بيع الشريك جزء مفرز من المال الشائع

إن موقف القانون المدني من مسألة بيع الشريك جزء مفرز من المال الشائع يختلف قبل قسمة هذا المال عنه بعد القسمة، لهذا فإننا نبحث أولا في موقف القانون المدني من بيع الشريك حصة مفرزة من المال الشائع قبل القسمة، وثانيا في موقف القانون المدني بعد القسمة.

أولا: موقف القانون المدني من بيع الشريك حصة مفرزة من المال الشائع قبل القسمة.

تنص الفقرة الثانية من المادة ( 1031 ) من القانون المدني الأردني على أنه “وإذا كان التصرف منصبا على جزء مفرز من المال الشائع ولم يقع هذا الجزء عند القسمة في نصيب المتصرف انتقل حق المتصرف إليه من وقت التصرف إلى الجزء الذي آل إلى المتصرف بطريق القسمة وإذا كان المتصرف إليه يجهل أن المتصرف لا يملك العين المتصرف فيها مفرزة حين العقد، فله الحق في إبطال التصرف أيضا”.

واضح أن هذا النص يعالج مسألة بيع الشريك جزأ مفرزا من المال الشائع بعد القسمة دون أن يتطرق لحالة قبل القسمة، لهذا تعددت آراء الشراح حول هذا النوع من البيوع على النحو التالي:

الرأي الأول: ذهب هذا الرأي إلى القول بصحة بيع الشريك جزأ مفرز ا من المال الشائع، لأنه صادرا من مالك فيما يعادل حصته، وبالنسبة لباقي الشركاء يكون بيعا صادرا من غير مالك أي بيع لملك الغير فيما يعادل حصص باقي الشركاء، ذلك أن حصص باقي الشركاء تتركز أيضا على الجزء المعين الذي تصرف فيه الشريك.

والرأي الثاني: يعتبر هذا البيع بيعا لملك الغير، لأن البائع في هذا الفرض لا يملك إلا حصة شائعة وبالتالي إن فرز حصة من هذه الحصة الشائعة وعينها وباعها فيكون قد باع ما لا يملك.

أما الرأي الثالث: فلا يعتبر هذا البيع بيعا لملك الغير لا قبل القسمة ولا بعدها، وبالتالي فإن هذا البيع حسب وجهة النظر هذه بيع صحيح صادر من مالك لهذا فإنني أرى بأن بيع الشريك جزأ مفرزا من المال الشائع ليس بيعا لملك الغير كما يعتقد البعض، إذ أن أساس طلب الإبطال المقرر للمشتري هو الغلط في صفة جوهرية وهو جهله بالشيوع. وليس على أساس صدور البيع من غير المالك، لان أحكام بيع ملك الغير تسوي بين حالة العلم والجهل بملكية البائع لما يبيعه، وتعطي للمشتري حق طلب الإبطال في كلتا الحالتين على خلاف أحكام المواد ( 1031 أردني- 826 مصري) اللتان فرقتا بين حالة العلم والجهل.

إذن ننتهي إلى القول بأن بيع الشريك جزأ مفرزا من المال الشائع قبل القسمة ليس بيعا لملك الغير.

غير أن الأستاذ الدكتور أمين دواس يرى بأنه رغم أن المشتري في بيع ملك الغير يجوز له طلب إبطال البيع، سواء كان يعلم أو يجهل حقيقة أن البائع غير مالك لما يبيع. ورغم أن المشتري في بيع الشريك لجزء مفرز من المال الشائع (قبل القسمة) يكون من حقه أن يطلب إبطال البيع فقط إذا كان يجهل هذه الحقيقة.

غير أن هذا الحكم، في بيع الشريك جزءا مفرزا من ماله الشائع له مايبرره، على إعتبار أن البائع ليس بغير مالك لكل ما يبيع، وإنما هو مالك لجزء شائع يعادل حصته في كل المال الشائع. ولذلك لم يكن للمشتري أن يطلب إبطال البيع إلا إذا كان جاهلا بعدم الفرز. فالغلط هنا ينصب على الإفراز وعلى حقيقة كون البائع مالك.

ويضيف أن من يبيع جزء مفرز من المال الشائع قبل القسمة يكون تصرفه بحدود حصته في هذا الجزء المفرز صحيحا، ويكون بيعا لملك الغير فيما يتعلق بحصص باقي الشركاء الآخرين على الشيوع في هذا الجزء المفرز.

ثانيا: موقف القانون المدني من بيع الشريك حصة مفرزة من المال الشائع بعد القسمة.

بموجب نص المادة ( 1031 مدني أردني 826 مدني مصري) السابق ذكرهما، فإن باع الشريك جزأ مفرزا من المال الشائع فان هذا الجزء بعد القسمة إما أن يقع في نصيب البائع أو لا يقع.

أما إن وقع الجزء المفرز بعد إجراء القسمة في نصيب البائع فإن البيع والحالة هذه يستقر نهائيا على الجزء المبيع، لذلك لم ينص المشرع الأردني والمصري على حكم خاص لهذه الحالة لوضوح الحكم فيها، وهذا يقودنا للقول بأن الحكم واحد في حالة وقوع الجزء المفرز في نصيب البائع بعد القسمة سواء كان المشتري عالما بالشيوع أم جاهلا به. وبالتالي فإنه لا يجوز للمشتري طلب إبطال البيع في حالة جهله بالشيوع لأن هدفه الذي يريده تحقق.

وهذا الحكم يقودنا إلى تقرير حكم آخر هو عدم إمكانية تمسك المشتري بحقه بالإبطال فيما لو أقر باقي الشركاء بيع الشريك الجزء الشائع، فلا يجوز للمشتري طلب الإبطال بعد القسمة حتى ولو كان يعتقد أن البائع مالك ملكية مفرزة.

أما إذا لم يقع الجزء المبيع في نصيب البائع فإنه يستفاد من نص المادة ( 1031 أردني- 826 مصري) أن حق المشتري ينتقل من وقت البيع إلى الجزء الذي آل إلى البائع بطريق القسمة وللمشتري في هذه الحالة حق طلب الإبطال إذا كان يعتقد أن البائع يملك ملكية مفرزة.

أما الفقه الإسلامي فموقفه من مسألة بيع الشريك جزأ مفرزا من المال الشائع يختلف عن موقف القانون المدني.

ففي الفقه الحنفي ورد في حاشية ابن عابدين “لو كانت الدار مشتركة بينهما باع أحدهما بيتا معينا أو نصيبه من بيت معين فللآخر أن يبطل البيع، كذا في غالب كتب المذهب معللين بتضرر الشريك بذلك عند القسمة إذ لو صح في نصيبه لتعين نصيبه فيه، فإذا وقعت القسمة لدار كان ذلك ضررا على الشريك إذ لا سبيل إلى جمع نصيب الشريك فيه والحالة هذه، لأن نصفه للمشتري ولا جمع نصيب البائع فيه لفوات ذلك ببيعه النصف وإذا سلم الأمر من ذلك انتفى ذلك

وسهل طريقة القسمة… . فعبارة “فللآخر أن يبطل البيع” توحي أن العقد في هذه الحالة يكون موقوف، فالعبارة السابقة تصح على النحو التالي: فللآخر أن يجيز البيع كما وله حق إبطاله. أما لو كان العقد باطلا لما احتاج إلى إبطال.

أما في الفقه الظاهري فلقد أورد ابن حزم المحلي”لا يحل لأحد من الشركاء إنفاذ شيء من الحكم في جزء معين مما له فيه شريك”.

أما بالنسبة لمذاهب الفقه الإسلامي الأخرى فهي لم تشير إلى هذا النوع من البيوع وكل ما ذهبت إليه هو تصرف الشريك بالبيع أو الرهن في نصيبه كله من بيت معين وهذا في حقيقة الأمر ليس إفرازا بقدر ما هو شيوعا، إذ أن الشريك يتصرف في نصيبه كله من شيء معين من بين عدة أشياء أخرى.

وموقف الفقه الإسلامي هذا يختلف عن موقف القانون الوضعي الذي يجيز بيع الشريك جزء مفرز من المال الشائع وفق ضوابط معينة، ومنها حالة ما إذا وقع في نصيب البائع جزء آخر غير المتفق عليه. وبهذه الحالة يكون القانون قد أجاز انتقال حق المشتري إلى هذا الجزء .

والشريعة الإسلامية لا تقر هذا الانتقال، لأن انتقال حق المشتري إلى محل لم يرد عليه العقد لا تقره الشريعة الإسلامية إلا إذا كان ذلك بعقد جديد.