مقال قانوني حول أهمية تعديل الدستور العراقي .

تعديل الدستور أصبح مطلباً شعبياً
القاضي سالم روضان الموسوي
يمر العراق في هذه الأيام بأزمة حادّة يسميها البعض بالأزمة السياسية وتمثلت بالاحتجاجات والاعتصامات التي ظهرت في ثلثي محافظات العراق مع تذمر أبناء المحافظات الأخرى من الوضع السياسي،

وإن كان لهم دور في ما مضى من السنوات في الاحتجاج والاعتصام، ومن يستمع إلى مطالب جميع المحتجين، سيجد بأنها تتعلق بسوء الخدمات التي تقدمها أجهزة الدولة وكذلك حالة الفساد الذي استشرى بأوساط ومفاصل الدولة، يكاد يجمع المحتجون جميعاً على أن سبب هذه الأزمات هو الدستور حتى أن بعضهم طالب بإلغاء الدستور أو تغييره واللجوء إلى الحلول الثورية عبر حكومة عسكرية يسميها البعض حكومة إنقاذ وطني يتولاها رجال من القوات المسلحة، لذلك فان سبب هذه الأزمة هو الدستور ذاته، كما يراها المحتجون وشخصها ذوي المعرفة في القانون والنظم السياسية، لذلك أصبح مطلب أغلب المحتجين إن لم يكن جميعهم سواء في هذه الأزمة الراهنة أو سابقاتها بتعديله بما يتفق وتحقيق نظام سياسي أفضل من القائم حالياً، وطالما أن الدستور هو نتاج استفتاء الشعب فان ظهور هذه الاحتجاجات الواسعة ضد ما ورد فيه، لابد من الاهتمام بها ودراستها وعدم إهمالها لأن الشعب هو مصدر السلطات على وفق ما جاء في المادة (5) من الدستور النافذ ذاته الذي خرج عليه المحتجون، لكن ما هي المعالجة السليمة لذلك ، هل نلغي الدستور ونعمل في ظل حكومة طوارئ ؟ أم نجد سبيلاً آخر يستوعب هذه الاحتجاجات المتكررة ويحقق رغباتها في مكافحة الفساد وإيجاد فرص العمل وتحقيق الرخاء لكل مواطن عراقي في ظل الميزانيات الضخمة التي يصادق عليها البرلمان دون أن يرى المواطن منها خيراً ملموساً ؟، لذلك أرى أن الحاجة أصبحت ملحة لتعديل الدستور وليس لإلغائه لأن في الدستور حقوق للمواطن لم يكن متوفر عليها سابقاً لا بد من حمايتها وليس إلغائها، فضلاً عن ذلك نوفر الحماية لوحدة العراق من تحقيق رغبات من يسعى للانفصال ، لأن ما يجب تعديله هو شكل النظام الذي تسير عليه مؤسسات الدولة، حيث ثبت من خلال سنوات العمل للفترة من تاريخ نفاذ الدستور ولغاية الآن إن شكل النظام السياسي لا يوفر الحصانة تجاه الفساد ولا يحمي الدولة من الضعف والوهن الذي جعلها عاجزة عن التصدي لمافيات الفساد، وإنها أصبحت خاصرة رخوة في جسد الدولة العراقية لأن السلطة التنفيذية في ظل الإطار الدستوري القائم جعل منها متعددة مراكز القوى مما أدى إلى تعدد مراكز إصدار القرار حتى وصل الأمر إلى التناحر بين مكونات تلك السلطة، فأصبحت يد من يترأسها مغلولة، فضلاً عن عدم قدرته على الخروج من سيطرة القوى التي أتت به إلى سدة الرئاسة، وهذه تعد من أبرز عناوين المحاصصة الطائفية، التي يمقتها الجميع لكن يلتزم بها المنتفعون من الطبقة التي ظهرت بعد نفاذ الدستور والتي تعمل بكل قوة لتعزيز وجودها حيث إنها طبقة تتميز عن عامة الشعب في كل شيء حتى في خضوعها للقانون فنرى أنها محصنة أما بحكم الدستور والقانون أو بحكم الأمر الواقع، لذلك فإن تغيير شكل النظام السياسي عبر تعديل المواد الدستورية التي ترسم الآليات لتشكيل الحكومة والبرلمان هو الحل الأمثل والأفضل ويكون على وفق الشكل الآتي :

1. أن تكون الآليات المقترحة تنسجم مع كون العراق بلد ديمقراطي ونيابي وعلى وفق ما جاء في المادة (1) من الدستور النافذ وصور الديمقراطية النيابية كما يراها فقهاء القانون الدستوري تكون بعدة صور منها الآتي (1- النظام البرلماني وهو الذي يقصد به أن ينتخب الشعب برلمان ويفوض الصلاحية في اختيار أعضاء السلطة التنفيذية ورئاستها ويتحكم بها عبر لعبة سحب الثقة عنها ومن يتولى هذه الصلاحية إما الأغلبية من الأعضاء الذي عادة ينطوون تحت حزب أو كتلة أو تجمع أو عبر الائتلافات التي تختلف في كل شيء إلا في تحقيق منافعها الفئوية والشخصية فتقسم كعكة السلطة التنفيذية على وفق مغانمها وهو المعمول به حالياً في العراق وهو أيضاً سبب ما نحن فيه من أزمات وتردي الخدمات وضعف الأداء 2- النظام الرئاسي وهو النظام الذي ينتخب فيه رئيس السلطة التنفيذية سواءً كان رئيس الجمهورية إذا كان يتولى الإدارة مباشرة أو كان رئيس الوزراء فيكون انتخاب هؤلاء عبر الانتخاب الحر المباشر من الشعب وهذا هو مطلب جميع المحتجين لأنه يوفر فرصة للناخب العراقي في اختيار من يراه صالحاً بدلاً من الذي يفرض عليه وهو غير قادر على التخلص من قيود الأحزاب والكتل التي أتت به فضلاً عن توفير جانب من الحماية لقراراته التي يتخذها لأنها تمثل برنامجه الانتخابي المعلن للشعب وليس البرنامج المعلن للكتل والأحزاب مثلما معمول به حالياً) فإذا ما تم التعديل لبعض المواد الدستورية المتعلقة بكيفية اختيار رئيس الوزراء وكيفية تعينه وصلاحياته فإننا نكون قد وفرنا القدر الأكبر من الاستقلالية للسلطة التنفيذية وإبعادها عن الهيمنة الحزبية والفئوية

2. حتى نتمكن من تعديل المواد الدستورية لابد من وجود نواب يؤمنون حقاً بأهمية هذا التعديل ، لأن من تواجد في البرلمان لم يسعَ جاداً إلى ذلك ولمسنا هذا من خلال العزوف عن أداء واجبهم الدستوري بتعديل الدستور الذي نص عليه الدستور بشكل صريح وإلزامي وعلى وفق ما جاء في المادة (142) من الدستور، ومنذ الدورة الأولى في عام 2005 لكن تقاعس النواب عن تنفيذ ذلك رغم وصولنا إلى العام 2019 يعطي لنا التصور بأنهم لن يفعلوا تلك التعديلات، لذلك لابد من وجود نواب همهم الأول والأخير الخدمة العامة وتحقيق مطالب الشعب وتدارك الحالات السلبية التي ظهرت من خلال تطبيق الدستور والعمل به خلال تلك الفترة التي لم تأتِ بنواب إلا نواب الدورة الأولى والذين يتناوبون العمل بينهم إما في السلطة التشريعية ومن لم ينجح في الوصول إليها يمنح منصباً في السلطة التنفيذية مما أصبح من المحال أن نرى غيرهم في مفاصل الدولة وهذا ولد الإحباط لدى الجميع ودعاهم إلى الاحتجاج وبالصورة التي نشاهدها الآن ومنها تعطيل الحياة العامة إما من خلال المحتجين ومن المندسين بينهم عبر قطع الطرق وحرق المباني العامة أو من خلال الدولة ذاتها التي عطلت الدوام وحرمتنا من التجوال وأوقعتنا تحت الحظر المصحوب بالعنف غير المبرر، لذلك لابد من إجراء خطوة أولى وأساسية تتمثل بتعديل قانون الانتخابات النافذ لأنه لا يتيح للفرد المستقل أن يصل إلى عضوية مجلس النواب إطلاقا ما لم يكن ضمن كتلة أو قائمة انتخابية معينة وشاهدنا وصول نواب حصلوا على أعداد يسيرة جداً من الأصوات بواسطة قائمتهم الانتخابية بينما غاب الكثير من الأشخاص الذين حصلوا على أصوات تعادل عشرات المرّات ما حصل عليه هؤلاء وأرى أن المعالجة تكون في جعل التصويت والترشح يكون عبر القوائم المفتوحة كلياً وليس القوائم المفتوحة نسبياً لأنها تغيير في المسمى والبقاء على المضمون، والابتعاد عن الاجتهاد في البحث عن آليات عملت بها بعض البلدان مثل سانت ليغو وغيرها، والعمل على إيجاد آليات تضمن أن يكون فائزا في الانتخابات من يحصل على أكبر عدد من الأصوات وليس القائمة التي تحصل على أكبر عدد من الأصوات والابتعاد عن مفهوم العتبة الانتخابية لأنها وجدت لإبعاد القوائم ومن ثم سحب أصواتها إلى القوائم الأكبر.

3. ثم بعد ذلك يتم إجراء انتخابات حرة ونزيهة على وفق الآليات الجديدة فعند ذاك سيكون للشعب ممثلون حقيقيون وان كانوا بشكل نسبي، وسيكون لهم دور مؤثر في تحقيق مطلب الشعب بتعديل الدستور عبر الآليات الدستورية التي رسمتها المادة (142) من الدستور وأرى بأن غير ذلك السبيل سوف لن يحقق لنا الاستقرار السياسي أو الاقتصادي وكذلك المجتمعي.

وفي الختام علينا أن ندرك سبب وجود هذه التعددية في مراكز القرار في النظام السياسي العراقي والتي سطرها الدستور النافذ فإنها كانت ردة الفعل الشعبية التي كانت سائدة عند كتابته لأن الشعب والقوى الفاعلة في أرضه كانت تخشى من تكرار عودة الديكتاتورية والتفرد بالقرار السياسي والأمني والعسكري لأن العراق عاش فترة أكثر من نصف قرن في ظل حكم عسكري وديكتاتوري وشمولي فكان من الطبيعي أن تكون ردة الفعل في تفكيك مركز القرار، لكن تجربة السنوات التي قاربت الخمسة عشر عاماً أعطت لنا نتائج عكسية، عادت بنا الى مربع الديكتاتورية بمسمى ديمقراطي لأن من يتحكم بالمقدرات هم مجموعة من الأشخاص وليس الشعب، والدليل على ذلك لا توجد كتلة أو تيار أو حزب مشارك في العملية السياسية ليس لديه موارد مالية تفوق ميزانية الدولة بعدما كان أعضاؤه من المسحوقين والمعدمين قبل عام 2003 أو كانوا في أرض الشتات يعتاشون على الهبات والصدقات، إلا البعض القليل جداً ممن كان من أبناء الموسرين وإن لعائلاتهم تاريخاً في الثراء يمتد لمئات السنين وكذلك ممن لهم تاريخ في مقارعة الظلم والديكتاتورية وبعد هذه الفترة من الزمن التي ليست بالقليلة لابد من مراجعة شكل النظام السياسي والعدول عن شكله القائم والاتجاه نحو الشكل الأمثل والأفضل والذي يتفق مع المبادئ الدستورية القائمة حالياً في ظل الدستور النافذ.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت