الأهلية:

وتُرسي المادة (84) الأصل العام في صدد التمتع بأهلية إجراء العقود، ومؤداه أن هذه الأهلية تثبت للشخص، ما لم يقرر القانون عدم أهليته لإجراء العقد أو نقصها، وذلك مبدأ مسلم في الفقه الإسلامي وفي القانون المعاصر على حد سواء، وتكاد المادة التي أتى بها المشروع أن تكون مطابقة في صياغتها لنص المادة (117) تجاري كويتي، حيث لم تأتِ عليه إلا بتعديل جد طفيف لا يغير في المدلول، فقد آثر المشروع أن يستعمل عبارة “ ينقص منها (من الأهلية) بدلاً من عبارة (يحد منها) حتى يتمشى النص مع السائد في لغة القانون، حيث يقال عادة: “ نقص الأهلية “ و“ ناقصو الأهلية “، ولا يقال “ الحد من الأهلية “ أو “ محدودو الأهلية “.
وثمة حالة لم يتطرق إليها شك ولم يقع في صددها خلاف، وتلك هي حالة الصغير الذي لما يبلغ سن الرشد، فهو عديم الأهلية أو ناقصها، بحسب ما إذا كان غير مميز أو مميزًا، من غير حاجة إلى تدخل من القاضي، وبعبارة الفقه الإسلامي، هو محجور لذاته، والعلة في ذلك واضحة، إذ أن مرجع الصغر أو القصر هو السن، والسن أمر موضوعي، ليس من شأنه أن يثير كبير خلاف، وإن أثاره، أمكن حسمه من غير حاجة التي تدخل من القاضي.

أما المجنون والمعتوه، فقد اختلفت في شأن الحجر عليهما قوانين البلاد العربية، فالقانون المصري (المادة 113) لا يجعل منهما محجورين لذاتهما وإنما يتطلب لإيقاع الحجر عليهما حكم القاضي، بل إنه لا يجعل هذا الحجر ساريًا في مواجهة الغير إلا بتسجيله، وقد ساير القانون المصري في ذلك كل من القانون السوري (المادة 114) والقانون الليبي (المادة 113)، أما القانون العراقي (المادة 94) فقد أخذ بحكم يتخالف مع حكم القانون المصري، ولكنه يتوافق مع ما جاءت به المجلة (المادة 958) ومع ما يسود في الفقه الإسلامي من أن المجنون والمعتوه، كالصغير، محجور عليهما لذاتهما، أي بحكم الشرع وبغير حاجة إلى تدخل القاضي، وقد نهج القانون الأردني نفس النهج الذي اتبعته المجلة، وسايرها فيه من قبل القانون العراقي.

وقد آثر المشروع أن يسير في هذا الاتجاه، قاضيًا في الفقرة الأولى من المادة (85) بأن المجنون والمعتوه كالقاصر، محجور عليهما لذاتهما وهذا الذي أخذ به المشروع، فضلاً عن توافقه مع ما يقول به الفقه الإسلامي وتبنته المجلة، هو الذي يتفق مع طبيعة الأمور نفسها، إذ أن الجنون والعته يمسان من الإنسان ذات عقله، وهما من بعد أمران واضحان يدمغان ببصماتهما تصرفات صاحبهما، بحيث يصعب عدم التعرف عليهما، إلا فيما ندر.

ومن ناحية أخرى انعقد الإجماع في الفكر القانوني المعاصر على وجوب تدخل القاضي لإيقاع الحجر على السفيه وذي الغفلة. ذلك لأن السفه والغفلة لا يمسان من الإنسان إدراكه، كما هو الشأن عند الصغير والمجنون والمعتوه، وإنما مجرد تدبيره أمره. فهما يتمثلان في ضعف بعض الملكات الضابطة للنفس، يعتري الإنسان فيجعله يسرف في إنفاق ماله، أو يغبن في معاملاته. وذاك أمر لا يمكن الاطمئنان إلى وجوده ما لم يتثبت منه القاضي، كما أن في الفقه الإسلامي، اتجاهًا قويًا يقول بوجوب تدخل القاضي لإيقاع الحجر على السفيه. ويناصر هذا الرأي في الفقه الحنفي أبو يوسف، ولكن محمدًا عارضه، حيث قال إن الحجر يثبت بنفس السفه، ولا يتوقف على القضاء، وقد أخذت المجلة برأي محمد وأبي يوسف من حيث الحجر على السفيه، وبرأي أبي يوسف من حيث لزوم حكم القاضي لوقوعه، والغفلة عن الحنفية، نوع من السفه، وهو ما أقرته المجلة (المادة 946).

وقد آثر المشروع أن يسير على نهج المجلة فجاءت المادة (85) وفقرتها الثانية تقضي بأن الحجر لا يقع على السفيه وذي الغفلة إلا بحكم القاضي، كما قضت بأن المحكمة تحجر عليهما وترفع الحجر عنهما وفقًا لما تقتضيه ظروف الحال، أي تمشيًا مع علة الحجر ثبوتًا وزوالاً، كما استوجبت شهر الحكم الصادر بالحجر على السفيه وذي الغفلة، حماية للغير، بإتاحة الفرصة لهم في العلم بالحجر أو برفعه، حتى لا يفاجئوا به وبما عساه أن يترتب عليه من أثر في صدد العقود التي أبرموها، ونصت كذلك على أنه يتم شهر الحجر ورفعه وفق قواعد يصدر بها قرار من وزير العدل.

وتعرض المادة (86) لأهلية الأداء، وأهلية أداء التصرفات مناطها الإدراك أو التمييز، فهي تدور معه وجودًا وعدمًا، كمالاً ونقصانًا، والقانون يعتبر الصبي غير المميز عديم الإدراك وهو بالتالي منعدم الأهلية، وتقع تصرفاته كلها باطلة، ولو أجازها وليه لأن التصرف الباطل لا تلحقه الإجازة، وقد نصت المادة (86) في فقرتها الأولى على هذا الحكم وهي في ذلك تتفق مع القوانين المعاصرة كلها عربية كانت أم أجنبية، وهي أيضًا تتوافق مع ما يقضي به الفقه الإسلامي، ومع ما تقضي به المجلة (المادة 966).

ولم يتفق فقهاء الشرع الإسلامي حول تحديد السن الذي يتجاوز فيه الصغير مرحلة انعدام التمييز، فيصير بذلك صبيًا مميزًا. ولم تحدد المجلة بدورها هذا السن، والسائد عند الحنفية أن مرحلة انعدم التمييز تصاحب الصبي من ميلاده إلى بلوغه سن السابعة قمرية من عمره، وهم في ذلك يستندون إلى حديث الرسول، صلوات الله عليه “ مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع “. وقد حددت المادة (86) في فقرتها الثانية، سن التمييز بسبع سنوات كاملة، وهي في ذلك تتمشى مع رأي سائد في الفقه الإسلامي، يناصره على الأخص الأحناف، مع ملاحظة الفارق بين القمرية والشمسية في السنين، إذ أن السنوات السبع التي تتطلبها المادة (86) تحسب وفقًا للتقويم الميلادي، إعمالاً للأصل العام الذي سبق للمشروع أن قرره في المادة (8) وحكم المادة 86/ 2 يتوافق أيضًا مع الكثير من قوانين البلاد العربية كمصر وسوريا وليبيا والعراق والأردن، ومع الكثير أيضًا من قوانين البلاد الأوربية كالقانون الألماني (المادة 104).

والمادة (87) لا تعدو في مجموع أحكامها، أن تكون تقنينًا لما يقول به الفقه الإسلامي، في صدد حكم تصرفات الصبي المميز، ولما جاءت به المجلة، وسار عليه الكثير من قوانين الدول العربية، فهي تقضي، في فقرتها الأولى، بصحة تصرفات الصبي المميز، إذا كانت نافعة له نفعًا محضًا، وبطلان تصرفاته الضارة به ضررًا محضًا، وهي بذلك تمنحه أهلية الاغتناء، وتحظر عليه أهلية الافتقار، وتعرض في فقرتها الثانية، لتصرفات الصبي المميز الدائرة في ذاتها بين النفع والضرر، أي تلك التي بمقتضاها يأخذ الصبي ويعطي بغض النظر عن مدى ما يخلص له شخصيًا من نفع أو خسارة، نتيجة أخذه وعطائه. فالعبرة هنا هي بطبيعة العقد ذاته، وليس بمدى ما يترتب عنه في النهاية من غنم أو غرم، وتقر بأنها قابلة للإبطال لمصلحته.

وقد آثر المشروع هنا أن يأخذ بفكرة القابلية للإبطال كجزاء يرد على عقد القاصر، دون فكرة العقد الموقوف، ذلك لأن وقوع العقد قابلاً للإبطال فيه حماية أكبر للقاصر من وقوعه موقوفًا على الإجازة، فالعقد القابل للإبطال ينتج آثاره بمجرد انعقاده، مع تخويل القاصر حق إبطاله، وهو حق يمكن لمن له الولاية على أن يباشره فورًا نيابةً عنه، أو يباشره هو بنفسه عند بلوغه رشده. فكأنه يمكن بذلك للقاصر أن يفيد من العقد، إذا كان له فيه مصلحة، من غير حاجة إلى أي إجراء يتخذه هو أو وليه. فإن تلمس فيه بعد بلوغه رشده، ضررًا له، أو تلمسه فيه وليه حال قصره، أمكن له أن يطلب من القاضي الحكم بإبطاله بنفسه أو بوساطة وليه، فيزول بذلك أثره من وقت إبرامه. ثم إن فكرة العقد الموقوف ليست فكرة إسلامية بالمعنى الشامل. وإنما هي فكرة قال بها الحنفية والمالكية، ولم يأخذ بها من مذاهب السنة، لا الشافعية ولا الحنابلة، فيما عدا إحدى الروايات عن الإمام أحمد، أخذ فيها بنظام العقد الموقوف.

ولعل ميزة فكرة قابلية العقد للإبطال، كجزاء يرد على تصرفات القاصر وغيره من ناقصي الأهلية، على فكرة العقد الموقوف هي التي حدت بالأغلبية الكبرى من قوانين البلاد العربية إلى تأخذ بها دونها. فلم يسلك النهج المغاير إلا القانون العراقي، ثم القانون الأردني، بل لعل هذا القانون الأخير لا يأخذ بفكرة العقد الموقوف على نحو مطلق (تراجع المادة 128/ 2، والمادة 134/ 1 أردني).
وقد حرص المشروع أن يتحفظ في شأن وقوع تصرفات القاصر الدائرة بين النفع والضرر قابلة للإبطال، فنص على أنها تأخذ هذا الحكم، مع مراعاة ما تقضي به النصوص التالية وغيرها من أحكام القانون الأخرى، وهو بذلك أراد الإشارة إلى الأهليات الخاصة التي تثبت للقاصر في إبرام نوع أو آخر من التصرفات، سواء ما تقضي به منها النصوص الواردة في هذا الباب، أم أحكام القانون الأخرى.

وتعرض المادة (87) في فقرتها الثالثة، للمدة التي يعتبر فيها القاصر صغيرًا مميزًا، قاضية بأنه يعتبر كذلك، بدءًا من سن التمييز إلى بلوغه سن الرشد، وذلك ما لم تكن به عاهة في عقله. وحددت المادة (88) الثامنة عشرة من العمر سنًا يمكن للصغير بعد بلوغه إياه أن يؤذن في إدارة أمواله، وهو نفس السن الذي يحدده قانون إدارة شؤون القصر (المادة 9) للإذن بالإدارة للقاصر المشمول بوصاية إدارة شؤون القصر، ويحصل الإذن في الإدارة من ولي القاصر أو وصيه على حسب الأحوال، إذا آنس منه القدرة على أن يتولى إدارة أمواله بنفسه، ويكون الإذن مطلقًا أو مقيدًا، وفق ما يراه مصدره.

وتقضي المادة (89) بجواز سحب الإذن للصغير في الإدارة أو تقييده، بعد إعطائه إياه، فالإذن بالإدارة يستهدف ابتلاء الصغير وتجربته، فإن لم تثبت جدارة الصغير في أداء ما أذن فيه وجب سحب الإذن منه، وإن كان ذلك لا يمنع بالضرورة صدور الإذن له من جديد، إذا تبين لوليه أو وصيه أنه اكتمل ما كان يفتقده. وإذا جاز سحب الإذن في الإدارة لولي الصغير أو وصيه على حسب الأحوال، إلا أن هذا الإذن لا يبطل بزوال الولاية عمن أعطاه، وقد حرص المشروع على أن يصرح بهذا الحكم دفعًا لأية مظنة، واعتبارًا منه بأن الإذن للصغير في إدارة أمواله يستقل عمن يصدره ممن تكون له الولاية على أمواله، فلا يتأثر بموته أو بزوال أهليته أو بعزله، والمشروع في ذلك يجاري القانون العراقي (المادة 98) والقانون الأردني (المادة 119) وإن خالف المجلة (المادة 976).
وتتطلب المادة (90) أن يحصل الإذن بالإدارة أو سحبه أو تقييده بإشهاد رسمي، توخيًا للانضباط، وذلك دون إخلال بما يقضي به قانون إدارة شؤون القصر بالنسبة إلى المشمولين بوصاية إدارة شؤون القصر، حيث يكفي أن يصدر الإذن في الإدارة أو سحبه أو تقييده وفق ما يقضي هو به، لما في ذلك من كفاية في تحقيق الغاية المطلوبة. وتعرض المدة (91) للتظلم من رفض الإذن في الإدارة، أو سحبه أو تقييده بعد إعطائه، وتجيزه إذا كان الرفض أو التقييد أو السحب قد صدر من الوصي، أما الولي فلم يرَ المشروع أن يجعل على رفضه الإذن لصغيره أو سحبه أو تقييده معقبًا احترامًا للأبوة وحفاظًا على أواصر العلاقة بين الولد وأبيه من وجه، ولكون الولي أبًا كان أم جدًا بعيدًا عن المظنة، من وجه آخر.

وقد أجاز المشروع التظلم للصغير نفسه، كما أجازه لإدارة شؤون القصر ولكل ذي شأن آخر، ويُرفع التظلم إلى المحكمة وفقًا للقواعد والإجراءات التي يقضي بها قانون المرافعات، وللمحكمة أن تأذن للقاصر في إدارة أمواله كلها أو بعضها، إذنًا مطلقًا أم مقيدًا، وفق ما ترى، وذلك إذا تبينت أن رفض الوصي الإذن أو تقييده أو سحبه لا يستند إلى أساس، فإن قضت برفض طلب القاصر تعين عدم قبول تجديده قبل مضي سنة من التاريخ الذي يصبح فيه رفضها نهائيًا.

وتعرض المادة (92) لأهلية الصغير المميز المأذون في الإدارة وتقرر له، في الفقرة الأولى منها، أهلية إجراء كل التصرفات التي تقتضيها إدارة أمواله التي تُسلم له، سواءً أكانت تعتبر هي في ذاتها من أعمال الإدارة، كالاتفاق الذي يبرمه الصبي مع مقاول على ترميم منزله أو مع ميكانيكي لإصلاح سيارته وكتأجير أمواله، أو من أعمال التصرف، كوفاء واستيفاء الديون الناشئة عن إدارة المال، وبيع وشراء ما يلزم لها، ثم تجيء المادة (92) في فقرتها الثانية، وتستثني من أعمال الإدارة التي يكون للصغير المأذون إجراؤها إيجار المال لمدة تزيد على سنة، منقولاً كان هذا المال أو عقارًا، وذلك نظرًا لما قد ينجم للصغير من ضرر من الإيجار الذي تزيد مدته على هذا القدر، وإذا كان إيجار عقار القاصر لمدة سنة لا يمنع من امتداده في الحالة التي يقضي فيها القانون بذلك، إلا أن الحد من أهليته فيما يتجاوز هذه المدة لا يكون مجردًا من المصلحة له حتى في هذه الحالة.

وتقرر المادة (93)، في فقرتها الأولى، للصغير المميز أيًا ما كانت سنه، أهلية التصرف فيما يُعطى له من مال لأغراض نفقته، وهذا الحكم يتمشى مع واقع حياة الناس، حيث يقوم الصغير بنفسه بإنفاق ما يُعطى له من مصروف، ثم أنه لا خوف أن يسمح للصغير أن يتصرف فيما يُعطى له من مال لأغراض نفقته، لضآلة هذا المال من وجه، ولخضوع الصغير لرقابة ذويه في إنفاقه من وجه آخر، بحيث يمكنهم أن يحجبوه عنه كله أو بعضه، إن رأوا منه تبذيرًا، وبعد هذا كله فمال النفقة يعطى للصغير لكي يصرفه بنفسه، ومن ثم لزم الإقرار له بأهلية التصرف فيه كاملة.

وقد حرص المشروع على أن يطلق أهلية الصغير في التصرف فيما يُعطى من مال لأغراض نفقته، فلم يقيدها بقيد، حتى يتيح له التصرف فيه على نحو ما يريد، ولو جاء ذلك منه على سبيل التبرع، لأنه إن فعل، فلم يتبرع إلا بقليل، لا يضيره أن يؤثر به غيره على نفسه، في حين أن تبرعه بهذا القليل يُربَّي فيه، على حداثة سنه أسمى الفضائل وأنبلها طرًا، من غيرية وإيثار ومساعدة المحتاجين وإحسان إلى الفقراء، ولا يقتصر هذا الحكم، على منح الصبي المميز، أيًا ما كانت سنه، أهلية التصرف فيما يُعطى من مال لأغراض نفقته، وإنما يقرر له أيضًا أهلية أداء التصرفات الأخرى، طالما جاءت في حدود تلك الأغراض. والمشروع يريد بذلك أن يتيح للصبي أن يُشبع بنفسه حاجاته اليومية، كأن يشتري شيئًا يلزمه من غير أن يدفع في الحال ثمنه، أو يقترض مالاً يشتري به هذا الشيء.

وتأتي المادة (93) في فقرتها الثانية، تحدد مسؤولية الصغير المميز عن الالتزامات الناشئة عن التصرفات التي يجريها بنفسه لأغراض نفقته، بما يُعطى إياه من مال لهذه الأغراض. والمادة (93) مستوحاة من المادة (61) من قانون الولاية على المال في مصر مع تعديلات أساسية في الصياغة، توخيًا للدقة والانضباط.

وتعرض المادة (94) لأهلية إبرام عقد العمل والتصرف فيما يجيء ثمرة العمل من مال، أجرًا كان أم غيره. وقد ارتأى المشروع، لثبوت هذه الأهلية، أن يحدد سن الصغير المميز بالخامسة عشرة من عمره، اعتبارًا بأن هذه السن، فضلاً عن كونها مناسبة، فهي تلك التي تحددها الاتفاقات الدولية، كحد أدنى لتشغيل الأحداث (الاتفاقيتان الدوليتان الصادرتان من مؤتمر هيئة العمل الدولية رقم “ 59 و60 “ لسنة 1937 – والمادة “ 367 “ من مدونة العمل الدولية) وإن كان الاتجاه الدولي يسير نحو رفعها إلى السادسة عشرة.

وإذا كان المشروع قد ارتأى تحديد سن الخامسة عشرة لكي تثبت للصغير المميز أهلية إبرام عقد العمل والتصرف فيما يكسبه من عمله، فهو لم يغفل عن أن قانون العمل الكويتي يجيز تشغيل الأحداث عند بلوغهم الرابعة عشرة (المادة “ 18 “ من قانون العمل في القطاع الأهلي) فضلاً عن أن هذه السن أدنى من متطلبات هيئة العمل الدولية التي تتمتع دولة الكويت بعضويتها، فهي سن يغلب ألا يصل فيها الصغير إلى الإدراك الكافي الذي يؤهله لإبرام عقد العمل وللتصرف فيما يجيء ثمرة كسبه من عمله. ثم إن قانون العمل الكويتي، وإن شمل بحمايته السخية العمال الذين يخضعون لأحكامه، فهناك طوائف عديدة من العمال مبعدة عن دائرة سلطانه.

والغاية التي يتوخاها المشروع من تقرير أهلية خاصة للصغير المميز، عند بلوغه الخامسة عشرة من عمره، لإبرام عقد العمل وللتصرف فيما يكسبه من عمله، أجرًا كان أو غيره، هي التيسير عليه، دون التخلي عما يلزم لحمايته، فهو يتيح للصغير، في هذه السن، أن يُبرم عقد العمل بذات نفسه، دون حاجة إلى أن يلجأ إلى وليه أو وصيه، وبهذه المثابة يستطيع أن يتخير بنفسه العمل الذي يروقه، ثم أنه يتفادى ما قد يكون من شأنه أن يفوت عليه فرصة الحصول على مورد رزقه، سيما إذا كان تدخل الوصي يتطلب إجراءات معينة تقتضي وقتًا قد يطول، كما هو الشأن بالنسبة إلى المشمولين بوصاية إدارة شؤون القصر.

والمشروع مع ذلك لم يترك القاصر بعيدًا عن الحماية، فهو لم يطلق أهليته في إبرام عقد العمل، إذ هو يحددها بإبرام هذا العقد لمدة سنة، إذا كان محدد المدة، أما إذا كان عقد العمل غير محدد المدة، ففي قواعد قانون العمل ما يحمي القاصر على وجه كافٍ، حيث يجوز له أن ينهي العقد في أي وقت يشاؤه، بعد المدة التي يتطلبها القانون للتنبيه على رب العمل برغبته في إنهائه، وهي مدة تتراوح بين سبعة أيام وخمسة عشر يومًا على حسب الأحوال وفق ما تقضي به المادة (53) من قانون العمل في القطاع الأهلي.

أما أهلية التصرف فيما يكسبه الصغير المميز البالغ من العمر خمسة عشر عامًا من عمله، أجرًا كان أم غيره، فهي من وجه نتيجة طبيعية لأهلية إبرام عقد العمل، وهي من وجه آخر، تشجيع للصبي على أن يعمل ويكسب، وإذا كان المشروع يمنح الصغير، عند بلوغه الخامسة عشرة أهلية إبرام عقد العمل، وأهلية التصرف في أجره وفي غيره مما يكسبه من عمله، فقد حرص، توخيًا لحمايته، على أن يحدد مسؤوليته الناجمة عن الوفاء بالتزاماته الناشئة عن هذه التصرفات بالأموال التي عادت عليه من كسب عمله.

وتأتي المادة (94) في فقرتها الثانية، وترخص للمحكمة في أن تقيد أهلية الصغير في التصرف في أجره وفي غيره مما يعود عليه من عمله، إذا رأت لذلك مقتض، والمشروع وإن كان في تقريره أهلية الصغير المميز في التصرف فيما يكسبه من عمله من أجر وغيره، قد استوحى المادة (93) من قانون الولاية على المال في مصر، مع جعل السن خمسة عشر عامًا بدلاً من ستة عشر، إلا أنه قد استحدث الحكم الذي يقرر أهلية إبرام عقد العمل ذاته ببلوغ تلك السن وهو في هذا الصدد يتوسط، من بين قوانين بلادنا العربية، بين نهجين: نهج يقرر للصغير المميز أهلية إبرام عقد العمل بمجرد بلوغه سن التمييز، أي سن السابعة، وهو النهج الذي سار عليه القانون المصري (المادة 62) ونهج لم يحدد أهلية خاصة لإبرام عقد العمل، الأمر الذي اقتضى بلوغ سن الرشد لثبوت الأهلية في إبرام عقد العمل، اعتبارًا بأنه عقد يتردد بين النفع والضر. وكل من هذين النهجين لا يخلو من تطرف. وقد ارتأى المشروع أن يسلك بينهما طريقًا وسطًا، فحدد لثبوت أهلية إبرام عقد العمل خمسة عشر عامًا، وهي نفس السن اللازمة لثبوت الأهلية في التصرف فيما يعود على الصغير من عمله أجرًا كان أم غيره.

وتقرر المادة (95) للصغير عند بلوغه الثامنة عشرة من عمره أهلية إبرام الوصية، ولم يشأ المشروع أن يقيد هذه الأهلية بوجوب صدور إذن المحكمة، على نحو ما يقتضيه قانون الوصية في مصر (المادة 5 القانون من رقم 71 لسنة 1946)، لأن في تطلب هذا الإذن، من الناحية العملية، ما يقعد الصغير عن إشباع رغبته المشروعة في أن يؤثر، بعد موته ببعض ماله من تجوز له الوصية قانونًا، وهو بعد غض الإهاب، لم يألف التعامل مع المحاكم.

وتعرض المادة (96) لاكتمال أهلية الأداء ببلوغ سن الرشد، وللحكم العام لعوارض الأهلية بعد بلوغ الرشد ومؤدى نصها أن الأصل أنه ببلوغ الإنسان سن الرشد، يصبح كامل الأهلية لأداء كافة التصرفات القانونية، اعتبارًا بأن إدراكه حينئذٍ يكتمل وهو عند بلوغه هذه السن، يصبح كامل الأهلية بقوة القانون، ومن غير لزوم لاتباع أي إجراء من أي نوع كان وسن الرشد إحدى وعشرون سنة ميلادية كاملة.

على أن اكتمال الأهلية ببلوغ سن الرشد يقوم على افتراض توافر العقل وحسن التدبير في الإنسان، وهو افتراض يتمشى مع الغالب من الناس، فإن كانت في الصبي علة في عقله أو في تدبيره أمره، كان لمن له ولاية على ماله، أو لأي ذي شأن آخر، أن يرفع الأمر للقاضي طالبًا الحكم باستمرار الولاية أو الوصاية على حسب الأحوال، على أنه ينبغي أن يُرفع هذا الطلب إلى القاضي قبل بلوغ سن الرشد، فإن بلغ الصبي سن الرشد، من غير أن يطلب استمرار الولاية أو الوصاية على ماله، انتهت هذه أو تلك بقوة القانون، ويصبح الطريق في إضفاء الحماية على الشخص متمثلاً في نظام القوامة. وإذا صار الصبي إلى رشده، واكتملت عنده بالتالي أهلية أدائه، فإنه يستمر على هذا النحو ما قدر له أن يعيش، ما لم يطرأ عليه عارض من عوارض الأهلية التي يحددها القانون.

وتعرض المادة (97) للحالة التي يدعي فيها ناقص الأهلية توافر الأهلية عنده، أو يعمد إلى إخفاء النقص في أهليته. وهي حالة لا تعدم الحصول في واقع حياة الناس، وتجيء الفقرة الأولى، لترسي الأصل العام في هذا الخصوص. ومؤداه أن مجرد ادعاء الشخص توافر الأهلية لديه، حالة كونه في الواقع ناقصها، لا يغير شيئًا من حقيقة أمره، ولا يمنعه بالتالي من أن يتمسك بنقص أهليته، وهذا حكم بين واضح، فعلى كل متعاقد أن يتأكد بنفسه من توافر الأهلية فيمن يتعاقد معه، دون أن يركن لمجرد كلامه، ثم إن حماية ناقص الأهلية تتضاءل إلى حد بالغ، إذا كان في مجرد تصريحه بأهليته ما يمنعه من أن يتمسك بما يعتورها من نقص.
وتقضي المادة (97) في فقرتها الثانية، بمسؤولية القاصر عن التعويض عن الضرر الذي يرتبه الإبطال لمن تعاقد معه، إذا كان في سبيل إخفاء نقص أهليته، قد لجأ إلى طرق تدليسية من شأنها أن تحمل على الاعتقاد بتوافر الأهلية لديه، وهذا الحكم لا يعدو أن يكون تطبيقًا للقاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية، وقد حرص المشروع على أن يتطلب في الطرق التدليسية التي من شأنها أن تثقل ناقص الأهلية بالمسؤولية، أن يكون من شأنها أن تحمل على الاعتقاد بتوافر الأهلية عنده، فالمعيار هنا ليس شخصيًا يتعلق بذات المتعاقد مع القاصر، ولكنه معيار موضوعي أساسه الشخص العادي، فإذا كانت الحيلة، التي أخفى بها القاصر نقص الأهلية قد انطلت على المتعاقد نفسه، وما كانت لتنطلي على غيره من سواد الناس وجمهرتهم، فإنها لا تصلح دعامة للمسؤولية.

وإذا كانت الفقرة الثانية قد خصت بالذكر القاصر، دون غيره من ناقصي الأهلية، فإن ذلك يرجع إلى أن الحيلة التي يمكن أن تُتخذ سبيلاً لإخفاء سنه يمكن أن تنطلي على الشخص العادي، كما إذا زُورت شهادة ميلاده، أما بالنسبة إلى غير القاصر من ناقصي الأهلية، فيصعب أن تنطلي الحيلة على الشخص العادي، إما بسبب ما يميله عليه الحرص في الكشف في السجلات الخاصة بشهر سبب النقص في الأهلية، كما هو الحال في السفه أو الغفلة، وإما بسبب الضعف الظاهر في الإدراك الذي لا يخفى على فطنته، كما هو الشأن في العته.

وترخص الفقرة الثالثة من المادة (97) للقاضي بأن يحكم على سبيل التعويض المستحق على القاصر نتيجة التجائه إلى الغش لإخفاء نقص أهليته، برفض الدعوى التي يرفعها بإبطال العقد، وما هذا إلا مجرد تطبيق للقاعدة العامة في التعويض العيني.
وتعرض المادة (98) للمجنون من حيث أهلية أداء التصرفات، وتقضي في فقرتها الأولى بانعدام هذه الأهلية عنده، وهذا حكم تفرضه طبيعة الأمور ذاتها، ويجمع عليه فقهاء المسلمين، كما يجمع عليه الفكر القانوني المعاصر على حد سواء، إذ أن الجنون خلل يلحق من الإنسان عقله، فيُعدم الإدراك عنده، والأهلية مناطها الإدراك، تدور معها وجودًا وعدمًا كمالاً ونقصانًا. على أن الشخص لا يكون عديم الأهلية، إلا عندما يعتريه الجنون، فالعلة تدور مع معلولها، فإن كان الجنون غير مطبق، بحيث تتخلله فترات إفاقة، وأبرم الشخص العقد أثناء فترة منها، كان عقده سليمًا، إذا الفرض أنه أبرمه وهو عاقل، وهذا هو ما تقرره الفقرة الثانية، وهو حكم يقول به فقهاء المسلمين، وأقرته المجلة (المادة 980). وحكم تصرفات المجنون، من البطلان أو الصحة، على حسب ما إذا كان الشخص عند إبرامها، مجنونًا، أو عاقلاً، لا يتأثر بتنصيب القيم أو عدم تنصيبه، فعلة الحكم هي في ذات اضطراب العقل، وتنصيب القيم أو عدم تنصيبه لا يؤثر في ذلك الاضطراب. ومن هنا كان الحكم في الفقه الإسلامي، أن المجنون محجور عليه لذاته، مثله في ذلك مثل الصغير، مميزًا كان أم كان غير مميز، وهو نفس الحكم الذي سبق للمشروع أن تبناه في المادة (85) فقرة أولى.

وقد حرص المشروع على أن يُصرح، في الفقرة الثالثة، بأن تنصيب المحكمة قيمًا على المجنون لا يغير من الأحكام التي تنظم الأهلية عنده، دفعًا لأية مظنة، برغم أنه لا يعدو أن يكون تطبيقًا لما سبق له أن أورده من أن المجنون محجور عليه لذاته.
وتواجه المادة (99) أهلية المعتوه، ويلاحظ في ذلك الخصوص أن فقهاء المسلمين اختلفوا على تحديد المقصود من العته. فرأى البعض منهم أنه نوع من الجنون، يتميز بأن صاحبته لا يلجأ إلى العنف، فهو جنون هادئ، ورأى البعض الآخر أنه، وإن تشابه مع الجنون في كونه يقوم مثله على علة تلحق العقل، إلا أنه يتخالف معه في أن الخلل الذي يقوم عليه أدنى درجة من ذاك الذي يقوم عليه الجنون، بحيث لا يعدم عند صاحبه الإدراك، وإنما ينقصه فحسب.

وإذا كان الفرق بين الجنون والعته يتمثل، في واقع الأمر في خيط رفيع، يُترك أمر التقدير فيه لقاضي الموضوع، إلا أنه قائم على أية حال، والمصلحة هي في تقرير الخلاف بين الجنون والعته، ليتغير الحكم في شأنهما، فإن كان الخلل الذي يلحق العقل يعدم عند صاحبه الإدراك، اعتبر جنونًا يعدم الأهلية بغض النظر عن هدوء الشخص أو هياجه. أم إذا كان الخلل لا يعدم من الإنسان إدراكه، وإنما ينقصه فحسب، اعتبر عنها، ونقصت الأهلية بسببه، دون أن تنعدم وهذا هو الاتجاه الذي آثر المشروع أن يسايره، مقتفيًا أثر المجلة وما سار على دربها من قوانين دولنا العربية، كالقانون العراقي والقانون الأردني، وقضت المادة (99) بأنه تسري على تصرفات المعتوه الأحكام التي تخضع لها تصرفات الصغير المميز المنصوص عليها في المادة (87). ولم يشأ المشروع أن يساير المجلة والقانون العراقي والقانون الأردني، فيكتفي بالقول بأن المعتوه هو في حكم الصغير المميز، رغبةً منه في تقييد ما يثبت للمعتوه من أهلية بتلك التي يقررها المشروع للصغير المميز بوجه عام في المادة (87) منه دون الأهليات الخاصة التي تقررها للصغير المميز المواد التي تتلوها.

وتعرض المادة (100)، لإثبات الجنون أو العته، وإذا كانت القاعدة العامة هي أن يفترض في الشخص، عند إجرائه تصرفًا ما أن الإرادة كانت متوافرة لديه حال إبرامه، ما لم يثبت العكس، وهي القاعدة التي سبق للمشروع أن قننها في المادة 33/ 2، إلا أنه أراد أن يأخذ بحكم مغاير في صدد المجنون أو المعتوه، عندما يكون جنونه أو عتهه مشهورًا، أو عندما يكون القاضي قد عين له قيمًا، ليقرر في هذه الحالة وتلك افتراض إبرام التصرف حالة الجنون أو العته، ليلقي بذلك عبء إثبات إبرام التصرف، حالة الإفاقة، على من يدعيه، وهو حكم يجد له ما يبرره ويسوغه إذ أن الشخص الذي يشتهر عنه الجنون أو العته، أو ذاك الذي يُعين له القاضي قيمًا، يكون في أغلب أوقاته فريسة هذا الأمر أو ذاك، بحيث تتمثل فترات إفاقته إن تواجدت، قليلة عارضة، ولقد أراد المشروع أن يتمشى مع الغالب، فيفترض حصوله، ليُلقي بذلك عبء إثبات النادر على من يدعيه.

ويعرض المشروع، في المواد (101 إلى 106) لأحكام تصرفات السفيه وذي الغفلة. والأصل أن حكم تصرفات السفيه وذي الغفلة واحد، اعتبارًا بأن كلاً من السفه والغفلة يتشابهان في أنهما لا يمسان من الإنسان عقله، وإنما مجرد تدبيره أمره – على ما تقدم – وقد تمشى المشروع كأصل عام مع فكرة وحدة الحكم في تصرفات كل من السفيه وذي الغفلة في تقريره في المادة (101) الأصل العام في هذا الخصوص، وكذلك في المادة (102)، حيث أجاز لكليهما إبرام الوقف والوصية، متى أذن لهما به القاضي.
ومع ذلك، لم يغفل المشروع عن أن التماثل بين السفه والغفلة غير قائم، وأن ثمة خلافًا بينهما وإن لم يعظم، فإن كان كل منهما يتمثل في ضعف بعض الملكات الضابطة للنفس، فإن هذا الضعف في السفه يحمل صاحبه على تبذير ماله، في حين أنه، في الغفلة يحمل صاحبه على أن يغبنه غيره في معاملاته، لفرط الطيبة في قلبه، ولما يعتريه من سذاجة، وهذا ما أدى بالمشروع إلى أن يخص السفيه، دون ذي الغفلة، بأهمية إدارة أمواله، إذا أذنته المحكمة في ذلك، وتحت رقابتها، ليصل بذلك إلى مرتبة الصغير المميز عند بلوغه الثامنة عشرة، كما أنه أدى به أيضًا إلى أن يمنحه، دون ذي الغفلة، أهلية إبرام عقد العمل والتصرف فيما يكسبه من عمله، أجرًا كان أم غيره، تحت رقابة المحكمة، ليأخذ بذلك حكم الصغير المميز عندما يبلغ الخامسة عشرة من عمره.
وتقرر المادة (101) الأصل العام الذي يحكم تصرفات كل من السفيه وذي الغفلة. فتقضي بأن ما جاء من تلك التصرفات بعد صدور الحجر وشهره، تسري عليه أحكام تصرفات الصغير المميز المنصوص عليها في المادة (87) من المشروع. أما ما جاء منها قبل شهر قرار الحجر، فيقع صحيحًا، ما لم يكن قد أُبرم بالتواطؤ توقعًا للحجر، وهذا الذي تقرره المادة (101)، من جعل نقص الأهلية عند كل من السفيه وذي الغفلة رهينًا بصدور قرار الحجر وشهره، لا يعدو أن يكون إعمالاً للفكرة التي تقضي بأنهما ليسا محجورين لذاتيهما وإنما يقع حجرهما بحكم القاضي.

أما شهر قرار الحجر، فقد تطلبه المشروع حمايةً للغير، بإتاحة الفرصة لهم في العلم بالحجر، فإن كان قرار الحجر لما يصدر، أو كان قد صدر ولكنه لما يشهر، وتعاقد السفيه مع شخص يعلم بدعوى الحجر أو حتى بالعزم عليها، فعمدا معًا إلى إبرام العقد تواطؤًا منهما على استباق الزمن، فوت عليهما المشروع قصدهما، وأهدر احتيالهما، وأعطى تصرفهما الحكم الذي كان ليأخذه، لو أنه أُبرم بعد قرار الحجر وشهره. وقد اقتصر المشروع على النص على التواطؤ توقعًا للحجر، باعتبار أن من شأنه إعطاء تصرف السفيه أو ذي الغفلة، قبل شهر قرار الحجر، حكم تصرفه الذي يُبرم بعد ذلك، دون أن يقرن به الاستغلال، على خلاف ما فعل القانون المصري وبعض القوانين العربية الأخرى التي استوحته كالقانون الأردني، إذ أن الاستغلال أصبح عيبًا عام يشوب الرضاء، ويمكن بالتالي إعمال حكمه على تصرفات السفيه أو ذي الغفلة بدون نص خاص، إذا استبان أن من تعاقد معه قد عمد إلى استغلال طيش بين أو هوى جامح أو ضعف ظاهر فيه.

وتمنح المادة (102) للسفيه وذي الغفلة، على خلاف الأصل، أهلية إبرام الوصية والوقف، شريطة أن تأذن المحكمة لهما في إبرامهما، والمشروع في ذلك يحذو حذو كل من القانون المصري (المادة 116/ 1) والقانون الأردني (المادة 130/ 1)، وقد ارتأى المشروع المصلحة في منح السفيه وذي الغفلة أهلية إبرام الوصية والوقف، برغم كونهما من أعمال التبرع، وإن كان قد اشترط لإجرائهما منهما إذن المحكمة، وذلك اعتبارًا منه بأنهما تصرفان يتسمان بنزعة شخصية تخص السفيه أو ذي الغفلة وحده، دون القيم عليه، وأن الواجب ألا يُحرم هذا أو ذاك من أدائهما، لما عساه أن يكون له فيهما من هدوء البال أو راحة الضمير أو إشباع نزعة إنسانية أو دينية سامية، ثم إنه لا خوف مما يبرمانه، طالما أن الأمر يتم بإذن المحكمة، التي تعمل حكمتها في الرقابة.
وتعرض المادة (103) والمادة (104) للسفيه المأذون في إدارة أمواله كلها أو بعضها.

وتقضي المادة (103) في فقرتها الأولى، بأن للمحكمة أن تأذن للسفيه في تلك الإدارة إذنًا مطلقًا أو محددًا بما تراه من قيود، وعلى الأخص ما تراه من إلزام السفيه بأن يقدم لها حسابًا عن إدارته في المواعيد التي تعينها، وقد آثر المشروع أن يقصر الإذن في الإدارة على المحكمة، بخلاف ما سبق له أن قرره في شأن الإذن للصغير المميز في الإدارة، حيث أناط به الولي أو الوصي تحت رقابة المحكمة، ذلك لأن الإذن للسفيه بالإدارة أكثر خطورة من ذاك الذي يُمنح للقاصر، سيما وإن سوء إدارته لا ينعكس عليه وحده، وإنما قد ينعكس أيضًا على من يعولهم من زوج أو ولد، بخلاف القاصر، الذي يندر أن يكون له زوج أو ولد، في تلك السن المبكرة التي يُتاح له فيها أن يستحصل على الإذن في إدارة أمواله. وتقضي المادة (103) في فقرتها الثانية، بأن للمحكمة أن تسحب الإذن الذي سبق لها أن أعطته للسفيه في إدارة أمواله، أو أن تقيده، إذا رأت لذلك مقتضيًا ذلك لأن الإذن للسفيه في الإدارة يُعطى له، كما يُعطى للقاصر، على سبيل التجربة والابتلاء، وتحت رقابة المحكمة، فإن تلمست فيه المحكمة صلاحًا أبقته يدير ماله، وإن رأت فيه اعوجاجًا، سلبته ما سبق لها أن منحته من أهلية الإدارة.

وتقضي المادة (103)، في فقرتها الثالثة، بوجوب التأشير على هامش شهر قرار الحجر بما عساه أن تصدره المحكمة من الإذن بالإدارة أو تقييده أو بسحبه، حماية للغير، عن طريق إتاحة الفرصة لهم في أن يكونوا على بينة مما تقرره المحكمة. ويتم التأشير الهامشي على مقتضى النظام الذي يقضي به قرار يصدر من وزير العدل. وتقضي المادة (104) بأن للسفيه المأذون في الإدارة أهلية إجراء التصرفات التي تقتضيها إدارة ما يسلم إليه من أمواله لإدارتها، في حدود القيود التي يتضمنها الإذن الصادر من المحكمة، ولم يشأ المشروع أن يقيد أهلية السفيه المأذون في الإدارة بالنسبة إلى تأجير الأموال، بخلاف ما سبق له أن فعله في شأن الصغير المميز، حيث قيد أهليته في تأجير ماله بمدة سنة، وقد حدا به إلى ذلك أن الإذن للسفيه في الإدارة لا يكون إلا من المحكمة، فهو لا يكون ممن له الولاية على ماله، بخلاف القاصر. وللمحكمة أن تضع لإدارة السفيه لأمواله من القيود ما ترى أن المصلحة تقتضيه.

وتعرض المادة (105) في فقرتها الأولى، لما يخصص للسفيه من مال لأغراض نفقته هو ومن يعول، وتمنحه أهلية التصرف فيه، في نفس الحدود التي تثبت فيها أهلية الصغير المميز في التصرف فيما يُعطى له من مال لأغراض نفقته. وتجيء الفقرة الثانية لتخول المحكمة، بناءً على طلب السفيه أو القيم عليه أو أي ذي شأن آخر كزوجته أو ولده، سلطة تحديد ما يجب تخصيصه للسفيه من مال لأغراض النفقة، على أن تراعي المحكمة في ذلك موارد السفيه وحاجاته هو ومن يعول. وتعطي المادة (105) في فقرتها الثالثة، السلطة للمحكمة في أن تمنع عن السفيه المال المخصص لأغراض النفقة، إذا توافرت أسباب جدية تدعو إلى الخشية من قيامه بتبذيره، وللمحكمة عندئذٍ أن تعهد بمال النفقة إلى من ترى الصلاح في توليه أمر الإنفاق على السفيه وأسرته من زوجة أو ولد أو غيرهما.

وتقرر المادة (106) أن للسفيه أهلية إبرام عقد العمل وأهلية التصرف فيما يعود عليه من عمل، أجرًا كان أم غيره، في نفس الحدود التي تقررها المادة (94) من المشروع في شأن الصغير المميز، وفي منح السفيه أهلية إبرام عقد العمل والتصرف فيما يكسبه من عمله، لا سيما الأجر، مصلحة لا تخفى، إذ أن من شأن ذلك أن يسهل عليه أن يجد لنفسه عملاً يتمثل موردًا لرزقه ورزق من يعول، ثم إن في ذلك رفعًا للعنت عن رب العمل، حيث يكون له أن يوفي الأجر للعامل بنفسه، دون أن يلزم بأن يدفعه للقيم عليه وبعد ذلك كله فالرقابة ثابتة للمحكمة بالنسبة إلى التصرف في الأجر أو في غيره مما يعود على السفيه ثمرة لعمله، فإن رأت مقتضيًا للحد من أهلية السفيه في هذا التصرف، قضت به.

وتجيز المادة (107) للمحكمة المختصة أن تعين مساعدًا قضائيًا لمن يكون به عجز جسماني شديد من شأنه أن يصعب عليه التعبير عن إرادته أو يعسر عليه الإلمام بظروف التعاقد، وعلى الأخص إذا كان هذا العجز الجسماني راجعًا للإصابة بعاهتين من عاهات فقد السمع والكلام والبصر، بأن كان الشخص أصم أبكم أو أعمى أصم أو أعمى أبكم، فمثل هذا الشخص، يعترض العجز جسمه، فلا يمس عقله، ولا يلحق تدبيره. فهو بالتالي كامل الإدراك، سليم التدبير، ولكنه يتعذر عليه، بسبب عاهاته أو حالته المرضية أو الجسمية، أن يعبر وحده عن إرادته تعبيرًا واضحًا سليمًا، كما قد يُخشى عليه بسببها من عدم تبين ظروف التصرف الذي يجريه على نحو سليم، ولهذا يقرر له المشروع نظام المساعدة القضائية، بأن يجيز للمحكمة أن تعين له من يتولى معاونته في إبرام التصرفات التي تحددها له، على أن يُشهر قرار تعيين المساعد القضائي، حماية للغير، عن طريق إتاحة الفرصة لهم في العلم بصدوره.

ويختلف دور المساعد القضائي اختلافًا أساسيًا عن دور الولي أو الوصي أو القيم أو الأشخاص الآخرين، الذين يتولون مثلهم النيابة عن غيرهم، كمدير التفليسة والحارس القضائي، فالمساعد القضائي، بخلاف هؤلاء جميعًا، لا ينوب عن العاجز جسمانيًا في إبرام التصرفات، وهو بالتالي لا يُغني عنه في ذلك. فالذي يبرم التصرف هو هذا العاجز نفسه، ويقتصر دور المساعد القضائي بحسب الأصل، في أن يكون مجرد معين له في إبرامه، بأن يعاونه في الإلمام بظروف التعاقد، كما يعاونه أيضًا في التعبير عن إرادته، فهو بمثابة المترجم له وعنه. ومن أجل ذلك حرص المشروع على ألا يجاري القانون العراقي في إطلاق اصطلاح (الوصي) عليه، وإنما حذا حذو القانون المصري في إطلاق اصطلاح (المساعد القضائي) وقد حرص المشروع على أن يجعل العجز الجسماني الشديد مناط تعيين الحارس القضائي كلما كان من شأن هذا العجز أن يصعب على صاحبة الإلمام بظروف التعاقد، أو يعسر عليه التعبير عن إرادته في شأنه، وبهذا يضع للقاضي معيارًا مرنًا، يصل به إلى العموم والشمول بالنسبة إلى حالات العجز الجسماني الذي يقتضي المساعدة لصاحبه، والمشروع بذلك يتدارك عيبًا وقع فيه القانون المدني المصري، بقصره الحكم على ذي العاهتين من عاهات الصم والبكم والعمى، وهو عيب عمد المشرع المصري نفسه إلى تفاديه في قانون لاحق، هو قانون الولاية على المال، حيث أضاف العجز الجسماني الشديد، وإنما كمجرد حالة من الحالات المسوغة لإعمال نظام المساعدة القضائية، أما المشروع فيجعل من العجز الجسماني الشديد مناطًا لأعمال هذا النظام. ويذكر ذا العاهتين كمثال يستنير به القاضي لتحديد نوعية العجز المقصود، والأمر بعد ذلك متروك لتقديره، حسب ظروف كل حالة.

وتقرر المادة (108) الأثر المترتب على تعيين المساعد القضائي، ويتركز هذا الأثر في وجوب اشتراك المساعد القضائي مع العاجز عجزًا جسمانيًا في إبرام العقد أو غيره من التصرفات التي تقررت المساعدة في شأنها، على أن اشتراك المساعد القضائي في التصرف يتمثل، بحسب الأصل، في مجرد معاونة العاجز في إبرامه، دونما تجاوز في ذلك، فهذا العاجز هو الذي يبرم التصرف، وإنما يلزمه أن يبرمه بمعاونة مساعدة، ومن ثم وجب الاعتداد بإرادة العاجز نفسه من حيث ذات وجودها، ومن حيث العيوب التي تشوبها، بخلاف غيره من المشمولين بالولاية أو الوصاية أو القوامة، على أن المشروع يتطلب، حمايةً للعاجز، أن يعبر عن إرادته بمعاونة مساعدة، فإن صدر منه التصرف، بغير تلك المعاونة، وقع تصرفه قابلاً للإبطال لمصلحته، طالما صدر بعد قرار تعيين المساعد. على أن المشروع قد استثنى من هذا الأصل الحالة التي تأذن فيها المحكمة لمن تقررت مساعدته بالانفراد في إبرام التصرف، دون معاونة مساعدة وقد أراد بذلك أن يواجه الحالة التي يحجم فيها المساعد عن تقديم العون، في حين أن المحكمة ترى، من ظروف الحال، إمكان انفراد الشخص بإبرامه دون أن يلحقه الضرر.

وتواجه المادة (109) الحالة التي يتعذر فيها على الشخص، بسبب حالته الجسمية أو المرضية، أن يًبرم تصرفًا معينًا، ولو بمعاونة مساعد قضائي، عُين له من قبل أو يراد تعيينه له، في حين أن مصلحته تقتضي إبرامه، دونما انتظار، وإلا تعرضت للخطر، ويقضي المشروع بأنه يجوز للمحكمة، في تلك الحالة، أن تأذن للمساعد القضائي بأن يقوم بنفسه، وبغير تدخل من العاجز، بإبرام التصرف، وللمحكمة عند صدور إذنها للمساعد في إبرام التصرف منفردًا، أن تقرر القيود التي تراها كفيلة بتحقيق مصلحة العاجز.
وفي الحالة المنصوص عليها في المادة (109) يكون للمساعد القضائي صفة النائب، بخلاف الأصل المتمثل في أنه مجرد مترجم للعاجز وعنه.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .