مقال قانوني حول مؤسسة الخبرة بين الواقع والقانون

مقال حول: مقال قانوني حول مؤسسة الخبرة بين الواقع والقانون

مؤسسة الخبرة
بين الواقع والقانون

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

الخبرة واحدة من وسائل الإثبات وفقا لنصوص قانون البينات السوري وهي من الوسائل الهامة والتي تحولت بفعل الممارسة العملية أمام المحاكم إلى أهم بينة من البينات التي تكاد لا تخلو منها أي من الدعاوى المدنية على وجه الخصوص و تصاغ على أساسها الأحكام وتقضي بها المحاكم بالحقوق فكان لابد من تسليط الضوء على الخبراء هذه الشريحة من المجتمع القانوني أن جاز التعبير التي وضع المشرع بين يديهم تقرير مصير الدعوى، وقد بحثت في القانون السوري على تعريف محدد للخبرة إلا أنني لم أجد سوى ما ورد في متن المادة /138/ من قانون البينات السوري والذي من خلاله وضعنا تعريف مبسطً للخبرة بأنها:
تحقيق فني تقرره المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب من أحد أطراف الدعوى بهدف الحصول على معلومات معينة تساعد المحكمة في توضيح مسائل فنية غامضة محل نزاع بين الخصوم و يتوقف على معرفتها الفصل في الدعوى و تتم من خلال من تتوفر لديهم الخبرة والكفاءة في مجالات معينة يجهلها القاضي.

فالخبرة إجراء قضائي بحت يتم أثناء النظر في نزاع قائم وللمحكمة الركون أليه من تلقاء نفسها أو بناء على طلب من أحد الخصوم إذا ما توفرت المبررات لذلك والأمر جوازي لها قبوله أو رفضه.
وقد حدد المشرع السوري في المادة الخامسة من قانون الخبراء الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 42 لعام 1979
الشروط الواجب توافرها في الخبير لينظم إلى جداول الخبراء المعتمدة من قبل وزارة العدل كما أعطى المشرع بعض الاستثناءات للخبراء في المواد 6 و 7 من نفس القانون فمنح الموظف العام حق الانضمام لجدول الخبراء وأعفى الخبراء أحيانا من شرط الحصول على شهادة علمية تخصصية.

وإذا قرأنا بتمعن الشروط الواردة في المادة الخامسة من قانون الخبراء نجد أن المشرع قد وضع قاعدة عامة لاختيار الخبير لو أردنا تطبيقها واقعيا لوجدناها تنطبق على الشريحة العظمى من فئات الشعب في الجمهورية العربية السورية، فهل الخبرة موضوع يستهان به ويمكن لأي من كان أن يصبح خبيرا ويخرج بتقارير تستنير بها المحاكم أم بالفعل نحن شعب خبير في كل شيء ويحق لأي منا أن توضع بين يديه أمانة الوقوف على الحقائق الفنية التي يستند القضاء إليها في حكمه وعدله.
ويراودني سؤال هنا عن نوعية الاستشارات التي سوف يقدمها حاملو شهادة المعاهد المتوسطة والثانوية الفنية أو الاختصاصية وغيرها للقضاء وهل لحاملي تلك الشهادة الخبرة والدراية الفنية في قضايا وأمور اختصاصية قد تتطلب أحيانا معرفة ومعلومات وخبرات عالية في مجالات علمية وتقنية يصعب على حملة الشهادة العليا الإلمام بها.

كما أننا ومن خلال التطبيق العملي في أروقة المحاكم نجد أن القضاة وفي مجملهم يحكمون وفق تقارير الخبرة تلك ويؤدي ميلهم هذا إلى تحويل الخبراء إلى قضاة بالرغم من أن المشرع قد نص في المادة 155 من قانون البينات على أن:
رأي الخبير لا يقيد المحكمة، وإذا حكمت المحكمة خلافاً لرأي الخبير، وجب عليها بيان الأسباب التي أوجبت إهمال هذا الرأي كله أو بعضه.
ونادراً بل يكاد يكون مستحيلا أن نرى قاض يستبعد خبرة ما ليحكم وفق ما يراه مناسبا ووفق الوقائع والأدلة التي أمامه، بالرغم من انه لا يجوز للمحكمة أن تلجأ إلى هذه الوسيلة إلا إذا صعب عليها إدراك المسألة الفنية نفسها (وهذا ما يدعى بالمعاينة) ولا يجوز الإسراف باستعمال الخبرة في الحالات التي لا تستدعي معرفة فنية وتخصصية في مجال معين يجهله القاضي.

وهذا التوجه الدائم لدى المحاكم يحوي مخالفة صريحة للراسخ في الفقه القانوني، فالقاضي مع كل احترامنا وتقديرنا للسادة القضاة يجد في تقرير الخبرة ملاذاً له ووسيلة لإلقاء عبئ التقدير على الخبير ليكون وحده صاحب القرار في الدعوى وعليه اللوم ان أخطئ.

وفي وقتنا الراهن أصبحت مهنة الخبير من المهن الحرة التي يتهافت إليها كل طامح في تحقيق مكاسب مادية ورفع مستواه المعيشي لما تدره تلك الصفة على صاحبها من أموال قد تصل أحيانا إلى مبالغ خياليه وصرنا نجد أن الغالبية العظمى من الخبراء هم من موظفوا الدولة مستأنسين بالاستثناء المنوح لهم وفق المادة السادسة من قانون الخبراء.
وصرنا نجد أن العديد الغالب أيضا من الخبراء من المشمولين بالرعاية الممنوحة لهم وفق المادة السابعة من قانون الخبراء بإعفائهم حتى من شرط الحصول على شهادة ولو كانت شهادة معهد متوسط أو ثانوية بذريعة عدم وجود متخصصين من حملة الشهادات بالرغم من أننا نعلم جميعا أن مجانية التعليم في بلدنا وخاصة في الفترة التي سبقت ظهور الجامعات الخاصة قد أسهمت في توفير كوادر بشرية هائلة في كل محافظة ومدينة وقرية سورية من حملة الشهادات الجامعية وفي كافة التخصصات.

من خلال هذه القراءة المبسطة لواقع مؤسسة الخبرة في قانوننا نرى انه يجب أن يعاد النظر في طرق تسمية الخبراء واحاطت تلك الطرق بضمانات لا تقل أهمية عن الطرق الواجب اتباعها في اختيار القضاة لما لرأي الخبراء من أهمية كبيرة في أحكام القضاء سيما وان المشرع قد حدد طرق رد الخبراء في المادة 146من قانون الأصول وساوى المشرع في هذه المادة بين الخبير والقاضي من حيث إجراءات الرد وكان من الأولى أن تكون تلك المساواة في الطريقة المتبعة في اختيار الخبير فكيف لنا أن نقبل خبيرا بدون مؤهلات علمية ثم نعاود النص على اعتباره بمثابة القاضي إذا ما حاولنا رده وتعيين خبيرا أخر وهذه المساواة من منظور مقارب تبين مدى أهمية ودور الخبير وتأثيره في مجريات التقاضي.

ولو نظرنا حولنا قليلا لوجدنا بان كافة التشريعات القضائية العربية تعتمد على الخبرة وخاصة في القضايا المدنية والتجارية فالخبرة من وسائل البينات الهامة في أي كيان قانوني و لو أمعنا النظر في تشكيل مؤسسات الخبرة في تلك الدول لوجدنا ان الخبراء هم عبارة عن مكاتب ومؤسسات وشركات تمارس عملها في مجال معين كمكاتب الاستشارات الهندسية ومكاتب المحاسبة المعتمدة ومكاتب تجارية وشركات فنية متخصصة معتمدة ومسجلة لدى وزارات تلك الدول ويحق لها وفق شروط معينة ودقيقة التسجيل في جداول الخبراء التي لو راجعناها لوجدناها تضم نخبة قطاعات الدولة الاقتصادية وهي بحق منارة يهتدي بها القضاء للخروج بأحكام صائبة وصحيحة توصل أصحاب الحقوق لحقهم وتساهم في تعزيز الثقة بمؤسسة القضاء الوطني.

ومن المفارقة أيضاً في قانوننا انه يتيح للمتخاصمين الطعن بالخبرة وتكرار الخبرات وتعدد درجاتها من أحادية لثلاثية لخماسية لسباعية لتساعية و لما لم يستمر التعداد في الصعود فلا عجب ان نرى ذلك في ضل الصيغة الحالية والمفهوم السائد للخبرة ولا عجب ان نرى خبرة أحادية تناقضها ثلاثية وتناقضها خماسية وسباعية وكأن الحق المطلوب بيانه له وجوه عديدة ومقادير مطاطة تضيق وتكبر وفق أهواء كل خبير .

إضافة إلى ان هذا التنوع بالخبرات وأثناء الممارسة لو افترضنا جدواه نجده في النهائية يخرج بتقرير كتبه وصاغه خبير واحد ليختزل بذلك دور المجموع دون ان يكون للآخرين إطلاع عليها فالخبرة كما هو متعارف بين الخبراء أبناء الجلدة الواحدة من حق مالك الإضبارة (أي من يسبق في الحصول عليها) وما على الآخرين سوى مهر تقريره بخاتمهم ليضفوا عليها الصفة القانونية فصارت الخبرة سلعة تجارية تباع وتشتري ولها ثمن والأقوى مادياً من الخصوم وذو العلاقة الواسعة يظفر بالغنيمة ففقدت بذلك مؤسسة الخبرة أهم مقوماتها الرأي الفني والاستشاري الحر النزيه المعزز للحق المطالب به والمرشد للقضاء في حكمه وعدله.

وفي هذا الصدد نخلص إلى بعض الاقتراحات لتعديل نصوص المواد المتعلقة بالخبرة في قانون البينات بما يؤدي على تصويب عمل تلك المؤسسة ونهوضها بمهامه بالشكل المطلوب بما يتفق مع اغلب التشريعات المقارنة ويحقق الهدف من اللجوء لتلك الوسيلة في الإثبات بالنقاط التالية:
1- قصر الخبرات التي تجري في الدعاوى إلى خبرة أحادية وثلاثية فقط ويمكن أن تكون الخبرة أمام محاكم الصلح أحادية وأمام محاكم البداية أحادية وثلاثية.
2- تسجيل هيئات ومكاتب خبرة متخصصة ووضع شروط دقيقة في اختيار المكاتب الاستشارية التي تقبل في جدول الخبراء.

3- تحديد المدة التي يسلم فيها الخبير التقرير للمحكمة في قرار أجراء الخبرة على أن لا تتجاوز في أي حال من الأحوال 30 يوما من تاريخ تكليف الخبير بالمهمة ويجوز تمديد هذه المدة ولمرة واحدة بقرار من المحكمة.

4- تحديد موعد الجلسة المتعلقة بدفع السلفة وموعد الجلسة اللاحقة لإيداع التقرير ونظر الدعوى وإذا لم تدفع السلفة من الخصم المكلف بإيداعها ولا من غيره من الخصوم في الموعد المحدد كان الخبير غير ملزم بأداء المأمورية. وتقرر المحكمة سقوط حق الخصم الذي لم يقم بدفع الأمانة في التمسك بالقرار الصادر بتعيين الخبير إذا وجدت أن الأعذار التي أبداها لذلك غير مقبولة.

4- على كل من الخبراء المسميين في حال كانت الخبرة ثلاثية أن يقدم رأيه كتابتاً ومفصلاً في التقرير موضحا أوجه الموافقة والمخالفة.

5- في حالة تطلب الأمر اجتماع الخبير بالخصوم وسماع أقوالهم يجب أن تتم دعوتهم بكتب مسجلة ترسل للخصوم قبل ثلاثة أيام من موعد الاجتماع يخبرهم فيها بمكان الاجتماع ويومه وساعته. وفي حالات الاستعجال يدعى الخصوم قبل الاجتماع بأربع وعشرين ساعة على الأقل بتبليغ على عنوان الخصم أو عنوان وكيله أو أخر موطن له.

6- يجب أن يباشر الخبير أعماله ولو في غيبة الخصوم متى كانوا قد دعوا على الوجه الصحيح.

7- في حال تخلف أحد الخصوم عن الحضور أمامه أو عن تقديم مستنداته أو عن تنفيذ أي إجراء من إجراءات الخبرة في المواعيد المحددة بما يتعذر معه على الخبير مباشرة أعماله أو يؤدي إلى التأخير في مباشرتها، للخبير الحق في الطلب من المحكمة أن تحكم على الخصم وفي غرفة الذاكرة بغرامة والسير بإجراءات الخبرة دون الالتفات لأقواله وقرار المحكمة هنا غير قابل للطعن.

8- إذا لم يودع الخبير تقريره في الأجل المحدد في الحكم الصادر بتعيينه، وجب عليه أن يودع قلم الكتاب قبل انقضاء ذلك الأجل مذكرة يبين فيها ما قام به من الأعمال والأسباب التي حالت دون إتمام مأموريته وفي الجلسة المحددة لنظر الدعوى، إذا وجدت المحكمة في مذكرة الخبير ما يبرر تأخيره، منحته أجلاً لإنجاز مأموريته وإيداع تقريره.

9- إذا كان التأخير ناشئاً عن خطأ الخصم للمحكمة الحكم عليه بغرامة مالية. ويجوز الحكم بسقوط حقه في التمسك بالحكم الصادر بتعيين الخبير.

10- إذا لم يؤد الخبير مأموريته في الوقت المحدد وبدون عذر مقبول قانونا جاز للمحكمة التي عينته أن تحكم بإبداله وتكليفه بالمصروفات التي تسبب في إنفاقها بلا فائدة وبالتعويضات أن كان لها محل. والحكم عليه بغرامة نقدية، وذلك بغير إخلال بالجزاءات الأخرى مثل الشطب من جدول الخبراء ويكون الحكم بالغرامة و بإبدال الخبير وإلزامه برد ما قبضه من المصروفات غير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن.

11- في حالة تقديم احد الخصوم طلب رد للخبير تقضي المحكمة التي عينت الخبير في طلب الرد. ولا يجوز الطعن في الحكم الصادر فيه بأي طريق. وإذا رفض طلب الرد، حكم على طالبه بغرامة .

12- منح الخبير بموجب القرار الصادر بتسميته في الدعوى الحق بالإطلاع على ما يلزم الإطلاع عليه مما يكون لدى الوزارات أو الدوائر الحكومية أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة أو الشركات أو الجمعيات التعاونية أو المنشآت الفردية من دفاتر أو سجلات أو مستندات أو أوراق و لا يجوز لأية من هذه الجهات أن تمتنع بغير مبرر قانوني عن إطلاع الخبير عليها.

13- في حالة وجود نقص أو خطا في التقرير المقدم للمحكمة وبدل من تشكيل خبرة جديدة للمحكمة أن تعيد المأمورية إلى الخبير ليتدارك ما تبينه له من وجوه الخطأ أو النقص في عمله أو بحثه.

وأخيراً إذا كان القضاء مؤسسة عدل وانصاف فان الخبرة مؤسسة نصح وتوجيه وإرشاد والأمانة تقتضي ان يتمتع الخبير بالدراية والكفاءة والصدق كما هو حال القاضي لكي تتلاحم المؤسستين لإيصال أصحاب الحقوق إلى حقهم وتحقيق العدل والانصاف ويجب علينا ان ندعو إلى تحديث القوانين الحالية بما يتناسب مع التطور الاجتماعي والاقتصادي الحاصل وبما يعزز الثقة بالقانون الوطني والقضاء المحلي ويدفع عجلة التطوير للإمام ويجب ان نحذو حذو الدول المجاورة في تطوير مؤسسة الخبرة والتشريعات الناظمة لعملها وفق ضوابط مشابهة لتلك المتبعة في أغلب دول العالم وقصر ممارستها على المكاتب والشركات والمؤسسات ذات الاختصاص الفني والتقني العالي وزيادة أتعاب الخبراء بما يتناسب مع ما يقدموه من جهد ومشورة فنية وتقنية.
المحامي والمحكم التجاري
جمال عبد الناصر المسالمة

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.