بحث قانوني كامل حول مسؤولية الطبيب المدنية

أ / ابراهيم العناني

المســــــــــــؤولية المــــــــــدنية للطــــــــــبيب

الفصـــــــــل الأول: المســــــــــــؤولية المــــــــــدنية للطــــــــــبيب

تنص المادة 124 قانون مدني جزائري << كل عمل أي كان يرتكبه المرء و يسبب ضرر للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض>>.

و يقصد بالمسؤولية المدنية بوجه عام المسؤولية عن تعويض الضرر الناجم عن الإخلال بالتزام مقرر في ﺫمة المسؤول وقد يكون مصدر هذا الالتزام عقدا يربطه بالمتضرر، فتكون مسؤوليته عقدية يحكمها و يحدد مداها من جهة، و القواعد الخاصة بالمسؤولية العقدية من جهة أخرى، و قد يكون مصدر هذا الالتزام القانون في صورة تكاليف عامة كالتزام بعدم مجاوزة سرعة معينة عند قيادة سيارة (1).

أما فيما يتعلق بالمسؤولية المدنية للطبيب فهي عبارة عن تعويض المريض كما حل به من أضرار مادية أو أدبية بسبب الخطأ الطبي و الدعوى المدنية التي يرفعها المتضرر أو ذووه هي وسيلة الحصول على التعويض و قد قسمت المسؤولية المدنية للطبيب إلى مسؤولية عقدية و التي سنتناولها في المبحث الأول، أما المبحث الثاني فيتضمن المسؤولية التقصيرية.

1- د/ عبد الحميد الشواربي –مسؤولية الأطباء و الصيادلة و المستشفيات-منشأة النشر للمعارف بالإسكندرية 1998-ص:18.

المبحث الأول: المسؤولية العقدية للطبيب

يترتب على العقد إنشاء التزامات تقع على كاهل كل من طرفيه، و القوة الملزمة للعقد تقضي بان يقوم كل طرف بتنفيذ التزامه العقدي، فان لم يقم المتعاقد بتنفيذ التزامه عينا، و طلبه الدائن أجبر المدين على تنفيذه، فالأصل هو التنفيذ العيني حيث تنص المادة 164 من القانون المدني الجزائري: يجبر المدين بعد اعذاره طبقا للمادتين 180و 181 على تنفيذ التزامه عينا، متى كان ذلك ممكنا(1).

هذا فيما يخص المسؤولية العقدية بصفة عامة، أما فيما يتعلق بالمسؤولية العقدية للطبيب نجد بأنها طرحت لأول مرة في قرار محكمة النقض الفرنسية الذي صدر عام 1936 م حيث جاء فيه << ينعقد بين الطبيب و عميله عقد حقيقي…..و إن خرق هذا الالتزام العقدي، و إن كان غير إرادي، يجازي بمسؤولية من الطبيعة ذاتها، أي عقدية أيضا >>(2).
هذا الحكم وضع المريض و طبيبه وجها لوجه و على قدم المساواة، و التزام المريض التزاما تعاقديا بأتعاب الطبيب.

و عليه سنتطرق في هذا المبحث من خلال ثلاثة مطالب:

الأول يتضمن الطبيعة القانونية للعقد الطبي و الثاني يتمثل في الشروط اللازمة لتوفر العقد الطبي و الثالث يتعلق بالآثار القانونية للعقد الطبي.

المطلب الأول: الطبيعة القانونية للعقد الطبي:

انه من الصعب تحديد الطبيعة القانونية للعقد الطبي مادام القانون المدني لا يتضمن أحكام خاصة به، و لا يمكن مماثلته بالعقود المعروفة فبالتالي العقد الطبي هو عقد غير

1- القانون المدني الجزائري، أمر رقم 75-58 مؤرخ في 26 سبتمبر 1975 يتضمن القانون المدني معدل و متمم.
2- المجموعة المتخصصة للمهنيين- المسؤولية الطبية ج 1 – منشورات الحلبي الحقوقية- بيروت، لبنان -2000 ص126.

مسمى تتطرق خصائصه إلى معرفة التزام الطبيب في مواجهة المريض (1) غير أنه سنتعرض لطبيعة هذا العقد من حيث انه عقد شخصي و مستمر و عقد ملزم لجانبين و أخيرا عقد مدني قابل للإبطال وذلك من خلال ثلاثة فروع تباعا.

الفرع الأول: العقد الطبي هو عقد شخصي و مستمر.

يقوم العقد على الاعتبار الشخصي ذلك أن المريض عندما يختار طبيبه يراعي في ذلك مؤهلاته و صفاته، و هدا طبيعي لان عقد العلاج هو عقد تراعى فيه شخصية المتعاقد، لهذا فلا يمكن أن تهدر تلك الشخصية عندما نقارن مسلك صاحبها بالمسلك الواجب لتقدير أعماله، لهذا نجد انه يجب الاخد بعين الاعتبار الصفات الشخصية و نضيفها إلى الظروف الخارجية، و ليس معنى ذلك أن نأخذ كافة الاعتبارات الشخصية المتعلقة بشخص المسؤول و إنما نكتفي بالعوامل الشخصية التي لها صلة وثيقة بمهنة الطبيب و مركزه في تلك المهنة، فيختار المريض الطبيب نسبة لكفاءته العلمية الحقيقة و نظرا أيضا للثقة الموضوعة في هذا الطبيب حتى يطمئن لأوامره و تعليماته و نستبعد الحالات الخاصة أين يكون هذا الاختيار حاصلا عن نائب المريض أو عن رب العمل أو عن المستشفى، و يعتبر العقد الطبي عقدا مستمرا لكونه يتحقق خلال عدة مراحل مرتبطة و منشئة لالتزامات جديدة يتحلى بها كل من المريض و الطبيب، لكن عند قيام العقد الطبي فالطبيب يلتزم بألا يتخلى عن التزامه. و أن يبذل العناية الكافية، و أن لا ينقطع الطبيب عن معالجة المريض إلا إذا كان له مبررا مسوغا قانونيا.

1- المجموعة المتخصصة للمهنيين:المرجع السابق ص 128

الفرع الثاني: العقد الطبي هو عقد ملزم لجانبين:

تنص المادة 106من القانون المدني الجزائري على أنه << العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه و لا تعديله إلا باتفاق الطرفين و للأسباب التي يقررها القانون>>(1)كما نصت المادة 107 من نفس القانون على أنه:<< يجب تنفيذ العقد طبقا لما أشتمل عليه و بحسن نية>> و طبقا لهذه المواد فان الطبيب عندما يعرض خدماته على المرضى يعد موجبا، فان استجاب المريض لهذا الإيجاب و قبله انعقد العقد بينهما و بالتالي يكون الطبيب ملزما بتزويد مريضه بالعلاج و العناية اللازمتين، و في المقابل يكون المريض ملزما بدفع المال، و هو مقابل هذه الخدمة، كما قد تكون هذه الخدمة مجانية و كل إخلال بهذا الالتزام يؤدي إلى ميلاد المسؤولية العقدية (2) و هذا ما نصت عليه المادة 124 من القانون المدني الجزائري:<< كل عمل أي كان، يرتكبه المرء و يسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض >>.

ادن فالطبيب و المريض يتبادلان الالتزامات، بحيث يلتزم الطبيب ببذل العناية و المراقبة، و المريض يلتزم بالوفاء و دفع الأجرة، و بالتالي فهو عقد معاوضة لأن كل من الطرفين يحصل على مقابل ما يقدمه، مع أن لفظ الأجر غير مستساغ، لان صحة المريض في الواقع لا تقدر بثمن، لذلك عوض هذا المصطلح بكلمة أتعاب و هذا هو الأرجح.

و تنص المادة 211 من قانون حماية الصحة على أن: << تحدد عن طريق التنظيم أسعار الأعمال التي يؤديها الأطباء و جراحو الأسنان و الصيادلة(3)>> و الحق (4) في العلاج يأتي على رأس الحقوق نتيجة لم له من أهمية اجتماعية فيتدخل الطبيب كلما حصلت الضرورة دون أن يقتض مسبقا أي أجر مثاله حالة التسخير المنصوص عليها في المادة 210 من قانون الصحة التي تنص على: << يتعين الأطباء و جراحي الأسنان و الصيادلة أن يمتثلوا لأوامر التستير التي تصدرها السلطة العمومية مع مراعاة أحكام المادة 206>>.

1- المجموعة المتخصصة للمهنيين، المرجع السابق من ص 126-127.
2- المجموعة المتخصصة للمهنيين، المرجع السابق ص 128
3- القانون رقم 85/05 المتضمن قانون حماية الصحة و ترقيتها الصادرة في 17/02/1985 الجريدة الرسمية العدد8.
4- الحق في العلاج هو حق دستوري لكل مواطن يحمل الجنسية الجزائرية و هدا في إطار ما يسمى دستوريا بحماية الصحة العمومية.

الفرع الثالث: العقد الطبي هو عقد مدني قابل للإبطال:

بما أن العقد الطبي هو عقد مدني لا يمكنه أبدا أن يتصف بالصفة التجارية و ذلك لان الطبيب أو حتى المستشفيات قد تقدم خدماتها مجانا و الغاية منها معالجة المريض بالدرجة الأولى ليس أكثر، حيث تنص المادة 211 من قانون الصحة على انه: << تحدد عن طريق التنظيم أسعار الأعمال الطبية التي يؤديها الطبيب، و جراحو الأسنان و الصيادلة و يعاقب كل من لم يحترم هذه الأسعار طبقا للتشريع و التنظيم الجاري بهما العمل>>.
و بما أن العقد الطبي يعتبر ملزما للجانبين، فالمبدأ هو أن هذا الالتزام هو التزام ببذل عناية، بمعنى أن الطبيب يلزم عليه أن يعتني بالمريض عناية كافية و أن يصف له من وسائل العلاج ما يرجى به شفاؤه من مرضه.

و أما الاستثناء فهو التزام الطبيب بتحقيق نتيجة(1) أما المريض فعليه الالتزام بالوفاء و الاستماع للأوامر و دفع الأجرة.
و يبقى العقد الطبي ملزم لجانبين فيحق لكل من الطبيب أو المريض أن يطلب الإبطال إذا أخل أحدهما بالتزامه في تنفيذ العقد و لكن يجب أن يكون الفسخ من طرف الطبيب لا يسبب أي خطر بالنسبة للمريض. و إذا كان العقد الطبي عقد معاوضة و عقد شخصي و كذلك هو عقد مدني قابل للإبطال فما هي شروط العقد الطبي؟ هذا ما سنتناوله في المطلب الثاني.

المطلب الثاني: شروط العقد الطبي:

العقد هو أهم مصدر حيث ينشأ لوحده أغلبية الالتزامات حيث يعرفه القانون المدني في مادته 54 قانون مدني جزائري على انه: << اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة

1- الدكتور عبد السلام التو نجي: المسؤولية المدنية للطبيب دار المعارف لبنان، 1972، ص265-266.

أشخاص آخرين بمنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما>> ادن العقد هو توافق إرادتين أو أكثر على إنشاء آثار قانونية و من ثمة فالتصرف القانوني الذي ينشأ من إرادة واحدة كالوصية أو الوعد بجائزة لا يعتبر عقد، فالعقد الطبي هو عقد بمعنى الكلمة يقع بين المريض و طبيبه فهو اتفاق إرادي يعبر من خلاله المريض على قبوله العلاج، و الطبيب على منحه هذا العلاج و حتى يرتب أثاره القانونية يجب على العقد الطبي احترام شروط إبرام العقود و هي ما سنبينها في أربعة فروع، بحيث نتناول الأهلية من خلال الفرع الأول، و الرضا في الفرع الثاني، على أن نتناول المحل في الفرع الثالث، أما الفرع الرابع سنخصصه للسبب.

الفرع الأول: الأهلية

الإرادة سلطان ذاتي فهي تكفي لإبرام العقود طالما لا يخالف النظام العام أو الآداب العامة، كما أنها لا تحتاج إلى شكل معين عملا بمبدأ رضائية العقود فللفرد الحرية الكاملة في أن يتعاقد وفقا لما يريده و بالشروط التي يختارها كما انه حر في الأخد بالتنظيم الشرعي الذي يكون عادة عن طريق القواعد المفسرة أو المكملة لإرادة الطرفين.

و لكي يتوفر الرضا في العقد لابد أن توجد الإرادة في كل من الطرفين، و الإرادة يقصد بها أن يكون الشخص مدركا لما هو مقدم عليه، لذا ربط القانون بين الإدراك و التمييز، بناءا على نص المادة 78 قانون مدني:<< كل شخص أهل للتعاقد ما لم تسلب أهليته أو يحد منها بحكم قانوني>> و ينبغي من حيث هذا المبدأ أن يصدر الرضا من المريض نفسه، طالما انه في حالة تسمح له بذلك و أن رضاه يعتد به قانونيا(1) أما إذا كان في حالة لا تسمح له القيام بذلك، أي في التعبير عن رضاه في الوقت الذي تستدعي حالته التدخل السريع و مثال ذلك وجود المريض في مكان ناء و لم يكن هناك سوى

1- الدكتور/ محمد حسين منصور: المسؤولية الطبية، المسؤولية المدنية لكل من الأطباء و الجراحين و أطباء الأسنان، منشأة الناشر للمعارف بالإسكندرية 1999م ص 34.

طبيب معين لاتقاده أو علاجه في ساعة معينة من الزمان لا يوجد فيها غيره(1) و كذلك وجود المريض في حالة خطرة تستدعي التدخل السريع و الفوري من قبل الطبيب الحاضر أو المتخصص و إذا كان المريض لا يتمتع بالأهلية الكاملة، فانه يعتد برضا ممثليه القانونيين أو أهله الاقربين حيث تنص المادة 44 قانون مدني جزائري: << يخضع فاقد الأهلية و ناقصها بحسب الأحوال لأحكام الولاية أو الوصاية أو القوامة ضمن الشروط ووفقا للقواعد المقررة في القانون>>.
و يمكن الاستغناء عن رضا المريض في الوضع الذي تقتضي فيه حالته التدخل السريع، و عدم انتظار أخد رأيه أو رأي الممثلين و الأقرباء و مثالنا على ذلك كمن هو في حالة حادث، و يثور الأمر أيضا عند إجراء العمليات الجراحية حيث تقتضي الضرورة أحيانا إجراء عملية جراحية أخرى ملازمة و لا تحتمل الانتظار(2).
أما عن أهلية الطبيب فيشترط بالإضافة أن يكون متمتعا بالكفاءة العلمية و الشرعية و هذا ما جاء طبقا للمادة 154 من قانون الحماية الصحية و ترقيتها، التي تتعلق بشروط الجنسية و الشهادة العلمية و الترخيص من وزارة الصحة.

الفرع الثاني: الرضا

إن العقد يتم بمجرد تطابق إرادتين و هذا طبقا لمبدأ رضائية العقود و لكي يوجد التراضي لابد من وجود إرادة لدى كل من طرفي العقد إرادة أولى توجب و هي الإيجاب و إرادة ثانية تقبل و هي القبول فالإيجاب هو العرض الموجه من شخص محدد إلى شخص آخر أو عدة أشخاص آخرين بقصد إبرام عقد معين، أما القبول هو تعبير عن إرادة من وجه إليه الإيجاب يثير موافقته على الإيجاب و يؤدي القبول إلى إتمام العقد متى وصل إلى علم الموجب و كان الإيجاب لازال قائما فتوافق الإرادتين إذن هو ما يعبر عنه بالتراضي، و هو أساس العقد و المادة 59 قانون مدني جزائري تعرف الرضا بتبادل الطرفين التعبير عن إرادتهما، في العقد الطبي يجب على الطبيب

1- د / محمد حسين منصور: المرجع السابق ص 35.
2- د / محمد حسين منصور: المرجع السابق ص 39.

أن يحيط المريض صحيحا، و إلا كان الطبيب مسؤولا عن كافة النتائج الضارة من جراء تدخله، و لو لم يرتكب خطأ في عمله(1) لكنه لا يسال عن تلك النتائج قليلة الاحتمال، و التي يكون وقوعها نادرا عمليا و يصعب على الطبيب توقعها، المفروض إذا أن عملية الإعلام تقتضي أن تكون المعلومات مستوعبة من المريض، و إلا كان الرضا مشوب بعيب.
و مثال ذلك أن الطبيب يسأل عن الرحيل المبكر للمريض من المستشفى بعد إجراء العملية الجراحية و ما ينتج عن ذلك من أضرار حيث كان ذلك ينبغي على الطبيب الحصول كتابة من المريض على ما يثبت رفقته البقاء(2).

يلتزم الطبيب بإعطاء التفاصيل الكافية للمريض و ذلك باحاطته علما بطبيعة العلاج و مخاطر العملية الجراحية و الا كان مسؤولا عن كافة النتائج الضارة من جراء تدخله و لو لم يرتكب خطأ في عمله، فالطبيب الذي استخدم مادة معينة لعلاج عين مريض رغم ما بها من حساسية خاصة يمكن أن تتعارض مع استخدام هذه المادة الفعالة فيترتب على ذلك فقد المريض لعينه، يعتبر مسؤولا رغم فعالية المادة المستخدمة من جهة و عدم ارتكابه أي خطأ أو إهمال في العمل العلاجي من جهة أخرى، لأنه لم يحط المريض علما بمدى الخطورة المحتملة لاستخدام المادة المذكورة حتى يكون على بينة بذلك و يقرر بحرية قبول العلاج من عدمه. لاسيما أن الأمر يعد ذا حيوية خاصة بالنسبة له لأنه لا يرى إلا بهذه العين المفقودة نظرا لسبق فقده الأخرى، و من ثم فان تقدير مدى خطورة العلاج بالنسبة له يأخذ أهمية كبرى(3).

غير انه لا يلتزم الطبيب بإعطاء كل التفاصيل الفنية، التي يستطيع استيعابها علميا، ذلك فيما يتعلق بنتائج المرض أو طرق العلاج المستخدمة، كان يشرح له ما يمكن أن يثيره لدى عمليات التخدير أو الصدمات الكهربائية طالما أنها أصبحت عادية و لم تعد محلا للتجارب حول صلاحيتها الأولية، إلا إذا كانت هذه الوسائل تسبب للمريض نتائج ضارة خاصة بحالته الجسمية.

1- د / عبد السلام التو نجي: المرجع السابق ص 376.
2- د / محمد حسين منصور: المرجع السابق ص 41.
3- د/ محمد حسين منصور، المرجع السابق، ص 42.

و هذا أحيانا قد تستدعي الحالة النفسية للمريض دفع الطبيب إلى إخفاء بعض النتائج أو طرحها بطريقة عامة تفاديا لما له من اثر على نفسية المريض، و حتى تعمد الطبيب الكذب على المريض طالما انه يلعب دورا حاسما في حالته النفسية و بالتالي الجسدية و لكن يجب أن لا يكون الكذب بهدف تضليل المريض و حمله على قبول طريقة معينة للعلاج لغرض مادي أو تجاري، و إلا يعد سببا في قيام مسؤولية الطبيب(1) كالطبيب الذي يجري جراحة جزئية لمريض دون أن يحيطه علما مسبقا بان تلك العملية سيعقبها بالضرورة عملية جراحية أخرى و اكبر و اشد خطورة إذا كان أمام المريض عرض آخر للعلاج من قبل طبيب ثان اقترح عليه إجراء عملية واحدة، فهنا تقوم مسؤولية الطبيب على أساس غرضه المادي في العلاج.
غير انه و مع ذلك هل يمكن أن نقول إذا أن رضا المريض يكفي لتحمله مسؤولية قراره؟ إذا كان رضا المريض في الأصل هو ضروري فهذا لا يعني أن الطبيب يعفى من المسؤولية إطلاقا لأنه يبقى مقيدا بالصحة العلمية للعلاج سواء أن كان مجردا أم لا، و بالتالي يقع على عاتق الطبيب أن يقدر عقلانية قرار المريض كأن يوافق المريض على ما يعرضه إلى أكثر من المخاطر اللازمة.

الفرع الثالث: المحل

تقضي المادة 96 قانون مدني جزائري بان يعد العقد باطلا إذا كان محل الالتزام مخالفا للنظام العام و حسن الآداب فالعقد الطبي يكون محله جسم الإنسان و يكون محلا للنظام العام و حسن الآداب إذا لم يؤدي إلى رفاهية و راحة صاحبه، لان سلامة جسم الإنسان تعد من النظام العام ن و حمايته أمر تقتضيه مصلحة المجتمع.

و مثال ذلك حالة الطبيب الغير مختص في الجراحة فلا يجوز له أن يتصدى لعلاج حالة ما دون أن يكون محيطا بأصول هذا العلاج و أساليبه المجمع عليها.

1- المجموعة المتخصصة للمهنيين، المرجع السابق، ص 63-64.

و كذلك بالنسبة للطبيب الذي يسلم المريض دواء قديما دون أن يثبت من مدى فاعليته و ما يمكن أن يمثله من مخاطر بعد أن تغير لونه فهذا يعد إهمالا جسيما من جانبه (1) فالعقد الطبي يكون باطلا إذا ابتعد عن الهدف الذي قام من اجله و هو التخفيف عن آلام المريض، و لو كان تدخل الطبيب يعد اعتداء على الوحدة الجسمية فالأصل يتجلى في بذل الجهود الصادقة و اليقظة التي تتفق و الظروف القائمة و الأصول العلمية الثابتة بهدف شفاء المريض و تحسين حالته الصحية و لو ساءت حالة المريض مادام انه لم يقع منه خطأ ما يمكن أن تترتب عليه مسؤولية يتمثل في تقصير من جانبه(2).
فهنا يستمد محل العقد مشروعيته من الحق المخول للطبيب في التصرف و لكن في الحدود القانونية و عملا بنص الفقرة الأولى من المادة 39 قانون العقوبات الجزائري:<< لا جريمة إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون>> العمليات الجراحية و بتر الأعضاء لا تكتسب صفة جنحة الضرب و الجرح العمدي، لكونها تتمتع بالتبرير القانوني طالما أنها تهدف إلى أغراض علاجية محضة.

الفرع الرابع: الســــــبب

السبب هو الركن الثالث في العقد، يترتب عن تخلفه أو عن عدم مشروعيته بطلان العقد بطلانا مطلقا، فالمقصود بالسبب هو السبب المباشر أو السبب القريب، أي هو الغرض المباشر الذي يسعى المتعاقد إلى الوصول إليه نتيجة تعاقده، و يشترط في السبب المباشر أن يكون موجودا صحيحا و مشروعا إذا تخلف السبب المباشر انعدم العقد، و تقتضي مشروعية السبب ألا يخالف النظام العام أو الآداب العامة و ألا يتعلق الأمر بشيء غير قابل للتعامل سواء بطبيعته أو يحكم القانون كان يلتزم شخص نحو شخص أخر بدفع له مبلغ من المال مقابل ارتكابه جريمة حيث تنص المادة 97 قانون مدني جزائري على انه:<<إذا التزم المتعاقد لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام أو الآداب كان العقد باطلا>>.

1- د / محمد حسين منصور، المرجع السابق ص 27.
2- السيد عبد الوهاب عرفة: الوسيط في المسؤولية الجنائية و المدنية للطبيب و الصيدلي، دار المطبوعات الجامعية ن الإسكندرية 2006 ص 85.

و يستفاد من النص أن الالتزام لابد أن يكون له سببا، و يشترط في السبب أن يكون مشروعا وقت إبرام العقد و طول تنفيذه.

يبنى العقد الطبي على رغبة المريض في معرفة المرض و الإقبال على العلاج و أيضا على قبول الطبيب دعوة المريض و تقديم المساعدة الطبية للتخفيف من ألامه(1).
تنص المادة 98 قانون مدني على انه: << كل التزام مفترض أن له سببا مشروعا ما لم يقم الدليل على غير ذلك>>. و يرجع ذلك إلى قاضي الموضوع في تقدير دوافع كل من المريض و الطبيب في تحديد السبب الكافي للعقد الطبي و مدى مشروعيته أو عدم مشروعيته أن المصلحة الحالية لوضع المريض التي تقتضي تدخل الطبيب، هي المبرر الوحيد الذي يخول للطبيب التصرف في جسم المريض، فمحل العقد و سبب الالتزام يقعان متطابقان.

مثلا: الإجهاض لسبب التخلص من الجنين و ليس لسبب صحي أو شرعي.

و أخيرا إن التعرض إلى العقد الطبي من حيث طبيعته، ثم إلى دراسة شروط انعقاده، هذا ما قادنا إلى التساؤل عن الآثار التي تنجم بعد انعقاد العقد الطبي بين الطبيب و المريض و هذا ما سوف نحاول معالجته من خلال المطلب الثالث.

المطلب الثالث: أثار العقد الطبي

ينشأ عن انعقاد العقد الطبي بين الطبيب و المريض واجب قانوني يسمى التزاما في المسؤولية العقدية حيث انه يتعين على الطبيب أن يبذل كامل العناية للمريض و هذا يظهر كمبدأ عام و كذلك نجده يلتزم بتحقيق نتيجة و هذا كاستثناء للمبدأ العام و هذا ما سنتعرض إليه من خلال فرعين على التوالي يتضمن الأول التزام الطبيب ببذل عناية و الفرع الثاني التزام الطبيب بتحقيق نتيجة.

1- د/ عبد السلام التو نجي، المرجع السابق ، ص 386-387.

الفرع الأول: التزام الطبيب ببذل عناية:

كقاعدة عامة إن التزام الطبيب هو التزام ببذل عناية، و ليس بتحقيق غاية، يتمثل في اليقظة و بذل المجهود الصادق بما يتفق و الأصول العلمية الثابتة بهدف شفاء المريض أو تحسين حالته و أن الإخلال بذلك يرتب مسؤولية، فيسال عن كل تقصير في مسلكه الطبي مهما كانت درجة جسامته(1).و أن إباحة عمل الطبيب مشروطة بان يكون ما يجربه مطابقا للأصول العلمية المقررة فان فرط في إتباعها أو خالفها حقت عليه المسؤولية الجنائية بحسب تعمده الفعل و نتيجته أو تقصيره أو عدم تحرزه في أداء عمله، إلا انه استثناءا يلتزم بتحقيق نتيجة تتمثل في سلامة المريض، فيسال عن الوفاة الناتجة عن الانفجار الناجم عن شرارة متطايرة من جهاز التخدير أو كسرة إبرة بالعضل.

وإذا خاب العلاج أو ساءت حالة المريض، فلا يعني هذا أن الطبيب اخل بالتزامه إلا إذا كان لابد من قيام الدليل على تقصيره في العناية، أي الدليل على خطئه كي تترتب عليه المسؤولية.

و مثال ذلك: عند إجراء طبيب عملية جراحية لمريض في ساقه، تشتد العلة بالمريض مما يدعو الطبيب إلى زيارته، إلا انه تباطأ في القيام بواجبه، ثم اقتضى الأمر بتر ساق المريض ففي هذه الحالة يثبت إهمال الطبيب و من المرجح انه لولا تباطؤ الطبيب لامكن إسعاف المريض و لما دعت الحاجة إلى بتر ساقه، و بذلك يكون الطبيب مسؤولا(2).

و يؤخذ في الحسبان عند تحديد مدى التزام الطبيب بالظروف الخارجية التي يوجد فيها و يعالج فيها المريض كالمكان و الإمكانيات المتاحة كان يكون المستشفى غير مزود بالآلات الحديثة أو أن تكون حالة المريض خطيرة تقتضي إجراء جراحة له فورا

1- عبد الوهاب عرفة، المرجع السابق ص 78.
2- د/ عبد الحميد الشواربي، المرجع السابق ص :66-67.

في مكان وجوده و دون نقله إلى مستشفى أو عيادة(1).

و أخيرا يدخل في تحديد مدى التزام الطبيب أن تكون الجهود المبذولة متفقة مع الأصول العلمية الثابتة، إذ لا يعقل استعماله لوسائل طبية بدائية تخالف التطور العلمي الحديث، فهو و إن كان لا يلتزم بإتباع تلك الوسائل إلا انه ينبغي عليه الالتجاء إلى تلك التي استقر عليها الطبيب الحديث، و له الاجتهاد في اختيار انسب الوسائل حسب حالة المريض و الإمكانيات المتاحة و تطويعها بحيث تتفق و ظروفه الخاصة.

الفرع الثاني: التزام الطبيب بتحقيق نتيجة:

كاستثناء على القاعدة العامة، فان الطبيب يلتزم بتحقيق نتيجة أي يقع على عاتقه التزام محدد، يتمثل في الالتزام بسلامة المريض الذي لا يعني التزاما بشفائه، و لكن بألا يتعرض لأي أذى ناتج عن استعمال الأدوات و الأجهزة أو الأدوية و إلا ينقل إلى المريض مرضا أخر نتيجة للعدوى.

مثلا: مرض القصور الكلوي عند عملية الغسل أو التصفية قد يتعرضون إلى انتقال فيروس التهاب الكبد، و كذلك الالتهابات أو الوفاة الناتجة عن زيادة التعرض للأشعة بسبب خلل في الجهاز المنظم.
فلا ترفع مسؤولية الطبيب في الالتزام بتحقيق نتيجة، حتى و لو كان العيب موجودا بالآلة المستعملة و يصعب كشفه إلا انه يستطيع أن يرفع طبقا للقواعد العامة المسؤولية بإقامة الدليل على أن الضرر راجع لسبب أجنبي لا يد فيه و نبينها كأمثلة عملية من خلال 03 فقرات مرتبة كالأتي(2):

الفقرة الأولى: الأدوية العلاجية.
الفقرة الثانية: عملية التحصين.
الفقرة الثالثة: تحليل الدم و نقله.

1- د/ محمد حسين منصور، المرجع السابق، ص 207.
2- د/ محمد حسين منصور، المرجع السابق ، ص 212-213.

الفقرة الأولى: الأدوية العلاجية:

الأضرار التي تصيب المريض بسبب الأدوية التي يتعاطاها قد نثير مسؤولية الطبيب أو الصيدلي أو الصانع لها أو مسؤوليتهم معا مجتمعين فالطبيب عند كتابته الدواء بتذكرة العلاج يخضع للالتزام ببذل العناية اليقظة في أن يكون الدواء ناجعا و لكنه لا يلتزم بشفاء المريض.

و لا تقوم مسؤولية الطبيب في هذا الصدد إلا إذا ثبت تقصيره أما بإهماله في اختيار الدواء أو خطئه في وصفه أو في طريقة تعاطيه كالطبيب الذي يصف مادة ذات خصائص سامة دون بيان كيفية و شروط تعاطيها، و ذلك الذي يكتب الدواء بصيغة غير مقروءة و تثير اللبس لدى الصيدلي فيصرف دواء مختلفا يترتب عليه وفاة المريض(1).

فإذا كان الصيدلي يضمن سلامة الأدوية التي يبيعها أو يركبها و نفس الشيء بالنسبة للصانع إلا أنهما لا يضمنان فعالية تلك الأدوية و مدى نجاحها في العلاج، فهو التزام بعناية يلتزمان بصدده تقديم الدواء المتفق مع الأصول العلمية السائدة بهدف شفاء المريض.

يشترك الصيدلي مع الصانع في المسؤولية إذا كان على علم بفساد الأدوية أو عدم صلاحيتها، و لكنهما استمرا مع ذلك في صنعها و بيعها، إذ أنهما قادران من الناحية العلمية من التحقق من سلامة صحة هذه الأدوية(2)، و مثال ذلك حالة قيام الصيدلي بتركيب الدواء بنسب معينة، إذ يسأل عن أي خلل في التركيب أو فساد عناصره و ما يترتب على ذلك من أضرار أو تسممان من أي نوع للمريض.

1- د/ محمد حسين منصور، المرجع السابق ، ص 222.
2- د/ محمد حسين منصور ، المرجع السابق ص 224-225.

الفقرة الثانية: عملية التحصين.

الاستثناء الوارد على عملية التحصين، التزام الطبيب في هذه الحالة يقضي بسلامة المريض إذ يجب أن لا يكون تلقيحه محلا لأضرار أخرى كالعدوى، و أن يلقح بطريقة صحيحة، أما عملية التلقيح أو فعاليتها فهذا يعد التزاما ببذل عناية و الجهود الصادقة و اليقظة في اختيار الدواء المستعمل، و كيفية استعماله متفقا مع الأصول العلمية الحديثة المتوقعة نتيجة التلقيح ضد المرض المفشى عنه، و غالبا ما يكون التحصين إجباريا تقوم به الدولة، فهنا تسأل عن المضار و الحوادث التي قد تنتج عن عملية التحصين، أي كان المكان الذي تجري فيه، إذ أنها المكلفة بضمان سلامة المواطنين في هذا الصدد.

الفقرة الثالثة: تحليل الدم و نقله.

تعتبر التحاليل الطبية من العمليات العادية التي تقع على محل محدد تحديدا دقيقا و لا تحتمل صعوبات خاصة بالنسبة للطبيب و لا تنطوي على قدر من الاحتمال و المخاطر كغيرها من الأعمال الطبية، لذلك يتجه القضاء بصددها إلى اعتبار الطبيب مكلف بنتيجة ألا و هي سلامة التحليل و دقته، و يستوي في ذلك أن يكون موضوع تحليل الدم معرفة مكوناته أو أشياء أخرى في جسم الإنسان كالبول و غيره فعملية تحليل الدم و نقله تعد هي الأخرى التزاما بتحقيق نتيجة ألا و هي سلامة التحليل و دقته ثم نقله إلى المريض الذي يتفق مع فصيلته، و هذا مع استبعاد أي خطر، كأن يكون الدم مصدر عدوى له، و يترتب على الإخلال بالالتزام بسلامة المريض قيام مسؤولية الطبيب الملتزم بذلك، و لا يستطيع التخلص من الملاحقة إلا بإثباته لقيام سبب أجنبي لا يد له فيه، و لا يكفي إثباته القيام ببذل العناية الواجبة(1).
ماذا لو كان الطبيب في حالة طوارئ بالنسبة للعديد من المرضى نتيجة حادث أو انفجار……الخ و احتاج معظم المرضى و الجرحى إلى إضافة الدم و كان بنك الدم يفتقر للنسبة المطلوبة فيتقدم المتبرعون بدمائهم، ثم يتضح لدى بعض المرضى أنه نقل لهم مرض فيروسي خطير نظرا لجهل المتبرعين أنفسهم لحملهم له خاصة و أنه في حالة طوارئ يصعب إجراء تحليل كاف قد يكشف على بعض الأمراض أو الفيروسات في وقت بسيط.

1- د/ محمد حسين منصور، المرجع السابق، ص 231.

المبحث الثاني: المسؤولية التقصيرية للطبيب.

تعرف المسؤولية التقصيرية بأنها من احترف عملا غير مشروع لم يتعهد صراحة و لا ضمنا بتعويض من أضره ذلك الفعل و لم يكن لإرادته أي دخل فيها يترتب على ذلك من تعويض، و أما القانون هو الذي يجره على تحمل الالتزام الناشيء عما صدر منه، بغير أن يكون له الخيار في قبول ذلك أو رفضه و إذن فليس يجب في هذا توافر الأهلية القانونية اللازمة في إنشاء الأعمال القانونية(1).

و إن المسؤولية عن الأعمال الشخصية، أي عن عمل شخصي يصدر من المسؤول نفسه، هي مسؤولية تقوم على خطأ واجب الإثبات فالخطأ هنا غير مفروض بل يكلف الدائن إثباته في جانب المدين، و هذه هي القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية.

و المسؤولية في قاعدتها العامة، لها أركان إذا توافرت ترتب على المسؤولية أثارها.

و نجد أن المسؤولية التقصيرية للطبيب قد قضت بها محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 03/07/1969 بأنه لا يمكن مساءلة الطبيب في المستشفى العام إلا على أساس المسؤولية التقصيرية، لأنه لا يمكن القول في هده الحالة بان المريض قد اختار الطبيب لعلاجه حتى يكون هناك عقد بينهما، كما لا يمكن القول بوجود عقد اشتراط لمصلحة المريض بين إدارة المستشفى العام و بين أطبائها لان علاقة الطبيب الموظف بالجهة الإدارية التي يتبعها هي علاقة تنظيمية و ليست تعاقدية.

و بذلك يكون الطبيب مسؤول عن تعويض الضرر المرتكب عن خطئه في المعالجة، في إطار المسؤولية التقصيرية فقط بعيدا عن المسؤولية العقدية(2).

1- دكتور حسن عامر- المسؤولية المدنية- ص 15.
2- الدكتور محمد حسين منصور – المرجع السابق – ص 1094 –ص 199.

و تقوم المسؤولية التقصيرية للطبيب على ثلاثة أركان هي: الخطأ و هو ما سنتناوله في الطلب الأول و الضرر في المطلب الثاني و العلاقة السببية في المطلب الثالث.

المطلب الأول: الخطأ الطبي:

و هو كل خطأ يسبب ضرر للغير يلزم فاعله ( التعويض) طبقا للمادة 163 قانون مدني، و إن التزام الطبيب هو التزام بوسيلة هي بذل العناية الصادقة من اجل شفاء المريض فان قصر فهو تقصير في مسلك الطبيب لا يقع من طبيب يقظ وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسؤول أو هو كل مخالفة أو خروج من الطبيب في سلوكه عن القواعد و الأصول الطبية التي يقضي بها العام، أو المتعارف عليها نظريا و علميا وقت تنفيذه للعمل الطبي، أو هو إخلاله بواجبات الحيطة و الحذر و اليقظة التي يفرضها القانون متى ترتب على فعله نتائج جسيمة، في حين كان في قدرته وواجب عليه أن يتخذ في تصرفه ( اليقظة أو التبصر) حتى لا يضر بالمريض.

إذن فالخطأ الطبي هو انحراف الطبيب عن السلوك المألوف لمهنته مع إدراكه بهذا الانحراف.
و من خلال ذلك نرى بان الخطأ في هذا الإطار يقوم على ركنين أحدهما مادي و هو الانحراف أو التعدي و الأخر معنوي و هو الإدراك.
هذين الركنين يستلزم كل منهما وجود الأخر و هذا ما سنتناوله من خلال نوعين: الأول الركن المادي أي التعدي أو الانحراف و الثاني الركن المعنوي أي الإدراك (الإرادة الآثمة)(1).

1- الدكتور عبد الوهاب عرفة – المرجع السابق- ص 22.

الفرع الأول: الركن المادي ( الانحراف أو التعدي):

إن الخطأ يأخذ صورتين: إما أن يكون ايجابيا أو سلبيا و هذا ما سنتناوله في فقرتين:

الفقرة الأولى: الجانب الايجابي للخطأ:

لا جدال في أن الخطأ في عنصره المادي هو كل انحراف عن السلوك المألوف العادي، غير أن الرأي الفقهي قد اختلف في معيار الخطأ.

فذهب الرأي الأول إلى الاخد بالمستوى المجرد دون المقياس الشخصي فقياس الانحراف لسلوك شخص تجرد من ظروفه الشخصية و هو الشخص العادي الذي يمثل جمهور الناس.

فلا هو خارق الذكاء شديد اليقظة، فيرتفع إلى الذروة و لا هو محدود الفطنة حامل الهمة فينزل إلى الحضيض(1).

و مؤدى ذلك أنه ينظر إلى المألوف من السلوك هذا الشخص العادي و يقاس عليه سلوك الشخص الذي نسب إليه التعدي، فان كان هذا الأخير لم ينحرف في سلوكه عن المألوف عن سلوك الشخص العادي فهو لم يتعد إذا و ينتفي عنه الخطأ أما إذا كان قد انحرف، فمهما يكن أمر فطنته فقد وقع منه الاعتداء و ثبت عليه الخطأ و ترتبت المسؤولية في ذمته(2)

و نادى الرأي الثاني بالتفرقة بين الخطأ المتعمد و غير المتعمد، ففي الحالة الأولى إذا كان الفعل قصد به الأضرار بالغير، كالقتل كالقتل العمد فان المعيار يكون ذاتيا أي شخصيا أي ينظر إلى التعدي من خلال شخص المعتدي، فنبحث هل ما وقع منه يعتبر

1- دكتور عبد الحميد الشواربي –المرجع السابق- ص 24.
2- دكتور عبد الحميد الشواربي – المرجع السابق- ص 26-27.

بالنسبة إليه انحراف في السلوك أي في سلوكه هو، فقد يكون على درجة كبيرة من اليقظة و حسن التدبير فأقل الانحراف في سلوكه يكون تعديا.
و قد يكون دون المستوى العادي في الفطنة و الذكاء فلا يعتبر متعديا إلا إذا كان الانحراف في سلوكه انحراف كبير بارزا، و قد يكون في المستوى العادي المألوف فالتعدي بالنسبة إليه لا يكون انحراف في السلوك بهذا القدر من البروز، و على تلك الدرجة من الضآلة، و لكنه انحراف إذا وقع يعتبره جمهور الناس انحراف عن السلوك المألوف، و على ذلك يتعين على القاضي أن يرجع إلى المسؤول نفسه ليبحث في مكنون نفسه و الغوص فيها خارج ضميره، بصدد ما بدا محدثا للضرر و يلحقه أصحاب هذا الرأي بالخطأ العمد و الخطأ الجسيم.
أما الحالة الثانية و هي حالة ما إذا كان العمل غير المشروع غير عمدي أو وقع نتيجة إهمال كالإصابة الخطأ فيأخذ بالمعيار الموضوعي المجرد ثم يستدرك بعض أخطار هذا الرأي فيقرر أن الأمر لا يختلف، حق و لو أخد بالمعيار المجرد في شان الفعل العمدي(1).

و الرأي الأول هو الراجح فقها و قضاءا- ذلك أن المقياس الشخصي فيه عيب جوهري لا يصلح معه أن يكون مقياسا منضبطا وافيا بالغرض يقتضي أن ننسب الانحراف في السلوك إلى صاحبه، فنظر إلى الشخص و نكشف عما فيه من فطنة و ما درج عليه من عادات، و هذا كله أمر خفي قد يستصعب على الباحث المتفق كشفه.
و هنا يختلف من شخص إلى أخر، فالانحراف عن السلوك المألوف تراه الناس انحراف محققا يكون تعديا بالنسبة إلى شخص ذي فطنة أو شخص عادي و لا يكون كذلك بالنسبة إلى شخص دون الاثنين في الفطنة.
و هذا يثير التساؤل عن ذنب المضرور و قد لحق به الضرر الذي يسببه شخصا يكون فوق المستوى العادي أو دون هذا المستوى.
أما الأخد بالمعيار المجرد فانه يضع مقياسا منضبطا صالحا واف بالغرض و لا يستلزم البحث في خفايا النفس، كما انه لا يختلف في تطبيقه من شخص إلى أخر، إذ يصبح التعدي أمرا واحدا بالنسبة للجميع فإذا جاوز الانحراف المألوف من سلوك الناس صار تعديا سواء كان الشخص حاد الذكاء أو متوسط أو مفرطا في الغباء، فضلا عن الاخد بالرأي الثاني يؤدي إلى التشدد مع الشخص الحريص و التسامح مع المهمل و هو ما يؤدي إلى نتيجة غير منطقية(2).

1- دكتور عبد الحميد الشورابي – المرجع السابق- ص 28.
2- الدكتور عبد الحميد الشواربي – المرجع السابق- ص 29.

الفقرة الثانية: الجانب السلبي للخطأ.

الخطأ السلبي هو الذي بأحد صورة ترك أو امتناع و هو لا يتحرك إلا حيث بدل الترك أو الامتناع عن إهمال أو عدم الاحتياط، و العبرة فيه تقضي هذه الدلالة بالظروف التي أحاطت بالإنسان وقت أن يصدر منه الترك أو الامتناع موضع المؤاخذة و بالعادات و التقاليد التي تسود البيئة التي يهمل فيها و كذا الإلمام بالقانون الذي يسيطر عليه.

و على هذا يعتبر الترك أو الامتناع خطأ في الحالات التالية:

أ- كلما وقع الترك أو الامتناع خلافا لما أمرت به القوانين و اللوائح فمن يفعل عمل يفرضه عليه القانون يعد مخطئا و مسؤولا عن الضرر الذي يترتب عن خطئه لان الأعمال التي يفرضها القانون ملحوظ فيها أن تكون لازمة لصيانة أموال الناس و أرواحهم، فمن يغفل أداء عمل من هذه الأعمال يرتكب خطأ جسيما تقوم مسؤوليته في تعويض ما أحدثه خطئه من ضرر(1).

ب- لا يشترط لاعتبار الامتناع أو الترك خطأ إذا وقع خلافا لقانون أو لائحة بل يكفي أن يكون الترك أو الامتناع واقعا على عمل يستدعيه حماية للغير و على ذلك يعتبر مخطئا و مسؤولا كل من أقدم على عمل و لم يتخذ له عدته من وسائل العناية و الاهتمام خصوصا إذا كان العمل محفوف بخطر يجب محا ذرته و اتقاؤه.

1- الدكتور عبد الحميد الشواربي – المرجع السابق- ص 30.

الفرع الثاني: الركن المعنوي.

مناط المسؤولية التقصيرية هو الإدراك و التميز، أي بمعنى أن وجود التميز لقيام المسؤولية التقصيرية و المطالبة بالتعويض و ذلك بحسب المادة 124 قانون مدني.

و تنص المادة 125 من القانون المدني الجزائري على انه: << يكون فاقد الأهلية مسؤولا عن أعماله الضارة متى صدرت منه و هو مميز غير انه إذا وقع الضرر من شخص غير مميز و لم يكن هناك من هو مسؤول عنه أو تعذر الحصول على تعويض من المسؤول، جاز للقاضي أن يحكم على من وقع منه الضرر بتعويض عادل مراعيا في ذلك مركز الخصوم>>.

أما عن فاقد الأهلية فانه يكون مسؤولا في استعادة المجنون مثلا لتمييزه في لحظة من اللحظات و قام في تلك اللحظة بإحداث ضرر لشخص ما يكون مسؤولا شخصيا، أما إذا ارتكبه عن غير تمييز فان المسؤولية تقع على الوصي أو القيم(1).

1- دكتور حاتم لبيب جبار – نظرية الخطأ الطبي- ص 390.

المطلب الثاني: الضرر.

يعد الضرر ركنا من أركان المسؤولية و ثبوته يعتبر شرطا لازما لقيامه و تقرير وقوع الضرر مسالة موضوعية لا رقابة فيها لمحكمة النقض و لكن الشروط الواجب توافرها في الضرر مسالة تخضع لرقابتها و الأضرار التي تصيب المريض من جراء الخطأ الطبي يمكن أن تكون مادية أو أدبية(1) و انه لا يعثر على تعريف جامع مانع للضرر في نصوص التقنين المدني الجزائري و كذا التقنينات الأخرى، و بالرغم من أن فكرة الضرر وردت في كل النصوص فمثلا في القانون المدني الجزائري من المادة 124 إلى 140 منه، و الملاحظ أن هذه المواد التي تعطي توضيحات هامة عن الضرر القابل للتعويض لا تقدم تعريف للضرر، و إنما يستنتج من دراستها ضرورة وجود ضرر و لا مسؤولية بدونه(2).

و مجاراة للفقه نعرفه بأنه الأذى الذي يصيب الشخص من جراء المساس بحق من حقوقه أو بمصلحة مشروعة له سواء تعلق ذلك الحق أو تلك المصلحة بسلامة جسمه أو عاطفته أو ماله أو حريته أو شرفه أو غير ذلك (3)، و الضرر كان متفق عليه حتى عند أنصار النظرية الموضوعية الذين يجعلون منه أساسا لنظرياتهم، فلا يكفي لوجوب هذه المسؤولية أن يقع من المسؤول فعل خاطئ و إنما يجب أن يترتب على هذا الفعل ضرر يصيب الغير، و لذلك يقولون لا مسؤولية و لا تعويض إذا انتفى الضرر.

ذلك انه ينبغي لفت الضرر إلى انه خلافا للقواعد العامة لا يكفي مجرد حدوث الضرر للتمسك بمسؤولية الطبيب أو المستشفى، فالالتزام العلاجي يعد أساسا إلزاميا ببذل عناية و ليس بتحقيق نتيجة.

1- دكتور عبد الحميد الشواربي – المرجع السابق – ص 89 و ص 96 و 97.
2- المادة 124-140 قانون مدني جزائري.
3- دكتور مصطفى مرعي – المسؤولية المدنية في القانون المصري- ص 118.

فيمكن رغم حدوث الأضرار أن لا تثور المسؤولية الطبية، إذا لم يثبت أي تقصير أو إهمال من جانب الطبيب المعالج أو إدارة المستشفى أو العيادة (1).

كما يمكن ثبوت مسؤوليته و بالتالي يشترط التعويض عنه، حيث يكون التعويض أما عن الضرر المادي أو عن الضرر المعنوي.
فالضرر في الحالتين يوجب التعويض إذا كان محققا و ماسا بحق مكتسب لمن يطلب التعويض(2).

ووقوع الضرر واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق منها: شهادة الشهود و القرائن بحيث ينقسم الضرر إلى قسمين الضرر المادي يصيب المضرور في جسمه أو ماله و هذا هو محور الفرع الأول أو أن يكون أدبيا يصيب المضرور في عاطفته أو شرفه أو كرامته(3).

1- دكتور محمد حسين منصور – المرجع السابق- ص 161.
2- دكتور عبد السلام التو نجي – المسؤولية المدنية للطبيب- ص 296.
3- دكتور احمد حشمت اوتيست و مرقش- نظرية الالتزام العامة في القانون المدني الجديد- ص 83.

الفرع الأول: الضرر المادي.

و هو المساس بجسم الإنسان أو إصابته بترتب عليه خسارة مادية للشخص و يتمثل ذلك في نفقات العلاج أو في إضعاف القدرة على الكسب أو انعدام هذه القدرة أصلا (1).

و قد يصيب الضرر المادي ذوي المريض المضرور، فقضت محكمة النقض بأنه إذا أصاب الضرر شخصا بالتبعية عن طريق ضرر أصاب شخصا أخر فلابد من توافر حق لهذا الغير، يعتبر الإخلال به ضررا أصابه و ادن العبرة في تحقيق الضرر المادي للشخص الذي يدعيه نتيجة لوفاة آخر( أو عجزه) هو أن يثبت أن المجني عليه يعوله فعلا وقت وفاته( أو عجزه) و على نحو مستمر دائم و أن فرصة الاستمرار على ذلك في المستقبل كانت محققة، فيقدر القاضي ما ضاع على المضرور من فرصة بفقد عائله و يقضي له بتعويض على هذا الأساس.

و مثل هذا الشرط لا ينطبق بطبيعة الحال على ما يلتزم المريض المضرور بإعالتهم قانونا كزوجته و أولاده ووالديه، فهؤلاء لهم فرصة محققة لا تحتاج إلى إثبات أو دليل (2).

فالقاعدة ادن في المسؤولية الطبية هي كالقاعدة في المسؤولية المدنية عموما، فبمجرد حصول الخطأ دون ضرر لا يرتب مسؤولية لان الخطأ يشترط فيه حصول الضرر منه، فالخطأ ادن على هذا الأساس مهما كان جسيما لا يرتب أية مسؤولية ما لم ينشأ عنه ضرر حال، أو مستقبل بشرط أن يكون محققا.

و هنا تجدر بنا أن نلاحظ أن الضرر المقصود هنا ليس هو الضرر الناجم عن عدم شفاء المريض أو عدم نجاح الطبيب أو الجراح في العلاج لان مجرد عدم شفاء تماما أو جزئيا لا يكون في ذاته ركن الضرر، لان الطبيب في العلاج لا يلتزم بشفاء المريض و إنما المطلوب منه بذل قصارى جهده في سبيل الشفاء و لا حرج عليه إذا

1- دكتور عبد الحميد الشواربي – المرجع السابق – ص 81.
2- دكتور جندي عبد المالك- المرجع السابق- ص 315.

بذل ما في وسعه و لم يتحقق الشفاء على يديه لان التزامه هو التزام ببذل سعي قد يؤدي أو لا يؤدي إلى تحقيق غاية معينة.

فإذا اخفق الطبيب في الوصول إليها و كان ذلك بخطأ منه لا يسأل إلا عما سببه للمريض من كسب بسبب تعطيله عن عمله و قد يحاسب على ما يسببه له من آلام جسيمة أثناء العلاج(1).

إنما لا مسؤولية عليه بسبب عدم نجاح العلاج المترتب على خطئه مادامت حالة المريض لم تسوء عما كانت عليه قبل العلاج، نخلص مما تقدم أن مجرد عدم تنفيذ الطبيب لالتزامه بالعلاج لا يكفي لإقامة الدليل على تحقق الضرر، بل يجب أن يكون هناك ضرر مستقل عن عدم التنفيذ إما الطبيب الذي يكلف بالعلاج لشخص من داء في عينه بعد أن فقدت العين البصر فلا مسؤولية عليه.

و للضرر المادي شرطان أولهما الإخلال بمصلحة مالية للمضرور، و ثانيهما تحقق الضرر.

1- دكتور عبد السلام التو نجي – المسؤولية المدنية للطبيب- ص 294-295.

الفقرة الأولى: الإخلال بمصلحة مالية للمضرور:

يشترط للتعويض عن الضرر المادي أن يكون هناك إخلال بمصلحة مالية للمضرور و أن يكون هذا الضرر محققا.

و منه جاز أن يقوم الضرر عند الإخلال بحق المضرور، فالتعدي على الحياة ضرر، إتلاف عضو أو إحداث جرح أو إصابة الجسم أو العقل بأي أدى هو ضرر مادي لأنه من شانه أن يخل بقدرة الشخص على الكسب و تحمل نفقة العلاج(1).

مثال01:< ترك أشياء في جوف المريض بعد الجراحة> فيسال الجراح الذي يترك في جوف طفل أثناء عملية جراحية إحدى ضمادات ثلاثة استعملها في العملية، فلم يتخذ اقل احتياط لتفادي نسيانها في جوف المريض، فلم يربطها بخيوط و يشبكها بملقط، كما هو العادة في مثل تلك الحالة، و أن الطبيب تمادى في خطئه عندما أخفى عن الوالدين حقيقة ما حدث فارتفعت درجة حرارة المرض بسبب الضمادة المتروكة في جوفه فأوهمهم أن حالته تحتاج عملية أخرى فقام بإجرائها لان حالة العلاج تقتضيها و إنما بحثا عن الضمادة فلم يجدها حتى خرجت من نفسها عن طريق الشرج.

مثال 02: < الآثار الحيوية الموجودة براس الجنين الذي عثر عليه الطبيب الشرعي بالتجويف البطني يشير أن وقت إجراء عملية الإجهاض كان الجنين لا يزال حيا و غير متعفن كما قرر المتهم و أن مدة الحمل التي وصلت إليها المجني عليها لم تكن تستدعي استعمال(الحقن) لاستخراج الجنين، إلى جانب وجود تمزق كبير بالرحم و هذا مفاداة أن المتهم أخطا في طريقة إنزال الجنين مما عجل بحدوث الوفاة و ما صاحب ذلك من نزيف الرحم و حدوث صدمة عصبية و أن هذا يعد ( خطا جسيم) إلى جانب أن الطبيب المتهم فوت على المجني عليها فرصة علاجها على يد أخصائي فلم يقم بتحويلها إلى إحدى المستشفيات.

1- دكتور عبد الحميد الشواربي- المرجع السابق- ص 30.

أولا: الضرر الحال و الضرر المستقبلي:

يجب أن يكون الضرر محقق الوقوع بان يكون قد وقع فعلا أو سيقع في المستقبل و كمثال على الضرر الحال هو أن يموت المضرور أو يصاب في جسمه أو أية مصلحة مالية له.

و مثال الضرر الذي سيقع حتما في المستقبل هو المصاب بفيروس انتقل إليه فيروس خطير ( السيدا مثلا ) من جراء استعمال الأدوات الطبية غير المعقمة عند مباشرة الجراحة، فعادة ما يقدر الأطباء مدة حياته قبل وقوع الوفاة و هنا يجب التمييز بين الضرر المستقبل و بين الضرر المحتمل و هو ضرر غير محقق قد يقع و قد لا يقع، فلا يكون التعويض عنه واجبا إلا إذا وقع (1).

مثال: قد يصيب الضرر المادي ذوي المريض المضرور، فقضت محكمة النقض بأنه إذا أصاب الضرر شخصا بالتبعية عن طريق ضرر أصاب شخصا آخر فلا بد أن يتوافر لهذا الأخير حق أو مصلحة مالية مشروعة يعتبر الإخلال بها ضررا أصابه، و إذن فالعبرة في تحقيق الضرر المادي للشخص الذي يدعيه نتيجة لوفاة أخر (أو لعجزه) هو أن يثبت أن المجني عليه كان يعوله فعلا وقت وفاته، و على نحو مستمر و دائم و أن فرصة الاستمرار على ذلك في المستقبل كانت محققة فيقدر القاضي ما ضاع على المضرور من فرصة بفقد عائله و يقضي له بتعويض على هذا الأساس(2).

و الضرر المستقبل يكون محققا و يصلح أساسا للمطالبة بالتعويض كلما كان نتيجة لازمة لضرر وقع فعلا فيجوز للمضرور أن يطالب بالتعويض عن ضرر مستقبل متى كان محققا الوقوع و قد نصت المادة 131 قانون مدني جزائري:<< يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المصاب طبقا لأحكام المادة 182 مدني مع مراعاة الظروف الملابسة فان لم يتيسر له وقت الحكم أن يعين مدى التعويض بصفة نهائية فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في ان يطالب خلال مدة معينة بإعادة النظر من جديد في التقدير>>.

1- دكتور عبد الحميد الشواربي – المرجع السابق- ص 31.
1- دكتور محمد حسين منصور – المرجع السابق- ص 166.

ثانيا: التعويض عن تفويت الفرصة:

و يدخل في عناصر الضرر بطبيعة الحال تفويت الفرصة La perte d’une chance فالقانون لا يمنع من أن يدخل في عناصر التعويض ما كان للمضرور من رجحان كسب فوته عليه العمل غير المشروع و ذلك انه إذا كانت الفرصة أمرا محتملا فان تفويتها أمر محقق يجب التعويض عنه(1).

و تبدو الفرصة بالنسبة للمريض من عدة وجوه، سواء ما كان أمامه من فرصة للكسب أو النجاح في حياته العامة، أو فيما يتعلق بسعادته و توازنه، كزواج الفتاة إذا كان ما أصابها متمثلا في تشوهات إلى غير ذلك من اعتبارات يقدرها قاضي الموضوع.

و قد يبدو الضرر أيضا فيما كان للمريض من فرصة للشفاء لو لم يرتكب الخطأ الطبي و ما كان له من فرصة للحياة فكلاهما يمثل ضررا مؤكدا (2).

و يلزم في مثل هذه الحالات إقامة الدليل على أن حالة المريض كانت غير ميؤوس منها أو أنها في سبيل التحسن أو على الأقل ليست نحو الاتجاه للأسوأ.

فالقاضي يعتمد في ذلك على القرائن القوية و المحددة فإذا ثبت مثلا أن المرض في سيره الطبيعي كان مؤديا حتما بحياة المريض سواء عملت له العملية أو لم تعمل فلا يسأل الطبيب عن موته (3).

أما إذا كانت حالة المريض تبعث على الاطمئنان إلى شفائه فان أي خطأ من الطبيب المعالج يفوت عليه فرصة للشفاء يعتبر مرتبطا رابطة سببية كافية لنشوء المسؤولية.

1- دكتور محمد حسين منصور- المرجع السابق- ص 166.
2- الدكتور محمد حسين منصور- المرجع السابق- ص 167.
3- الدكتور محمد حسين منصور – المرجع السابق- ص 168.

و يعد مسلك القضاء في التعويض عن تفويت الفرصة مظهرا من مظاهر تشدده المتزايد و المستمر في المسؤولية الطبية، انطلاقا من الرغبة في سلامة المرضى و استنادا إلى ما أحرزه العلم من تقدم في المجالات الطبية.

فالقضاء في الحالات التي لا تثبت فيها علاقة السببية بين الخطأ المنسوب للطبيب و الضرر الذي لحق المريض يحكم رغم ذلك بتعويض جزئي استنادا إلى أن الخطأ الطبي قد فوت على المريض فرصة إما في الشفاء أو في الحياة أو في الوصول إلى نتائج أفضل أو تجنب بعض الأضرار التي لحقته.

فقد قبلت المحكمة مسؤولية الطبيب الذي تسبب بإهماله الملاحظة و العناية في ترك الأنيميا و العطب يزدادان لدى المريضة و مسؤولية المولدة التي تركت عميلتها تعود إلى منزلها قبل الأوان، فعلاقة السببية و إن لم تقم بين الخطأين و الوفاة، إلا أنهما قد فوتا فرصة الشفاء لدى المريضة(1).

و نفس الشيء بالنسبة لخطأ الطبيب في استئصال الزائدة الدودية فهو و إن لم يؤد إلى الوفاة إلا انه قد حرم المريض من فرصة الحياة و امتناع الجراح دون مبرر مقبول عن التدخل و فحص المريض بالأشعة مما ساعد على تقدم المرض، و إن لم يكن قد أدى إلى حدوث الضرر إلا انه قد أضاع على المريض فرصة تجنب الضرر الذي يشكو منه (2)، و نفس الحكم بالنسبة للطبيب الذي امتنع عن وصف العلاج المعهود رغم تعليمات معهد السرطان، مما أدى إلى إجراء جراحة أصبحت حتمية للمريض بعد عدة شهور، فهذا الامتناع افقد المريض بعض الفرص في الشفاء أو في التحسن، و هذه الفرص و إن كانت ضئيلة إلا أنها مع ذلك ليست افتراضية بل محققة، و يلتزم الطبيب بتعويض الضرر الناتج عن ذلك و لكن التعويض الذي يقضي به القضاء من ضياع فرصة الحياة أو الشفاء أو التحسن يكون جزئيا و ليس كاملا يساوي كل الأضرار الناجمة عن الخطأ، سواء أكانت وفاة أو عاهة أو أي ضرر أخر.

1- الدكتور محمد حسين منصور – المرجع السابق- ص 168.
2- الدكتور محمد حسين منصور – المرجع السابق- ص 169.

الفرع الثاني: الضرر الأدبي:

و يتمثل الضرر الأدبي في مجرد المساس بسلامة جسم المريض أو إصابته أو عجزه نتيجة خطا الطبيب أو المستشفى و يبدو ذلك في الآلام الجسيمة و النفسية التي يمكن أن يتعرض لها، و يتمثل أيضا فيما ينشا من تشوهات و عجز في وظائف الأعضاء.

و يبدو الضرر الأدبي في حالة وفاة المريض بالنسبة لأقاربه كوالديه و أولاده و زوجته من خلال ما يصيبهم في عواطفهم و شعورهم الشخصي من جراء الوفاة.
و قد قضت محكمة النقض بان تعويض الوالد عن فقد ابنه لا يعتبر تعويضا عن ضرر محتمل الحصول في المستقبل، التعويض إنما يحكم به عن فقد الولد و ما سببه هذا الحادث من اللوعة للوالد في أي حال نقض جنائي (1).

و قضت كذلك بأنه يجوز للمضرور أن يطالب بالتعويض عن الضرر المستقبل متى كان محقق الوقوع أي انه يصلح أساسا و لما كان الطاعن لن يقتصر في طلباته على تعويضه بما تكبده من نفقات علاج ابنته بل ضمنها ما ينتظر تكبده من مصاريف علاجية و عمليات جراحية و تجميلية لابنته المصابة، فان الحكم المطعون فيه قد قصر قضاءه بالتعويض عما تكبده الطاعن من نفقات العلاج الفعلية و لم يدخل الحكم عنصر الضرر المستقبل في تقدير التعويض عن الحادث و لم يناقشه عن أسبابه، فانه يكون معيبا بالقصور(2).

و هذا الحكم و إن كان يؤكد الاخد في الاعتبار الضرر المستقبل طالما انه محقق الوقوع إلا انه يصلح أساسا لاستبدال تبني المحكمة للأضرار الأدبية التي يمكن أن

1- نقض جنائي 07 نوفمبر 1961 ص 199، الدكتور عبد السلام التو نجي – المرجع السابق- ص 297.
2- نقض 8 فبراير 1977 من 34-38 ص 390.

تصيب الأقرباء و تلك التي تتمثل في التشوهات الجسمانية (1)، و يختلف الضرر الأدبي بطبيعة الحال من شخص لأخر فالشاب ليس كالمسن و الفتاة ليست كالوالد، فالأمر يقدر على ضوء الآثار التي تتركها الإصابة أو العجز على حالة المريض منظور إلى ذلك من خلال عمله أو مهنته أو ظروفه الاجتماعية و الجسمانية إلى غير ذلك.

و يدخل في عناصر الضرر بطبيعة الحال تفويت الفرصة، ذلك انه إذا كانت الفرصة أمرا محتملا، فان تفويتها أمر محقق يجب التعويض عنه(2).

و تبدو الفرصة بالنسبة للمريض من عدة وجوه، سواء ما كان أمامه من فرص للكسب أو النجاح في حياته العامة، سواء فيما يتعلق بسعادته و توازنه كزواج الفتاة، إذا كان ما أصابها متمثلا في تشوهات إلى غير ذلك من اعتبارات يقدرها قاضي الموضوع.

و يلزم في مثل هذه الحالات بطبيعة الحال إقامة الدليل على أن حالة المريض كانت غير ميؤوس منها و أنها في سبيل التحسن أو على الأقل ليست نحو الاتجاه للأسوأ.

فالقاضي يعتمد في ذلك على القرائن القوية و المحددة، فان ثبت مثلا أن المرض في سيره الطبيعي كان مؤديا حتما بالمريض سواء عملت له العملية أو لم تعمل فلا يسأل الطبيب عن موته.

و يعد مسلك القضاء في التعويض عن تفويت الفرصة مظهرا من مظاهر تشدده المتزايد و المستمر في المسؤولية الطبية، انطلاقا من الرغبة في سلامة المرض و استنادا إلى ما أحرزه العلم من تقدم في المجالات الطبية (3).

1- نقض 8 فبراير 1977 من 34-38 ص 390.
2- نقض 22/03/ 1977 من 28 ص 722 الدكتور جندي عبد المالك –المرجع السابق ص 315.
3- دكتور جندي عبد المالك – المرجع السابق- ص 316.

المطلب الثالث: العلاقة السببية:

تعتبر العلاقة السببية ركنا أساسيا لقيام المسؤولية المدنية حيث يعتبر فعل ما سببا للضرر، كلما ساهم هذا الفعل في إحداث الضرر أو زاد من جسامته، و يمكن أن تتعدد الأفعال التي تتصف بتلك الصفات بحيث تبدو كأسباب ضرورية للضرر، عندئذ يؤاخذنا مرتكبو هذه الأفعال و يحكم عليهم بالتضامن، كما لو ساءت حالة المريض على ما كانت عليه بسبب فعل الطبيب أو ساهمت أخطاء أكثر من طبيب في إحداث الضرر(1)، إذ لا يمكن مجرد وقوع الضرر للمريض بل يجب ثبوت خطأ الطبيب إلى جانب هذا الضرر.

و تحديد رابطة السببية في المجال الطبي يعد من الأمور الشاقة و العسيرة نظرا لتعقد الجسم الإنساني و تغير حالاته و خصائصه و عدم وضوح أ سباب للمضاعفات الظاهرة، إذ قد ترجع أسباب الضرر إلى عوامل بعيدة أو خفية ترجع إلى طبيعة تركيب جسم المريض و استعداده مما يصعب معه تبينها و من الأمثلة على ذلك ما عبر من أمام محكمة مصر الكلية من أن طبيب المدرسة كشف على احد الطلبة للنظر في إعفاءه من الألعاب الرياضية فقرر أن قلبه سليم و لا داعي لإعفائه، و ذات يوم بينما كان الطالب يقوم بالتمرينات البد نية سقط مغشيا عليه و توفى.

و قرر الطبيب الشرعي بعد تشريح الجثة أن الطالب كان عنده استعداد للوفاة الفجائية من الحالة الليمفاوية التي اصطحبت بثقب بيضاوي في القلب و انه من الممكن أن تكون الوفاة قد نشأت عن هذه الحالة المرضية فقط دون أن يكون للألعاب الرياضية دخل في حدوثها، فقضت المحكمة أمام هذا التقرير بإعفاء الطبيب من كل المسؤولية.

إلا أن هذا لا يعني عدم البحث في مسؤولية الطبيب و خطئه و لا يعفى الطبيب منها إلا إذا اثبت أن النتائج الضارة لتدخله تعد غير متوقعة و ضعيفة الاحتمال طبقا للمجرى العادي للأمور (2).

1- المؤتمرات العلمية لجامعة بيروت العربية – المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين من ص 178 إلى 180.
2- د. جندي عبد المالك المرجع السابق من ص 317 إلى 318.

و عليه نتناول في هذا المطلب فرعين: الفرع الأول موقف القضاء الأوروبي من العلاقة السببية و في الفرع الثاني نفي رابطة العلاقة السببية بإثبات السبب الأجنبي.

الفرع الأول: موقف القضاء من العلاقة السببية:

ذهب القضاء الأوروبي إلى ضرورة توفر علاقة السببية بين الخطأ و الضرر حتى تقوم المسؤولية المدنية.

و محكمة النقض الفرنسية قد جرت على نقض جميع الأحكام التي لم توضح توافر علاقة السببية كما جعلت لنفسها الحق في رقابة و تقدير هذه العلاقة غير أنه يتعين التفرقة بين الوقائع المادية، التي تخضع للتقدير المطلق للقاضي الموضوع، و بين تكييف ما إذا كانت هذه الأفعال نفسها كافية للقول بوجود علاقة سببية أو عدم وجودها، فإنها مسالة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض.

فذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى انه اثبت المضرور الخطأ و الضرر.

و كان من شأن ذلك الخطأ أن تحدث هذا الضرر، فان القرينة على توافر علاقة السببية بينهما تقوم لصالح المضرور، و يكون للمسؤول أن يقوم بنقض هذه القرينة بإثبات أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لابد له فيه(1).

و انه لا يكتفي لنفي علاقة السببية بين الضرر و الخطأ الثابت وقوعه بوجود أسباب أخرى من شأنها أن تتسبب هذا الضرر و لكن يجب أن يتحقق توافر أحد هذه الأسباب.
و بخصوص رقابة محكمة النقض على مدى توافر علاقة السببية، فقد جرى قضاؤها على أن البحث في رابطة السببية بين الخطأ و الضرر هو من المسائل الواقعية التي لا تخضع قاض الموضوع في بحثه لرقابة محكمة النقض إلى أن يشوب التسبب عيب يبطله.

و على أن تقدير الدليل علة قيام رابطة السببية هو من الأمور الموضوعية التي لا تخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض.

1- د. عبد الحميد الشواربي- المرجع السابق- ص 37.

الفرع الثاني: نفي الرابطة السببية بإثبات السبب الأجنبي:

تنص المادة 127 قانون مدني جزائري على أنه: << إذا اثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ من الغير، كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ما لم يوجد نص قانوني أو اتفاق تخالف ذلك>>.
و على ذلك فالسبب الأجنبي الذي يترتب عليه انعدام رابطة السببية هو:

القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ، و هو ما سندرسه في الفقرة الأولى أما خطأ المضرور فندرسه في الفقرة الثانية، و تعدد المسؤولين في المسؤولية في حالة وقوع الخطأ من المدعي عليه و الغير سيكون محور الدراسة في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ:

القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ ليس مختلفين كسبب لنفي رابطة السببية بين الخطأ و الضرر، ذلك أن القوة القاهرة هي الواقعة التي لا يكون في طاقة الشخص دفعها أو أن يمنع أثرها، و الحادث المفاجئ هو الواقعة التي لا يمكن توقعها (1).
و الواقعة التي تؤدي إلى قطع علاقة السببية بين الخطأ و الضرر يجب ان يتوفر فيها شرطان:

1- أن تكون غير ممكنة للدفع.
2- أن تكون غير متوقعة.

فالمقصود بالقوة القاهرة أو الحادث المفاجئ هو الواقعة التي يتعذر على الإنسان دفعها و التي لا تتوقع عادة، و التي يمكن إسنادها للضرر الحاصل للغير من جرائها و القوة القاهرة و الحادث الفجائي كثيرا ما يكونا سببا في الإعفاء من المسؤولية و قد يكون بالمعنى الوارد بالمادة 127 قانون مدني جزائري زلزالا أو حريقا أو فيضانا أو حربا و من أمثلة ذلك وفاة المريض بالقلب على اثر رعد مفاجئ أو زلزال.

1- دكتور عبد الحميد الشواربي – المرجع السابق- ص 38 و 39.

و القوة القاهرة كما سبق القول هي كل ما يستحيل دفعه فمثلا ليس مستحيلا توقع الحرب ذاتها، و لكن المستحيل هو دفع ما تخلفه من أحداث و اضطرا بات(1).

الفقرة الثانية: خطأ المضرور:

إذا افترضنا أن المدعي عليه وقع منه خطأ ثابت أو مفترض و أن المضرور كذلك وقع منه خطأ و أن كل الخطأ بين ما ساهم في إحداث الضرر، فتكون هنا المسؤولية مشتركة بين الطبيب و المضرور، أما إذا لم يقع من المدعي عليه خطأ ووقع الضرر بفعل المضرور نفسه، فلا مجال لتطبيق المسؤولية التقصيرية و هذا ما يقودنا إلى فرضين هما:

* الفرض الأول هو أن احد الخطأين استغرق الآخر و يتحقق هذا الفرض في حالتين: الأولى أن يفوق أحدهما الأخر في جسامته و الثانية أن يكون احد الخطأين نتيجة للخطأ الآخر.

الحالة الأولى:
أحد الخطأين يفوق الأخر في الجسامة:

و تتحقق هذه الحالة في صورتين:

1- أن يكون احد الخطأين متعمد، إما أن يكون الخطأ المدعي عليه و إما أن يكون خطأ المضرور.

فإذا كان المتعمد هو خطا المدعي عليه، كأن يكون هو الذي تعمد إحداث الضرر كانت مسؤوليته كاملة، حتى و لو كان خطأ المضرور غير متعمد قد ساهم في إحداث الضرر، أما إذا كان الخطأ المتعمد هو خطأ المضرور نفسه فان خطأه يستغرق خطأ للمدعي عليه، و ترفع مسؤوليته هذا الأخير لانعدام رابطة السببية.

1- دكتور عبد الحميد الشواربي – المرجع السابق- من ص 40 إلى 46.

2- في حالة خطأ المتضرر، فهنا لا تطبق المسؤولية التقصيرية للطبيب إلا انه في حالات قد يكون الخطأ من طرف الطبيب، و المريض أي انه خطأ مشترك و يقدر التعويض بحسب جسامة ما وقع من ضرر مع مراعاة ما يدخل في الاختيار من تسبب المدعي في وقوعه ثم يقضي له بالتعويض الذي يستحقه و إذا كان الخطأ مشتركا جاز لكل ا الطرفين طلب التعويض حيث تتم المقاصة بينهما و الزائد تقضي به المحكمة للخصم الآخر.

مثال: كأن ينصح جراح العيون مريضه الذي أجرى الجراحة في عينه ليس من الضروري تغطيتها نظرا لحرارة الجو التي قد تزيد في التهاب الجرح فيقوم المريض بتنظيفها بالماء ظنا منه أن ما يقوم به وقاية من البكتيريا فتفشل العملية لحدوث عفن في مكان الجراحة يؤدي إلى فقدان البصر.

الحالة الثانية:
أن يكون أحد الخطأين هو نتيجة لخطأ الآخر:

و في هذا يعتبر الخطأ الأصلي الذي تفرع عنه الخطأ الآخر انه السبب الوحيد و الحقيقي فيما وقع من ضرر، فادا كان خطأ المضرور هو نتيجة خطأ المدعي عليه اعتبر خطأ المدعي عليه فقط هو الذي أحدث الضرر و تكون مسؤولية كاملة.

أما إذا كان خطا المدعي عليه نتيجة خطأ المضرور اعتبر خطأ المضرور هو الذي أحدث الضرر و لا مسؤولية على المدعى عليه (الطبيب) لانعدام رابطة السببية (1) كأن يطلب الطبيب من مريضه أن ينظف الطفح الجلدي الذي الأصل أن يكون أصابه بمزيج متكافئ من اليود و كلورور الصوديوم المحلول الأول نصف كمية الثاني حتى لا تحدث مضاعفات فيقوم المريض ضننا منه تسريع عملية العلاج للتخفيف عن نفسه.

1- الدكتور عبد الحميد الشواربي – المرجع السابق- ص 36 و 46.

الفقرة الثالثة:

تعدد المسؤولين في حالة وقوع الخطأ من كل من المدعي عليه و الغير:

إذا كان السبب فيما وقع من ضرر إلى خطأ كل من المدعي عليه و الغير معا، و لم يكن احد الخطأين أكثر جسامة من الأخر، مثال: أن يطلب الطبيب من الممرض أن يحضر له نوعا معينا من الحقن، فيحضر له نوعا أخر و يسلمه للطبيب الذي حقن به المريض دون أن يتوثق من نوعه فيصاب المريض من جراء ذلك الضرر.

فان كلا منهما ارتكب خطا و ليستغرق أحدهما خطأ آخر، و هو ما يطلق عليه قانون تعدد المسؤولين فان في هذه الحالة يكون للضرر سببان كل منهما له شان في حدوثه(1).

و قد نصت المادة 126 قانون مدني جزائري على انه: << إن تعدد المسؤولين عن عمل ضار كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر و تكون المسؤولية فيما بينهم بالتساوي إلا إذا عين القاضي نصيب كل منهم في الالتزام بالتعويض (2)>> و مؤدى هذا النص أن تكون القسمة أصلا فيما بين المسؤولين بالتساوي على عدد الرؤوس و هذا واضح أيضا من الأعمال التحضيرية للقانون المدني فقد كان المشرع النهائي ينص على الأقل أن تكون القسمة بالتساوي و رغم صراحة النص فيتجه الرأي الغالب في الفقه إلى أن قسمة التعويض لا تكون بين المسؤولين إلا إذا استحال تعيين من أحدث الضرر من بينهم أو تحديد نسبة ما قد يكون ساهم به كل منهم في إحداثه أم إذا كان المستطاع تعيين نصيب كل منهم و مدى مساهمته في الضرر فان للقاضي أن يحدد ما يؤديه كل منهم معتمدا في ذلك على جسامة الخطأ الذي وقع منه و نصيب هذا الخطأ في إحداث الضرر للمضرور و نظرا لان النص قد قرر التضامن فيما بين المسؤولين فيجوز لان يرجع على أي منهم بالتعويض فيؤديه كاملا من يطالب به ثم يرجع على الآخر بنصيبه