“الشركة ذات المسؤولية المحدودة”

لما صدر نظام الشركات السعودي بموجب المرسوم الملكي رقم (م/٣) بتاريخ ٢٨ / ١ / ١٤٣٧ هـ، والذي قرر فيه أنه يعمل به بعد مضي (مائة وخمسين) يوماً من تاريخ نشره، تساءل عدد من رجال الأعمال عن الجديد في هذا النظام، وماذا يتوجب عليهم من إجراءات تعديلية لتتماشى عقودهم مع النظام الجديد، حيث إنه نشر في صحيفة أم القرى بتاريخ٢٢ / ٢ / ١٤٣٧هـ، وبموجب المادة الرابعة والعشرون بعد المائتين فإنه يلزم الشركات القائمة عند نفاذ النظام تعديل أوضاعها وفقاً لأحكامه خلال مدة لا تزيد على سنة تبدأ من تاريخ العمل بالنظام، الذي بدأ بتاريخ 22/ 7/1437هـ، فتكون المهلة انتهت بتاريخ 22/7/1438هـ.

وجواباً على التساؤلات من أصحاب الشركات والمهتمين من دارسين وممارسين، سألخص أهم التعديلات في نظام الشركات الجديد مبتدئا بالشركة ذات المسؤولية المحدودة لكثرة الشركات المنضوية تحتها.

وفي البداية نبين مفهوم الشركة ذات المسؤولية المحدودة فهي شركة لا يزيد عدد الشركاء فيها على خمسين شريكاً، وتعد ذمتها مستقلة عن الذمة المالية لكل شريك فيها، وتكون الشركة وحدها مسؤولة عن الديون والالتزامات المترتبة عليها، ولا يكون المالك لها أو الشريك فيها مسؤولاً عن تلك الديون والالتزامات م151-1.

ويمكن أن تتكون الشركة ذات المسؤولية المحدودة من شخص واحد، وتسمى شركة الشخص الواحد (م145-1)، ويمكن أن يتعدد الشركاء بحد أقصى خمسين شريكا، فإذا تم تجاوز هذا العدد وجب تحويل الشركة إلى شركة مساهمة خلال مدة لا تتجاوز سنة، وإذا مضت هذه المدة دون تحويلها انقضت بقوة النظام، ما لم تكن الزيادة ناتجة من الإرث أو الوصية. (م151-2).

وتعد الشركة ذات المسؤولية المحدودة خياراً مناسباً للمبتدئين في عالم التجارة والمال من رواد الأعمال، لمحدودية مسؤوليتها، وسهولة إجراءات تسجيلها، فإذا قويت الشركة واستمر نجاحها ومخرت عباب التجارة بأرباح وتوسع، فيحولها ملاكها إلى شركة مساهمة مقفلة، ثم إلى مساهمة مفتوحة بعد إثبات نجاحها وربحيتها.

وقد سهل النظام الجديد على إدارة الشركة في عدة نواح، منها:

1-لم يقيد النظام رأس المال فيها إلا في أمرين:

الأول: أن يكون رأس مال الشركة عند تأسيسها كافياً لتحقيق غرضها، دون تحديد لحد أدنى.(م160)

الثاني: ألا يجمع بطريق غير نظامي أو عبر الاكتتاب، فلا يجوز أن يكون مصدر رأس المال الدعوة إلى الاكتتاب العام أو للحصول على قرض، ولا أن تصدر صكوكاً قابلة للتداول. (م153-2)

2-ومن ميزة النظام الجديد أنه سمح بشركة الشخص الواحد، ليستفيد المالك لها من خاصية المسؤولية المحدودة برأس مالها، فبدلا من أن تكون منشأته مؤسسة شخصية، يحولها إلى شركة شخص واحد ذات مسؤولية محدودة (م145-1).

3-ومما يلحظ في النظام تسهيل اتخاذ القرارات في الشركة ذات المسؤولية المحدودة، فعلى سبيل المثال أجاز النظام بقرار من الشركاء تكوين مجلس مديرين إذا تعددوا. (م164).

4-كما أتاح النظام تبليغ الشركاء بوسائل متفق عليها في عقد التأسيس بعد أن كانت محصورة بالخطابات المسجلة (م 168-5).

5-أتاح النظام الجديد زيادة رأس مال الشركة عن طريق رفع القيمة الاسمية لحصص الشركاء أو عن طريق إصدار حصص جديدة بشرط موافقة جميع الشركاء. (م174-1)

6-بخصوص الاحتياطي النظامي، أتاح النظام للشركاء أن يقرروا وقف هذا التجنيب متى بلغ الاحتياطي المذكور (30%) من رأس مال الشركة (م 176)، وفي النظام السابق كان التحديد بنصف رأس المال، والتعديل من مصلحة الشركاء.

7-وضع النظام الجديد إجراءات واضحة سهلة بخصوص تخفيض رأس المال، بحيث يكون في هذا القرار حماية للشركة من الانهيار، وحماية للدائنين والشركاء. (م177)

8-سهل النظام الجديد إجراءات مد أجل الشركة، بقرار من الجمعية العامة، أو باستمرار الشركة في أداء أعمالها، مع حماية حقوق الشركاء الذين لا يرغبون في الاستمرار، وكذا الغير الذين لهم حقوق على الشركة. (م180)

9-ومن التعديلات الحسنة في النظام الجديد إضافة انتقال الحصص بموجب حكم من الجهة القضائية المختصة ضمن صور انتقال الحصص(م161-1).

10-ومن محاسن النظام أنه مد في المدة التي يمكن فيها رفع دعوى على إدارة الشركات من عدة اعتبارات:

الأول: يجوز رفع الدعوى على الإدارة خلال مدة لا تزيد عن خمس سنوات من تاريخ انتهاء السنة المالية التي وقع فيها الفعل الضار، أو خلال ثلاث سنوات من انتهاء عمل المدير المعني في الشركة، أيهما أبعد.

الثاني: أنه في حالتي الغش والتزوير، تسمع دعوى المسؤولية على الإدارة دون تحديد لمدة قصوى لسماع الدعوى. (م 165)

11-ومن ميزات النظام الجديد، ضبط الشفافية والإفصاح وحماية الشركاء والمتعاملين مع الشركة من عدة نواحٍ:

1)أوجب النظام الجديد على الشركة أن تمارس الغرض المذكور في عقد التأسيس، فإذا مارست نشاطات أخرى غير مصرح بها فإن العقوبة كما في ( م 212-ط) قد تصل إلى سجن سنة ، وغرامة تصل إلى 10 مليون أو بهما معا.

2)ويلزم أن يكون العقد موقعا من جميع الشركاء، ويتضمن البيانات المذكورة في (م156)، وإلا تعرضت الشركة للبطلان حسب ما ورد في (م159)، وينقلب الشركاء إلى ضامنين.

3)ويشترط أن توزع جميع الحصص النقدية والحصص العينية على جميع الشركاء ويتم الوفاء بها كاملة، وتودع الحصص النقدية في أحد البنوك المرخص لها، وإلا تعرضت الشركة للبطلان حسب ما ورد في (م159)، وينقلب الشركاء إلى ضامنين.

4)وقد عالج المنظم ما قد يحصل من خلل في المصداقية في تقييم الأصول العينية، بمسؤولية الشركاء بالتضامن إذا لم تقيم الحصص العينية وفق الأصول المعتبرة. (م157-2)

5)مع أن النظام الجديد سمح بشركة الشخص الواحد، ليستفيد من ميزة محدودية المسؤولية، إلا أنه وضع اشتراطات تحفظ حقوق الآخرين بحيث يمكن أن يكون المالك ضامنا لجميع الديون في أمواله الخاصة في الحالات الآتية:

أ – إذا قام – بسوء نية – بتصفية شركته، أو وقف نشاطها قبل انتهاء مدتها أو قبل تحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله.

ب –إذا لم يفصل بين أعمال الشركة وأعماله الخاصة الأخرى.

ج –إذا زاول أعمالاً لحساب الشركة قبل اكتسابها الشخصية الاعتبارية. (م155)

1-وقد عالج النظام الجديد طريقة بيع أحد الشركاء حصته لطرف خارج الشركة، بلزوم إبلاغ بقية الشركاء، ولهم أولوية الحصول على هذه الحصص بحسب قيمتها العادلة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إبلاغه بذلك ما لم ينص عقد تأسيس الشركة على طريقة تقويم أو مدة أخرى (م161-1)، ولذا فيفترض أن تشتمل عقود الشركات على معالجة عادلة للبيع على الغير حتى لا يقع خلاف مستقبلي في تحديد سعر المثل.

6)كما ألزم النظام الجديد يكون للشركة ذات المسؤولية المحدودة جمعية عامة تتكون من جميع الشركاء. (م167-1)

7)ألزم بأن تعقد مرة على الأقل في السنة خلال الشهور الأربعة التالية لنهاية السنة المالية للشركة. (م167-1)

8)لا تكون القرارات صحيحة إلا إذا وافق عليها عدد من الشركاء يمثل أكثر من نصف رأس المال على الأقل، ما لم ينص عقد تأسيس الشركة على أغلبية أكبر (م167-1)، ولذا فإن تحديد نسبة التصويت يحمي الشركاء الذين يملكون الحصص القليلة، ولهم أن يتنازلوا عن حقهم في عقد التأسيس.

9)ألزم النظام الجديد أن يشتمل جدول أعمال الجمعية العامة للشركاء في اجتماعها السنوي على عدة بنود تمثل الموقف المالي والرقابي للشركة والتعيينات اللازمة لذلك والتي هي من اختصاص الجمعية العامة. (م169)

10)أتاح النظام الجديد لأي شريك مناقشة ما شاء مما هو مدرج وله إدراج مسألة معينة في جدول أعمال الجمعية العامة. (م170-171)

11)مما يميز النظام الجديد حرصه على الرقابة الفاعلة، فقد نص على أنه إذا زاد عدد الشركاء على عشرين، وجب النص في عقد تأسيس الشركة على تعيين مجلس رقابة لمدة معينة مكون من ثلاثة من الشركاء على الأقل. (م172)

12)أتاح النظام لكل شريك أو من يفوضه الاطلاع على القوائم المالية قبل عرضها على الجمعية العامة، وألزم كل من حصل على أي معلومة – بموجب هذه المادة – بالمحافظة على سريتها وعدم استخدامها في أي غرض قد يضر بالشركة أو أحد شركائها ويلتزم بالتعويض عن أي ضرر ينشأ عن عدم الالتزام بذلك. (م173-3 ، 4)

13)ألزم النظام الجديد إدارة الشركة أن تعد تقريراً عن نشاط الشركة ومركزها المالي واقتراحاتهم في شأن توزيع الأرباح، وذلك خلال ثلاثة أشهر من نهاية السنة المالية. (م175)

14)يلحظ أن النظام الجديد حريص على حماية السوق من الشركات المتعثرة، بتصحيح أوضاعها أو خروجها من السوق، فقد نص النظام على أنه إذا بلغت خسائر الشركة ذات المسؤولية المحدودة نصف رأس مالها وجب اتخاذ إجراءات تحمي الشركاء والدائنين (م181)، وقد كان الحد في النظام السابق ثلاثة أرباع رأس المال (م180 من النظام القديم).

15)وحماية للمتعاملين مع الشركة، قد منع المنظم تسمية الشركة ذات المسؤولية المحدودة باسم شخص طبيعي، إلا في حالات ثلاث هي:

1.إذا كان غرض الشركة استثمار براءة اختراع مسجلة باسم هذا الشخص،

2.أو إذا ملكت الشركة منشأة تجارية واتخذت اسمها اسماً لها،

3.أو كان هذا الاسم اسماً لشركة تحولت إلى شركة ذات مسؤولية محدودة واشتمل اسمها على اسم شخص ذي صفة طبيعية .(م152-1)

16)وحماية للمتعاملين مع الشركة، فإنه يلزم وضع عبارة ذات مسؤولية محدودة وبيان مقدار رأس المال إلى جانب اسم الشركة في كل مستنداتها، وفي حال شركة الشخص الواحد يلزم بيان أنها شركة شخص واحد وإلا تتحول الشركة إلى تضامنية. .(م152-2)

17) ويلحظ أن جميع النشاطات التجارية متاحة للشركة ذات المسؤولية المحدودة إلا في أعمال البنوك والتمويل وشركات التأمين، فهذه لا بد أن تكون شركات مساهمة، كما يحظر أن تمارس الشركة نشاط الادخار أو استثمار الأموال لحساب الغير. (م153-1)، وسبب ذلك أن هذه النشاطات مالية وائتمانية، ولا تناسب محدودية المسؤولية مثل هذه النشاطات.

وبهذا يتضح معالجة النظام الجديد للإشكالات الواردة في النظام القديم، وآمل أن يكون فيه تلخيص كافٍ ووافٍ، وفي تعليقات القراء الأكارم وتساؤلاتهم ما يثري هذا الموضوع.

د. عبد العزيز بن سعد الدغيثر
إعادة نشر بواسطة محاماة نت