلق بترتيب الحاضنين إلى قاعدة لم يتطرق لها بقية الفقهاء وهي اعتماد مدى الصلاح والتقوى والرفاهية في الدنيا فيقدم في تولي الحضانة أكثرهم صلاحاً وتقوى ورفاهية إذ أن في هذه الأمور تحقيق مصلحة الصغير الدينية والدنيوية وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن حزم في محلاه “فإن لم تكن الأم مأمونة في دينها ودنياها نظر للصغير والصغيرة بالأحوط في دينها ثم دينهما فحيثما كانت الحياطة لهما في كلا الوجهين وجبت هنالك”( ).

المطلب الثاني ـ أصحاب الحق في الحضانة ومراتبهم في القانون:

لا خلاف بين قوانين الأحوال الشخصية في أن أولى الناس بحضانة الصغير هي أمه إلا أن هذه القوانين اختلفت فيما بينها ـ كما هو شأن الفقهاء في ذلك ـ في بيان من تنتقل إليه الحضانة بعد الأم ولبيان ذلك نقسم هذا المطلب إلى فرعين يخصص الأول لبيان أصحاب الحق في الحضانة ومراتبهم في القانون العراقي والثاني لبيان هذا الأمر في القوانين العربية.

الفرع الأول ـ أصحاب الحق في الحضانة ومراتبهم في القانون العراقي:
اعتبر قانون الأحوال الشخصية العراقي الأم أولى الناس بحضانة الصغير فهي تقدم في ذلك على والد الصغير وعلى بقية اقاربه ، إلا أن تقديم الأم على غيرها مقيد بتحقيق مصلحة الصغير فإذا تبين أن مصلحته تقتضي اعطاؤه لغير الأم تم ذلك وهذا الحكم نصت عليه المادة (57) الفقرة (1) والتي جاء فيها “الأم أحق بحضانة الولد وتربيته، حال قيام الزوجية، وبعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون” ، وبنفس الحكم أخذت محكمة التمييز في العديد من قرارتها( ).

وإذا ماتت الأم أو فقدت أحد شروط حضانتها للصغير انتقلت الحضانة إلى الأب، وهذا ما تقضي به الفقرة (7) من المادة (57) والتي جاء فيها “في حالة فقدان أم الصغير أحد شروط الحضانة أو وفاتها تنتقل الحضانة إلى الأب( )، إلا إذا اقتضت مصلحة الصغير خلاف ذلك وعندها تنتقل الحضانة إلى من تختاره المحكمة، مراعية بذلك مصلحة الصغير”.
وبموجب هذا النص يقدم الأب على غيره من حيث استحقاق الحضانة، إلا أن هذا الأمر مقيد بمصلحة الصغير فإذا اقتضت مصلحة الصغير عدم انتقال حضانته إلى الأب، قضت المحكمة بانتقالها إلى من تراه مناسباً لذلك.
ويبدو أن المشرع العراقي قد حاول الأخذ بأنسب الآراء الفقهية لتحقيق مصلحة الصغير، حيث أخذ برأي الإمامية فيما يتعلق بانتقال الحضانة إلى الأب بعد الأم ، وأخذ برأي الإمام ابن حزم فيما يتعلق باختيار المحكمة للحاضن بما يحقق مصلحة الصغير.
وحرصا من المشرع العراقي على تحقيق مصلحة الصغير فقد قرر بقاء حضانته عند الأم بعد وفاة الأب إذا كانت محتفظة بشروط الحضانة، ويبقى الصغير لديها لحين بلوغه سن الرشد دون أن يكون لأي من أقاربه حق منازعتها في حضانته وهذا ما نصت عليه الفقرة (9) من المادة (57)( ).

الفرع الثاني ـ أصحاب الحق في الحضانة ومراتبهم في القوانين العربية:
أوردت قوانين الأحوال الشخصية العربية بعض الأحكام الخاصة ببيان مراتب أصحاب الحق في حضانة الصغير ومن هذه القوانين:

أولاً: القانون المصري:
جعل قانون الأحوال الشخصية المصري الأم أولى الناس بحضانة الصغير، أما بعد وفاة الأم أو فقدها أحد شروط حضانتها فقد أخذ هذا القانون بالترتيب الذي قال به فقهاء الحنفية، حيث تنتقل الحضانة إلى محارم الصغير من النساء، فإذا لم توجد حاضنة من هؤلاء النساء انتقلت الحضانة إلى العصبات من الرجال بحسب ترتيبهم في الإرث مع مراعاة تقديم الجد الصحيح على الأخوة ، فإن لم يوجد احد منهم انتقلت الحضانة إلى محارم الصغير من الرجال غير العصيات بترتيب معين”( ).
وهذه الأحكام نصت عليها المادة (20) من قانون الأحوال الشخصية المصري بقولها ” ويثبت الحق في الحضانة للأم ثم للمحارم من النساء مقدما فيه من يدلي بالأم على من يدلي بالأب ومعتبراً فيه الأقرب من الجهتين على الترتيب التالي الأم فأم الأم وإن علت فأم الأب وإن علت فالأخوات الشقيقات فالأخوات لأم، فالأخوات لأب، فبنت الأخت الشقيقة، فبنت الأخت لأم، فالخالات بالترتيب المتقدم في الأخوات فبنت الأخت لأب فبنات الأخ بالترتيب المذكور، فالعمات بالترتيب المذكور، فخالات الأم بالترتيب المذكور فخالات الأب بالترتيب المذكور، فعمات الأب بالترتيب المذكور، فإذا لم توجد حاضنة من هؤلاء النساء أو لم يكن منهن أهل للحضانة أو انقضت مدة حضانة النساء انتقل الحق في الحضانة إلى العصبات من الرجال بحسب ترتيب الاستحقاق في الإرث مع مراعاة تقديم الجد الصحيح على الأخوة، فإن لم يوجد أحد من هؤلاء انتقل الحق في الحضانة إلى محارم الصغير من الرجال غير العصبات على الترتيب الآتي: الجد لأم ثم الأخ لأم ثم ابن الأخ لأم ثم العم لأم ثم الخال الشقيق فالخال لأب، فالخال لأم”.

ثانياً ـ القانون السوري :
اعتبر قانون الأحوال الشخصية السوري هو الآخر الأم اولى الناس بحضانة الصغير وقدمها في هذا الأمر على غيرها من أقارب الصغير، أما في حالة وفاة الأم أو فقدها أحد شروط الحضانة أو انتهاء مدة حضانتها فإن هذا القانون أخذ هو الآخر بالترتيب الذي قال به فقهاء الحنفية من انتقال الحضانة إلى محارم الصغير من النساء وبعدهن تنتقل الحضانة إلى عصباته من الذكور بحسب ترتيبهم في الإرث.
وهذه الأحكام نصت عليها الفقرة (1) من المادة (139) والتي جاء فيها “حق الحضانة للأم، فلأمها وإن علت، فلأم الأب وإن علت ، فللأخت الشقيقة فللأخت لأم فللأخت لأب، فلبنت الأخت الشقيقة، فبنت الأخت لأم، فبنت الأخت لأب، فللخالات ، فللعمات، بذات الترتيب ، ثم للعصبات من الذكور على ترتيب الإرث”.

ثالثا ـ القانون الأردني:
اعتبر قانون الأحوال الشخصية الأردني كما هو الشأن في القوانين الأخرى الأم أولى الناس بحضانة الصغير، أما بعد وفاة الأم، أو فقدها أحد شروط الحضانة أو انتهاء مدة حضانتها ، فإن حضانة الصغير تنتقل إلى من تليها من النساء على النحو الذي قال به فقهاء الحنفية.
وهذه الأحكام نصت عليها المادة (154) والتي جاء فيها “الأم النسبية أحق بحضانة ولدها وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ثم بعد الأم يعود الحق لمن تلي الأم من النساء حسب الترتيب المنصوص عليه في مذهب أبي حنيفة”.

رابعاً ـ القانون المغربي:
اعتبرت مدونة الأحوال الشخصية المغربية حضانة الصغير من واجبات الأبوين حال قيام الزوجية بينهما، أما بعد انتهاء الحياة الزوجية بينهما فيبدو أن المشرع المغربي قد أخذ بالترتيب الذي قال به فقهاء المالكية حيث نص في الفصل (99) فقرة (1) على أن “الحضانة من واجبات الأبوين ما دامت الزوجية قائمة فإذا انفكت فالأم أولى بحضانة ولدها من غيرها ثم أمها ثم أم أمها ثم أخت الأم الشقيقة ثم التي للأم ثم للأب ثم أم الأب ثم جدة الأب من أمه أو أبيه وإن علت ثم أخت المحضون ثم عمته ثم عمة الأب ثم خالة الأب ثم ابنة الأخ ثم ابنة الأخت ثم أخو المحضون ثم الجد من قبل الأب ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابنه ويقدم في الجميع الشقيق ثم الذي لأم ثم الذي للأب”.
ونصت الفقرة (2) من الفصل (99) على أن “الوصي مقدم على سائر العصبات في المحضون الذكر وفي الأنثى حال صغرها مطلقاً وفي حال كبرها إن كان محرمً أو كان أمينا متزوجا”.

خامساً ـ القانون التونسي:
الحضانة بموجب مجلة الأحوال الشخصية التونسية حق مشترك للأبوين إذا كانت الحياة الزوجية بينهما قائمة وهذا ما نص عليه الفصل (57) والذي جاء فيه “الحضانة من حقوق الأبوين ما دامت الزوجية مستمرة بينهما”.
فإذا ما انتهت الزوجية بموت أحد الزوجين سواء كان الأب أو الأم فإن الحضانة تنتقل إلى من يبقى حياً منهما، إما إذا انتهت الحياة الزوجية بالطلاق فإن للمحكمة أن تعهد بحضانة الصغير إلى أي شخص تراه مناسباً لهذا الأمر وبما يحقق مصلحة الصغير. وسواء كان هذا الشخص هو الأب أو الأم أو أي شخص آخر وهذا ما يقرره الفصل (67) والذي جاء فيه “إذا انفصمت الزوجية بموت عهدت الحضانة إلى من بقي حياً من الأبوين ، وإذا انفصمت الزوجية وكان الزوجان بقيد الحياة عهدت الحضانة إلى أحدهما أو إلى غيرهما، وعلى الحاكم عند البت في ذلك أن يراعى مصلحة المحضون”.
ويلاحظ على هذا النص أنه لم يأخذ بأي من الاتجاهات التي قال بها فقهاء الشريعة وإنما جعل انتقال الحضانة مرتبط بمصلحة المحضون فتنتقل الحضانة إلى من تراه المحكمة أصلح لحضانة الصغير سواء كان من الرجال أم من النساء، وهو بهذا يقترب من اتجاه فقهاء الظاهرية.

ويتضح لنا بعد عرض نصوص القوانين التي تبين مراتب الحاضنين للصغير ان هذه النصوص تتفق فيما بينها على أن الأم أحق الناس بحضانة الصغير لما لها من شفقة تتفوق بها على غيرها، وهي تتفق بذلك مع اتجاه فقهاء الشريعة في هذا الصدد.
كما يتضح أيضا أن هذه القوانين قد اختلفت فيما بينها وكما هو الحال لدى فقهاء الشريعة في بيان من تنتقل إليه حضانة الصغير بعد الأم وهو خلاف منشؤه الاختلاف في تحديد من هو أشفق الناس على الصغير بعد أمه.
ولما كنا قد اعتبرنا الترتيب الذي قال به فقهاء الإمامية في ترتيب الحاضنين بعد الأم هو أفضل الترتيبات الفقهية، لأنه كما أشرنا يجعل الحضانة بعد الأم للأب باعتباره أحن الناس وأعطفهم على الصغير وأعرفهم بحاجاته، لذا فإننا نرى أن القوانين التي أخذت بهذا الترتيب ومنها القانون العراقي من أفضل القوانين في هذا الشأن.

المبحث الثاني تكييف الحضانة:

اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية وتباينت قوانين الأحوال الشخصية في تكييف الحضانة من حيث كونها حق للأم بحيث تستطيع استخدام هذا الحق كما تستطيع التنازل عنه لغيرها أم هي واجب عليها بحيث تجبر عليه قضاءً عند امتناعها عن أدائه.
ولبيان هذا الخلاف وما يترتب عليه من آثار فإننا سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين يخصص الأول منهما لبيان التكييف الشرعي للحضانة فيما نتناول في الثاني التكييف القانوني لها.

المطلب الأول ـ تكييف الحضانة في الشريعة الإسلامية:

اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية في تكييف الحضانة على النحو التالي:

أولاً: ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بأن الحضانة حق للأم فلها الامتناع عنه أو التنازل للغير، فهي لا تجبر على استخدام هذا الحق( )، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن اهمام “الام أحق بالولد والنفقة على الأب ولا تجبر الأم عليه”( ) وفي ذات المعنى يقول الإمام السرخسي في مبسوطه “وجعل حق الحضانة إلى الأمهات لرفقهن في ذلك مع الشفقة، وقدرتهن على ذلك بلزوم البيوت”( ).
وأصحاب هذا الرأي وأن كان يرون أن الحضانة حق للأم إلا أنهم أوردوا على هذا الأمر استثنائين:
الأول: أن توجد حاضنة غير الأم تتولى شؤون المحضون عند امتناع الأم( ).

الثاني: أن يكون للمحضون ذو رحم محرم يتولى أمور حضانته عند امتناع الأم عن ذلك( ). ففي هاتين الحالتين تصبح الحضانة واجباً على الأم بسبب تعينها لها.

ويترتب على كون الحضانة حقاً للأم المسائل التالية:
1 ـ أن الأم لا تجبر على الحضانة لأن الإنسان لا يجبر على استيفاء حق من حقوقه( ).
2 ـ أن الأب ليس له الحق في انتزاع الصغير من يد الحاضنة ليعطيه إلى من هي أدنى منها مرتبة، أو أن ينقله إلى بلد غير البلد الذي تقيم فيه الحاضنة لأنه بذلك يفوت عليها حقها في الحضانة( ).
3 ـ لو كان للصغير مرضعة غير حاضنته كان عليها أن ترضعه عند الحاضنة حتى لا تفوت عليها حقها في حضانته( ).

ثانياً: ذهب بعض فقهاء الحنفية( ) إلى القول بأن الحضانة واجب على الأم ليس لها الامتناع عنه أو التنازل للغير، فإذا امتنعت دون أن يكون لها في ذلك عذر مشروع أجبرت عليها( ).
ويترتب على كون الحضانة واجباً على الأم الأحكام التالية:
1 ـ أن للقاضي أن يجبر الأم على الحضانة في حالة امتناعها عنها دون عذر مشروع( ).
2 ـ ليس للأم أن تصالح الأب على اسقاط حقها في الحضانة فمثل هذا الصلح يكون باطلاً لتعلق حق الصغير بالحضانة وهي لا تملك اسقاط هذا الحق( ).
3 ـ لو خالعت الأم زوجها مقابل تنازلها عن حضانة الصغير كان الخلع صحيحاً والشرط باطلاً( ).

ثالثاً: ذهب فقهاء الظاهرية إلى القول بأن الحضانة واجب على الأم أثناء قيام الحياة الزوجية بينها وبين زوجها أما بعد الفرقة بينهما فإن الحضانة تكون حق للأم فلها استعمال هذا الحق ولها أيضا تركه( ).
رابعاً: يرى الإمام البهوتي من الحنابلة( ) أن الحضانة حق مشترك بين الحضانة والصغير، وبهذا الرأي أيضاً قال بعض فقهاء الحنفية( ).
فبموجب هذا الرأي يجتمع في الحضانة حقان أولهما حق الطفل وثانيهما حق الأم ، وحق الطفل يتمثل بأن مصلحته تقتضي بقاؤه مع أمه لتتولى تربيته في سنٍ معينة على اعتبار أنها أكثر الناس شفقة وحناناً عليه، وحق الأم يتمثل بأن مصلحتها تقتضي تربية طفلها تحت عنايتها واشرافها لضمان سيره في الطريق السوي بعيداً عن جادة الانحراف والفساد( ).
وإذا كانت الحضانة حق مشترك بين الأم والصغير، فإن حق الصغير فيها أقوى من حق الأم وبالتالي إذا اسقطت الأم حقها في الحضانة بقي حق الصغير فيها قائم ، كما أن تعارض حق الصغير في الحضانة مع حق الأم يؤدي إلى تقديم حق الصغير لأنه أولى بالرعاية، ومثل الأم في هذا الحكم كل حاضنة أخرى( ).

ويبدو لنا من خلال عرض آراء الفقهاء في بيان التكييف الشرعي للحضانة أن الخلاف بينهم حول هذه المسألة إنما هو خلاف شكلي وبيان ذلك أن هؤلاء الفقهاء متفقون على أن الحضانة حق مشترك بين الصغير والأم إذ أن الفقهاء الذين اعتبروا الحضانة حقاً للأم قيدوا ذلك بعدم تعينها لها فإذا ما تعينت أجبرت وأصبحت واجباً عليها، كما أن الفقهاء الذين اعتبروا الحضانة واجبٌ على الأم قيدوا ذلك بعدم وجود عذر شرعي يمنعها من الحضانة فإذا ما وجد مثل هذا العذر لم تعد الحضانة واجباً عليها .
وإذا كانت الحضانة حق مشترك بين الأم والصغير فإنها بالنسبة للصغير حق خالص أما بالنسبة للأم فهي مما يجتمع فيها الحق والواجب فهي بالنسبة للصغير حق خالص لأنه يتعرض بدونها للضياع والهلاك وهي بالنسبة للأم مما يجتمع فيها الحق والواجب لأن الأم إذا تعينت للحضانة أصبحت واجباً عليها وإذا لم تتعين لها كانت حقاً لها ، إلا أن الواجب في الحضانة أقوى من الحق بالنسبة للأم لما فيها من تحقيق مصلحة الصغير واحتمال ضياعه بدونها.

المطلب الثاني ـ تكييف الحضانة في القانون:

اختلفت قوانين الأحوال الشخصية في تكييفها للحضانة ومن هذه القوانين:

أولاً : القانون العراقي:

نصت المادة (57) فقرة (1) من قانون الأحوال الشخصية العراقي على أن “الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون” ويفهم من هذا النص أن المشرع العراقي قد اعتبر الحضانة حق مشترك بين الحاضنة والمحضون ، فقول المشرع “الأم أحق بحضانة ولدها” يدل على أن للأم حق في الحضانة وقوله في نهاية الفقرة “ما لم يتضرر المحضون” يدل على أن حق الأم في الحضانة مقيد بتحقيق مصلحة المحضون ، فالحضانة بموجب التشريع العراقي حق مشترك بين الحاضنة والمحضون، وقد قضت محكمة التمييز في قرار لها بعدم جواز تنازل الحاضنة عن حقها في حضانة الصغير وذلك لارتباط حقها هذا بحق المحضون( ).

ثانياً: القانون المصري:

اعتبر قانون الأحوال الشخصية المصري الحضانة حق للأم( ) ، وهو ما نص عليه في المادة (20) والتي جاء فيها “.. يثبت الحق في الحضانة للأم ثم للمحارم من النساء.” وهذا الحق يثبت للأم حال قيام الزوجية وبعد الفرقة حتى يتسغني الصغير عن حضانة النساء( ).
وإذا كان القانون المصري قد اعتبر الحضانة حق للأم فإن العمل في القضاء المصري جرى على ان الأم ليست هي صاحبة الحق الوحيد فيها وإنما هناك ثلاثة حقوق في الحضانة بعضها أقوى في الوجوب والرعاية من البعض الآخر، وهذه الحقوق هي حق الأم ، وحق الصغير وحق الأب، وهذه الحقوق متى ما أمكن التوفيق بينها صير إليه وإلا فحق الصغير أولى بالرعاية والاعتبار فيقدم عليها جميعا( ).

ثالثاً: القانون الأردني:

يفهم من نصوص المواد (154) و(155) من قانون الأحوال الشخصية الأردني أن الحضانة حق مشترك بين الحضانة والصغير، حيث اعتبرت المادة (154) الأم أحق من غيرها بحضانة الصغير فنصت على أن “الأم النسبية أحق بحضانة ولدها وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة”.
أما المادة (155) فقد راعى فيها المشرع مصلحة المحضون وحقه في الحضانة وذلك باشتراطه بعض الشروط التي أوجب توفرها في الحاضنة فنصت هذه المادة على أنه “يشترط في الحاضنة أن تكون بالغة عاقلة أمينة لا يضيع عندها الولد”.
فاعتبار الأم أحق الناس بحضانة صغيرها من جانب واشتراط بعض الشروط فيها من جانب آخر يفهم منه أن الحضانة بموجب التشريع السوري حق مشترك بين الحاضنة والصغير.

رابعاً: القانون التونسي:

اعتبرت مجلة الأحوال الشخصية التونسية الحضانة حق للأم فلا يمكن اجبارها على استعمال هذا الحق.
إلا أن المشرع التونسي استثنى من هذا الأصل الحالة التي تتعين فيها الأم لحضانة الصغير وهي حالة عدم وجود حاضنة غيرها الأم تتولى أمور الحضانة، وهذه الأحكام جاء بها الفصل (55) والذي ينص على أنه “إذا امتنعت الحاضنة من الحضانة لا تجبر عليها إلا إذا لم يوجد غيرها”.

خامساً: القانون المغربي:

اعتبرت مدونة الأحوال الشخصية المغربية الحضانة واجباً مشتركاً على الأبوين في حال قيام الحياة الزوجية بينهما، أما إذا حدثت الفرقة فإن الحضانة تصبح حقاً من حقوق الأم، وهي مقدمة في هذا الحق على غيرها، وهذا ما نصت عليه الفقرة (1) من الفصل (99) والذي جاء فيه “الحضانة من واجبات الأبوين ما دامت الزوجية قائمة بينهما، فإذا انفكت فالأم أولى بحضانة ولدها من غيرها”.
وبهذه النصوص تتفق قوانين الأحوال الشخصية فيما بينها على أن الحضانة بالنسبة للأم مما يشترك فيها الحق والواجب فهي حق لها إذا لم تتعين لها، وهي واجب عليها عند تعينها ، أما بالنسبة للصغير فالحضانة حق خالص له.

المبحث الثالث شروط الحاضن:

يشترط فقهاء الشريعة الإسلامية وكذلك قوانين الأحوال الشخصية فيمن يتولى أمور الحضانة أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط ولبيان هذه الشروط فإننا سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين نتناول في الأول شروط الحاضن في الشريعة الإسلامية ونخصص الثاني لبيان هذا الشروط في قوانين الأحوال الشخصية:

المطلب الأول: شروط الحاضن في الشريعة الإسلامية:

اشترط فقهاء الشريعة الإسلامية توفر مجموعة من الشروط في الحاضن ، وهذه الشروط منها ما هو مشترك بين الحاضنين من الرجال والنساء، ومنها ما هو خاص أما بالحضنات من النساء أو بالحاضنين من الرجال،ونخصص لكل قسم فرعاً مستقلاً:

الفرع الأول: الشروط المشتركة بين الحاضنين من الرجال والنساء:
في الحضانة هناك بعض الشروط يشترك فيها الحاضنين سواء كانوا رجالاً أم نساء، وهذه الشروط تتمثل بالشروط الأربعة التالية:

أولاً ـ البلوغ: يشترط فيمن يتولى حضانة الصغير أن يكون بالغاً فالصغير لا يمكن أن يكون حاضنا لأنه لا يستطيع القيام بشؤون نفسه فهو يحتاج إلى من يحميه ويحفظه ويقوم بشؤونه ، من هنا ومن باب أولى فإنه لا يستطيع القيام بشؤون غيره.
ولا خلاف بين فقهاء الشريعة الإسلامية حول هذا الشرط، وذلك استدلالاً بقوله (صلى الله عليه وسلم) ((رفع العلم عن ثلاثة.. وعن الصبي حتى يحتلم))( ).
وفي بيان هذا الشرط يقول الإمام ابن نجيم الحنفي “ويشترط البلوغ فيمن يحضن الولدان لأن الحضانة من باب الولاية.. والصغير ليس من أهل الولاية”( ). وفي نفس المعنى يقول الإمام ابن قدامة “ولا تثبت الحضانة لطفل أو معتوه لأنه لا يقدر عليها وهو محتاج إلى من يكفله فكيف يكفل غيره”( ).
والبلوغ المطلوب هنا هو البلوغ المصاحب للرشد وهو يحصل في الذكر والأنثى أما بالعلامات التي تدل عليه وأما ببلوغ سن معينة فقد حدد الفقهاء بعض العلامات لبيان الحد الذي ينتقل فيه الصغير إلى دور البلوغ ، وهذه العلامات منها ما هو مشترك بين الذكور والاناث ، ومنها ما هو خاص بالإناث ، أما العلامات المشتركة فهي الاحتلام والانبات، ويراد بالاحتلام خروج المني في النوم أو اليقظة بجماع أو غيره( )، ولا خلاف بين الفقهاء في اعتبار هذه العلامة، صورة من صور البلوغ( ).
أما العلامة الثانية من العلامات المشتركة فهي الانبات ويراد به ظهور الشعر الخشن في بعض مناطق الجسم وخاصة العانة، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى اعتبار هذه العلامة من علامات البلوغ( ).
أما العلامة الثالثة من العلامات المشتركة فهي السن، فقد ذهب الفقهاء إلى القول بأن الصغير يصل إلى مرحلة البلوغ ببلوغه سناً معينة إلا أنهم اختلفوا في بيان هذه السن فحددها بعضهم باكمال (15) سنة بالنسبة للذكر والأنثى( )، وحددها البعض الآخر بـ (18) سنة بالنسبة للذكر و(17) سنة بالنسبة للأنثى( )، وحددها البعض الثالث بـ (15) سنة بالنسبة للذكر و(9) سنوات بالنسبة للأنثى( ).
أما العلامات الخاصة ببلوغ الاناث فهي الحيض والحمل، ولا خلاف بين الفقهاء على اعتبارها هاتين العلامتين من علامات البلوغ بالنسبة للأنثى( ).

ثانياً: العقل :
يشترط في الحاضن رجلاً كان أم امرأة بالإضافة إلى شرط البلوغ أن يكون عاقلاً غير مجنون إذ يلحق الفقهاء بصورة عامة المجنون بالصغير غير المميز من حيث الحكم وفي هذا المعنى يقول الإمام الصنعاني “يشترط كون الحاضن عاقلاً بالغاً فلا حضانة لمجنون ولا معتوه ولا طفل”( ).
ولا فرق في هذا المجال بين كون الجنون متقطعاً، أو مستمراً فكلاهما مانع من الحضانة( ).
إلا أن بعض الفقهاء يرى أن الجنون إذا كان يسيراً فإنه لا يؤدي إلى سقوط الحضانة وفي هذا المعنى جاء في حاشية البجيرمي “أن كان يسيرا كيوم في سنه كما في الشرح الصغير لم تسقط الحضانة”( ).
وفي رأينا المتواضع أن الجنون سواء كان مستمراً أم متقطعاً يسيراً أم كثيرا فإنه يكون مانعاً من الحضانة وذلك لما يشكله من خطر على المحضون عند حدوثه.
ويلحق بالمجنون من حيث الحكم المعتوه لأنه كالمجنون بحاجة إلى ولاية غيره فلا ولاية له على الغير( ).

ثالثاً: الأمانة:
يشترط في الحاضن رجلاً كان أم امرأة أن يكون امينا على المحضون، وهذا الشرط يقتضي من الحاضن أن يكون حسن الخلق غير فاسق ولا فاجر، وفي هذا المعنى جاء في حاشية البجيرمي “فلا حضانة لفاسق لأن الفاسق لا يلي ولا يؤتمن ولأن المحضون لاحظ له في حضانته لأنه ينشأ على طريقته”( ).
وفي ذات المعنى يقول الإمام البهوتي “ولا حضانة لفاسق ظاهراً لأنه لا وثوق به في أداء واجب الحضانة ولاحظ للمحضون في حضانته لأنه ربما ينشا على احواله”( ).
وهكذا إذا كان الحاضن سيء الخلق فاجراً يضيع معه الصغير بأن كان تاركاً للصلاة أو معروفاً بالزنا أو السرقة أو شرب الخمر فإنه لا يكون أهلاً لحضانة الصغير لأن هذا الأخير ربما ينشأ على هذه الصفات السيئة الأمر الذي يؤدي إلى ضياعه( ).
ويقتضي هذا الشرط من الحاضن أيضا أن لا يترك الصغير بصورة مستمرة ومتكررة وبدون عذر مشروع لأن كثرة ترك المحضون بلا توجيه ولا عناية قد يؤدي إلى نشأته على غير النشأة المطلوبة ويعد من قبيل العذر المشروع أن يكون الحاضن أو الحاضنة محترفاً لمهنة معينة تقتضي خروجه بصورة مستمرة كالتدريس أو الطب أو غيرها من المهن بشرط أن يُترك الصغير لدى من يعتني به( ).
وتقدير كثرة ترك الصغير من عدمه ومدى تأثير ذلك في أحواله أمر متروك لقاضي الموضوع يقدره في كل قضية على حده وحسب وقائع النزاع المعروض عليه( ).

رابعاً ـ القدرة:
يشترط في الحاضن أيضا أن يكون قادراً على تربية المحضون ورعايته والقيام بشؤونه وبخلافه إذا كان الحاضن عاجزاً عن القيام بشؤون المحضون لعاهة أو مرض، أو شيخوخة فإنه لا يكون أهلاً للحضانة( ).
وفي هذا المعنى جاء في كشاف القناع ” لا حضانة لعاجز عن الحضانة كأعمى ونحوه”( ).
وتقدير كون الحاضن قادراً على تربية المحضون من عدمه أمر متروك لقاضي الموضوع، لذا يرى الفقهاء أن الأعمى أو المريض أو كبير السن، إذا كان قادراً على رعاية المحضون وحفظه سواء بنفسه أم عن طريق الاستعانة بغيره فإنه يكون أهلا للحضانة( ).
ويدخل في اطار عدم القدرة أيضا احتراف الحاضن لمهنة معينة تمنعه من تربية الصغير والعناية به وهو أمر متروك أيضا لقاضي الموضوع من حيث التقدير، أو قد لا يحول احتراف الحاضن لهذه المهنة دون حضانته للصغير متى ما ثبت اذ هذه المهنة لا تؤثر على قدرته على رعاية المحضون وصيانته( ).

الفرع الثاني ـ الشروط الخاصة بالحاضنات من النساء:
بالإضافة إلى الشروط العامة المارة الذكر فإن حضانة النساء تتطلب توفر شروط أخرى يمكن اجمالها بالشروط التالية:

أولاً: أن لا تكون الحاضنة متزوجة بغير ذي رحم محرم: يشترط في الحاضنة أن لا تكون متزوجة بغير ذي رحم محرم للصغير وذلك لأن الزوج الذي لا تربطه بالصغير صلة رحم لا يتصور منه الشفقة والعطف اللذان يتوفران عند ذي الرحم المحرم، وهذا الاتجاه قال به فقهاء الحنفية( )،
والشافعية( )، والمالكية( ) والحنابلة( ) والإمامية( ) والزيدية( ).
وهم يستدلون على رأيهم هذا بالإضافة إلى ما ذكرناه من أن ذي الرحم المحرم أشفق من غيره على الصغير بقول النبي (صلى الله عليه وسلم) للمرأة التي طلقها زوجها وأراد أن ينتزع منها ابنها: ((أنت أحق به ما لم تتزوجي))( ).
وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن الهمام “وكل من تزوجت من هؤلاء سقط حقها.. إلا الجدة إذا كان زوجها الجد لأنه قائم مقام أبيه فينظر له، وكذا كل زوج هو ذو رحم محرم من الولد كالعم إذا تزوج بأم الولد”( ).
وقد خالف فقهاء الظاهرية جمهور الفقهاء في رأيهم هذا إذ يرون بأن حضانة المراة لا تسقط بزواجها مطلقاً أي سواء تزوجت بذي رحم محرم للصغير أم بغيره، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن حزم “ولم يأت نص صحيح قط بأن الأم أن تزوجت يسقط حقها في الحضانة”( ). وقد رد الإمام ابن حزم الحديث الذي استدل به جمهور الفقهاء بأنه من الأحاديث المشكوك فيها من حيث الرواية والمتن( ).

وذهب فقهاء الإمامية إلى القول بسقوط حضانة المرأة بزواجها مطلقاً أي سواء تزوجت بأجنبي أم بذي رحم محرم للصغير، وفي هذا المعنى يقول الإمام العاملي “ولو تزوجت الأم بغير الأب مع وجوده كاملاً سقطت حضانتها”( ).
والرأي الراجح هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من القول بسقوط حضانة المراة بزواجها بغير ذي رحم محرم، ويرد الإمام الصنعاني على طعن ابن حزم بحديث: ((انت أحق به ما لم تتزوجي)) فيقول “وأجبت عنه بأن حديث عمرو ابن شعيب قبله الأئمة وعملوا به.. فلا يلتفت إلى القدح فيه”( ).

ثانياً: أن تكون الحاضنة ذات رحم محرم للصغير إذا كان أنثى:
يشترط في الحضانة أن تكون ذات رحم محرم للصغير إذا كان أنثى وذلك لأن ذات الرحم المحرم تكون كاملة الشفقة على الصغير وهي ـ أي الشفقة ـ الأساس الذي تبنى عليه الحضانة( ).

ثالثاً: أن لا تكون الحاضنة مرتدة:
الردة تعني خروج المسلم العاقل البالغ المكلف عن دين الإسلام وذلك باقدامه على فعل أو قول يدل على كفره ، كجحد إحدى الشهادتين أو سب الله تعالى أو سب النبي (صلى الله عليه وسلم)( ).
وردة الحاضنة تكون سبباً في اسقاط حضانتها عن الصغير وذلك لأن حكم المرتدة أنها نجس فهي تحبس وتضرب حتى تعود إلى الإسلام فلا يمكن مع ذلك أن تتولى حضانة الصغير، هذا من جانب ومن جانب آخر فإن المرتدة يخشى منها على الصغير أن تبدل دينه إلى دينها الجديد وبالتالي فهي لا تكون مأمونة عليه، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن نجيم “المرتدة لا حق لها فيها لأنها تحبس وتضرب فلا تتفرغ له..”( ).

أما إذا كانت المراة كتابية فإنها تكون أهلاً لحضانة الصغير لأنها إذا كانت أماً له أو ذات رحم محرم فإن شفقتها عليه تكون متوفرة ، فلا يؤثر عليه اختلاف دينه عن دينها، هذا ما لم يخش على الصغير أن يتأثر بحضانتها كأن تبدأ بتعليمه أمور دينها أو تعوده على تناول لحم الخنزير أو شرب الخمر فإن أتت شيئاً من ذلك نزع منها الصغير وسقطت حضانتها له، وهذا ما ذهب إليه فقهاء الحنفية والمالكية، وفي هذا المعنى يقول الإمام السرخسي في مبسوطه “ويستوي أن كانت الأم مسلمة أو كتابية أو مجوسية لأن حق الحضانة لها للشفقة على الولد ولا يختلف ذلك باختلاف الدين”( ).

وفي ذات المعنى جاء في المدونة الكبرى “قلت أرأيت أن طلقها زوجها وهو مسلم وهي نصرانية أو يهودية ومعها ولد صغار من أحق بولدها قال هي أحق بولدها وهي كالمسلمة في ولدها إلا أن يخاف أن بلغت منهم جارية إلا أن يكونوا في حرز”( ).
وإلى غير هذا الرأي ذهب فقهاء الشافعية( )، والحنابلة( )، والإمامية( )، والزيدية( )، إذ يرون بأنه لا حضانة لكافر على المسلم لأن الحاضن إذا كان غير مسلم فإنه قد يكون حريصاً على تربية الصغير على دينه ، ولأن الله قطع الموالاة بين الكافرين والمؤمنين وجعل المؤمنين بعضهم أولى ببعض حيث قال تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا)( ). والحضانة ولاية ولابد فيها من رعاية مصلحة المولى عليه”( ).

اما فقهاء الظاهرية فقد ذهبوا إلى القول بأن الأم الكتابية يكون لها حضانة على ولدها الصغير ما دام رضيعاً وغير قادر على الفهم فإذا بلغ مبلغ الفهم فإن حضانتها له تنتهي، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن حزم في محلاه “والأم الكافرة أحق بالصغيرين مدة الرضاع فإذا بلغا من السن والاستغناء ومبلغ الفهم فلا حضانة للكافرة”( ).
ويبدو لنا أن الرأي القائل بحضانة الكتابية هو الرأي الأقرب للصواب وذلك لأن الفقهاء جعلوا من الشفقة الأساس الذي تبنى عليه الحضانة ، وهي ـ أي الشفقة ـ متوفرة في الغالب لدى المسلمة ولدى الكتابية. هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإن الفقهاء الذين قالوا بحضانة الكتابية قيدوا هذا الأمر بشرط عدم تاثيرها على دين الصغير واخلاقه فاذا خشي منها التاثير عليه سقطت حضانتها له.

الفرع الثالث: الشروط الخاصة بالحاضنين من الرجال:
يشترط في الحاضن إذا كان رجلاً بالإضافة إلى الشروط العامة المشتركة بين الحاضنين من الرجال والنساء أن تتوفر فيه شروط أخرى تتمثل بالشروط التالية:

أولاً ـ أن يكون الحاضن ذا رحم محرم للمحضون إذا كان أنثى:
إذا كان المحضون أنثى فيشترط فيمن يحضنها من الرجال أن يكون ذا رحم محرم لها أي أن يكون من الذي لا يحق لهم التزوج منها فليس لابن العم مثلاً حضانة ابنة عمه لعدم محرميته لها، وذلك دفعاً للفتنة والفساد وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن الهمام “غير أن الصغيرة لا تدفع إلى عصبة غير محرم كمولى العتاقة وابن العم عند وجود محرم غير عصبة كالخال بل تدفع إلى الخال تحرزاً عن الفتنة”( ).
ومع ذلك يجوز للقاضي إذا لم يكن للصغيرة إلا أقارب غير محارم كابن العم أن يدفع الصغيرة إليه إذا رآه مأموناً عليها وصالحاً لحضانتها ، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن نجيم “فإن لم يكن لها أب ولا جد ولا غيرهما من العصبات أو كان لها عصبة مفسد فالنظر فيها إلى الحاكم فان كانت مأمونة خلالها تنفرد بالسكنى وإلا وضعها عند امرأة أمينة”( ).
وفي رأينا المتواضع أن الصغيرة إذ لم يكن لها ذا رحم محرم فإنها لا تدفع إلى غيره من العصبات كابن العم، وإنما تدفع إلى امرأة أمينة قادرة على حفظها والعناية بها وذلك لأن القول بخلاف ذلك قد يؤدي إلى الفتنة والفساد خصوصاً في زمننا هذا الذي شاع فيه فساد الذم والأخلاق.

ثانيا ـ اتحاد الدين بين الحاضن والمحضون:
يشترط في الحاضن الرجل بالإضافة إلى الشرط السابق أن يكون متحداً في الدين مع المحضون فلا حضانة لكافرٍ على مسلم وفي هذا المعنى يقول الإمام البجيرمي في حاشيته في بيانه لشروط الحضانة “وثالثها الدين أي الإسلام فلا حضانة لكافر على مسلم”( ).

ويعلل الفقهاء اشتراط هذا الشرط بما يلي:
1 ـ أن الحضانة نوع من الولاية على النفس ولا ولاية مع اختلاف الدين( ).
2 ـ أن حق الرجال في الحضانة مبني على الميراث ، ولا توارث مع اختلاف الدين( ).
وتعتبر جميع الديانات غير دين الإسلام ديناً واحداً فيثبت لليهودي حق الحضانة على أخيه النصراني( ).
وهكذا يتضح لنا بعد عرض الشروط التي اشترطها فقهاء الشريعة الإسلامية فيمن يتولى حضانة الصغير أنهم اتفقوا على هذه الشروط باستثناء شرط واحد وهو شرط عدم كون الحاضنة متزوجة بغير ذي رحم محرم للصغير حيث ذهب جمهور الفقهاء إلى اشتراط هذا الشرط وخالفهم في ذلك فقهاء الظاهرية الذين قالوا بعدم سقوط حضانة المرأة بزواجها سواء تزوجت بذي رحم محرم للصغير أم بغيره، والرأي الراجح كما بينا هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.

المطلب الثاني ـ شروط الحاضن في القانون:

تشترط قوانين الأحوال الشخصية ـ كما هو الحال عند الفقهاء ـ فيمن يتولى حضانة الصغير أن تتوفر فيه بعض الشروط، ولبيان ذلك سنقسم هذا المطلب إلى فرعين يخصص الأول لبيان شروط الحاضن في القانون العراقي والثاني لبيان شروطه في القوانين العربية:

الفرع الأول ـ شروط الحاضن في القانون العراقي:

تناول قانون الأحوال الشخصية العراقي الشروط التي يجب توفرها في الحاضنة في الفقرة (2) من المادة (57) والتي تنص على أنه “يشترط أن تكون الحاضنة بالغة عاقلة أمينة قادرة على تربية المحضون وصيانته وغير متزوجة بأجنبي عن المحضون”.
وبموجب هذه المادة يشترط في الحاضنة الشروط التالية:

أولاً ـ البلوغ: وسن البلوغ بموجب القانون العراقي هو تمام الثامنة عشر من العمر فلا حضانة لغير البالغة.
ثانياً ـ العقل: يشترط في الحاضنة أن تكون عاقلة غير مجنونة ، وقد قضت محكمة التمييز بهذا الصدد برد دعوى المدعية التي تطالب بتسليمها أطفالها الثلاثة الذين هم دون سن الحاضنة، وذلك بسبب أصابتها بمرضٍ عقلي عصبي( ).
ثالثاً ـ الأمانة: يشترط في الحاضنة أن تكون أمينة على المحضون فإذا كانت غير أمينة عليه بإن كانت سيئة السيرة والسلوك فانها لا تكون أهلاً للحضانة وفي هذا الصدد قضت محكمة التمييز بأنه “اعتداء الأم المتكرر على ولدها يجعلها غير أمينة عليه وغير صالحة لحضانته”( ).
رابعاً ـ القدرة : يشترط في الحاضنة أن تكون قادرة على تربية المحضون والعناية به والقيام بشؤونه وبخلافه تسقط حضانتها عنه وفي هذا الصدد قضت محكمة التمييز بانتقال حضانة الصغير إلى أبيه لعدم قدرة الأم على القيام بشؤونه بسبب اصابتها بمرض عقلي( ).
خامساً ـ أن لا تكون الحاضنة متزوجة بأجنبي عن المحضون: أي بغير ذي رحم محرم للمحضون، وفي هذا الصدد قضت محكمة التمييز بأنه إذا تزوجت أم الصغير بابن عمها أو بابن خالها سقطت حضانتها عن ولدها لتزوجها بأجنبي عن المحضون( ).
وإذا كانت المادة (57) بفقرتها الثالثة قد اقتصرت على ذكر الشروط أعلاه فإن هذا لا يعني أن هذه الشروط وردت على سبيل الحصر، وإنما هنالك شروط أخرى جرى قضاء محكمة التمييز على اشتراط توفرها في الحاضنة ومن هذه الشروط اتحاد الدين بين الحاضنة وبين الصغير، وهو ما قضت به محكمة التمييز في أحد قراراتها بالقول “إذا كان دين الحاضنة يختلف عن دين المحضون فتكون غير أمينة على دينه وتفقد بذلك أحد شروط الحضانة”( ).
ويلاحظ أن الفقرة (2) من المادة (57) قد أشارت إلى الشروط التي يجب توفرها في الحاضنة، ولا مانع يمنع من انصراف هذه الشروط إلى الحاضن إذا كان رجلاً وبقدر تعلق هذه الشروط بحضانته الرجال.

الفرع الثاني ـ شروط الحاضن في القوانين العربية:
تفاوتت قوانين الأحوال الشخصية العربية في بيانها للشروط الواجب توفرها في الحاضن ومن النحو التالي :

أولاً ـ القانون المصري:

لم يتعرض قانون الأحوال الشخصية المصري رقم (25) لسنة (1929) لبيان الشروط التي يجب توفرها في الحاضن رجلاً كان أم امرأة ، إلا أن التطبيق القضائي في مصر جرى على اشتراط توفر الشروط التي تطلبها فقهاء الشريعة فيمن يتولى حضانة الصغير ، ففيما يتعلق بشرط الأمانة حكم بأن محترفة البغاء ليست أهلاً للحضانة شرعاً ، وينزع منها الصغير، ولو لم يعقل الفسق، صيانة لحق المحضون، وفيما يتعلق بشرط القدرة على تربية المحضون والقيام بشؤونه حكم بأنه إذا كان خروج الحاضنة وتركها للولد غير متكرر فإنه لا يسوغ سحب الولد منها، وفيما يتعلق بشرط اتحاد الدين بين الحاضن والمحضون جرى القضاء في مصر على عدم اعتباره سبباً من أسباب سقوط الحضانة ما دام الصغير لا يعقل الأديان، فإذا عقل الأديان وخيف أن يألف الكفر كان ذلك سبب في اسقاط الحضانة( ).
أما فيما يتعلق بشرط عدم زواج الحاضنة بغير ذي رحم محرم للصغير فقد جرى القضاء في مصر على اشتراط هذا الشرط فقد حكم بأن الحاضنة يسقط حقها في الحضانة بنكاح غير محرم( )، إلا أن القضاء المصري جرى في قرارات أخرى له على أن خلو الحاضنة من الزوج الأجنبي عن الصغير كشرط من شروط صلاحية الحاضنة يخضع لتقدير القاضي فله أن يبقي الصغير في يدها إذا اقتضت مصلحته ذلك وذلك اتقاء لأشد الاضرار بارتكاب أخفها( ).

ثانياً ـ القانون السوري:

تناول قانون الأحوال الشخصية السوري الشروط الواجب توفرها من الحاضنة في المواد (137،138،139).
حيث اشترطت المادة (137) في الحاضنة أن تكون بالغة عاقلة قادرة على صيانة المحضون فنصت على أنه “يشترط لأهليته الحاضنة البلوغ والعقل والقدرة على صيانة الولد صحة وخلقاً”.
واعتبرت المادة (138) زواج الحاضنة بغير ذي رحم محرم للصغير سبباً من أسباب سقوط حضانتها فنصت على أنه “زواج الحاضنة بغير قريب محرم من المحضون يسقط حضانتها”.
ونصت المادة (139) فقرة (2) على عدم سقوط الحضانة بسبب عمل الحاضنة إذا كانت تؤمن لهم الرعاية والعناية فجاء في هذه المادة “لا يسقط حق الحاضنة بحضانة أولادها بسبب عملها، إذا كانت تؤمن رعايتهم والعناية بهم بطريقة مقبولة”.

ثالثاً ـ القانون الأردني:

عالج قانون الأحوال الشخصية الأردني الشروط التي يجب توفرها في الحاضنة في المادة (155) ، حيث اشترطت هذه المادة في الحاضنة أن تكون بالغة عاقلة أمينة قادرة على تربية المحضون وغير مرتدة ولا متزوجة بغير ذي رحم محرم للصغير وأن لا تمسكه في بيت مبغضيه.
فنصت على أنه “يشترط في الحاضنة أن تكون بالغة عاقلة أمينة لا يضيع الولد عندها لانشغالها عنه، قادرة على تربيته وصيانته وأن لا تكون مرتدة ولا متزوجة بغير محرم للصغير وأن لا تمسكه في بيت مبغضيه”.
وهذه المادة جاءت شاملة في بيانها للشروط التي يجب توفرها في الحاضنة وذكرت بعض الشروط التي لم تذكرها القوانين الأخرى كشرط عدم ردة الحاضنة وعدم امساكها للصغير في بيت من بيغضه.

رابعاً ـ القانون المغربي:

تناولت مدونة الأحوال الشخصية المغربية الشروط الواجب توفرها في الحاضن ذكراً كان أم أنثى في الفصل (98) فاشترطت فيه البلوغ والعقل والاستقامة والقدرة على تربية المحضون والسلامة من الأمراض المعدية أو المانعة من القيام بواجب الحضانة فنص في هذا الفصل على أنه “يشترط لاهلية الحاضنة:
1 ـ العقل.
2 ـ والبلوغ
3 ـ والاستقامة.
4 ـ والقدرة على تربية المحضون وصيانته صحة وخلقاً.
5 ـ والسلامة من كل مرض معد أو مانع من قيام الحاضن بالواجب”.
خامساً ـ القانون التونسي:
اشترطت مجلة الأحوال الشخصية التونسية توفر مجموعة من الشروط في الحاضن وهذه الشروط تتمثل بالآتي:
1 ـ أن يكون الحاضن مكلفاً.
2 ـ أن يكون أميناً على المحضون.
3 ـ أن يكون قادراً على القيام بشؤون المحضون.
4 ـ أن يكون سالماً من الأمراض المعدية.
5 ـ إذا كان مستحق الحضانة ذكر فيشترط أن يكون محرماً بالنسبة للأنثى.
6 ـ وإذا كان مستحق الحضانة أنثى فيشترط فيها أن تكون خالية من زوج دخل بها إلا إذا كان الزوج محرماً للمحضون او ولياً له، أو سكت من له الحق في الحضانة لمدة عام من تاريخ علمه بالدخول ولم يطلب حقه فيها، أو أنها كانت مرضعاً للمحضون أو كانت أماً ووصية عليه في نفس الوقت.
وهذه الشروط نص عليها الفصل (58) والذي جاء فيه “يشترط في مستحق الحضانة ان يكون مكلفاً أميناً قادراً على القيام بشؤون المحضون سالماً من الأمراض المعدية، ويزاد إذا كان مستحق الحضانة ذكر أن يكون عنده من يحضن من النساء أو أن يكون محرماً بالنسبة للأنثى ، وإذا كان مستحق الحضانة أنثى فيشترط أن تكون خالياً من زوج دخل بها إلا إذا كان الزوج محرماً للمحضون، أو ولياً له أو يسكت من له حق الحضانة مدة عام بعد علمه بالدخول ولم يطلب حقه فيها أو أنها كانت مرضعاً للمحضون أو كانت أماً ووصياً عليه في آن واحد”.

ونص الفصل (59) على أنه “إذا كانت مستحقة الحضانة من غير دين أب المحضون فلا تصح حضانتها إلا إذا لم يتم المحضون الخامسة من عمره، وأن لا يخشى عليه أن يألف غير دين أبيه ولا تنطبق أحكام هذا الفصل على الأم إن كانت هي الحاضنة”.
ويتضح لنا بعد عرض الشروط التي تطلبها فقهاء الشريعة الإسلامية وقوانين الأحوال الشخصية فيمن يتولى الحضانة أن هذه الشروط منها ما يخضع لتقدير القضاء من حيث تحققه أو عدم تحققه كشرط الأمانة وشرط القدرة على تربية المحضون، ومنها ما هو منضبط لا يخضع لتقدير القضاء كشرط البلوغ وشرط العقل وشرط عدم زواج الحاضنة بغير ذي رحم محرم للصغير وعدم ردتها، وشرط كون الحاضن ذا رحم محرم للمحضونة الأنثى وشرط اتحاد الدين بين الحاضن والمحضون.

المبحث الرابع أجرة الحضانة:

الحضانة من الأعمال التي تتطلب من الحاضن بذل العناية اللازمة لرعاية المحضون والقيام بتربيته واعداده الإعداد الصحيح حتى يبلغ السن التي تمكنه من الاعتماد على نفسه الأمر الذي يتطلب بالطبع جهداً بدنياً ونفسياً كبيراً.
من جانب آخر فإن حضانة الصغير ورعايته تستلزم نفقات معينة لغرض اعداد الصغير والايفاء بكافة متطلباته وهذا يعني أن من يقوم بالحضانة لابد له من مورد مالي يستطيع منه الإيفاء بهذه المتطلبات والنفقات.
وهكذا فإن هذه الجهود البدنية والنفسية وهذه المتطلبات المادية لابد لمن يقوم بها أن يحصل على التعويض المناسب عنها فكانت أجرة الحضانة بمثابة هذا التعويض.
والبحث في أجرة الحضانة يتطلب منا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين نخصص الأول منهما لبيان أجرة الحضانة في الشريعة الإسلامية ونتناول في الثاني أجرة الحضانة في قوانين الأحوال الشخصية.
المطلب الأول ـ أجرة الحضانة في الشريعة الإسلامية:
لم يتناول فقهاء الشريعة الإسلامية البحث في اجرة الحضانة بصورة مستقلة وإنما تناولوها بصورة تبعية اما عند بحثهم للنفقة على اعتبار أنها تدخل ضمن النفقة الواجبة للصغير، أو عند بحثهم لأجرة الرضاع على اعتبار أنهاتدخل ضمن هذه الأجرة.
ولبيان الأحكام المتعلقة بأجرة الحضانة نقسم هذا المطلب إلى ثلاثة فروع يخصص الأول لبيان حالات وجوب هذه الأجرة والثاني لبيان المسؤول عنها والثالث لبيان الأحكام الخاصة بالتبرع بها.
الفرع الأول ـ حالات وجوب أجرة الحضانة:
الحاضنة كما أشرنا أما أن تكون أماً للصغير أو لا تكون كذلك:

أولاً : إذا كانت الحضانة أماً للصغير:

إذا قامت الأم بحضانة الصغير فإن هذا أما أن يكون حال قيام الزوجية بينها وبين والد الصغير وأما أن يكون بعد انتهاء الحياة الزوجية بانتهاء عدة الطلاق أو الوفاة:
1 ـ أجرة الحضانة حال قيام الزوجية: إذا قامت الأم بحضانة الصغير حال قيام الزوجية بينها وبين والد الصغير فإن الفقهاء اختلفوا في مدى استحقاقها للأجرة عن حضانتها للصغير على النحو التالي:
أ ـ ذهب فقهاء الحنفية( ) والشافعية( ) والمالكية( ) والظاهرية( ) إلى ان الأم لا تستحق الأجرة عن حضانتها للصغير أثناء هذه الفترة.
ويعلل هؤلاء الفقهاء عدم استحقاق الأم للأجرة أثناء هذه الفترة بأن الحضانة تجب عليها ديانةً، وأن نفقتها أثناء هذه الفترة واجبة على والد المحضون ولو بدون الحضانة ، فليس لها أن تجمع بين نفقتين عن فعلٍ واحد( ).
ب ـ ذهب فقهاء الحنابلة( ) ، والإمامية( ) إلى القول باستحقاق الأم للأجرة عن حضانتها للصغير أثناء قيام الحياة الزوجية بينها وبين والد الصغير.
ويبدو لنا أن الرأي الأول هو الأقرب للصواب لأن الأم أثناء الحياة الزوجية تأخذ الأجرة عن الحضانة ضمناً وذلك من خلال انفاق الأب عليها ويدخل ضمن هذه النفقة اجرة الحضانة فلا موجب لاعطاء الأم نفقة جديدة عنها.
2 ـ أجرة الحضانة بعد الفرقة: تستحق الأم الأجرة عن الحضانة بعد الفرقة سواء كانت فرقة طلاق أم كانت فرقة وفاة إذ تستحق الأم الأجرة في هذه الحالة بعد انتهاء عدتها من الطلاق أو الوفاة( ).
وسبب استحقاق الأم للأجرة في مثل هذه الحالة هو أن الأب لا يقوم بالانفاق عليها من جانب ، ومن جانب آخر فإنها تكرس وقتها وتحبس نفسها لخدمة الصغير والقيام بشؤونه وتمتنع عن الزواج خشية أن يؤخذ منها الصغير، لذا تعوض الأم عن ذلك باعطائها الأجرة عن الحضانة( ).

ثانياً: إذا كانت الحاضنة ليست أماً للصغير:

إذا كانت الحاضنة غير الأم فإنها تستحق الأجرة عن حضانتها للصغير بصورة مطلقة ما لم تكن متبرعة( ).

الفرع الثاني ـ المسؤول عن أجرة الحضانة:

أجرة الحضانة مثل أجرة الرضاع تعتبر من نفقة الصغير فهي تجب على من تجب عليه نفقته ، فإذا كان للصغير مال فإن هذه الأجرة تكون في ماله، لأن أجرة الحضانة كما أشرنا تعتبر من النفقة ونفقة الصغير تكون في ماله إذا كان له مال ولو كان أبوه موسراً( ).
أما إذا لم يكن للصغير مال فإن الأجرة تكون على أبيه، لأن نفقة الصغير على أبيه وأجرة الحضانة من بين النفقات الواجبة للصغير على الأب، فإذا كان أبوه معسراً ولم توجد متبرعة تقبل حضانته فإن الأم تجبر في هذه الحالة على الحضانة ، وتكون أجرتها ديناً على الأب يستحق عند يساره( ).
أما إذا لم يكن للصغير مال ولا أب كانت أجرة الحضانة واجبة على من تجب عليه نفقة الصغير( ).
ولما كانت أجرة الحضانة لقاء عمل تقوم به الحاضنة، فإنها تستحق هذه الأجرة من وقت قيامها بالحضانة دون أن تتوقف على قرار من القاضي وتصبح ديناً على من تجب عليه لا يسقط إلا بالابراء أو الأداء، ومن هنا جاز للحاضنة أن تصالح والد الصغير على أن تأخذ منه شيئاً آخر بدل الأجرة ، فإذا تصالحا على ذلك الزم الأب بدفع البدل( ).
ولا تسقط أجرة الحضانة بمضي المدة أو بموت الصغير او موت من تجب عليه وإنما تكون المرأة فيها اسوة بغرماء الميت، كما لا تسقط بموت الحاضنة إذ يكون لورثتها حق المطالبة بها بعد موتها( ).

الفرع الثالث ـ التبرع بالحضانة:

يحدث في بعض الأحيان أن توجد من تتبرع بحضانة الصغير، وفي نفس الوقت تطلب مستحقة الحضانة اجراً لقاء قيامها بالحضانة، في مثل هذه الحالة تثور الفرضيات التالية:

أولاً: إذا كانت المتبرعة ممن لا تستحق الحضانة وكان للصغير مال فإن المتبرعة تقدم على مستحقة الحضانة سواء كان الاب موسراً أم معسراً وذلك لأن الصغير إذا كان له مال فإن أجرة الحضانة تكون في ماله، فإذا وجدت من تتبرع بالحضانة أعطي لها حفظاً لمال الصغير( ).

ثانياً: إذا كانت المتبرعة من أهل الحضانة ولم يكن للصغير مال وكان الأب معسراً أعطي للمتبرعة ، وذلك لأن الزام الأب بالأجرة مع وجود المتبرعة فيه اضرارا بالأب وقد قال تعالى: (لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده)( ).

ثالثاً: إذا كانت المتبرعة من اهل الحضانة ولم يكن للصغير مال وكان أبوه موسراً قدمت صاحبة الحق في الحضانة على المتبرعة لأن اعطاؤه لصاحبة الحق في الحضانة دون المتبرعة فيه مصلحة للصغير باعتبارها أشفق عليه، ولأن والد الصغير لا يضار بالزامه بأجرة الحضانة ما دام موسراً( ).

رابعاً: إذا كانت المتبرعة ليست من أهل الحضانة بأن لم تكن ذات رحم محرم للصغير فإن صاحبة الحق في الحضانة تقدم عليها ولو طلبت أجراً على الحضانة ، وذلك لأن اعطاء الصغير لصاحبة الحق في الحضانة فيه مصلحة الصغير باعتبارها أشفق من المتبرعة وأحن عليه، والمحافظة على مصالح الصغير الشخصية أولى من المحافظة على مصالحه المالية( ).
وهكذا فإن الفصل في مسألة اعطاء الصغير للمتبرعة من عدمه مرتبط بمصلحة الصغير فيدفع إلى المتبرعة متى ما اقتضت مصلحته ذلك وتقدم في هذا الاطار مصالحه الشخصية على المادية.

ويتضح من خلال عرض الأحكام الخاصة بأجرة الحضانة عند فقهاء الشريعة الإسلامية أنهم اختلفوا في مدى وجوب الأجرة للأم عن حضانتها للصغير أثناء قيام الحياة الزوجية فذهب جمهور الفقهاء إلى القول بعدم استحقاق الأم للأجرة عن حضانتها للصغير أثناء هذه الفترة، وخالفهم في هذا فقهاء الحنابلة والإمامية الذين قالوا باستحقاق الام للأجرة أثناء قيام الحياة الزوجية، وقد ذهبنا إلى تأييد الرأي الذي قال به جمهور الفقهاء.

وإذا كان فقهاء الشريعة قد اختلفوا حول هذه المسألة فإنهم اتفقوا على الأحكام التالية:
1 ـ أن الأم تستحق الأجرة عن حضانتها للصغير إذا قامت بذلك بعد طلاقها من الزوج وانقضاء عدتها منه أو بعد وفاة الزوج وانقضاء عدتها منه.
2 ـ أن الحاضنة إذا كانت غير الأم فإنها تستحق الأجرة عن حضانتها للصغير في جميع الحالات ما لم تكن متبرعة بالحضانة.
3 ـ أن أجرة الحضانة تدخل ضمن نفقة الصغير وبالتالي فهي تجب على من تجب عليه نفقة هذا الصغير.
4 ـ أن اعطاء الحضانة للمتبرعة مرتبط بمدى تحقيق هذا الأمر لمصلحة الصغير وتقدم في هذا الشأن مصالحه الشخصية على مصالحه المادية.

المطلب الثاني ـ أجرة الحضانة في القانون:

أوردت قوانين الأحوال الشخصية بعض الأحكام الخاصة بأجرة الحضانة من حيث حالات وجوب هذه الأجرة والمسؤول عن دفعها ولبيان هذه الأحكام سنقسم هذا المطلب إلى فرعين يخص الأول لبيان أجرة الحضانة في القانون العراقي والثاني لبيان هذه الأجرة في القوانين العربية:

الفرع الأول ـ أجرة الحضانة في القانون العراقي:
عالج قانون الأحوال الشخصية العراقي أجرة الحضانة في الفقرة (3) من المادة (57) ، حيث نصت هذه الفقرة على أنه “إذا اختلفت الحاضنة مع من تجب عليه نفقة المحضون في أجرة الحضانة قدرتها المحكمة، ولا يحكم بأجرة الحضانة ما دامت الزوجية قائمة، أو كانت الزوجة معتدة من طلاق رجعي”.
والأصل بموجب هذه المادة أن أجرة الحضانة تجب على من تجب عليه نفقة الصغير وأن تحديد مقدارها يتم عن طريق اتفاق الحاضنة مع من تجب عليه نفقة الصغير، فإذا حصل بينهما خلاف حول مقدارها تصدت المحكمة لبيان هذا المقدار( )، وهو ما أكدته محكمة التمييز في أحد قراراتها بالقول “إذا اختلف الزوجان في أجرة الحضانة قدرها القاضي في مصلحة الصغير”( ).
وبينت الفقرة أعلاه الحالات التي تجب فيها أجرة الحضانة، فلا يحكم بأجرة الحضانة بموجب هذه الفقرة في الحالات التالية:
أولاً: إذا كانت الحاضنة هي أم الصغير وكانت الزوجية بينها وبين والد الصغير قائمة.
ثانياً: إذا كانت الحاضنة هي أم الصغير وكانت معتدة من طلاق رجعي، وهذا ما ذهبت إليه محكمة التمييز في أحد قراراتها بالقول ” لا يحكم بأجرة الحضانة ما دامت الزوجة معتدة من طلاق رجعي”( ).
وفيما عدا هاتين الحالتين تستحق الأم الأجرة عن حضانة الصغير أي في حالة كونها معتدة من طلاق بائن أو كانت الحياة الزوجية بينها وبين والد الصغير قد انتهت( ).

ويبدو لنا أن التفرقة بين المعتدة من طلاق رجعي والمعتدة من طلاق بائن من حيث عدم استحقاق الأجرة عن حضانة الصغير تفرقة غير دقيقة لأن كلاً من المعتدة من طلاق رجعي والمعتدة من طلاق بائن تبقى مستحقة للنفقة من زوجها المطلِق، ويدخل ضمن هذه النفقة كما أشرنا كل ما يتعلق بالصغير من رضاع وتربية وعناية وبالتالي فإن اعطاء المعتدة من طلاق بائن أجرة عن حضانتها للصغير يؤدي إلى الاضرار بالمكلف بالنفقة، ويؤدي إلى حصولها على نفقتين عن فعل واحد.
وبناء على ذلك فإننا نقترح تعديل الفقرة (3) من المادة (57)لتكون صياغتها على النحو التالي “إذا اختلفت الحاضنة مع من تجب عليه نفقة المحضون في أجرة الحضانة قدرتها الحكمة، ولا يحكم بأجرة الحضانة ما دامت الزوجية قائمة، أو كانت الزوجة معتدة من طلاق رجعي أو بائن”.

الفرع الثاني ـ أجرة الحضانة في القوانين العربية:
تناولت قوانين الأحوال الشخصية العربية هي الأخرى الأحكام الخاصة بأجرة الحضانة ومن هذه القوانين:

أولاً: القانون المصري:

تعرض قانون الأحوال الشخصية المصري، لأجرة الحضانة في المادة (20) منه والتي جاء فيها “ينتهي حق حضانة النساء ببلوغ الصغير سن العاشرة وبلوغ الصغيرة سن اثنتي عشرة سنة ويجوز للقاضي بعد هذا السن ابقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج في يد الحاضنة بدون أجرة حضانة إذا تبين أن مصلحته تقتضي ذلك..”.
ويفهم من هذه المادة أن الحاضنة تستحق أجرة حضانة عن الفترة السابقة للتمديد أما فترة التمديد فلا تستحق عليها أجرة( ).
ولم يتعرض القانون المصري لبيان الحالات التي تجب فيها أجرة الحضانة ومن تجب عليه هذه الأجرة إلا أن القضاء المصري جرى على أن أجرة الحضانة تجب للحضانة إذا لم تكن الزوجية قائمة بينها وبين والد الصغير، ولم تكن معتدة من طلاق رجعي أو من طلاق بائن، وهي تجب على من تجب عليه نفقة الصغير( ).

ثانياً ـ القانون السوري:

تناول قانون الأحوال الشخصية السوري أجرة الحضانة في المواد (142،143،144).
حيث جعلت المادة (142) المكلف بنفقة الصغير هو المسؤول عن دفع أجرة الحضانة ويتم تقديرها بحسب حاله من اليسر أو العسر فنصت هذه المادة على أن “أجرة الحضانة على المكلف بنفقة الصغير وتقدر بحسب حال المكلف بها”.
وبينت المادة (143) الحالات التي تستحق فيها الأم أجرة الحضانة حيث نصت على أنه “لا تستحق الأم أجرة الحضانة في حال قيام الزوجية أو في عدة الطلاق”.
ويلاحظ أن هذه المادة لم تفرق بين المعتدة من طلاق رجعي والمعتدة من طلاق بائن من حيث عدم استحقاق الأجرة عن الحضانة ، حيث جاء النص مطلقاً والمطلق يجري على اطلاقه.
وتناولت المادة (144) حكم التبرع بأجرة الحضانة فنصت على أنه “إذا كان المكلف بأجرة الحضانة معسراً عاجزاً عنها وتبرع بحضانة الصغير أحد محارمه خيرت الحاضنة بين امساكه بلا أجرة أو تسليمه لمن تبرع”.
وبموجب هذه المادة يكون للحاضنة الخيار في حالة اعسار المكلف بأجرة الحضانة ووجود متبرع بالحضانة بين امساك الصغير والقيام بأمور حضانته بدون أجرة وبين اعطائه للمتبرع.

ثالثاً ـ القانون الأردني:

عالج قانون الأحوال الشخصية الأردني أجرة الحضانة في المواد (159،160) ، حيث فرضت المادة (159) أجرة الحضانة على المكلف بنفقة الصغير مقدرة بأجرة المثل بشرط أن لا تزيد عن قدرة المنفق فنصت على أن “أجرة الحضانة على المكلف بنفقة الصغير وتقدر بأجرة مثل الحاضنة على أن لا تزيد على قدرة المنفق”.
وبينت المادة (160) حالات استحقاق الأم لأجرة الحضانة إذا كانت هي الحاضنة فنصت على أنه “لا تستحق الأم أجرة للحضانة حال قيام الزوجية أو في عدة الطلاق الرجعي”.
ومفهوم المخالفة لهذا النص يقضي بأن الأم تستحق أجرة الحضانة إذا كانت معتدة من طلاق بائن أو كانت قد انهت عدة الطلاق الرجعي أو البائن.

رابعاً ـ القانون المغربي:
تناولت مدونة الأحوال الشخصية المغربية أجرة الحضانة بصورة لا تختلف كثيراً عن القوانين الأخرى وذلك في الفصلين (103 و104).
فنص الفصل (103) على أن “أجرة الحضانة ومصاريفها على المكلف بنفقة المحضون وهي غير أجرة الرضاعة والنفقة”.
ونص الفصل (104) على أنه “لا تستحق الأم أجرة للحضانة في حال قيام الزوجية أو في عدة الطلاق الرجعي”.
خامساً ـ القانون التونسي:
عالجت مجلة الأحوال الشخصية التونسية أجرة الحضانة في الفصل (56) والذي جاء فيه “لا تأخذ الحاضنة أجرة إلا على خدمة شؤون المحضون من طبخ وغسل ثياب ونحو ذلك بحسب العرف”.
ويبدو أن المشرع التونسي أراد بهذا النص التمييز بين أجرة الحضانة وأجرة ارضاع الصغير وغيرها من نفقات الصغير كأجرة تعليمه مثلاً فجعل أجرة الحضانة تقتصر فقط على خدمة الحاضنة للمحضون والقيام بأموره.
وهكذا يتضح لنا أن قوانين الأحوال الشخصية تتفق مع اتجاه فقهاء الشريعة الإسلامية في عدم اعطاء الأجرة للأم عن حضانتها للصغير إذا قامت بها أثناء قيام الحياة الزوجية بينها وبين الزوج، وأنها تستحق الأجرة عنها إذا قامت بها بعد انتهاء الحياة الزوجية بالطلاق أو الوفاة وانتهاء عدتها من الزوج المطلق او المتوفى.
إلا أن بعض قوانين الأحوال الشخصية خالفت الاتجاه السائد عند فقهاء الشريعة الإسلامية والذي يسوي بين المعتدة من طلاق رجعي والمعتدة من طلاق بائن من حيث عدم استحقاق الأجرة عن حضانة الصغير، حيث تجعل هذه القوانين للمعتدة من طلاق بائن الحق في المطالبة بأجرة عن حضانتها للصغير بخلاف المعتدة من طلاق رجعي وهو كما بينا اتجاه منتقد.

المبحث الخامس مكان الحضانة:

مكان الحضانة هو المكان الذي يقيم فيه الحاضن ويتولى إدارة شؤون الصغير والعناية به والقيام بكافة متطلباته( )، ويترتب على تغيير هذا المكان من قبل الحاضن ونقل الصغير إلى مكان آخر بعض الأحكام.
والبحث في مكان الحضانة يقتضي منا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين يخصص الأول منهما لبيان مكان الحضانة في الشريعة الإسلامية ، فيما يخصص الثاني لبيان هذا المكان في قوانين الأحوال الشخصية.

المطلب الأول ـ مكان الحضانة في الشريعة الإسلامية:

الحضانة كما أشرنا أما أن تكون للأم وأما أن تكون لغيرها، ويختلف الحكم المتعلق بمكان الحضانة ومدى جواز الانتقال بالمحضون إلى مكان آخر في كل حالة من هاتين الحالتين لذا سنفرد لكل منهما فرعاً مستقلاً:

الفرع الأول ـ مكان الحضانة في حالة كون الحاضنة هي الأم:
الأم أما أن تكون زوجة لأبي الصغير وأما أن تكون معتدة من طلاق رجعي أو بائن أو من وفاة، وأما أن تكون أجنبية عنه وذلك بأنتهاء عدة الطلاق الرجعي أو البائن أو عدة الوفاة.
فإذا كانت الحاضنة زوجة لأبي الصغير فإن مكان الحضانة هو مكان إقامة الزوجين وفي هذه الحالة لا يجوز للأم أن تنقل الصغير إلى مكان آخر إلا بإذن زوجها وذلك لأن حق السكن للزوج، ويؤخذ بذات الحكم إذا كانت الزوجة معتدة من طلاق رجعي أو بائن وذلك لأن الزوجية تعتبر في حكم القائمة ولا يجوز للزوجة الخروج إلا بإذن زوجها كما لا يحق للزوج اخراجها، فيكون مكان حضانة الصغير هو مكان قضاء العدة ، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن نجيم الحنفي “أن المنكوحة ليس لها الخروج به من بلد لآخر مطلقاً لأن حق السكن للزوج .. وأراد بالمطلقة المبانة بعد انقضاء عدتها لأن المطلقة رجعياً حكمها حكم المنكوحة ومعتدة البائن ليس لها الخروج قبل انقضاء العدة مطلقا”( ).
وتأخذ المعتدة من وفاة حكم المعتدة من طلاق فلا يكون لها الخروج بالصغير من مكان الحضانة إلى مكان آخر ويكون مكان الحضانة هو مكان قضاء العدة( ).
أما المرأة المطلقة طلاقاً بائناً فلها بعد انتهاء عدتها الانتقال بالصغير من مدينة إلى مدينة أخرى بشرط أن تكون هذه المدينة قريبة بحيث يستطيع والده الذهاب إليه والعودة في نفس النهار( ).
أما إذا أرادت الأم الانتقال بالصغير من مكان الحضانة إلى بلدٍ بعيداً عن البلد الذي يقيم فيه والد الصغير فليس لها ذلك إلا بشرطين.

الأول: أن يكون هذا البلد هو وطنها الأصلي.

الثاني: أن يكون عقد الزواج قد تم في هذا البلد( ).
وسبب اجازة الانتقال في مثل هذه الحالة يتمثل بأن اقامة الأم في بلدها بعد انقضاء عدتها فيه مصلحة للصغير لأنها تكون بين أهلها وأقاربها وهم أشفق الناس عليه( ).

ويميز الفقهاء بين الانتقال بالصغير من القرية إلى المدينة والانتقال به من المدينة إلى القرية فيجيزون الحالة الأولى دون الثانية وهم يعللون ذلك بأن انتقال الصغير من القرية إلى المينة يؤدي إلى تحليه بأخلاق أهل المدن وطباعهم الجيدة بخلاف الانتقال به من المدينة إلى القرية فإنه يؤدي إلى تحليه بأخلاق أهل القرى التي تتسم بالشدة والجفاء( ).
وفي رأينا المتواضع أن الانتقال بالصغير من المدينة إلى القرية يجب أن يأخذ ذات الحكم الذي يأخذه الانتقال بالصغير من القرية إلى المدينة من حيث الجواز أو المنع للاشتراك في العلة، إذ أن العلة كما أشرنا في منع الانتقال بالصغير من المدينة إلى القرية هو تخلق الصغير بأخلاق أهل القرى التي تتسم بالشدة والجفاء، وهذه العلة متوفرة في حالة الانتقال بالصغير من القرية إلى المدينة إذ قد يتأثر بأخلاق أهل المدينة والتي قد لا تنسجم مع أخلاق وعادات أهل القرى الأمر الذي قد يؤثر على الصغير أيضاً.
وإذا أراد الأب أن ينتقل بالصغير الذي لا يزال في حضانة أمه أو غيرها من الحاضنات فليس له ذلك إلا أن توافق هي وذلك لأن حق الحضانة ثابت لها فلا يملك ابطال حقها، وفي هذا المعنى يقول الإمام الكاساني في بدائعه “لو أراد الزوج أن يخرج من البلد وأراد أن يأخذ ولده الصغير ممن له الحضانة من النساء ليس له ذلك حتى يستغني عنها لما ذكرنا أنها أحق بالحضانة منه فلا يملك انتزاعه من يدها لما فيه من ابطال حقها”( ).

ويلاحظ بأن السبب الذي دفع الفقهاء من ايراد هذه القيود لتغيير مكان الحضانة هو مصلحة الصغير والمحافظة عليه، لذا نرى بأن هذه المسألة يعود تقديرها إلى قاضي الموضوع فيحكم بجواز نقل الصغير إلى مكان آخر إذا كان ذلك يحقق مصلحته وبخلافه يمتنع عن ذلك.

الفرع الثاني ـ مكان الحضانة في حالة كون الحاضنة غير الأم:
الأحكام السابقة تخص الحاضنة إذا كانت هي الأم أما إذا كانت الحاضنة غير الأم كجدة الصغير أو أخته أو غيرهما، فإن مكان الحضانة هو بلد أبي الصغير ولا يجوز للحاضنة نقل الصغير إلى مكان آخر إلا برضا والده( )، فللأب أن يمنع الحاضنة من الانتقال بالصغير إلى بلدٍ آخر ولو كان هذا البلد هو وطن الحاضنة، ولا فرق هنا بين البلد البعيد والبلد القريب( ).
ويرى بعض الفقهاء بأن غير الأم من الحاضنات يجب أن تعامل معاملة الأم فيما يتعلق بالانتقال إلى المكان القريب وذلك للاشتراك في العلة وهي أن الصغير واباه لا يصيبه ضرر كبير من هذا التنقل إذ يعتبر مثل هذا التنقل كأنه تم في داخل البلدة الواحدة( )، ونحن نؤيد هذا الرأي الأخير للأسباب التي وردت فيه.

المطلب الثاني ـ مكان الحضانة في القانون:

تناولت قوانين الأحوال الشخصية مكان الحضانة ومدى جواز الانتقال بالمحضون من هذا المكان إلى مكان أخر، ولبيان ذلك سنقسم هذا المطلب إلى فرعين يخصص الأول لبيان مكان الحضانة في القانون العراقي والثاني لبيان مكانها في القوانين العربية.

الفرع الأول ـ مكان الحضانة في القانون العراقي:
لم يتعرض قانون الأحوال الشخصية العراقي لحكم الانتقال بالمحضون من مكان الحضانة إلى مكان آخر إلا أن الفقرة (4) من المادة (57) نصت على أنه “للأب النظر في شؤون المحضون وتربيته وتعليمه حتى يتم العاشرة من العمر، وللمحكمة أن تأذن بتمديد حضانة الصغير، حتى اكمال الخامسة عشرة إذا ثبت لها بعد الرجوع إلى اللجان المختصة الطبية منها والشعبية أن مصلحة الصغير تقضي بذلك ، على أن لا يبيت الا عند حاضنته”.
ويقتضي أعمال هذا النص أن يكون المحضون قرب الأب لتيولى مراقبته والعناية به والاشراف عليه، وأن السفر والانتقال به إلى مكان آخر يفوت على الأب والصغير هذا الحق( ).
وقد جرى قضاء محكمة التمييز على منع الحاضنة من السفر بالمحضون إلى بلدٍ آخر غير بلد الأب إذا أدى ذلك إلى الاخلال بحق الأب في العناية بالمحضون ورعاية شؤونه حيث جاء في أحد قراراتها “ليس للحاضنة السفر بالمحضون إلى بلد آخر لغرض الاستيطان بحيث يتعذر على أبي المحضون النظر في شؤونه وتربيته وتعليمه طبقاً للفقرة الرابعة من المادة (57) المعدلة من قانون الأحوال الشخصية ومبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون”( ).
كما جرى قضاء محكمة التمييز أيضاً على منع المطلقة من السفر بالمحضون إلى بلد بعيد عن البلد الذي يسكنه والده إذا أدى ذلك إلى تفويت حقه في رعاية الصغير والعناية به حيث جاء في أحد قراراتها “ليس للوالدة أخذ ولدها الذي في حضانتها إلى المدينة التي يسكنها أهلها بعيداً عن مدينة والد الطفل الذي طلقها”( ).

الفرع الثاني ـ مكان الحضانة في القوانين العربية:

تجعل قوانين الأحوال الشخصية العربية تغيير مكان الحضانة مرتبط بمدى تحقيق مصلحة الصغير وهذا ما يفهم من النصوص التي جاءت بها هذه القوانين ومنها:

أولاً ـ القانون المصري:

لم يتطرق قانون الأحوال الشخصية المصري رقم (52) لسنة (1929) لبيان مكان الحضانة بصورة مباشرة إلا أنه نص في المادة (20) منه على أنه “ولكل من الأبوين الحق في رؤية الصغير أو الصغيرة وللأجداد مثل ذلك عند عدم وجود الأبوين، وإذا تعذر تنظيم الرؤيا اتفاقا، نظمها القاضي على أن تتم في مكان لا يضر بالصغير أو الصغيرة نفسياً”.
وبموجب هذا النص يكون تغيير مكان الحضانة والانتقال بالمحضون إلى مكان آخر مرتبط بتحقيق مصلحة الصغير فيمنع مثل هذا الانتقال إذا أدى إلى صعوبة رؤية الصغير لأبيه أو أمه وهو ما يؤدي إلى الاضرار به( ).
وإذا كان قانون الأحوال الشخصية المصري لم يتعرض لبيان مكان الحضانة ومدى جواز الانتقال بالمحضون إلى مكان آخر ، فإن القضاء المصري جرى على أنه إذا كان حق الحضانة لأحد الأبوين جاز للحاضن أن ينتقل بالمحضون إلى بلد آخر غير مكان الحضانة متى ما أمكن للطرف الآخر السفر لرؤية المحضون والعودة إلى بلده في نفس النهار باستخدام أي وسيلة من وسائل الانتقال المألوفة والميسورة للكافة( ).
ومع ذلك حكم أيضاً بجواز انتقال الحاضنة بالمحضون إلى أي بلد بعيداً كان أم قريباً متى ما اتفقت مع والده على ذلك( ).
وقد اختلفت احكام القضاء المصري فيما يتعلق بالجزاء المترتب على تغيير مكان الحضانة وهل يؤدي ذلك إلى اسقاط الحضانة أم لا فذهبت بعض احكام هذا القضاء إلى عدم سقوط حق الحاضنة في الحضانة بانتقالها بالصغير إلى مكان آخر غير مكان الحضانة وإنما يصار إلى الزامها بالعودة به إلى مكان الحضانة( )، في حين ذهب هذا القضاء في احكام أخرى له إلى أن انتقال الحاضنة بالمحضون إلى مكان آخر يصعب معه على والد الصغير الذهاب إليه والعودة في نفس اليوم يؤدي إلى اسقاط حقها في الحضانة().

ثانياً ـ القانون السوري:
عالج قانون الأحوال الشخصية السوري الأحكام الخاصة بمكان الحضانة ومدى جواز الانتقال بالمحضون من مكان الحضانة إلى مكان آخر في المواد (148،149،150).
حيث تناولت المادة (148) الأحكام الخاصة بانتقال الأم بالمحضون إذا كانت هي الحاضنة ، إذ منعت الفقرة (1) من هذه المادة الأم من السفر بالمحضون إلا بإذن أبيه أثناء قيام الزوجية بينهما فنصت على انه “ليس للأم أن تسافر بولدها أثناء الزوجية إلا بإذن أبيه”.
وأعطت الفقرة (2) من المادة أعلاه الحق للأم المطلقة بعد انتهاء عدتها بالسفر بالمحضون دون أذن وليه إلى البلدة التي جرى فيها عقد نكاحها فنصت على أنه “للأم الحاضنة أن تسافر بالمحضون بعد انقضاء عدتها دون أذن الولي إلى بلدتها التي جرى فيها عقد نكاحها”.
وأجازت الفقرة (3) من المادة المشار إليها للأم المطلقة بعد انتهاء عدتها السفر بالمحضون إلى البلدة التي تقيم فيها أو التي تعمل فيها بشرط أن يكون أحد أقاربها المحارم مقيما في هذه البلدة ، فنصت على أنه “ولها أن تسافر به داخل القطر إلى البلدة التي تقيم فيها أو إلى البلدة التي تعمل فيها لدى أي جهة من الجهات العامة شريطة أن يكون أحد أقاربها المحارم مقيما في تلك البلدة”.
وأعطت الفقرة (4) للجدة لأم نفس الحقوق المشار إليها في الفقرتين (2،3) فنصت على أنه “تملك الجدة لأم نفس الحق المعطى بالفقرتين (2،3) السابقتين”.
وعالجت الفقرة (5) مسألة رؤية المحضون فنصت على أنه “لكل من الأبوين رؤية أولاده الموجودين لدى الآخر دورياً في مكان وجود المحضون وعند المعارضة في ذلك فللقاضي أن يأمر بتأمين هذا الحق وتعيين طريقة تنفيذه فوراً دون حاجة إلى حكم من محاكم الأساس وعلى من يعارض في الأراءة أو في طريقتها أن يراجع المحكمة، وتطبق على من يخالف أمر القاضي أحكام المادة (482) من قانون العقوبات”( ).
وتناولت المادة (149) حكم انتقال الحاضنة غير الأم بالمحضون حيث اشترطت هذه المادة لصحة هذا الانتقال أخذ إذن الولي فنصت على أنه “إذا كانت الحاضنة غير الأم فليس لها السفر بالولد إلا بإذن وليه”.
وبينت المادة (150) حكم سفر الأب بالمحضون في مدة حضانته له فاشترطت لصحة هذا السفر الحصول على إذن الحاضنة حيث نصت على أنه “ليس للأب أن يسافر بالولد في مدة حضانته إلا بأذن حاضنته”.

ثالثاً ـ القانون الاردني:

عالج قانون الأحوال الشخصية الأردني الأحكام الخاصة بمكان الحضانة ومدى جواز الانتقال بالمحضون في المواد (164،166).
حيث جعلت المادة (164) سفر الولي أو الحاضنة بالمحضون داخل حدود المملكة مرتبط من حيث الجواز أو المنع بتحقيق مصلحة الصغير فيمنع هذا السفر إذا تعارض مع مصلحة الصغير ويباح إذا لم يكن كذلك فنصت على أنه “لا يؤثر سفر الولي أو الحاضنة بالصغير إلى بلد داخل المملكة على حقه في امساك الصغير ما لم يكن لهذا السفر تأثير على رجحان مصلحة الصغير معه فإن ثبت تأثير السفر على مصلحة الصغير يمنع سفر الصغير ويسلم للطرف الآخر”.
وبموجب هذا النص يؤدي انتقال الحاضنة أو الولي بالمحضون إلى سقوط حقهما في الحضانة وانتقال هذا الحق إلى الطرف الاخر إذا كان مثل هذا السفر يؤدي إلى التأثير على مصلحة الصغير.
واشترطت المادة (166) لجواز انتقال الحاضنة بالمحضون خارج حدود المملكة توفر الشرطين التاليين:
1 ـ موافقة ولي الصغير.
2 ـ أن يحقق هذا الانتقال مصلحة الصغير.
فنصت المادة المشار إليها على أنه “لا يسمح للحاضنة أن تسافر بالمحضون خارج المملكة إلا بموافقة الولي وبعد التحقق من تأمين مصلحته”.

رابعاً ـ القانون المغربي:

تناولت مدونة الأحوال الشخصية المغربية حكم تغيير مكان الحضانة ومدى تأثير ذلك على حق الحاضن في الفصل (107) والذي نص فيه على أنه “إذا استوطنت الحاضنة ببلدة أخرى يعسر فيها على ابي المحضون أو وليه مراقبة احوال المحضون والقيام بواجباته سقطت حضانتها”.
وبموجب هذا النص رتب المشرع المغربي على انتقال الحاضنة بالمحضون إلى بلد يعصب فيها على وليه مراقبة أحواله رتب على ذلك سقوط حق الحاضنة في الحضانة( ).

خامساً ـ القانون التونسي:

نظمت مجلة الأحوال الشخصية التونسية الأحكام الخاصة بالانتقال بالمحضون من مكان الحضانة إلى مكان آخر في الفصلين (61،62).
حيث نص الفصل (61) على أنه “إذا سافرت الحاضنة سفر نقلة مسافة يعسر معها على الولي القيام بواجباته نحو منظورة سقطت حضانتها”.
وبموجب هذا النص يؤدي انتقال الحاضنة بالصغير إلى مكان اخر غير مكان الحضانة يصعب معه على الأب القيام بشؤون الصغير والعناية به إلى سقوط حق الحاضنة في الحضانة.
ونص الفصل (62) على أنه “يمنع الأب من إخراج الولد من بلد أمه إلا برضاها ما دامت حضانتها قائمة ما لم تقض مصلحة المحضون خلاف ذلك”.
ويتضح لنا بعد عرض آراء فقهاء الشريعة الإسلامية ونصوص قوانين الأحوال الشخصية المتعلقة بمكان الحضانة ومدى جواز الانتقال بالصغير إلى مكان آخر أن الجانبين قد جعلا هذا الأمر مرتبط من حيث الجواز أو المنع بمدى تحقيق مصلحة الصغير، لذا نجد أن الفقهاء أجازوا هذا الانتقال متى تحققت هذه المصلحة فنجدهم مثلا اشترطوا لانتقال الحاضنة بالمحضون إلى مكان بعيد عن المكان الذي يقيم فيه والد الصغير أن يكون هذا البلد هو بلدها الأصلي، وهم يعللون ذلك بأن الانتقال بالصغير إلى بلد الأم الأصلي يجعل الصغير بين أهلها وأقاربها وهم أشفق الناس عليه.
وللسبب نفسه نجد أن بعض الفقهاء أجاز الانتقال بالمحضون من مدينة إلى مدينة أخرى ومن القرية إلى المدينة ولم يجيزوا الانتقال به من المدينة إلى القرية لأنهم يرون أن مثل هذا الانتقال يضر بمصلحة الصغير إذ يؤدي إلى تحلية بأخلاق أهل القرى التي تتسم بالشدة والجفاء.
وبذات الحكم تأخذ قوانين الأحوال الشخصية كما بينا حيث تجعل مدى جواز الانتقال بالمحضون إلى مكان آخر غير مكان الحضانة من عدمه مرتبط بمصلحة الصغير.
وبناءً على ذلك نرى أن يترك أمر تحديد مدى جواز الانتقال بالمحضون من عدم ذلك إلى قاضي الموضوع ليحكم بالجواز متى تحققت مصلحة الصغير وبالمنع إذا لم تتحقق هذه المصلحة، ومع ذلك يجب أن يؤخذ بالحسبان أن الصغير ليس هو صاحب الحق الوحيد في الحضانة فالحضانة –كما اشرنا -حق مشترك بين الصغير وأبويه فيجب أيضاً أن يؤخذ بنظر الاعتبار مصلحة الأب والأم عند تقدير جواز الانتقال بالمحضون من عدمه فيتم الموازنة بين هذه المصالح وعند التعارض بينها تقدم مصلحة الصغير.

المبحث السادس انتهاء مدة الحضانة:

كما أن للحضانة مدة تبدأ بتاريخ معين فان الحضانة تنتهي بتاريخ اخر وتبدأ مدة الحضانة بولادة الطفل حياً ولا فرق في هذا بين الذكر والأنثى.
أما انتهاء مدة الحضانة فإن فقهاء الشريعة الإسلامية وقوانين الأحوال الشخصية قد اختلفت في بيان هذه المدة، وهم يميزون في هذا الصدد بين الذكر والأنثى ، ولبيان الأحكام الخاصة بانتهاء مدة الحضانة فإننا سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين يخصص الأول منهما لبيان الأحكام الخاصة بانتهاء مدة الحضانة في الشريعة الإسلامية ، ويخصص الثاني لبيان هذه الأحكام في قوانين الأحوال الشخصية.

المطلب الأول ـ انتهاء مدة الحضانة في الشريعة الإسلامية:

اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية كما اشرنا في بيان المدة التي تنتهي بها الحضانة ويرجع سبب اختلافهم في هذا الأمر إلى الرغبة في تحقيق الأصلح والأفضل للصغير، ويميز الفقهاء في هذا الصدد بين المدة التي تنتهي بها حضانة الذكور وتلك التي تنتهي بها حضانة الإناث ونخصص لكل منهما فرعاً مستقلاً.

الفرع الأول: انتهاء مدة حضانة الذكور:
ذهب فقهاء الشريعة الإسلامية إلى القول بأن الصغير الذكر يبقى في حضانة النساء حتى يستطيع الاعتماد على نفسه بحيث يأكل وحده ويشرب وحده ويقضي حاجته بنفسه فيستغني عن خدمة النساء ثم يعطى بعد ذلك لأبيه حتى يبلغ، وفي هذا المعنى يقول الإمام الكاسان”ي أما وقت الحضانة التي من قبل النساء فالأم والجدتان أحق بالغلام حتى يستغني عنهن فيأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده”( ).
وفي ذات المعنى يقول الإمام ابن الهمام “والأم والجدة أحق بالغلام حتى يأكل وحده ويشرب وحده ويلبس وحده ويستنجي وحده”( ).
وبيان ذلك أن الصغير بقدرته على الاعتماد على نفسه في الأكل والشرب والاستنجاء يكون قد بلغ سناً تمكنه من الاستغناء عن خدمة النساء والتي تنصب في غالبها على هذه الأمور ويصبح بحاجة إلى التأديب والتخلق بأخلاق الرجال، ولما كان الأب أقدر من الأم على التأديب فإن الصغير يضم إليه بعد بلوغه هذه السن( ) .
وقد اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية في بيان الحد الذي يستطيع فيه الصغير الاعتماد على نفسه والاستغناء عن خدمة النساء فحدده بعضهم ببلوغ سن معينة، وحدده البعض الآخر بظهور العلامات التي تدل على البلوغ، وحسب التوضيح التالي:

أولاً : يرى فقهاء الحنفية أن الصغير يبقى في حضانة النساء حتى يبلغ السابعة من عمره وينتقل بعد ذلك إلى أبيه، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن نجيم ” والأم والجدة أحق بالغلام حتى يستغني وقدر بسبع”( ).

ثانياً: ذهب فقهاء الحنابلة إلى القول بأن الصغير يبقى في حضانة النساء حتى بلوغه سن التمييز والذي قدروه بسبع سنين ثم يخير بين أبويه فيضم إلى من يختار منهما، وهم يستدلون على ذلك بما روي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) من النبي (صلى الله عليه وسلم) خير غلاماً بين أبويه بعد بلوغه هذه السن وكذلك فعل الخليفة عمر( ).
وفي هذا المعنى يقول الإمام البهوتي من الحنابلة ” وأن بلغ الصبي سبع سنين خير بين أبويه لحديث أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم)خير غلاماً بين أبيه وأمه”( ) وإلى مثل هذا الرأي ذهب فقهاء الشافعية( ) والزيدية( ).

ثالثاً: قال فقهاء المالكية ببقاء الصغير في حضانة أمه حتى بلوغه سن الاحتلام وبعد ذلك يخير بين أبيه وأمه وفي هذا المعنى جاء في المدونة الكبرى “قلت كم يترك الغلام في حضانة الأم في قول مالك (قال) قال مالك حتى يحتلم ثم يذهب حيث يشاء”( ).

رابعاً: ذهب فقهاء الظاهرية إلى القول ببقاء الصغير في حضانة أمه حتى يبلغ سن الاحتلام أو الانبات ثم يعطى بعد ذلك لأبيه، وفي هذا المعنى جاء في المحلى “الأم أحق بحضانة الصغير والصغيرة حتى يبلغا المحيض أو الاحتلام أو الانبات مع التمييز وصحة الجسم”( ).

خامساً: قال فقهاء الإمامية الأم أحق بحضانة الصغير خلال مدة الرضاع وبعد ذلك يعطى لأبيه، وفي هذا المعنى يقول الإمام العاملي الأب أحق بالذكر بعد فصاله إلى البلوغ”( ).

وهكذا يتضح لنا بعد عرض آراء الفقهاء المتعلقة بمدة حضانة الذكور ان الفقهاء قد اتفقوا على ان الصغير الذكر يبقى في حضانة النساء حتى يصل السن التي يستطيع فيها الاعتماد على نفسه والاستغناء عن خدمة النساء إلا أنهم اختلفوا في الأمور التالية:
1 ـ اختلفوا في بيان الحد الذي يستطيع فيه الصغير الاستغناء عن خدمة النساء فحددها بعض الفقهاء ببلوغ سن معينة وحددها البعض الآخر بظهور العلامات التي تدل على البلوغ كالإنبات والاحتلام.
2 ـ اختلفوا في بيان مصير الصغير بعد انتهاء حضانة النساء فقال بعضهم يعطى لأبيه، وقال البعض الآخر يخير بين أبيه وأمه فيعطى لمن يختار منهما.
وفي رأينا المتواضع أن هذا الأمر مرتبط بمصلحة الصغير لذا يترك أمر تقديره لقاضي الموضوع ، فإذا رأى القاضي أن مصلحة الصغير تقتضي بقاؤه مع أمه ابقاهُ معها، وإذا رأى أن مصلحته تقتضي اعطاؤه لأبيه اعطاه له، وإذا تبين له أنه قد وصل المرحلة التي يستطيع فيها الاختيار بينهما وآنس منه الرشد في هذا الاختيار ، خيره بينهما، فالمرد في هذا الأمر وهو مصلحة الصغير.
وانطلاقاً من هذا الوصف نجد أن فقهاء الشافعية مثلاً اشترطوا لكي يخير الصغير أن يكون كلاً من أبويه صالحاً يستطيع اكمال تربيته( ) والسبب الذي دفع فقهاء الشافعية إلى اشتراط هذا الشرط هو أن الصغير في أغلب الأحوال لا يعرف مصلحته لذا فقد يميل إلى من يوافق هواه من ابويه وقد يكون هذا الأخير غير صالحاً لتربيته مما يؤدي إلى الاضرار به( ).

الفرع الثاني ـ اتهاء مدة حضانة الإناث:
كما هو الحال في مدة حضانة الذكور فان الفقهاء اختلفوا في بيان مدة حضانة الإناث على النحو التالي:

أولاً: ذهب فقهاء الحنفية إلى القول بأن الصغيرة تبقى في حضانة النساء حتى تحيض ثم تعطى بعد ذلك لأبيها وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن الهمام “والأم والجدة أحق بالجارية حتى تحيض..”( ).
ويعلل فقهاء الحنفية رأيهم هذا بأن البنت قبل وصولها السن التي تحيض فيها تكون بحاجة إلى معرفة أخلاق النساء وآدابهن وأعمالهن والأم والجدة أقدر على تعليمها هذه الأمور أما بعد بلوغها السن التي تحيض فيها فإنها تصبح عرضة للفتنة ومطمعاً للرجال وتصبح بحاجة إلى التحصين والحفظ والأب أقدر من غيره على ذلك وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن نجيم “الأم والجدة أحق بالصغيرة حتى تحيض لأنها بعد الاستغناء تحتاج إلى معرفة آداب النساء والمرأة على ذلك أقدر، وبعد البلوغ تحتاج إلى التحصين والحفظ والأب فيه أقوى وأهدى”( ).
وقدر بعض فقهاء الحنفية السن التي تصل فيها البنت إلى مرحلة الحيض بإحدى عشرة سنة، وقدرها البعض الآخر، ورأيهم هو الراجح بتسع سنوات( ).
أما حضانة الرجال للأنثى فهي تبدأ بانتهاء حضانة النساء لها وتستمر بالنسبة للثيب حتى تؤمن على نفسها من الخديعة، أما بالنسبة للبكر فتستمر الحضانة عليها إلى أن تتزوج وأن كانت مأمونة على نفسها لأنها قبل الزواج تكون مطمعاً للرجال( ).

ثانياً: يرى فقهاء المالكية أن الأنثى تبقى في حضانة الأم حتى بلوغها مبلغ النكاح بشرط أن تكون الأم مأمونة عليها وعلى نفسها وفي هذا المعنى جاء في المدونة الكبرى “قلت والجارية حتى متى تكون الأم أولى بها.. قال مالك حتى تبلغ النكاح ويخاف عليها فإذا بلغت مبلغ النكاح وخيف عليها نظر فإن كانت أمها في حرز ومنعة وتحصين كانت احق بها”( ).

ثالثاً: ذهب فقهاء الحنابلة إلى القول بأن البنت تبقى في حضانة أمها حتى تبلغ سن التمييز، وهو السابعة من العمر، إلا نهم اختلفوا في مصيرها بعد هذه السن، فذهب بعضهم إلى أنها تبقى في حضانة أمها وقال البعض الآخر تعطى لأبيها، وقال البعض الثالث تخير بين أبيها وأمها، والرأي الراجح أن تدفع لأبيها وفي هذا المعنى يقول الإمام شمس الدين المقدسي” وأن بلغت أنثى سبعاً ، فعنه الأم أحق وقيل تخير.. والمذهب الأب”( ).

رابعاً: يرى فقهاء الشافعية أن الأنثى حالها حال الذكر تبقى في حضانة النساء حتى بلوغها سن التمييز وهو السابعة من العمر، وبعد ذلك تخير بين أبيها وأمها فتدفع إلى من تختار منهما( ).

خامساً: ميز فقهاء الظاهرية بين الأم المسلمة وغيرها فجعلوا حضانة المسلمة للأنثى تنتهي ببلوغ الحيض، أما الكافرة فحضانتها للأنثى تنتهي بانتهاء مدة الرضاع ، وفي هذا المعنى يقول الإمام ابن حزم في محلاه “الأم أحق بحضانة الولد الصغير والابنة الصغيرة حتى يبلغا المحيض أو الاحتلام أو الانبات مع التمييز وصحة الجسم.. والأم الكافرة أحق بالصغيرين مدة الرضاع”( ).

سادساً: ذهب فقهاء الإمامية إلى القول بأن الأنثى تبقى في حضانة أمها حتى تبلغ السابعة من عمرها وفي رأي آخر حتى تبلغ التاسعة ثم تعطى لأبيها، وفي هذا المعنى يقول الإمام العاملي “فالأم أحق بالأنثى إلى سبع سنين وقيل إلى تسع”( ).

سابعاً: ذهب فقهاء الزيدية إلى القول ببقاء الأنثى في حضانة الأم حتى تتزوج ويدخل بها الزوج، وفي هذا المعنى جاء في البحر الزخار “الأنثى للأم حتى تتزوج وتدخل”( ).

وبعد عرض آراء الفقهاء المتعلقة بانتهاء حضانة الإناث نخلص الى ان الفقهاء قد اختلفوا في بيان السن التي تنتهي بها حضانة النساء للأنثى ومصيرها بعد انتهاء حضانة النساء لها على النحو الذي بيناه.
وفي رأينا المتواضع أن الرأي الذي قال به فقهاء الحنفية من أن الصغيرة تبقى في حضانة النساء حتى تحيض ثم تعطى بعد ذلك لأبيها هو الرأي الأجدر بالقبول لأن البنت إذا بلغت هذه السن أصبحت عرضة للفتنة ومطمعاً للرجال وكانت بحاجة إلى الحفظ والصيانة والأب بما له من شفقة وعطف عليها وبما له من قدرة على الحفظ والصيانة يكون أقدر على حمايتها ورعايتها.
ولا يمكن بحسب رأينا أن يؤخذ بالرأي القائل بأن الأنثى بعد بلوغها السن التي تنتهي بها حضانة النساء تخير بين أبيها وأمها فتعطى إلى من تختار منهما، وذلك لان الإناث لا يهتدين إلى معرفة الأصلح لهن في هذه المرحلة وقد تختار بحكم عاطفتها من لا يوافق مصلحتها لذا كان من الأفضل اعطائها لأبيها.

المطلب الثاني ـ انتهاء مدة الحضانة في القانون:

اختلفت قوانين الأحوال الشخصية فيما بينها ـ كما هو الحال لدى فقهاء الشريعة ـ في بيان المدة التي تنتهي بها حضانة الصغير ولبيان ذلك نقسم هذا المطلب إلى فرعين الأول لبيان انتهاء الحضانة في القانون العراقي، والثاني لانتهائها في القوانين العربية.

الفرع الأول ـ انتهاء الحضانة في القانون العراقي:
تناول قانون الأحوال الشخصية العراقي الأحكام الخاصة بانتهاء الحضانة في الفقرتين (4،5) من المادة (57) حيث نصت الفقرة (4) على أنه “للأب النظر في شؤون المحضون وتربيته وتعليمه حتى يتم العاشرة من العمر، وللمحكمة أن تأذن بتمديد حضانة الصغير حتى اكماله الخامسة عشرة، إذا ثبت لها بعد الرجوع إلى اللجان المختصة الطبية منها والشعبية أن مصلحة الصغير تقضي بذلك على أن لا يبيت إلا عند حاضنته”.

وبموجب هذا النص جعل المشرع العراقي حضانة النساء للصغير ذكراً كان أم أنثى تمتد حتى العاشرة من عمره ، وأجاز للمحكمة بعد انتهاء هذه الفترة أن تأذن بتمديد حضانته حتى اكماله الخامسة عشرة من العمر متى ما تبين لها أن مصلحة الصغير تقضي بذلك بشرط ان لا ينبت الا عند الحاضنة ، وهو الاتجاه الذي أخذت به محكمة التمييز في أحد قراراتها بالقول “يبقى الصغير لدى أمه ما لم يتم العاشرة من العمر فإن أتمها وجب تمديد حضانته إذا قررت اللجنة الطبية ذلك”( ).
ويقتصر دور الأب بموجب نص الفقرة (4) خلال فترة الحضانة ـ سواء الأصلية منها أم فترة التمديد ـ على النظر في شؤون المحضون والاشراف على تربيته وتعليمه.

ولم يفرق المشرع العراقي في الفقرة أعلاه بين الذكر والأنثى حيث جعل فترة الحضانة لكل منهما عشر سنوات وأجاز تمديدها لتصل إلى خمس عشرة سنة، وقد راعى المشرع كما يبدو في فترة التمديد هذه سن البلوغ الطبيعي في العراق الذي غالباً ما يحصل في سن الخامسة عشرة بالنسبة للذكر والأنثى( ).
ونصت الفقرة (5) من المادة (57) على أنه “إذا أتم المحضون الخامسة عشرة من عمره يكون له حق الاختيار مع من يشاء من أبويه أو أحد أقاربه لحين اكماله الثامنة عشرة من العمر إذا آنست منه المحكمة الرشد في هذا الاختيار”.
وبموجب هذا النص أخذ المشرع العراقي بالاتجاه الفقهي الذي قال بالتخيير حيث اعطى للمحضون بعد اكماله الخامسة عشرة من عمره حق الاقامة مع من يشاء من أبويه أو أحد أقاربه لحين اكماله الثامنة عشرة من عمره متى ما آنست منه المحكمة الرشد في مثل هذا الاختيار ، وهو الاتجاه الذي أخذت به محكمة التمييز في أحد قراراتها بالقول “إذا كان المحضون قد أتم الخامسة عشرة من عمره فيجب ادخاله شخصاً ثالثاً في الدعوى والسؤال منه عمن يختار الضم إليه من أبويه أو أقاربه عند بلوغه الثامنة عشرة من عمره”( ).

وجاء في قرار آخر لمحكمة التمييز “للصغيرة حق الاختيار مع من تشاء إذا آنست المحكمة منها الرشد في هذا الاختيار”( ).
وينتقد الدكتور أحمد الكبيسي التوجه الذي ذهب إليه المشرع العراقي في اجازة تمديد حضانة الصغير حتى اتمامه الخامسة عشرة من العمر واعطائه حق الاختيار بعد هذه السن في الاقامة مع من يشاء من أبويه أو أحد أقاربه وعدم التمييز بين الذكر والأنثى في هذا الحكم، ويرى أن في هذا الأمر مسايرة للتوجه الغربي وابتعاداً عن مفاهيم الأسرة العربية، إذ يهون هذا الأمر من دور الأب في تربية أولاده وهم بأمس الحاجة إليه، كما أن عدم التمييز في هذا الاطار بين الذكر والأنثى يخالف التوجه العام الذي ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية من أن البنت لا تخير بعد انتهاء حضانة النساء لها وإنما تعطى لأبيها( ).

ونحن نوافق أستاذنا الدكتور الكبيسي في رأيه هذا ونرى بأنه كان على المشرع العراقي أن يجعل حضانة النساء للصغير ذكراً كان أم أنثى تنتهي ببلوغها العاشرة من العمر ويجوز لتجديد هذه الفترة حتى بلوغ الصغير والصغيرة الخامسة عشرة من العمر وبعدها يعطي للذكر الحق في الاقامة مع من يشاء متى ما آنست منه المحكمة الرشد في هذا الاختيار في حين تبقى الصغيرة لدى أبيها ما دامت غير مأمونة على نفسها وذلك أخذاً بالاتجاه الفقهي في هذا الصدد.
وبناءً على ذلك يبدو لنا أنه من الأفضل الاستعاضة عن نص الفقرة (4) ونص الفقرة (5) من المادة (57) بفقرة واحدة تكون صياغتها على النحو التالي “تنتهي حضانة النساء باتمام الصغير والصغيرة العاشرة من العمر، وللمحكمة أن تأذن بتمديد الحضانة حتى اكمال الخامسة عشرة، يعطى بعدها للذكر الحق في الاقامة مع من يشاء متى ما آنست منه المحكمة الرشد في الاختيار ، وتعطى الأنثى لأبيها”.

وبهذه الصياغة يواكب المشرع العراقي الاتجاه الراجح لدى فقهاء الشريعة الإسلامية.

الفرع الثاني ـ انتهاء مدة الحضانة في القوانين العربية:
اختلفت قوانين الأحوال الشخصية العربية في بيان المدة التي تنتهي بها الحضانة ، ومن هذه القوانين:

أولاً ـ القانون المصري:

تناول قانون الأحوال الشخصية المصري الأحكام الخاصة بانتهاء الحضانة في المادة (20) والتي جاء فيها “ينتهي حق حضانة النساء ببلوغ الصغير سن العاشرة وبلوغ الصغيرة سن اثنتي عشرة سنة ، ويجوز للقاضي بعد هذه السن ـ ابقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج ـ في يد الحاضنة دون أجر حضانة، إذا تبين أن مصلحته تقتضي ذلك”.
وبموجب هذا النص جعل المشرع حضانة النساء تنتهي بالنسبة للصغير الذكر ببلوغ سن العاشرة وللأنثى ببلوغ سن الثانية عشرة، وأجاز للمحكمة تمديد هذ الفترة حتى سن الخامسة عشر بالنسبة للذكر وحتى الزواج بالنسبة للأنثى، ولا يحق للحاضنة أن تطالب بالأجرة لقاء فترة التمديد، وجعل جواز التمديد من عدمه مرتبط بمصلحته الصغير.
وينتقد الدكتور عبد الناصر توفيق العطار الاتجاه الذي ذهب إليه المشرع المصري في مد حضانة النساء للأنثى حتى الزواج ويعتبر هذا الحكم مخالفاً للشريعة الإسلامية لتعارضه مع قوله تعالى: (وابتلوا اليتـمى حتى إذا بلغوا النكاح ، فإن ءانستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أمولهم…)( ). فهو نص قطعي الثبوت والدلالة يقضي بانتهاء الولاية على المال ببلوغ الصغير سن الزواج راشداً، ومن المتفق عليه أن الحضانة والولاية على النفس تنتهي قبل انتهاء الولاية على المال، ويرى من جانبٍ آخر أن هذا الحكم يؤدي إلى التقليل من دور الأب في العناية والاشراف على أولاده، ويؤدي إلى الاضرار به لأنه سيضطر إلى دفع نفقة الحضانة لفترة طويلة.

ثانيا ـ القانون السوري:

تناول قانون الأحوال الشخصية السوري الأحكام الخاصة بمدة الحضانة وانتهاؤها في المواد (146) ،(151) حيث جعلت المادة (146) مدة الحضانة تنتهي باكمال الذكر التاسعة من العمر والبنت الحادية عشرة فنصت على أنه “تنتهي مدة الحضانة باكمال الغلام التاسعة من عمره والبنت الحادية عشرة”.
وإذا كان الولي غير الأب فإن المادة (147) (ف1) أعطت للقاضي الحق في وضع الولد عند الأصلح من الولي أو الأم أو من يقوم مقامهما لحين زواج الأنثى أو بلوغها، ولحين بلوغ الذكر سن الرشد، فنصت هذه الفقرة على أنه “إذا كان الولي غير الأب فللقاضي وضع الولد ذكراً أو أنثى عند الأصلح من الأم أو الولي أو من يقوم مقامهما حتى تتزوج البنت أو تبلغ أو يبلغ الصبي سن الرشد”( ).

ثالثاً ـ القانون الأردني:

عالج قانون الأحوال الشخصية الأردني الأحكام الخاصة بمدة الحضانة وانتهاءها في المواد (161 و(162) فقد جعلت المادة (161) حضانة غير الأم من النساء تنتهي بتمام التاسعة من العمر بالنسبة للذكر، وبتمام الحادية عشرة بالنسبة للأنثى فنصت هذه المادة على أنه “تنتهي حضانة غير الأم من النساء للصغير إذا أتم التاسعة وللصغيرة إذا أتمت الحادية عشرة”.
وجعلت المادة (162) حضانة غير الأم من النساء تنتهي ببلوغ الصغار إذا كانت قد حبست نفسها لتربيتهم فنصت على أنه “تمتد حضانة الأم التي حبست نفسها على تربية وحضانة أولادها إلى بلوغهم”.
وأعطت الفقرة (أ) من المادة (165) للولي المحرم الحق أن يضم إليه الأنثى البكر إذا كانت دون الأربعين من العمر والثيب إذا كانت غير مأمونة على نفسها إذا لم يكن القصد من الضم الاضرار بها فنصت على أنه “للوي المحرم أن يضم إليه الأنثى البكر إذا كانت دون الأربعين من العمر والثيب إذا كانت غير مأمونة على نفسها ولم يقصد بالضم الكيد والاضرار بها”.

رابعاً ـ القانون المغربي:( )

تناولت مدونة الأحوال الشخصية المغربية الأحكام الخاصة بمدة الحضانة وانتهاءها في الفصل (102) والذي جاء فيه “تمتد الحضانة حتى تدخل الأنثى ويبلغ الذكر”.
وبموجب هذا النص تنتهي الحضانة بالنسبة للأنثى بدخول الزوج بها أما بالنسبة للذكر فهي تنتهي بالبلوغ الطبيعي.
ويتضح لنا بعد عرض النصوص المتعلقة بانتهاء الحضانة في قوانين الأحوال الشخصية أن هذه القوانين قد اختلفت في بيان المدة التي تنتهي بها حضانة النساء، إلا أنه يلاحظ أن توجه هذه القوانين هو أن حضانة النساء للانثى والذكر تنتهي ببلوغ سن النكاح . وذلك ببلوغ الحيض بالنسبة للأنثى وظهور العلامات التي تدل على بلوغ النكاح بالنسبة للذكر حيث جعلت هذه القوانين حضانة الأنثى تنتهي ببلوغها سناً يتراوح بين التاسعة والعاشرة وهو السن الذي غالباً ما تحيض فيه الأنثى، وجعل حضانة الذكر تنتهي ببلوغ سناً يتراوح بين العاشرة والخامسة عشرة، وهو السن الذي غالباً ما تظهر فيه علامات البلوغ عند الذكر كالاحتلام والانبات.
أما حضانة الرجال للصغير فهي تنتهي ببلوغه سن الرشد الذي اختلفت القوانين العربية فيما بينها في تحديده.