القانون الذي يحكم جنسية المصريين :

ان قيام دولة الجمهورية العربية المتحدة بعد اتحاد سوريا ومصر، أدى إلى زوال الجنسية المصرية والجنسية السورية، وحلول جنسية الجمهورية العربية المتحدة محل هاتين الجنسيتين، وقد صدر بالفعل القانون رقم ٨٢ لسنة ١٩٥٨ م بتنظيم جنسية الجمهورية العربية المتحدة. غير أن انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة في ٢٨ سبتمبر سنة ١٩٦١ م، أدى إلى أنها استردت كيانها الدولي، فأصبحت لها جنسية خاصة بها هي الجنسية السورية. وقد ترتب على ذلك الانفصال ومن تاريخ وقوعه، أن أصبحت جنسية الجمهورية العربية المتحدة مقصورة فقط على من يعتبرون مصريين في حكم قوانين الجنسية المصرية، وأصبح السوريون معتبرين من الأجانب، وكان من الواجب تدخل المشرع المصري لإلغاء تشريع جنسية الجمهورية العربية المتحدة الصادر سنة ١٩٥٨ م، وإصدار تشريع جديد أسوة بما فعله المشرع السوري، غير أن وفاء مصر للوحدة جعلها تستمر في الاحتفاظ باسم الجمهورية العربية المتحدة حتى سبتمبر ١٩٧١ م، وهو تاريخ قيام جمهورية مصر العربية. وقد ظل القانون رقم ٨٢ لسنة ١٩٥٨ م قائماً حتى سنة ١٩٧٥ م، حيث تدخل المشرع وأعاد التنظيم التشريعي للجنسية المصرية على وجه يتفق والأوضاع القانونية القائمة، وقد تم إعادة هذا التنظيم بمقتضى القانون رقم ٢٦ لسنة ١٩٧٥ م، الصادر في ٢١ مايو ١٩٧٥ م، ومن ثم ، فإن القانون الأخير هو الذي ينظم حالياً كل ما يتعلق بالجنسية المصرية، سواء من حيث كسبها بطريقة أصلية أو لاحقة أو فقدانها أو استردادها أو إثباتها..إلخ.

أسس الجنسية الأصلية المصرية :

اعتمد المشرع في ثبوت الجنسية الأصلية في قوانين الجنسية المصرية المتعاقبة، منذ قانون ١٩٢٩ وحتى الآن على حق الدم بصفة أساسية، كما اعتمد على حق الإقليم بصفة ثانوية، ويتفق هذا المسلك مع ظروف المجتمع المصري الذي تزيد فيه نسبة كثافة السكان، ومن ثم، لا يحتاج إلى استجلاب سكان من الخارج . واعتمد قانون سنة ١٩٧٥ م على حق الدم الأصلي في ثبوت الجنسية الأصلية، أي حق الدم من جهة الأب، ولم يعول على حق الدم الثانوي وحده )حق الدم من جهة الأم( واعتمد على حق الإقليم في حالتين استثنائيتين : حق الإقليم معززاً بحق الدم الثانوي، في حالة جهالة الأب أو جهالة جنسيته أو انعدامها، حق الإقليم وحده في حالة جهالة الأبوين معاً. وسنعرض لهذه الصور الثلاث كل على حدة.

أ- الجنسية الأصلية المبينة على حق الدم وحده )حق الدم الأصلي( :

تنص على هذه الصورة الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم ٢٦ لسنة ١٩٧٥ م، بقولها يكون مصرياً “من ولد لأب مصري”. وتقرر هذه الفقرة ثبوت جنسية الأب لولده. ويتم ذلك بقوة القانون فور الولادة، ويعرض هذا النص لأهم صور ثبوت الجنسية المصرية الأصلية. ومن الواضح أنه يشترط لتطبيق هذا الحكم توافر شرطين :

الشرط الأول : تمتع الأب بالجنسية المصرية وقت ولادة الولد :

والعبرة بحالة الأب وحده وقت ولادة الطفل، ويترتب على ذلك إهدار جنسية الأم فهي عديمة الأثر. فالولد يكتسب جنسية أبيه المصرية ولو كانت أمه أجنبية أو عديمة الجنسية، ويرجع الاكتفاء بجنسية الأب وحده إلى كونه رب الأسرة، ودوره أقوى من دور الأم في تربية الولد. وتعد فكرة التربية العائلية الأساس الذي يقوم عليه كسب الجنسية بمقتضى حق الدم. ومن ثم، يظل الولد أجنبياً ولو كانت أمه مصرية إن كان أبوه أجنبياً وقت ولادته، ولا تمييز بين جنسية الأب المصري الأصلية، أو المكتسبة فهما سوءا من هذه الناحية، ولا أهمية لمكان ميلاد الولد، فقد يولد داخل مصر كما قد يولد خارجها، حتى ولو كان قانون البلد الذي ولد فيه يضفي عليه جنسيته بناء عل حق الإقليم، ذلك ان العبرة في تحديد صفة الوطنية هي القانون المصري. وثبوت جنسية الأب لولده غير مقيدة بجيل معين فهي تتسلسل مع تسلسل الأجيال، حتى ولو تعاقب ميلاد هذه الأجيال خارج مصر، ذلك أن المشرع أطلق الحكم ولم يقيده. وقد انتقد هذا الحكم لأن تعاقب ميلاد الأجيال خارج الدولة، يؤدي إلى انقطاع صلتهم بها، فضلاً عن أنهم قد يكتسبون جنسية أجنبية مما يؤدي إلى تعدد الجنسيات، وكان الأولى تقييد هذا الحكم بجيل معين. ولما كانت العبرة بحالة الأب وقت ميلاد الولد، فلا أهمية لحالة الأب وقت الحمل بالولد، فلو كان الأب أجنبياً وقت الحمل بالولد ثم صار وطنياً وقت ولادة ولده، أصبح هذا الأخير وطنياً. وعلى العكس من ذلك لو كان الأب وطنياً وقت الحمل بالولد، ثم صار أجنبياً وقت ميلاد طفله صار الآخر أجنبياً. والحجة الرئيسية في ذلك هي استحالة التحقق من تاريخ الحمل، ولا أهمية أيضاً لحالة الأب بعد ولادة الطفل، فلو كان وطنياً في هذا التاريخ ثم اكتسب جنسية أجنبية بعد ذلك، ظل الطفل متمتعاً بالجنسية المصرية. وقد ثار التساؤل عن حال الحمل الذي يتوفى أبوه المصري قبل ولادته، والرأي السائد هو تمتع الولد بجنسية الأب المصري.

الشرط الثاني : ثبوت نسب الولد من أبيه :

يجب أن يثبت نسب الولد من أبيه بالطرق القانونية، والمرجع في أحكام ثبت النسب هو القانون المصري، وبالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية )المذهب الحنفي( وهي المطبقة في مصر بالنسبة لمسائل النسب عند المسلمين – يبين أن النسب يثبت بأحد طرق ثلاثة : الفراش، الإقرار، البينة. ويقصد بالفراش، الزوجية الصحيحة القائمة حقيقة أو حكماً )مثل حالة العدة بعد الطلاق أو الوفاة( وقت بدء الحمل، ويلحق به الدخول في الزواج الفاسد. ويثبت النسب أيضاً بشبهة الفراش في حالة الوطء بشبهة )كمن عقد زواجه على أخته من الرضاع ودخل بها دون أن يعلم التحريم (أما الزنا فلا يثبت به النسب مطلقاً للحديث الشريف “الولد للفراش وللعاهر الحجر “ويثبت النسب كذلك بالإقرار )الإقرار بالأبوة أو البنوة أو الأمومة أو الأخوة..إلخ( وهي حالة تقتصر على مجهول النسب بشرط عدم تصريح المقر بأن سبب النسب هو الزنا، وهذه الحالة تختلف عن التبني، فالإقرار هو اعتراف بنسب حقيقي لشخص مجهول النسب، أما في التبني فلا يعد المتبني بنوة حقيقة للشخص، كما أنه قد يكون معروف النسب، والتبني باطل في الإسلام. والطريق الثالث لإثبات النسب هو البينة، أي شهادة رجلين أو رجل وامرأتين في دعاوى النسب، حينما يثور نزاع حول النسب. أما بالنسبة للطوائف غير الإسلامية، فيرجع فيها إلى قوانين الملة والطائفة، وأحكام ثبوت النسبة فيها شبيهة بالأحكام المقررة في قوانين الأحوال الشخصية، فبالنسبة للمسلمين في مصر. والعبرة في ثبوت جنسية الولد هي بتاريخ ميلاده، حتى ولو جرى إثبات نسبه من أبيه في تاريخ لاحق على الميلاد، لأن جنسية الولد تستند إلى تاريخ ميلاده. فقد يجري وقت الميلاد أو بعده، وقد يجري أثناء قيام رابطة الزوجية، أو بعد انحلالها، بطلاق أو فسخ أو وفاة، وقد يجري قبل بلوغ الولد سن الرشد أو بعده. وفي جميع الحالات التي يجري فيها إثبات النسب في تاريخ لاحق لولادة الولد تثبت الجنسية المصرية له اعتباراً من تاريخ ميلاده، وتوصف هذه الجنسية بأنها جنسية أصلية. ويثور التساؤل عن حكم الولد الذي كسب جنسية أجنبية قبل ثبوت نسبه من أبيه المصري، وفي الحالات التي يجري فيها إثبات النسب بعد تاريخ الولادة. فمن المتفق عليه، أن قاعدة ثبوت الجنسية المصرية لمن يولد من أب مصري تعتبر من قواعد النظام العام، ومن ثم يعتبر الولد مصرياً بأثر رجعي من وقت ميلاده، ولا أثر للجنسية الأجنبية التي يكون قد اكتسبها غير أن ثبوت الجنسية المصرية للولد يجب أن لا يضر بالغير حسن النية، الذي تعامل مع الولد على أنه أجنبي الجنسية.

ب- الجنسية الأصلية المبنية على حق الدم الثانوي وحق الإقليم معاً :

اعتمد المشرع المصري على حق الدم من جهة الم، وهو ما يعرف بحق الدم الثانوي، في ثبوت جنسية الأم المصرية لولدها في حالة خاصة، يستهدف منها محاربة حالات انعدام الجنسية. ولذلك فهو لا يمنح الجنسية المصرية استناداً على حق الدم الثانوي إلا في حالتين : جهالة جنسية الأب أو انعدامها ، وجهالة الأب. ولم يكتف المشرع بذلك، بل قيد كسب الولد لجنسية الأم المصرية بولادته في مصر، وبذلك عزز حق الدم الثانوي بحق الإقليم على رأي البعض، أو اعتمد على حق الإقليم وعززه بحق الدم الثانوي على رأي البعض الآخر، ولا يصح القول هنا بأن المشرع المصري قد خرج على الفكرة القائلة بأن الجنسية القائمة على حق الدم مبناها تربية الولد في الأسرة وتأثره بالأب رب الأسرة، ذلك أن المشرع لا يمنح الجنسية المصرية اعتماداً على حق الدم الثانوي، إلا في حالة جهالة نسب الولد من الأب أو جهالة جنسية الأب أو انعدامها، وبذلك ينتقل عبء تربية الولد تربية قومية إلى الأم. وقد خشي المشرع من احتمال ضعف دور الأم المصرية في تربية ولدها تربية وطنية إذا ولد الولد في الخارج فينشأ في بيئة أجنبية، فاشترط أن تكون ولادته في مصر وبذلك يطمئن إلى اندماجه في البيئة المصرية.

الحالة الأولى : جهالة جنسية الأب أو انعدامها :

نصت على هذه الحالة الفقرة الثانية من المادة الثانية من قانون الجنسية رقم ٢٦ لسنة ١٩٧٥ بقولها “يكون مصرياً”… م ولد في مصر من أم مصرية ومن أب مجهول الجنسية أو لا جنسية له”. ومن الجلي، أن هذا النص يواجه حالة الولد الشرعي المولود من أم وطنية وأب مجهول الجنسية أو عديمها، فقرر منحه جنسية الأم، وقيد ذلك بولادته في مصر، وعلى ذلك يشترط لتطبيق هذا الحكم توافر الشروط الآتية:

١- أن يكون الأب مجهول الجنسية أو عديمها : وجهالة الجنسية تختلف عن انعدامها، فجهالة جنسية الأب معناها أننا نجهل جنسيته مع أنه قد تكون له جنسية، أما انعدام الجنسية فمعناها أنه ثبت أنه لا يتمتع بجنسية ما. ومن أمثلة هذه الحالة الأخيرة، الشخص الذي كان يتمتع بجنسية معينة، ثم فقدها بأن أسقطتها عنه دولته أو سحبتها منه، ولم يكتسب بعد ذلك جنسية أخرى. ويظهر الفارق بين حالة جهالة الجنسية وانعدامها، في حالة الكشف عن جنسية الأب مجهول الجنسية في تاريخ لاحق لولادة ابنه، وحالة اكتساب الأب عديم الجنسية لجنسية لاحقة لتاريخ ولادة ابنه. ففي حالة اكتساب الأب عديم الجنسية وقت ولادة الطفل لجنسية لاحقة، فإن هذا الكسب الجديد لا أثر له على جنسية ولده، إذ يظل متمتعاً بالجنسية المصرية ، لأن العبرة بحالة الأب وقت ولادة الطفل. أما إذا كان الأب مجهول الجنسية وقت ولادة الطفل، ثم علمت له جنسية، فهنا يجب الرجوع إلى أحكام الجنسية الأصلية في قانون الجنسية المصرية. وهي تقتضي بأن جنسية الأب تثبت لولده بناء عل حق الدم الأصلي، ولا تسمح بثبوت الجنسية المصرية بناء على حق الإقليم، إلا إذا كن الولد مجهول الأبوين. وتطبيقاً لهذه القواعد، تتحدد جنسية الولد في ضوء الكشف عن جنسية الأب، فإن تبين أنه كان متمتعاً بالجنسية المصرية وقت ميلاد الطفل، فإن الولد يظل متمتعاً بالجنسية المصرية بناء على حق الدم الأصلي، وليس بناء على حق الدم الثانوي، وذلك من تاريخ ولادته، أما إذا تبين أن الأب كان أجنبي الجنسية، تزول عن الولد الجنسية المصرية بأثر رجعي، سواء كان هذا القانون الأجنبي يمنح جنسية الأب لابنه أم لا يمنحها، ذلك أن العبرة في اكتساب الجنسية المصرية بناء على حق الدم الأصلي، هي لأحكام القانون المصري وبطبيعة الحال فإن زوال الجنسية عن المولود بأثر رجعي يرتد إلى تاريخ ولادته، ويجب ألا يضر ذلك بالغير حسن النية الذي تعامل معه على أنه متمتعاً بالجنسية المصرية. وعلى ذلك، فجنسية الأم الوطنية تثبت لولدها بصفة دائمة إن كان أبوه عديم الجنسية، ولكنها تثبت بصفة مؤقتة إن كان أبوه مجهول الجنسية، ويتحدد مصير جنسية الولد في ضوء الكشف عن جنسية الأب، فإذا لم تكشف جنسية الأب ظل متمتعاً بالجنسية المصرية.

٢- الولادة في مصر : وهي مسألة وقائع تثبت بكافة الطرق.

الحالة الثانية : جهالة نسب الولد من أبيه :

نصت على حكم هذه الحالة، الفقرة الثالثة، من المادة الثانية من القانون رمق ٢٦ لسنة ١٩٧٥ ، بقولها : “يكون مصرياً…

الحالة الثالثة – من ولد في مصر من أم مصرية ولم تثبت نسبته إلى أبيه قانونا :

ومن الواضح أن هذا الحكم يواجه حالة الولد غير الشرعي، وهو يقضي بمنحه جنسية أمه الوطنية إذا كان قد ولد في مصر. والحكم المقرر في هذه الفقرة، شبيه بالحكم المقرر في الفقرة الثانية نم المادة الثنية، من حيث تأسيس الجنسية على حق الدم الثانوي المقرون بحق الإقليم، ولكنه يختلف عنه من حيث مجال تطبيقا لحكم. فالفقرة الثانية منه تواجه حالة الولد الشرعي من أب عديم الجنسية أو مجهولها، أما هنا فالحكم يواجه حالة الولد غير الشرعي مجهول النسب من ناحية الأب. والحكم المقرر هنا يختلف في نطاق تطبيقه أيضاً عن الحكم المقرر في الفقرة الرابعة الخاصة باللقيط، لأن الولد غير الشرعي ثبت نسبه من أمه، وظل مجهول النسب من أبيه، أما اللقيط فهو مجهول الأب والأم معاً. والجنسية التي تثبت للولد غير الشرعي بناء على حق الدم الثانوي والولادة في مصر جنسية مؤقتة، يتحدد مصيرها بعد الكشف عن نسبه. فإذا ثبت نسب الولد من أبيه بالطريق القانوني بعد ولادته، فإن الولد يعتبر ولداً شرعياً منذ ولادته، تأسيساً على الأثر الكاشف لثبوت النسب، ذلك أن إثبات نسب الطفل من أبيه في تاريخ لاحق لولادته لا ينشئ مركزاً قانونياً للطفل، بل يكشف عن مركز ثابت له منذ ولادته. وعلى ذلك، إذا ثبت نسب الولد من أبيه بعد ميلاده وكان الأب وطنيا، ظل الولد وطنياً بناء على حق الدم الأصلي وليس بناء على حق الدم الثانوي، أما إذا تبين أن الأب كان أجنبياً وقت ولادة الطفل زالت عنه الصفة الوطنية بأثر رجعي يرتد إلى تاريخ ميلاده، سواء كان قانون جنسية الأب يمنح جنسيته لابنه أو كان لا يمنحها. أما إذا تبني أن الأب كان مجهول الجنسية أو عديمها، فإن الطفل يظل محتفظاً بالجنسية المصرية تطبيقاً لحكم الفقرة الثانية، من المادة الثانية على التفصيل الذي سبق أن أوردناه في شرح هذه الفقرة. وإذا ظل نسب الولد من أبيه مجهولاً، ظل متمتعاً بالجنسية المصرية تطبيقاً لحكم الفقرة الثالثة.

٣- الجنسية الأصلية المبنية على حق الإقليم وحده :

اعتمد المشرع المصري على حق الإقليم في منح الجنسية في حالة واحدة، يه حالة استحالة الاعتماد على حق الدم بنوعيه الأصلي أو الثانوي في منح الجنسية، وهي حالة جهالة الوالدين معاً. وقد استجاب المشرع هنا لتوصيات المؤتمرات العلمية الدولية، بمنح مجهول الوالدين الجنسية المصرية بقص محاربة حالات انعدام الجنسية. وقد نصت على حكم هذه الحالة، الفقرة الرابعة من المادة الثانية، من قانون رقم ٢٦ لسنة ١٩٧٥ بقولها “يكون مصرياً.. من ولد في مصر من أبوين مجهولين. ويعتبر اللقيط في مصر مولداً فيها ما لم يثبت العكس”. ومن الواضح، أن ثبوت جنسية الجمهورية المصرية لمجهول الأبوين يعتمد على حق الإقليم وحده، وهذا الحكم ينطبق على مجهول الأبوين، والحق به اللقيط الذي يوجد في مصر. والفرق بين مجهول الأبوين واللقيط يظهر في أن مجهول الأبوين ثابت أنه ولد في مصر من أبوين غير معلومين، أما اللقيط فقد وجد في مصر، ومن الجائز أن يكون قد ولد في الخارج ثم نقل إلى مصر، وقد أقام المشرع من وجود اللقيط في مصر قرينة على ولادته فيها، ولكنها رينة بسيطة تقبل إثبات العكس، فإذا ثبت أن هذا اللقيط قد ولد في الخارج، وهو فرض نادر الحدوث، زالت عنه الجنسية المصرية بأثر رجعي، لانعدام الأساس الذي تقوم عليه الجنسية، وهو الولادة في إقليم الدولة، أما إذا لم يقم دليل على ولادته في الخارج، ظل يأخذ حكم مجهول الأبوين لأنه دائماً أبداً مجهول الأبوين. والجنسية المصرية التي تثبت لمجهول الأبوين هي جنسية مؤقتة، يتحدد مصيرها بزوال هذه الجهالة، إذا ثبت نسب الطفل من والديه معاً أو من أحدهما. وجهالة الأب مسألة قانونية، فقد يكون الأب معروفاً بالفعل ولكن نسب ابنه منه غير ثابت قانوناً، كما في حالة عدم اعتراف الأب بأبوته للولد. بينما جهالة الأم مسألة وقائع. ولما كانت الجنسية الأصلية المبنية على حق الدم ملازمة لثبوت النسب منا لوالدين أو من أحدهما، فإن الولد مجهول الأبوين يظل محتفظاً بالجنسية المصرية بناء على حق الإقليم طالما لم يثبت نسبه. فإذا ثبت نسب الولد من والديه أو من أحدهما، طبقت الأحكام الواردة في الفقرات الأولى والثانية والثالثة من المادة الثانية التي سبق أن عرضنا لها، فتتأكد له الجنسية المصرية أو تزول عنه بأثر رجعي، يرتد إلى وقت الميلاد .

المؤلف : احمد عبد الحميد عشوش
الكتاب أو المصدر : القانون الدولي الخاص
الجزء والصفحة : ص92-101

اعادة نشر بواسطة محاماة نت