بحث رائع فى القرارات الادارية قانون عام

مقدمـــة :

تعتبر المهمة الأساسية للدولة، هي تحقيق المصلحة العامة، وهي وظيفة اجتماعية كبرى لا يتم بلوغها إلا في نطاق دولة الحق والقانون والمؤسسات، فإذا كان دور الدولة قديما يتمثل في ضمان الاستقرار والأمن داخل المجتمع، فإنها اليوم وعلى عكس دلك، وتقديرا لجسامة المهام الملقاة على عاتقها، تحتاج إلى مجموعة من الوسائل تستعين بها للقيام بهذه المسؤولية، على أحسن وجه، فهذه الوسائل قد تكون ذات طابع مؤسساتي، وقد تكون ذات طابع إنساني يتكون من مجموعة من الأشخاص، وقد تكون ذات طابع قانوني تمكنها من القيام ببعض التصرفات والأعمال، قد تكون قرارات إدارية أو عقود إدارية.
وبعبارة أخرى فالقانون عهد للسلطة الإدارية امتيازات هامة تتمثل أساسا في إصدار القرارات الإدارية تنظيمية كانت أم فردية ترمي إلى تحقيق أهداف القانون في المجتمع وهي العدالة والمصالح العامة للجماعة. وأيضا المصالح الخاصة للأفراد حسب الأحوال.

فهذه الامتيازات تخول للإدارة درجة أعلى من الفرد وغير متساوية له بحيث تنفذ قراراتها طواعية أو إكراها كحقها في نزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاستيلاء المؤقت على العقارات وحقها في الالتجاء القهري والمباشر دون السعي إلى المحاكم وانتظار صدور حكم بالإضافة إلى تنفيذ القوانين والمحافظة على النظام العام.
والقرارات الإدارية هي الأعمال القانونية التي تتدخل الإدارة بواسطتها، وذلك بهدف تنظيم الحياة داخل المجتمع، تحدوها في ذلك غاية أسمى تتمثل في تحقيق المصلحة العامة، وتتميز هذه القرارات بكونها وسيلة تستعملها انطلاقا من إرادتها المنفردة، حيث تقوم بسن أعمال بمحض إرادتها وتترتب عليها حقوق وواجبات ولا يتطلب دخولها حيز التنفيذ توفر رضى الأفراد أو الجماعات المعنية بها، وذلك نظرا لكونها تقوم على أساس ما يخوله التشريع للإدارة من صلاحيات غير مألوفة في القانون العادي.
بيد أن أوجه تحقيق هذا النشاط لا ينحصر فقط في تلك الامتيازات التي تعطي للإدارة الحرية في التقدير بمحض اختيارها، فالمصلحة العامة قد تقتضي تدخلها من عدمه وفي حالة تدخلها وفق أي الوسائل تقوم بذلك وتمتد كذلك لتشمل ما يفرضه المشرع على الإدارة من قيود ترد على حريتها في تحديد أساليب ممارسة نشاطها فتحرم بعض الأساليب عليها وتشترط بصدد موضوع ما اتخاذ إجراءات معينة لا تستطيع أن تحيد عليها وهي قيود يقصد المشرع منها الحد من حرية الإدارة وسلطاتها وبين حقوق وحريات الأفراد، علاوة على حماية الأفراد من تحكم الإدارة واستبدادها وتحيزها.

وبالتالي فالقرارات الإدارية خاضعة للسلطة التقديرية والاختصاص المقيد اللتان يجب التوفيق بينهما لتحقيق الصالح العام.
ويجمع الفقه في هذا الخصوص أنه لا يوجد قرار إداري تنفرد الإدارة بتحديد وتقدير مجمل عناصره، بل هناك بعض الجوانب التقديرية المختلفة باختلاف موضوع القرارات الإدارية الخاضعة لتقدير ورقابة القضاء، لأنه يخشى أن تتجاوز الإدارة دائرة حدودها فتتجاوز في استخدام امتيازاتها لغير صالح الأفراد، ومن هنا بدت الضرورة على مراقبة نشاط الإدارة حتى لا تنصرف عن حدود سلطتها واختصاصاتها وذلك تأسيسا على مبدأ المشروعية الذي أصبح من المبادئ الأساسية لإقامة دولة الحق والقانون، ويعتبر هذا المبدأ ضربا من ضروب التفكير النظري المجرد ما لم تتوفر الضمانات الكفيلة لحمايته ومن أهمها رقابة القضاء على القرارات الصادرة عن الإدارة.

فالفرد عليه أن لا يلتزم الصمت عن كل قرار إداري مضر بمركزه القانوني لأن ذلك يكرس انعدام المشروعية ويشجع رجل الإدارة الذي يعتبر المستفيد الوحيد من هذه الوضعية في الاستمرار في تعنته وشططه ولهذا فمن مصلحة الفرد المتضرر أن يكون واعيا بحقوقه وأن يرفع دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة عندما يصاب بضرر من شأنه إعدام القرار الغير المشروع.
ومن واجب القاضي أيضا أن يحرص كل الحرص أن تستهدف الإدارة من وراء القرار المتخذ تحقيق المصلحة العامة بل قد يتحمل مسؤولياته في إقامة عدالة موازية بين امتيازات الإدارة من جهة وحقوق الأفراد وحرياتهم من جهة أخرى.
هذا ولقد سبق أن أعلن المغفور له الحسن الثاني في بداية التسعينات عن إحداث المحاكم الإدارية والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهم معلمتين من معالم دولة الحق والقانون. ولقد دلت التجربة أن كل من هاتين المؤسستين تنطوي على مجموعة من الجوانب الايجابية التي فتحت بوادر العهد الجديد بالمغرب.

ولقد رافق هذا الوضع، صدور عدة اجتهادات قضائية وفقهية أكسبت القرارات الإدارية التي تعتبر امتداد للقانون الإداري، مضمونا واسعا، ازداد تطورا بفعل مستجدات الأحداث القانونية واجتهاد المحاكم الإدارية وكذا ديوان المظالم.
من خلال هذه الإطلالة البسيطة نلمس إشكالية القرارات الإدارية التي تعتبر ملتقى طرق بين عدة مواد قانونية، وامتداد لما يصطلح عليه بالقانون العام الإداري، أي مجموع النصوص التشريعية والتنظيمية التي تنظم الإدارة.
وإشكالية القرارات الإدارية هاته، تشمل التعريف بالقرار الإداري ومجال السلطة التقديرية في إصداره وأساس الرقابة على القرار الإداري والذي يتمثل في مبدأ المشروعية : دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة.

انطلاقا من هذه الأفكار التمهيدية، ارتأينا تقسيم مضمون هذا البحث إلى فصلين :
` الفصل الأول : ماهية القرار الإداري.
` الفصل الثاني : أسس تنظيم الرقابة على القرار الإداري.
أمنيتنا أن يحقق هذا العمل، الأهداف التي نسعى إليها والتي تتجلى في تبسيط مضمون القرارات الإدارية والإسهام في بناء الصرح القانوني ببلادنا وتنوير السبيل أمام طالب العلم، ونسأل الله العون والتوفيق.

يعتبر القرار الإداري من أهم الوسائل القانونية التي تستخدم الإدارة لممارسة نشاطها وتحقيق أهدافها، لذا فهو يحتل مكانا بارزا في المؤلفات العامة باعتباره أحد موضوعات القانون الإداري الهامة ومجالات خصبا للعديد من الأبحاث والدراسات الخاصة المتعمقة في فقه القانون العام، فالقرار الإداري أهم مظهر من مظاهر السلطة التي تتمتع بها الإدارة وتستمدها من القانون العام ويرجع ذلك لكون الإدارة تمثل الصالح العام، وتهدف بالأساس تحقيق المصلحة العامة، فهو يتميز بكونه وسيلة تستعملها انطلاقا من إرادتها المنفردة حيث تقوم بسن أعمال بمحضر إرادتها وتترتب عليها حقوق وواجبات ولا يتطلب دخولها حيز التنفيذ توفر رضا الأفراد أو الجماعات المعنية بها وذلك نظرا لكونها تقوم على أساس ما يخوله التشريع للإدارة من صلاحيات غير مألوفة في القانون العادي.
إن هذه الأعمال تهدف إلى تحقيق أغراض متعددة منها ما يهدف إلى إلغاءه ومن تم تسميتها بالقرارات الانفرادية أو القرارات التنفيذية.
وتجدر الإشارة إلى أن الأعمال الانفرادية، تتمتع بنظام خاص يجعلها تخضع لبعض القواعد التي يؤدي عدم احترامها إلى جعلها تفتقر للمشروعية. فما هي إذن القرارات الإدارية؟ وكيف يتم إنشاؤها ؟ ثم كيف يتم تنفيذها ؟ وأخيرا ما هي طرق انتهائها ؟
هذه التساؤلات وغيرها سنجيب عنها من خلال ثلاث مباحث، حيث سنتناول في المبحث الأول مفهوم القرار الإداري ومعايير تمييزه وتوضيح أركانه، أما في المبحث الثاني فسنركز فيه على أنواع القرار الإداري وأخيرا المبحث الثالث الذي سنخصصه للحديث عن القرار الإداري نفاذه –تنفيذه ونهايته.

المبحث الأول : مفهوم القرار الإداري

إن الهدف من تحديد القرار الإداري هو معرفة طبيعة النشاط الذي تمارسه الإدارة باعتباره عملا تلعب فيه هذه الأخيرة دورا رئيسيا، فالإدارة لا تقتصر مهمتها على القيام بنوع معين من الأعمال، ذلك أن نشاطها يتنوع حسب الأهداف والمجالات، وكذلك حسب الأطراف المعنية بهذا النشاط، وهذا التنوع في النشاط الإداري ينعكس بالضرورة على القرارات التي تتخذها الإدارة، وذلك من حيث طبيعتها وكذا نظامها القانوني.
وانطلاقا من هذا التنوع، يمكن القول بأنه إذا كانت القرارات الإدارية تتميز بكونها قرارات نافذة، نظرا لما تتمتع به من صفة الانفرادية التي يضفى عليها طابع السلطة العمومية التي تتوفر عليها الإدارة، فإن هذه الصفة قد تغيب بخصوص بعض الأعمال التي تقدم عليها هذه الأخيرة، ومن ثم أمكن القول بأن الأعمال التي تقوم بها الإدارة منها ما يتوفر على الطابع الانفرادي، ومنها ما ينعقد لهذا الطابع.
وبناءا على هذا الوضع، يتضح أن تحديد القرار الإداري، يقتضي البحث في طبيعته وذلك من خلال التعريف الذي أعطي له، ومن خلال تمييزه عن الأعمال الإدارية الأخرى وتوضيح أركانه ثم بيان أنواعه.

المطلب الأول : القرار الإداري –تعريفه –معايير تمييزه

×الفرع الأول : تعريف القرار الإداري

لم يضع المشرع الإداري تعريفا معينا للقرار الإداري، ولهذا كان المجال رحبا لاجتهادات الفقه والقضاء الإداريين في محاولة لوضع تعريف جامع للقرار الإداري[1].
وقد استقر كل من الفقه والقضاء الإداريين على تعريف القرار الإداري أيا كان نوعه على أنه عمل قانوني نهائي صادر بالإدارة المنفردة والملزمة لجهة الإدارة العامة الوطنية، بما لها من سلطة بمقتضى القوانين والأنظمة، وفي الشكل الذي يتطلبه القانون، بقصد إنشاء أو تعديل أو إلغاء حق أو التزام قانوني معين متى كان ذلك ممكنا أو جائزا قانونا وابتغاء المصلحة العامة[2].
ويستفاد من هذا التعريف أن القرار الإداري يتميز بالخصائص التالية :

أولا : أن القرار الإداري هو عمل قانوني

وهذا الركن يعني أن القرار الإداري يقوم على تعبير الإدارة عن إرادتها بقصد ترتيب أثر قانوني وهذا الأثر القانوني قد يكون : حالة قانونية جديدة أو تعديل مركز قانوني قديم أو إلغاؤه.
وبهذا يختلف العمل القانوني الصادر من جانب الإدارة عن العمل المادي في محل العمل المادي يكون دائما واقعة مادية أو إجراء مثبتا لها دون أن يقصد به تحقيق آثار قانونية معينة…
فالعمل المادي الصادر عن الإدارة يكون في الغالب (واقعة مادية ) دون أن يتجه قصدها إلى إحداث أثر قانوني –أي إنشاء حقوق والتزامات جديدة- وبالتالي تعتبر مثل هذه الأعمال قرارات إدارية….
ومن أمثلة الأعمال المادية الصادرة من جانب الإدارة والتي تعتبر أعمالا قانونية، الأمر الصادر من الإدارة يضم التحقيقات إلى ملف خدمة المدعي، وتسوية أوضاع الموظفين وفقا لنظام معادلة الشهادات الدراسية لأن عمل الإدارة هنا كاشفا وليس منشئا لمركز قانوني، وتسليم الترخيص الصادر بممارسة نشاط معين لصاحبه بعد صدور قرار بمنحه، وقيد المحررات بسجلات مصلحة الشهر العقاري وفقا لتاريخ وساعة تقديمها، والتأشير على أوراق تعيين أحد الموظفين لأن مثل هذا التأشير لا ينشئ أثرا قانونيا.
كما أن العمل المادي قد يكو تنفيذ العمل قانوني : كأن يصدر أمرا إداري بالقبض على شخص معين عبرت فيه الإدارة عن قصدها وغرضها ونفذته باعتبارها ذات وظيفة، حيث يعتبر مثل هذا الأمر تصرف أو عمل قانوني… أما عملية إلقاء القبض على هذا الشخص تعتبر من الأفعال المادية وهي ليست إلا نتيجة للأمر الإداري بالقبض، وليست قانونيا.
كما أن العمل المادي الصادر عن الإدارة نتيجة خطأ أو إهمال دون أن تقصد ترتيب أي أثر قانوني عليه، لا يعتبر قرارا إداريا، كالحوادث التي تقع للقطارات أو السيارات، أو هدم المباني التي قد ينتج عنها أضرار تصيب بعض الأفراد في أنفسهم أو أموالهم…[3].
Ãثانيا : القرار الإداري عمل قانوني من جانب واحد
فالقرار الإداري أيا كان نوعه هو عمل قانوني يصدر بإرادة الإدارة المنفردة… وهذا العنصر هو أساس التفرقة بين القرار الإداري والعقد الإداري، ذلك أن العمل القانوني في العقد لا يظهر أثره إلا إذا تلاقت إرادة الإدارة وإرادة الفرد أو الجهة المتعاقدة معها… في حين أن العمل القانوني في القرار الإداري يظهر أثره دون تدخل من جانب الأفراد وبإرادة الإدارة وحدها رضي الأفراد أو لم يرضوا…
ويشترط لتحقيق هذا العنصر من عناصر القرار الإداري أن يكون تعبير الإدارة عن إرادتها الذاتية وليس تنفيذا لإرادة إدارة أو سلطة أخرى[4].
Ãثالثا : صدور القرار الإداري من سلطة عامة
استقر اجتهاد الفقه والقضاء الإداريين على أن القرار لا يعتبر قرارا إداريا ما لم يكن صادرا عن سلطة إدارية عامة، سواء كانت هذه السلطة مركزية أم لا مركزية، وبغض النظر عن طبيعة النشاط الذي تتولاه[5] وعليه لا يعتبر العمل أو التصرف الصادر من سلطة عامة أخرى غير إدارية كالسلطة التشريعية أو القضائية قرارا إداريا… كما لا يعتبر العمل أو التصرف الصادر عن هيئة أهلية كالهيئات الخاصة ذات النفع العام (كالمؤسسات الصحفية –والمدارس والمستشفيات الخاصة) أو أشخاص القانون الخاص (كالفنادق الخاصة ومكاتب السفريات الداخلية والخارجية ولجان الإشراف على اليانصيب الخيري).
ولا تعتبر الأعمال أو التصرفات الصادرة عن أشخاص القانون العام (التي تحل محل أشخاص القانون الخاص) وتصدر تلك الأعمال نيابة عنها قرارات إدارية لعدم توافر هذا الشرط فيها.
كما تعتبر قرارات إدارية وفقا لهذا الشرط القرارات الصادرة من جهات إدارية عامة خارج حدود سلطتها العامة، وبمقتضى صفة أخرى غير صفتها العامة…
ويقتضي هذا الشرط أن تكون السلطة الإدارية العامة التي يصدر عنها العمل أو التصرف سلطة إدارية وطنية تطبق قوانين البلاد وتستمد سلطتها منها بحيث يكون التصرف معبرا عن الإرادة الذاتية لهذه الجهة لوصفها سلطة عامة وطنية.
Ãرابعا : صدور القرار الإداري بإرادة الإدارة الملزمة بمالها من سلطة
بمقتضى القوانين والأنظمة
يعني صدور القرار الإداري ابتداء تعبير الإدارة عن إرادتها المنفردة والملزمة سواء اتخذ هذا التعبير أو الإفصاح عن الإرادة موقفا إيجابيا، فيكون التمرار في هذه الحال قرارا صريحا، أو اتخذ التعبير موقفا سلبيا، فيكون القرار في هذا الحالة قرارا سلبيا أو ضمنيا وأيا كانت صيغة التعبير عن إرادة الإدارة إيجابا أو سلبا فإن القرارات الصريحة أو الضمنية يمكن الطعن بعدم مشروعيتها على حد سواء ويشترط أن تكون السلطة الملزمة التي عبرت الإدارة عنها بإرادتها المنفردة مستندة إلى القوانين والأنظمة التي منحتها السلطة.
Ãخامسا : أن يكون القرار الإداري نهائيا
تعتبر “نهائية القرار” من الخصائص المميزة للقرار الإداري، فالعمل أو التصرف الذي يصدر من الإدارة مستوفيا الشروط السابقة، يتعين أن يكون متخذا صفة تنفيذية دون حاجة إلى تصديق سلطة أعلى.
وقد كان هذا الشرط (نهائية القرار الإداري) محل خلاف في الفقه الإداري، إذ اعترض البعض على استخدامها واقتراح استعمال كلمة “تنفيذي” بدلا منها.
وأيا كان الخلاف حول استعمال هذا الاصطلاح فإن هناك حدا أدنى من الاتفاق على معنى نهائية القرار الإداري يتمثل في صدور القرار من جهة خولها القانون أو النظام سلطة البث في أمر ما بغير حاجة إلى تصديق سلطة أعلى.
ولا تعتبر قرارات إدارية وفقا لشرط نهائية القرار-الأعمال التحضيرية أو التمهيدية التي تسبق صدور القرار أو الأعمال اللاحقة لصدوره والتي لا تحدث بذاتها أثرا قانونيا كالتوصيات، والاقتراحات، والاستيضاحات، والآراء التي تبديها الجهات الاستشارية والتحقيقات، والمنشورات والتعليمات التي يصدرها الوزراء على أثر صدور القرارات يشرحون بها للموظفين الأحكام الجديدة التي تضمنها، وكيفية تنفيذها، شريطة ألا تتضمن قواعد جديدة[6].
وهكذا يتضح بناء على ما سبق بأن القرار الإداري هو انعكاس لاختصاص أساسي تنفرد به السلطات العمومية هذا الاختصاص الذي يمكن الإدارة بواسطته أن تعمل على خلق أوضاع قانونية جديدة أو تعديل الأوضاع القانونية القائمة أو إلغائها ومعنى ذلك أن الأمر يتعلق بإنتاج آثار قانونية تتمثل في منع الحقوق أو رفض الالتزامات.
إن هذه الخصائص التي تتوفر عليها الأعمال الانفرادية هي التي تشكل القرارات الإدارية، إذ هي التي تعتبر المعايير الأساسية التي بمقتضاها يمكن تمييز هذه القرارات عن الأعمال الإدارية الأخرى[7].

الجزء الثانى

الفرع الثاني : معايير تمييز القرار الإداري
Ãأولا : من حيث غيره من الأعمال
يقتضي تحديد ماهية القرار الإداري –بالإضافة إلى تعريفه- تمييزه عن الأعمال القانونية المختلفة التي تخضع لأنظمة قانونية خاصة بها، إذ أن مثل هذه الأعمال لا تخضع لرقابة القضاء الإداري لصدورها من غير السلطة الإدارية ويترتب على تمييز القرار الإداري عن مثل هذه الأعمال القانونية، فضلا عن خضوعها أو عدم خضوعها لرقابة القضاء الإداري تحديد الاختصاص للجهة التي تصدر عنها هذه الأعمال وبالتالي تحديد مسؤوليتها عنها.
وسنعرض في هذا الفرع للتميز بين القرار الإداري وغيره من الأعمال الإدارية إضافة إلى القرار الإداري من جهة وكل من العمل التشريعي، والعمل القضائي، وأعمال السيدة من جهة أخرى، وذلك وفقا للمعيارين الشكلي والموضوعي اللذين تفاوت الأخذ بهما في الفقه والقضاء المقارن.
أ‌- القرار الإداري والعمل التشريعي :
تردد الفقه والقضاء الإداريين بين معيارين للتمييز بين القرار الإداري والعمل التشريعي هما المعيار الشكلي والموضوعي.
õ المعيار الشكلي : يقوم هذا المعيار على النظر إلى الجهة التي صدر عنها العمل أو التصرف بصرف النظر عن موضوع العمل ومضمونه، فالأعمال التشريعية بحسب المعيار الشكلي هي الأعمال الصادرة من البرلمان، بينما تعتبر الأعمال الصادرة عن السلطة التنفيذية قرارات إدارية.
وبالرغم من بساطة هذا المعيار وسهولة تطبيقه في الواقع العملي، إلا أن هذا المعيار تعرض لبعض المأخذ التي تمثلت في أنه يعتمد أساسا على مبدأ الفصل بين السلطات الذي يقضي بتحديد وظيفة لكل من السلطات الثلاث التشريعية-التنفيذية في حين أن الواقع العملي وطبيعة العمل الإداري المرنة والمتطورة تقتضي في أحيان كثيرة التداخل بين وظائف واختصاصات كل من السلطتين، وخاصة في الحالات التي تصدر فيها تشريعات عن السلطة التنفيذية. كما أن أعمال السلطة التشريعية لا تقتصر فقط على إصدار القوانين باعتبارها قواعد عامة مجردة وإنما يوجد إلى جانب القوانين ما يسمى بالأعمال البرلمانية، كالإعمال المتعلقة بالتنظيم الداخلي للبرلمان كالقرارات الخاصة بتعيين موظفي البرلمان وترقيتهم وعلاواتهم، والقرارات المتصلة برقابة البرلمان للسلطة التنفيذية سواء كانت ذات صبغة إدارية أو كانت ذات صبغة مالية أو ذات صبغة وصائية[8].
õ المعيار الموضوعي : ويقوم هذا المعيار على النظر إلى مضمون العمل أو التصرف نفسه، فإذا كان العمل أو التصرف منطويا على قواعد مكتوبة عامة ومجردة، اعتبر عملا تشريعيا بصرف النظر عن مصدر هذا العمل والشكل أو الصورة التي تجسد فيها والإجراءات التي اتبعت في إصداره، وهذا ينطبق على جميع القواعد القانونية العامة المجردة والموضوعية، سواء تلك التي يصدرها البرلمان ؟ والأنظمة على اختلاف أنواعها التي تصدر عن السلطة التنفيذية وأن اختلاف بين هذين النوعين من التشريعات هو في القيمة القانونية أو مستوى الالتزام ومصدر كل منهما وإجراءات إصدارها.
إلا أن هذا المعيار يصعب تطبيقه في الواقع العلمي للتمييز بين العمل التشريعي والقرار الإداري، وذلك لصعوبة التمييز بين الأنظمة والقوانين، وفقا لمضمونهما، إذ أن كلا منهما يتضمن قواعد عامة مكتوبة عامة ومجردة وملزمة، رغم اختلافهما في مصدر كل منهما، وهذا يعني العودة إلى المعيار الشكلي الذي يقوم أساسا على النظر إلى جهة الإصدار وإجراءاته للتمييز بين العمل التشريعي والقرار الإداري.
ب‌- القرار الإداري والحكم القضائي :
اختلف الفقه الإداري، كما تردد القضاء الإداري في وضع معيار للتمييز بين القرار الإداري والحكم القضائي وظهر في هذا المجال معيارين : معيار شكلي، ومعيار موضوعي.
õ وفقا للمعيار الشكلي : يكون العمل أو التصرف إداريا إذا صدر عن جهة إدارية، بينما يكون العمل قضائيا متى كان صادرا عن السلطة القضائية، بصرف النظر عن مضمون هذا العمل ومحتواه، فالمعيار الشكلي يقوم على أن حكم القضائي هو الذي يصدر من جهة منحها القانون ولأية القضاء.
õ وفقا للمعيار الموضوعي : يكون العمل أو التصرف إداريا أو قضائيا بحسب محتوى العمل وفحواه وليس بحسب الجهة التي يصدر عنها هذا العمل، فالمعيار الموضوعي يقوم على أن الحكم القضائي هو الذي يصدر في خصومه لبيان حكم القانون فيها[9].
ج‌- القرار الإداري وأعمال السيادة :
يقصد بأعمال السيادة الأعمال التي تتصل بالسياسة العليا للدولة، والإجراءات التي تتخذها الحكومة بما لها من سلطة عليا للمحافظة على سيادة الدولة وكيانها في الداخل والخارج وعليه فإن أعمال الحكومة العادية التي ليس لها من الأهمية الخطيرة –ما يرفعها إلى مرتبة الأعمال المتعلقة بالسياسة العليا للدولة فلا تعد من أعمال السيادة.
Ãثانيا : من حيث الأعمال الإدارية الأخرى
من المعلوم أن الأعمال الانفرادية الصادرة عن السلطات الإدارية لا تتوفر كلها على نفس القوة الحقوقية، ومن ثم ضرورة التمييز بين نوعين من الأعمال الإدارية، فمن جهة، هناك الأعمال الانفرادية التي تأخذ صفة القرار الإداري لأنها تترجم إرادة السلطات الإدارية في التأثير على الأوضاع القانونية القائمة، سواء بالنسبة للأفراد أو بالنسبة للجماعات، ومن جهة أخرى، هناك الأعمال الانفرادية التي تشكل مجرد إجراءات داخلية، وهي الأعمال التي وإن كانت تصدر عن الإدارة بشكل انفرادي، إلا أنها تشكل نشاطات لا ترمي من ورائها ترتيب حقوق أو فرض التزامات، مما يجعلها تختلف عن القرارات الإدارية بما في الكلمة من معنى، حيث أنها تظل مفتقرة لبعض الخصائص الأساسية التي تميز هذه الأخيرة، فهذه الأعمال لا ترتب أوضاعا قانونية جديدة أي أنها حسب تعبير الفقه الإداري لا تلحق أضرارا نتيجة المس بالحقوق أو فرض التزامات.
ويمكن أن نطرح هذه الأعمال عبر مجموعتين رئيسيتين، المجموعة الأولى، وتتعلق بمجموع الإجراءات الداخلية التي وإن كانت تنعت بالقرارات الإدارية إلا أنها تظل مفتقدة لأهم الخصائص التي يقتضيها هذا النعت أما المجموعة الثانية فهي تهم الأعمال الانفرادية التي تعتبر مجرد إجراءات تنفيذية.
أ‌- الإجراءات الداخلية التي لها صفة القرارات الإدارية :
هناك بعض الإجراءات الداخلية التي يكفها كل من الاجتهاد الفقهي والاجتهاد القضائي بكونها قرارات إدارية، لكنها لا تتمتع بنفس الوضعية القانونية التي تتمتع بها هذه الأخيرة، ويرجع ذلك أساس إلى كونها أعمال انفرادية ذات طابع مزدوج فهي من جهة، قرارات إدارية لأنها تهدف إلى التأثير على الأوضاع القانونية للأفراد أو الجماعات، لكن الاجتهاد القضائي يعتبر أن هذا التأثير هو غير ذي أهمية، ومن ثم فهو لا يستوجب خضوع هذا النوع من القرارات للطعن، ومن أمثلة على ذلك، يمكن الإشارة إلى القرارات التي تتخذها إدارات المؤسسات التعليمية في حق التلاميذ والرامية إلى تحقيق نوع من الانضباط داخل هذه المؤسسات، وذلك كفرض زي معين على التلاميذ أو منع زي معين عليهم. ومن جهة أخرى، فإن القرارات الإدارية ذات الطابع الداخلي، لها قاسم مشترك مع الإجراءات الداخلية الأخرى، إذ هي التي تهدف إلى خلق نوع من التنظيم الداخلي للإدارات المعنية، وبهذا المعنى فهي تعمل على ضبط التفاعلات الداخلية لهذه الإدارات حيث أنها تعكس على تعبير الفقيه موريس هوريو “نوعا من الحياة الداخلية للإدارة” على أساس أن الغاية منها هي تحقيق النظام الداخلي للإدارات المعنية والموقف الذي تبناه الاجتهاد القضائي من خلال مجموعة من القرارات[10].
ب‌- الإجراءات الداخلية ذات الصبغة التنفيذية :
إن ما نقصده بالإجراءات الداخلية ذات الصبغة التنفيذية، هي مجموع الأعمال الانفرادية التي تقوم بها الإدارة ليس بهدف إحداث آثار قانونية بل يهدف تفعيل القرارات الإدارية التي من شأنها إنشاء هذه الآثار بشكل مباشر، وقد تتنوع هذه الأعمال حيث إن منها ما يظهر في شكل إجراء تمهيدي لإعداد القرارات الإدارية، وذلك مثل الرسائل التي توجهها الإدارة بخصوص مقررات تكون في طور التحضير وفيها ما يظهر في شكل إجراء لاحق، يمثل مجرد تأكيد على المقررات السابقة أو مجرد تأكيد بأحكام النصوص التشريعية أو التنظيمية، وذلك مثل المنشورات والتعليمات، ويدخل في عداد الصنف الأول الأعمال التحضيرية، أما الصنف الثاني فيهم المنشورات أو التعليمات.
v الأعمال التحضيرية :
قبل إقدامها على اتخاذ قرار ما في موضوع معين، مثل الترخيص أو المنع، فإن الإدارة تلجأ إلى القيام بمجموعة من الأعمال ذات الصبغة التحضيرية، وذلك كأن تقوم بمراسلات للمعنيين بالأمر تخبرهم بها بما سوف تقدم عليه، أو تلجأ إلى طلب استشارات من بعض الجهات الإدارية الأخرى. فما نلاحظه من هذه الأعمال هو أنها مجرد أعمال تحضيرية ليس من شأنها أن تؤثر على الأوضاع القانونية القائمة، ومن ثم فإن ما تحتوي عليه من اقتراحات أو استعدادات لا يمكن أن يكون موضوعا للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة، لأنه لا يؤثر في الأوضاع القانونية للمعنيين بالأمر وذلك بأن يلحق أضرار بمصالحهم.
إن هذا الموقف هو الذي تبناه الاجتهاد القضائي من خلال مجموعة من القرارات التي أصدرها في هذا الشأن ومن أهم هذه القرارات، نشير إلى القرار الذي اتخذته الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى*.
v الأعمال اللاحقة :
وهي الأعمال الإدارية التي لا تشكل في حد ذاتها قرارات إدارية، بل مجرد إجراءات داخلية تتخذها الإدارة لتنفيذ نشاطها، أي أنها مجموع الأعمال التابعة لنشاط أصلي تقوم به الإدارة، وبهذا المعنى فهي ليست قرارات إدارية بما في الكلمة من معنى، لأنها لا ترمي إلى التأثير بصفة مباشرة على الأوضاع القانونية القائمة، وذلك بالعمل على تغييرها أو إلغائها، ومن ثم فهي لا تخضع للمعنى بسبب الشطط في استعمال السلطة وهو ما أكده الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بمراكش في هذا الشأن*.
v المنشورات والتعليمات :
إن المنشورات أو التعليمات هي مجموع التدابير الإدارية ذات الطابع الداخلي التي تعمل السلطات الإدارية بمقتضاه على ممارسة بعض نشاطاتها، ويتعلق الأمر بالنشاطات التي ترتبط بسير الإدارة مما يجعل طبيعتها تختلف حسب الأهداف التي اتخذت من أجلها، فقد يكون الهدف من ممارسة هذه النشاطات هو تنظيم المرافق العامة للإدارة كما قد يكون هو تفسير النصوص التشريعية أو التنظيمية التي لا يكون لها أي أثر بالنسبة للمواطنين، حيث إنها لا تهم إلا إدارة وموظفيها في إطار ما يسمى بالسلطة الرئاسية.
وانطلاقا من هذا التحديد يمكن القول بأن المنشورات أو التعليمات هي إحدى الوسائل القانونية المستعملة في ممارسة النشاط الإداري، لكن هذه الممارسة ترتبط أساسا بما هو داخلي، حيث إن المنشورات أو التعليمات ستكون تلك الاتصالات التي بواسطتها يعمل المسؤول الإداري، وعلى الخصوص الوزير، على إخبار مرؤوسيه ببعض المسائل الإدارية على المستوى الداخلي، سواء تعلق الأمر بتنفيذ المرافق العمومية أو بتفسير التشريعات أو اللوائح المتعلقة بها.
وبهذا المعنى فإن المنشورات أو التعليمات قد تتضمن مجموعة من المعطيات التي قد تأخذ شكل أوامر أو توجيهات أو شروحات أو وجهات نظر يوجهها الوزراء أو رؤساء المصالح إلى مرؤوسيهم، مما يجعلها لا تهم إلا ما يجري داخل المصالح الإدارية، ولا تهم العلاقات القائمة بين هذه الأخيرة والمواطنين.
انطلاقا مما سبق يمكن القول بأن المنشورات أو التعليمات هي أعمال انفرادية نظرا لكونها تصدر عن الإدارة بمفردها، لكنها لا تعتبر قرارات إدارية بما في الكلمة من معنى، فالمنشور والتعليم يهدفان إلى تحقيق مجموعة من الأهداف لا علاقة لها بالأوضاع القانونية القائمة، فهما لا يمنعان حقوقا ولا يفرضان واجبات، بل كل ما في الأمر أنهما يشكلان وسيلة يعمل المسؤول الإداري بواسطتها على توجيه أوامر أو توصيات أو شروحات ذات طابع داخلي إلى المصالح الخارجية التابعة له، مما ينتج عنه أن المنشور أو التعليم يعكسان أساسا تلك العلاقة القائمة بين السلطة العليا والمصالح التابعة لها، في إطار ما يسمى بالسلطة الرئاسية[11].
e المطلب الثاني : أركان القرار الإداري
لقيام القرار الإداري وصحته من اللازم على الأقل توفر خمسة أركان أو عناصر متصلة بالسبب الاختصاص، الشكل، المحل، الغاية، حيث يعتبر عنصر الاختصاص والشكل من الأركان الخارجية، أي المتصلة بالجانب الخارجي للقرار، فيما يعد كل من السبب والمحل والغاية من الأركان الداخلية المرتبطة بجوهر القرار الإداري[12].
×الفرع الأول : الأركان الخارجية لضمان شرعية القرار الإداري
يعتبر الشكل والاختصاص الذي يتم وفقه التعبير عن إرادة الإدارة من العناصر الأساسية المتعلقة بأركان القرار الخارجية، وفيهما يتم ترجمة مشروعية القرار الخارجية.
Ãأولا : الاختصاص : La compétence
تقوم فكرة الاختصاص على أساس صدور القرار الإداري من الشخص المختص قانونيا بإصداره لا من أي شخص آخر، وذلك طبقا لمبدأ التخصص[13]. وعلى ذلك فإن القانون يعترض باختصاصات معينة لبعض الأشخاص في بعض الأماكن ولفترة محددة وهذا التحديد في صالح الإدارة والعمل الإداري، وهو أيضا لخير الأفراد، فتخصص رجل الإدارة في عمل معين يزيد من كفاءته فيما يخصص له ويحدد المسؤولية داخل الإدارة كما يساعد على توجيه المواطنين إليه لأداء أعمالهم ويجنبهم التعسفات الناشئة من تركز السلطات في أيدي القلة[14] ويمكن تحديد فكرة الاختصاص بالعناصر التالية :
أ‌- عنصر شخصي يتعلق بتحديد أعضاء الإدارة، الذين يختصون بإصدار القرارات الإدارية المختلفة.
ب‌- عنصر زماني يتعلق بزمان إصدار القرارات الإدارية وزمان سرياتها.
ج‌- عنصر مكاني يتعلق بالنطاق الإقليمي الذي تنطبق فيه القرارات الإدارية.
أ‌- العنصر الشخصي في تحديد الاختصاص :
القاعدة أن يتم تحديد الاختصاص بقانون أو بناءا على قانون، وعلى العضو الإداري المنوط به إصدار القرار الإداري أن يلتزم حدود الاختصاص المرسوم، والغالب أن ينص القانون صراحة على عضو الإدارة الذي يملك ممارسة الاختصاص، ولكنه أحيانا ينظم بعض الاختصاصات ويعهد بها إلى إدارة معينة، فيكون ممثل هذه الإدارة أو رئيسها هو المختص بإصدار القرارات التي تدخل في تلك الاختصاصات[15]. وإذا كان من الواجب على كل سلطة إدارية أن تمارس الاختصاص للمسند إليها فإن هذا المبدأ ينبغي مع ذلك أن يترك المجال أمام الضروريات العملية التي تسمح لبعض السلطات بالتخلي عن جزء من المهام الموكول إليها أمر الاضطلاع بها وذلك عن طريق التفويض مع العلم أن التفويض باعتباره استثناء من مبدأ الممارسة الشخصية للاختصاص يجب أن يكون مقررا أو كيفما كان الحل بين عام يعادل على الأقل مستوى النص الصادر بإسناد الاختصاص، والتفويض نوعان تفويض الاختصاص وتفويض الإمضاء[16].
ويتجلى تفويض الاختصاص في أن تعهد السلطة المفوضة إلى سلطة مفوض لها بضوء من اختصاصاتها. ولقد أشار الدستور المغربي إلى هذا النوع من التفويض الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى تعديل قواعد الاختصاص بين جهات الإدارة. فالفصل 80 من الدستور الحالي ينص على : الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية وله حق التعيين في الوظيفة المدنية والعسكرية، كما له أن يفوض لغيره ممارسة هذا الحق، كما منح الفصل 64 من نفس الدستور للوزير الأول الحق في تفويض بعض سلطاته إلى الوزراء.
وهكذا يرتبط التفويض بالوظيفة بصرف النظر عن صاحبها ويعمل به حتى في حالات الحلول محل الموظف المعين، وبهذا يكتسي تفويض الاختصاص صيغة مستمرة ويبقى معمولا به ما لم يقع سحبه مع العلم أن المفوض لا يجوز له خلال مجموع هذه المدة ممارسة الاختصاصات المفوضة، أما الأعمال التي يقوم بها المفوض له في دائرة التفويض فتبقى مرتبطة به وتحتل في تدرج الأعمال مكانة تطابق مكانة المفوض له، وتجدر الإشارة أن تفويض الاختصاص أو السلطة يجب أن يكون جزئيا ذلك أنه إذا كان كليا فهو لا يعتبر تفويضا بل تنازلا من جانب هذه السلطة، بالإضافة إلى هذا يجب أن يستمد تفويض السلطة من نص قانوني صريح. كما أن قرار التفويض ينبغي أن ينشر في الجريدة الرسمية.
أما تفويض الإمضاء أو التوقيع هو لا يغير توزيع الاختصاصات، ويقتصر دوره على مجرد توقيع المفوض إليه أو إمضاءه على بعض القرارات الداخلية في اختصاص الأصيل، ولحسابه وتحت رقابته، فهو مجرد عمل ماديا حيث يوقع المفوض إليه على وثيقة يسبق أن أعدها الأصيل وهذا التفويض مقرر ومنظم بنص عام فيما يخص السلطات الوزارية –الظهير الشريف الصادر بتاريخ 10 أبريل 1957[17] المغير بالظهير الشريف الصادر في 25 غشت 1958[18].
ويتميز تفويض التوقيع بالخصائص التالية :
õ يجب أن ينطلق من قاعدة قانونية.
õ لا يسمح للسلطة المفوض لها بالتوقيع على القرارات المسندة إليها بحكم التفويض.
õ وبما أن هذا التفويض مستمد من شخص فإن العمل به ينتهي تلقائيا متى تغير شخص المفوض أو المفوض له.
وأخيرا يعتبر تفويض الإمضاء محدودا في مداه حيث أنه يجوز للسلطة أن تفوض إمضاءها بالنسبة لجميع القرارات المتعلقة بالمصالح الراجعة لاختصاصها باستثناء المراسيم والقرارات التنظيمية.
وتجدر الإشارة أن الاختصاص يعتبر من الشروط الجوهرية لصحة القرارات وإذا تخالف هذا الشرط يعتبر القرار باطلا.
وفي جميع الأحوال فإن عيب عدم الاختصاص يعتبر من العيوب المتعلقة بالنظام العام لكل ما يترتب على هذا التعلق من نتائج، وبخاصة من حيث جواز الدفع به في أية مرحلة كانت عليه الدعوى، أو من حيث جواز إتارته تلقائيا من طرف المحكمة[19].
ب‌- العنصر الزمني في تحديد الاختصاص :
مبدئيا لا يمكن للسلطة الإدارية أن تتخذ قرار الإخلال المدة التي تزاول فيها عملها الشيء الذي يمنع معه على سبيل المثال اتخاذ قرارات سابقة لأوانها أو قرارات ذات أثر رجعي أو خلال انتهاء مدة مهامها، لكنه في بعض المجالات يعتبر انقضاء المدة القانونية غير مؤدي لزوال الاختصاص بصفة نهائية. وهذا ما يمكن حدوثه أثناء استقالة الحكومة أو إقالتها بحيث تظل هذه الأخيرة تزاول صلاحيتها ومهامها العادية والمستعجلة ريثما تتألف حكومة جديدة تستند إليها مأمورية تسيير شؤون الدولة[20].
فلقد أباح الدستور المغربي بأنه في استطاعة البرلمان أن يأذن للحكومة قانون تفويض ممارسة بعض الصلاحيات في مدة تغيبه، فإذا انتهت المدة ورجع البرلمان لاستئناف مهامه فقدت الحكومة صلاحيتها المفوضة لها وأصبحت كل مخالفة لذلك تشكل عملا غير شرعي[21].
كما يمكن أن تحدد قاعدة الصلاحية الزمنية بالنسبة للعلاقات المتواجدة بين سلطة الوصاية والمجالس فإذا انتهت هذه المدة فإن كل اعتراض من طرفه يعد باطلا[22].
ج‌- العنصر المكاني في تحديد الاختصاص :
يعتبر مفهوم هذا الاختصاص واضحا للغاية حيث أن السلطات الإدارية تمارس اختصاصاتها في إطار جهوي أو ترابي معين، وهكذا نجد أن السلطات الحكومية تتمتع باختصاص على الصعيد الوطني بينما نجد أخرى كالعمال ورؤساء المصالح الخارجية تمارس اختصاصها في دائرة محدودة.
ويترتب عن تجاوز السلطة الإدارية، الرقعة الترابية المحددة لها بحكم القانون لممارسة اختصاصاتها بطلان قراراتها[23].
وفي هذا الإطار قضى المجلس الأعلى بإلغاء عدة قرارات لكونها صادرة عن جهة غير مختصة مكانيا ومن ذلك مثلا : قرار محمد بن عبد السلام الحاج الصديق ضد نائب الوزير الأول حيث قضى بإلغاء قرار كامل إقليم تازة لأنه لا يوجد أي نص يخول له اتخاذ قرار الأداء لمحصل بلدي[24].
وتبعا لذلك يمكن تعريف الاختصاص بأنه “السلطة أو الصلاحية التي يتمتع بها مصدر القرار في إصدار قراره في الحدود الموضوعية والمكانية والزمانية التي بينها القانون”.
ومخالفة قاعدة الاختصاص في إصدار القرار الإداري تشكل عيبا مستقلا وقائما بذاته. يحق بمقتضاه للسلطة القضائية المختصة إثارته والبث فيه من تلقاء نفسها ولو لم يثره الخصوم لأن عيب الاختصاص هو العيب الوحيد المتصل بالنظام العام[25].
Ãثانيا : الشكل La Forme
إذا كان القرار الإداري هو تعبير عن إرادة الإدارة الملزمة بقصد إحداث أثر قانوني معين. فإن ذلك يجب أن يتم بالشكل الذي يتطلبه القانون. وتحدد الشكليات بالنصوص التشريعية والتنظيمية ويساهم القضاء بدوره في وضعها مستلزما المبادئ العامة للقانون[26].
وتتمتع الإدارة بسلطة تقديرية في اختيار الشكل المناسب لقراراتها الإدارية فتكون مكتوبة أو شفوية. ماعدا في الحالات التي ينص فيها القانون على ضرورة إصدار بعض أنواع القرارات بشكل معين. كوجوب تعليل القرارات مثلا : قرارات توقيف أو حل مجالس الجماعات المحلية أو استشارة هيئة معينة قبل اتخاذ القرار[27]. كما هو الشأن بالنسبة لبعض العقوبات الإدارية في حق الموظفين والتي لا يمكن اتخاذها من طرف الدولة إلا بعد استشارة اللجنة التأديبية[28]. وفي مثل هذه الأحوال فإن إغفال الشكل الذي يتطلبه القانون يؤدي إلى وصم القرار يعيب الشكل وإمكان الطعن فيه وإبطاله بدعوى الشطط في استعمال السلطة وقد طبقت الغرفة الإدارة هذا المبدأ بمناسبة فصلها في مجموعة من القضايا التي تهم تأديب الموظفين العموميين، وقد قرر القانون بنصوص صريحة حماية الأفراد افتراض صدور قرار من الإدارة بالرفض إذ طلب منها المواطنون شيئا وامتنعت عن الرد مدة معينة (60 يوم كقاعدة)[29] وعلى العكس فقد يعتبر القانون سكوت الإدارة بمثابة قبول وموافقة لما وجه إليها ومن هذا القبيل حالات المصادقة على بعض القرارات الجماعية[30]

الفرع الثاني : الأركان الداخلية لضمان شرعية القرار الإداري

تتمثل الأركان الداخلية للقرار الإداري في السبب والمحل والغاية، وهي عناصر تظهر فيها السلطة التقديرية على خلاف الأركان الخارجية التي تكون في الغالب مقيدة ولا مجال للتقدير فيها.
Ãأولا : السبب Le Motif
يعرف الدكتور سليمان محمد الطماوي السبب بأنه : “حالة واقعية أو قانونية بعيدة عن رجل الإدارة ومستقلة عن إدارته، تتم فتوحي له بأنه يستطيع أن يتدخل وأن يتخذ قرارا ما”[31].
هذه الحالة الواقعية هي التي تجبر الإدارة عن اتخاذ قرارها والسبب يأخذ أحد المظهرين التاليين :
¯ إما أن يكون عملا ماديا، مثلا فيضان أو زلزال مهدد للنظام العام مما يستوجب تدخل الإدارة متخذة الإجراءات الضرورية لمنع انتشار الأمراض المعدية في حالة الكوارث الطبيعية وطبقا للسلطة التقديرية الواسعة الإدارة، فإنها حرة في اعتمادها الطريقة التي تراها مناسبة وملائمة لمواجهة العمل المادي.
¯ وإما أن يكون عملا قانونيا مثل تأديب موظف عمومي تأسيسا على سلطة الإدارة التقديرية الواسعة في تحديد ما إذا كان الفصل الصادر عن الموظف اختلال بالقواعد الوظيفية من عدمه بالاستناد مثلا على المقتضيات القانونية لظهير 24 فبراير 1958 الخاص بالوظيفة العمومية[32].
واشتراط السبب لكل عمل إداري قاعدة منطقية. وتمثل قيدا مهما على الإدارة وضمانة مهمة لحماية الأفراد من تعسفات الإدارة، ذلك أنه إذا عملت الإدارة على إصدار قرار إداري غيره مؤسس على سبب قانوني أو مادي. كان تصرفها خاطئا في تطبيق القانون على الوقائع بعيب السبب وهو عمل غير مشروع يمكن الطعن فيه بدعوى الإلغاء[33]. وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية بفاس والتي أكدت من خلاله على أن السبب الذي تعتمد عليه في تعليلها لقرارها يجب أن يكون سببا صحيحا ومعقولا.
إن وقائع هذا الحكم تتلخص في كون التلميذة جليلة المرابط قد تقدمت بدعوى أمام المحكمة بفاس تلتمس فيها إلغاء القرار الإداري القاضي يمنع إعادة تسجيلها بثانوية محمد القري بالبهايل بفاس، حيث ارتكز موقف الإدارة المعنية على أن اتخاذها للقرار المطعون فيه قد كانت وراءه أسباب أملتها اعتبارات الأخلاق العامة السائدة داخل المؤسسات التي يتواجد فيها خاصة، الأطفال المراهقون… علاوة على اعتراض زوج التلميذة للحيلولة دون هذا التسجيل، وقد كان موقف المحكمة من هذه الأسباب موقفا مغايرا، حيث صرحت بأن زوج التلميذة ليس من شأنه أن يسقط حقها في الانتفاع من خدمات مرفق التعليم الثانوي، كما أن تواجدها بهذا المرفق لا ينطوي على أي تأثير سلبي في الأخلاق العامة التي تضرعت بها الإدارة. مما يجعل رفض إعادة تسجيل الطاعنة فيه مساس بمبدأ المساواة في التعليم وغير مرتكز على سبب حقيقي صحيح ويتسم بالشطط في استعمال السلطة بمقتضى إلغاءه[34].
Ãثانيا : المحل L’Objet
محل القرار الإداري هو موضوع القرار وهو الأثر القانوني الذي يترتب عليه حالا ومباشرة ويكون ذلك بالتغيير في المركز القانوني، سواء بالإنشاء أو بالتعديل أو الإلغاء[35].
¯ بالإنشاء : كصدور قرار إداري يقضي بتعيين موظف في وظيفة معينة، فمحل ذلك القرار هو وضع ذلك الموظف في الجهة التي ثم تعيينه فيها أو تخويله ممارسة مجموعة معينة من الاختصاص يحددها القانون.
¯ بالتعديل : كصدور قرار إداري يقضي بترقية موظف في وظيفة معينة، فمحل ذلك القرار هو نقل ذلك الموظف من وظيفة معينة على درجة معينة إلى وظيفة أخرى على درجة أقل.
¯ بالإلغاء : كصدور قرار يقضي بفصل موظف من وظيفة معينة، فمحل ذلك القرار هو إلغاء العلاقة القانونية القائمة بين ذلك الموظف وبين جهة الإدارة، وكصدور قرار إداري يقضي بإغلاق أحد المحلات التجارية المقلقة للراحة العامة، فمحل ذلك القرار هو توقف نشاط ذلك المحل سواء بصفة دائمة أو مؤقتة حسب ما ينص عليه القرار[36].
وهكذا فمحل القرار هو جوهره بل أن الأركان الأخرى تعد فقط أركانا مساعدة أو معاونة لكي يخرج المحل إلى حيز الوجود في صورته القانونية السليمة[37].
ويشترط في المحل أن يكون متعينا أي يكون المحل قابلا للتعيين مادام قد تضمن كافة العناصر اللازمة لتحديده كما يشترط أن يكون المحل ممكنا حيث ينبغي أن يكون تحقيق المحل في مقدور الإدارة، كما يشترط أن يكون الأثر القانوني للقرار الإداري جائزا وقانونيا بحيث أن يحترم التدرج العام للقواعد القانونية من حيث سموها الواحدة تلو الأخرى فإذا صدر قرار إداري لا يراعي تلك القواعد اعتبر باطلا أي أن المحل لا يقابله شرط[38] على أن غير مخالفة القانون في القرار الإداري لا يترتب عليه في غالب الأحيان انعدام القرار بل عدم مشروعيته كما لو اشترط القانون شروط معينة في العامل لم تكن متوفرة في من صدر القرار بتعينه : ففي هذه الحالة يكون القرار معيبا في محله ولكنه لا يكون منعدما، فمشروعية المحل شرط من شروط صحة القرار أما وجود المحل فهو ركن من أركان القرار[39].

Ãثالثا : الغاية Le But
ويقصد بالغاية الهدف النهائي الذي يستهدف مصدر القرار الإداري تحقيقه من إصدار القرار[40]. وعليه وعلى سبيل المثال تكون غاية القرار الإداري التي تتخذها السلطات المشرفة على المرافق العامة إشباع الحاجيات، وتقديم خدمات تحقيقا للمصلحة العامة، فإذا استهدفت تحقيق ذاتي، أو مصلحة خاصة يصبح عملها اعتداءا ماديا قابلا للإلغاء أمام القضاء الإداري.
ومفهوم المصلحة العامة لما كان غير محدد فإن المشرع يتدخل ليحدد للعاملين بالمرافق العامة الغاية التي عليهم تحقيقها بذاتها، فالبحث عن غيرها يؤدي إلى بطلان قراراتهم بموجب إساءة استعمال السلطة بمقتضى ما يسمى بمبدأ تخصيص الأهداف والغايات، والأصل أن تتمتع الأعمال الإدارية بحجة المشروعية والصحة إذ يفترض فيها جميعها السعي وراء تحقيق المصلحة العامة فكل عمل إداري يهدف إلى تحقيق غاية معينة والقرار الإداري ما هو إلا وسيلة لتحقيق هذه الغاية التي تكون دائما مصلحة عامة أو منفعة عامة[41].
وخلاصة القول فإن توافر القرار الإداري على كل الأركان السابق ذكرها تضفى عليها صبغة الشرعية وتجعله قابلا للنفاذ ومحصنا من كل أشكال الطعن الإداري أو القضائي[42].
b المبحث الثاني : أنواع القرار الإداري
لا تعتبر القرارات التي تصدر عن مختلف الأجهزة الإدارية من نوع واحد بل أنها رغم اشتراكها في ماهيتها وعناصرها تختلف فيما بينها سواء مضمونها أو في شكلها. الأمر الذي أدى بالفقه إلى تصنيفها إلى فئات متعددة، وليست لهذه التصنيفات أهمية نظرية بل لها أيضا أهميتها من الناحية العلمية، وذلك لاختلاف آثار القرارات وفق التصنيفات التي تنتمي إليها أو التقسيمات التي تدخل فيها.
ويقوم هذا التقسيم انطلاقا من محتوى القرار الإداري وموضوعه وإلى طبيعة الآثار القانونية التي تحدثها القرارات، فالتقسيم ينفذ إلى جوهر القرارات ولا يتوقف عند شكلها وواجباتها الخارجية، ويمكن تقسيم القرارات الإدارية إلى أنواع مختلفة. استنادا إلى مداها وإنشائها ثم إلى أثرها بالنسبة للأفراد وكذلك من حيث خضوعها لرقابة القضاء وأخيرا من حيث تكوينها.
e المطلب الأول : القرارات الإدارية من حيث مداها أو عموميتها
ويمكن تقسيمها إلى فئتين : قرارات فردية، وقرارات تنظيمية أو لائحية.
×الفرع الأول : القرارات الفردية
هي تلك القرارات التي تخاطب أفراد معنيين بدواتهم أي تتعلق بأفراد معروفيين بأسمائهم وأشخاصهم ولو تعدد هؤلاء الأشخاص، فمثال على ذلك القرار الذي يصدر بخصوص تعيين أو ترقية عدد كبير من الموظفين يعينهم القرار بأسمائهم والقرار الذي يصدر من أجل منح درجات أو علاوات لعدد كبير من الموظفين يحددهم كذلك بأسمائهم[43]. فكل قرار من هذه الأمثلة يعتبر قرار إداريا فرديا أيا كانت سلطة إصداره فهو قد يصدر من الوزير الأول كقراره بتعيين متصرف ممتاز أو مدير الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء أو كان صادرا عن الوزير كالقرار الصادر عن الأمن العام للحكومة يرفض لشخص طبيب فتح عيادة حرة أو كان صادرا عن سلطة أدنى كالعامل أو القائد أو رئيس المجلس الجماعي وقد يصدر القرار الفردي عن لجنة، وقد يهم القرار عدة أشخاص في آن واحد[44].
×الفرع الثاني : القرارات التنظيمية أو اللائحية
وهي تتضمن قواعد عامة ومجردة وتصدرها السلطات الإدارية المختصة لكي نطبق على عدد غير معين وغير محدد من الأشخاص، ولا يمكن معرفة من سيطبق عليهم القرار بصورة مسبقة ذلك أن العمل أو التصرف التنظيمي صدر لكي يطبق على كل ما يوجد في مركز قانوني معين اتجاه الإدارة العامة سواء حاليا أو مستقبلا وغالبا ما يطلق عليها المراسيم التنظيمية[45].
والقرارات التنظيمية إذا كانت تتميز ببعض خصائص التشريع فإنها تصدر عن الإدارة وتتخذ مظاهر خارجية مختلفة. فقد تصدر في شكل لائحة أو في شكل قرار وزاري. والقرارات التنظيمية واللوائح مختلفة عن القانون من حيث المصدر والأهمية ورقابة القضاء فالقانون يصدر عن البرلمان، أما القرارات التنظيمية فإن الجهاز التنفيذي باعتباره سلطة إدارية هو الذي يصدرها، ويترتب عما سبق أن القانون في مرتبة أعلى وأسمى من اللائحة، القانون من حيث الرقابة القضائية مختلف عن اللوائح على اعتبارها أعمالا إدارية لرقابة القضاء الإداري[46].
وحسب أغلب الفقهاء توجد أربعة أنواع من اللوائح الإدارية ونوجز في ما يلي الحديث عن كل منها :
أولا : اللوائح التنفيذية : وهي التي تصدرها الإدارة تنفيذا للقوانين، فالمشرع لما كان يكتفي يوضع الإطار العام لممارسة الحقوق والحريات الأساسية فقد ترك التفاصيل وظروف إدخال حيز تنفيذ هذه القوانين للسلطة التنفيذية عن طريق اللوائح.
ثانيا : اللوائح المستقلة : وهي التي تنفرد السلطة التنفيذية –الإدارة بإصدارها دون الاستناد إلى قانون سابق ودون مشاركة السلطة التشريعية، وغالبا ما يتم وضعها بخصوص تنظيم المرافق العمومية أو بشأن المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة، الأمن العام، السكينة العامة، المصلحة العامة وتسمى بلوائح الضبط الإداري[47].
ثالثا : لوائح الضرورة : هي اللوائح التي تصدر لمواجهة ظروف استئنافية مفاجئة تقتضي معالجة سريعة للحفاظ على كيان الدولة وسلامتها. مثال حالة الحرب أو الاضطرابات[48]. وقد يتم اللجوء إليها أيضا في حالة تعذر البرلمان للقيام بمهامه[49].
رابعا : اللوائح التفويضية : وتصدر أثناء انعقاد البرلمان أو خارج إطار انعقاد الدورات البرلماني، واللوائح التفويضية عبارة عن مراسيم قوانين تصدرها السلطة التنفيذية في مسائل تشريعية محددة أصلا من اختصاص المشرع إلا أن الإدارة تمارسها نيابة عن البرلمان بمقتضى تفويض منه، والتفويض من اللازم أن يكون بقانون[50].
خامسا : لوائح الضبط : وهي التي تصدرها الحكومة من أجل المحافظة على النظام العام، بناء على ما لها من سلطة تنظيمية عامة

المطلب الثاني : القرارات الإدارية من حيث إنشائها

وتنقسم إلى القرارات الكاشفة والقرارات المنشأة.
×الفرع الأول : القرارات الكاشفة
هي التي لا تأتي بجديد مفترض على تقرير إثبات حالة موجودة من قبل عملا بإدخال حيز التنفيذ آثارها القانونية مثلا القرار الإداري الصادر بفصل موظف حكم عليه بعقوبة مخلة للشرف في جناية.

×الفرع الثاني : القرارات المنشأة
وهي التي تترتب عليها آثار قانونية جديدة، مثلا تعيين موظف جديد أو فصله، وأهمية التمييز بين القرارات الكاشفة والمنشأة مصدره، أن الأولى تترتب عليها الآثار والنتائج من التاريخ الذي ولدت فيه، أما الثانية فآثارها تبدأ في السريان من تاريخ صدورها[52].
e المطلب الثالث : القرارات الإدارية من حيث مدى خضوعها للرقابة القضائية
تنقسم قرارات السلطة التنفيذية من حيث خضوعها للرقابة القضائية إلى نوعين من القرارات.
قرارات الإدارة وقرارات أعمال السيادة.
×الفرع الأول : أعمال الإدارة
من المقرر وإعمالا بمبدأ المشروعية أن جميع القرارات الإدارية النهائية على التفصيل السابق بيانه تخضع لرقابة القضاء الإداري سواء كانت قرارات فردية أو لائحية سواء بواسطة إلغاء القضاء الإلغاء أو القضاء الكامل (قضاء التعويض)[53] وذلك حفاظا على حقوق وحريات الأفراد وتحقيقا للمصلحة العامة.
×الفرع الثاني : أعمال السيادة
تنفذها الحكومة باعتبارها جهة سياسية لا إدارية. كالأعمال المتصلة بعلاقة الحكومة بالبرلمان أو علاقة الحكومة بالدول الأجنبية، هذه الأعمال نظرا لأهميتها ولطبيعتها السياسية والدستورية فيه غير خاضعة لرقابة القضاء الإداري.
e المطلب الرابع : القرارات الإدارية من حيث تكوينها
تنقسم إلى قرارات إدارية بسيطة وقرارات إدارية مركبة.
×الفرع الأول : القرارات البسيطة
يكون لها كيانها المستقل كالقرار الصادر من رئيس الإدارة يقضي بتطبيق عقوبة تأديبية على الموظف المخل بالتزاماته الوظيفية.
×الفرع الثاني : القرارات المركبة
وتدخل في تكوين عملية قانونية تتم على مراحل مثل مسألة نزع الملكية التي تتطلب إجراءات معينة. وفائدة هذا التقسيم أنه يسمح لقضاء الإلغاء بفصل القرار الإداري الذي يسهم في تكوين العملية القانونية المركبة. والطعن فيه مستقبلا بقصد إلغائه فإذا ما قضى بإلغائه العكس ذلك على العملية المركبة التي ساهم فيها القرار الباطل[54].
e المطلب الخامس : القرارات الإدارية من حيث آثارها بالنسبة للأفراد
القرارات الإدارية ملزمة للأفراد وهم ملزمون باحترامها والخضوع لمقتضياتها اختياريا أو إجباريا. وهناك مجموعة من القرارات يقتصر أثرها القانوني على الإدارة والعاملين بها دون أن يكون لها تأثيرا على الأفراد. وتسمى بالإجراءات الداخلية. كالتوجيهات والتعليمات والدوريات الصادرة عن الرؤساء الإداريين لمرؤوسهم ضمانا لحسن سير المرافق العمومية مبدئيا هذه الإجراءات لما كانت لا تترتب عليها أية آثار قانونية بالنسبة للأفراد والعاملين بالإدارة.
فلا يمكن أن تكون موضوع الطعن أمام القضاء لانعدام شرط المصلحة بالنسبة للغير في مواجهة الإدارة[55].
وهكذا يتبين لنا مما سبق أن تعريف القرار الإداري يتوقف على توفر ثلاثة عناصر أساسية بدونها تنتفي فكرة القرار الإداري. فإصدار القرارات الإدارية هو امتياز تتمتع به الإدارة وحدها سواء كانت مركزية أو لا مركزية. ومعبرا عن إرادتها المنفردة ومحدثا لآثارها القانونية والتي تتمثل في منح الحقوق وفرض الالتزامات فهذه الخصائص التي تتوفر عليها الأعمال الانفرادية هي التي بمقتضاها يمكن أن نميز هذه القرارات عن الأعمال الإدارية الأخرى. كما يجب لقيام القرار الإداري وصحته من اللازم توفر على الأقل خمسة أركان أساسية هي الاختصاص، الشكل، السبب، المحل، الغاية والتي تضفي عليه صبغة الشرعية وتجعله قابلا للنفاذ ومحصنا من كل أشكال الطعن الإداري والقضائي، كما تصنف القرارات الإدارية إلى تصنيفات متعددة تبعا لتكوينها وأثرها. أو خضوعها للرقابة، غير أن أهم تصنيف يظل هو ذلك الذي يقسمها حسب مداها إلى قرارات تنظيمية وقرارات فردية.
b المبحث الثالث : القرار الإداري، نفاذه، تنفيذه، نهايته
عندما يصبح القرار الإداري جاهزا فإن الإدارة تعمل على تنفيذه لكي ينتج آثاره القانونية، وإذا تم تنفيذه واستنفد مضمونه وإذا حددت مدة معينة لتطبيق القرار فإن بعد انقضاء هذه المدة تقوم الإدارة بإنهائه بطريقتين، إما بسحبه أو إلغاءه.
e المطلب الأول : نفاذ القرار الإداري
تعد القرارات الإدارية الصادرة عن السلطة الإدارية المختصة نافذة من لحظة صدورها كقاعدة عامة. وتقتضي العدالة ألا تسري في حق الأفراد الذين توجه إليهم الأمن تاريخ علمهم بها عن طريق إحدى وسائل العلم المقررة قانونا وتتولى الإدارة السهر على تنفيذ تلك القرارات إما عن طريق التنفيذ المباشر أو بواسطة القضاء.
×الفرع الأول : نفاذ القرار الإداري وسريانه في حق الأفراد
من حيث المبدأ فإن القرارات الإدارية تعتبر نافذة من صدورها سواء عن طيب خاطر أو عن طريق القوة إن اقتضى الحال. ولكن لما كان شأن القرارات الإدارية التأثير على حقوق الأفراد في بعض الحالات[56]. فمن المنطقي اشتراط عدم نفاذها في حقهم إلا إذا علموا بها عن طريق إحدى وسائل العلم المقررة قانونا فما هي هذه الوسائل ؟

Ãأولا : النشر
النشر معناه إعلام الجمهور بالقرار وبالتالي فهو لا ينشئ القرار وإنما يقتصر أثره على إمكان الاحتجاج به على الكافة، فهذه الوسيلة تتبع عادة في حالة المراسيم والقرارات التنظيمية حيث يتعذر اللجوء إلى وسيلة الإعلان لأن المراسيم والقرارات التنظيمية تطبق على عدد غير محدد وغير معروف مسبقا من الأشخاص[57] ويهدف النشر إلى إطلاع الأشخاص على التدابير التي تهمهم، وهذا ما يفرضه المنطق والعدل لأنه لا يمكن في الواقع أن يمارس الإنسان حقا أو يفي بواجب إلا إذا كان على إطلاع به[58].
ويتم النشر في المغرب كقاعدة عامة في الجريدة الرسمية ويجب أن يتضمن نشر المراسيم والقرارات التنظيمية أيضا اسم الجهة التي أصدرتها وبيانا تفصيليا دقيقا وواضحا لمحتوياتها وجميع المعلومات الهامة التي تتضمنها وإلا كان النشر باطلا ولا يتم العمل به[59].
وبهذا فالنشر يشكل إجراءا إداريا أساسيا يتطلب احترامه من طرف الإدارة لضمان شرعيته وضمان تنفيذه. وهذا ما أكدت عليه بعض التشريعات المغربية[60] كما يعتبر الاجتهاد القضائي النشر من الشروط الضرورية التي يحتج بالقرار من الغير.
Ãثانيا : الإعلان
الإعلان هو الطريقة الواجبة الإتباع في القرارات الفردية، ويعتبر إجراءا إداريا أساسيا تلتزم به الإدارة لضمان شرعية قراراتها وبالتالي لضمان تنفيذ مقتضياتها وإعطائها آثارا قانونية[61].
ويتم إعلان القرار لذوي الشأن بأنه وسيلة من وسائل الإعلان المعترف بها قانونا. مثل تسليم نسخة من القرار إلى صاحب الشأن شخصيا مع الحصول على توقيعه باستلام أو إرسال القرار إليه بخطاب موصى عليه بعلم الوصول[62]. ويجب أن يكون إعلان القرار شاملا لكل محتويات القرار الإداري مادام أنه لا يجوز الاحتجاج بهذا الأخير إلا في حدود ما تم تبليغه أو إعلانه[63].
وتتمتع الإدارة بالسلطة التقديرية في اختيار وسيلة الإعلان التي تراها مناسبة، ولكن إذا اشترط القانون صراحة أن يتم الإعلان بوسيلة معينة بالذات بالنسبة لنوع معين من القرارات الإدارية، فإن الإدارة ملزمة باحترام ما نص عليه القانون[64]، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر أن قرارات تعيين وترقية الموظفين يجب أن تبلغ إلى أصحابها وأن تنشر في الجريدة الرسمية[65].
وعلى كل حال فإنه من حيث المبدأ فإن سريان نفاذ القرارات الإدارية التنظيمية أو الفردية لا يسري في حق المخاطبين بها إلا ابتداء من تاريخ إخبارهم بواسطة جميع الوسائل القانونية التي تراها الإدارة المناسبة لذلك وهذا ما يحملنا على القول بأنه لا سريان للقرارات الإدارية بالنسبة للماضي عملا بمبدأ عدم الرجعية[66].
Ãثالثا : العلم اليقيني
وهي الوسيلة الثالثة لعلم الأفراد بصدور القرار الإداري ويقصد بها أن يثبت بطريقة ما وبشكل يقيني لا بشكل ضمني أن الفرد صاحب الشأن قد علم بصدور القرار الإداري وبمحتوياته كأن يتقدم صاحب الشأن إلى الإدارة المعنية بتظلم كتابي.
وقد نص القانون على طرق خاصة للنشر أو الإعلان يجب إتباعها. وذلك كتعليق القرار في لوحات خاصة في الدوائر الحكومية أو في بعض الأماكن العامة[67].
وكيف ما كان الحال، فإن عبئ الإثبات سواء بالنسبة للنشر أو التبليغ أو العلم اليقيني يقع على عاتق الإدارة بل إن القضاء يتشدد في تقبل الأدلة التي تقدمها هذه الأخيرة لإثبات تبليغها[68].
×الفرع الثاني : سريان القرار الإداري من حيث الزمان
الأصل أن القرار الإداري يسري في حق الجهة التي أصدرته من تاريخ إصداره وفي حق الأفراد المخاطبين به من تاريخ شهره بالنشر في الجريدة الرسمية أو من تاريخ إعلان صاحب الشأن بمضمونه.
وبالرغم من القواعد السابقة المسلم بها التي تحكم فورية نفاذ القرارات الإدارية فإن هناك استثناءين هامين على هذه القواعد : أحدهما يقضي يسريان القراران الإدارية بالنسبة للمستقبل دون الماضي (بمعنى عدم رجعية القرارات الإدارية)، وثانيهما : يقضي بإرجاء نفاذ القرارات الإدارية إلى فترة لاحقة على صدوره (بمعنى نفاذه في المستقبل)[69].
Ãأولا : مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية
يعتبر هذا المبدأ من المبادئ العامة التي استقر الفقه والقضاء الإداريين على الأخذ بها… ويعني هذا المبدأ عدم جواز تطبيق القرار الإداري على الوقائع القانونية التي تمت قبل التاريخ المحدد لبدء سريانه، وإنما ينحصر سريان أثر القرار على ما يحدث من وقائع وأعمال بعد تاريخ السريان[70].
وقد أكد الفقه والقضاء الإداريين على مبررات الأخذ بهذا المبدأ والتي تتمثل في : عدم تجاوز حدود الاختصاص الزمني، بمعنى منع مصدر القرار من الاعتداء على اختصاص سلفه، وذلك إذا لم يكن مصدر القرار مختصا خلال الفترة السابقة التي امتدت إليها آثاره… والرغبة في احترام الحقوق المكتسبة وضمان استقرار المعاملات والأوضاع القانونية، كأن يصدر قرار بمعاقبة موظف بالحرمان من العلاوة بأثر رجعي فيؤدي إلى حرمانه من علاوة كان قد استحقها فعلا قبل توقيع الجزاء، والحيلولة دون تطبيق القرار خلال فترة قد يكون سبب القرار قائما خلالها، وإنما ظهر بعد صدوره.
وبالرغم من المبررات السابقة التي تؤكد على الحكمة من إقرار هذا المبدأ إلا أن الفقه الإداري أجاز الاستثناءات على هذا المبدأ تتمثل في :
õ وجود نص قانوني صريح يبيح رجعية أنواع معينة من القرارات الإدارية عند الضرورة.
õ وجود حكم قضائي بإلغاء القرار المعيب، فيصبح لزاما على الإدارة القيام بتصحيح ما قد ترتب على ذلك القرار المعيب من الأوضاع الخاطئة في الماضي، وذلك بإصدار قرارات صحيحة بأثر رجعي لتصحيح الأوضاع السالفة.
õ حالة سحب قرار إداري فردي منشأ لوضعية قانونية بأثر رجعي له شرطين أساسيين، أن يقع السحب خلال أجل رفع الدعوى الإلغائية أو أثناء التقاضي عند رفع الدعوى في الأجل القانوني وأن تكون القرارات المسحوبة مشوبة بعدم مشروعيتها مما يستوجب بطلانها.
õ حالة القرارات الإدارية التي تتضمن بالضرورة أثر رجعيا، مثل القرارات التي تصدر من هيئة إدارية خولها القانون سلطة إصدار قرارات تسري خلال فترة معينة[71].
Ãثانيا : مبدأ أرجاء آثار القرارات الإدارية إلى تاريخ لاحقا
وهذا المبدأ يعني جواز أرجاء ترتيب القرار الإداري لآثاره ونفاذه في مواجهة المعنيين به وذلك بإضافته إلى تاريخ لاحقا على صدوره من خلال تعليق نفاذه على شطر واقف إذا كان ذلك يحقق المصلحة العامة، وفي ذلك خروج على الأصل العام المقرر للنفاذ الفوري في القرارات الإدارية.
إلا أنه يجب التمييز –في تطبيق هذا الاستثناء- بين القرارات التنظيمية والقرارات الفردية.
أ‌- القرارات التنظيمية :
بالنسبة لهذا النوع من القرارات يجوز إرجاء آثارها إلى تاريخ مستقبل لكون هذه القرارات لا تنشئ حقوقا مكتسبة لأحد ولكنها تنشئ حقوقا تنظيمية عامة وبالتالي يكون للسلطة القائمة وقت التاريخ المقرر لأعمال أثرها أن تعدلها أو تكيفها وأن ذلك لا يتضمن أي اعتداء على سلطة الخلق لأن هذا الخلق يستطيع في كل وقف أن يعدل اللائحة[72].
ب‌- القرارات الفردية :
بالنسبة للقرارات الفردية فإن تأخير هذه القرارات إلى تاريخ لاحق تحدده الإدارة قد يكون فيه اعتداء على السلطة صاحبة الاختصاص في ذلك التاريخ والتي لا تكون هي نفس السلطة المصدرة للقرار.
لذلك فإن الاجتهاد القضائي وخاصة اجتهاد مجلس الدولة الفرنسي لم يقر بهذا الإرجاع في كثير من أحكامه إلا إذا أثبت من ظروف الحال أن أرجاء تنفيذ القرار إلى تاريخ لاحق كانت تقتضيه ضرورات المرفق ومستلزمات سيره. ومن هذا القبيل رفضه إلغاء قرارات التعيين التي صدرت قبل نشر المرسوم الذي أنشأ الوظائف وبعد صدوره وتسليمه بصحة تعيين مهندس مع إرجاء آثار القرار حتى أدائه الخدمة العسكرية[73].
e المطلب الثاني : تنفيذ القرار الإداري
عندما يتم اتخاذ القرار الإداري ويصبح نهائيا، فإن مسألة تنفيذه تهم في نفس الوقت الإدارة والأفراد المعنيين به إذن فما هو مفهوم التنفيذ ؟
×الفرع الأول : مفهوم تنفيذ القرار الإداري
إن الوقوف على معنى تنفيذ القرار الإداري، باعتباره عملا انفراديا صادرا عن الإدارة يقتضي ربطه بالغاية التي تتوخاها السلطات الإدارية من هذا العمل، فطبيعة هذه الغاية هي التي تمكن من تحديد مدى الأهمية التي ينبغي إعطاؤها المسألة التنفيذ، ويظهر ذلك بوضوح من أن القرارات التي تتخذها السلطات الإدارية قد يكون موضوعها إما منع حقوق لصالح الأفراد وإما فرض التزامات عليهم.
ففي حالة الاعتراف بالحقوق فإن مسألة التنفيذ لا تطرح أي إشكال مادام أن الأمر يتعلق بالاستفادة التي يكون فيها المستفيد في موقع اختيار له أن ينفذ القرار الذي يمنحه الحق أو لا ينفذه، بمعنى أن التنفيذ يرجع لحسن إرادته، أما في الحالة التي يهدف فيها القرار الإداري إلى فرض التزامات على الأفراد، فإن التنفيذ يكون إلزاميا بالنسبة للمعنيين بهذه الالتزامات[74].
×الفرع الثاني : أساليب تنفيذ القرار الإداري
يكون القرار الإداري قوة تنفيذية فهو يلزم المواطنين ويضع له امتيازات، ويمكن في بعض الحالات أن تنفذ الإدارة قراراتها بواسطة القوة.
Ãأولا : التنفيذ الاختياري للقرارات الإدارية
يتعلق الأمر بتلك القرارات التي تخول لصاحبها امتيازات وحقوق فإذا كان الهدف من القرار الإداري أن يعطي للمواطن حقا، أو يمنحه رخصة لفتح متجر أو استيراد بضائع من الخارج أو بناء مشروع فهذا القرار لا يمكن في مضمونه أي إلزام بالتنفيذ بل يترك للمستفيد منه حق الاختيار حسب إمكانياته وظروفه وإرادته، فإما أن يبادر بتنفيذه وفق المادة القانونية المنصوص عليها، وإما أن يطلب تجديده وإما أن يتنازل عنه[75].
Ãثانيا : التنفيذ الجبري المباشر للقرار الإداري بواسطة الإدارة
تعتبر هذه الوسيلة من أهم الامتيازات التي تتمتع بها السلطة الإدارية في مزاولتها لنشاطها، إذ تستطيع الإدارة أن تقوم بتنفيذ قراراتها بشكل مباشر على الأفراد بدون أن تلجأ إلى القضاء للحصول منه على إذن بالتنفيذ، فالإدارة تستطيع أن تستخدم القوة الجبرية عند الاقتضاء لمواجهة عناد الأفراد في تنفيذ القرارات، إذ أن هذا الامتياز له جانبين : أحدهما : يتمثل في امتياز إصدار قرار من جانبها يرتب أثره قبل الأفراد دون مشاركة منهم، وثانيهما : يتمثل في امتياز تنفيذ القرار جبرا عند الاقتضاء ودون إذن من القضاء.
إلا أن حق الإدارة في تنفيذ قرارتها مباشرة وبالقوة إذ لزم الأمر يخضع لمجموعة من الضوابط والقيود التي تضمن عدم تجاوز هذا الاستثناء الخطير لحدوده والمساس وبالتالي بحقوق الأفراد وحرياتهم، وتتمثل هذه الضوابط فيما يلي :
¯ أن يرفض من صدر بحقهم القرار الامتثال له طواعية بعد أن تطلب منهم الجهة المختصة مصدرة القرار تنفيذه، ذلك أن الحرص على الاستجابة السريعة والفعالة لضروريات عدم تعطيل سير العمل الإداري واستقرار الأوضاع والمراكز الناشئة عنها، كلها مبررات تقتضي –عند عدم انصياع الأفراد طواعية واختيارا لقراراتها- تنفيذ قراراتها تنفيذا مباشرا أو جبرا إذا لزم الأمر.
¯ أن تستخدم الإدارة في تنفيذ قراراتها جبرا إلا القدر اللازم لضمان تنفيذ القرار، وذلك دون المساس بحقوق وحريات الأفراد الذي سينفذ القرار في مواجهتهم وبعد انعدام الوسائل البديلة المتاحة أمام الإدارة لوضع قراراتها موضع التنفيذ، وخاصة في الظروف الاستثنائية الطارئة وحالات الضرورة.
وتنبع أهمية هذا الشرط أو الضابط الخاص بالتنفيذ الجبري للقرار الآثار الخطيرة التي تترتب على استخدامها مثل هذه الوسيلة والمتمثلة في : الاعتداء على حقوق الأفراد وحرياتهم، كقرار نزع الملكية الذي يمس حق الملكية، وقرار تفتيش المنازل الذي يمس حرمة المساكن، وقرار منع مواطن من السفر الذي يمس حريته الشخصية، أو أن يترك القرار آثارا يتعذر تداركها بعد التنفيذ كقرار هدم منزل آيل للسقوط.
أن يوجد نص قانوني صريح يخول الإدارة حق اللجوء الجبري المباشر ذلك لأن التنفيذ الجبري المباشر هو في الأصل وسيلة استثنائية يتم اللجوء إليها في حالات محددة، الأمر الذي يقتضي استناد الإدارة في استخدام هذه الوسيلة إلى نص قانوني يجيز استخدامها[76].
ونظرا لما قد يطرحه التنفيذ القهري المباشر للقرارات الإدارية من مشاكل فإن الإدارة قد تلجأ إليه في حالة استثنائية وهي كالتالي :
¯ إذا أجاز المشرع هذا التنفيذ، مثلا نجد المادة 52 من قانون 00-78 المتعلق بالتنظيم الجماعي والتي تنص على : “يمكن أن يتولى رئيس المجلس تلقائيا وعلى نفقة المعنيين بالأمر العمل طبقا للشروط المحددة بالمرسوم الجاري به العمل على تنفيذ جميع التدابير الرامية إلى ضمان سلامة المرور والسكينة والمحافظة على الصحة العمومية كما تنص المادة 53 من نفس الميثاق على : “يجوز للرئيس أن يطلب عند الاقتضاء من السلطة الإدارية المحلية المختصة العمل على استخدام القوة العمومية طبقا للتشريع المعمول به قصد ضمان احترام قراراته ومقرراته”.
¯ في حالة الاستعجال مثلا في حالة حريق منزل لا يمكن انتظار إذن من النيابة العامة لأجل الدخول للمنزل وإنقاذ الأشخاص المحاصرين بالنار.
¯ في الحالات التي لا يمكن معها احترام الآجال والإجراءات العادية مثلا كالفصل 69 من الظهير الشريف رقم 31-92-1 الصادر 17 يونيو 1992 بتنفيذ القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير[77]، يبلغ الأمر بالهدم إلى المخالف ويحدد فيه الأجل المضروب له لإنجاز أشغال الهدم، ولا يجوز أن يتعدى هذا الأجل ثلاثين يوما. وإذا لم ينجز الهدم في الأجل المضروب لذلك تولت السلطة المحلية القيام بذلك على نفقة المخالف.
¯ في حالة مقاومة ومعارضة صارخة من طرف الأشخاص الذين يعاكسون عن إرادة وسابق إسرار تنفيذ القرار الإداري تعتزم الإدارة تنفيذه وكذا عدم وجود أية طريقة قانونية كالجزاءات الجنائية أو الإدارية (الغرامة) من ذلك مثلا ما تنص عليه الفقرة 11 من الفصل 609 من القانون الجنائي المغربي “من خالف مرسوما أو قرارا صدر من السلطة الإدارية بصورة قانونية، إذا كان هذا المرسوم القرار لم ينص على عقوبة خاصة لمن يخالف أحكامه”[78].
Ãثالثا : تنفيذ القرارات الإدارية عن طريق القضاء
يفترض أن تلجأ الإدارة أصلا إلى القضاء المختص للحصول على حقوقها في تنفيذ القرار الإداري ويتم تنفيذ القرار الإداري بواسطة القضاء عن طريق توقيع الجزاءات الجنائية والمدنية والتأديبية :
أ‌- الجزاءات الجنائية : قد تلجأ الإدارة للقضاء الجنائي لتنفيذ قراراتها وحمل الأفراد قسرا على تنفيذها من خلال توقيع عقوبات لحمل الأفراد على تنفيذ القرارات الإدارية بل إن وسيلة الدعوى الجنائية من الأساليب التي يعتبرها الفقه والقضاء الأسلوب الأمثل الواجب إتباعه في الحالات التي يمتنع فيها الأفراد عن تنفيذ القرارات طواعية حملهم جبرا على التنفيذ[79].
ب‌- الجزاءات المدنية : تستطيع الإدارة أن تلجأ إلى القضاء المدني لإلزام الأفراد باحترام قراراتها وتنفيذها جبرا ويرى بعض الفقهاء أن أتباع الإدارة لطريق القضاء العادي وإن كان قليل الحدوث عملا وعدم استخدامها لامتيازات السلطة العامة التي تتمتع بها، فيه ضمانة أكبر لاحترام حقوق وحريات الأفراد[80].
ج‌- الجزاءات التأديبية : تستخدم الإدارة أحيانا الجزاءات التأديبية التي تملك توقيعها قانونا في مواجهة من يرفض الانصياع لقراراتها أو أوامرها، ومن أمثلة ذلك : العقوبات التأديبية التي توقع على الموظفين المخالفين لأوامرها والعقوبات التي توقع على المنتفعين بخدمات المرافق العمومية من مخالفات إزاء القرارات المنظمة لهذا الانتفاع، والجزاءات الجنائية والمالية الواردة في أنظمة الضبط الإداري هي خبرات سالبة للحرية كالغرامات والمصادرة والحبس وإغلاق المحلات المقلقة للراحة أو المضرة بالصحة العامة الخطرة، فضلا عن سحب التراخيص الخاصة بمزاولة المهن الحرة والتجارية[81].
×الفرع الثالث : إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية
حتى يتمكن القضاء الإداري من الحكم بوقف تنفيذ المقررات الإدارية يتعين توافر شروط شكلية وموضوعية لا غنى عنها للاستجابة لطلبات الوقف وهي كالتالي :
à أولا : الشروط الشكلية والموضوعية لإيقاف تنفيذ القرارات الإدارية
1) الشروط الشكلية لإيقاف تنفيذ القرارات الإدارية :
هناك في الحقيقة شرط أساسي واحد وهو اقتران طلب وقف التنفيذ بدعوى الإلغاء بالإضافة إلى قيدين آخرين يتعين مراعاتهما من حيث الشكل وهما :
¯ أن يكون القرار المطلوب إيقافه إيجابيا وله قوة تنفيذية.
¯ أن يكون لا زال لم ينفذ بعد.
أ‌- أن يكون طلب إيقاف التنفيذ بدعوى إلغاء القرار الإداري لعدم المشروعية : ومعنى هذا الشرط أن يطلب رافع دعوى الإلغاء وقف التنفيذ لأن نفاذ القرار قد يؤدي إلى نتائج يتعذر تداركها وضرر كبير يصعب رده من طرف الطاعن، والحكمة من هذا الشرط واضحة لأن طلب وقف التنفيذ لا يعدو أن يكون طعنا في القرار المطلوب إلغاؤه. وقد يكون طلب وقف التنفيذ مقدما في نفس مقال دعوى الإلغاء، وقد يكون مقدما بناءا على طلب مستقل عن دعوة الإلغاء، فطلب وقف التنفيذ فرعي يتبع الطلب الأصلي بالإلغاء وجودا وعدما. ولا يهم بعد ذلك أن يكون قد قدم في نفس صحيفة دعوى إلغاء القرار الإداري أو بطلب مستقل عن الطعن بالإلغاء.
ب‌- يجب أن يكون القرار تنفيذيا : ومعنى ذلك أن يكون له قوة تنفيذية (Force exécutive) ولا يكون كذلك إلا إذا كان إيجابيا كالقرار بترقية موظف دون موظف آخر تتوافر فيه نفس مواصفات الموظف الموقف، أو قرار بعزله، أو قرار بإزالة أشجار الغابة إلى غير ذلك، وقد ثار نقاش حاد في الفقه والقضاء في مختلف الأنظمة القضائية وخاصة في فرنسا أو مصر فيما إذا كانت القرارات الإدارية السلبية المطعون فيها بالإلغاء قابلة من باب التبعية للأمر بإيقاف قرار سلبي، لأن الأمر بإيقاف قرار سلبي ينطوي في حد ذاته على عنصر إيجابي ويصبح القاضي في موقع من يصدر قرارات للإدارة وهذا فيه خرق لمبدأ دستوري أساسي هو الفصل بين السلطتين القضائية والتنفيذية، فالقاضي الإداري لا يملك حق إصدار أمر للإدارة، فمثلا قرار إيقاف تنفيذ حالة عدم منح الرخصة يساوي بالتبعية قرار القاضي بإعطاء الترخيص وهذا يتعارض مع المبدأ القائل بعدم جواز إعطاء أوامر للإدارة من طرف القاضي الإداري[82] . فهو من خلال فحص شرعية المقررات من ظاهر الأوراق وبناء على نظرة أولية يرجع ما إذا كان القرار المطعون فيه سيتم إلغاؤه لعيب فيه لكن دون بحث مفصل أو متعمق لعيوب القرار الإداري، وهذه العيوب يصعب الكشف عنها في القرار السلبي لأن هذا النوع من القرارات لا ينطوي على مقتضيات تنفيذية ويتعذر الأمر بإيقاف تنفيذها، وكهذا إذا كانت القاعدة العامة في هذا الشأن هي أن القرار الإداري الذي يمكن الطعن فيه بالإلغاء هو الذي يجوز طلب الحكم فيه بوقف تنفيذه فهل معنى ذلك أنه يجوز إيقاف تنفيذ القرار السلبي، إذا أجبنا بالإيجاب فمعنى ذلك أن القضاء الإداري له الحق في إلزام جهة الإدارة بإتيان أمر ليس للقضاء أن يلزمها بأن تأتيه لاسيما عندما يصدر حكم فيما بعد يرفض طلب الإلغاء[83].
لقد اتجاه الفقه في البداية نقلا عن مذاهب الفقهاء الفرنسيين ومجلس الدولة الفرنسي أن مجرد القرارات السلبية في حد ذاتها لا تقبل الإلغاء أو إيقاف تنفيذ، والقرار السلبي في هذه الحالة وهو الذي لا يتضمن مقتضيات تنفيذية إيجابية.
وهكذا فإن مجرد استئناف الإدارة عن اتخاذ قرار معين لا يعتبر قرارا سلبيا قابلا للطعن بالإلغاء، وطلب الإيقاف ذلك هو الأصل والمبدأ والاستئناف من القاعدة العامة لعدم جواز قابلية القرارات الإدارية السلبية لوقف التنفيذ، هو حالة واحدة إذا كان القرار السلبي الرافض من طرف الإدارة في مواجهة الفرد قد أدى إلى إحداث تعديل في المركز القانوني أو الواقعي للفرد صاحب الشأن، كقرار يرفض طلب الاستقالة الذي يتعارض مع مبدأ قانوني وهو حرية العمل وعدم إجبار الموظف على الاستمرار في وظيفة لا يرغب فيها، وأن القرار المذكور فيه ضرر محقق للطاعن وبمعنى آخر فإنه من أجل تحقيق العدالة وحماية الأفراد إذ كان القانون يفرض على الإدارة اتخاذ موقف معين والقيام بشيء إزاء الأفراد، فإن سكوت الإدارة عن اتخاذ ذلك الموقف أو العمل بذلك الإجراء يكون خلال فترة معينة بمثابة قرار إداري سلبي قابل للطعن بالإلغاء ومن باب التبعية قابل لطلب الوقف. أما سكوت الإدارة عن اتخاذ قرار لا يوجب القانون عليها اتخاذه –وإنما يترك ذلك لمحض تقديرها، فإنه لا يشكل قرارا سلبيا منها يمكن الطعن فيه ومحل طلب الإيقاف، تلك هي القاعدة المتبعة حاليا في الأنظمة القضائية المقارنة وخاصة في فرنسا ومصر[84] بخلاف القضاء الإداري الألماني مثلا الذي له سلطة واسعة بحيث يمكنه أن يأمر الإدارة باتخاذ عدة تدابير لا يفرضها القانون فحسب بل حتى الواقع، أما النظام القضائي المغربي فبالرغم من كونه يتأثر بالنظامين الفرنسي والمصري، إلا أنه اتخاذ موقفا محددا من هذه المسألة، وسنبين فيها بعد مجال اختصاص القضاء الإداري فيما يخص طلبات وقف التنفيذ بالمغرب، ويلاحظ أن الاجتهاد القضائي المغربي، قد يتأثر في هذا المجال بالنظام القضائي الفرنسي وهو الاتجاه المشار إليه أعلاه كون القرارات السلبية لا يجوز إيقاف تنفيذها إلا إذا كان لها تأثير في المراكز القانونية والواقعية للأطراف[85].
ج‌- يجب أن يكون القرار لم ينفذ بعد : والواقع أن هذا لا يعتبر شرطا حقيقيا في تقديم طلب وقف التنفيذ وإنما يعد قيدا يمنع من الحكم بوقف التنفيذ، لأن الأمر بوقف التنفيذ في حد ذاته يعتبر إجراءا وقتيا يقتضي الحماية العاجلة لمركز الطاعن قبل إصدار الحكم بالإلغاء وقبل تمام تنفيذ القرار، أما إذا كان القرار قد وقع تنفيذه من قبل الإدارة فلا مبرر للمطالبة بإيقاف القرار لعدم وجود جدوى من ذلك الإيقاف كان يكون ميعاد الامتحان قد فات ودعوى الطعن بالإلغاء في قرار منع الطالب من اجتياز الامتحان لا زالت رائجة أو كأن يكون المنزل الأثري قد تم تحطيمه بالهدم، ودعوى الطعن بالإلغاء في قرار لازالت رائجة[86].
وتجدر الإشارة إلى أن الشروط الواجب توافرها في القرار الإداري القابل للطعن بالإلغاء هي نفس الشروط المتطلبة في القرار ذاته المطلوب إيقاف تنفيذه وهي أن يكون القرار صادرا عن سلطة إدارية وذو قوة تنفيذية أي له تأثير على مراكز الأفراد، وأن يكون نهائيا، (فمثلا لا يجوز وقف تنفيذ الأعمال التحضيرية لإصدار القرار الإداري فلا يجوز حتى الطعن فيها بالإلغاء فبالأحرى إيقاف تنفيذها)[87].
2) الشروط الموضوعية لإيقاف تنفيذ المقررات الإدارية :
هناك شرطان موضوعيان لإمكان الحكم بوقف التنفيذ وهما ضروريان إذا تخلف أحدهما فإن المحكمة ترفض طلب وقف تنفيذ القرار وهما : من ناحية أولى شرط الاستعجال ومن جانب ثاني شرط الجدية أو المشروعية.
أ‌- شرط الاستعجال :
لم يعط القانون المغربي لهذا الشرط أي تعريف قانوني، لكن يمكننا القول بأن هذا الشرط يتحقق عندما يكون تنفيذ القرار يرتب نتائج يتعذر تداركها فيما لو حكم بإلغاء القرار بعد تنفيذه وعلى المحكمة أن تتحقق من وجود هذا الشرط حسب الحالات المعروضة أمامها كما ولو صدر قرار بمنع طالب من اجتياز مباراة أو بهدم منزل أثري أو بمنع مريض من السفر إلى الخارج للعلاج، ففي مثل هذه الحالات يكون ركن الاستعجال قائما وبذلك فكلما ظهرت للمحكمة أمور يخشى عليها من فوات الوقت أو نتائج يتعذر تداركها، كان عنصر الاستعجال موجودا لإيقاف التنفيذ يعتبر بحق كما قال الأستاذ هوريو “مراقبة أولية وعاجلة لمشروعية القرار” موجودا، ولكي يمكننا الوقوف على هذا الشرط بتدقيق يتعين القول بأن عنصر الاستعجال يقوم على ثلاثة معايير أساسية يجب على المحكمة مراعاتها عند فحص عنصر الاستعجال بمناسبة دراسة الملف المعروض عليها وهي كالتالي :
1. ألا تتأذى المصلحة العامة من وقف التنفيذ ابتداءا شديدا.
2. أن يتضرر طالب وقف التنفيذ ضررا كبيرا في عمله وحياته الخاصة.
3. أن لا يكون بإمكانه دفع النتائج الضارة التي تترتب على استمرار تنفيذ القرار بالوسائل القانونية المقررة[88].
وهنا غالبا ما تحاول المحكمة الحفاظ على هذا التوازن الدقيق بين المصلحة العامة ومصالح الأفراد، فيكون عنصر الاستعجال قائما عندما تتوافر ضرورة معينة تبرر وقف تنفيذ القرار لتفادي نتائج يتعذر تداركها فيما بعد ودون التطاول على المصلحة العامة بشكل صارخ عند الأمر بوقف التنفيذ وفي حالة تعادل المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة تلجأ المحكمة إلى تغليب كفة المصلحة العامة على الخاصة.
وقد ثار تساؤل في القضية حول ما إذا كانت القرارات الإدارية المعدومة قابلة لوقف التنفيذ بناءا على حالة الاستعجال وخاصة في مصر وفرنسا ؟ وفي الحقيقة أن هذه القرارات لا تعتبر قرارات إدارية وإنما مجرد أعمال مادية، فالقرارات الإدارية تكون لها قوة ملزمة، أما المعدومة فهي مجرد أعمال مادية أو عقبات في وجه الأفراد فقد ذهب القضاء في مصر إلى جواز الحكم بإيقاف تنفيذها، لمجرد أنها منعدمة ودون التقيد حتى بأجل الطعن[89]، لأن هذا العمل كما قالت المحكمة العليا في مصر لا يعدو أن يكون مجرد عقبة مادية في سبيل استعمال ذوي الشأن لمراكزهم القانونية المشروعة مما يبرر بذاته مطالبتهم بإزالة تلك العقبة بصفة مستعجلة. (حكم بتاريخ 14-01-1956 منشور بمجموعة المبادئ السنة الأولى، ص : 383)، وهكذا عندما يتوافر شرطا الاستعجال والجدية، فإن المحكمة يتعين عليها أن تحكم بإيقاف تنفيذ القرار، أقول هنا المحكمة كهيئة مشكلة من أعضاء[90].
ويثور التساؤل عندما تتوافر الضرورة المستعجلة القصوى بالمغرب ويتقدم الطاعن يطلب استصدار الأمر بإيقاف التنفيذ إلى السيد رئيس المحكمة الإدارية عندما يكون النزاع منصبا في الموضوع حول طلب إبطال محضر حجز تنفيذي إداري من طرف قابض الضريبة وتقدم الطاعن بالإلغاء يطلب بطلان محضر الحجز وإيقاف عملية البيع أو تأجيله وفي نفس الوقت يطلب من رئيس المحكمة إيقاف عملية الحجز التنفيذي خاصة ما إذا كان قد أدى الكفالة المنصوص عليها بالفصل 15 وما يعده من ظهير 1935 المتعلق بالضرائب، ففي هذه الحالة يحب لرئيس المحكمة أن يفصل في الطلب المذكور بمفرده نظرا لحالة الاستعجال القصوى دون هيئة الحكم[91].
ب‌- شرط الجدية أو المشروعية :
ويقصد بهذا الشرط أن يكون طلب التنفيذ مبنيا على أسباب جدية وواقعية حسب الظاهر من الأمور، بمعنى أن القاضي الإداري من خلال بحثه في الجدية فإنه يتكون لديه نظرة أولية في مشروعية الطلب الموضوعي من خلال الفحص الظاهري لوثائق الملف، بحيث يكون طلب الإلغاء ذاته قائما على أسباب جدية تحمل على ترجيح كفة إلغاء القرار الإداري لعيب فيه من عيوب القرار الإداري دون أن يقوم القاضي ببحث دقيق ومعمق في موضوع الطلب ودون الدخول في التفاصيل، وهناك العديد من القرارات الإدارية التي تفقد جديتها وتكون مخالفة للقوانين أو المبادئ السائدة في الميدان الإداري، مثل القرار الإداري بوقف صدور جريدة بصفة تعسفية ودونما أسباب قانونية أو أمنية وجيهة أو قرار إداري بمنع صدور جريدة موازية تحت اسم جديد من طرف حزب سياسي معين بعد صيرورة قرار إيقاف الجريدة الأولى نهائيا وناقدا، إذا في هذه الحالة الأخيرة يعتبر الإيقاف أو المنع لصدور الجريدة هو منع لرأي الحزب وشل نشاطه السياسي الذي يعبر عنه بواسطة جريدته[92].
ويجب دائما عدم الخوض في جوهر النزاع وأصل الحق موضوع الطعن في القرار الصادر بشأنه، على اعتبار أن وقف التنفيذ هو حكم مؤقت يستلزم عدم الخوض في الجوهر، لا يقيد المحكمة عند نظرها لأصل طلب إلغاء القرار. فقد تحكم برفض الطعن بالإلغاء في الطلب الموضوعي أو قبوله حسب الأحوال بعد قيام المحكمة ببحث مفصل ومعمق في المشروعية.
وهكذا فبالرغم من أن وقف التنفيذ هو من قبيل الأمور المستعجلة التي لا علاقة لها بموضوع الدعوى وإننا طلب متفرع عن طلب الإلغاء، فيجب أن يكون طلب الإلغاء مبنيا على أسباب جدية يترك لقاضي الموضوع تقديرها[93].
õ مجال وقف التنفيذ : من المسلم به أن المحكمة لا تفحص طلب وقف التنفيذ إلا بعد أن تكون قد تحققت أولا في اختصاصها بنظر الطلب الأصلي، وهو إلغاء القرار الإداري المطعون فيه بعدم المشروعية وكذلك شروط قبول الدعوى وأهمها ميعاد رفعها وإلا صرحت المحكمة بعدم قبول الطلبين معا.
õ مدة إمكانية وقف التنفيذ القرارات الإدارية المرتبطة بعقود إدارية : هناك مسألة ذات أهمية قصوى ولابد من الإشارة إليها، هل يمكن الطعن في القرارات الإدارية المرتبطة بالعقود الإدارية بالإلغاء والوقف ؟ فالعقد الإداري كما نعلم له مميزات خاصة تجعله يرقى على باقي العقود العادية، بحيث تظهر فيه امتيازات السلطة العامة كأن تقوم الإدارة بالتنفيذ المباشر للعقد وتنزل عقوبات على المتعاقد معها مثل مصادرة التأمين، فرض غرامة التأخير، إنهاء المشروع بصفة منفردة، إلى أخره، إن الفقه قد ميز في القرارات المطعون فيها بالنسبة لهذه العقود بين القرارات المنفصلة عن العقد والتي تكون سابقة عنه أو في المرحلة التمهيدية للعقد وتسمى القرارات المنفصلة Actes détachables كالقرار بطرح العمل في المناقصة والقرار الصادر باستبعاد أحد المتناقضين أو إلغاء المناقصة إلخ، هذا من جهة ومن جهة أخرى، هناك القرارات المتعلقة بتنفيذ مقتضيات العقد وبنوده تسمى Les actes attachables كالقرار بمصادرة التأمين أو فسخ العقد.
والقاعدة العامة أن القرارات الإدارية الصادرة بمناسبة تنفيذ بنود العقد Attachables كالقرار بسحب العمل ممن تعاقد معها، والقرار بمصادرة التأمين أو إلغاء العقد ذاته لا يقبل فيها دعوى الإلغاء وتبعا لذلك لا تقبل فيها طلبات وقف التنفيذ، ويتعين على المتعاقد مع الإدارة أن يسلك طريق دعوى القضاء الكامل والمطالبة بالتعويض إن كان قد حصل له ضرر محقق ومباشر. وكذلك الشأن بالنسبة للغير الذي يعتبر أجنبيا عن العقد فهو الآخر لا يكون محقا سوى في المطالبة بالتعويض، بخلاف القرارات الإدارية السابقة على انعقاد العقد أو المنفصلة (Détachables) والتي قد تسهم في إبرامه كقرارات إجراء مناقصة أو المزايدات، إلخ. فهي قرارات نهائية مستقلة عن العقد وتكون قابلة للطعن بالإلغاء ومن باب التبعية قابلة لطلب وقف التنفيذ. وهذا الاتجاه اقتباسا من الاجتهاد الفرنسي قد اخذت به المحكمة العليا بمصر في مجموعة مبادئ قانونية في الحكم عدد 15 المنشور في كتاب مجموعة المبادئ 1980-1965، الجزء الأول ص : 181[94] والصلة في ذلك أن القرارات الإدارية الصادرة في ميدان تنفيذ العقد والمرتبطة به هي تخضع غالبا للشروط التعاقدية وتخضع في مراقبتها لقاضي العقد وليس لقاضي الإلغاء، والفصل في هذا التمييز يرجع فيه إلى كناش التحملات غالبا، وإن كان مجلس الدولة الفرنسي قد عدل من هذا الموقف نسبيا أو أدخل في دعوى الإلغاء وقبل طلب الإيقاف فيما يتعلق بالقرارات المرتبطة بالعقد وحكم تبعا لذلك بإلغاء وإيقاف هذا النوع من القرارات إذا انتقت فيها المشروعية وتوافرت حالة الاستعجال[95].
أما المقررات المنفصلة أصلا عن العقد، فلا جدال أنها قابلة للإلغاء ومن الباب التبعية لإيقاف تنفيذها، إلا أن هذا التمييز يبقى نظريا ومنفذا ولا يستقيم في جميع الأحوال فالمحاكم مثلا في مصر قد حكمت بإلغاء بعض المقررات المتصلة بالعقد استنادا إلى عنصري الجدية والاستعجال وعندما تحقق أضرارا خطيرة للمتعاقد مع الإدارية وفي جميع الأحوال التي تقبل فيها القرارات التي لا علاقة لها من بعيد أو من قريب بالعقد للطعن بالإلغاء لتجاوز السلطة، يتعين ألا تكون هذه القرارات مرتبطة بالنظام العام كالقرارات البوليسية فمثل هذه القرارات لا تقبل إيقاف تنفيذ، راجع مستنتجات مفوض الحكومة رميو Romieu في هذا الصدد، وأن لا يمنع القانون صراحة إيقاف تنفيذها كتدبير استثنائي يخرج عن القاعدة المألوفة قانونا وهي نفاذ القرارات الإدارية بمجرد صدورها من الجيهات الإدارية الرسمية[96]

ثانيا : تطبيقات إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية في بعض الأنظمة

القضائية المقارنة (مصر، فرنسا، المغرب)
إذا كان الأصل هو أن القرارات بمجرد صدورها وتبليغها إلى ذوي الشأن بصفة قانونية، ستكون قابلة للتنفيذ وتلجأ الإدارة إلى تنفيذها بصفة مباشرة وتنتج هذه القرارات آثارها منذ صدورها، فإن الطعن فيها بالإلغاء لعدم المشروعية لا يوقف تنفيذها، فإنه استثناء من هذه القاعدة ثم الأخذ بنظام وقف التنفيذ في أحكام القضاء الإداري في فرنسا ومصر ومن هذا النظام بتطورات هامة منذ نشأته إلى الآن.
أ-وقف تنفيذ القرارات الإدارية في النظام القضائي بمصر :
سنحاول في هذه الفقرة أن نبرز بعض خصوصيات طلبات وقف التنفيذ بمصر حيث قطع القضاء الإداري أشواطا طويلة من النمو والتقدم وأصبح يعرف استقلالا من حيث التنظيم الهيكلي ونوعا ما من حيث وظيفته وذلك منذ إنشاء مجلس الدولة المصري سنة 1946، وقد جاء في الفصل 49 من قانون 1972 “يجوز للمحكمة أن تأمر بإيقاف تنفيذ القرار إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها”. فبالإضافة إلى الشروط الشكلية والموضوعية للاستجابة لطلب وقف التنفيذ والتي اعتمدها أيضا القضاء المصري فإن القضاء الإداري المصري يختص بالبث في طلب وقف التنفيذ، إذا كان هذا الطلب المستعجل مرتبطا بدعوى الإلغاء وإذا توافرت الشروط السالفة الذكر، وينص الفصل 40 من قانون مجلس الدولة الحالي بأن المحاكم الإدارية بمصر تختص بالبث في طلب وقف تنفيذ القرار الإداري المضمون فيه بالإلغاء، وكذا في طلب استمرار صرف مرتب الموظف المفصول عن عمله بعد تظلمه من قرار فصله عن الخدمة وقبل أن يتم رفع دعوى إلغاء هذا القرار[97].
لذلك فللمحاكم التأديبية بمصر أن تأمر بإيقاف القرار الإداري القاضي بمنع الموظف من مرتبه كلا أو جزءا إلى حين افصل في الطلب الموضوعي المتعلق بالقرار التأديبي وذلك للاختصاص الدقيق والتمييز المناطق بهذه المحاكم ولأن الدعوى التأديبية تمر من عدة قنوات وهي الجهة الإدارية التي يعمل بها الموظف التي تسجل المخالفات المهنية ثم النيابة الإدارية التي تجمع الحجج والوثائق ضد الموظف وتقوم بمتابعته وكذا هيئة مفوضي الدولة التي تعد تقارير للمحاكمة وأخيرا المحكمة التي تفصل في مشروعية القرار الإداري من عدمه ولها أن تأمر بإيقاف تنفيذ القرارات التأديبي قبل صدور حكم نهائي بشأنه، ونلاحظ أن هذه الحالة هي الحالة الوحيدة التي لا يشترط فيها في البداية تقديم دعوى في الموضوع، فالمحكمة تقرر إيقاف القرار القاضي بحرمان الموظف من مرتبه إلى حين الفصل في موضوع القرار التأديبي بكونه شرعي أم لا، وغاية المشرع واقعة في هذا المجال وهي غاية نبيلة تقتضي حماية ومنع الضائقة المالية التي قد تلحق به إلى حين ثبوت صحة القرار التأديبي المتخذ في حقه شرط أن يكون المرتب هو مورد عيشه الوحيد، وبالإضافة إلى الشرطين الموضوعيين لقيام اختصاص القضاء الإداري للبث في طلب وقف التنفيذ واللذان سبق توضيحهما من قبل وهما عنصرا الاستعجال وجدية الطلب هناك شرط شكلي يعتمده القضاء في مصر وهو أن يرد طلب وقف التنفيذ فيغير الدعاوى التأديبية المذكورة في صحيفة دعوى الإلغاء، ومعنى ذلك أن يطلب الطاعن صراحة وقف التنفيذ في نفس المقال الذي يطلب فيه إلغاء القرار الإداري وإذا لا يعدو أن يكون طلب وقف التنفيذ، كما قالت المحكمة الإدارية العليا طعنا في القرار المطلوب إلغاؤه الذي قد تقوم الإدارة بتنفيذه مباشرة رغم وقوع الطعن ويكون الجمع بين طلب الوقف والإلغاء في دعوى واحدة قد يحقق في الوقت ذاته اتخاذ بدء ميعاد الطعن في القرار إلغاءا ووقفا ويمنع التفاوت في حساب هذا الميعاد بداية ونهاية ولأن المادة السالفة الذكر تنص على أنه “…ويجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها…”[98].
ونحن لا نتفق مع ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية العليا بمصر من وجوب اشتراط ورود طلب الإيقاف مع الطلب الأصلي في صحيفة دعوى واحدة، لأنه قد يظهر للطاعن ويغن له ألا يقدم طلب إيقاف التنفيذ إلا بعد تقديم الدعوى الأصلية بالطعن بالإلغاء استنادا إلى ما قد يطرأ من مستجدات بعد تقديم الطعن بالإلغاء، وهذه المستجدات قد تحدث أضرارا يصعب تفاديها مثل ذلك أن يصدر قرار بمنع تصدير منتوج فلاحي إلى الخارج فلا يجد الطاعن زبناء في السوق المحلي رغم أنه سبق له أن تقدم بدعوى الطعن بإلغاء القرار المذكور لعدم مشروعيته وخوفا من ضياع المنتوج الذي قد يكون قابلا للتلف بطبيعته فيرغب في تقديم طلب إيقاف التنفيذ ضد القرار في نفس دعوى الإلغاء أو في القرار لم يسحب من طرف جهة إدارية مصدرته ولم يلغ من طرف القضاء.
كما أن المادة 49 المتحدث عنها لم تستلزم اقتران طلب وقف التنفيذ مع الطلب الأصلي في مقال واحد للدعوى، وإنما أشارت إلى هذا الاقتران على سبيل الجواز، بحيث استعملت كلمة “يجوز”.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي في قانون 90/41 لم يشر إلى هذه الحالة ولم يستلزم ورود دعوى واحدة تجمع بين طلب الوقت والطعن بالإلغاء في آن واحد، وقد أحسن صنعا عند ابتعد عن هذا التعقيد المسطري، واشترط فقط على غرار التشريع الفرنسي، ضرورة تقديم دعوى الإلغاء قبل تقديم طلب وقف التنفيذ خلافا لما ذهب إليه القضاء المصري حكم المحكمة الإدارية العليا عدد 1612 وتاريخ 1983 المنشور بمجلة قضاء المحكمة الإدارية العليا، عدد 27[99].
ويلاحظ أن التشريع المصري قد خرج من نطاق طلب وقف التنفيذ حالة المتعلقة بالوضعية الإدارية للموظفين التي يكون فيها التظلم وجوبيا، لا يقبل فيها طلب وقف التنفيذ والعلة في ذلك تكمن في افتراض عدم قيام الاستعجال المبرر لوقف تنفيذ القرار وهي حسبما ورد في المذكرة الإيضاحية للقانون 165 لسنة 1955 قرينة قانونية قاطعة لا تقبل إثبات العكس ؟ على أنه يجوز للمحكمة بناء على طلب المتظلم أن تحكم مؤقتا باستمرار صرف مرتبه كله أو بعضه إذا كان القرار صادرا بالفصل ويسرد عنه ما قبضه، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن هذه الحالة غير موجودة بالتشريع المغربي بدعوى أن قانون 90/41 اعتبر أن اللجوء إلى التظلم الاستعطافي أو الرئاسي هو أمر جوازي بالنسبة للمقررات الصادرة عن السلطات الإدارية حسبما يستفاد من المادة 23 من قانون 90/41 الفقرة التي تنص على أنه يجوز للمعنيين بالأمر أن يقدموا تظلما من القرار إلى مصدره أو إلى رئيسه، وفي مصر يتعين القيام بالتظلم حتى يمكن للمحكمة أن تأمر بصرف مرتب الموظف على أن الحكم باستمرار صرف مرتب الموظف المتظلم المفصول جزءا أو كلا يستند على عنصر الاستعجال من جهة وعنصر الجدية الذي يعني أن يكون الطلب مستندا على سبب صحيح من القانون، إن قرارات التكليف مثلا في الوظيفة العمومية تتميز بنظام قانوني مستقل ولا تعتبر من القرارات التي تقبل طلب إلغائها قبل التظلم منها إداريا ومن الجائر طلب وقف لتنفيذها.
وفي مصر، يجوز للمحكمة الموضوع أمامها الطعن في الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري أن تأمر بوقف تنفيذها وأن الإشكال في صعوبة تنفيذ الحكم لا يوقف تنفيذه، وأن مجرد امتناع الإدارة عن التنفيذ لا يعتبر عقبة في التنفيذ وإنما يعد قرارا سلبيا بالامتناع عن تنفيذ الحكم. وهذا القرار السلبي قد يكون مجالا للطعن بالإلغاء وفق التنفيذ وفيما يلي نورد بعض الاجتهادات المهمة التي صدرت عن المحكمة الإدارية العليا بمصر والمرتبطة بالموضوع والتي نعتقد أن لها فائدة كبيرة في الميدان العلمي[100].
v الطعن رقم 620 لسنة 11ق جلسة 19-11-1966 :
طلب وقف التنفيذ ركناه قيام الاستعجال والجدية، فقيام الاستعجال بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها والثاني أي الجدية يفصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائما بحسب الظاهر على أسباب جدية، ولاشك في أن تنفيذ القرار المتضمن رفض الترخيص للمدعي في الاتجار في الأسلحة وما نطوي عليه من تقييد لحريته في العمل، فنتيجته عن إدارة محلات الأسلحة والدخائر التي يمكنها استنادا إلى أنه مصاب بمرض عقلي من شأنه أن تترتب عليه أضرار جسيمة يتعذر تداركها تتمثل ليس فحسب في حرمانه من مباشرة نشاطه التجاري بل فيما يترتب على هذا الحرمان المستند إلى وصمه بأنه مصاب بمرض عقلي من عدم الثقة فيه والقضاء على سمعته والائتمان وتأسيسا على ذلك فإن حكم المطعون فيه إذا أقضى بوقف تنفيذا لقرار المذكور بعد أن استظهر الركنين اللذين يقوم عليهما هذا الطلب يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه في هذا الشأن[101].
ب- وقف التنفيذ في النظام القضائي الفرنسي :
إن رقابة القاضي الإداري في دعوى الإلغاء أو دعوى تجاوز السلطة كما يطلق فيها في فرنسا Excés de pouvoirلازالت رقابة لاحقة كما الحال في المغرب لذلك فقد تردد القضاء الفرنسي في الاستجابة لطلبات وقف التنفيذ ضد المقررات الإدارية، بحيث إنه كان ولازال يتشدد في رقابة الشروط الشطلية والموضوعية المبرة ضد المقررات الإدارية وخاصة شرط الاستعجال[102] حيث لم يعتبر عنصر الاستعجال إلا في الحالة التي يخشى من ضياعها أو نتيجة يصعب تداركها فعلا، وهكذا لم يمنح مجلس الدولة الفرنسي أحكاما يوقف التنفيذ خلال 20 سنة وإلى غاية 1949 إلا في حالة معدودة تنحصر في وقف تنفيذ ترخيص بالبناء في مكان أثري، قرار بحل جمعية وقرار رفض قيد الطبيب في مستشفى معين إذا كان من شأن ذلك أن يسبب أضرارا لا يمكن تلافيها، وكأن رئيس الدولة في البداية هو المختص للبث في طلب إيقاف التنفيذ ثم انتقل الاختصاص بعد ذلك إلى مجلس الدولة وأصبحت المحاكم الإدارية فيما بعد هي المختصة وذلك في سنة 1950 وقد أنشأت المحاكم الإدارية الفرنسية في السنة الثامنة للثورة الفرنسية وهي ذات السنة التي أنشأ فيها مجلس الدولة وكانت تسمى مجالس المحافظات لأن كل محافظة كان لها مجلس يرأسه المحافظ، ويتولى السكريتير العام للمحافظة وظيفة موظف الحكومة أمامه، ومعه عدد من المستشارين، ولكنهم لم يتمتعوا بضمانات تكفل استقلالهم عن الإدارة، ولذلك لم يكن لمجالس الأقاليم أي اختصاص بوقف تنفيذ القرارات الإدارية في النطاق المخصص لها وإنما كان لمجلس الدولة الحق في ذلك فقط، وأنه منذ صدور المرسوم المذكور أصبحت المحاكم الإدارية وليس لها الحق في نطاق اختصاصها وفي حدود معينة أن تأمر بإيقاف تنفيذ القرارات الإدارية وليس لها أن تأمر بإيقاف تنفيذ القرارات المرتبطة بالنظام العام وإلا من العام والسكينة العامة ثم بعد ذلك سمع مرسوم 1980 للمحاكم بوقف تنفيذ القرارات المتصلة بالنظام العام طالما أنها تتعلق بدخول وإقامة أجانب على الأراضي الفرنسية إلى أن صدر قانون الإصلاح القضائي لسنة 1987 والذي أنشأت بمقتضاه محاكم إدارية استئنافية والتي تعتبر مرجعا استئنافيا فيما يتعلق بطلبات إيقاف تنفيذ القرارات الإدارية الفردية، أما القرارات اللائحية والتنظيمية بقيت من اختصاص مجلس الدولة مع انتظار صدور مراسيم تحدد نوعيات هذه القرارات. كما أن القضاء الفرنسي تردد في البداية في الاستجابة لطلبات وقف تنفيذ القرارات السلبية وعارضها معارضة شديدة على اعتبار أن القاضي الإداري يراعي دوما عدم التدخل في وظائف الإدارة لأنه لا يملك أن يصدر إليها أية أوامر للقيام بعمل أو الامتناع عن عمل لاسيما وأن قرار وقف التنفيذ في حد ذاته ينطوي على مقتضيات إيجابية وبقي الأمر على هاته الحالة بفرنسا إلى غاية سنة 1949 حيث صدر حكم بوقف تنفيذ قرار صادر عن مجلس الأطباء يرفض تقييد جراح بسجلاتها لأنه تعاقد مع عيادة طبية خيرية وتعانية بالمدينة بأجر أقل مما تقدر النقابة إذا رأى المجلس “مجلس الدولة” أن هذا القرار سيحدث اضطرابا لا يمكن التغلب عليه في عمل هذه العيادة الطبية، وهذا اجتهاد فريد من مجلس الدولة الفرنسي بحيث لم يتأثر به القضاء الفرنسي وبقي الأمر على تلك الحالة إلى سنة 1970 في حكم Amoros أموروس[103] والذي جاء فيه بأن وقف التنفيذ لا يمكن الحكم به إلا في مواجهة قرارات تنفيذية وبالتبعية فإنه لا يؤمر بوقف قرار إداري بالرفض إلا في حالة تسببه في إحداث تعدي في المركز القانوني أو الواقعي لصحاب الشأن وذلك لأنه بدون ذلك يعتبر التنفيذ أمرا موجها إلى الإدارة. وينتج عن ذلك إذا كان للمعنيين بالأمر مجرد مصلحة فقط وليست حقوق أو مراكز ثابتة لا تقبل طلبات وقف التنفيذ للقرارات السلبية لتلك المصلحة –وهو الاتجاه المعمول به حاليا في مصر وكذا ببلادنا.
ج- وقف التنفيذ في النظام القضائي المغربي :
إن المبدأ العام السائد بالمغرب، شأنه شأن باقي الدول وخاصة فرنسا ومصر، إن الطعن في المقررات الإدارية للتجاوز في استعمال السلطة لا يوقف تنفيذ هذه المقررات فالفصل 336 من ق.م.م ينص بأنه لا يوقف طلب النقض أمام المجلس الأعلى التنفيذ إلا في الحالات التالية للمجلس الأعلى وبناء على طلب صريح من رافع الدعوى أن يأمر بإيقاف تنفيذ المقررات الصادرة في القضايا الإدارية والتي وقع الطعن فيها بالإلغاء، والمبرر الأساسي لهذا المبدأ سبق توضيحه من قبل لكون القرارات الإدارية كما قلنا مبنية على الصحة والسلامة ويفترض فيها تحقيق المصلحة العامة إلى أن يثبت العكس، وقد نصت المادة 24 من قانون 90 /41 المحدث للمحاكم الإدارية بأنه لا يمكن للمحكمة أن تأمر بدعوى استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري رفع إليها طلب يهدف إلى إلغائه إذا التمس منها طالب الإلغاء ذلك صراحة. ومن خلال نص هذه المادة يتضح أن المحاكم الإدارية لا يمكن لها أن تستجيب لطلب وقف التنفيذ إلا بصفة استثنائية وهذا الإيقاف لا يكون إلا مؤقتا وعلاوة على ذلك هناك عادة ثلاثة شروط حتى يمكن أن يقبل توقيف تنفيذ القرارات الإدارية وهي الشروط المعتمدة في فرنسا.
يجب أن يتقدم به رافع الدعوى بصفة صريحة أثناء تقديم الطعن بالإلغاء أو مباشرة بعد تقديم الطعن بالإلغاء وهذا هو الشرط التشكلي الضروري ويتعين في هذا الصدد مراعاة الشروط الشكلية الأخرى المتعلقة برفع الدعوى من الناحية التقليدية كمراعاة مسألة الاختصاص والشروط الواجب توافرها في رافع الدعوى “الصفحة –المصلحة –والأهلية” وقابلية القرار للطعن وقفا وإلغاءا أن يكون وطنيا ونهائيا وله قوة تنفيذية ومؤثر في مراكز الأفراد الواقعية والقانونية، وإذا كانت المادة 22 من نفس القانون تنص على أن طلب الإلغاء بسبب تجاوز السلطة يعفى من أداء الرسم القضائي فهل يعني ذلك أنه من باب التبعية أن طلب وقف التنفيذ الذي هو متفرع عن الطلب الأصلي بالإلغاء معفى من أداء الرسم القضائي ؟ لم يحدد المشرع موقفه من هذه المسألة وفي نظرنا ومادام الطلب يخدم في شكل مستقل، فيتعين أداء الرسوم القضائية عليه.
كذلك أن المادة 23 من نفس القانون تنص على أن طلبات الإلغاء الموجهة ضد المقررات الصادرة عن السلطات الإدارية، وأن المشرع أشار إلى أن قرارات السلطات الإدارية بالمغرب، هي التي تقبل الطعن بالإلغاء ويفهم من ذلك أنها هي التي تقبل تبعا لذلك طلب وقف التنفيذ، ويثور التساؤل حول المقررات التي تصدر عن بعض الهيئات التي يكون لها دور استشاري، كالمجلس الأعلى للماء والمجلس المستشارين لحقوق الإنسان. الإجابة على هذا السؤال تختلف باختلاف المعيار المحدد لطبيعة المنازلة الإدارية ولاشك أن أعمال وقرارات الهيئات مستثناة من رقابة القضاء الإداري المغربي وقفا وإلغاءا إذا طبقنا المعيار العضوي، في حين إذا أخذنا بالمعيار الموضوعي فإن تلك القرارات الإدارية في الدعوة الزجرية المرفوعة لديه عندما يمثل المتهمون أمامه لا يحكم بإلغائه ومن باب الأولى لا يحق له أن يأمر بإيقاف تنفيذه لأنه غير مؤهل لذلك، والمشرع في قانون 90 /41 لم يمنحه هذه الصلاحية وإن كان له الحق في أن يمتنع عن تطبيق القرار الإداري الغير الشرعي وذلك كله تطبيقا لقاعدة الجنائي يوقف المدني ونظرا لأن الدعوى العمومية تمس أساسا الحريات الفردية والحقوق الشخصية للإنسان ويتعين البث فيها في أسرع وقت ممكن وقبل فحص شرعية القرار الإداري من طرف الجهة المختصة وذلك حماية لتلك الحريات والحقوق.
والقانون المغربي على غرار القانون الفرنسي يجعل طلب وقف التنفيذ ذا طابع استثنائي ولا يلجأ إليه إذا توافرت الشروط المذكورة آنفا، فالإضافة إلى الشرطين الموضوعيين وهما الاستعجال والمشروعية يجب توافر الشرط الشكلي وهو أن يكون القرار المطلوب إيقاف تنفيذه لم ينفذ بعد من جهة، وأن يكون القرار المطلوب إيقافه له قوة تنفيذية حتى وإن كان قرار سلبيا بمعنى أن من شأنه أن يؤثر في المراكز القانونية والواقعية للأفراد.
وللإشارة فالمشرع المغربي لم يعالج مسألة إيقاف تنفيذ القرارات المعدومة، كما أن القضاء المغربي في الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى لم يسبق لها أن حكمت بإيقاف عمل مادي صادر عن الإدارة ومخالف للقانون والذي لا يكون قرارا إداريا في حد ذاته لأن القرار الإداري له قوته الإلزامية وشروط صحته القانونية وإنما هو مجرد عمل مادي أو كما يقال مجرد عقبة تنطوي في حد ذاتها على حالة الاستعجال يتعين إزالتها والحكم بإيقافها لأن نظرية الاعتداء المادي لازالت محل نقاش هل هي من اختصاص القضاء المدني العادي أو القضاء الإداري ؟[104].
e المطلب الثالث : نهاية القرار الإداري
ينتهي العمل بالقرار الإداري وينتهي بالتالي تأثيره في المراكز القانونية التي صدرت يهدف التأثير فيها بإحدى الطريقتين : إما بسحب القرار الإداري وإما بإلغائه.
ويقصد بسحب القرار الإداري تجريده من قوته القانونية بالنسبة للماضي والمستقبل، فتزول كل آثاره ويعتبر كأن لم يكن. وفكرة السحب هذه مقصورة أساسا على القرارات الإدارية المعيبة ويقصد بإلغاء القرار الإداري تجريده من قوته القانونية بالنسبة للمستقبل فقط مع بقاء ما خلف من آثار في الماضي وفكرة الإلغاء بالنسبة إلى المستقبل هي فكرة عامة تتأثر بالنسبة إلى القرارات الإدارية جميعا.
وقد يتناول الإلغاء أو السحب القرار الإداري بأكمله كما قد يكون جزئيا يصيب بعضا من هذا القرار في الحالات التي يقبل فيها القرار التجزئة، وذلك كسحب أو إلغاء قرار التعيين بالنسبة لبعض من يشملهم القرار من الموظفين.
وفي ما يلي سنتناول نهاية القرارات الإدارية السليمة والمعيبة[105].
×الفرع الأول : نهاية القرار الإداري عن طريق الإلغاء
كما سبقت الإشارة أن الإلغاء هو جعل لمفعول القرار الإداري مستقبل ابتداء من تاريخ الإلغاء والاحتفاظ بما أنتجه من آثار قبل الإلغاء[106].
وفي هذا المجال يجب أن نميز بين القرارات التنظيمية والقرارات الفردية.

à أولا : القرارات التنظيمية
باعتبار أنه لا تنتج عنها اللامراكز قانونية عامة مجردة وموضوعية كان في حكم الممكن تعديلها أو إلغائها في أي وقت. فالمخاطبين بها ليس له أي احتجاج في مواجهة الإدارة بأي حق مكتسب، اللهم إذا تم تطبيق اللوائح عليه بصفة فردية وشخصية.
à ثانيا : القرارات الفردية
المستقر عليه فقها وقضاء ولاعتبارات استقرار المعاملات هو عدم جواز إلغاء القرارات الفردية حيث يترتب على الإلغاء مساس بالحقوق التي اكتسبها الأفراد من هذه القرارات بيد أنه إذا كان القرارات الفردية لا ترتب حقوقا مكتسبة فإنه يمكن تعديلها أو إلغائها بالنسبة للمستقبل[107].
إلا أن هذه القاعدة ليست مطلقة إذ يجوز للإدارة إلغاء هذه القرارات إذا وجدت المبررات القانونية أي في الحالات وبالإجراءات التي يحددها القانون فيجوز إلغاء الترخيص الممنوح لأحد الأفراد إذا زال شرط من الشروط الترخيص أو اقتضت المصلحة العامة ذلك طبقا لما يقتضي به القانون ويجوز فصل الموظف سواء بالطريق التأديبي أو بغير الطريق التأديبي، وهو يعتبر إلغاء لقرار تعيينه ويجوز في الحالات التي يسمح بها القانون.
ولا يعتبر الاجتهاد القضائي من القرارات المرتبة للحقوق ترخيصات الضبط الإداري، والقرارات ذات الصبغة الوقتية تشمل الطريق العام، والقرارات التي علقت آثارها على شرط، وكذلك القرارات الولائية والتي تخول الفرد مجرد رخصة أو تسامح كمنح الإجازة المرضية لأحد الموظفين في غير الحالات التي يوجب القانون فيها ذلك.
فهذه القرارات تستطيع الإدارة إنهاءها في أي وقت وبالتالي فهي لا ترتب أي حق مكتسب[108].

×الفرع الثاني : نهاية القرارات الإدارية عن طريق السحب
إذا كان إلغاء القرار الإداري يعني وقف نفاذ آثار القرار بالنسبة للمستقبل فقط، فإن سحب القرار الإداري يعني وقف نفاذ آثار القرار بالنسبة للماضي والمستقبل وهذا يترتب عليه زوال كل آثار القرار بآثار رجعي كذلك[109].
وسلطة الإدارة في سحب القرارات الإدارية تختلف إذا كان القرار سليما ومعيبا.
à أولا : القرارات الإدارية السليمة
القاعدة هي عدم جواز سحب القرارات الإدارية الفردية السليمة التي ولدت حقوقا مكتسبة للأفراد احتراما لمبدأ عدم رجعية القوانين الإدارية.
ويستثنى من ذلك جواز سحب القرارات الإدارية السليمة في حالة فصل الموظفين مراعاة لا اعتبارات إنسانية.
أما القرارات التنظيمية فإنها لا تنشئ حقا إلا إذا طبقت على الأفراد ولذلك فإذا لم تكن قد طبقت بعد فالوسيلة القانونية لإنهائها هو الإلغاء وليس السحب لكونها لم تنتج آثار في الماضي. ولكن يتعلق الأمر بعدم تطبيقها مستقبلا فإذا كانت قد طبقت فعلا فإنها وإن كانت لا تكسب أحدا مباشرة حقوقا مكتسبة لكونها عامة ومجردة إلا أن القرارات الفردية التي تصدر بالتطبيق لما تكسب الأفراد حقوقا ويترتب على سحب اللائحة اعتبار القرارات الفردية الصادرة تطبيقا لها في الماضي كأن لم تكن وهذا يعني المساس بالحقوق المكتسبة التي رتبتها القرارات الفردية وبالتالي يتمنع على الإدارة سحبها لمخالفة ذلك لمبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية وعدم المساس بالحقوق المكتسبة[110].
à ثانيا : القرارات الإدارية المعيبة
الأصل أنه يجوز للإدارة أن تسحب قرارها المعيب (غير مشروع)[111] حتى تسقط بأثر رجعي ويترتب على هذا السحب للقرار المعيب سواء كان تنظيما أم فرديا زواله بأثر رجعي يمتد إلى تاريخ صدوره. ويختلف الوضع في سحب القرارات الإدارية بين القرارات التي يترتب عليها حقوقا مكتسبة لأطرافها، والقرارات التي لا يترتب عليها حقوقا مكتسبة لأطرافها.
فالقرارات المعيبة التي يترتب عليها حقوقا مكتسبة لأطرافها يجوز سحبها سواء خلال المدة المحددة للسحب أم بعد انقضائها.
أما القرارات المعيبة التي يترتب عليها حقوقا مكتسبة لأصحابها فلا يجوز سحبها الإخلال المدة القانونية المحددة لإجراء السحب أي خلال الفترة التي يجوز فيها الطعن في القرار وهي في الأصل ستون يوما من تاريخ صدور القرار الإداري المخالف للقانون.
ويترتب على ذلك أن سحب القرار الإداري المعيب “المنشئ لحقوق مكتسبة” بعد انتهاء المدة المحددة للسحب من شأنه أبطال القرار الساحب ذاته[112].
وهناك حالات استثنائية يجوز فيها سحب القرارات الإدارية دون التقيد بالمدة وهي :
õ حالة انعدام القرار : وتتوفر هذه الحالة عندما تبلغ درجة جسامة العيب في القرار المعدم حدا يفقده صفته كقرار إداري، فيجوز سحبه في أي وقت.
õ حالة قيام القرار على غشت أو تدليس : إن الغش أو التدليس كما هو معلوم من عيوب الرضا فإذا ثبت قيام القرار الإداري على ذلك الغش أو التدليس من صاحب المصلحة فإنه يجوز سحب القرار دون التقيد بمدة جواز الطعن لأن الغش كقاعدة يفسد كل شيء، كما أن أحسن نية المستفيد من القرار هي التي تبرر عدم جواز المساس به بعد فوات مواعيد الطعن، أما إذا انتفى حسن النية لذا المستفيد من القرار فإنه يكون جدير بالحماية[113].
õ حالة القرار الذي لم يعلن أو ينشر : إن القرارات الإدارية لا تصبح سارية المفعول تجاه الأفراد الأمن تاريخ شهرها بالإعلان أو النشر حسب طبيعة تلك القرارات سواء أكانت فردية أم تنظيمية فإذا لم يتم الشهر عن تلك القرارات بأية طريقة من طرف الإعلان فإن مدة السحب لا تبدأ في مواجهة الإدارة إذ تستطيع سحبها في أية لحظة وفي مواجهة الأفراد الذين يستطيعون الطعن فيها قضائيا دون التقيد بميعاد غير أن الوضع لا ينطبق الأعلى القرارات الإدارية الصريحة فقط بدون غيرها. أما بالنسبة للقرارات الإدارية الضمنية التي تنشأ حسب القانون من سكوت الإدارة خلال هذه معينة فإنها تصبح نهائية بانتماء هذه المدة ولا يجوز للإدارة سحبها إبان مدة جواز الطعن.
õ حالة تأخر عدم مشروعية القرار الفردي المتخذ أساسا لغيرة : وتتحقق هذه الحالة عند صدور القرار المترتب عليه قد فات، ولا تظهر عدم مشروعية القرار الذي صدور مؤخرا إلا بعد فوات ميعاد الطعن فيه. في هذه الحالة يجوز سحب هذا القرار كما يجوز الطعن فيه قضائيا يصرف النظر عن فوات هذه الطعن. ومثال ذلك أن يصدر قرار بنقل الموظف من مكان إلى آخر بحجة المصلحة العامة. وبتعيين آخر في مكان ولم يكتشف سر نقل الموظف الأول الذي يكمن في تعيين الثاني على أساس رابطة النسب إلا بعد انتهاء مواعيد الطعن. فإن إبطال قرار نقل الموظف مثلا يسمح بسحب القرار الصادر بتعيين خلفه رغم انتهاء مواعيد الطعن في هذا القرار[114].
والأصل أن يتم سحب القرار (المعيب) من نفس الجهة التي قامت بإصداره وبنفس الأداة المستخدمة في الإصدار. وسواء كان اختصاص هذه بالسحب مقررا بنص قانوني أو بموجب قاعدة توازي الاختصاص، فالسلطة الرئاسية مثلا تملك سحب القرارات الإدارية الصادرة عن مرؤوسها لأنها تملك سلطة التعقيب على قرارات هؤلاء المرؤوسين بسحبها لعدم مشروعيتها.
ويترتب عن سحب القرار الإداري أن يعتبر كأن لم يكن من تاريخ صدوره وهو نفس آثار الإلغاء القضائي وبناء على أن السحب بأثر رجعي إزالة للقرار وكل ما يترتب عليه من آثار وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل صدور القرار المسحوب وزوال آثار السحب قد يكون جزئيا أو كليا إن كان القرار المراد سحبه قابل للتجزئة[115].
وخلاصة القول فإن سحب القرارات الإدارية المعيبة تعتبر أسلوبا قانونيا وضروريا بالنسبة لسير نشاط المرفق العالم ووسيلة لضمان مبدأ الشريعة، كما أن قيام الإدارة بسحب قراراتها اللاشرعية يعبر عن نضجها في مراقبة عملها مراقبة ذاتية بحيث تحكم نفسها بنفسها قبل أن تتبخر العدالة في شؤونها.
وبناء على ما سبق يتبين لنا أن القرارات الإدارية طالما استكملت مقوماتها الذاتية، وبمجرد صدورها عن السلطة الإدارية التي تملكها أصبحت نافذة وتعد سارية في جانب الإدارة من هذا التاريخ بيد أنها لا تسري في حق الأفراد الذين توجه إليها إلا إذا عملوا بها بإحدى وسائل العلم المقررة قانونا. والقرارات الإداري تسري على الماضي كقاعدة عامة ولا يجوز تأجيل آثار القرار الإداري إلا في حالات معينة. كما يمكن للإدارة أن تقوم بتنفيذ قراراتها الإدارية بطريقتين عن طريق التنفيذ المباشر دون حاجة للالتجاء إلى القضاء وهذا يرجع إلى أن الإدارة تتمتع بقرينة سلامة القرارات والدعوى المدينة الذي تعتبر ضمانة لاحترام حقوق وحريات الأفراد. فبعدما يستنفد القرار الإداري كل مضمونه وتحدد المدة المعينة لتطبيقه فبعد انقضاء هذه المدة ينتهي القرار. وتقوم الإدارة بنفسها يسحبه وإلغاء وتختلف عملية السحب عن عملية الإلغاء بحسب طبيعة القرار الإداري. فالقرارات التنظيمية التي لا تنشئ حقوقا مكتسبة ولا تخلق اللامركز قانونية يجوز إلغاءها. في حين أن القرارات الفردية لا يجوز إلغاءها لأنه يترتب على إلغاء مساس بالحقوق المكتسبة للأفراد. أما إذا كانت لا ترتب حقوقا مكتسبة فلأنه يمكن تعديلها أو إلغاءها أما عملية السحب فإنها تختلف إذا كان القرار سليما أو معيبا، فالمقررات الإدارية، السليمة لا يجوز سحبها إذا ولدت حقوقا مكتسبة للأفراد. أما بشأن القرارات الإدارية المعيبة يجوز سحبها حتى ولو تعلقت بها حقوق مكتسبة للأفراد.

لقد خول المشرع الإدارة سلطات وامتيازات تمكنها من أداء مهامها ووظائفها، فأدى ذلك إلى سمو المركز القانوني للإدارة في مواجهة الأفراد. بحيث تملك الوسائل والإمكانات التي تحملها على تنفيذ قراراتها طواعية أو إكراها. تحت ذريعة تحقيق المصلحة العامة. وبذلك يعتبر القرار الإداري غير مشروع إذا ما استهدف هدفا آخر غير المصلحة العامة، وهو ما يعرف لدى القضاء الإداري بالانحراف في استعمال السلطة.
لذلك يخشى أن تتجاوز الإدارة حدودها وتتشطط في استعمال امتيازاتها لغير صالح الأفراد، وترفض الالتزام بالقيود التي فرضها المشرع عليها. فينكب نشاطها الذي يراد به الأفراد إلى نشاط تعسفي يهدر حقوقهم وحرياتهم، فرجل الإدارة قد ينحرف عن المصلحة العامة، والتزام الصمت من ذوي المصلحة عن هذا الخرق غير الأخلاقي يمده بنفس جديد يشجعه على التمادي في غيه واعوجاجه.
ومن ثم كان لزاما على المواطن ومن أجل مصلحته أن لا يلتزم الصمت عن أي قرار إداري غير مشروع والذي أحدث له ضررا ومس مركزه القانوني، وبالمقابل ليس له سوى وسيلة التظلم ملتمسا الإدارة –بصفته صاحب المصلحة داخل الآجال القانونية- التراجع عن قراراتها، التوجه إلى القضاء طالبا إنصافه عن طريق إلغاء القرار المعيب أو التوجه إلى ديوان المظالم الذي عهد له بمراقبة تصرفات الإدارة وحث المحاكم على تنفيذ القرارات الحائزة على قوة الشيء المقضى به.

وللوقوف على أنواع الرقابة التي تخضع لها القرارات الإدارية وكذا أسسها، ارتأينا أن نقسم هذا الفصل إلى ثلاث مباحث :

المبحث الأول : مبدأ مشروعية القرارات الإدارية
المبحث الثاني : دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة
المبحث الثالث : ديوان المظالم –لبنة جديدة في دولة الحق والقانون والمؤسسات-

b المبحث الأول : مبدأ مشروعية القرارات الإدارية
يعد مبدأ المشروعية مدخلا ضروريا لدراسة الرقابة على أعمال الإدارة، تلك الرقابة التي تستهدف مشروعية أعمال الإدارة والتحقق من عدم مخالفتها للقانون. وأساس الرقابة على أعمال الإدارة هو إخضاع هذه الأعمال كما هو الشأن بالنسبة لتصرفات الأفراد وجميع الهيئات الحكومية للقانون، وهو ما يعبر عنه بمبدأ المشروعية أو مبدأ سيادة القانون.
e المطلب الأول : مفهوم مبدأ الشرعية
يقصد بهذا المبدأ أن تكون جميع تصرفات الإدارة في حدود القانون، ويؤخذ القانون –في المجال- بمدلوله العام أي جميع القواعد الملزمة في الدولة سواء أكانت مكتوبة أو غير مكتوبة، وأيا كان مصدرها مع مراعاة التدرج في قوتها وأيا كان نوع تصرف الإدارة[116] سواء كان عملا ماديا أو قرارا إداريا.
ويكاد الفقه يجمع أن مبدأ المشروعية يعني “سيادة حكم القانون” وهو في الحقيقة تعريف مناسب تماما لمبدأ المشروعية[117].
e المطلب الثاني : طرق الرقابة على مشروعية قرارات الإدارة
تتفرع طرق رقابة المشروعية –في المجال الإداري- إلى نوعين : رقابة إدارية ورقابة قضائية.
Ãأولا : الرقابة الإدارية
تتميز الرقابة الإدارية بأنها رقابة ذاتية تقوم بها الإدارية على أعمالها بغية تصحيح الأخطاء التي وقعت فيها ومراجعتها إما بتعديلها أو إلغائها أو سحبها، وتتم هذه الرقابة من طرف الإدارة إما من تلقاء نفسها أو بناء على تظلمات من يعنيهم الأمر سواء قدمت إلى مصدر القرار أو رئيس هذا الأخير أو إلى لجنة خاصة[118].
وتنقسم هذه الرقابة إلى أنواع مختلفة :
1) التظلم الاستعطافي :
ويتم بتقديم طلب صاحب المصلحة إلى مصدر القرار يبصره فيه بالخطأ الذي ارتكبه، فيطلب منه تبعا لذلك إعادة النظر في قراره وذلك إما بسحبه أو إلغائه أو تعديله أو استبداله بغيره[119].
2) التظلم الرئاسي :
ويتم بتظلم صاحب المصلحة إلى رئيس مصدر القرار من القرار الذي أصدره في حقه والذي يتسم بعدم المشروعية، فيتولى رئيس مصدر القرار بعد ذلك البحث في هذا التظلم، فإذا تبين صحة ما يطلبه المتضرر فإنه يقضي بسحب القرار أو إلغائه أو تعديله مما يجعله مطابقا للقانون، وقد يتولى الرئيس الأعلى هذه المسألة من تلقاء نفسه دون تظلم من صاحب المصلحة بمقتضى ما يملكه من سلطة رئاسية على مصدر القرار[120].
3) التظلم أمام لجنة إدارية خاصة :
يكون هذا التظلم أمام لجنة إدارية وهذه اللجنة نجدها في مختلف الأنظمة ذات المناهج الإدارية المتقدمة وهي ما يطلق عليها في التشريع المغربي اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء، إذ تتشكل من ممثلين عن الموظف وممثلين عن الإدارة، يحق للموظف المتضرر من القرار الإداري غير السليم أن يتظلم منه أمام هذه اللجنة. فإذا تبينت صحة تظلم الموظف فإنها تصدر رأيا معللا في الموضوع وتوجهه إلى الرئيس مصدر القرار، إلا أن رأيها استشاري غير ملزم[121].
4) التظلم الوصائي :
يكون أمام الجهة التي تملك الوصاية على جهة معينة، فإذا حصل أن قامت هيئات عمومية تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي في تسيير شؤونها بعمل أو امتنعت عن القيام بعمل، خالفت بذلك الهدف الذي قامت من أجل تحقيقه أو خالفت به النصوص التشريعية أو التنظيمية المتعلقة بالنشاط الذي تقوم به فإنه يحق للمتضررين من ذلك، التظلم أمام السلطة التي تملك الوصاية على تلك الهيئة.
واللجوء إلى التظلم الإداري في التشريع المغربي سواء أكان تظلما استعطافيا أو رئاسيا قبل سلوك طريق التظلم القضائي، وهو مسألة اختيارية غير ملزمة- الفصل 360، الفقرة 2 من قانون المسطرة المدنية[122]، بحيث يجوز للمعني بالأمر أن يلجأ إلى الطعن القضائي مباشرة دون أن يسلك طريق التظلم الإداري، أما إذا اختار طريق التظلم الإداري قبل التظلم القضائي وجب عليه احترام المسطرة الواجبة الإتباع.
وقد عمل المشروع المغربي خيرا في جعل التظلم الإداري –سواء الاستعطافي منه أو الرئاسي- اختياريا (باستثناء بعض الحالات التي تقضي فيها بعض النصوص التنظيمية بالالتزام بمسطرة خصوصية للطعن الإداري)، على خلاف ما يجري عليه الوضع قبل تعديل قانون المسطرة المدنية بظهير 1974، لأن وجود الرقابة القضائية كأساس إلى جانب الرقابة الإدارية قد لا تفي بالغرض المرجو من ضمان مبدأ المشروعية وذلك لرغبتها أو لمصلحة معينة في التحرر من قيود تلك المشروعية، أو لرفض جهة معينة الاعتراف بالخطأ لسبب ما. وقد تجاريها الجهة الأعلى منها في ذلك. ولنفرض أننا استبعدنا هذه المواقف فإن المنطق نفسه يرفض ترك النزاع بين الإدارة والأفراد بيد الإدارة لتفصل فيه بنفسها. فهذا الأمر لا يبث بل يوحي بالثقة في نفوس الأفراد، لأن من مقتضيات العدالة ألا يكون الحكم خصما في النزاع لذلك فإن الرقابة القضائية لها أهميتها في هذا المجال[123].
Ãثانيا : الرقابة القضائية
تخضع الأعمال الإدارية في هذه الحالة لمراقبة القضاء الذي يتولى رعاية حقوق الأفراد ضد تعسف الإدارة وذلك عن طريق إلغاء قراراتها أو التعويض عنها أوهما معا إذا كانت تلك القرارات غير مشروعية ومست حقا من حقوق الأفراد أو نالت بحرية من حرياتهم. وتختلف هذه الرقابة من دولة لأخرى حسب تاريخها وتقاليدها وظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث اعتنقت بعض الدول نظام القضاء الموحد وأخضعت أقضية الإدارة إلى اختصاص المحاكم العادية، بينما سلكت دول أخرى وعلى رأسها فرنسا نظام القضاء المزوج وأسندت المنازعات الإدارية لاختصاص المحاكم الإدارية، إلا أن الرقابة القضائية تختلف عن الرقابة الإدارية في نقط كثيرة وإن كانت تسير معها جنبا إلى جنب وأهم نقط الاختلاف ما يلي :
õ الرقابة الفضائية من اختصاص القضاء وهي تخضع للمبادئ المقررة في هذا الصدد، وأهمها أن القضاء لا يملك حق النظر في قضايا، إلا بعد رفعها من صاحب المصلحة. إذ لا يملك أن ينظر فيها من تلقاء نفسه كما هو الشأن بالنسبة للرقابة الإدارية التي يحق لها أن تمارس رقابتها من تلقاء نفسها أو بناء على تظلم المعني بالأمر.
õ الرقابة القضائية تقتصر على جانب المشروعية في العمل الإداري ولا تمتد تلك الرقابة إلى جانب الملائمة، أما الرقابة الإدارية فإنها تشمل الجانبين، جانب المشروعية وجانب الملائمة.
õ الرقابة القضائية في إطار مبدأ المشروعية لا تملك إلا الحكم بسلامة التصرف المشكو منه أو بعدم سلامته والتعويض عنه، ولا تملك حق إنزال سلطاتها في المسألة المعروضة عليها، بخلاف الوضع في الرقابة الإدارية إذ لها الحق في تعديل التصرف المعيب أو الغير الملائم واستبداله بغيره.
õ إذا ما رفعت دعوى على الإدارة أمام القضاء فإن القضاء يكون ملزما بالنظر فيها وإلا ارتكب جريمة إنكار العدالة بخلاف الوضع بالنسبة للإدارة فهي غير ملزمة بالرد على التظلمات التي رفعها إليها الأفراد، ما لم يقر المشرع غير ذلك.
õ الرقابة القضائية ملزمة بإتباع الإجراءات القانونية بالنظر في الدعوى إلا إذا كان الحكم باطلا لعيب الشكل والإجراءات، أما الرقابة الإدارية فإجراءاتها بسيطة، إذ المتظلم معفى من الرسوم ومن وجوب توكيل محام عنه… إلخ.
õ تنتهي الرقابة القضائية بالنظر في القضية إذا أصبح الحكم بشأنها حائزا على حجية الشيء المقضي فيه، إذ لا يجوز المعني بالأمر إثارة النزاع من جديد مرة أخرى. أما في الرقابة الإدارية فيجوز للمعني بالأمر أن يثير المسألة من جديد ويحق للإدارة أن تعيد النظر فيه ويمكن رفع دعوى بشأنها أمام القضاء[124].
e المطلب الثالث : موازنة مبدأ المشروعية
مما لاشك فيه أن خضوع الإدارة لمبدأ المشروعية في جميع الحالات والظروف يعتبر المثل الأعلى لحماية حقوق وحريات الأفراد ويشكل صرحا متينا لدولة الحق والقانون.
غير أن تقييد الإدارة بذلك المبدأ بكيفية صارمة ومطلقة، من شأنه أن يوصم عمل الإدارة بطابع الآلية والروتين ويسلب معها روح الابتكار والخلق والإبداع ولذلك كان طبيعيا أن يتم تطبيق مبدأ المشروعية بشيء من المرونة، خاصة وأن مقتضيات التطور الحديث قد استلزمت تدخلها في كثير من مجالات الحياة التي كانت من قبل محظورة عليها والتي تلتمس فيها الإدارة منفذا للخروج على ذلك القيد وعذرا يبيح لها موازنة المصلحة العامة مع مصلحة الأفراد.
ونتيجة لهذه المقتضيات ابتدع الفقه والقضاء بل والمشرع أيضا بعض النظريات التي تسمح للإدارة بالخروج على مبدأ المشروعية في حالات محددة تعتبر بعضا منها عوامل موازنة لهذا المبدأ نظرية الظروف الاستثنائية ونظرية السلطة التقديرية بينما تعتبر إحداها استثناءا حقيقيا له نظرية أعمال السيادة[125].
Ãأولا : نظرية الظروف الاستثنائية
إذا كانت الأوضاع العادية للدولة تقتضي التزام الإدارة بالقانون وفقا لمفهوم مبدأ المشروعية، إلا أنه قد يصعب تطبيقه في أوقات الأزمات أو الاضطرابات التي لا تخلو من حياة أي دولة، إذ قد يترتب على الإصرار على تطبيقه استفحال الأزمة بما قد يؤدي إلى انهيار الدولة ذاتها أو على الأقل تعريض سلامتها لمخاطر شديدة تعصف بوجودها وبكل ما حافظ عليه مبدأ المشروعية ذاته.
ولذلك تقررت للإدارة في الحالة الاستثنائية سلطة واسعة لتتخذ من التدابير السريعة الحاسمة ما تواجه به الموقف الخطير الذي يهدد الأمن والطمأنينة بقدر ما تطلق حريتها في تقرير ما يجب اتخاذه من إجراءات وتدابير لصون الأمن والنظام ولا يتطلب من الإدارة في مثل هذه الظروف الخطيرة ما يتطلب منها. في الظروف العادية من الحيطة والدقة والحذر، حتى لا يفلت الزمام من يدها (حكم المحكمة الإدارية العليا بمصر في القضية رقم 1517 المجموعة القضائية –السنة الثانية- ص : 886)[126].
ونظرا لخطورة السلطات الاستثنائية التي تتمتع بها الإدارة في الظروف الاستثنائية فإن الإدارة قد تتوارى وراء الظرف الاستثنائي للإساءة إلى حريات الأفراد وحقوقهم بما يتجاوز القدر اللازم، ومن أجله تفادي ذلك عمل القضاء الفرنسي وعلى رأسه مجلس الدولة على موازنة السلطات الاستثنائية للإدارة بضمانات مقابلة للأفراد عن طريق تطبيق المبدأ المشهور : “الضرورة تقدر بقدرها” فلا سلطات استثنائية إلا للضرورة وبالقدر اللازم فقط[127].

Ãثانيا : نظرية السلطة التقديرية
تمثل السلطة التقديرية للإدارة الجانب المقابل للسلطة المقيدة، فإذا كان المشرع يحدد في حالات معينة مجالات تدخل الإدارة ووسائل هذا التدخل ووقته ويحدد الشروط والإجراءات الخاصة بهذا التدخل، فإن المشرع قد يعمل أيضا في حالات أخرى إلى تمتيع الإدارة بقدر من الحرية في التصرف تستعمله حسب الظروف والملابسات، وبعبارة أخرى فإن الإدارة في حالة السلطة التقديرية هي التي تقرر وحدها ما إذا كان الإجراء المزمع اتخاذه ملائما أو غير ملائم. وفي هذا المعنى يقول أحد الفقهاء أنه : “إذا تمتعت الإدارة بسلطة تقديرية فإن معنى ذلك أن القانون قد منحها الحرية في مباشرة نشاطها دون أن يضع شروطا وقيود تكبل من حرية تقدير ملائمة أعمالها”[128].
Ãثالثا : نظرية أعمال السيادة
تعتبر أعمال السيادة من أخطر امتيازات الإدارة على الإطلاق، لأن الإقرار لعمل من أعمال الإدارة بأنه من أعمال السيادة أو الحكومة، يقتضي إخراجه من رقابة القضاء ويفضي عليه حصانة مطلقة تبعده عن دعوى الإلغاء ودعوى التعويض.
وفي مجال تحصين هذه الأعمال من الرقابة أنكر البعض وجودها منادين في ذلك بأن النظام الديمقراطي يحتم ضرورة خضوع جميع أعمال السلطة التنفيذية لرقابة القضاء وإمكان الطعن فيها عن طريق دعوى الإلغاء ودعوى التعويض، والقيام بإلغاءها والتعويض عنها لعدم مشروعيتها، واكتفى البعض بالتلطيف من حدة النظرية منادين في ذلك بحل وسط بإمكان التعويض عن أعمال السيادة دون إمكان الطعن فيها بالإلغاء[129].
إلا أنه بالرغم من ذلك فإن نظرية أعمال السيادة لها الوجود الفعلي، وهي تجد مبرراتها في اعتبارات عملية، أساسها الضرورات السياسية والعملية اللازمة لتحقيق الدفاع عن الدولة وسلامة الشعب، ويقضي الحرص على سلامة الدولة والشعب عدم إلزام السلطة التنفيذية بالإفصاح عن أساليبها وأسرارها[130].
b المبحث الثاني : دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة
تعتبر دعوى الإلغاء من أهم الدعاوي الإدارية وأكثرها قيمة من الناحية النظرية والعملية، إذ من جهة تمثل ضمانة لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم وتعمل على توجيه القائمين على الإدارة العامة للإلتزام حدود القانون وعدم الخروج عليه من جهة أخرى.
وعليه سنتناول في هذا المبحث : تعريف دعوى الإلغاء، شروط قبولها، أسباب عدم المشروعية، وأخيرا إجراءت رفعها وكيفية تنفيذ الأحكام.
e المطلب الأول : ماهية دعوى الإلغاء
دعوى الإلغاء هي الدعوى التي يتقدم بها صاحبها إلى القاضي طالبا إلغاء قرار إداري غير مشروع بحجة عدم مشروعيته، ويتضح من هذا التعريف أن دعوى الإلغاء، طعن قضائي ضد قرار إداري لعيب في أحد أركانه، وذلك بهدف إلغائه وإزالة أثاره، ويتعين على صاحب الشأن أن يستند في دعواه إلى أسباب قانونية تسوغ دعواه، وذلك بخلاف التظلم الإداري الذي يشترط فيه الاستناد إلى هذه الأسباب. وتعتبر دعوى الإلغاء الوسيلة الأساسية لتحقيق طمأنينة الأفراد بعلاقتهم بالإدارة. إذ تتأكد بها سيادة القانون وعلو سلطانه على أعمالها بترتيب هذه الدعوى بطلان قرارات الإدارة جراء مخالفتهما القانون[131].
وإذا كانت دعوى الإلغاء تعرف في فرنسا بدعوى تجاوز السلطة، فإنه في المغرب وقبله صدور قانون المحاكم الإدارية كانت هذه الدعوى تعرف بدعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة، أما بعد صدور هذا القانون فإن المشرع استعاض عن الشطط بمصطلح التجاوز فأصبحت دعوى الإلغاء تعرف بمقتضى المادة 8 من القانون المذكور بدعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة.
ولئن كانت دعوى الإلغاء وقبل إحداث المحاكم الإدارية، تدخل ضمن الاختصاصات المحددة للمجلس الأعلى بمقتضى ظهير 27 شتنبر 1957 والتي كان ينظر فيها ابتدائيا وانتهائيا، فإن هذه الدعوى قد أصبحت من اختصاص المحاكم الإدارية بدرجة أولى ويمكن استئناف أحكامها أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى مع مراعاة الاستثناء الوارد في المادة 9 من قانون المحاكم الإدارية 90-41 والذي يظل بمقتضاها المجلس الأعلى مختص بالبث ابتدائيا وانتهائيا في طلبات الإلغاء بسبب تجاوز السلطة المتعلقة بالمقررات التنظيمية والفردية الصادر عن الوزير الأول وكذلك قرارات السلطات الإدارية التي يتعدى نطاق تنفيذها دائرة الاختصاص المحلي لمحكمة إدارية[132].
وتتميز دعوى الإلغاء بجملة من الخصائص، تجعل منها دعوى مستقلة ومتميزة عن غيرها من الدعاوي القضائية الأخرى، ولقد حاول الفقهاء رد هذه الخصائص إلى الأمور التالية :
õ دعوى الإلغاء دعوى القانون العام بمعنى أنها توجه إلى أي قرار إداري دون حاجة إلى نص صريح في القانون بذلك.
õ دعوى الإلغاء دعوى المشروعية بحيث يتجه أغلب الفقه إلى اعتبارها دعوى المشروعية وعليه فإن رقابة القاضي تقتصر على فحص المشروعية ولا تبعدها إلى مراقبة الملائمة.
õ دعوى الإلغاء من الدعاوي العينية (الموضوعية) لأنها لا ترمي إلى حماية حق شخصي، بل ترمي إلى الدفاع عن سيادة القانون وذلك بإلغاء كل قرار صادر عن الإدارة يخالف القانون.

e المطلب الثاني : شروط قبول دعوى الإلغاء
استقر الفقه والقضاء الإداريان الفرنسية والمغربي على أنه يجب لقبول دعوى الإلغاء شكلا توافر شروط تتعلق بطبيعة العمل موضع الطعن، صفة الطعن، ميعاد الطعن، وأخيرا شروط الدعوى الموازية، وفيما يلي سنلقي الضوء على هذه الشروط.
Ãأولا : الشروط المتعلقة بطبيعة القرار المطعون فيه :
يشترط في العمل الإداري موضع الطعن بالإلغاء أن يكون القرار إداريا نهائيا صادرا عن سلطة وطنية، ومؤثرا في المركز القانوني للطاعن. ويترتب على ذلك عدم جواز الطعن بالإلغاء في الأعمال التي لا تتوفر فيها هذه الشروط.
1) أن يكون القرار الإداري نهائيا :
بمعنى أن يكون قابلا للتنفيذ بغير حاجة إلى تصديق أو أي إجراء لاحق أي أن يكون تام الأركان.
وتبعا لذلك لا يجوز الطعن بالإلغاء في الأعمال التحضيرية للقرار الذي لم يكتمل بعد ومن هذا القبيل ما ذهب إليه المحكمة الإدارية بالرباط في حكمها بتاريخ 15/06/1995[133]، من أن قرار المجلس التأديبي لا يعتبر مقرا ذا صبغة تنفيذية بل لا يعدو أن يكون مجرد رأي استشاري يدخل ضمن الأعمال التحضيرية للقرار الإداري الذي يمكن اتخاذه من طرف السلطة الإدارية التي لها حق التسمية والتأديب وتبعا لذلك قضت المحكمة بعدم قبول الطعن. وأيضا لا يجوز الطعن في الإجراءات اللاحقة للقرار كإجراءات التنفيذ لأنها لا تضيف جديدا. وهذا ما أكدته محكمة الرباط الإدارية في حكمها الصادر بتاريخ 9/2/1995 بقولها أن القرارات التي يتخذها وزير العدل تنفي أعمال المجلس الأعلى للقضاء، بعد مصادفة الجناب الشريف عليها، تعد إجراءات تنفيذية محضة، ولا تعتبر قرارات إدارة وبالتالي فإن المحكمة الإدارية غير مختصة في النظر فيها[134].
2) أن يكون القرار الإداري مؤثرا في مركز الطاعن :
فلكي تقبل دعوى الإلغاء ضد القرار الإداري، ينبغي أن يكون هذا القرار قد أثر في المركز القانوني للطاعن، أي ينبغي أن يكون قد ألحق ضررا بمصالح الطاعن المادية أو الأدبية، وتطبيقا لذلك قررت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أنه يكون مشوبا بعيب الشطط في استعمال السلطة ويحلق ضررا بصاحب المصلحة، فالقرار الصادر عن الكاتب العام للحكومة بواسطة رسالة عامل يأمر جراحا للأسنان أن يغلق تطبيقا لنظام المهنة إحدى عياداته قبل تاريخ معين[135].
واستنادا على ما سبق فإن القرارات الإدارية التي لا تولد أثار قانونية لا يمكن الطعن فيها بالإلغاء، وتستبعد بالتالي من نطاق دعوى الإلغاء.
3) أن يكون القرار صادرا عن سلطة إدارية وطنية :
إن القرارات التي تقبل الطعن بالإلغاء هي القرارات الصادرة عن سلطات إدارية وطنية وليس من سلطة أو هيئة أجنبية، ويعتبر القرار الإداري صادرا عن سلطة إدارية وطنية إذا كان مثلا متخذا باسم وسيادة المملكة المغربية. فتصدق بذلك صفة القرارات الإدارية حتى على تلك المتخذة من طرف ممثلي السلطات المغربية ولو كانوا خارج تراب المملكة في السفارات والقنصليات المغربية[136].
Ãثانيا : الشروط الخاصة برافع الدعوى
نص المشرع في الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 صراحة على أنه “لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة والأهلية والمصلحة للإثبات حقوقه” بل إنه جعل توفرها من النظام العام، إذ أضاف قائلا “يثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة…” فالأهلية هنا لا تختلف عن مثيرتها في الدعاوي الأخرى[137].
أما شرط الصفة فقد قضى بإدماجه في شرط المصلحة[138] في دعوى الإلغاء إذ يتوفر في صاحب المصلحة الذي يجب توفره في رافع دعوى الإلغاء. لأنه من المبادئ القانونية المسلمة قاعدة تقوم حيث “لا مصلحة فلا دعوى” بمعنى أنه لا يقبل طلب الإلغاء إلا من المتضرر من القرار الإداري المطعون فيه أو الذي ألحق به ضررا حقيقيا.
والمصلحة المطلوب توفرها في هذا المجال هي أن يكون الطاعن في حالة قانونية خاصة إزاء القرار المطعون فيه، والتي من شأنها أن تجعل القرار بالنسبة له مؤثرا مباشرا ومعنى ذلك أن تكون المصلحة محتملة كما يشترط في تلك المصلحة استمرارها لتاريخ صدور الحكم وإلا قضى القضاء بعدم قبول الدعوى[139] وقد أدى القضاء الإداري على أن سكوت المجلس البلدي عن الجواب على طلب رخصة التجزئة العقارية لا يعتبر رفضا وإنما يعتبر قبولا ضمنيا طبقا لمقتضيات الفصل الثامن من ظهير 7/6/1996 بشأن التجزئات العقارية والمجموعة الحضرية لدى فليست للطاعنين أية مصلحة في إقامة الدعوة الرامية إلى إلغاء القرار الضمني القاضي بالمرافقة على إقامة التجزئة[140].
Ãثالثا : الشروط المتعلقة بالمواعد والطعون
1) آجال رفع دعوى الإلغاء وبدء سريانها :
حدد المشرع المغربي ميعاد رفع دعوى الإلغاء، في أجل معين، وهو ستون يوما. بحيث نصت المادة 360 من قانون المسطرة المدنية على أنه “…يجب أن تقدم طلبات إلغاء مقررات السلطات الإدارية للشطط في استعمال السلطة داخل أجل ستين يوما من يوم نشر أو تبليغ المقرر المطعون فيه”.
كما تنص المادة 23 من قانون المحاكم الإدارية على أنه “يجب أن تقدم طلبات إلغاء القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة داخل أجل ستين يوما يبتدئ من نشر أو تبليغ القرار المطلوب إلغاؤه إلى المعني بالأمر”.
وهكذا يبتدأ ميعاد الستون يوما، من تاريخ نشر أو تبليغ القرار الإداري في حالة عدم التظلم الإداري. أما إذا تم تقديم هذا الطعن. فإن الستين يوما، يبتدئ من يوم صدور القرار الإداري الصريح أو الضمني المتعلق بالجواب على الطعن الإداري[141].
والحكمة من تحديد هذا الميعاد القصير نسبيا هي ما تقتضيه المصلحة العامة من استقرار الأوضاع الإدارية من جهة وتأمين الحقوق المكتسبة من جهة أخرى.
2) وقف سريان ميعاد الطعن بالإلغاء :
يوقف سريان ميعاد الطعن بالإلغاء عند حدوث طارئ معين، ويواصل سريان ذلك الميعاد بزوال الظرف الطارئ، وذلك من نفس النقطة التي توقف عندها وصف أهم أسباب وقت سريان أجل دعوى الإلغاء، القوة القاهرة كحدوث فيضانات أو زلازل أو الإصابة بمرض شديد.
3) انقطاع سريان الميعاد :
ينقطع سريان ميعاد الطعن بالإلغاء بكل إجراء إداري أو قضائي يلجأ إليه المتضرر ويترتب عليه إنهاء المدة السابقة وفتح ميعاد جديد يبدأ من تاريخ انتهاء بسبب القطع، ويشمل أسباب القطع حالات مختلفة منها ما نص عليها القانون صراحة، ومنها ما يرجع اجتهاد القضاء[142]، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال الأسباب التالية :
¯ تقديم طلب المساعدة القضائية من شأنه أن يقطع سريان ميعاد رفع دعوى الإلغاء[143] حتى يصدر القرار في طلب المساعدة سواء بالقبول أو الرفض.
¯ التظلم الإداري كذلك من شأنه أن يقطع سريان ميعاد رفع الدعوى سواء كان رئاسيا أو استعطافيا[144].
¯ رفع الدعوى إلى جهة قضائية غير مختصة ينقطع به أجل طلب إلغاء القرار الإداري بسبب تجاوز السلطة[145].
¯ تأخر اكتشاف المصلحة لتعذر إدراك هدف الإدارة في هذه الحالة لا يحاسب المتضرر على فوات ميعاد الطعن في ذلك القرار المعيب.
Ãرابعا : شرط انعدام الدعوى الموازية
ينص الفصل 360 في فقرته الأخيرة من قانون المسطرة المدنية على أنه لا يقبل طلب الإلغاء الموجه ضد المقررات الإدارية إذا كان في استطاعة من يعينهم الأمر المطالبة بحقوقهم لدى المحاكم العادية.
كما نصت على نفس المقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية لسنة 1993.
بمعنى أنه إذا كان أمام المدعي طريق قضائي آخر يمكنه من الوصول إلى نفس النتائج التي ترتبها دعوى الإلغاء، فإنه ينبغي عليه أن يسلك ذلك الطريق القضائي، وإلا كان مصير طعنه الرفض وهذا ما أكدته الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في قرارها عدد 26/11/1989[146]. بقولها “وحيث أنه بإمكان الطاعن المطالبة بحقوقه أمام المحاكم الابتدائية وهي ذات قضاء شامل للأمر الذي يجعل دعوى الإلغاء غير مقبولة لوجود دعوى موازية”[147].

المطلب الثالث : أسباب عدم المشروعية أو أوجه الإلغاء

بعد أن يقوم القاضي للممارسة رقابته على شروط قبول دعوى الإلغاء في المنازعات المطروحة أمامه ويستبعد بذلك كل دفع بعدم القبول فإنه يمد رقابته بعد ذلك على موضوع النزاع وهو المتعلق بمدى مشروعيته القرار المطعون فيه والقاضي يستند في هذه المراقبة على ما يدعيه الطاعن من أوجه عدم المشروعية التي قد تلحق القرار الإداري، ومن ثم فإن الأساس الذي تقوم عليه مرحلة الفصل في موضوع الدعوى هو دراسة أوجه الطعن وهي العيوب التي تصيب القرار الإداري وتؤدي إلى إلغائه.
ويكون القرار غير مشروع إذا كان مشوبا بعيب من العيوب أو بسبب من الأسباب التي تأدي إلى بطلانه، وعيوب القرار الإداري عددية ومتنوعة، وللقضاء الإداري الفرنسي دور كبير في تحديد معالمها، ويعتبر عيب الاختصاص من أولى العيوب التي ظهرت في اجتهادات القضاء الإداري الفرنسي، حيث أن مجلس الدولة لا يقبل الطعن بسبب تجاوز السلطة إلا بالنسبة للقرارات التي تصدر من جهة غير مختصة بإصدارها، ثم ظهر بعد ذلك عيب الشكل والإجراءات، فأخذ مجلس الدولة يلغي القرارات الإدارية التي تكون تجاهلت الإدارة في إصدارها الشكل الذي يقرره القانون أو الإجراءات التي يرسمها، ثم ظهر بعد ذلك عيب الانحراف في استعمال السلطة (الغاية)، ثم أخذ بعد ذلك بعيب مخالفة القانون (المحل) وحديثا أخذ مجلس الدولة يعيب السبب كسبب من أسباب إلغاء القرارات الإدارية.
وقد حل المشرع المغربي، قبل صدور قانون المحاكم الإدارية، حدو المشرع الفرنسي إذ أن قانون المجلس الأعلى لم يحدد أسباب الإلغاء، وترك للقاضي سلطة تحديد معنى الشطط وحالاته، وقد تولت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى هذه المهمة مستهدية في ذلك ما جرى عليه القضاء الإداري الفرنسي.
إلا أنه مع صدور قانون المحاكم الإدارية فإن المشرع قد تولى بنفسه تحديد الحالات التي تعتبر تجاوزا للسلطة والتي تؤدي إلى إلغاء القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية، حيث نصت المادة 20 من القانون المذكور على أن كل قرار إداري صدر عن جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو الانحراف في السلطة أو للانعدام التعليل أو لمخالفة القانون يشكل تجاوزا في استعمال السلطة ويحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية المختصة[148].
وما يجدر ذكره، أن عيوب القرار الإداري التي تجعله قابلا للإلغاء تتداخل مع بعضها البعض في كثير من الأحيان، ولكن طبيعة الدراسة العلمية تتطلب أن نفصل بينها لكي نبحث في كل واحد منها على حدة، كما أنه من ناحية أخرى، يكفي أن يصاب القرار الإداري بأحد هذه العيوب لكي يطعن فيه بالإلغاء وحتى يقضي بإلغائه
وتقوم الجهات القضائية المختصة بمراقبة مشروعية القرار الإداري في مختلف عناصره، غير أن رقابته في اختصاص الإدارة المقيد تكون أوسع إطارا من رقابته في حالة السلطة التقديرية، إذ في حالة الاختصاص المقيد يبحث القاضي في توفر كافة الوقائع والشروط التي استلزمها القانون كسبب لصدور القرار على نحو معين، فإذا وجد أن القرار لم يصدر كما فرضه القانون حكم ببطلانه لعيب في محله أو لمخالفته القانون بالمعنى الضيق أما في حالة السلطة التقديرية التي لا يحدد فيها القانون محل القرار فإن هذا المحل لا يكون باطلا إلا إذا كان في حد ذاته مخالفا للقانون ويقتصر دور القاضي الإداري على مراقبة سبب القرار من حيث ثبوت مبررات اتخاذه وصحة تكييفها من الناحية القانونية، وذلك لتحقق من مشروعية محل القرار.
والأصل أن الإدارة هي التي تقدر مدى فائدة أو ملائمة ما تتخذه من قرارات في نطاق ما هو مشروع، غير أن القضاء الإداري في رقابته على محل القرار الإداري تجاوز ذلك إلى مراقبة استخدام الإدارة لسلطتها التقديرية فيما يسمى برقابة الملائمة ولكن على أساس أن تكون تلك الملائمة على شروط المشروعية كما سنبين ذلك من خلال الآتي بيانه.
لكن ما هو الجانب المقيد والجانب التقديري من تلك السلطات حتى يتبين حدود رقابة القضاء على الجانبين ؟
إذا استعرضنا هذه العناصر سنجد عنصر الاختصاص وعنصر الشكل وعنصر الغاية لا محل للسلطة التقديرية فيها، لأن الإدارة تكون ملزمة باحترام قواعد الاختصاص وبإتباع القواعد الشكلية وتحقيق الغاية التي حددها المشرع بحيث يكون عملها معدوما إذا ما خرجت عن القواعد السابقة[149] فلا مجال لتقدير في هذه العناصر. أما العنصران الآخران وهما عيب السبب وعيب المحل فإنهما يضمان في جانب منهما اختصاصا مقيدا وفي جانب آخر اختصاص تقدرينا. وبما أن الجانب المقيد يخضع لرقابة القضاء بناء على مبدأ المشروعية وأن الجانب التقديري لا يخضع لمراقبة القضاء –كما سنرى ذلك- فالمطلوب هو بيان الكيفية التي اعتمدها القضاء في التمييز بين الجانبين وقصر رقابته على جانب المشروعية دون جانب الملائمة في القرارات الإدارية[150].
إن تحليل هذه الأمور يتطلب تقسيم الموضوع إلى نقطتين : النقطة الأولى سنتناول فيها حدود رقابة القضاء على المجال المقيد في القرارات الإدارية أما النقطة الثانية فسنتطرق فيها إلى رقابة القضاء على مجالين التقديري والمقيد في القرارات الإدارية.
Ãأولا : رقابة القضاء على المجال المقيد في القرارات الإدارية
إن عناصر القرار الإداري التي تحتوي فقط على الجانب لسلطات الإدارة هي عنصر الاختصاص، عنصر الشكل وعنصر الغاية : بحيث إذا اعترى تلك العناصر أي عيب من العيوب فإن القرار يصبح مشوبا بعيب عدم المشروعية وبالتالي يكون قابلا للإلغاء.
1) رقابة القضاء على عيب الاختصاص في القرار الإداري :
أ‌- تعريف عيب عدم الاختصاص وأهميته :
يقصد بعيب الاختصاص خرق القواعد التي تحدد الجهة المختصة بالقيام بتصرفات معينة، بمعنى أنه إذا قام المشرع بتحديد اختصاص ما أوكل به إلى فرد معين أو إلى هيئة بذاتها دون مشاركة، أو أوكل به إلى عدة موظفين أو هيئات ليمارسه كل على حدة، أو اشترط لممارسة اختصاص ما مشاركة عدة أفراد أو هيئات وتعاونها معا، بحيث لا يكون العمل الإداري صحيحا إلا بموافقتهم جميعا وإذ صدر العمل أو التصرف الإداري من جهة مخالفة للجهة التي حددها المشرع للقيام بذلك العمل فإن تصرفها يعتبر صادرا ممن لا يملك هذا الحق لأنها غير مختصة به ويكون قابلا للإلغاء لتوفر عيب الاختصاص[151].
وتظهر أهمية عدم الاختصاص في كونه أول عيب اعتمده القضاء لقبول دعوى الإلغاء، ولعل من ضروب التكرار والقول بأنه العيب الذي انبثق منه بقية العيوب، وبأن دعوى الإلغاء في بدايتها حملت اسم دعوى عدم الإختصاص وتجاوز حد السلطة[152].
وعيب الاختصاص لا يزال العيب الوحيد الذي يتعلق بالنظام العام، بحيث يستطيع القاضي أن يتصدى له من تلقاء نفسه حتى ولو لم يثره طالب الإلغاء، كما أن الإدارة لا تستطيع أن تتفق مع الأفراد على مخالفة قواعد الاختصاص، لأن هذه القواعد مقررة للصالحالعام وليس لمصلحة الإدارة، كما أن العيب الذي يلحق القرارات الإدارية بعدم الاختصاص يجعلها قرارات باطلة لا يمكنتصحيحها بإجراء لاحق من حق السلطة المختصة[153].
ب‌- صور عيب الاختصاص :
لعيب الاختصاص صورتان بينهما الفقه والقضاء الإداريان، فالصورة الأولى هي التي يكون فيها عيب الاختصاص جسيما، ويسمى اغتصاب السلطة، أما الصورة الثانية فيكون فيها عيب الاختصاص بسيطا.
Ÿ عيب الاختصاص الجسيم : ويتحقق عندما يصدر القرار من فرد عادي ليس له الصفة القانونية أو من موظف لا صلة له بإصدار القرارات الإدارية، أو من سلطة إدارية في موضع من الاختصاص إحدى السلطتين التشريعية أو القضائية ويترتب على ذلك أن القرار لا يعتبر باطلا فحسب، بل معدوما وفاقدا لصفته الإدارية، فلا يتحصن بفوات الأوان – ميعاد الطعن – وتدخل إجراءات تنفيذه ضمن أعمال التعدي، وهذا ما جاء في قرار المجلس الأعلى رقم 84/60 بتاريخ 21 ماي 1960[154] إذا اعتبر قرار رجل السلطة المحلية (قائد) بإغلاق محل التنازع حول استغلاله بين الشركاء فيه قرارا يتجاهل مبدأ الفصل بين اختصاص السلطتين القضائية والإدارية ويشكل اعتداء على اختصاص السلطة القضائية.
Ÿ عيب الاختصاص البسيط : ويكون عندما يتعلق الأمر بمخالفة قواعد الاختصاص في نطاق الوظيفة الإدارية، وهذا العيب أقل خطورة وأكثر حدوثا من العيب السابق ذكره وينقسم إلى أنواع مختلفة، فهناك عدم الاختصاص الموضوعي وعدم الاختصاص الزمني ثم عدم الاختصاص المكاني.
2) رقابة القضاء على عيب الشكل في القرار الإداري :
أ- ماهية عيب الشكل :
الأصل في القرارات الإدارية، أن رجل الإدارة المختصة غير مقيد بشكل معين في إصدارها، وعلى ذلك فقد يرد القرار كتابة كما يرد شفاهة، غير أن المشرع قد يفرض على الإدارة إفراغ إرادتها في شكل معين ووفق إجراءات معينة، فإذا خالفت الإدارة هذا الشكل أو تلك الإجراءات يكون قرارها غير مشروع ومعيبا بعيب الشكل. وعلى هذا الأساس يمكن تعريف عيب الشكل بأنه عدم احترام القواعد الإجرائية أو الشكلية المحددة لإصدار القرارات الإدارية المنصوص عليها في القوانين المختلفة[155].
وقواعد الشكل والإجراءات في إصدار القرارات الإدارية على جانب كبير من الأهمية، فهي مقررة لحماية المصلحة العامة ومصلحة الأفراد على السواء، وذلك بتجنيب الإدارة المواطن الزلل والتسرع، ومنحها فرصة معقولة للتروي ودراسة وجهات النظر المختلفة، فليست قواعد الشكل والإجراءات أمور ثانوية واختيارية إن شاءت أهملتها، ولكنها ضمانات أصلية للأفراد ضد تعسف الإدارة فهي تمثل ضمانات حقيقية توازن سلطات الإدارة[156].

ب- حالات عيب الشكل :
يقصد بهذه الحالات العيوب الجوهرية التي تصيب المظهر الخارجي للقرار وتؤدي إلى بطلانه.
ü الحالة الأولى : الكتابة
الأصل أن يأخذ القرار الإداري شكلا كتابيا، إلا أنها لا تعتبر شكلية جوهرية يترتب البطلان على الإخلال بها. وقد اعترف القضاء والفقه بوجود القرار الشفوي بشرط إثباته وبشرط أن يكون المشرع اشترط أن يكون القرار مكتوبا صراحة أو ضمنا.
وفي هذا الاتجاه استقر قرار المجلس الأعلى، على قبول الطعن بالإلغاء في القرارات الشفوية، فقد ألغت الغرفة الإدارية في قضية لحسن بن عبد المالك السوسي القرار الشفوي الذي صدر عن قائد مدينة الخميسات القاضي بإغلاق مقهى لعيب عدم الاختصاص والانحراف في استعمال السلطة[157].
ü الحالة الثانية : التوقيع على القرار وذكر تاريخ إصداره :
بحيث يجب أن يذيل القرار بتوقيع مصدره أو مصدرية إن تعددوا، وغياب التوقيع ينفي وجود القرار، وكذلك إغفال ذكر تاريخ إصداره لا يعد في حد ذاته عيب شكل جوهري يترتب عليه البطلان، بل يعد من الأخطاء المادية أو بتعبير آخر قد يعد عيب شكل ثانوي، ولا يؤثر أيضا على صحة القرار كون التاريخ الموضوع عليه لاحق للتوقيع، وهذا بطبيعة الحال لا يقلل من أهمية التاريخ لأنه في حالة الطعن في مشروعية القرار تلك المشروعية وفقا للنظام القانوني السائد وقت اتخاذ القرار علاوة على أن القانون قد يفرض اتخاذ القرار في فترة زمنية معينة، كما قد يدعي صاحب الشأن بأن يبين التوقيع وكتابة التاريخ جد ظرف قانوني أو واقعي يستدعي تغيير القرار.

ü الحالة الثالثة : الخطأ في الإحالة أو إغفالها :
بحيث إذا تم إغفال النص التشريعي الذي يستند عليه القرار أو الخطأ فيه يعتبر من الأخطاء المادية أو بتعبير آخر من عيوب الشكل الثانوية التي لا تؤثر على مشروعية القرار، يستثني من هذه الحالة كون النص التشريعي هو السبب الذي أوحى بالقرار[158].
ü الحالة الرابعة : تسبيب القرار الإداري :
يقصد به الإفصاح عن الأسباب القانونية والواقعية التي يجد فيها القرار أساسه القانوني وعلته السببية، والتسبيب وفق هذا التعريف يتعلق بركن الشكل وهو أحد عناصر الجانب الشكلي للقرار وهذا ما يميزه عن السبب الذي يمثل في حد ذاته ركنا مستقلا من أركان القرار الإداري.
والأصل أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قراراتها أي تضمينها الأسباب التي قامت عليها، غير أن القانون قد يشترط ذلك في بعض القرارات وفي هذه الحالة يجب على الإدارة ذكر سبب القرار، وإذا أغفلت هذا الإجراء كان قرارها معيبا من حيث الشكل، مثل ما جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل 66 من قانون الوظيفة العمومية لسنة 1958 « ويقع الإنذار والتوبيخ لمقرر تصدره السلطة التي لها حق التأديب…».
3) رقابة القضاء على عيب الغاية في القرار الإداري – عيب الانحراف في استعمال السلطة :
أ- ماهية عيب الانحراف بالسلطة :
يعرف عيب الانحراف بالسلطة الذي يطلق عليه أيضا عيب تحويل السلطة، بأن تصدر الجهة الإدارية قرارا إداريا داخلا في اختصاصها إلا أنها تصدره لتحقيق هدف مخالف للهدف الذي رسمه القانون وهو دائما المصلحة العامة[159] وهو عيب موضوعي يتعلق بالبواعث والأهداف غير المشروعة، يصبح على عاتق القضاء مهمة اكتشافها، وهي مهمة صعبة ودقيقة.
والقاعدة هنا أن الإدارة ليست حرة في اختيار الغاية من تصرفاتها بل عليها أن تلتزم بالغرض الذي حدده المشرع لكل اختصاص يضعه بين يدي الإدارة فإذا خالفت الغاية المحددة حتى ولو كانت حسنة النية أصبحت قراراتها مشوبة بعدم المشروعية لاتسامها بعيب التجاوز في استعمال السلطة[160].
ب- حالات الانحراف في استعمال السلطة :
يظهر عيب الانحراف في السلطة في صورتين وذلك تبعا لأهداف السلطة ذاتها، فإذا كان الهدف من تصرف السلطة عاما غير محدد بهدف قانوني معين، فإن عيب الانحراف بالسلطة يتحقق كلما استهدف رجل الإدارة من إصدار لقراره هدفا مخالفا للهدف العام المتمثل بالمصلحة العامة.
أما إذا كان الهدف خاصا فإن عيب الانحراف بالسلطة يظهر عندما تكون نية رجل الإدارة قد اتجهت نحو تحقيق أهداف غير الهدف المحدد قانونا، حتى ولو كانت تلك الأهداف تدخل ضمن إطار المصلحة العامة.
إلا أن الفقه والقضاء يضيفان إلى الصورتين السابقتين ذكرهما صورة ثالثة يطلق عليها الانحراف في الإجراءات، وعليه يمكن رد الانحراف بالسلطة إلى ثلاث صور هي كالتالي :
ü الحالة الأولى : حالة الانحراف بالسلطة لغاية تجانب المصلحة العامة :
تعتبر هذه الحالة من أسوأ صور الانحراف بالسلطة، لأنها تتضمن تنكر رجل الإدارة للالتزام المفروض عليه بتحقيق المصلحة العامة في كل تصرفاته، وذلك بتوجيه إرادته المعتمدة نحو تحقيق أغراض بعيدة عن الصالح العام[161]. وهذه الأغراض متنوعة نكتفي بذكر أهمها :
Ÿ اتخاذ القرار بغرض تحقيق مصلحة شخصية لمصدر القرار أو لغيره، بحيث لا يجوز لأعضاء السلطة الإدارية استخدام سلطاتهم القانونية لتحقيق أغراض شخصية لهم أو لغيرهم، وعلى ذلك يمنع عليهم إصدار قرارات يكون الغرض منها تحقيق منافع ذاتية لهم أو لغيرهم من معارفهم أو لأقاربهم ومتى تم ذلك يكون القرار مشوبا بعيب الانحراف.
Ÿ اتخاذ القرار بدافع حزبي أو سياسي كإصدار الإدارة قرار لأغراض فئوية لا تمت بصلة إلى المصلحة العامة، وعليه يعتبر الصادر نتيجة لبواعث سياسية أو حزبية قرارا غير مشروع لمخالفته الغرض العام الذي يحكم جميع القرارات الإدارية.
Ÿ اتخاذ القرار لأغراض أجنبية عن مصلحة المرفق العام، كأن يستعمل رجل الإدارة سلطته بقصد الانتقام والتنكيل أو التشفي… إلخ.
ü الحالة الثانية : الانحراف بالسلطة لأغراض تخالف تخصص الأهداف :
كأن يلتجأ المشرع في بعض الأحيان إلى ربط قرار إداري، بمصلحة عامة معينة وهو ما يطلق عليه بقاعدة تخصيص الأهداف، إلا أن الإدارة قد تلجأ إلى تحقيق مصلحة عامة أخرى غير التي خصصها أو حددها المشرع فنكون بذلك أمام انحراف عن المصلحة العامة المحددة من قبل المشرع[162].
ü الحالة الثالثة : الانحراف بالمسطرة أو الإجراءات :
ويتم ذلك عندما تقوم الإدارة بإصدار قرار إداري لتحقيق غاية معينة غير الغاية المعلن عنها، لأن الغاية الحقيقية تتطلب إتباع إجراءات معقدة وطويلة لذلك اضطرت أن تعلن عن غاية أخرى لا تتطلب إلا إجراءات بسيطة، كأن يصدر قرار تأديبي من الإدارة يقضي بمعاقبة المعني بالأمر على جريمة الزيادة غير مشروعة في الأسعار في حين أنه ارتكب جريمة الغش في السلع الغذائية، ولعل السبب هو تجنب الإجراءات المعقدة شيئا ما والمقررة في جرائم الغش[163].

à ثانيا : مدى رقابة القضاء على المجالين : التقديري والمقيد في القرارات الإدارية
إن عنصري القرار الإداري اللذان يظهر فيهما جانب من السلطة التقديرية وجانب آخر من السلطة المقيدة للإدارة هما السبب والمحل.
1- مدى رقابة القضاء على عيب السبب في القرار الإداري :
يقصد بركن السبب – كما رأينا – توفر الحالة القانونية أو الواقعية التي تخول السلطة الإدارية المختصة إمكانية التدخل لإصدار قرار إداري بشأنه، وبالمفهوم العكسي فإن انعدام الأسباب معناه عدم توفر الحالات القانونية أو الواقعية، فلا يكون لتلك السلطة الحق في إمكانية التدخل لإصدار قرارها الإداري، فإن تدخلت بالرغم من انتقاء تلك الحالات القانونية أو الواقعية، وأصدرت قرارها الإداري فإن هذا القرار يعتبر غير مشروع لاتسامه بعيب السبب وبالتالي يكون قابلا للإلغاء[164]. وقد يثار بسبب عنصر السبب نزاع أمام القضاء يتخذ إحدى الصور الثلاثة الآتية :
أ- التحقق من صحة الوقائع التي تدخلت الإدارة على أساسها :
يفحص قاضي الإلغاء الوقائع التي تكون سببا للقرار الإداري ليرى مدى صحتها من الناحية المادية فإذا اختلفت الواقعة أو الوقائع التي استند عليها القرار عند اتخاذه أصبح ذلك القرار مشوبا بعيب السبب وجديرا بالإلغاء[165].
ب- الرقابة على تكييف الوقائع قانونا :
ومفادها قيام القاضي الإداري بعد تأكده من وجود الواقعة – أو الوقائع – المتخذة سببا للقرار بفحص صحة الوصف القانوني المعطى لتلك الوقائع[166] والمقصود بالتكييف القانوني، حسب تعريف أحد الفقهاء هو« إدراج حالة واقعية معينة داخل إطار فكرة قانونية[167] » أي إجراء مقابلة بين الحالة الواقعية ونصوص القانون.
ويتضح مما سبق أن عملية التكييف القانوني ما هي إلا عملية قانونية صرفة فهي تهدف إلى استخلاص العناصر والصفات القانونية الأساسية المشتركة التي تتضمنها كل من القاعدة والواقعة لمطابقتها مع بعضها بقصد إعطاء الوصف القانوني السليم للواقعة المادية[168].
والقضاء يمارس رقابته على هذا التكييف القانوني الذي تجريه الإدارة على الوقائع فإنما أن يؤدي إلى تأييد القرار كما يمكنه رفض طلب الإلغاء.
ج- الرقابة على أهمية وخطورة السبب :
إذا كان القاضي في دعوى الإلغاء يقوم بمراقبة الوجود المادي ومدى صحة التكييف القانوني، فإننا نتساءل عن مدى إمكانية تجاوز القاضي لهذين النطاقين ويتعداهما إلى بحث أهمية وخطورة السبب ؟
إن الجواب على هذا التساؤل يؤدي إلى طرح تساؤل آخر يرتبط به ويلازمه وهو إذا كان القاضي في دعوى الإلغاء، قاضي مشروعية أم قاضي ملائمة ؟
لقد ذهب القضاء الإداري في بداية نشأته مدعما برأي الفقه، إلا أن القاضي في دعوى الإلغاء، هو قاضي مشروعية فحسب، وليس قاضي ملائمة، ومن تم وجب عليه الامتناع عن مراجعة الإدارة في تقديرها لأهمية وخطورة السبب.
فبالنسبة لموقف الغرفة الإدارية، فإن اجتهادها قد انتهى إلى تعيين حدود رقابتها في وقت مبكر، فإذا كان القاضي يراقب أسباب القرار من ناحية الوجود المادي ويراقب صحة تكييفها القانوني، فإن دور القاضي يجب أن يقف عند هذا الحد، فلا يتعداها إلى مراقبة أهمية خطورة السبب، فرقابته تقتصر على فحص مشروعية القرار الإداري ولا تمتد إلى ملاءمتها[169].
2- مدى رقابة القضاء على عيب المحل في القرار الإداري :
يطلق عيب مخالفة القانون على معنيين : معنى عام لو أخذ به على إطلاقه لشمل جميع أوجه الإلغاء، ومعنى ضيق ينطبق على مخالفة القواعد القانونية وهذا المعنى الأخير هو المقصود في هذا الإطار، ويعد هذا العيب من أهم أوجه الإلغاء لأنه يتعلق بمحل أو موضع القرار الإداري، فالرقابة هنا تكون رقابة موضوعية[170].
ويتخذ عيب مخالفة القانون صورا مختلفة، فهو قد يأتي في صورة الخطأ المباشر في تطبيق القانون، كأن تقوم السلطة التأديبية بتطبيق عقوبة غير منصوص عليها في لائحة العقوبات، كما يعد من قبيل عيب مخالفة القانون قيام الإدارة بتطبيق عقوبتين تأديبيتين على جريمة تأديبية واحدة خلافا للمبدأ العام الذي يقضي بعدم معاقبة الشخص عن الفعل الواحد مرتين. وقد يتخذ هذا العيب صورة الخطأ في تفسير القاعدة القانونية أو تأويلها أو تطبيقها. كما يعتبر من صور عيب مخالفة القانون عدم احترام المبادئ العامة للقانون، كمبدأ حق الدفاع ومبدأ قوة الشيء المقضى به ومبدأ الحرية[171]… إلخ.

المطلب الرابع : الإجراءات المسطرية في دعوى الإلغاء وأثرها على القرارات الإدارية

تخضع دعوى الإلغاء لمجموعة من الإجراءات المسطرية سواء فيما يتعلق بكيفية رفعها إلى الجهة المختصة، أو بإجراءات وسير الدعوى أو بشكليات إصدار الحكم، ثم إن تقديم دعوى الإلغاء للشطط في استعمال السلطة لا يرتب وفق تنفيذ القرار المطعون فيه إلا إذا قضى بذلك القضاء الإداري بناء على طلب المعني بالأمر وإذا اقتضت الضرورة ذلك، كما أن القضاء الإداري عند نظره في الدعوى لا يملك إلا الحكم بإلغاء القرار الإداري كلية، بل قد يكتفي بالإلغاء الجزئي للمقرر المطعون فيه، ويكون على الإدارة أن تنفذ الحكم بحسن نية.
Ãأولا : الإجراءات المسطرية في دعوى الإلغاء
1- إجراءات رفع دعوى الإلغاء :
هناك مجموعة من الإجراءات مخصصة لرفع دعوى الإلغاء بسبب تجاوز حد السلطة يتعين على ذوي المصلحة احترامها والعمل بها ومخالفتها تسبب في إبطال الدعوى، لأنها تكتسي طابع النظام العام[172].
ولقد حدد الفصل الثاني من الباب الأول قانون 90/41 الإجراءات المتبعة أمام المحاكم الإدارية، وهكذا ترفع الدعوى إلى المحكمة الإدارية بمقال مكتوب يوقعه محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب، ويجب أن يتضمن مقال الدعوى فضلا عن البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم ومحل إقامتهم، موضوع الطلب، والوسائل والحيثيات المستند إليها[173]. وإذا كان المدعي عليه أكثر من واحد وجب المدعى أن يرافق مقال الدعوى بعدد من نسخ المستندات يتناسب مع عدد المدعى عليهم.
كما يجب أن يرافق المقال بنسخة من القرار إذا ما كان القرار ايجابيا أما إذا كان القرار سلبيا، افترض في صدوره لوقوف الإدارة موقفا سلبيا خلال مدة معينة، وفي هذه الحالة يكفي تقديم ما يثبت إرسال التظلم الذي بدأت به المدة.
ويمكن للطاعن أن يحتفظ في المقال بالحق في تقديم مذكرة تفصيلية شرط أن يقدمها خلال ثلاثين يوما الموالية لتاريخ رفع الدعوى، وإذا لم يقدمها خلال هذا الأجل اعتبر متخليا عنها، ويقدم مقال الدعوى إلى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية المختصة، ويسلم كاتب الضبط هذه المحكمة وصلا بإيداع مقال يتكون من نسخة منه يوضع عليها خاتم كاتب الضبط وتاريخ الإيداع مع بيان الوثائق المرفقة[174].
2- إجراءات تحضير وسير الدعوى :
بمجرد تقييد دعوى الإلغاء لدى كتابة الضبط، يعين الرئيس على صعيد الفرقة الإدارية، مستشارا مقررا يكلف بإجراء المسطرة، وعلى صعيد المحكمة الإدارية قاض مقرر يعهد له بتحضير الدعوى عن طريق القيام بالتحقيق فيها وتأمين إيداع الوثائق للخصوم وتحديد مهلة لهم لتقديم دفوعاتهم[175]. ويبلغ القاضي المقرر المقال والمذكرة التفصيلية إن وجدت إلى المعني بالأمر بواسطة كتابة الضبط الذين عليهم أن يجيبوا خلال 30 يوما الموالية لتاريخ التبليغ. وإذا انقطعت الآجال المحددة للمذكرات الجوابية، ورأي القاضي المقرر أن القضية جاهزة، أصدر أمره بتخليه عن الملف وحدد تاريخا للجلسة التي سوف تدرج فيها القضية ويبلغ هذا الأمر للأطراف طبقا للفصول 37-38-355 من قانون المسطرة المدنية.
وبعد أن تصبح القضية جائزة للحكم، يتولى الفصل فيها هيئة قضائية تتكون من ثلاثة قضاة يساعدهم كاتب الضبط، وذلك في جلسة علنية، ما لم يتبين للمحكمة عقد جلسة سرية محافظة على النظام والآداب العامة أو على حرمة الأسرة سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد أطراف الدعوى. وتنعقد الجلسة برئاسة رئيس المحكمة أو قاضي يتم تعينه من لدن الجمعية العمومية السنوية لقضاة المحاكم الإدارية، ويجب أن يحضر المفوض الملكي جميع الجلسات ويعرض آراءه الكتابية والشفهية بكامل الاستقلالية، ويقدم خلال ثلاثين يوما تحليله واستنتاجاته الموضوعية، ويحق للأطراف الإطلاع على ذلك، دون أن يشارك المفوض الملكي في إصدار الحكم.
وبعد استنفاذ جميع الإجراءات وتلقي وجهات النظر والدفوعات تصبح القضية جاهزة لإصدار الحكم فيها[176].
3- إجراءات إصدار الحكم :
عادة تكون جلسات الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى والمحاكم الإدارية علنية، عدا إذا ظهر هناك استثناء، فيمكن أن يقرر عقدها سرية، وتصدر الأحكام باسم جلالة الملك. ويجب أن يتضمن الحكم أو القرار لزاما البيانات الآتية :
¯ الأسماء العائلية والشخصية للأطراف وصفاتهم ومهنهم وموطنهم الحقيقي.
¯ المذكرات المدلي بها وكذا الوسائل المثارة ومستنتجات الأطراف.
¯ أسماء القضاة الذين أصدروا القرار مع التنصيص على اسم المستشار المقرر.
¯ اسم ممثلي النيابة العامة.
¯ تلاوة التقرير والاستماع إلى النيابة العامة – المفوض الملكي –
¯ أسماء المدافعين الذين آزروا الأطراف.
ويوقع على أصل القرار كل من الرئيس والمستشار المقرر وكاتب الضبط وهذا الحكم بعد تسليمه أو تبليغه للأطراف المعنية، يشار فيه إلى آجال الاستئناف الذي لا يتعدى ثلاثون يوما، وبانقضاء هذا الأجل يصبح للحكم قوة الشيء المقضي به وينفذ[177].
à ثانيا : أثر دعوى الإلغاء على القرار الإداري
1 – لا يترتب على تقديم دعوى الإلغاء وقف تنفيذ القرار الإداري :
لا يترتب على تقديم دعوى الإلغاء وقف تنفيذ القرار الإداري الصادر من الجهة الإدارية المختصة، ولكن يجوز للقضاء الإداري بناء على طلب صريح من واقع الدعوى أن يأمر بذلك الوقف بصفة استثنائية إذا كانت الضرورة تتطلب ذلك، وإلا قضى برفض الطلب كما هو الشأن في قضية إدريس العلوي التي قضى فيها المجلس الأعلى بما يلي : … حيث أن الطالب المذكور أعلاه يلتمس من المجلس الأعلى الحكم بإيقاف تنفيذ القرار القاضي بالتشطيب عليه من سلك موظفي المالية مع حرمانه من حقوق المعاش.
وحيث سبق له أن طلب إلغاء القرار المذكور في الملف عدد 886118 وحيث أن المجلس الأعلى بعد اضطلاعه على الوثائق المدرجة في الملف وعلى ظروف النازلة، وملابستها ارتأى عدم الاستجابة للطلب المرفوع إليه لذلك قضى المجلس الأعلى برفض الطلب، وعلى صاحبه بنفقات الدعوى. والاستجابة لطلب إيقاف التنفيذ أصبحت تدخل في الاختصاص التقديري للمحكمة الإدارية وتخضع لظروف القضية وملابستها، الأمر الذي يخولها صلاحية فحص دعوى الإلغاء أيضا لتقف على مدى جديتها وتقرر ما إذا كانت تستجيب للطلب المذكور أم لا[178].
2 – لا يملك القضاء الإداري إلا الحكم بإلغاء القرار الإداري :
إن القضاء الإداري أنن النظر في دعوى الإلغاء لتجاوز استعمال السلطة لا يملك إلا الحكم بإلغاء القرار الإداري، وليس له أن يوجه أوامر إلى الإدارة بعمل شيء أو بالامتناع عن فعل شيء و لا يوجد أي مقتضى قانوني يسند الاختصاص للقضاء الإداري لإعطاء الفتوى للإدارة[179]. أو يقوم بإجراء مسطرة التنفيذ الجبري على الإدارة. ولكن في حالة امتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم القضائي فإن المجلس الأعلى يعتبر الامتناع قرارا إداريا سلبيا مشوبا بعيب الشطط في استعمال السلطة يجوز الطعن فيه بالإلغاء، فضلا عن إمكان الحكم بالتعويض[180].
3 – ألا يحكم بأكثر مما يطلب منه :
الواقع أن القضاء الإداري ملزم بالنظر فيما هو مطلوب في مقال دعوى الإلغاء، والاستجابة إلى إلغاء القرار الإداري إذا تبين له توفر عيب من العيوب التي تبيح الإلغاء.
4 -أن القضاء الإداري غير ملزم بإلغاء القرار الإداري كلية بل قد يكتفي بالإلغاء الجزئي منه :
أن القرار الإداري إذا كان سليما في جزء منه، وغير سليم في الجزء الآخر، فإن القضاء الإداري يكتفي بالإلغاء الجزئي للمقرر المطعون فيه، مثال ذلك أن تنتهي الإجازة المرضية للموظف ولم يعد لمباشرة عمله بدون إذن مشروع فترتب على ذلك فصل الإدارة له وقطع مرتبه متى عن المدة المرضية، وهنا سيكون المقرر غير المشروع بالنسبة لجزء منه، وهو الخاص بقطع المرتب عن المدة المرضية، فالإدارة في هذه الحالة تلتزم بسداد هذا المبلغ ولا يسري القطع إلا من يوم امتناعه عن العودة لمباشرة عمله بعد انتهاء الإجازة المرضية.
5 -يجب على الإدارة أن تنفذ الحكم بحسن نية في حالة إلغاء القرار الإداري كليا أو جزئيا :
إن خضوع الإدارة لتنفيذ الأحكام قوامه التنفيذ السليم، وذلك بألا يشوبه أي تحايل يسعى إلى تنفيذه ظاهريا لترجع بعد ذلك لتطبيق ما ترغب في تحقيقه بطرق احتيالية كأن يصدر حكم إداري بالإلغاء قرار العزل وعودة الموظف إلى عمله، فتقوم الإدارة بإرجاعه ثم فصله بعد مدة مستندة في ذلك إلى علة إلغاء الوظيفة التي كان يشغلها وفي كون الإدارة لم تعد محتاجة إليه[181].
e المطلب الخامس : تنفيذ الأحكام القضائية على قوة الشيء المقضى به في مجال دعوى الإلغاء
لاكتمال دولة الحق والقانون، تخضع الإدارة بوصفها جهاز من أجهزة الدولة للمشروعية، والخضوع للمشروعية يعني عدم تجاهل السلطة الإدارية للقانون بمفهومه الواسع ومن ذلك القواعد القضائية الإدارية، وقد يحصل أن يمتنع رجل الإدارة عن تنفيذ القرار القاضي النهائي، الحائز على قوة الشيء المقضى به، متدرعا بأسباب كثيرة تهربا من تطبيق العدالة. وهذه الأسباب قد تكون نتيجة لغياب مسطرة إكراهية فعلية أو لاعتبارات شخصية أو لاعتبارات المصلحة العامة.
à أولا : غياب مسطرة إكراهية لتنفيذ الأحكام القضائية
ففي نطاق دعوى تجاوز السلطة، يعتبر غياب التنفيذ الجبري أو الإكراه على تنفيذ مقرر، أحد الامتيازات الكبرى التي تتوفر عليها السلطة العمومية، وذلك أن أطراف النزاع ليسوا في وضعية مساوية، فعندما يرفض القاضي الدعوى سيكون من السهل دخولها حيز النفاذ، لأن العمل الإداري المطعون فيه قد يكون شرعيا، أما في حالة الإلغاء، فالطاعن لا يمكنه أن يعتمد سوى على الإدارة أو النية الحسنة للإدارة لأنه ليس في استطاعته استدعاء القوة العمومية من أجل إبعاد الآثار القانونية المترتبة عن العمل الإداري الغير المشروع[182].
فالقاضي الإداري لا يملك ولا يتوفر على الوسائل الإكراهية من أجل إجبار الدولة على تنفيذ مقرراتها القضائية كالجيش والشرطة.
وعليه فإن عنصر الإلزام في تنفيذ أحكام القضاء في المغرب، كما قال الأستاذ عبد الله حداد «… لا يمكن بالنسبة للأشخاص العمومية في الاستعانة بالقوة العمومية بل يجد أولا في الأمر الذي يوجهه جلالته الذي يعتبر سلطة عليا موجودة فوق الجميع، فالوزير الذي يرفض الامتثال لحكم القضاء يكون قد عصى أمرا مولويا ويجب مؤاخذته عليه ولا يمكن أن يعفى من الجزاءات مهما كانت الحصانة التي يتمتع بها ».

à ثانيا دوافع عدم تنفيذ المقررات القضائية
1- الاعتبارات الشخصية لعدم تنفيذ المقرر القضائي النهائي
ففيما يخص الاعتبارات الشخصية، فإن تراجع رجل الإدارة عن قراره قد يوهمه بأنه ضعيف، وليس في مستوى تسيير المرفق الإداري بل من شأنه أن يبين للمواطن الصورة السلبية لهذا التسيير الإداري. إلا أن هذه النظرة لا علاقة لها بالإنصاف والعدل، بل أن ضعف رجل الإدارة لا يفسر إلا بالاحتفاظ على قرار غير مشروع مما يسبب فوضى في النظام العام وجريمة يرتكبها رجل الإدارة في حق المجتمع.
Ÿ فرجل الإدارة قد يمتنع عن تنفيذ القرار القضائي مستندا على المفهوم المطلق لمبدأ فصل السلطات الذي يحول دون إجبار الإدارة أو أعوانه المسؤولين على الانصياع للسلطة القضائية، وهذه الحجة لا ترتكز على أي سند قانوني صحيح لأن فصل السلط يكرس عدم اعتداء سلطة على سلطة أخرى وليس التعاون بينهم لتحقيق الصالح العام[183].
¯ وتملصا من تنفيذ قرار قضائي نهائي، يعاد إصدار قرار الملغي، أي أن تعمد الإدارة في حالة إلغاء القرار لعيب في الشكل، وعدم الاختصاص، إلى إصدار قرار آخر مماثل للسابق وخال من العيوب المنسوبة للقرار الأول.
¯ الامتناع عن تنفيذ الحكم القضائي دون مبرر، وهي حالة تجد مجالها الخصب في مجال التعويض النهائي عن نزع الملكية خصوصا بالنسبة لوزارة الأشغال العمومية.
¯ رفع تسلم الأعذار ونسخة الحكم وهي صورة غير مبررة تؤكد بصيغة علنية على رغبة الإدارة المعلومة المكان في عدم تنفيذ الحكم الصادر ضدها[184].
وهكذا، فإن الامتناع عن تنفيذ الحكم القضائي ينطوي على مخالفة قانونية لمبدأ أساسي، وأصل من الأصول القانونية تمليه الطمأنينة العامة، وتقتضي به ضرورة الحقوق، واستقرار الروابط الاجتماعية، استقرار ثابتا، وهو مبدأ قوة الشيء المقضى به[185].
2- الاعتبار اللازم لقيام حالة امتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم الإداري
إن امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام القضائية يشكل استثناء على قاعدة تنفيذ الأحكام القضائية وتم حصرها في حالة واحدة إذا كان من شأن تنفيذ الحكم إثارة اضطرابات جسيمة تهدد الأمن العام بشكل خطير أو النظام العام[186].
وبذلك تشكل قضية تنفيذ الحكم الإداري ضد الإدارة محور آليات تحريك الدعوى الإدارية ونتاجا لعمل قضائي إداري ومرآة لتمتع الأفراد بمختلف الحقوق اللازمة لبلوغ دولة القانون إذ به تقاس الضمانة المسندة للقضاء الإداري المغربي[187].
إلا أن إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية بالمغرب لازالت تعاني من العديد من المعوقات التي تحول دون أداء الدور المنوط بها.
هذا وتعتبر دعوى الإلغاء حق من حقوق الأفراد من خلالها يمكنه أن يحافظ على حقوقه وحرياته، وحتى تكون هذه الدعوى صحيحة فإنها يجب أن تستند إلى شروط ومواصفات منها مثلا أن يكون القرار الإداري نهائيا وأن يكون قد صدر بصفة نهائية وليس في طور التحضير كذلك يجب أن يكون قد صدر هيئة وطنية وليست أجنبية… كما يجب احترام الشروط المتعلقة بالمواعيد والطعن كآجال رفع الدعوى وسريانها ولكن رقابة القضاء تنتهي عند حد رقابته على شروط قبول دعوى الإلغاء في المنازعات المطروحة أمامه بل تمتد إلى موضوع النزاع والتي تتمثل في العيوب التي تصيب القرار وتؤدي إلى إلغائه وكذلك إتباع إجراءات مسطرية يجب إتباعها في دعوى الإلغاء منها ما يتعلق مثلا بكيفية رفعها إلى الجهة المختصة أو مثلا شكليات إصدار الحكم.
وبالتالي فإن دعوى الإلغاء على القرار الإداري أثر يتمثل في عدم وقف تنفيذ القرار الإداري وكذلك أن للقضاء الإداري الحكم بالإلغاء الجزئي للمقرر المطعون فيه وليس الإلغاء الكلي.

b المبحث الثالث : ديوان المظالم – لبنة جديدة في دولة الحق والقانون
والمؤسسات-
بالإضافة إلى الرقابة الذاتية التي تمارسها الإدارة على نفسها سواء تلقائيا أو بناء على تظلم من المتضررين من قراراتها والرقابة السياسية التي تتخذ شكل الرقابة عن طريق الرأي العام أو عن طريق البرلمان، والرقابة القضائية التي تتميز بفعاليتها في التدخل للحفاظ على احترام الإدارة للقانون، تعمل الدول المتقدمة إلى إحداث هيئات متخصصة تتولى مراقبة أعمال الإدارة وتعتبر حلا وسطا بين الرقابة الإدارية الداخلية والرقابة الخارجية.
وتعد الدول الإسكندنافية سباقة إلى إنشاء مثل هذه المؤسسات فأحدثت لأول مرة ما يعرف بالأمبد سمان عهد له بمراقبة الإدارة والمحاكم. وتتبعها في ذلك مجموعة من الدول الأنجلوساكسونية، كما سارت العديد من الديمقراطيات الغربية على هذا المنوال نذكر منها على سبيل المثال إسبانيا التي استحدثت ما يسمى بمؤسسة المدافع عن الشعب وفرنسا التي أنشأت ما يعرف بالوسيط، إلا أن الحضارة الإسلامية التي قامت على أساس العدل والمساواة بين الحاكمين والمحكومين عرفت مؤسسات متشابهة عملت على تلقي شكايات الأفراد ضد الحاكمين وباقي الموظفين المشرفين على سير أمور المسلمين.
وفي هذا الإطار ومن أجل تدعيم الضمانات الأساسية لحماية حقوق الأفراد ضد الحاكمين وباقي الموظفين المشرفين على سير أمور المسلمين، وتلافي احتمالات تعسف الإدارة[188]. تم الإعلان عن إحداث مؤسسة ديوان المظالم في رسالة لجلالة الملك محمد السادس بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ 09 دجنبر 2001، ألقاها صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد في اجتماع خاص بأكاديمية المملكة المغربية بحضور فعاليات تمثل مختلف المؤسسات التي لها ارتباط من بعيد أو من قريب بالعلاقة بالمواطنين والمواطنات.
وتعد هذه المؤسسة إضافة جديدة إلى الصرح المؤسساتي للمغرب، كما أنها جاءت لكي تستجيب لفراغ مؤسساتي بشأن رفع المظالم التي تقع على المواطنين من جراء استمرار مظاهر الفساد في النظام الإداري والقضائي واستمرار تفشي مظاهر الشطط في استعمال السلطة[189].
وعليه سنتناول في هذا المبحث طبيعة وخصائص مؤسسة ديوان المظالم، ثم اختصاصات المؤسسة وآليات اشتغالها.
e المطلب الأول : طبيعة وخصائص مؤسسة ديوان المظالم
à أولا طبيعة مؤسسة ديوان المظالم
تعتبر طبيعة مؤسسة ديوان المظالم وفق الظهير الملكي المحدث لها بمثابة هيئة مستقلة ذات طبيعة استشارية شبيهة إلى حد ما ديوان المظالم بالمملكة السعودية الذي قال فيه محمد فؤاد المهنا[190]: « بأنه مجرد هيئة استشارية تقوم بفحص الشكاوي والتحقيق فيها من غير أن يكون لها حق البث فيها بقرارات أو أحكام نافذة ».
وانطلاقا مما سبق تتميز مؤسسة ديوان المظالم بما يلي :
1- أنها مؤسسة استشارية :
وذلك عن محاولة توجيه الإدارة وحثها على الالتزام بقواعد القانون لرفع الحيف عن المشتكي.
غير أن مؤسسة المظالم تختلف عن الأجهزة الأخرى من حيث إلزامية توصياتها ومقترحاتها، فإذا كانت الإدارة العمومية غير مجبرة من حيث المبدأ على الأخذ بالمقترحات المقدمة من طرف الهيئات الاستشارية، فإن هذه الإدارة تكون ملزمة بمقترحات وتوصيات مؤسسة المظالم، ولا تستطيع التملص من الرضوخ لها سوى إذا أبدت أسبابا وجيهة وحقيقية تعفيها من ذلك، أما فيما عدا ذلك من الحالات فلا يتسنى إلا أن تنفذ المقترح أو التوصية[191].

2- أنها مؤسسة مستقلة :
والمقصود بمبدأ الاستقلال هنا، أن المؤسسة ليست تابعة لأية وزارة وأنها لا تتلقى الأوامر من أية سلطة حكومية[192] بمعنى أنها مستقلة عن الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية وتحت إشراف الفعلي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. بحيث يقدم إليه تقرير سنوي، تأكيدا للدور الأساسي الذي تضطلع به المؤسسة الملكية بالمغرب، وحرصها على ضمان حقوق وحريات المواطنات والمواطنين، وفي نفس الوقت تذكير للإدارة بأنها خاضعة لمراقبة جديدة من نوع خاص تشجعها على القيام بالمهام المنوطة بها[193].
à ثانيا خصائص مؤسسة ديوان المظالم
بداية نسجل بأن إحداث ديوان المظالم اختير له زمن ومكان متميزين، الزمان تخليد ذكرى اليوم العالم لحقوق الإنسان والمكان أكاديمية المملكة المغربية بحضور فعاليات مهمة وذلك لإضفاء الصفة الموضوعية والعملية والحيادية على هذه المؤسسة الجديدة.
ويتميز ديوان المظالم بخصائص عديدة تكتسب مكانة خاصة داخل المنظومة السياسية والإدارية والقضائية بالمغرب، ومن أهم هذه الخصائص الاستقلال، التجرد والاستقرار.
1- خاصية الاستقلال :
فتعيين الملك المشرف الأول والأعلى لهذه المؤسسة أعطاها أول ضمانة ضد أي تأثير من أية جهة كانت ويمنحها استقلالا فعليا عن السلطات الثلاث وذلك على خلاف الأنظمة المعاصرة التي توكل هذه المهمة غالبا للسلطة التشريعية كما هو الشأن في إسبانيا وللسلطة التنفيذية كما هو الحال بالنسبة لفرنسا، وارتباط ديوان المظالم بالملك لا ينقص في شيء من استقلاليته وحياده بل بالعكس يدعم مكانته ويوطد حصانته.

2- خاصية الاستقرار :
كما أن تحديد مدة ولاية والي المظالم في ست سنوات قابلة للتجديد يعد ضمانة لاستقرار هذا المنصب وتفرغه الكامل للاختصاصات المسندة إليه بما يكسبه التجربة والخبرة عن طريق الممارسة والأقدمية، وهذا لا يمنع بالطبع إمكانية عزله وإعفائه من مهامه من قبل جلالة الملك.
3- خاصية التجريد :
ففيما يتعلق بالموارد المالية والبشرية اللازمة لتسيير وتجهيز ديوان المظالم نص الظهير المحدث لهذا الأخير[194] على أن الاعتمادات المخصصة له (الديوان) تدخل ضمن ميزانية البلاط الملكي، وهي أكبر ضمانة على استقلاليته بما تكسبه ثقة جميع الأطراف والفعاليات[195].
eالمطلب الثاني : اختصاصات وآليات اشتغال ديوان المظالم
من قراءة مواد الظهير المحدث لديوان المظالم يتبين لنا أن هذه المؤسسة لها اختصاصات محددة هي على التوالي : تلقي الشكايات، والعدل على إصلاح الجهاز الإداري والحث على تنفيذ الأحكام الإدارية.
à أولا تلقي الشكاوي
كمبدأ عام خول لديوان المظالم اختصاص تلقي الشكاوي والمظالم والتحقيق فيها من أجل رفع الحيف الذي لحق أصحابها نتيجة تصرفات أعوان الإدارة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، والحقيقة ليست لمؤسسة ديوان المظالم الحق في النظر في جميع الشكاوي والتظلمات، لذا يتعين معرفة نوعية الشكاوي والتظلمات التي لها حق النظر فيها والاستثناءات الواردة عليها.
إن القضايا التي ستعرض على هذه المؤسسة هي القضايا التي يتضرر فيها أحد الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين نتيجة قيام الإدارة أو من فيها بتصرفات غير قانونية أو تعسفية كرفض تسليم رخصة البناء أو سحب رخصة السياقة أو حبس شخص دون موجب قانون… إلخ[196].
أو أي قرار أو عمل يتنافى مع مبادئ سيادة القانون والإنصاف ويمكن لرئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أن يحيل على والي المظالم الشكايات الموجهة إليه التي تدخل ضمن اختصاصات والي المظالم[197].
1- الاستثناءات الواردة على حق النظر في الشكاوي :
بالنظر إلى هذا يخرج إذن عن مجال تدخل مؤسسة المظالم القضايا التي تثور بمناسبة أو تطبيق قانوني أو تنظيمي، كما لا يجوز لها النظر في القضايا التالية :
¯ الشكايات المتعلقة بالقضايا التي وكل البث فيها للقضاء.
¯ التظلمات الرامية إلى مراجعة حكم قضائي نهائي.
¯ الملتمسات المتعلقة بقضايا من اختصاص البرلمان.
¯ القضايا التي تدخل في اختصاص المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ويقوم والي المظالم على الفور بإحالة الشكايات والتظلمات المتعلقة بخروقات حقوق الإنسان إلى المجلس.
¯ القضايا التي لم يقم صاحب التظلم بأي مساغ رسمية أو التماس للعفو، ولم تستنفذ كافة الطعون أو جبر الأضرار المزعومة، أو استرجاع حقوقه المهضومة. بيد أنه يمكن لوالي المظالم أو مندوبه في الحالات المذكورة أعلاه، أن يبحث مع الأطراف المعنية بطلب منها مع الحلول الكفيلة بإيجاد تسوية عاجلة ومنصفة للخلاف.
وإذا اتضح أن تمادي الجهة المعنية في الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي نهائي ناجم عن أفعال صادرة عن موظف أو عون تابع للجهة التي صدر الحكم في حقها أو عدم قيامه بالواجب، يرفع والي المظالم تقريرا في الموضوع إلى نظر الوزير الأول.
2- شروط قبول الشكاوي :
تعد مؤسسة ديوان المظالم وسيلة مرنة ومبسطة للنظر في شكايات وتظلمات المواطنين، فتقديم شكاية أو تظلم لدى ديوان المظالم لا يتقيد إلا ببعض الشروط الشكلية البسيطة التي يستلزمها فصل السلط ودون التقيد بالإجراءات والمواعيد ودون تحمل الأعباء والمصارف فهي مؤسسة عامة في متناول الجميع.
ولقبول التظلمات يجب أن تكون مكتوبة وموقعة من طرف صاحب الملتمس شخصيا وأن توضح ما قام به المتظلم من مساغ لاسترجاع حقوقه لدى السلطة التي يتظلم منها وفي حالة تعذر ذلك يمكن للمتظلم أن يقدم شكاية شفوية مدعومة بالحجج والوثائق المبررة يتم تسجيلها وتدوينها من قبل مندوب والي المظالم. وبالتالي تستبعد جميع الشكايات المجهولة أو الغير المتضمنة لمطالب محددة[198]. كما اشترط الظهير لقبول التظلمات أن يتحقق ظلم المشتكي نتيجة شطط وتعسف الإدارة وأن يبقى التظلم من هذه التصرفات دون جدوى وعليه نتناول هذه الشروط بالتحليل فيما يلي :
أ- تحقق ظلم المشتكي :
يتحقق هذا الشرط إذا لحق المشتكي ضررا حقيقيا سواء كان جسمانيا أو ماديا أو معنويا فمن أمثلة التظلم الجسماني تعرض المشتكي للتعذيب والاعتقال غير القانوني ومن أمثلة الظلم المادي، إتلاف أموال المشتكي أو الاستحواذ عليها بالطرق غير المشروعة، ومن أمثلة التظلم المعنوي، المساس بشرف المشتكي والتشويه بسمعته…

ب- تعسف الإدارة :
لا يكفي لتحقيق الظلم بالصورة المادية والمعنوية في جانب المشتكي أن يلحقه ضرر بل يجب أن يكون هذا الضرر نتيجة قيام بتصرفات قانونية أو أعمال مادية غير قانونية أو تعسفية.
ج- تقديم تظلم استعطافي أو إداري في السابق :
لم تشأ إدارة المشرع المغربي إلا أن تجعل التظلم الإداري مسألة اختيارية في النزاعات المتعلقة بالقرارات الإدارية المعينة أو غير الملائمة ولكل ذي مصلحة أن يتجاوز هذه المسطرة ويقيم دعواه مباشرة أمام القضاء الإداري وعلى عكس ما سبق هناك إلزامية التظلم الإداري قبل رفع الشكوى إلى أنظار والي المظالم، ولعل الحكمة من ذلك هي التخفيف من عدد الشكاوي بدفع الإدارة صاحبة القرار إلى الاقتناع بوجهة نظر مقدم التظلم ثم سحبه أو تعديله[199].
à ثانيا تقديم اقتراحات بشأن تسيير الجهاز الإداري
إن قوة الاحتكاك بقضايا الناس الإدارية على امتداد الأيام والسنين لمن شأنه أن يؤهل مؤسسة ديوان المظالم للعب الأول في وضع اليد على أوجه الخلل في دواليب العمل الإداري والعمل بالتالي على تحسينها بشكل يخدم المصلحة العليا للبلاد. والمؤسسة إذ تقوم بهذه الوظيفة تكون مدعومة لتقديم اقتراحات بشأن تعديل النصوص القانونية بنصوص أخرى أكثر عدالة[200]