معاصرة فقد الادراك او الاختيار لارتكاب الجريمة :

ان اصابة الجاني بالجنون او العاهة في العقل وفقده على اثره الادراك او الاختيار لا يكفي لتحقيق امتناع مسؤوليته عن الفعل (الجريمة) الذي ارتكبه بل لابد بذلك من ان يكون الفعل المرتكب المحقق للجريمة قد ارتكب خلال الوقت الذي كان فيه الجاني فاقدا للأدراك او الشعور بسبب اصابته، وقد نصت التشريعات الجنائية الحديثة، ومنها قانون العقوبات العراقي، صراحة على هذا الشرط، حيث جاءت المادة 60 منه تقول : (لا يسال جزائيا من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الادراك او الارادة لجنون…….). وتطبيق هذا الشرط انما يقتضي تحديد وقت ارتكاب الفعل المكون للجريمة ثم التحقق من حالة المتهم في هذا الوقت، وصرف النظر عن أي وقت آخر. فان ظهر انه كان فاقد الادراك او الاختيار في هذا الوقت بالذات امتنعت مسؤوليته، وان ظهر انه كان فاقدا للأدراك او الاختيار قبل هذا الوقت، أي قبل ارتكابه الفعل ولكنه اصبح متمتعا بهما وقت ارتكابه له او فقدهما بعد ارتكابه الفعل في حين انه كان متمتعا بهما وقت ارتكابه له فالمسؤولية لا تمتنع ولكن في هذه الحالة على المحكمة ان تدرس الأمر بدقة وعمق حيث قد يكون فقد الادراك او الاختيار قبل اللاحق على الفعل كاشفا عن حالة ذالت أصول ممتدة الى وقت ارتكابه وكذلك المر بالنسبة لحالة ما اذا ظهر انه كان فاقدا للأدراك او الاختيار قبل ارتكابه للفعل واصبح متمتعا بهما أثناء ارتكابه له، اذ قد يكون ما بدأ من زوال حالة فقد الادراك او الشعور انما هو امر ظاهري فقط وان الحالة في الحقيقة مستمرة. وكذلك نفس الأمر بالنسبة لمن يكون مرضه العقلي او عاهته متقطعة لا تستوعب جميع الاوقات بحيث يفقد بها المصاب ادراكه او اختياره في فترات ويصحو في فترات أخرى. مما يترتب عليه انه اذا كانت الجريمة تتكون من فعل واحد فالعبرة تكون بحالته وقت ارتكاب هذا الفعل، اما اذا كانت الجريمة تستلزم عدة أفعال كما هو الشأن في جرائم الاعتياد فالعبرة بما تكون عليه حالته وقت ارتكاب كل فعل يلزم لتحقيق الجريمة.

الآثار المترتبة على امتناع المسؤولية :-

ان تحقق الشروط الثلاثة آنفة الذكر امتنعت المسؤولية الجنائية عن المتهم سواء أكانت جريمته جنائية او جنحة او مخالفة عمدية او غير عمدية وذلك لانطباق المادة 60 من قانون العقوبات عليه، حيث انه كان فاقدا للأدراك او الاختيار او كليهما وقت ان اقترف الفعل المكون للجريمة وكان ذلك بسبب اصابته بجنون او عاهة في العقل. وامتناع المسؤولية الجنائية شخصي يقتصر على من توافرت فيه شروطه دون غيره ممن ساهموا في الجريمة. والرأي الغالب حديثا هو ان امتناع المسؤولية الجنائية لا يعفي من المسؤولية المدنية، مما يترتب عليه هو تحمل المجنون مدنيا مسؤولية ما يرتكبه من أفعال ضارة وهو ما يتجه إليه التشريع الحديث على العموم.

التدابير الاحترازية عند ثبوت امتناع المسؤولية :-

اذا ثبت ارتكاب المجنون للجريمة وعدم مسؤوليته عنها، لتمتعه بمانع المسؤولية ظهر ان في اطلاق سراحه خطورة على الأمن أمرت المحكمة بإيداعه في مصحة للأمراض العقلية او أي محل معد من الحكومة لهذا الغرض … وللمحكمة بعد اخر راي الجهة الطبية المختصة ان تقرر اخلاء سبيلة او تسليمه الى أحد والديه او احد اقاربه ليرعاه وبالشروط التي تنسبها ولها بناء على طلب الادعاء العام او كل ذي شأن وبعد اخذ رأي الجهة الطبية المختصة اعادته الى المصحة او المأوى العلاجي (مادة 105) عقوبات عراقي. وهذا الحجز في الواقع ليس عقوبة انما هو تدبير احترازي اقتضته المصلحة العامة للحفاظ على امن الجماعة وهدوئها وسلامتها وذلك بوقايتها من خطورة هذا الشخص عن طريق حجزه.

العيب العقلي الطارئ بعد الجريمة :-

بينا ان العيب العقلي الذي يؤدي الى امتناع المسؤولية والاعفاء منها لابد هو الذي يفقد الادراك او الاختيار أثناء الفعل المكون للجريمة لدى الجاني. مما يترتب عليه انه لا تمتنع المسؤولية الجنائية وتنتفي اذا ما كان الجاني معيب العقل قبل الفعل وصلح أمره أثناء ارتكابه أو أن عيب العقل اصابه بعد ارتكابه الفعل الجرمي وكان أثناء ارتكابه له سليما معافى. ومع ذلك فبالنسبة للحالة الأخيرة، ان كانت اصابته في العقل حدثت أثناء التحقيق او أثناء المحاكمة فانه يجب ان تتوقف اجراءاتها ولا يعاد استمرارها الا بعد شفائه من علته. اما اذا تبين للمحكمة ان الجنون سابق على ارتكاب الجريمة او معاصر لها وانه يترتب عليه انعدام مسؤولية المتهم. فعليها ان تفصل في الدعوى دون حاجة لوقفها. ولها كذلك ان تحكم في الدعوى بالبراءة لاي سبب اذا كان سبب البراءة ظاهر للمحكمة دون حاجة لدفاع المتهم. ولها في جميع الأحوال ان تحيل المتهم الى الجهة الادارية لإيداعه بالمؤسسة المخصصة للأمراض العقلية، او ان تسلمه لاحد اقاربه للمحافظة عليه والعناية به (1)، ويترتب على وقف الاجراءات ان تقف جميع المواعيد كمواعيد الطعن في الاحكام (2) على ان الوقف هذا لا يشمل الاجراءات الضرورية التي لا تعلق لها بشخص المتهم وخاصة اذا كانت لها صفة الاستعجال كالمعاينة والتفتيش وسماع الشهود. اما اذا كانت اصابته في العقل قد حدثت بعد الحكم النهائي في الدعوى وصيرورة العقوبة واجبة التنفيذ فإنها تمنع من تنفيذها. لتخلف المعاني المقصودة من توقيع العقاب من حيث الزجر والردع واقرار العدالة والاصلاح بلى قد يعطي ذلك معنى القسوة التي لا مبرر لها ولا إنسانية فيها. ومع ذلك فأن هذا لا يصدق الا بالنسبة للعقوبات التي يتطلب تنفيذها اتخاذ اجراءات ضد هذا الشخص المتهم كالعقوبات السالبة للحرية وعقوبة الإعدام دون العقوبات الأخرى التي لا يتطلب تنفيذها ذلك كالعقوبات المالية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-انظر بنفس المادة 339 فقرة أولى من قانون الاجراءات الجنائية المصري.

2-انظر نقض مصري 14 فبراير 1914 المجموعة الرمسية س15 ن60 ص117.

المؤلف : علي حسين خلف – سلطان عبد القادر الشاوي
الكتاب أو المصدر : المبادئ العامة قانون العقوبات

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .