احكام التضامن في القانون المدنى المصرى و السورى

وما يترتب على قاعدة : التضامن فيما ينفع لا فيما يضر

قنن المشرع أحكام التضامن في المواد ( 279 إلى 299 ) من القانون المدني ، حيث عرض فيها أحكام التضامن فيما بين الدائنين ، وهو التضامن الإيجابي ، وحالات التضامن فيما بين المدينين ، وهو التضامن السلبي . وقد استهل المشرع بحث التضامن بقاعدة قرر فيها أن التضامن بين الدائنين أو بين المدينين لا يجوز افتراضه ، ولابد من الدليل المقبول قانونا لثبوته ، ويترتب على عدم جواز افتراض التضامن :

1- على من يدعي قيام التضامن أن يثبت ذلك وفق القواعد العامة في الإثبات .
2- عند الشك في قيام التضامن ، يعتبر التضامن غير قائم .
3- الحكم الذي يقضي بتضامن المدينين دون أن يبين مصدر هذا التضامن ، وهل هو اتفاق أو نص في القانون ، وإذا كان اتفاقا :

هل هو اتفاق صريح أو ضمني ، وإذا كان اتفاقا ضمنيا كيف استخلصه قاضي الموضوع من عبارات التعاقد وظروفه ووجوده الذي لا شك فيه ، يكون حكما قاصرا يتعين نقضه .
وبينما يمكن أن يكون مصدر التضامن بين المدينين الاتفاق الصريح أو نص القانون ، فإن التضامن الإيجابي – بين الدائنين – لا يكون مصدره سوى الإرادة ، إذ لا يوجد نص في القانون على إنشاء مثل هذا التضامن بحكم القانون.

ففي التضامن بين الدائنين :
– يجوز لأي منهم مطالبة المدين بوفاء كامل الدين المترتب بذمته ، مع مراعاة ما يلحق رابطة كل دائن من وصف يعدل من أثر الدين .

وهـذا يعـني :
أن التضامن ما بين الدائنين يقوم على فكرة تعدد الروابط ووحدة المحل . أي أن محل الالتزام واحد يلتزم المدين به تجاه كل الدائنين مجتمعين أو منفردين . أما تعدد الروابط فهو يعني أن التزام المدين تجاه كل دائن على حدة يعتبر رابطة مستقلة عن باقي الدائنين ، وبالتالي قد يكون لهذه الرابطة مع دائن معين وصف يؤثر في التزامه تجاهه ، فقد يكون التزام المدين تجاه أحد الدائنين منجزا ، والتزامه نفسه تجاه دائن آخر متضامن معلقا على شرط ، أو مقترنا بأجل . وهذا ما يفسر لنا عدم انقضاء الالتزام بالنسبة لبقية المدينين المتضامنين فيما إذا سقط عن أحدهم بسبب آخر غير الوفاء كالتقادم مثلا . المادة ( 282 ) من القانون المدني . وعليه ، فالمدين يحق له الاحتجاج ضد الدائن الذي يطالبه بالدين بأوجه الدفع الخاصة بهذا الدائن وبأوجه الدفع المشتركة بين كافة الدائنين .

فيحق للمدين الدفع بأن رابطته مع هذا الدائن معلقة على شرط لم يتحقق بعد وهو دفع خاص بهذا الدائن . كما يحق للمدين الدفع بأن الالتزام باطل أو أصبح مفسوخا ، وهو دفع مشترك بين سائر الدائنين .

والتضامن بين الدائنين يجيز للمدين أن يفي أيا منهم كامل الدين المترتب بذمته ، إلا إذا مانع أحد الدائنين في ذلك ، بأن اتخذ ضد هذا المدين إجراءات تحصيل الدين نفسه ، فلا يجوز في هذه الحالة للمدين إيفاء الدين لدائن آخر ولو كان هناك تضامن بين الدائنين ، وذلك عملا بحكم المادة ( 280 ) من القانون المدني .
وإذا كان الدائن يستطيع مطالبة أيا من المدينين المتضامنين بكامل الدين ، فإن ما يستوفيه هذا الدائن يصبح من حق جميع الدائنين متحاصين فيه بالتساوي فيما بينهم ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك . المادة ( 283 ) من القانون المدني .
وإذا كان التضامن الإيجابي حالة نادرة في التعامل ، فإنه قد يقع بدون قصد الفرقاء كحالة بيع عدة مالكين لسيارة أو عقار إلى مشتر ، ثم يمتنع هذا الأخير عن تنفيذ التزامه بدفع الثمن ، فيصبح المالكون البائعون دائنين له بالثمن على وجه التضامن فيما بينهم ولو كان الالتزام قابلا للانقسام بينهم . وكذلك في حالة الورثة الذين تؤول لهم تركة دائنة إذ يعتبرون دائنين متضامين تجاه مدين المورث ، ولو كانت حصصهم من الدين معروفة ومحددة وقابلة للانقسام فيما بينهم .

أما التضامن السلبي ، أو التضامن فيما بين المدينين :
– فهو يجيز للدائن مطالبة أيا منهم بكامل الدين دون أن يكون ملزما بترتيب معين ما لم يكن هناك وصف خاص برابطة أحد المدينين فيتعين عليه احترامه ، كأن يكون التزام أحد المدينين المتضامنين مقترنا بأجل واقف أو معلقا على شرط .
وإذا قام أحد المدينين المتضامنين بوفاء الدائن فإن ذلك يعتبر مبرئا لذمة باقي المدينين ، ولا يجوز للمدين الذي يطالبه الدائن بالوفاء أن يحتج بأوجه الدفع الخاصة بغيره من المدينين ، ولكن يجوز له الدفع بالأسباب الخاصة به ، وكذلك بأوجه الدفع المشتركة بين المدينين جميعا . المادة ( 285 ) .
ولكن التضامن فيما بين المدينين هو وضع قانوني قائم لمصلحة الدائن الذي يحق له
التنازل عنه ، أو إعفاء أحد المدينين منه ، فإن الدين ينقسم بين المدينين كل بحسب حصته منه ، فإذا وفى أحد المدينين المتضامنين الدين للدائن ، فإنه يحق له الرجوع على باقي المدينين كل بحسب حصته في الدين ، إذ لا يجوز له الرجوع بكامل الدين على باقي المدينين ، فالدين ينقسم فيما بينهم .
بعد هذا العرض الموجز لموضوع التضامن بنوعيه السلبي والإيجابي ، فإننا ننتقل إلى بحث مفهوم النيابة التبادلية والتي هي جوهر حالة التضامن .

ففي حالة التضامن السلبي – التضامن بين المدينين ، فإن كل تصرف يأتيه المدين لتخفيف أثر الدين يفيد منه الباقون ، إذ يعتبر نائبا عنهم في ذلك ، وذلك استنادا إلى فكرة النيابة التبادلية بين المدينين المتضامنين .

وقد كان التضامن بين المدينين يقوم فيما مضى على فكرتي الكفالة والوكالة ، إذ كان التقنين المدني المصري السابق يقيم التضامن السلبي على فكرتي الكفالة والوكالة ، إذ يعتبر المدينين كل منهم كفيلا للآخر ، وكذلك كل منهم وكيلا عن الباقين في التصرفات التي تفيدهم جميعا ، إلا أنه ثبت قصور هاتين الفكرتين عن تفسير الأحكام الناشئة عن التضامن .
ولكن بعد ظهور فكرة النيابة التبادلية في فرنسا ، عاد التقنين المدني الجديد ليأخذ بها لتفسير الأحكام الناشئة عن التضامن . ويرجع ظهور فكرة النيابة التبادلية ما بين المدينين المتضامنين منذ عهد القانون الفرنسي القديم ، قال بها الفقهاء ” ديمولان ” و ” بوتييه ” من بعده ، ثم تبعهما في ذلك فقهاء القانون الفرنسي الحديث .

والنيابة التبادلية كما هي مفهومة في فرنسا في العصر الحاضر تقضي بأن كل مدين يمثل سائر المدينين المتضامنين فيما يحفظ الالتزام ، وفيما يستبقيه لا فيما يزيد من عبئه ، ومن ثم يكون إعذار أحد المدينين المتضامنين إعذارا للباقين ، وتكون مطالبته القضائية مطالبة للباقين ، ويكون قطع التقادم بالنسبة إليه قطعا للتقادم بالنسبة للباقين ، ويكون الحكم عليه حكما على الباقين ، وفي هذا كله مثل المدين المتضامن سائر المدينين فيما يضر أيضا وإن كان لا يزيد من عبء الالتزام !. وفي ذلك نرى أن فقهاء القانون الفرنسي رموا من وراء فكرة النيابة التبادلية أن يكون التضامن بين المدينين في أقوى صوره ومنتجا لآثار قانونية بجعل ذلك التضامن مفيدا للدائن إلى أقصى درجة بحيث إن أي إجراء مفيد يحصل عليه في مواجهة أي مدين متضامن ، يمكن الاحتجاج به على البقية ، فالنيابة التبادلية في الفقه الفرنسي تكون أيضا فيما يضر ولكن ليس فيما يزيد من عبء الالتزام ، بدليل أن القانون الفرنسي اعتبر قطع التقادم بالنسبة إلى أحد المدينين المتضامنين قطعا له بالنسبة للآخرين ، وكذلك الإعذار والحكم وفي ذلك يقول الفقيه الفرنسي ” دي باج ” (( أن فكرة النيابة التبادلية في القانون الفرنسي تهدف إلى غرض عملي محض ، هو تقوية التضامن وجعله ينتج أبعد الآثار القانونية لمصلحة الدائن ، فيستطيع هذا بإجراء يتخذه قبل مدين واحد أن يحدث الآثار التي تنتج فيما لو اتخذ هذا الإجراء قبل جميع المدينين .. )) وبالتالي ، فإن فكرة النيابة التبادلية ظهرت في فرنسا لتقوية ضمان الدائن ، أما في مصر ، وسوريا كذلك ، فقد تمخضت لمصلحة المدينين المتضامنين . وهذا رأي العلامة السنهوري .

وهكذا نرى أن أحكام التضامن السلبي في القانون المدني السوري قصرت النيابة التبادلية المفترضة بين المدينين المتضامين على ما ينفع فقط وليس فيما يضر . وهذا يعني أن أيا من هؤلاء المدينين لا يمثل الباقين إلا في التصرفات التي تفيدهم ، أما إذا أتى واحد منهم تصرفا يضر بهم فإنهم لا يلزمون به ولا يحتج به عليهم ، لأن النيابة التبادلية مشروطة بأن يكون التصرف نافعا لكتلة المدينين المتضامنين .
وفي ذلك يقول العلامة السنهوري في وسيطه الشهير : (( ولا يجوز لأي مدين متضامن أن أتي عملا من شأنه أن يضر بباقي المدينين ، ولكن إذا أتى عملا من شأنه أن ينفعهم أفادوا منه ، ويرجع هذا المبدأ إلى فكرة النيابة التبادلية ، فكل مدين يمثل الآخرين فيما ينفع لا فيما يضر .. )) .

وإذا كان من مقتضى النيابة التبادلية بين المدينين المتضامنين أن كل مدين يعتبر نائبا عن باقي المدينين وممثلا لهم في التصرفات التي تفيدهم ، وليس فيما يضرهم ، فإنه ينجم عن ذلك الآثار القانونية التالية :

1)- إذا انقطع التقادم أو وقف سريانه بالنسبة إلى أحد المدينين المتضامنين ، لم يضر ذلك باقي المدينين ، ولم يجز للدائن أن يتمسك بقطع التقادم أو وقفه إلا بمواجهة المدين الذي انقطع التقادم أو وقف سريانه بحقه . وقد نص القانون صراحة على هذه القاعدة في الفقرة الثانية من المادة ( 292 ) من القانون المدني .
وبالتالي ، فإنه يمكن أن ينقضي الالتزام بالنسبة لأحد المدينين المتضامنين بالتقادم ، بينما يبقى قائما بحق غيره الذي انقطع التقادم بحقه .

2)- إذا ارتكب أحد المدينين المتضامنين خطأ في تنفيذ التزامه تجاه الدائن ، فإن ذلك لا يضر بباقي المدينين ، وتقتصر المسؤولية على المدين المخطئ فقط .

3)- إذا أعذر الدائن أحد المدينين المتضامنين أو طالبه مطالبة قضائية ، لم يضر ذلك المدينين الآخرين ، ولم ينتج الإعذار أو المطالبة القضائية أثرا قانونية بالنسبة إليهم بينما العكس صحيح . فإعذار أحد المدينين المتضامنين الدائن ينفع الباقين .

4)- إذا تصالح الدائن مع أحد المدينين المتضامنين وتضمن الصلح الإبراء من الدين أو أي نفع آخر ، أفاد منه الباقون . والعكس غير صحيح . فإذا تضمن الصلح شرطا يثقل عبء الدين أو يزيد فيه ، فإن ذلك الصلح لا يلزم باقي المدينين ولا يضرهم وهو صريح حكم المادة ( 294 ) من القانون المدني .

5)- إذا أقر أحد المدينين المتضامنين بالدين ، لم يضر هذا الإقرار بباقي المدينين واقتصرت حجيته عليه وحده . وهذا نتيجة طبيعية للقاعدة المعروفة بأن الإقرار حجة قاصرة على المقر ، ولكن العكس غير صحيح : فإذا أقر الدائن لأحد المدينين المتضامنين استفاد منه الباقون . المادة ( 295 ) من القانون المدني .

6)- إذا وجه الدائن اليمين الحاسمة إلى أحد المدينين المتضامنين دون غيره فحلف كان ذلك تصرفا مفيدا أفاد منه باقي المدينين . أما إذا نكل – وهو تصرف مضر – فإنه لا يضار بنكوله بقية المدينين .
أما إذا وجه أحد المدينين المتضامنين اليمين الحاسمة إلى الدائن ، فإنه إن حلفها اقتصرت حجيتها على من وجهها من المدينين ولا يضار بنتيجتها الباقون ، أما إذا نكل الدائن عن الحلف ، وهو تصرف مفيد ، استفاد منه جميع المدينين . وذلك وفق حكم المادة ( 295 ) من القانون المدني .

7)- إذا صدر حكم قضائي على أحد المدينين المتضامنين ، لم يسر هذا الحكم في حق الباقين ولم يحتج به عليهم . أما إذا صدر الحكم لصالح أحدهم ، أفاد منه الباقون إلا إذا كان مبنيا على سبب خاص بالمدين الذي صدر الحكم لمصلحته . المادة ( 296 من القانون المدني .

وهكذا تعرضنا لفكرة النيابة التبادلية بين المدينين المتضامنين ورأينا أن أثرها اقتصر على حماية المدينين ، بينما هي في فرنسا وكثير من الدول الغربية تعتبر ضمانة للدائن ولتقوية التضامن تجاهه .
وبقي لنا أن نتساءل عن سبب إصدار الأحكام لدينا بالتكافل والتضامن ، رغم أن التضامن وحده كاف لتلبية الغرض ، وهو يغني عن لصق التكافل به ؟!.

* * * * *
حمص في 24/8/1999 المحـامي
موسى شناني

المراجـع :
1- الوسيط ، للعلامة السنهوري .
2- أحكام الالتزام ، للأستاذ ” إسماعيل غانم ” .