دعوى المسئولية على شركات العمالة

الدكتور خالد ابوطه، استاذ القانون التجاري المساعد بكلية الحقوق بجامعة ظفار- سلطنة عمان.

ملخص الدراسة

تناولت الدراسة الجوانب الإجرائية والموضوعية لدعوى المسئولية التي ترفع من العامل على شركات العمالة وذلك باعتبار أن حماية العامل هو محور اهتمام كل التشريعات الوطنية وقد توصلت الدراسة إلي نتائج وتوصيات ومن أهم النتائج أهمية النيابة في نشؤ علاقات وروابط قانونية غير مباشرة ودورها في إمكانية نيابة الوسيط عن صاحب العمل وكما أن من أهم التوصيات اقرار مسؤولية مهنية لوكالات التشغيل الخاصة في ظل القانون الاجتماعي

ABSTRACT

This study dealt with the objective and procedural aspects to present the responsibility that support the worker in the employed companies to maintain on worker’s protection since it is considered the cornerstone of all national legislation. Moreover, the most important results and recommendations in this study were the vital role of prosecution in creating legal indirect relations, connections and their role in place of the employer and the necessity to mediate professional responsibility to private employment agencies in the light of social law.

مقدمة
إن حماية العامل هي محور اهتمام التشريعات كافة ومنظمة العمل الدولية والشغل الشاغل لكل من عنى بأمر حمايته، حيث صارت حمايته هدفا أساسياً من أهداف التشريع، وعلى الصعيد المحلي لم يختلف هذا الاهتمام بالعامل، فبالنظر إلى التتبع التاريخي لتطور تشريعات العمل في مصر أصبحت سياسة حماية العمال تمثل الخط الأساسي في تشريعات العمل.وتتركز تلك الحماية في تنظيم علاقته مع صاحب العمل بوضع ثوابت وآليات تساعد على توزيع المسئوليات فيما بينهم، من حيث حقوق العامل وممن يطلبها، ومعرفة نوع وحدود العلاقة حيث يرتبطان غالباً بعقد عمل، وبالتالي توفر تلك العلاقة الثنائية بين العامل وصاحب العمل قدراً معقولاً من الحماية له ذلك من خلال السياج القانوني المقرر لها.

الأهمية العلمية للدراسة:

هذه الأهمية تعكس التطور الذي حدث للوساطة في إبرام عقد العمل عن ذي قبل بسبب محدودية الدور الذي كانت تلعبه فيما مضى إلى اضطلاعها بأدوار عدة وهو ما قد يؤثر على المفهوم القانوني لعقود الوساطة ـ بوجه عام ـ وعقود العمل بوجه خاص.

تبرز أهميتها العلمية ـ أيضاً ـ في أهمية الحماية القانونية للعامل في مواجهة وكالات التشغيل الخاصة بعد التطور الذي حدث في عملها عن ذي قبل في ظاهرة تمثل جزءً من نسيج المجتمع المصري في الوقت الحالي ويحتاج العامل فيها إلى كل الضمانات وخاصة أن أغلب التشريعات والاتفاقيات تركز على حماية العامل المهاجر ـ داخل دول المهجر ـ دون أن تنظر إلى الوسيلة التي تنقل العامل إلى هذه الدول، وتوفير حماية له في مواجهتها حتى يمكن فيما بعد أن يستفيد من الحماية في دول المهجر.

والمسئولية المدنية (التعويض) – دائماً وأبداً – تدور حول جبر الضرر الواقع على المضرور، فهي وسيلة إصلاح أو جبر الضرر الناتج عن التقصير، وعلاقة وكالة التشغيل بالعامل، وفقاً لهذه الروابط، تحتمل تقصير الوكالة في عملها، سواء كان تقصيراً ناتجاً عن الإخلال بحدود النيابة (التزام قانوني)، كأن تكون خرجت عن حدود النيابة، وتعاقدت مع العامل بشروط مخالفة، لما قرره صاحب العمل، او أن يكون التقصير، ناتجاً عن عدم الالتزام بعقد التوظيف الخاص الذي يربطها بالعامل والخروج عن حدوده (التزام عقدي)، كأن تكون أهملت في البحث، أو أن تكون قصرت في إجراء الترشيح، وذلك بعدم الجدية في إجراء الاختبار، أو أن يكون التقصير نتج عن عدم إخبار العامل قبل التعاقد على عقد العمل بأي معلومات كان من الممكن لو علمها العامل، ما أقبل على التعاقد (التزام قانوني) – علاوة على ذلك – حالة قيام الوكالة بالنصب على العامل.

كما تدور المسئولية المدنية لوكالات التشغيل الخاصة حول الروابط القانونية التي تربطها بالعامل ويرتب الإخلال بأي منهم مسئوليتها المدنية، فالإخلال بعقد التوظيف الخاص يمثل إخلالاً عقدياً ومن ثم يرتب مسئوليتها العقدية، والإخلال بحدود نيابتها مع صاحب العمل، يمثل إخلالاً قانونياً ويرتب مسئوليتها التقصيرية أما الالتزام بالإخبار فالإخلال به يمثل إخلالاً قانونياً ومن ثم يرتب مسئوليتها التقصيرية.

وعلى ضوء ذلك نقسم هذا الموضوع إلى المباحث الآتية:

خطة البحث:

المبحث الأول: الدعوى المرفوعة من طرفي عقد العمل.

المبحث الثاني:اساس المسؤولية والتعويض عنها.

المبحث الثالث:.صور أخرى لحماية العامل.

المبحث الأول:

الدعوى المرفوعة من طرفي عقد العمل

يثير الجانب الإجرائي لدعوى المسئولية التي ترفع من طرفي عقد العمل على شركات العمالة، نقاط مختلفة ، مثل مسألة المحكمة المختصة بالنزاع([1]) سواء كان اختصاصاً مكانياً أو اختصاصاً نوعياً([2])، كما يثير من ناحية أخرى، القانون الواجب التطبيق على النزاع

المطلب الأول: المحكمة المختصة بالنزاع.

اولا: الدعوى المرفوعة من العامل

المحكمة المختصة بالنزاع
1-الاختصاص المكاني (المحلي) ([3]):

لا يثير الاختصاص المكاني ـ أية إشكالية ـ نظراً لكون الطرفين وطنين (الشركات ـ العامل)، حيث تطبق القاعدة العامة في ذلك، والقاعدة العامة في الاختصاص المكاني، هي اختصاص محكمة موطن المدعي عليه، وقد حددها المشرع لتحقيق المساواة بين طرفي الخصومة، فالمدعي هو الذي يختار الوقت الذي يرفع فيه دعواه، ويستطيع أن يعد مستنداته، قبل رفعها، فيجب الموازنة بين مركزي الخصمين، فترفع الدعوى أمام محكمة موطن المدعي عليه، وهذه القاعدة تطبق على جميع الدعاوي، ما لم يوجد نص يقرر قاعدة خاصة، وهي تطبق سواء كانت الدعوى تقريرية أو منشئة أو دعوى إلزام، كما تطبق أمام القضاء العادي والقضاء الاستثنائي، ويؤكد هذا نص المادة 49 من قانون المرافعات([4])، يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي عليه ما لم ينص القانون على غير ذلك، فإن لم يكن للمدعي عليه موطن في الجمهورية، يكون الاختصاص للمحكمة، التي تقع في دائرتها محل إقامته، وإذا تعدد المدعي عليهم كان الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهم.

وعلى هذا، فإن المحكمة المختصة، محلياً بدعوى المسئولية التي ترفع من العامل، يجب أن ترفع في موطن الشركة باعتبارها مدعي عليها، وغذا كان للشركة فروع أخرى، فترفع الدعوى وفقا للمركز الرئيسي، ويجوز رفع الدعوى إلى المحكمة التي يقع في دائرتها فرع الشركة أو الجمعية أو المؤسسة، وذلك في المسائل المتصلة بهذا الفرع([5])، ويلاحظ أن الاختصاص المحلي لا يتعلق بالنظام العام وهو ما قضت به محكمة النقض : أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن قواعد الاختصاص المحلي أو المركزي وضعت لمصالح المتقاضين خاصة ولا شأن بالنظام العام([6])، وعلى هذا فيجوز للأطراف الاتفاق على رفع النزاع أمام المحكمة المتفق عليها، غير أن هذا الاتفاق يصعب تحققه في قضايا التعويض عامة، وبالأخص في دعوى التعويض المرفوعة من العامل.

2- المحكمة المختصة بالنزاع نوعياً:

يقصد بالاختصاص النوعي الاختصاص الذي يرجع إلى نوع الدعوى بغض النظر عن قيمتها، والقاعدة أن الاختصاص النوعي، بنظر دعوى التعويض إنما ينعقد للمحاكم العادية أي المدنية، وذلك أيا كانت المسئولية الموجبة للتعويض سواء عقدية أو تقصيرية، والمقرر قانوناً أن الاختصاص النوعي هو من النظام العام وهو ما عبر عنه قضاء النقض “أن مؤدى نص المادة 109 من قانون المرافعات وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن الاختصاص بسبب نوع الدعوى أو قيمتها من النظام العام([7])، لذا فإن مسألة الاختصاص النوعي تعتبر قائمة في الخصومة، ومطروحة دائماً أمام محكمة الموضوع، ويعتبر الحكم الصادر فيها في الموضوع مشتملاً على قضاء ضمني([8]).

أما فيما يتعلق بتقسيم الدوائر داخل المحكمة نفسها من تجارية، مدنية، تعويض، عمالي، ضرائب، أحوال شخصية، فأي الدوائر يرفع العامل أمامها دعواه.

بادئ ذي بدء نوضح أن تقسيم المحكمة الواحدة، إلى دوائر هي مساءلة تنظيمية، الغرض منها زيادة نشاط المحكمة، هذا التقسيم يكون حسب نوع القضايا، (مدني، تجاري، أحوال، ضرائب …) ولكن لا يكون تقسيم للاختصاص، وإنما هو توزيع وتقسيم تنظيمي فالاختصاص يكون للمحكمة وليس للدائرة([9])، ومن ثم فإذا رفع العامل دعواه أمام المحكمة المدنية، وفقاً للاختصاص المكاني المشار إليه، فهي المحكمة المختصة بهذه الدعوى، حتى وإن وزعت أمام الدائرة التجارية حيث قضى بأن الدفع بعدم الاختصاص النوعي للمحكمة في دائرتها التجارية لمدنية النزاع غير مقبول، بل أن الأمر ـ لا يقتصر على ذلك ـ فقط ـ بل يمتد حتى وإن وزعت أمام دائرة أخرى غير المدنية أو التجارية، حيث إن جزاء عدم احترام التوزيع، لا يرتب الحكم بعدم الاختصاص.

وعلى هذا فما على العامل إلا أن يتحرى الدقة في الاختصاص المكاني، حتى يتجنب عدم الاختصاص المحلي، أما الاختصاص النوعي فيكون للمحكمة المدنية التي تتولى بعد ذلك، توزيع الدعوى، وفقاً للنظام المعمول به والتي غالباً توزع على الدوائر التعويضية، وبناء على كل ما سبق فإنه لا تأثير ناتج عن تجارية شركات إلحاق العمالة على دعوى المسئولية من حيث المحكمة المختصة محلياً، وكذلك الاختصاص النوعي على النحو المشار إليه، والسؤال الآن هل يمتد عدم التأثير على القانون الواجب التطبيق على النزاع، أم أن الأمر يختلف برمته، هذا ما نوضحه في المطلب الآتي:

القانون الواجب التطبيق على دعوى المسئولية
يقصد بالقانون الواجب التطبيق على دعوى المسئولية، التي ترفع من العامل على شركات إلحاق العمالة، هل تطبق أحكام القانون المدني، أم تطبق أحكام القانون التجاري وفقاً لتجارية الشركة على النحو المشار إليه.

في البداية نطرح تساؤلاً، وهو عن طبيعة دعوى المسئولية التي تتعلق بخطأ مرتكب من جانب الشركة، سواء كان خطأ قانونياً أو خطأ عقدياً، بمعنى هل دعوى المسئولية مثلها مثل الخلاف الذي يدور حول الالتزامات بين الجانبين مثل الأجر، أو غيرها من الالتزامات الأخرى، وبالتالي ينطبق عليها النتائج المترتبة على اعتبار أن العمل يعتبر عملاً مختلطاً، أم أنها تختلف عن هذه الالتزامات، وبالتالي لا ينطبق عليها مفهوم الأعمال المختلطة على النحو المشار إليه.لابد أن نشير أولاً إلى أن هذا الخلاف يختلف في علاقة العامل بشركات العمالة عن علاقتها بصاحب العمل، فالعلاقة الأخيرة تحكمها مبادئ وقواعد أخرى، وهي مساءلة الإسناد، والتي سيجئ ذكرها عند الحديث عن الدعوى المرفوعة من صاحب العمل.دعوى المسئولية، تختلف عن الالتزامات المتبادلة بين الطرفين من حيث القانون الواجب التطبيق على أي نزاع، فالأخيرة تحكمها قاعدة الأعمال المختلطة، والتي يقصد بها الأعمال التي تعتبر تجارية بالنسبة لأحد أطراف التعاقد، ومدنية بالنسبة للطرف الآخر، أما دعوى المسئولية فهي تخضع لقواعد القانون المدني في كل ما يتعلق بها من أمور مثل التقادم ـ أو شرط الإعفاء من المسئولية أو الإثبات ونفيه، فلا علاقة بين دعوى المسئولية وغيرها من الالتزامات الأخرى، ومن ثم تطبق قواعد القانون المدني في دعوى المسئولية بين العامل وشركات العمالة، ولا تأثير لتجارية الشركة على الدعوى حيث لا علاقة بين الدعوى، وبين الالتزامات التي ينطبق عليها مفهوم المادة الثالثة السابقة الذكر.

ثانيا: الدعوى المرفوعة من صاحب العمل

المحكمة المختصة بالنزاع
1-الاختصاص المكاني:

تنص المادة 22 من القانون المدني المصري على أن: يسري على قواعد الاختصاص وجميع المسائل الخاصة بالإجراءات قانون البلد الذي تقادم فيه الدعوى أو تباشر فيه الإجراءات.كما تنص المادة 28 من قانون المرافعات المصري(تختص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوي التي ترفع على المصري، ولم يكن له موطن أو محل إقامة في الجمهورية، وذلك، ففيما عدا الدعاوي العقارية المتعلقة بعقار واقع في الخارج)([10]).

ويتضح من هذا أن الاختصاص المكاني بدعوى المسئولية التي ترفع على الشركة، من قبل صاحب العمل الأجنبي، تختص بها محاكم الجمهورية، وذلك وفقاً للمقر الرئيسي الذي تقطن فيه الشركة، وبهذا يحق لصاحب العمل، أن يلجأ إلى المحاكم المصرية، لرفع دعواه، وفقاً لما محدد في هذا الشأن، ولكن يثور تساؤل هام، عما إذا كان للشركة فرع في دولة صاحب العمل، فهل يجوز له أن يرفع دعواه، وفقا لاختصاص المحكمة التي يوجد فيها الفرع.في اعتقادي أن هذه المسألة تمثل اختصاصاً أصيلاً لمحاكم الجمهورية طالما أن الدعوى ترفع على مصري، وذلك وفقاً لمفهوم المادة 28 من قانون المرافعات والتي تنص على أن تختص محاكم الجمهورية بنظر الدعاوي التي ترفع على المصري، ولو لم يكن له موطن أو محل إقامة في الجمهورية، فإذا كان المشرع قد خص محاكم الجمهورية بالدعاوي التي ترفع على مصري ـ حتى ولو يكن له موطن في الداخل ـ فطالما أنه مصري فترفع الدعوى وفقا للاختصاص المصري، ولا يؤثر في ذلك وجود فرع للشركة في الخارج.

2-الاختصاص النوعي:

وفقاً للمادة 22 مدني، والتي وضعت الأساس في قواعد الاختصاص، وفقاً لإجراءات قانون البلد الذي تقام فيه الدعوى، وحيث أن دعوى المسئولية التي ترفع من صاحب العمل، على الشركة ترفع داخل النطاق المصري، ومن ثم تسري عليها القواعد المقررة في هذا الشأن، وهي لا تختلف عما ذكرناه في دعوى المسئولية المرفوعة من العامل، حيث ترفع الدعوى أمام المحكمة المدنية.

القانون الواجب التطبيق على دعوى صاحب العمل
إذا ما تم رفع دعوى المسئولية، تبرز مسألة هامة، تتمثل في تنازع القوانين على اعتبار أن صاحب العمل أجنبياً، وبالتالي تظهر مشكلة تنازع القوانين، وأي قواعد الإسناد، تطبق في هذا ولكن الأمر يحتاج إلى بيان جوهر مشكلة تنازع القوانين.

* ماهية التنازع:

إن تحديد مجال تنازع القوانين يتحدد بالمسائل التي ذات عنصر أجنبي، فإذا ما وجدت مسألة تنطوي على عنصر أجنبي، يثار التساؤل عن القانون الذي يحكم كل هذه المسائل إذا ما عرض نزاع أمام القضاء([11])، وذلك مثل مسألة الزواج بين أجنبي ووطني، ومن أكثر المسائل التي يبرز فيها الطابع الدولي موضوع النيابة وهو شكل علاقة الشركة مع صاحب العمل الأجنبي، حيث تنوب الشركة عن صاحب العمل، في إبرام عقد العمل، وعلى هذا فإن إمكانية وجود تنازع قوانين ـ أمراً ـ لا مفر منه لوجود عنصر أجنبي في العلاقة، وهو صاحب العمل ومن هنا تثار مسألة القانون الواجب التطبيق على النزاع([12]).

* قاعدة الإسناد:

بادئ ذي بدء نوضح أن أي ضرر يحدث لصاحب العمل أساسه وجود عقد النيابة، وبالتالي فإن أي إشكالية تتعلق بتنازع القوانين تطبق هنا قاعدة الإسناد المتعلقة بالعقد، وهو ما نصت عليه المادة 19 من القانون المدني بقولها: (يسري على الالتزامات التعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا موطناً فإن اختلفا موطنا سرى قانون الدولة التي تم فيها العقد هذا ما لم يتفق المتعاقدان أو يتبين من الظروف أن قانونا آخر هو الذي يراد تطبيقه).

وعلى هذا فإذا ما اتفق صاحب العمل والشركة على القانون المطبق في حدوث أي نزاع، يطبق قانون الاتفاق (الإرادة) وهذا هو الأساس في هذه الحالة أو أن يتبين من الظروف أن قانونا آخر هو الذي يراد تطبيقه ثم أخيرا القانون الذي تم فيه العقد ومن ثم فيتم الإسناد إلى أي من هذه القواعد الثلاث، وعلى هذا فقد يتفق صاحب العمل مع الشركة على تطبيق قانون معين على أي نزاع ينشأ بينهما، ويسري هذا الأمر أيا كانت نوع الدعوى المرفوعة من صاحب العمل سواء دعوى مسئولية أو دعوى بطلان، وإذا لم يتم الاتفاق فينظر إلى القانون الأقرب في التطبيق على النزاع.

والصعوبة تكمن في حالة عدم وجود اتفاق بين الشركة وصاحب العمل يحدد القانون الذي يطبق على النزاع الناشئ بينهما، وذلك لأن قاعدة الإسناد التي تطبق في حالة عدم وجود هذا الاتفاق هي قانون الدولة التي تم فيها العقد([13])، وتكمن الصعوبة في معرفة المكان الذي تم فيه العقد، أهو دولة صاحب العمل أم دولة شركات إلحاق العمالة.

والأصل في التعاقد بين الشركة وصاحب العمل هو التعاقد بين غائبين وقد تعددت الاتجاهات والنظريات حول معرفة زمان العقد ومكان العقد الذي يبرم بين غائبين، أهي نظرية استلام القبول، أم نظرية تصدير القبول، أم نظرية استلام القبول، وأخيراً نظرية العلم بالقبول([14])، وعلى فرضية أن التعاقد تم بالتليفون بين الشركة وصاحب العمل وهذا هو الأغلب، فيعتبرا ذلك تعاقدا بين حاضرين من حيث زمان انعقاد العقد، إذ لا توجد فترة زمنية بين صدور القبول (الشركة)، وعلم الموجب به (صاحب العمل)، أما فيما يتعلق بمكان انعقاد العقد فإن التعاقد بالتليفون يعتبرا تعاقدا بين غائبين، أي أن العقد تم في المكان الذي يوجد فيه الموجب (صاحب العمل)، باعتبار أنه المكان الذي علم فيه بالقبول، وذلك تطبيقاً لنظرية العلم بالقبول، حيث تعد هذه النظرية تطبيقا للقواعد العامة من أن الإرادة لا تنتج آثارها إلا من الوقت الذي تصل فيه إلى علم من وجهت إليه، كما أنها النظرية التي أخذت بها معظم التقنينات المدنية([15]).

المبحث الثاني: أساس المسؤولية والتعويض عنها.

يتعلق الجانب الموضوعي بدعوى المسئولية التي ترفع من العامل على الشركة بتأسيس الدعوى فهل تؤسس وفقاً لقواعد المسئولية العقدية أم وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية، ويعد هذا الجانب من النقاط الهامة في مسألة الدعوى، وعلة ذلك حتى يتجنب العامل رفض دعواه، إذا ما أسس دعواه وفقا لإحدى قواعد المسئوليتين، فقضى برفضها وبالتالي سترفض الدعوى إذا ما رفعت مرة أخرى، ولم يتغير السبب تأسيساً على قوة الأمر المقضي به وهذا تقليلاً من حماية المضرور (العامل).

وحتى يتجنب العامل هذا الأمر ـ عليه أن يستند فيـ على كل من الخطأ التقصيري والخطأ العقدي، فتعدد علل التعويض أو أسبابه، بمثابة وسائل دفاع أو طرقه([16])، فتحديد طبيعة المسئولية تعتبر من وسائل الدفاع في دعوى التعويض، ولا يعتبر تغييراً لسبب الدعوى أو موضوعها لأن سبب الدعوى هو الإخلال بمصلحة مشروعة للمضرور في شخصه أو في ماله مهما تنوعت المسئولية([17])، وهو السبب المباشر المولد للدعوى بالتعويض([18])، وعلى محكمة الموضوع أن تأخذ منها ما يتفق وطبيعة النزاع المطروح عليها، وأن تنزل حكمه على واقعة الدعوى، ولا يعد ذلك منها تغييراً لسبب الدعوى أو موضوعها مما لا تملكه من تلقاء نفسها([19]).

وفي جميع الأحوال، فإن محكمة الموضوع لا تستطيع أن تحكم بما لم يطلبه المضرور، فلا يسوغ لها أن تقضي على أساس المسئولية التعاقدية، ما دامت قد رفعت على أساس التقصيرية، ومن هنا كان قولنا: على العامل أو حتى صاحب العمل أن يؤسس دعواه على الاثنين معا، وعلى المحكمة أن تقضي بما تراه وفي هذا فائدة للعامل فإنه يتجنب إذا ما أسس دعواه على أحدهما ثم خسرها، ثم رفع دعوى أخرى تأسيساً على المسئولية الأخرى رفض الدعوى تأسيساً على قوة الأمر المقضي به، لأن ذلك دالا بالاقتضاء على انتفاء مسئولية المدعي عليه قبل المدعي عما دعاه، أيا كانت المسئولية التي أسس عليها دعواه.

المطلب الأول: الحكم الصادر بالتعويض وكيفية حصول العامل عليه

يُقدر التعويض بمقدار الضرر الذي أصاب المضرور([20]) وفي جميع الأحوال ـ للمحكمة الهيمنة على تقدير التعويض، ولو كان متفقاً عليه وقصره على ما يوازي الضرر الحقيقي، ومتى حكمت المحكمة بتعويض للمضرور (العامل ـ صاحب العمل) تظهر جزئية هامة، تتمثل في كيفية حصول المضرور على قيمة هذا التعويض، إذا لم تلتزم الشركة به، وتوجد عدة طرق يمكن للمضرور بها الحصول على التعويض وهي إما عن طريق الشركاء، أو عن طريق موجودات الشركة، أو عن طريق خطاب الضمان لدى جهة الإدارة، وأخيراً التأمين ضد المسئولية،

المطلب الثاني: مسئولية الشركاء عن التعويض

يقصد بمسئولية الشركاء عن التعويض، مدى مسئولية الشركاء في شركة إلحاق العمالة عن قيمة التعويض الصادر من المحكمة لصالح المضرور (العامل ـ صاحب العمل) نشير أولاً إلى أن الفعل الضار الصادر عن الشركة لا يندرج تحت مفهوم المادة 169 حيث يعتبر هذا الفعل صادراً من فرد واحد وليس هناك تعدد أو شركاء في الفعل، فالشركة تمثل كياناً واحداً ولا يعتبر الفعل المرتكب منها فعل مشترك، ومن هنا كان الفارق بين التضامن في التعويض على أساس التعدد في الاشتراك في الفعل الضار، وبين وحدة الفعل الضار الذي ترتكبه الشركة فلا تعدد هنا كما لو كان الفعل ارتكب من فرد واحد، كما أن المحكمة عندما تقرر التعويض ضد الشركة، لا تعد المسئولية عن التعويض، ولا تحدد نسب فيما بينهم (كما في حالة الخطأ التقصيري)، على اعتبار أن الشركة تمثل كيان واحد وهذا هو الفرق بين تضامن المسئولين عن التعويض، وبين مسئولية الشركاء عن التعويض، غير أن هذا لا يعني أن الشركاء لا يسألون عن التعويض الصادر من المحكمة وإنما يسألون باعتباره دينا في ذمة الشركة فكيف يسألون إذن عن هذا الدين.

وبالرجوع إلى الشكل القانوني لشركات إلحاق العمالة والتي تدور ما بين شركات المساهمة شركات التوصية بالأسهم وشركات ذات المسئولية المحدودة، فإن مسئولية الشركاء عن التعويض الصادر تدور بين قدر ما ساهموا فيه من رأس مال الشركة وهذا هو الأغلب، حيث يعد هذا النوع هو السائد في كل شركات المساهمة، وأيضاً في شركات ذات المسئولية المحدودة، وبالتالي لا تمتد المسئولية عن التعويض إلى أموالهم الخاصة، أما النوع الآخر من مسئولية الشركاء فهو يوجد بنسبة قليلة جداً، حيث يتواجد هذا النوع في شركات التوصية بالأسهم فقط، ونظراً لأن الغالب الأعم في شركات الإلحاق هو شركات ذات المسئولية المحدودة لسهولة تأسيسها، وقليل من شركات المساهمة ولأن هذه الشركات تكون مسئولية الشركاء فيها محدودة، فيمثل هذا ضعف لضمانة المضرور، حيث لا يستطع المضرور أن يرجع على الشرك بالحكم الصادر بالتعويض الذي أصدرته المحكمة، في أمواله الخاصة، ولا يكون أمام العامل إلا ذمة الشركة التي هي من ذمة الشركاء، وهذا ما نوضحه في المطلب القادم.

المطلب الثالث: ذمـة الشــركة

تتمتع الشركة بذمة مالية مستقلة عن ذمة الشركاء المالية، هذه الذمة قد تكون عقاراً أو منقولاً ويعد ما ساهم فيه الشريك مالا للشركة ينقل إليها، وتدخل في ذمتها فلا يكون للشريك حقاً فيه حيث تنقل ملكية الحصص التي يقدمها الشركاء لتكون رأس مال للشركة، وتسكن في ذمتها ولا يكون للشريك إلا الحق في الحصول على نصيبه من الأرباح والموجودات عند تصفية الشركة وعلى هذا يكون للشركة حرية التصرف كيفما شاءت في الحصة مادام الشريك قد تجرد من ملكيتها وكانت قد قدمت للشركة على سبيل التمليك([21])، ومن ثم فإن رأس مال الشركة يعد كله ملكاً للشركة، سواء أكان منقولاً أو حصة عينية أو عقاراً([22]).

وعلى ما تقدم فإن المسئولية عن ديون الشركة تكون في ذمتها المالية الممثلة في رأس المال، المكون من حصص المساهمين ولا دخل للشركاء في ذلك إلا بقدر مساهمتهم في رأس المال وبالتالي يصبح ما في ذمتها بما تحمله من حصص سواء منقولة أو عقارية حق لدين الغير يستطيع أن يستوفي منه حقه.

وبالتالي فإن للمضرور سواء العامل أو صاحب العمل يستطيع أن يستوفي قيمة التعويض بالرجوع على الشركة وما فيها من حصص المساهمين.

إلا أنه يلاحظ أن دائني الشريك طالما بقيت الشركة لا يكون لهم حق في اقتضاء حقهم عن طريق التنفيذ على تلك الحصص، وإنما يقتصر حقهم في التنفيذ على نصيب المساهم في الأرباح، طبقاً للقواعد العامة، في حجز ما للمدين لدى الغير([23]).

غير أن هذه الضمانة ـ أيضاً ـ غير كافية لما فيها من صعوبة ولقلة رأس مال الشركة ولعدم وجود موجودات لهذه الشركات في الغالب الأعم، ومن ثم فلابد أن يكون هناك طريق آخر يستطيع المضرور أن يستوفي منه حقه، وهذا ما نوضحه في الجزئية التالية:

المطلب الرابع: خطــاب الضمـان

يمثل خطاب الضمان أهم الضمانات القانونية التي يمكن من خلالها للمضرور أن يستوفي منه قيمة التعويض الصادر له من المحكمة، فقد نصت الفقرة 3 من المادة 22 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 على أن: تقدم الشركة خطاب ضمان غير مشروط وغير قابل للإلغاء صادرا من أحد البنوك العاملة في جمهورية مصر العربية بمبلغ 100 ألف جنيه لصالح الوزارة المختصة وأن يكون هذا الخطاب سارياً طوال مدة سريان الترخيص ويتعين استكمال قيمة الخطاب بمقدار ما خصم من غرامات أو تعويضات مستحقة طبقاً لأحكام القانون وذلك خلال عشرة أيام من تاريخ إخطار الشركة المرخص لها بكتاب موصى عليه بعلم الوصول.

وعلى الرغم من أهمية هذه الضمانة القانونية غير أن نص القانون يشوبه الغموض فإذا كان القانون أعطى للإدارة مكنة خصم أية مبالغ من قيمة خطاب الضمان وهو بمثابة تأمين للإدارة، إلا أنه لم يحدد الحالات التي يتم فيها الخصم، واكتفى أن يضع قاعدة عامة مفادها أن يكون الخصم طبقا للقانون ولم يحدد الحالات التي يقررها القانون من غرامات كما أن خصم الغرامات أمر يتعلق بالإدارة، وهو غالباً يكون بخصوص أعمال التفتيش ومخالفة الشركة للواجبات التي لابد أن تلتزم بها، كما أن مفهوم التعويضات مبهم، فهل يقصد به الإدارة أم المضرور (العامل، صاحب العمل) أم كلاهما وكيف يتم خصم التعويض مثلاً، وهو غالباً يتقرر بحكم قضائي في الغالب الأعم والذي يكون قد صدر بعد حين من الدهر.

كما أن قيمة خطاب الضمان ضعيفة مقارنة بطبيعة عمل الشركات وإمكانية وقوعها في الخطأ كثيراً ومع كثير من الأفراد كما أنها تشمل الغرامات والتعويضات ومن هنا يبرز أهمية وجود نظام تأميني مستقل.

المطلب الخامس: التأمين ضد المسئولية

في الحقيقة، إن مسألة حصول المضرور على قيمة التعويض المحكوم به من المحكمة لصالحه سواء العامل أو صاحب العمل من خلال الطرق القانونية السابقة أمر محفوف بالصعوبة فالرجوع على الشريك نفسه أمر يكاد يكون مستحيل، نظراً لصعوبة وجود الشريك الذي يحصل منه على التعويض عن طريق ماله الخاص، أما الرجوع على ذمة الشركة الممثلة في رأس مالها، والذي يكون من أسهم الشركاء فلا يقل صعوبة عن سابقه وذلك لقلة رأس المال ذاته، كما أن الرجوع على موجودات الشركة بالحجز عليها أمر يحتمل المخاطرة، نظراً لعدم وجود موجودات للشركة في الأصل، ولم يكن حال الطريق الثالث أكثر أمنا على الرغم من أهميته نظراً لقلة قيمة خطاب الضمان القانوني ولغموض النص القانوني الذي ينص على خصم التعويضات منه.

كل ذلك جعلنا أن نسلك ـ طريقا آخر ـ متعارف عليه في الوسط القانوني، وهو طريق التأمين وهذا الطريق قد يبدو غريباً فيما نتحدث عنه، ولكنه قد لا يكون غريباً عند النظر إلى أهميته، والتأمين يتعدد من حيث أنواعه وأشكاله، إلا أن الذي نعنيه هو التأمين ضد المسئولية أو التأمين من المسئولية، فهو يستهدف ضمان المؤمن له ضد المخاطر الذي قد يتعرض له من جانب الغير بسبب ما أصابه من ضرر فالشخص يؤمن نفسه ضد الأعباء أو الديون التي قد تثقل ذمته المالية فتهددها بعجز جسيم، أو لا تقدر على الوفاء بها، فهذا النوع من التأمين يستهدف تعويض الأضرار التي تصيب الذمة المالية من جراء ما يلتزم به من تعويض الغير، ولهذا يوصف بأنه التأمين من الديون ويلاحظ أن المؤمن لا يقوم بتعويض الضرر الذي يصيب الغير، وإنما يعوض الضرر الذي يصيب الذمة المالية للمؤمن له([24]).

ويتميز التأمين من المسئولية بأن مبلغ التأمين لا يكون محدداً لأنه لا يعرف مدى ما يلتزم به المؤمن به المؤمن له وما تتعرض له ذمته المالية من أضرار، نتيجة الحالات التي تنعقد فيها مسئوليته، وصور التأمين من المسئولية متعددة ولكن أهمها التأمين من المسئولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات([25]).

وعلى هدي ما تقدم وفي ظل صعوبة حصول المضرور على قيمة التعويض من الشركة، وبالتالي عدم جبر الضرر الواقع عليه فلماذا لا يكون هناك تأمين من المسئولية الناشئة عن إلحاق العمالة بالخارج، وخاصة في ظل زيادة المخاطر التي يتعرض لها العامل نتيجة لتطور عمل الشركات ـ بوجه خاص ـ كما أنه من ناحية أخرى، يفتح الطريق أمام القضاء في التشديد من الحكم الصادر بالتعويض، وذلك لوجود مظلة تأمينية، ممثلة في التأمين الذي تلتزم به الشركات.

وعلى غرار التأمين الاجتماعي للعاملين المصريين في الخارج وفقا لقانون التأمين الاجتماعي الحالي رقم 79 لعام 1977([26])، والذي يوفر الأمان الاجتماعي في حالات الشيخوخة والعجز والوفاة، وعلى هدي الجهود الدولية ـ أيضاً ـ لتوفير سياج من الأمان الاجتماعي في دول المهجر من المساواة في التأمينات الاجتماعية مع مواطني هذه الدول، فلماذا لا يمتد هذا الأمان الاجتماعي ـ أيضاً ـ ليشمل التأمين من المسئولية الناشئة عن إلحاق العمالة بالخارج عن طريق هذه الشركات مع ضرورة أن يكون هذا التأمين إجبارياً([27]) للشركات وليس اختيارياً.

المبحث الثالث: صور أخرى لحماية العامل

لا تقتصر حماية العامل على الرجوع بالتعويض على شركات إلحاق العمالة وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية أو العقدية فحسب وإنما يمكن له أن يرجع عليها بدعوى الإثراء بلا سبب، وله ـ أيضاً ـ الرجوع بالتعويض على كلا من صاحب العمل، والإدارة ممثلة في وزارة القوى العاملة والهجرة وهذا ما نوضحه على النحو التالي:

المطلب الأول: رجوع العامل بالتعويض على الشركة بدعوى الإثراء.

المطلب الثاني: رجوع العامل بالتعويض على صاحب العمل.

المطلب الثاني: رجوع العامل بالتعويض على الإدارة (وزارة القوى العاملة والهجرة).

المطلب الأول: رجوع العامل بالتعويض على الشركة بدعوى الإثراء

تعد دعوى الإثراء بلا سبب إحدى وسائل الحماية للمضرور متى توافرت شرائطها وهي تأتي في مصاف دعاوي المسئولية الأخرى (العقدية ، العمل غير المشروع) وهو ما جعلها تتمتع بالاستقلالية فيجوز للمفتقر أن يرجع على المثري بهذه الدعوى متى انعدم السبب القانوني للإثراء ونشير إلى هذا بإيجاز على النحو التالي:

* سبب تميز دعوى الإثراء (دعوى أصلية):

تتميز دعوى الإثراء بلا سبب بأنها دعوى مستقلة بذاتها، وتنفصل عن دعوى المسئولية العقدية أو المسئولية التقصيرية، فإذا قامت دعوى أخرى إلى جانبها (العقدية ـ التقصيري)، كان للمدعي الخيار بين الدعويين([28])، فهي تقف جنباً بجنب معهما، ولم يكن هذا التمييز واعتبارها دعوى أصلية بالأمر اليسير، حيث تعددت الاتجاهات الفقهية ([29])، سواء في مصر أو فرنسا حول اعتبارها دعوى أصلية أو احتياطية، والسبب في ذلك يرجع إلى وجود دعوى أخرى، تقوم بجانبها، ومن ثم لا يجوز للمفتقر الرجوع بدعوى الإثراء، لأنها دعوى احتياطية يجوز مباشرتها إذا وجد سبيل قانوني آخر([30])، إلا أن المشرع المصري أكد على أصلية هذه الدعوى، عندما نص عليها في مواده معتبراً إياها في مرتبة دعوى العقد ودعوى المسئولية التقصيرية وهذا ما نوضحه في التالي:

* شروط دعوى الإثراء بلا سبب:

تنص المادة 179 من التقنين المدني المصري على أنه: كل شخص ولو غير مميز يثري دون سبب مشروع على حساب شخص آخر يلتزم في حدود ما أثرى به بتعويض هذا الشخص عما لحقه من خسارة، ويبقى هذا الالتزام قائماً ولو زال الإثراء فيما بعد، كما تنص المادة 180، تسقط دعوى التعويض عن الإثراء بلا سبب بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من لحقته الخسارة بحقه في التعويض، وتسقط الدعوى كذلك في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي ينشأ فيه هذا الحق.

ويتبين من هذا أن للدعوى شروط نوجزها على النحو التالي:

إثراء المدين: ويقصد به الفائدة التي يحققها المدين سواء كانت مادية أو معنوية، أو كانت بشكل مباشر أو غير مباشر.
افتقار الدائن: ويقصد به الخسارة التي يتكبدها الدائن مثل: مالا ينفقه، أو المنفعة التي تفوته.
وجود علاقة سببية بين الافتقار والإثراء: بمعنى أن يكون إثراء المدين نتيجة افتقار الدائن.
انعدام السبب القانوني للإثراء: بمعنى أن يكون للمثري حق لإثرائه سواء القانون أو العقد، فمتى كان للمثري حق فيما كسبه، وكان سبب لإثرائه، فليس للمدين أن يرجع عليه بالتعويض([31]).
* مدى إمكانية استفادة العامل من مدى الإثراء:

متى توافرت الشروط المشار إليها لدعوى الإثراء فإنها تنشأ للعامل حقا في طلب التعويض في مواجهة شركات الحاق العمالة، ويحق للعامل (المفتقر) بصفته مدعي تعويض في ذمة الشركة، بصفتها مدعي عليها (المثري) ويكون ذلك بشكل مستقل على النحو المشار إليه.

إلا أن الأمر ليس بهذا اليسر، حيث يقع على العامل عبء الإثبات فقضي بأن الإثراء بلا سبب عبء إثبات وقوعه دائماً على عاتق المفتقر، وعليه أن يثبت الآتي:

– أن هناك إثراء في جانب الشركة (المثري) ومقدار هذا الإثراء.

– أن هناك افتقار في جانبه، ترتب عليه إثراءً للشركة (المثري).

– أن الإثراء بلا سبب قانوني، إذ أن الإثراء يفرض فيه أن له سبباً قانونياً، ولا يكلف المثري إثبات هذا السبب، فإذا ادعى (المفتقر) الا سبب للإثراء فعليه هو أن يثبت ذلك([32]) بالنظر إلى هذه الإثباتات نجد أن الأمر يزداد صعوبة أمامه في إثبات ذلك خاصة فيما يتعلق بالإثبات الأخير وهو ألا يكون للإثراء سبب قانوني فمن المقرر أن للشركة حق قانونياً في أن تحصل من العامل على نسبة 2% من أجره وهو ما نص عليه قانون العمل (م21) ومن ثم فإن هذا يفند أي محاولة لإثبات أن الإثراء بلا سبب قانوني، وهو ما نؤكد عليه ـ أيضاً ـ من حق الشركة في الحصول على هذه النسبة، إلا أن الإشكالية ليست في هذه النسبة، وإنما الإشكالية في الحصول على مبالغ أكثر مما هو مقرر، وهو ما يحدث بالفعل وبالتالي فما تحصل عليه الشركة زيادة عن هذه النسبة، هو ما يجعل إثراءها بلا سبب قانوني، وما نعول عليه في طلب التعويض.

وعلى العامل ـ هنا ـ أن يثبت حصول الشركة على مبالغ تزيد عما هو مقرر، بجميع وسائل الإثبات، لأن الإثراء والافتقار من الوقائع المادية التي يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات، ومتى ثبت العامل افتقاره وإثراء الشركة فإنه يفرض هنا ألا سبب قانوني لإثراء الشركة، وإذا ادعت أن هناك سبباً قانونياً لإثرائها فعليها أن تثبت ذلك([33]).

المطلب الثاني: رجوع العامل بالتعويض على صاحب العمل

الأصل أن الموكل (صاحب العمل) لا يسأل عن الخطأ الذي يرتكبه وكيله (الشركة) فالوكيل إذا كان ينوب عن الموكل في التصرف القانوني أو العمل القانوني محل النيابة فينصرف إليه آثاره إلا أنه لا ينوب عنه في الخطأ الذي يرتكبه في حق الغير، بسبب تنفيذ الوكالة، ويلتزم الوكيل وحده بتعويض الغير الذي أضير بخطئه، طالما لم يقر الموكل وكيله عن هذا الخطأ، بقصد إضافة آثاره إلى نفسه([34]).

ومن ثم فإن إمكانية رجوع العامل على صاحب العمل على أساس ارتكاب الشركة خطأ، بخروجها عن حدود وكالتها أمر مستبعد، إلا في حالات معينة.

يمكن للعامل الرجوع على صاحب العمل إذا كان القانون ينص على مسئوليته هو (صاحب العمل) بالإضافة إلى مسئولية الوكيل، حيث يسأل الموكل عن خطأ وكيله.
يمكن للعامل الرجوع على صاحب العمل وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية، حيث تتعدد صور مسئولية الموكل عن خطأ وكيله، منها إذا ما ارتكب الموكل خطأ جر إلى خطأ الوكيل، كأن يكون أهمل في رقابته حيث تجب عليه رقابته، أو كان الخطأ الذي ارتكبه الوكيل ليس إلا تنفيذ لتعليمات تلقاها منه، ويكون الموكل في هذه الوضعية مسئولاً عن خطأه الشخصي لا عن خطأ الوكيل، كما يسأل الموكل إذا كان الوكيل مرتبطاً به ارتباط التابع بالمتبوع([35]).
كما يمكن للعامل أن يرجع على صاحب العمل على أساس النيابة، وذلك إذا ما ارتكبت الشركة تدليساً، بمعنى أنه إذا ارتكبت الشركة تدليساً جر العامل إلى التعاقد معها، فإن العقد يكون أولاً قابلاً للإبطال، ويجوز له أن يرجع على صاحب العمل بالتعويض، كما يجوز بالبع أن يرجع على الشركة، كما لو كان التدليس صدر من صاحب العمل، فيكون الموكل مسئولاً عن خطأ الشركة، ويرجع ذلك إلى أن التصرف الذي يمضيه باسم الموكل، يعقد بإرادة الوكيل فتحل هذه الإرادة محل إرادة الأصيل.
ومن ثم فإن المجال متسع لرجوع العامل على صاحب العمل، إذا ما توافرت حالة من هذه الحالات المشار إليه عالياً، ويلاحظ أن صاحب العمل يسأل هنا عن خطئه الشخصي وليس بكونه الموكل وفقا للحالات المشار إليها غير أن مسألة أن يكون صاحب العمل متبوع، والشركة تابع، فهو أمر مستبعد، لصعوبة أن تكون الشركة كون صاحب خاضعة لتوجيه ورقابة صاحب العمل، وهي تباشر عملها، أما إذا كان صاحب العمل يباشر التوجيه والرقابة على الشركة، فتصبح الشركة هنا تابعاً وصاحب العمل متبوع، وبالتالي يسأل صاحب العمل مسئولية تقصيرية قبل العامل.

وعلى ضوء ما تقدم فإن صاحب العمل يسأل مسئولية تقصيرية في مواجهة العامل، أولا عن خطئه الشخصي كأن يكون أهمل في الرقابة على النائب أو أن يكون خطأ الشركة إلا تنفيذاً لتعليمات صدرت منه، كما يسأل مسئولية تقصيرية ـ أيضاً ـ عن خطأ الغير (النائب) كأن تكون الشركة ارتكبت تدليساً جر العامل إلى التعاقد، كل ذلك في نطاق المسئولية التقصيرية.

ولا مجال لمسئولية صاحب العمل عن خطأ النائب في نطاق علاقة النيابة، ويرجع ذلك إلى أن النيابة بحكم كونها إحلالاً لإرادة النائب محل إرادة الأصيل في إبرام التصرف القانوني، ينحصر مجالها في التصرفات القانونية، سواء أكانت عقودا أو تصرفات بالإرادة المنفردة، أما المسئولية التقصيرية سواء عن خطأ الغير أو الخطأ الشخصي، فهي مؤسسة عن العمل غير المشروع وهو واقعة قانونية لا علاقة بالإرادة كمصدر للآثار القانونية، لذا فهي بعيدة في مجال التصرفات القانونية القائمة على الإرادة.

ومن ثم يتبين الوضوح أن الربط بين المسئولية التقصيرية عن خطأ النائب وبين موضوع آثار النيابة ينطوي على خلط بين متميزين من مجالات النشا القانوني، وأن مسألة مسئولية الأصيل عن خطأ النائب لا يمكن الوصول إليه في نطاق علاقة النيابة([36]).

وعلى هذا فإن الأصيل (صاحب العمل) مسئول نحو الغير (العامل) في حدود قواعد المسئولية التقصيرية، وكذلك في حدود قواعد النيابة ذاتها([37])، وليس كأثر من آثار النيابة.

المطلب الثالث: رجوع العامل بالتعويض على جهة الإدارة

يمثل رجوع العامل بالتعويض على جهة الإدارة (وزارة القوى العاملة والهجرة)، من الجوانب الهامة، التي توفر حماية للعامل إن لم يكن أهمهم على الإطلاق ولا يكون ذلك إلا بتطبيق أحكام مسئولية المتبوع عن أعمال تابعة حيث أن مسئولية المتبوع (الإدارة) عن أعمال تابعة غير المشروعة مقررة بحكم القانون، لمصلحة المضرور وتقوم على فكرة الضمان القانوني فيعتبر المتبوع في حكم الكفيل كفالة مصدرها القانوني وليس العقد، وقد نصت المادة 174 من القانون المدني على أن: يكون المتبوع مسئولاً عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع، متى كان واقعاً منه في حال تأدية وظيفته أو بسببها، وتقوم رابطة التبعية ولو لم يكن المتبوع حراً في اختيار تابعه متى كانت له سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه.

ويتبين من هذا النص حتى تتحقق مسئولية الإدارة باعتبارها متبوع لابد أن تكون هناك تبعية بين الإدارة والشركة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ـ أن ترتكب الشركة خطأ أحدث ضرراً للعامل في حال تأدية وظيفتها أو بسببها:

الشرط الأول: أن تكون هناك تبعية بين الإدارة والشركة.

تشمل التبعية التي قصدها المشرع على أمرين: الأمر الأول، هو وجود عنصر السلطة الفعلية، والثاني، هو وجود الرقابة والتوجيه، أما الأمر الأول، والمتعلق بالسلطة الفعلية، فلا تعني وجود عقد يربط بين الإدارة والشركة، وهو ما عبر عنه المشرع، ولو لم يكن المتبوع حرا في اختيار تابعه، وإنما يكفي أن يكون للمتبوع (الإدارة) سلطة في إصدار الأوامر إلى التابع في طريقه أداء عمله، وفي الرقابة عليه ومحاسبته([38]) وهذا ما تحقق بشكل كبير في علاقة الإدارة بالشركة، حيث تحققت هذه السلطة من خلال مكنة الترخيص الصادرة من الإدارة إلى الشركة، بمزاولة أعمال الحاق العمالة بالخروج فليس هناك مجال لتحقق التبعية الممثلة في السلطة الفعلية إلا من خلال هذا الترخيص الصادر من الإدارة فبدونه كيف تباشر الإدارة أعمال الرقابة والتوجيه والتي من خلالها تظهر هذه الرقابة والتوجيه([39]).

أما الأمر الثاني للتبعية يتمثل في رقابة الوزارة وتوجيهاتها للشركة ويكون ذلك من خلال الرقابة الإدارية عليها، وما تقوم به من أعمال التفتيش عليها، وفي هذا ما يكفي في تحقق الرقابة والتوجيه بدون الرقابة الفنية وقد عبرت عن ذلك أحكام النقض بقولها: تقوم التبعية كلما كان للمتبوع سلطة فعلية على التابع في الرقابة والتوجيه ولو كانت هذه الرقابة قاصرة على الرقابة الإدارية ويستقل قاضي الموضوع في استخلاص علاقة التبعية متى ركن في استخلاصه إلى أسباب سائغة لها أصل ثابت في الأوراق، بل أن القضاء ذهب إلى أبعد من ذلك في امتداد التبعية ـ لتشمل ـ التبعية الأدبية وذلك بقوله: بأن وجود علاقة تبعية بين الطبيب وإدارة المستشفى الذي عالج فيه المريض ولو كانت علاقة تبعية أدبية كاف لتحمل المستشفى مسئولية خطأ الطبيب، ومن ثم فإن التبعية لا تقتصر على التبعية الفنية فقط، بل تمتد إلى التبعية الإدارية وهو ما يتحقق بشكل كبير في علاقة الإدارة ممثلة في وزارة القوى العاملة والهجرة وبين العامل من وجود تبعية إدارية، وليس تبعية فنية مثل طريقة البحث عن العمل، أو غيره من النواحي الفنية التي تمارسها الشركة وهي بصدد ممارسة ومباشرة عملها وهذا ما يكفي في تحقق مفهوم التبعية والذي من خلاله يستطيع العامل أن يرجع على الإدارة بالتعويض على أساس الخطأ المفترض، إذا ما وقع خطأ من الشركة سببا ضررا له.

الشرط الثاني: ارتكاب عمل غير مشروع.

يشترط لتحقق مسئولية الإدارة عن أعمال تابعها أن ترتكب الشركة عمل غير مشروع (خطأ) وهو ما يفهم من يكون المتبوع مسئول عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع، ومن ثم فلابد من خطأ تتوافر فيه عناصره حتى تسأل الإدارة باعتبارها متبوع، فقد قضى بأن مسئولية المتبوع عن أعمال تابعه غير المشروعة مصدرها العمل غير المشروع وهي لا تتحقق إلا حيث تتحقق مسئولية التابع بناء على خطأ واجب الإثبات أو بناء على خطأ مفترض([40]).

الشرط الثالث: أن يكون الخطأ حال تأدية الوظيفة أو بسببها.

يضاف إلى ما تقدم لمسئولية المتبوع (الإدارة) عن أعمال تابعها (الشركة) أن يكون الخطأ المرتكب من الشركة قد وقع أثناء تأدية عملها أو بسببها وهو ما يستفاد من نص المادة 174 ويعد هذا الشرط أو الضابط هو الذي يربط مسئولية المتبوع بعمل التابع ويبرر مسئولية المتبوع([41])، ومن ثم فإذا كان خطأ الشركة قد وقع بعيداً عن عملها وارتباطها بالإدارة فلا مسئولية على الإدارة ولا يتحقق هذا الفرض إلا في حالة أن تقوم الشركة بعملها دون أن تحصل على ترخيص من الإدارة ففي هذه الحالة تنتفي العلاقة بينهما، وتنتفي علاقة التبعية، أما وأن الشركة تمارس عملها، بموجب الترخيص الصادر لها من الإدارة، فلا مناص من اعتبار الشركة تمارس عملها باعتبارها تابعة للإدارة وأي خطأ يصدر منها يعتبر حال تأدية عملها أو بسببها.

كيفية استفادة العامل بالرجوع على الإدارة:

متى تحققت شروط مسئولية المتبوع (الإدارة) عن أعمال تابعها على النحو المشار إليه كان للعامل الخيار بين عدة اتجاهات للاستفادة من هذه المسئولية.

يجوز له أن يرجع على المتبوع (الإدارة) مباشرة بالتعويض دون حاجة لإخال التابع (الشركة) الدعوى وهو ما قضى به قضاء النقض للمضرور أن يرجع مباشرة على المتبوع بتعويض الضرر الناشئ عن أعمال تابعه غير المشروعة دون حاجة لإدخال التابع في الدعوى ولا تلتزم المحكمة في هذه الحالة بتنبيه المتبوع إلى حقه في إدخال تابعه([42])، كما يلاحظ أن مطالبة المضرور العامل مطالبة قضائية يقطعها التقادم بالنسبة للمتبوع، وليس من شأنها قطع التقادم بالنسبة للتابع (الشركة) ([43]).
يمكن للعامل المضرور أن يرجع على الإدارة كمتبوع والشركة كتابع معا متضمنين أمامه.
ج- كما يجوز له أن يكتفي بالرجوع على التابع الشركة دون الاستفادة من مسئولية الإدارة عن أعمال تابعها.

وفي جميع الأحوال لا يجوز له أن يرجع تارة على الإدارة وتارة أخرى على الشركة، حيث لا يجوز أن يعوض عن الضرر مرتين، فعلى العامل هنا أن يختار أي من الأطراف الثلاث ـ لرفع دعواه ـ لجبر الضرر الواقع عليه، جراء فعل الشركة (الشركة، صاحب العمل، الإدارة) فالمهم في ذلك تعددت طرق الحماية التي من خلالها يمكن للعامل ولوجها لجبر الضرر الواقع عليه جراء عمل شركات إلحاق العمالة بالخارج.

الخاتمـــة

وبعد هذا العرض السابق للدراسة، نستعرض الآن بعض النتائج التي تم استخلاصها، وبعدها نوضح أهم المقترحات والتوصيات الهامة، وذلك على النحو التالي:

أولاً: النتـائج.

لقد أبرزت الدراسة جانباً مهماً من جوانب العلاقات والروابط القانونية، وخروج هذه الروابط عن الإطار التقليدي، وتطورها، وعدم اقتصارها على الاتفاق المباشر بين الأطراف، ذلك من خلال آثار النيابة، وتأثر الغير بها، كطرف ثالث من حيث النتائج، وهو ما يبين أهمية النيابة في نشوء علاقات وروابط قانونية غير مباشرة، وفي ذات الوقت الارتباط المباشر من خلال العلاقة العقدية بينهما – هذا – بالإضافة إلى وجود رابط آخر، وهو الالتزام بالإخبار. ومن ثم تعددت الروابط والعلاقات القانونية، في آن واحد، وعدم اقتصارها على شكل واحد.
إن معايير منظمة العمل الدولية لم تراع أهمية النيابة في ظل العلاقات الدولية، فلم تتضمن الاتفاقية الحالية والمعبرة عن هذه المعايير، إمكانية نيابة الوسيط (الوكالات)، عن صاحب العمل، في عقود العمل، حيث منعت أن تكون الوكالة طرفاً في عقد الاستخدام، وهذا ما يمثل إشكالية في حالة التصديق على الاتفاقية من جانب مصر، كما أن المشرع المصري أغفل هذا، في القانون الحالي.
إمكانية عدم الاستفادة من دعوى المسئولية المدنية، وبالتالي عدم جبر الضرر الواقع على العامل، من خلال عدم التوسع في الخبرة، بين المسئوليتين، فيما يتعلق بالمعنى المتواتر للخبرة، وهو التفضيل بين أي من الدعويين ترفع، العقدية أم التقصيرية.
تزايد الهجرة غير الشرعية، مما قد يشير إلى سبب ذلك إلى الشركات، ولو بشكل غير مباشر.
ومن النتائج الإيجابية في البحث، تعدد صور حماية العامل، من خلال تنوع وتعدد دعوى التعويض، التي يمكن أن يلجأ إليها العامل، فله أن يرجع على وزارة القوى العاملة، أو صاحب العمل، كما له أن يرجع على الشركة، ليس عن طريق دعوى المسئولية فحسب، وإنما عن طريق دعوى الإثراء بلا سبب.
ثانياً : التوصـيات.

لمعالجة مسألة إمكانية، عدم استفادة العامل من المسئولية المدنية، نجد أن الباب مفتوحاً، لتقرير تنظيم قانوني، لمسئولية مهنية لوكالات التشغيل الخاصة، في ظل القانون الاجتماعي، يجمع في طياته من القواعد ما يراه مناسباً، للاستفادة من دعوى المسئولية بنوعيها، وخاصة أن القانون الاجتماعي، مؤهل لقبول ذلك، نظراً لقيامه على الجانب الحمائي للعامل، وعدم التقيد، بما هو مقرر في قواعد القانون المدني. وعلى القضاء المصري أن يلعب دوراً خلاقاً، في النظر إلى جبر الضرر الواقع، على الطرف المتعامل مع المهني، بوجه عام، والعامل المتعامل مع الشركات، بوجه خاص، وأن يبرز من القواعد التي تساعد على تقنين هذه المسئولية في القانون الاجتماعي، كما يفعل القضاء الفرنسي، في تقرير كل ما هو جديد.
للمساعدة في مواجهة الهجرة غير الشرعية، على الشركات أن تطور من عملها، واستحداث طرق جديدة لجذب الشباب إليها، كأن يكون لها دور في تدريب العمالة، ورفع مستوى العامل، وزيادة الدور التثقيفي لها، وفي المقابل على الإدارة أن تحفز الشركات على العمل بتقرير حوافز مالية.. مثل المشرع الفلبيني، وأن تُفَعِّل العقوبات وتغلظها على الشركات المخالفة.
إن المجال أصبح متاحاً للعامل، لرفع دعوى تعويض على الشركات المخالفة، لتعدد الروابط القانونية، وإمكانية وقوع الشركات في الخطأ، وتنوع الضرر الواقع عليه، مثل تعديل عقد العمل من جانب صاحب العمل، أو إلغاءه، أو استمراره، أو في حالة عدم وجود صاحب عمل، وارتكابه غش نحوه، وكذلك إمكانية إثراء الشركة على حسابه بلا سبب، فعلى العامل ألا يتردد في رفع الدعوى، حتى يجبر الضرر الواقع عليه.
قائمة المراجع

د. أحمد حشمت أبو ستيت، نظرية الالتزام في القانون المدني الجديد، الكتاب الأول، الطبعة الثانية، مطبعة مصر 1954م.
د. جمال مرسي بدر، النيابة في التصرفات القانونية، الهيئة المصرية للكتاب، الطبعة الثالثة، 1980.
د. حسام الأهواني، المبادئ العامة في التأمين، بدون دار نشر، 2002،2003م، ص27، د. نبيلة رسلان، أحكام التأمين، 1989م.
د. رضا السيد عبد الحميد، الشركات التجارية في القانون المصري، الجزء الأول، دار النهضة العربية، ط2005م.
د. سمير تناغو، مصادر الالتزام، بدون دار نشر، 1999، 2000م.
د. سمير كامل، التأمين الإجباري من المسئولية المدنية للمهندسين والمقاولين عن حوادث البناء، الطبعة الأولى، 1990، 1991م.
د. صلاح الدين زكي، تكون الروابط العقدية فيما بين الغائبين، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، بدون تاريخ نشر.
د. عبد المنعم فرج الصدة، مصادر الالتزام، دار النهضة العربية، 1986م.
د. عبد الودود يحي، الموجز في النظرية العامة للالتزامات، مصادر الالتزام، دار النهضة العربية، 1985م.
د. فتحي والي، الوسيط في القانون المدني، مركز جامعة القاهرة للطباعة والنشر، 1997م.
د. محمد المنجي، دعوى التعويض، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2003م.
د. محمد إسماعيل، حقوق العمال المهاجرين في التأمينات الاجتماعية، 1988.
د. محمد عبد الظاهر حسين، التأمين الإجباري من المسئولية المدنية المهنية، دار النهضة العربية، 1996م.
د. محمود جمال الدين زكي، الوجيز في عقد العمل الفردي، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1957م.
د. نبيل إبراهيم سعد، النظرية العامة للالتزام، الجزء الأول، الالتزام، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2001.
د. يحيى أحمد موافي، الشخص المعنوي ومسئوليته قانوناً، رسالة، كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية، 1977.
([1])د. فتحي والي، الوسيط في القانون المدني، مركز جامعة القاهرة للطباعة والنشر، 1997م، ص213، 214.

([2])د. محمد المنجي، دعوى التعويض، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2003م، ص179 وما بعدها.

([3])د. محمد المنجي، دعوى التعويض، المرجع نفسه، ص196.

([4])صدر قانون المرافعات رقم 13 لعام 1968 في 9 صفر 1388، 7 مايو 1967.

([5])المادة 52 من قانون المرافعات المصري.

([6])طعن مصري رقم 1178 ، س51 ق، جلسة 27/ 11/ 1989م.

([7])طعن مصري 1120 س 54ق جلسة 15/12/1991م.

([8])د. محمد المنجي، دعوى التعويض، مرجع سابق، ص192.

([9])د. فتحي والي، الوسيط في القانون المدني، مرجع سابق، ص215، 216 وما بعدها.

([10])د. رضا السيد عبد الحميد، الشركات التجارية في القانون المصري، الجزء الأول، دار النهضة العربية، ط2005م، ص25.

([11])د. إبراهيم أحمد إبراهيم، تنازع القوانين، طبعة دراسة، 1996م، ص11.

([12])د. جمال مرسي بدر، النيابة في التصرفات القانونية، الهيئة المصرية للكتاب، الطبعة الثالثة، 1980. ص376 وما بعدها.

([13])د. عبد المنعم فرج الصدة، مصادر الالتزام، دار النهضة العربية، 1986م، ص123.

([14])د. عبد الودود يحي، الموجز في النظرية العامة للالتزامات، مصادر الالتزام، دار النهضة العربية، 1985م، ص48، 50.

([15])د. جمال مرسي بدر، مرجع سابق، ص418 وما بعدها، وأيضاً راجع: د. صلاح الدين زكي، تكون الروابط العقدية فيما بين الغائبين، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، بدون تاريخ نشر.

([16])طعن مدني رقم 57 س 8ق، ج5/1/1939، موسوعة عبد المعين، الكتاب الأول، (ج2) ص25.

([17])د. محمد المنجي، مرجع سابق، ص268 وما بعدها.

([18])طعن مصري مدني رقم 5196، س62ق، 20/9/1993م.

([19])د. محمد المنجي، مرجع سابق، ص269.

([20])استئناف القاهرة، استئناف رقم 497 س69ق، د المدنية السادسة، ج10/11/1953 موسوعة عبد المعين، الكتاب الأول، ج2، ص230.

([21])د. أبو زيد رضوان، الشركات التجارية، طبعة دراسية، 2001م، 2002، ص132.

([22])د. يحيى أحمد موافي، الشخص المعنوي ومسئوليته قانوناً، رسالة، كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية، 1977، ص10 وما بعدها.

([23])د. أبو زيد رضوان، مرجع سابق، ص132.

([24])د. حسام الأهواني، المبادئ العامة في التأمين، بدون دار نشر، 2002، 2003م، ص27، د. نبيلة رسلان، أحكام التأمين، 1989م، ص28، 29.

([25])د. سمير كامل، التأمين الإجباري من المسئولية المدنية للمهندسين والمقاولين عن حوادث البناء، الطبعة الأولى، 1990، 1991م، ص4.

([26])د. محمد إسماعيل، حقوق العمال المهاجرين في التأمينات الاجتماعية، 1988، ص185 وما بعدها.

([27])د. محمد عبد الظاهر حسين، التأمين الإجباري من المسئولية المدنية المهنية، دار النهضة العربية، 1996م، ص18 وما بعدها.

([28])د. السنهوري، الجزء الأول، ص996.

([29])د. أحمد حشمت أبو ستيت، نظرية الالتزام في القانون المدني الجديد، الكتاب الأول، الطبعة الثانية، مطبعة مصر 1954م، ص531، 536.

([30])د. محمود جمال الدين زكي، الوجيز في عقد العمل الفردي، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1957م، ص565 وما بعدها، د. نبيل إبراهيم سعد، النظرية العامة للالتزام، الجزء الأول، الالتزام، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2001م، ص500.

([31])د. محمود جمال الدين، مرجع سابق، ص562، 564، د. السنهوري، مرجع سابق، الجزء الأول، ص964، 984.

([32])د. السنهوري، مرجع سابق، الجزء الأول، ص1007.

([33])د. السنهوري، المرجع نفسه، الجزء الأول، ص1007، 1008.

([34])نقض مصري مدني رقم 21 س 32ق ج14/11/1967.

([35])د. السنهوري، مرجع سابق، الجزء السابع، ص513.

([36])د. جمال مرسي بدر، مرجع سابق، ص333.

([37]) طعن مصري رقم 21 س32 ق ج14/11/1976.

([38]) طعن مصري رقم 123 س 38 ق ، ج19/5/ 1963.

([39])د. سمير تناغو، مصادر الالتزام، بدون دار نشر، 1999، 2000م، ص516 وما بعدها.

([40]) طعن مصري رقم 217 لسنة 21ق، ج16/12/1954.

([41])د. السنهوري، مرجع سابق، الجزء الأول، ص880.

([42])طعن مصري رقم 299/ 309ق ج 28/3/ 1968.

([43]) طعن 3535 مصري لسنة 58 ق ج 5/1/ 1995.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت