أبحاث قانونية ومواضيع عن أهمية العدالة في تحسين مناخ الأعمال

مقال حول: أبحاث قانونية ومواضيع عن أهمية العدالة في تحسين مناخ الأعمال

دور العدالة في تحسين مناخ الأعمال تقرير حول الندوة برحاب المعهد العالي للقضاء

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

دور العدالة في تحسين مناخ الاعمال
الاسم: زكرياء رياحي الادريسي

الصفة: باحث بماستر قانون المقاولة السويسي؛ الرباط

الموضوع: تقرير حول ندوة ” دور العدالة في تحسين مناخ الأعمال”

برحاب المعهد العالي للقضاء، وبمبادة من وزارة العدل في تكريم العلامة الأستاذ عبد الواحد الراضي لما أسداه من خدمات لقطاع العدل، تم تنظيم ندوة علمية بعنوان ” دور العدالة في تحسين مناخ الأعمال” يومي 08 و09 نونبر 2018.

وقد جاء سياق هذه الندوة أمام الظرفية الخاصة التي تشهده بلادنا، التي أصبحت وجهة مهمة للمستثمرين الوطنيين والأجانب، بفعل ما تتميز به من مؤهلات طبيعية وكفاءات بشرية، وانفتاح المغرب على محيطها الإقليمي والدولي، وبفضل السلم والاستقرار الذين تتمتع بهما في سياق ظرفية دولية متسمة بالاضطراب.

هذا وقد افتتحت مجريات الندوة من طرف وزير العدل السيد محمد أوجار وذلك بتقديم شهادات في حق عبد الواحد الراضي، أجمعت على غزارة عطاءاته وإسهاماته الفكرية والعلمية، وكذا دوره الريادي في النهوض بقطاع العدل.

كما شذد على أن القضاء يعد ركنا أساسيا لإنجاح أي مخطط إصلاحي وعنصرا محوريا في مخططات التنمية الاقتصادية، مشيرا في نفس الوقت بأن القضاء هو ميزان العدل، وبه تتحقق الطمأنينة التي هي قوام المجتمع، مشيرا إلى أنه لا يمكن الحديث عن الاستثمار دون أن يكون القضاء الضامن لاستمراره.

من جهة أخرى، أكد مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، من جانبه، أن المحتفى به يعد فقيها فذا والعلامة الجليل ورجل الإعلام الصادق والمسؤول المحنك والحقوقي المتنور، مشيرا إلى أن السيد عبد الواحد الراضي وضع بصمة واضحة في كل ركن من أركان بيت أسرة العدالة.

مضيفا على أن الندوة تتناول موضوعا ذي راهنية كبرى يحمل مضامين دستورية واقتصادية واجتماعية مختلفة ويكتسي أبعادا وطنية وإقليمية ودولية متعددة ويثير مجموعة من الإشكالات التنظيمية والإدارية والأخلاقية يطالبنا بكثير من الحكمة والجرأة والمواطنة.

وفي لحظة غامرة بالدموع قال وزير العدل السابق عبد الواحد الراضي الذي بدا متأثرا طوال اللقاء إن حضور العديد من الشخصيات لهذا التكريم هو تشريف له، مشيدا بتقرير البنك الدولي الأخير، والذي نوه بمناخ الاستثمار بالمغرب.

وقد أضاف بأن المغرب يشهد تقدما كبيرا بفضل الاطمئنان والسلم والحريات التي ضمنتها حكمة الشعب والملك”، ضاربا للحضور موعدا في كلمة أكثر إسهابا يوم غد الخميس، بمناسبة تكريمه.

وعلى كل هذا، فقد تخللت هذه الندوة مجموعة من المداخلات القيمة سنحاول إبرازها وفق ثلاث محاور أساسية:

المحور الأول: دور وزارة العدل في النهوض بمناخ الأعمال
المحور الثاني: دور المحاكم التجارية في حماية الاستثمار
المحور الثالث: إنتظارات الفاعلين الاقتصاديين من العدالة التجارية

المحور الأول: دور وزارة العدل في النهوض بمناخ الأعمال
فيما يتعلق بالمحور الأول من هذه الندوة العلمية، فقد جاء معنونا ب ” دور وزارة العدل في النهوض بمناخ الأعمال” والذي جعل من فضيلة الأستاذ محمد الادريسي العلمي المشيشي رئيسا للجلسة.

وعلى العموم فقد ارتكز المحور الأول على عرضين قيمتين، يتعلق الأول بقانون مساطر صعوبات المقاولة الجديد ودوره في حماية الاستثمار والمقاولة (أولا) بينما تمحورت المداخلة الثانية حول التحول الرقمي لوزارة العدل في خدمة الاستثمار (ثانيا).

أولا: قانون مساطر صعوبات المقاولة الجديد ودوره في حماية الاستثمار والمقاولة.
لقد حاول الأستاذ الحسم الكاسم[1] التركيز على أهمية انخراط وزارة العدل في تنزيل مضامين القانون الجديد رقم 17-73 كقانون ينطوي على فلسفة جديدة تروم بالأساس ضمان استمرارية المقاولة كأداة أساسية لخلق الثروة وتوفير مناصب الشغل وتحقيق ظروف التنمية المستدامة.

وقد طرح الأستاذ إشكالية وهو في صدد تناوله للموضوع مفادها: أي دور يمكنه أن يلعبه القانون 17-73 في حماية الاستثمار والمقاولة بالمغرب؟

وقد استعرض الأستاذ الإجابة عن هذه الإشكالية وفق شقين اثنين: يتعلق الأول بدور القانون في تدعيم موقع المغرب كبلد يتوفر على ترسانة قانونية عصرية تستجيب للمعايير الدولية، بينما الشق الثاني تمثل في المقومات الذاتية الذي يتمتع بها القانون 17-73 فيما يخض حماية المقاولة.

دور القانون في تدعيم موقع المغرب كبلد يتوفر على ترسانة قانونية عصرية تستجيب للمعايير الدولية.
ارتكزت مداخلة الأستاذ في هذا الباب على الآثار الاقتصادية والاجتماعية وراء إصدار القانون 17-73 والتي أقل ما يمكن وصفها إلا بالآثار المحمودة خاصة في ظل العولمة، بحيث أن طرق تنظيم الوقاية من الصعوبات أو معالجتها أصبح من المواضيع الحساسة التي على ضوئها يتقرر مدى مساهمته في المحافظة على المقاولات وتطويرها بما يتميز به من فاعلية وجاذبية وتنافسية.

وعلى هذا الأساس استند تنزيل القانون 17-73 على منهجية ترمي إلى الرفع من مستوى نجاعة هذه المساطر من خلال إعادة النظر في المساطر المطبقة بتلطيفها وتجويدها معتمدا في ذلك على بعض التجارب الدولية الرائدة كالنموذج الألماني والبلجيكي والأمريكي وكذا الممارسات المثلى، ومن جهة ثانية على ما توصل به الفقه والاجتهاد القضائي المغربي.

مبرزا في نفس الوقت عن انعكاس هذا القانون على ترتيبه في سلم DOING BUSINESS[2] سنة 2019 بعدما تمكنت المملكة المغربية من تحسين ترتيبها في مؤشر مساطر صعوبات المقاولة، بحيث انتقلت من الرتبة 134 إلى الرتبة 71 عالميا.

مضيفا أن هذا الترتيب انعكس إيجابا على تحسين الترتيب العام للمغرب، بحيث انتقل من الرتبة 69 إلى الرتبة 60 عالميا، وأصبح بذلك يحتل المرتبة الأولى على صعيد شمال إفريقيا، والمرتبة الثانية في منطقة الشرق الأوسط بعد دولة الإمارات العربية المتحدة، والرتبة الثالثة على مستوى القارة الإفريقية.

وفي أخير هذا الشق، جعل الأستاذ الحسن من نجاح القانون 17-73 متوقفا في إحداث ثورة في عقلية الفاعلين من رئيس المقاولة وشركائه الاقتصاديين سواء كانوا ماليين أو تجاريين أو إداريين ومساهمتهم بصفة إيجابية وبكل مسؤولية في المساطر الراهنة إلى تنظيم المقاولة دون التشويش بمصالحها ومصالح شركائها.

المقومات الذاتية الذي يتمتع بها القانون 17-73 فيما يخص حماية المقاولة
عمل الأستاذ الحسن الكاسم من خلال هذا الشق على التركيز على مقومين أساسيين:

المقوم الأول يتعلق في التمسك بخيار إنقاذ المقاولة عبر توفير مجموعة من المساطر القانونية يمكن استعمالها حسب حاجيات المقاولة.

وينجلي هذا المقوم بالأساس في مساطر الوقاية وكذا مساطر المعالجة التي أعيدت هيكلتها برؤية جديدة تهدف إلى تعزيز التشخيص المبكر للصعوبات وإلى ضمان فعالية ونجاعة الإجراءات.

بحيث تم تدعيم مساطر الوقاية بمجموعة من الآليات والميكانيزمات حتى تضطلع بالدور الذي أنشئت من أجله، بحيث من أجل تشجيع المقاولات لسلوك المسطرة الخارجية وكذا المصالحة، أدخل المشرع صلاحيات هامة على كلتا المسطرتين من ذلك:

تخويل الحق لرئيس المقاولة اقتراح من سيتولى بمهمة الوكيل الخاص أو المصالح؛
إقرار مبدأ شمول كفلاء المقاولة بوقف المتابعات الفردية بالنسبة للديون موضوع الاتفاق المبرم مع الدائنين في إطار مسطرة المصالحة؛
تسهيل تمويل المقاولة من قبل الأغيار من خلال إضفاء حق الأفضلية على الديون الناشئة بعد مسطرة المعالجة.
ولعل أهم مستجد جاء به القانون 17-73 يتمثل في إحداثه لمسطرة الإنقاذ كآلية إضافية للكشف المبكر عن الصعوبات، وهي مسطرة تمتاز عن التسوية القضائية بكونها لا تشترط عنصر توقف المقاولة عن الدفع، ومن أجل تحفيز مسيري المقاولات على مباشرة هذه المساطر والاستفادة من مزاياها عمل المشرع على:

إضفاء الصبغة الإرادية على المسطرة؛
تعزيز دور رئيس المقاولة عبر تخويله الحق في إعداد مخطط الإنقاذ؛
الإبقاء على صلاحيات التسيير بين يدي رئيس المقاولة؛
تسهيل تمويل المقاولة بالتنصيص على حق الأفضلية بالنسبة للديون المتعلقة بنشاط المقاولة خلال هذه الفترة.
وفي نفس السياق، تطرق الأستاذ على التعديلات التي أدخلت على مساطر المعالجة كأداة ضرورية لمعالجة المقاولات المتوقفة عن الدفع، ومن هذا المنطلق تم إعادة النظر في مجموعة من المقتضيات التي كانت تطرح إشكالات قانونية في السابق، كما تمت هيكلة مؤسسة القاضي المنتدب وكذا السنديك ليضطلعا بدورهما على أحسن وجه.

أما فيما يخص الشق الثاني، فيتمثل في إعادة التوازن بين حقوق الدائنين والمقاولة باعتبارهم جميعا شركاء في اختيار الحل.

وقد تجسد هذا التوازن حسب الأستاذ الحسن كاسم في إحداث هيئة تمثيلية خاصة بمؤسسة جمعية الدائنين من خلال تعزيز صلاحياتها في مساطر التسوية القضائية نحو تجاوز المشاكل التي تعاني منها المساطر السابقة بسبب عدم انخراط الدائنين بصورة فعلية في إيجاد الحلول الملائمة للنهوض بالمقاولة، وهو ما يبرر نهج المشرع في إعادة التوازن بين دور الدائنين وباقي الأجهزة في المسطرة.

وفي الختام، أكد الأستاذ على ضرورة مواصلة ورش الإصلاحات اللازمة وذلك من خلال:

إخراج النصين التنظيميين المتعلقين بمؤسسة السنديك ورقمنة الإجراءات؛
تعزيز القدرات للمتدخلين في المسطرة عبر تنظيم دورات تكوينية؛
خلق آليات على صعيد كل محكمة تجارية لمساعدة رئيس المقاولة أو من ينوب عنه قصد تحديد الاختلالات التي قد تعترض المقاولات.

وهكذا يكون الأستاذ الكاسم حاول تحديد دور قانون صعوبات المقاولة الجديد في حماية الاستثمار مركزا على آثار هذه الإصلاح على الموقع الجديد الذي أصبح يحتله المغرب ضمن التصنيف الدولي من حيث انتقاله من الرتبة 69 إلى الرتبة 60 دوليا.

وقد اعتبر أن هذا المعطى لم يأتي من فراغ وإنما جاء نتيجة الجهود المبذولة نحو تحقيق الصحوة القانونية في مجال مناخ الأعمال، خاصة على مستوى تعديل مساطر معالجة صعوبات المقاولة، التي ارتكزت على تجارب رائدة في هذا المجال سواء تعلق الأمر بمساطر الوقاية أو تعلق الأمر بمساطر المعالجة.

ثانيا: التحول الرقمي لوزارة العدل في خدمة الاستثمار
بداية لابد من الإشارة أن الموضوع الذي كان مقررا في الجزء الثاني من هذا المحور يتعلق بالرفع من مستوى خدمات الإدارة القضائية ودوره في تحسين مناخ الأعمال من تقديم الأستاذ عبد الرفيع ارويحن، غير أنه لأسباب نجهلها تعذر عن هذا الأخير الحضور مما اضطر الأستاذ يوسف ستوح من إلقاء هذا العرض نيابة عنه مع تغيير عنوان المداخلة والتي أصبحت معنونة بالتحول الرقمي لوزارة العدل في خدمة الاستثمار.

وقد استهل الأستاذ ستوح مداخلته بكون اللحاق بركب الدول الصاعدة لم يتم إلا بواسطة تحسين مناخ الأعمال لاسيما من خلال المضي قدما لإصلاح القضاء ومحاربة الفساد وتخليق الحياة العامة التي تعتبر مسؤولية المجتمع ككل، وأنه تماشيا مع البرنامج الحكومي الذي اتخذ من بلوغ الحكومة الرقمية هدفا أساسيا الذي يهدف بالرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني لتمكين المغرب الولوج لدائرة الاقتصاديات الخمسين الأوائل عالميا في مؤشر ممارسة الأعمال DOING BUSINESS في أفق 2021.

وبحسب ستوح فإن التصور الشامل لإنزال إستراتيجية التحول الرقمي ينبني على أربع محاور أساسية:

تبسيط الإجراءات والمساطر الداخلية على مستوى المحاكم وحوسبتها وتوفير البرمجيات اللازمة لتدبير العمل اليومي على مستوى المحاكم؛
التجسيد اللامادي للتبادلات والمعلومات الالكترونية مع كافة شركاء العدالة كما هو الحال بالنسبة لمنصة المحامي للتبادل الالكتروني، المنصة الوطنية لإنشاء المقاولة عبر الخط؛
توفير الخدمات عبر الخط للمتقاضين وعموم المواطنين باعتماد تقنيات حديثة كالتوقيع الالكتروني والأداء الالكتروني: خدمة مستخرج السجل العدلي، خدمة تتبع الملفات عبر الخط … ؛
تعزيز البنية التحتية المعلوماتية لاستيعاب جل هذه المشاريع ضمانا لمبدأ الأمن ألمعلوماتي.
هذا وفيما يتعلق بمؤشرات مناخ الأعمال، فإن الأستاذ ستوح يميز بين مؤشر تنفيذ العقود وبين مؤشر إصلاح نظام الضمانات المنقولة وإحداث السجل الوطني للضمانات المنقولة.

فعلى المستوى الأول، فإن مؤشر تنفيذ العقود لا يتحقق إلا من خلال:

الإيداع الالكتروني للدعاوى والمقالات؛
التبليغ الالكتروني لمقالات المدعي؛
الأداء الالكتروني للرسوم القضائية؛
الاطلاع على الأحكام عن طريق النشر عبر الانترنيت؛
التوزيع التلقائي والآلي للملفات على القضاة المقررين؛
إعداد تقارير دورية لتتبع نجاعة أداء المحاكم.
وفي هذا الصدد فالمغرب يحتل حاليا المرتبة 68 عالميا في ترتيب المؤشر، ولا شك أن تفعيل الآليات الست كما هي محددة أعلاه سيجعل المغرب يربح نقط أساسية على مستوى الترتيب الدولي.

أما على المستوى الثاني، والمتمثل في مؤشر إصلاح نظام الضمانات المنقولة وإحداث السجل الوطني للضمانات المنقولة فإنه يهدف تحقيق من المزايا من أهمها:

تسهيل ولوج المقاولات الصغرى والمتوسطة للتمويل؛
تقوية الإمكانات المتاحة لها لتقديم الأصول المنقولة المادية وغير المادية كضمانات.
تسجيل وإشهار الضمانات المنقولة عبر الخط ربحا للوقت والجهد وتعزيزا الشفافية؛
توفير قاعدة بيانات ممركزة حول وضعية الضمانات المنقولة.

والحقيقة أن المغرب يحتل المرتبة 112 عالميا في ترتيب هذا المؤشر، ومن المتوقع في حالة تنزيل هذه السمات كما هي محددة أعلاه أن يحتل المغرب الرتبة 36 عالميا.

وعلى إثر انتهاء مداخلات الأساتذة، تم فتح المجال في حق الحضور الكريم للمناقشة وطرح تساؤلات بخصوص ما تم تناوله في كلا العرضين.

السؤال الأول كان من نصيب الأستاذ الحاتمي[3] حاول من خلاله عرض على اللجنة مشكل تنفيذ الأحكام مشيرا إلى كون مسؤولية التنفيذ هي مسؤولية عظيمة، بحيث أن التنفيذ في البداية[4] كان يتم بنقل المحجوزات إلى قاعة البيوعات في المحكمة وتباع بالمزاد العلني ويقع التزايد عليها، وهنا على الأقل تكون النتيجة نوعا ما محمودة طالما أن 50 ./’ من المنفذ عليهم لا يرغبون في نقل أمتعتهم ويؤدون بالفور، أما الآن يضيف الأستاذ الحاتمي بأنه ليس هناك قاعة بيوعات بالمحكمة، فقط يتم النشر المعطيات المتعلقة بالمزادات، ناهيك عن مشكلة غياب المتزايدين لغياب مكان قار يتم التزايد فيه.

وفي معرض الإجابة عن هذه الإشكالية، اعتبر الأستاذ المشيشي العلمي بأن هناك غولين من غيلان الحياة القضائية وهما غول التبليغ وغول التنفيذ، مؤكدا على ضرورة إدخال إكراهات بالقوة على مؤسسة التبليغ والتنفيذ، على اعتبار أنه بدون خوف المحكوم عليه لم يكن هناك رضوخ واستجابة للحكم المحكوم به.

بينما انحصرت بعض المداخلات الأخرى حول الجهود المبذولة من وزارة العدل على تنزيل ورش إستراتيجية تدبير المخاطر في إطار صعوبات المقاولة، بينما هناك من أدلى ببعض الإضافات فيما يتعلق بمشكل التخصص في المادة التجارية بمعنى تكوين القضاة في المادة التجارية على أحسن وجه ولاشك أن ذلك سينعكس إيجابا على تحسين جودة الأحكام.

بينما ارتأى الأستاذ الباتولي[5] فيما يخض رقمنة المحاكم، طرح إشكالية تتعلق برقمنة المقالات والمرفقات، متسائلا عن كيفية التأكد من أن الوثائق المبعوث بها إلكترونيا صحبة المقال هي وثائق أصلية أو مطابقة للأصل، بمعنى مدى حجية هذه الوثائق؟

كما تساءل عن الموارد البشرية المخصصة لتحقيق هذا الورش؟

المحور الثاني: دور المحاكم التجارية في حماية الاستثمار
لقد خصصت الحصة المسائية من الندوة لاستعراض أهمية القضاء التجاري ودوره البارز في حماية الاستثمار باعتباره قضاء متخصص في ميدان التجارة والأعمال.

هذا المحور رصدت له مداخلة فريدة كانت من نصيب الأستاذ عبد الرزاق العمراني[6] حول موضوع تجربة القضاء التجاري وحماية الاستثمار.

وقد اختار الأستاذ العمراني التطرق لموضوعه هذا من خلال طرح الإشكال الآتي:

ماهي علاقة الاستثمار بالقضاء؟

وقد تناول هذه الإشكالية من خلال محورين أساسيين يتمثلان في:

المحور الأول: مستجدات وامتيازات قانون المحاكم التجارية.
المحور الثاني: آفاق تجربة المحاكم التجارية.
وقد استعرض الأستاذ العمراني في بداية موضوعه إحداث القضاء التجاري بالمغرب وما راكمته هذه التجربة من مكاسب أو ما وجه إليها من انتقادات بعد مرور عشرين سنة على إنشائها مرتبط بتطور المجال الاقتصادي والتجاري بالبلاد. بحيث ذكر أن هذا الإحداث جاء استجابة لعدة حاجات فرضها المناخ الاقتصادي العام الذي عرفه المغرب منذ بداية الثمانينيات وأدى إلى الشروع في إصدار وتنقيح قوانين الأعمال والتجارة.

بالإضافة إلى تكريس البُعد القضائي للاهتمام المتزايد للبلاد بالمجال الاقتصادي، وتوجيه إشارة قوية للفاعلين الاقتصاديين بأن الدولة تتكفل بإيجاد البنية المناسبة لتطبيق هذه القوانين بإنشاء قضاء متخصص ذو جودة وكفاءة.

كما درج الأستاذ في سبيل الإجابة عن إشكاليته إلى وضع تعريف للاستثمار مبرزا أسباب اهتمام الدول به، بحيث عرف الاستثمار بأنه توظيف رؤوس الأموال لخلق وتنشيط مشاريع لإنتاج وتوفير السلع والخدمات بهدف الزيادة في رأس المال والربح مما يؤدي إلى خلق المزيد من الثروة مع ما لذلك من انعكاسات على عدة مجالات اقتصادية واجتماعية، أما عن أسباب اهتمام الدول به فتتمثل في كل من:

إعداد المناخ الملائم لتشجيع الاستثمار بشتى الوسائل وعلى رأسها الوسائل القانونية والإجرائية في إطار منافسة محتدمة حتى يكون الاستثمار دعامة ورافعة للتنمية الاقتصادية؛
إصدار القوانين المنظمة للاستثمار (كالقانون الإطار بمثابة ميثاق للاستثمارات رقم 95-18 الصادر سنة 1995 ) وقوانين المال والأعمال وتحيينها؛
الانخراط في الاتفاقيات الدولية والثنائية لضمان وحماية الاستثمار الأجنبي والانخراط في المجموعات الاقتصادية؛
إنشاء المؤسسات الوطنية المتخصصة (مثلا: اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال والمراكز الجهوية للاستثمار.)؛
تدعيم سلطة العدالة في المجال الاقتصادي بإنشاء محاكم متخصصة.
وقد تناول الأستاذ العمراني المحور الأول المتعلق بمستجدات وامتيازات قانون المحاكم التجارية من خلال شقين رئيسيين، يتمثل أولهما في مرجعية وأهداف إحداث المحاكم التجارية بالمغرب والتي ربطها بالرسالة الملكية لجلالة الملك المرحوم الحسن الثاني إلى الوزير الأول بتاريخ 11 يونيو 1993 التي حث فيها جلالته الحكومة على تشجيع الاستثمار عبر الإسراع بالمساطر القضائية والإدارية والتجارية.

ثم قيام الدولة بتحديث الهياكل الاقتصادية المرتبطة بالمال والأعمال، وتدخل المشرع لتطوير وعصرنة جل النصوص التشريعية المرتبطة بهذا المجال.

بالإضافة إلى التساؤل فيما إذا كانت مقومات النظام القضائي المغربي تعتبر آنذاك مؤهلة لتطبيق هذه القوانين بفعالية واقتدار لتوفير المناخ الملائم لازدهار الاستثمار حيث ظهرت الحاجة لإنشاء قضاء متخصص توج بإنشاء محاكم تجارية من درجتين والتخلي عن مبدأ وحدة الجهة القضائية.

هذا فيما يخص المرجعيات أما فيما يتعلق بالأهداف التي استعرضها الأستاذ العمراني في مداخلته هذه فقد كانت في هدف رئيسي يتجلى في تحقيق عدالة سهلة الولوج عبر تبسيط المساطر القضائية، عالية الكفاءة والمردودية، وسريعة البت ناجعة في التنفيذ واستخلاص الديون المحكوم بها.

إما فيما يخص الشق الثاني فقد خصصه الأستاذ للمميزات التي جاء بها قانون إحداث المحاكم والتي تتمثل بالأساس في:

تكوين مندمج لهذه المحاكم في هيكل التنظيم القضائي لا يختلف ابتدائيا واستئنافيا عن المحاكم الأخرى(نيابة ورئاسة وقضاة ومستشارين ونواب وكتابة ضبط منتمين للجهاز القضائي والإداري ..)؛
تختص هذه المحاكم ليس فقط بالنظر فيما نظمته مدونة التجارة لسنة 1996 في أجزائها الخمسة، بل يمتد اختصاصها إلى فروع أخرى من قوانين الأعمال كقضايا التجارة البحرية الداخلية والخارجية والنقل الجوي وقضايا الملكية الصناعية والتجارية وقضايا التأمين والشركات التجارية والأكرية التجارية وهي كلها مرتبطة بمجال الاستثمار؛
التنصيص على أمكانية لجوء الأطراف إلى التحكيم والوساطة كتشجيع لهم على اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل النزاعات (الفقرة الأخيرة من المادة 5 من قانون إحداث م ت)؛

النص على مساطر خاصة وآجال قصيرة؛
تخويل رئيس المحكمة التجارية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة اختصاصات خاصة؛
إحداث غرفة تجارية بالمجلس الأعلى آنذاك ومحكمة النقض حاليا.
وبعد استعراض الأستاذ العمراني لهاذين الشقين الخاصين بالمحور الأول عرج على المحور الثاني والذي خصصه لآفاق تجربة المحاكم التجارية، إذ استهله برسم مبياني يوضح توزيع السكان حسب المحاكم التجارية والذي أظهر على أن محكمة الدار البيضاء لها الحصة الكبرى بحيث كانت نسبة توزيع السكان فيها تصل ل 24.32%. ثم تليها محكمة مراكش بنسبة 17.85% وأكادير بنسبة 10.53 % ثم باقي الحصص موزعة على المحاكم الأخرى.

وقد قسم الأستاذ العمراني مبحثه الثاني بدوره لشقين رئيسيين تناول في الأول تقييم أداء المحاكم التجارية من حيث الحصيلة والمكتسبات، فبالنسبة للحصيلة أقر الأستاذ أن هذه المحاكم ساهمت خلال العشرين سنة الماضية في خدمة التجارة والاستثمار، وأرست قواعد السرعة والفعالية لولا بعض المعوقات.

أما فيما يخص المكتسبات فمثل الأستاذ بعضها في تكريس العديد من الاجتهادات القضائية والتوجهات في المادة التجارية لاسيما في مساطر صعوبات المقاولة، والبت في عدد لا يستهان به من القضايا بالسرعة المطلوبة.

بالإضافة إلى تكوين أطر بشرية على قدر من التخصص من قضاة وموظفين. وتطور العمل بأقسام السجل التجاري، والتي من أبرز المكاسب المحققة بها تسجيل جميع بيانات التجار والشركات بقاعدة بيانات إلكترونية.

هذا ولم يفت الأستاذ العمراني من استعراض بعض المعوقات التي تعترض المحاكم التجارية في أداء مهامها بحيث حاول تشخيصها في:

إشكاليات التبليغ والتنفيذ: حيث يتعذر التبليغ داخل دائرة نفس المحكمة التجارية أو محكمة الاستئناف التجارية الشاسعتين؛
قضايا التنفيذ: تعاني هذه المحاكم من نفس الصعوبات داخل هذه الدوائر الشاسعة؛
تعثر التبليغ بواسطة القيم والبريد المضمون والتبليغ خارج الحدود.
وذكر أن تحسين جودة مساطر التبليغ والتنفيذ وتبسيطها هو الكفيل بإحداث قفزة نوعية وحاسمة في تسريع البت في القضايا التجارية بشكل جذري مما يعني ضرورة التدخل تشريعيا عن طريق إخراج مشروع المسطرة المدنية وتعديل قانون مهنة المفوضين القضائيين.

كما وجه بعض الانتقادات والتي تتمثل في عدم وضوح النص المنشئ لهذه المحاكم ولا سيما بخصوص الإشكاليات المرتبطة بالاختصاص واستغلال مواده لتطويل المساطر.

وصعوبة ولوج بعض الفئات من التجار إلى المحاكم التجارية بسبب البعد الجغرافي…

أما فيما يخص الشق الثاني من هذا المحور المتعلق بآفاق تأهيل المحاكم التجارية، فقد أوضح الأستاذ العمراني أن ميثاق إصلاح العدالة الصادر سنة 2013 حدد في بنوده من 99 إلى 102 الخطوط العريضة لهذه الآفاق وأبرزها:

ربط هذه المحاكم بالأقطاب التجارية والصناعية الكبرى؛
إحداث أقسام تجارية متخصصة ببعض المحاكم الابتدائية وإحداث غرف تجارية متخصصة بمحاكم الاستئناف.
كما عرج على العديد من التصورات لتحسين أداء القضاء التجاري ومنها:

ضرورة الحفاظ على مكاسب التخصص والمهنية التي كرستها هذه المحاكم، والرفع من تكوين القضاة ضمن رؤية جديدة تضمن الاطلاع الدقيق والمستمر على كل المستجدات في المجالات ذات البعد الاقتصادي والتجاري، وأيضا إعادة النظر في إدارة الدعوى القضائية وتدبيرها عبر الوسائط الحديثة، ثم تحديث المساطر وتبسيطها كمساطر التنفيذ والحجز لدى الغير، وتوسيع دائرة النفاذ المعجل وزجر المتهربين من التنفيذ، تحسين جودة التشريع تفاديا للتأويل والاختلاف، وضبط الاجتهاد القضائي، إعداد قائمة لخبراء متخصصين في المجال التجاري، انخراط المحامين في التخصص في قوانين الأعمال…

هذا كان باختصار شذيد لمجمل مداخلات الأستاذ العمراني، بعد هذا العرض فتح المجال للمناقشات وطرح بعض التساؤلات من قبيل:

كيف يمكن التعامل مع إشكالية التبليغ والتنفيذ في المحاكم التجارية بحيث ينبغي إيجاد حلول واقعية وتشريعية نظرا لما تعرفه هذه المحاكم من إشكالات في هذا الإطار والتي تحد من خصوصياتها؟

وأيضا مسألة تكوين القضاة بحيث يجب عمل شعبة متخصصة بالقضاء التجاري أثناء تكوين القضاة، إذ لا يتصور تعيين قاض لا علاقة له بالقضاء التجاري ويعين بالمحكمة التجارية او محكمة الاستئناف التجارية، بحيث أن هذا الأمر يؤثر على القاضي ولاسيما على مستوى محاكم الاستئناف التي تعرف القضاء الجماعي بحيث تتأثر نفسية القاضي بالمقارنة مع باقي زملائه الذين لهم خبرة في هذا المجال.

-وأيضا تم الإشارة إلى مؤسسة قاضي التنفيذ الذي تعرفه هذه المحاكم بحيث لم تسند إلي قاضي التنفيذ في إطار إحداث المحاكم التجارية اختصاصات قضائية، بل تقتصر مهامه في السهر على إجراءات التنفيذ، الشيء الذي يجعله لا يؤدي وظيفته الأساسية التي على أساسها تم تشكيل هذه المؤسسة، بالإضافة إلى مجموعة من الصعوبات الموضوعية التي تعترض هذه المؤسسة على المستوى الواقعي والقانوني والتي تحد من نجاعة تنفيذ الأحكام ومن بينها سلوك مساطر الطعن التنفيذية لعقارات التنفيذ من قبيل استحقاق المنقولات المحجوزة بتواطئي مع المنفذ عليه، وعرقلة تنفيذ الأحكام القضائية عن طريق خلق ملفات، وأيضا النقص من عدد الأعوان المفوضين القضائيين وضعف مراقبة عملهم وضعف وسائل الإشهار وعدم فعاليتها واعتماد تدبير ملفات التنفيذ في المسائل الإدارية ومجموعة من الإشكالات الأخرى.

المحور الثالث: إنتظارات الفاعلين الاقتصاديين من العدالة الجارية
لقد تولى الأستاذ عبد الحق بندحمان[7] ترأس هذه الجلسة، والتي انصبت بالأساس حول مداخلتين أساسيتين، تتعلق الأولى بنجاعة قضاء الأعمال من منظور المقاولة (أولا)، بينما تنص المداخلة الثانية في تجويد قانون الأعمال وأثره الإيجابي على المقاولة وتحسين صورة المغرب في التقارير الدولية (ثانيا).

أولا: نجاعة قضاء الأعمال من منظور المقاولة
لقد انصبت مداخلة الأستاذ الزبير الطيبي بالأساس حول ما يمتاز به القضاء التجاري من مقومات وخصوصيات في حماية المقاولة والمستثمرين لضمان استمرارهم والتحسين من مردوديتهم.

في هذا الإطار جعل الأستاذ من المقاربة التشاركية الفعلية لتجويد النصوص بصفة قبلية قبل أن يتم اعتمادها أساسا للنهوض بقضاء الأعمال وليس الاكتفاء فقط بالشعارات البراقة الوهمية، بحيث نجد دستور 2011 يحث على تعاون قطاعاتي في إطار ديمقراطية تشاركية، يشجع كل فرد أو مؤسسة على العمل داخل نسق دائري يشمل كل مكونات المجتمع شعاره سمو القانون؛ وتقوية التعاون؛ حماية الحقوق والمصالح …

كما عرج على إنتظارات الاتحاد العام لمقاولات المغرب بدءا من تكريس حرية المقاولة خصوصا باعتبار الشخص الاعتباري مستقل وعدم تجسيده في الشخص الذاتي صاحب المقاولة.

وفي إطار الإسهام في خلق القيمة المضافة المحلية للمقاولة، يضيف الأستاذ أن هناك بعض المناطق في باب التشريع تعيش حيفا فيما يتعلق بعدم إحداث محاكم متخصصة بدائرة نفوذها، مما يؤثر سلبا على نمو اقتصادها، كما أن عدم استقرار التشريع وتغيير المقتضيات القانونية في مدد قصيرة لا يساهم في الأمن القضائي، وأورد مثالا لمشروع التنظيم القضائي الجديد الذي هو قيد المناقشة فهو يروم تقسيما جديدا للغرف التجارية بالمحاكم الابتدائية العادية، مع العلم أن المحاكم التجارية أتبثت نجاعتها وكرست لنا اجتهادا قضائيا أصبح المواطن العادي يعتمده قبل الخوض في أي نزاع قضائي.

وفي سبيل خلق جو الاستقرار ووضوح الرؤية للمستثمرين، حث الأستاذ على مجموعة من المقومات التي تشكل خارطة الطريق في بسط هذا الاستقرار من ذلك:

وجود استقرار تشريعي وفي القوانين التنظيمية والإجرائية ؛
استقرار في الاجتهاد القضائي وتشجيع الوساطة والتحكيم وتطويق إطارهما القانوني؛
خلق ثقة بين المقاولة وباقي مؤسسات الدولة؛
مساعدة المقاولة في تخطي الأزمات المالية من خلال التسريع بالبت في القضايا؛
وضع مخططات على مدى العشري أو العشريني توضح رؤية الدولة في إستراتيجيتها وسياستها الاقتصادية والتنموية.
كما ألح الأستاذ على الاستغلال الجيد للتكنولوجيا الحديثة من قبل المحاكم، مسترسلا العقبات التي تحول دون تنزيل هذا الورش الكبير، إذ لا تزال المحاكم التجارية تتعثر في تقنية التوقيع الالكتروني للعقود وتوجيه الاستدعاء برسائل إلكترونية، وقضية الجلسات عبر تقنيات الفيديو Conférance ، مبررا ذلك بعدم إلمام العنصر البشري داخل المحاكم بهذه التكنولوجيا الرقمية، بحيث لا نزال نتوصل بأحكام بخط اليد يكاد لا يقرأ.

هذا دون أن ننسى العنصر الذي ركز عليه الأستاذ بالأساس لتحسن قضاء الأعمال ألا وهو عنصر التخصص والاختصاص، مشيرا إلى أن التخصص يتعلق بالجانب البشري، بينما الاختصاص فهو عنصر يتعلق بالمحكمة من خلال حصر اختصاصها بأنواعه النوعي والمحلي وكذا القيمي، وفي هذا الإطار حث على دعم الكفاءات القضائية لمسايرة التطور الاقتصادي والمقاولاتي ببلادنا.

كما تطرق إلى ميثاق إصلاح منظومة العدالة الذي قدم بين يدي الملك، مشيرا إلى أن أغلب مضامينه وأغلب التوصيات المضمنة في هذا الميثاق لم تنزل بعد على أرض الواقع ، مشيرا أن إصلاح العدالة لا يعني بالضرورة إصلاح القانون.

وبالتالي يكون الأستاذ قد بسط مختلف الإشكالات التي تعانيه المقاولة في مسارها اليومي مع الشغيلة والمؤسسات العمومية والزبائن والمنافسين الوطنيين والدوليين خصوصا أثناء عرض هذه النزاعات على القضاء مما يجعلها في فترة الانتظار لسموات مما ينعكس ذلك على مردوديتها وتنافسيتها.

وفي الأخير تساءل الزبير الطيبي حول ما إذا كانت هناك إرادة حقيقية للنهوض بهذا القطاع مادام هو القطاع الأول الذي يعتمد في تصنيف الدول بين المتقدمة والسائرة في طور التقدم.

ربما ما يمكن إبدائه بخصوص هذه المداخلة، أن الأستاذ الزبير الطيبي يشك في بعض الإنجازات التي تم تحقيقها لحد الآن لاسيما في بعض مضامين ميثاق إصلاح منظومة العدالة، كما ركز على أهمية المقاربة التشاركية في تجويد النصوص القانونية، كما ألح على ضرورة الاستفادة من وسائل التكنولوجيا الحديثة من أجل تبسيط المساطر وربح الوقت، كما تحدث عن تشجيع القيمة المضافة للمقاولة المغربية عن طريق عدالة مجانية في مجال الميدان القضائي، دون أن نغفل حديثه عن التخصص ودعم الكفاءات الفضائية لمسايرة التطور الاقتصادي والمقاولاتي بالمغرب.

ثانيا: تجويد قانون الأعمال وأثره الإيجابي على المقاولة وتحسين صورة المغرب في التقارير الدولية
لقد عمل الأستاذ حاتم الصقلي[8] تسليط الضوء على هذا الموضوع من منطلق عمل اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال وذلك من خلال الإصلاحات التي قامت بها جميع الأطراف خاصة وزارة العدل في تحسين وتطوير مناخ الأعمال ببلادنا بجعله أكثر ملائمة مع المعايير الدولية وحماية المستثمرين.

وقد تناول هذا الموضوع من ثلاث جوانب أساسية:

-التذكير بالسياق العام وعمل اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال

-أهم الإصلاحات المتخذة من طرف اللجنة في تحسين مناخ الأعمال

-أثر الإصلاحات على المقاولة بصفة مباشرة وجاذبية المغرب على الصعيد الدولي.

أ- التذكير بالسياق العام وعمل اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال.

أولى المغرب أهمية خاصة لتطوير مناخ الأعمال من خلال إنشائه ومنذ سنة 2010 لآلية للحوار ولتفعيل الإصلاحات تتمثل في اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال والتي تمت مأسستها بموجب مرسوم الوزير الأول يترأس أشغالها السيد رئيس الحكومة، وقد كان الهدف من إحداث هذه اللجنة هو مواكبة مجموعة من التحديات في إطار سياسة الانفتاح التي نهجها المغرب والتي كان من اللازم وجود إطار كأرضية للحوار بين القطاعين العام والخاص معا في خدمة الأعمال.

وبخصوص أعضاء اللجنة، يضيف الصقلي أنها تتكون من أعضاء مشتركة بين القطاعين العام والخاص تضم في عضويتها مختلف المتدخلين من قطاعات وزارية وهيأت ومؤسسات عمومية، كذلك نجد تمثيلية القطاع العام من خلال اتحاد العام لمقاولات المغرب، وكذا بعض المؤسسات ذات الطبيعة الرقابية من قبيل مجلس المنافسة وهيأة محاربة الرشوة، فضلا عن أعضاء آخرين من مهنيين وخبراء محاسبين …

ويندرج عمل اللجنة بالأساس في إطار الأوراش الوطنية الهادفة إلى تحقيق نمو شامل، تندرج في تقديم التوجهات الكبرى من خلال الخطب الملكية السامية، كخطاب 20 غشت 2014 الذي حث من خلاله على ضرورة مواصلة إصلاح مناخ الأعمال لولوج قائمة ركب الدول الصاعدة بدءا بإصلاح الإدارة والقضاء ومحاربة الفساد وتخريب الحياة العامة، ثم خطاب 13 أكتوبر 2017 الذي حث على إعادة النظر في النموذج التنموي الحالي والذي هو موضوع نقاش وأولوية قصوى لبلادنا.

كما يندرج عمل اللجنة ضمن إطار البرنامج الحكومي الذي يحث على ضرورة تقوية الاقتصاد والرفع من نسبة النمو الاقتصادي يتجاوز ما هو محقق اليوم.

كما تعمل هذه اللجنة على ضمان استقرار التوازنات الماكرو اقتصادية كهدف من بين الأهداف المسطرة على عاتقها، كما تعمل على تعزيز وتحسين السياسات القطاعية الواضحة المعالم.

ولتسليط الضوء حول عمل هذه اللجنة، عمل الصقلي على التذكير بأن عمل اللجنة هو يندرج بالأساس حول ثلاث محاور:

تحديث الإطار القانوني والتنظيمي خدمة تحسين مناخ الأعمال؛
تبسيط ورقمنة المساطر الإدارية خدمة للمرتفق والمقاول والمستهلك؛
تعزيز جاذبية المغرب في التقارير الدولية.
أهم الإصلاحات المتخذة من طرف اللجنة في تحسين مناخ الأعمال
لقد حاول الأستاذ الصقلي استعراض مختلف هذه الإصلاحات من خلال تصنيفها بين ما هو موضوعي وبين ما هو إجرائي.

على المستوى الموضوعي:
العمل على تعديل قانون شركات المساهمة 2015 بهدف تعزيز الحكامة والشفافية بالمقاولة ، وحماية للمستثمرين الأقلية؛
اعتماد قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص؛
المصادقة على قانون الأمر بالأداء؛
صدور القانون 17-73 المتعلق بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة.
وأضاف الأستاذ أن هناك مجموعة من الأولويات الأخرى المتعلقة بالمقاولة ويتعلق الأمر ب مراجعة المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية 2013 ، مراجعة المرسوم المتعلق بفوائد التأخير وآجال الأداء، ثم مراجعة المرسوم المتعلق بالمصادقة على ضابط البناء.

على مستوى الإجرائي:
حذف الحد الأدنى للرأسمال الواجب لإنشاء المقاولة؛
المصادقة على مرسوم إحداث نظام التعريف الموحد للمقاولات؛
وضع منصة الحكومة الالكترونية والتي تتيح إمكانية الإيداع الالكتروني للدعاوى والمقالات.
وأضاف أن هناك بعد المساطر والأوراش هي قيد الدراسة والتنزيل كما هو الحال بالنسبة لإحداث المقاولة عبر الخط، وكذا تخصيص منصة إلكترونية لنشر الأحكام القضائية.

أثر الإصلاحات على المقاولة بصفة مباشرة وجاذبية المغرب على الصعيد الدولي
بداية أكد الأستاذ على أهمية اليقظة الاقتصادية كأداة لتتبع وتعزيز جاذبية المغرب، من خلال نهج منهجية استباق التطورات وذلك بتقييم التنافسية للبلد وتحديد المنافسين ومقررات الأداء وكذا رصد الممارسات الفضلى والمعايير الدولية مع العمل على تطوير الإجراءات والتدابر.

ونظرا لأهمية التقارير الدولية، فقد جعل الصقلي من هذا المعطى من بين أولويات عمل اللجنة، لما لها من صدى في عدة منابر إعلامية من ذلك:

يتم تداولها من طرف الصحافة الوطنية والدولية وكذا في العديد من الملتقيات والمؤتمرات الدولية؛
تستعمل مؤشراتها من طرف وكالات التصنيف الدولية بالنسبة للمخاطر السيادية؛
اعتمادها من طرف المؤسسات المانحة في اتخاذ قرار أهلية التمويل، مثل MCC البنك الدولي، صندوق النقد الدولي ..؛
تشكل مرجعا أساسيا للممارسات الفضلى على الصعيد العالمي ومرجعا لتقييم السياسات العمومية.
وفي هذا الإطار، أشار الأستاذ إلى بعض المؤسسات التي تتوفر على خلايا مختصة في التنافسية والجاذبية، كالاتحادية والتنافسية والإحصاء بالإمارات العربية، فإذا كان المغرب قد سطر الرتبة الخمسين في أفق 2021 على مستوى الصعيد الدولي فإن الإمارات قد سطرت المرتبة الأولى في أفق 2021، معللا في كون سبب التفاوت يختلف بحسب إمكانيات كل بلد وتحدياتها، كذلك فرنسا لديها الوكالة الفرنسية للاستثمارات الدولية، وكذا مركز التنافسية بلوكسمبورغ …

وفي الأخير ربط الأستاذ الصقلي بأن نجاح كل هذه الإصلاحات رهين ب:

تبني نظام الإصلاح بمنهجية تشاركية؛
تبني نظام الإصلاح بناء على المعايير الدولية؛
الإصلاح بوتيرة سريعة وتنافسية؛
تنزيل الإصلاح من المتابعة الميدانية.
وهكذا يكون الأستاذ الصقلي قد حاول تسليط الضوء على مجموعة من الإشكاليات التي تعيق بمناخ الأعمال، انطلاقا من الاستعراض بأعضاء ومهام اللجنة من أجل تحسين المقاولة بشكل عام وتعزيز التنافسية وخلق فرض الشغل.

كما تطرق على مجموعة من الإصلاحات المحققة في السنوات الأخيرة سواء تعلق الأمر بالقواعد الموضوعية أو القواعد الإجرائية.

وفي الأخير تطرق إلى أثر هذه الإصلاحات على تحسين جاذبية المغرب على المستوى الدولي، مشيرا إلى الخبر السار الأخير المتعلق بالتحسن الملموس في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي والذي تقدم فيه المغرب إلى الدرجة 60 بعدما كان في الرتبة 69، ولا شك أن هذا مؤشر يوحي إلى سهولة وليونة ممارسة الأنشطة المتعلقة بمناخ الأعمال.

وبعد الانتهاء من كلتا المداخلات القيمة، فتح باب مجال للمناقشة أمام الحضور لاستعراض بعض الإضافات والتساؤلات.

أولى المداخلات كانت من نصيب الأستاذ السفوري الذي حث على إشكالية عدم اتخاذ التدابير اللازمة من قبل المقاولة قبل استفحال المرض، مع العلم أن المقتضيات القانونية للقانون الجديد رقم 17-73 جاء بمجموعة من المستجدات التي يستلزم على المقاولة أن تستغلها قبل فوات الأوان.

مضيفا على إشكالية غياب التحسيس والتشهير بالقانون 17-73 الذي صدر بسرعة فائقة وأن الندوات التي عقدت في هذا الباب هي معدودة على رؤوس الأقلام، بحيث منذ دخول القانون حيز التطبيق فلم تخضع المقاولات لمساطر المصالحة إلا اثنين، وأربعة لمسطرة الإنقاذ.

في حين ارتكزت مداخلة الأستاذ الحسن الكاسم على تبسيط المساطر لخلق المقاولات، مشيرا إلى أن هناك مجموعة من القوانين تصدر وتحيل على النصوص التنظيمية والتي بعضها لم يرى النور بعد، متسائلا هل مجلس مناخ الأعمال لها من الإمكانات والوسائل لتتبع ورصد ما إذا كانت القوانين والمراسيم تطبق على مصير أرض الواقع؟

كما تخللت هذه الندوة بعض التساؤلات الأخرى من قبيل، الإجراءات التي ستتخذها المقاولة المغربية لإنجاح الورش الرقمي؟

كما انصبت بعض المداخلات حول مراجعة النصوص القانونية لتكون أكثر مرونة مع حاجيات النساء والشباب من منظور تأطير الشباب ومساعدتهم وخلق المناخ الإيجابي من أجل الاستثمار والتشجيع على المقاولة الذاتية، وكذلك مساعدتهم على مواجهة المخاطر سواء تعلق الأمر بجانب التسيير والتدبير أو بالجانب القانوني.

خــتــامــا:

صفوة القول، يظهر من خلال هذه الندوة التي نظمتها وزارة العدل تكريما للأستاذ عبد الواحد الراضي، كانت ندوة علمية متميزة وناجحة سواء من حيث المداخلات والنقاشات أو من حيث التأطير والتنظيم، بحيث عرفت هذه الندوة مشاركة مجموعة من الفاعلين سواء الاقتصاديين والقانونيين وهو الشيء الذي ساهم في إثراء النقاش والكشف عن مجموعة من الإشكالات الأخرى التي يجب التعامل معها لضمان نجاعة أفضل للقضاء والذي ظهر جليا أن الاستثمار يتأثر به، وخاصة مع ما عرفته المحاكم المغربية مؤخرا بمختلف أصنافها ودرجاتها من مجهودات مبذولة لدعم الاستثمار والمقاولات والتي أضحت ظاهرة للعيان من خلال الاجتهادات القضائية المتواترة سواء تلك الصادرة عن المحاكم العادية أو عن المحاكم التجارية في ميدان المعاملات التجارية أو غيرها.

[1] مدير الشؤون المدنية بوزارة العدل.

[2] مؤشر يعتمد لقياس أنظمة أنشطة الأعمال في دول العالم.

[3] محامي بهيئة الدار البيضاء.

[4] نتحدث هنا عن جهة الدار البيضاء على وجه الخصوص.

[5] محامي وأستاذ بمدينة مراكش.

[6] الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء.

[7] نائب رئيس اللجنة القانونية للاتحاد العام لمقاولات المغرب.

[8] مكلف بمهمة برئاسة الحكومة، اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.