بحث قانوني شامل حول مذكرة تنازع الاختصاص بين القضاء العادي والإداري

مـقــــدمـــة

أجمع علماء الاجتماع بأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش وحيدا, لأن قدرة الواحد من البشر قاصرة على توفير الأمن( ) ولاشك أن وجود الجماعة يرتبط بتملك العقار, فبدون ذلك ينهار النظام الاجتماعي.
ويعد تملك العقار من أسمى أهداف الإنسان وأبرز طموحاته, كان سببا من أسباب التوسع في ملك الأقطار الشاسعة ولا يزال, دعى شعوبا إلى غزو وقهر شعوب أخرى بأكملها عبر التاريخ وقد رسخ في ذهن الأمم أن التحكم في العقار, وضبط التعامل فيه بين الأفراد أكبر ضمان لاستقرار الشعوب ورقيها( ).
ترتب عن هذه الأسباب الذاتية والموضوعية توجه كل الدول الحديثة إلى تأسيس قواعد ونظم قانونية ثابتة ومتطورة في نفس الوقت, بالنظر إلى تطور المبادئ والنظم التي تحكم تلك المجتمعات, الأمر الذي نتج عنه خلق مؤسسات وإدارات تحكم وتنظم الميدان العقاري, تسيره وتضبط التعامل فيه وفي إطاره، فنتج عن ذلك كم وافرمن القوانين و التنظيمات العقارية في معظم الدول, ومن بينها الجزائر.

يحمل الميدان العقاري الحالي في الجزائر, علامة الهياكل التي فرضهــا الاستعمار( ), وعلامة التدابير التالية للاستقلال, وينبثق المظهر الحالي من مجموعة كبريات الوقائع التي طبعت تاريخ البلاد, وعلى وجه الخصوص الحقبة الاستعمارية.

أعيد النظر غداة الاستقلال, في النظام العقاري الموروث عن العهد الاستعماري( ), بوتيرة طويلة قصد إيجاد نظم قانونية وذلك بمختلف إصلاحات شروط اكتساب الملكية, مرتبطة بتطور دور الدولة وموقعها في العلاقات الاقتصادية( ).
انطلاقا من هذه القيم, أمكن تقسيم وتيرة إعداد النظام العقاري في الجزائر إلى ثلاث مراحل:
مرحلة تسيير واقعة اجتماعية, مرحلة تقوية الأملاك العمومية ومرحلة البحث عن أمن عقاري.

مكنت الإصلاحات الاقتصادية المبادر إليها بداية من 1988, والتغيرات السياسية التي جاء بها دستور23 فبراير 1989 من تفكير متجدد بشأن قانون ينظم الملكية من أجل المساهمة في ترقية النمو الاقتصادي.

إن الاستراتيجية المتبعة في الميدان العقاري منذ الاستقلال إلى غاية صدور قانون التوجيه العقاري 90-25 كانت تهدف إلى الحفاظ على القطاع العام وتقويته بتملك العمومي, وبعد ذلك توسيعه خاصة في إطار تنفيذ عمليات الثورة الزراعية, وبالموازاة مع ذلك كانت إشكالية الملكية الخاصة منحصرة في حدود دقيقة.

تشكل الحلول التي جاء بها قانون التوجيه العقاري 90-25( ), إجابة لتعقد الوضعيات القانونية الناجمة عن مختلف المراحل التي مر بها النظام العقاري في الجزائر, واستقرارا للأوضاع في مجال المعاملات المنصبة على العقار.

بيد أن كل المشاكل العقارية ترجع أساسا إلى الوضعية التنظيمية التي وصلت إلى حد التضخم , و إلى مشكل مسح الأراضي فضلا عن نظام الشهر العقاري( ) المعتمد في نقل الملكية العقارية( ).

نتج عن كل ذلك تعقد الوضعية العقارية في الجزائر, وأصبحت تشكل رهانا ذا أهمية كبيرة, يطرح مصير الاستثمار الوطني والأجنبي( ), خاصة أين أصبحت الجزائر لا تملك تراثا عقاريا استثنائيا بصفة خاصة, يمنح السلطات العمومية بصفة عامة حق الشفعة على مساحات محددة تخصص لإقامة أنشطة اقتصادية .

تقتضي الدراسة إلى جانب ذلك القول أن تعقد الحياة الاجتماعية, والتحولات التي عرفتها المنظومة التشريعية نتج عنها تعقد المنازعات المطروحة بين الأفراد, أو بين الأفراد والدولة على جهات الحكم سيما تلك المتعلقة بالميدان العقاري، تلك المنازعات التي تفترض ثلاث عناصر أساسية للفصل فيها : وجود نزاع أصلا, قاضي مختص وقانون مطبق.
أدخل المؤسس الدستوري الجزائري لسنة 1996 الازدواجية في النظام القضائي من حيث التنظيم والهيكلة, بإنشاء مجلس الدولة وتنصيبه دون المحاكم الإدارية( ), مع غياب الازدواجية في القاعدة الإجرائية التي سيؤكد على مقتضاها المشرع في إطار تعديل قانون الإجراءات المدنية.

ينشأ هذا النظام القضائي المزدوج في بعض الحالات مسائل جوهرية تتعلق بتوزيع الاختصاص بين الجهات القضائية العادية و الجهات القضائية الإدارية، ينجر عنه تنازع بينهما حول الاختصاص النوعي .

أشار دستور فبراير 1996 في المادة 152 منه إلى تأسيس هيئة قضائية، تتولى الفصل في حالات تنازع الاختصاص النوعي بين المحكمة العليا ومجلس الدولة، لتحقيق حسن سير النظام القضائي المزدوج الذي تشكل هرمه محكمة التنازع .
تنعقد ولاية القضاء الإداري لنظر المنازعة العقارية بالنظر إلى تدخل الدولة باعتبارها جهة مالكة أو مسيرة للأملاك محل المطالبة القضائية, أو أن العلاقة التعاقدية تشمل أحد أطرافها شخصا إداريا عاما.

يزداد هذا الدور تعقدا بالنسبة للقضاء الإداري في المنازعات العقارية, لأنه زيادة على القاضي العادي الذي يفصل بين مصلحتين شخصيتين, فإن القاضي الإداري مطالب بالتوفيق بين المصلحة الفردية ومفهوم الصالح العام( ), الذي تتحرك السلطة العامة في الدولة بموجبه وتعلن عن أغراضها, وتأتي به أعمالها, بموجبه تخضع لرقابة القاضي الإداري, هذه الرقابة التي تصعب في الميدان العقاري أين تكثر تدخلات الإدارة في التنظيم و الضبط( ).
استحال على هذا الأساس تصور جهة واحدة للفصل في المنازعات العقارية بالنظر إلى طرفي المنازعة العقارية من جهة، وبالنظر إلى الأملاك محل المطالبة القضائية من جهة أخرى.
نشير إلى أن هذا البحث لا يعتبر جدولا وصفيا أو حصريا للمنازعات العقارية التي يضطلع سواء القضاء العادي أو الإداري بالفصل فيها, و إنما أقتصر الدراسة فيه على مسألة الاختصاص ذاته, والتنازع القائم فيه بين جهات القضاء العادي والإداري في مجال المنازعة العقارية .

إن دراستنا لهذا الموضوع في إطار النظام القانوني والقضائي الجزائري تثير جملة من الصعوبات, تتعلق بطبيعة الموضوع بحد ذاته, فمسألة البحث في تنازع الاختصاص في النظام القضائي الجزائري مرتبطة بالدرجة الأولى بالاجتهادات والأحكام القضائية ذات الصلة بهذا الشأن, ولما كان القضاء الجزائري الإداري حديث التجربة, فان الدراسة تشكل حقا صعوبة كبيرة, خاصة إذا أضفت لها عدم استقرار الاجتهاد القضائي للغرفة العقارية بالمحكمة العليا, زيادة على ندرة الدراسات الفقهية حول هذا الموضوع بالذات .

تجاوزا لهذه الصعوبات, كان لا مناص من معالجة البحث بالرجوع إلى الاجتهادات القضائية للغرفة العقارية( ) بالمحكمة العليا, ومجلس الدولة مع الرجوع إلى اجتهاد محكمة التنازع فيما تعلق بمسألة الاختصاص( ).
أنتهج عبر هذا البحث خطة تحليلية بصدد معالجة إشكالية الموضوع انطلاقا من النصوص القانونية المتعلقة بالموضوع على مختلف مستوياتها, مع اعتماد المقارنة في بعض النقاط، وأحسب ذلك التزام بالإطار العام الذي يفرضه علي عنوان البحث.
أتعرض عبر هذا البحث إلى تنازع الاختصاص بين القاضي العادي والقاضي الإداري في مجال المنازعة العقارية, حيث أركز على الجانب القانوني والقضائي المتعلق بالموضوع المذكور, أطرح من خلاله الإشكالية التالية:

هل مشكل تنازع الاختصاص في المادة العقارية حتمية فرضتها الازدواجية القضائية أم طبيعة المنازعة العقارية ؟

للإجابة على ذلك أتناول في(المبحث الأول) الاختصاص للفصل في المنازعة العقارية, ثم أتطرق في( المبحث الثاني) إلى الفصل في منازعات تنازع الاختصاص في المادة العقارية.

المبحث الأول
الاختصاص للفصل في المنازعة العقارية :
المعيار العضوي أصلا

المبحث الأول
الاختصاص للفصل في المنازعة العقارية

يجد الاختصاص مصدره في التشريع الذي يجب أن يستند إلى أساس دستوري، ذلك أنه يضمن التنظيم القضائي للجهات القضائية.
يقصد بالاختصاص الأهلية القانونية لجهة قضائية للنظر في المنازعات( ), كما يعرف بأنه ولاية القضاء للحكم بمقتضى القانون في خصومة منشورة ( ).
خول القانون للجهات القضائية بنوعيها العادية والإدارية النظر في المنازعة العقارية, لكنها لا تستطيع أن تمارس تلك الولاية إلا بموجب إختصاصها .
يعتبر الاختصاص للفصل في المنازعة العقارية ذا أهمية كبيرة, بالنظر إلى طرفي المنازعة العقارية من جهة, وبالنظر إلى الأملاك العقارية محل المطالبة القضائية من جهة أخرى.
يتفرع الاختصاص في مجال المنازعة العقارية إلى اختصاص نوعي (Compétence matérielle)
واختصاص إقليمي ( Compétence territoriale) أو محلي.

يعني الاختصاص النوعي تحديد نوع وطبيعة المنازعة العقارية التي يعود الفصل فيها إلى جهات القضاء العادي وتلك التي يعود الفصل فيها إلى جهات القضاء الإداري بناء على معايير محددة قانونا.

و يعني الاختصاص الإقليمي تحديد مجال اختصاص الجهات القضائية العادية والإدارية بنظر المنازعات العقارية بحسب موقع العقار في دائرة اختصاص الجهة القضائية من عدمه.
إن دراسة معيار الاختصاص للفصل في المنازعة العقارية في هذا النطاق, لها أهمية كبيرة في النظام القضائي بصفة عامة, وفي توجيه المتقاضي بصفة خاصة, وتتجلى أهمية هذه الدراسة في الدور الذي يلعبه معيار الاختصاص كوسيلة للفصل في المنازعة العقارية.
وعليه لابد من تحديد الاختصاص النوعي للفصل في المنازعة العقارية ( المطلب الأول) ، ثم نبرز الاختصاص الإقليمي للفصل في المنازعة العقـــارية ( المطلب الثاني) .

المطلب الأول
الاختصاص النوعي للفصل في المنازعة العقارية

ينعقد الاختصاص النوعي للمحاكم( ) في جميع القضايا المدنية و التجارية باعتبارها الجهات القضائية الخاصة بالقانون العام.
يتحدد الاختصاص النوعي في قانون الإجراءات المدنية حسب معيار طبيعة الدعوى، الذي يأخذ بنوعية المادة محل المطالبة القضائية، و معيار قيمة الدعوى الذي يأخذ بقيمة المصالح محل الخصومة ( ).
لقد استحدثت وزارة العدل على مستوى المحاكم أقسام مكلفة بالمنازعات العقارية في انتظار إنشاء المحاكم العقارية، بموجب القرار الوزاري المؤرخ في 01 أفريل 1994 المعدل و المتمم بالقرار الوزاري المؤرخ في 15سبتمبر 1996( )، و لا تتمتع هذه الأقسام باختصاص نوعي و إنما إجراء تنظيمي لتسيير و تسهيل الفصل في المنازعات العقارية( ).
و تختص هذه الأقسام بالفصل على وجه الخصوص في:
– الدعاوى العينية العقارية.
– المنازعات التي تقع على الأرض: التصرف، الاستعمال، الاستغلال، التنازل، الهبة، الشفعة، الحيازة، الاستحقاق، الانتفاع، الارتفاق، القسمة.
– المنازعات المتعلقة بالوقف العقاري.
تنعقد ولاية القضاء الإداري للفصل في المنازعة العقارية بالنظر إلى تدخل الدولة باعتبارها جهة مالكة أو مسيرة للأملاك العقارية، أو أن العلاقة التعاقدية تشمل أحد طرفيها مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية.
توضيحا عن ولاية القضاء الإداري للفصل في المنازعة العقارية تكون دراستنا حول الإختصاص النوعي في المجال العقاري (الفرع الأول) ثم نأتي إلى الاستثناءات الواردة عليه (الفرع الثاني).

الفرع الأول : الإختصاص النوعي في المجال العقاري
يقتضي الإلمام بفكرة الاختصاص النوعي في المجال العقاري التعرض للمعيار العضوي (أولا) ثم نتناول تطبيقات المعيار العضوي (ثانيا).

أولا – المعيار العضوي: معيار الشكل
يشترط لانعقاد اختصاص الجهات القضائية الإدارية لنظر المنازعة العقارية أن يكون النزاع إداريا، أي أحد طرفي المنازعة شخص من أشخاص القانون العام، وقد حددت المادة السابعة (07) من قانون الإجراءات المدنية هذه الأشخاص على سبيل الحصر وهي: الدولة(أ)، الولاية(ب)، البلدية(ج) ، المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية(د).
و يتسم المعيار العضوي بالبساطة ( )، كون المتقاضي يعرف الجهة القضائية الإدارية المختصة و تقتضي الدراسة توضيح ا لأشخاص الإدارية.

أ‌- الدولة:
يقصد بها السلطات الإدارية المركزية، كما هو وارد في المادة التاسعة (09) من القانون العضوي 98-01 و المتمثلة في: الوزارات، المصالح الخارجية للوزارات على مستوى الولايات أو ما يعرف بالمديريات الولائية و الجهوية.
توجه الدعوى ضد الوزارة التي تتبعها المديرية و ليس المديرية، كون الوزارة تمثل الشخصية المعنوية للدولة ( )، و يختص بالنظر في تلك الدعاوى مجلس الدولة.

ب‌- الولاية:
حسب المادة الأولى من القانون 90-09 المؤرخ في 07 أفريل 1990 يقصد بالولاية مختلف الهيئات و الأجهزة القائمة بالتنظيم الولائي والممثلة في جهاز المداولة (المجلس الشعبي الولائي)، وجهاز التنفيذ (الوالي)، وكل ما يصدر عن هذه الهيئات من أعمال و قرارات ذات طابع تنفيذي تختص بالنظر فيها الغرفة الإدارية الجهوية فيما يخص الإلغاء أو التفسير أو فحص المشروعية.
ونظرا للاختصاص المزدوج للوالي، فإنه يجب التمييز بين تمثيله للولاية أو تمثيله للدولة( ).

ج- البلدية:
نظم القانون 90-08 المؤرخ في 07 أفريل 1990 البلدية، و هي الجماعة الإقليمية القاعدية في الإدارة المحلية، تشتمل على مختلف الهيئات و الأجهزة القائمة بها( ) ، سواء كانت أجهزة المداولة (المجلس الشعبي البلدي ) أو جهاز التنفيذ (رئيس المجلس الشعبي البلدي)، هذا الأخير الذي يتصرف بإسم البلدية أو بإسم الدولة.
ينظر في القرارات و الأعمال الصادرة عن تلك الأجهزة أمام الغرفة الإدارية المحلية بالمجلس القضائي الواقعة في دائرة اختصاصه، و يكون التمثيل من طرف رئيس المجلس الشعبي البلدي.

د- المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية:
تعتبر المؤسسة العمومية أسلوب لتسيير المرفق العام في جانبه الإداري( )، وهي على نوعان: مؤسسة عمومية وطنية، و محلية.
فالأولى تنشا بقرار من السلطة المركزية، أما الثانية بمداولة المجالس الشعبية الولائية و البلدية، ويتمتع كلا النوعين بالشخصية المعنوية و الاستقلالية عن الدولة.

و ينظر في مجال الاختصاص القضائي إلى صفة المؤسسة العمومية ذات الطابع الإداري إذا كانت وطنية أم محلية، فيختص مجلس الدولة بالنسبة للوطنية، و الغرف الإدارية بالنسبة للمحلية.

نخلص إلى القول بأن مفهوم المعيار العضوي كما أتينا عليه، لا يكفي لتحديد اختصاص الغرف الإدارية، بل لا بد من عرض بعض تطبيقات هذا المعيار في مجال المنازعات العقارية.

ثانيا: تطبيقات المعيار العضوي في المنازعة العقارية
ينبغي التوضيح أن تطبيقات المعيار العضوي في المنازعة العقارية ليست جدول حصري أو وصفي لذلك النوع من المنازعات، و إنما نتناول تلك المتعلقة بمسالة الاختصاص فقط المكرسة في القوانين الخاصة(أ) وتلك المكرسة بالممارسة القضائية(ب ).

أ- تطبيقات المعيار العضوي المكرسة في القوانين الخاصة:
تتمثل المنازعات العقارية المكرسة في القوانين الخاصة في منازعات الوعاء العقاري (1)، منازعات العقود التوثيقية المشهرة (2) و منازعات قرارات المحافظين العقاريين (3) و منازعات نزع الملكية للمنفعة العمومية (4).

1- منازعات الوعاء العقاري:
حددت أصناف الأملاك العقارية وفق الدستور و قانون التوجيه العقاري إلى: أملاك وطنية، أملاك خاصة و أملاك وقفية.
فبالنسبة مثلا للأملاك الغابية( )، التي صنفتها المادة 17 من الدستور ضمن الأملاك العامة التابعة للمجموعة الوطنية العمومية التابعة للدولة، يؤول الاختصاص للقضاء الإداري الاستعجالي منه و الموضوعي للبث في إلزام أي شخص سواء الإدارة، المواطن، والأشخاص الاعتبارية الشاغلين لجزء من الملك الغابي دون سند أو حق، بإخلاء الجزء المشغول و إعادة الحال إلى ما كان عليه (إعادة التشجير)، و وضع حد للتعدي، كما يجوز الحكم بالتعويض عن الأضرار اللاحقة بالغابة، فضلا عن إعادة هدم البناءات المشيدة بصورة غير تنظيمية أو قانونية على نفقة المخالف.

كما نصت المادة 96 من قانون 90-30 ( ) على أن: ” تخضع المنازعات المتعلقة بالتبادل للهيئات القضائية المختصة في مجال القانون العام”، و مفاد ذلك إخضاع المنازعات الواردة على تبادل الأملاك العقارية التابعة للأملاك الوطنية الخاصة التي تملكها الدولة أو الجماعات الإقليمية بين المصالح العمومية إلى الجهات القضائية المختصة في القانون العام.(3)

تحدد هذه المادة القانون الواجب التطبيق أولا، ثم إخضاع ذلك كله إلى الجهة القضائية المختصة بذلك، و طالما أن الأمر يتعلق بالقانون الإداري في هذه الحالة، فان الاختصاص يؤول للجهات القضائية الإدارية تطبيقا لمبدأ أن القاضي الإداري هو جهة القضاء العام بالنسبة للإدارة(4).

2- منازعات العقود التوثيقية المشهرة:
استقر الاجتهاد القضائي على تخويل سلطة النظر و إبطال العقود التوثيقية المشهرة للقاضي العادي بصفته حامي الحقوق الفردية الناتجة عن تلك العقود، و بذلك يكون القضاء الإداري قد تخلى عن اختصاصه في النظر فيها بالرغم من وجود الإدارة كطرف فيها في العديد من الأحيان، لا سيما في عقود التنازل المحررة في إطار القانون81-01 المؤرخ في 07 أفريل 1981 المتضمن التنازل عن الأملاك العقارية ذات الاستعمال السكني أو المهني أو التجاري أو الحرفي التابعة للدولة و الجماعات المحلية و مكاتب الترقية و التسيير العقاري و المؤسسات و الهيئات و الأجهزة العمومية.
أصبحت الوكالة العقارية بموجب المادة 73 من قانون التوجيه العقاري 90-25 الجهة الوحيدة المختصة بتسيير الأملاك العقارية التابعة للبلدية ( ) ، و غالبا ما تلجأ تلك الوكالات إلى إبرام عقود عن طريق الموثقين، الأمر الذي يجعل العقد توثيقيا، و إن كان ذا صبغة إدارية بالنظر لطرفيه.

وقد أكد مجلس الدولة في قراره رقم 294199 المؤرخ في 12 جوان 2000 ذلك بقوله: ” إن العقد التوثيقي تخرج مسالة إلغاءه من نطاق صلاحيات القاضي الإداري ، مما يتعين إخراج الوالي و مدير أملاك الدولة من الخصام و التصريح بعدم الاختصاص” ( ).
وبذلك يكون موقف القضاء الإداري واضح في أن الاختصاص يعود إلى المحاكم العادية على أساس أن العقود التوثيقية ليست بقرارات و لا عقود إدارية حتى يتم الطعن في صحتها أمام الجهات القضائية الإدارية.
يرى البعض( ) أن الاختصاص يؤول للقاضي العادي في إبطال العقود التوثيقية المشهرة( ) إذا كان صادرا بين أشخاص القانون الخاص.

أما إذا كان أحد أطرافه شخصا إداريا فيجب احترام المادة السابعة (07) من قانون الإجراءات المدنية، كون أن هذه الحالة لم ترد ضمن الاستثناءات الواردة في المادة 07 مكرر من نفس القانون، كما انه لم يرد أي نص تشريعي آخر يستثني صراحة من اختصاص القضاء الإداري ولاية النظر في الطعون المقدمة من قبل الإدارة بصدد المطالبة بإبطال أو إلغاء العقود التوثيقية المشهرة.( )
أما بخصوص عقود الشهرة فإن الموثق ملزم بإرسال ملف إعداد عقد الشهرة لطلب رأي كل من رئيس المجلس الشعبي البلدي و مدير أملاك الدولة المختصين إقليميا في ظرف أربعة أشهر، وفي حالة النزاع يرفع أمام الجهة القضائية المختصة تبعا لأطراف النزاع، فإذا تم الاعتراض من طرف مدير أملاك الدولة أو رئيس المجلس الشعبي البلدي يؤول الاختصاص إلى القضاء الإداري تطبيقا للمعيار العضوي الواردة في المادة السابعة السابقة.

و تكون الدعوى من اختصاص القضاء الكامل و ليس قضاء الإلغاء، لأن اعتراض الإدارة يكون في شكل رأي بالمعارضة في ظهر الملف المرسل إليها من طرف الموثق أو في شكل رسالة تتضمن جوابا، إلا إذا اعتبرنا الرسالة أو الجواب بمثابة قرار إداري كامل الأركان( )، و هو ما ذهب إليه مجلس الدولة في قرار له بتاريخ 24 أفريل 2000 تحت رقم 193900( ) أين ألغى من خلاله قرار مجلس قضاء تيزي وزو الذي رفض دعوى المدعين الرامية إلى إبطال اعتراض البلدية في إعداد عقد الشهرة لصالحهم مؤسسا قرار الرفض على المادة 169 مكرر قانون الإجرءات المدنية و التي لا تجيز رفع دعوى إدارية إلا بعد الطعن في القرار الإداري، إذ اعتبر مجلس قضاء تيزي وزو عملية الاعتراض تشكل قرارا إداريا بمعنى الكلمة.
ونعتقد أنه يجب حسم الموقف بتدخل محكمة التنازع للفصل في الموقفين وتحديد الجهة المختصة في هذه الحالة، ذلك أن الجهات القضائية الإدارية رفضت الفصل في النزاع التي تكون جهة إدارية طرفا فيه وأعلنت عدم اختصاصها.
في حين تمسك مجلس الدولة باختصاصه في عديد المرات، و ذهبت من جهة أخرى الغرفة العقارية بالمحكمة العليا إلى ما استقر عليه مجلس الدولة في أحيان كثيرة( ).

3- منازعات قرارات المحافظين العقاريين:
يقوم المحافظ العقاري عند تصرفه ضمن إشهار عقد توثيقي أو عدم إشهاره أو بصفة عامة رفض القيام بأي إجراء من إجراءات شهر العقود أو التصرفات فإن الاختصاص يؤول للقضاء الإداري وفق للمادة 24 من الأمر 75-74 ( )، التي تحيل ضمنيا إلى تطبيق قانون الإجراءات المدنية بالنسبة للطعون المنصبة على قرارات المحافظ العقاري( )، و ذلك لتوفر معيارين الأول كون المحافظ سلطة إدارية و يصدر قرارات إدارية، و الثاني القانون المطبق هو القانون الإداري اعتبارا من مقتضى الإلزام للمحافظ يستمده القضاء من تطبيق القانون الإداري وفقا للمادة السابعة (07) من قانون الاجراءات المدنية.

4- منازعات نزع الملكية للمنفعة العامة العمومية:
نزع الملكية للمنفعة العمومية وسيلة قانونية نص عليها الدستور بموجب المادة 20 منه جاء فيها: ” لا يتم نزع الملكية إلا في إطار القانون، ويترتب عليه تعويض قبلي، عادل ومنصف”، و نظمها القانون 91-11 المؤرخ في 27 أفريل1991، لتمكين الإدارة من اللجوء إليها بصفة استثنائية ضمانا لحسن سير المرافق العمومية و تحقيق النفع العام، و اكتساب الأملاك العقارية( ).
و أضفى عليها المشرع الطابع الاستعجالي و أخرجها من القواعد العامة المضمنة في قانون الإجراءات مصبغا إياها بالطابع الاستثنائي( )، و تخضع للقضاء الإداري للنظر في مدى مشروعية اختصاص السلطة الإدارية و الآجال و احترام الإجراءات.

و يؤول الاختصاص إما للغرفة الإدارية الجهوية إذا تعلق الأمر بأملاك عقارية تقع على تراب ولاية واحدة، أو لمجلس الدولة إذا تعلق بأملاك تقع على تراب أكثر من ولاية لأنه في هذه الحالة يؤول الاختصاص بنزع الملكية إلى الوزارة.
ينشأ على نزع الملكية للمنفعة العمومية ثلاثة أنواع من المنازعات( ) هي :
– منازعات قرار التصريح بالمنفعة العمومية.
– منازعات استرجاع الأملاك.
– منازعات التقييم التي يختص بنظرها القضاء الكامل.
و قد قررت المحكمة العليا في اجتهادها أن دعوى المنازعة في نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية يفصل فيها من طرف القضاء الإداري في إطار الشروط المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية( ) .
بينما ذهب المشرع الفرنسي إلى تجزئة منازعات نزع الملكية بين القضاء العادي و القضاء الإداري فتختص محاكم الاستئناف الكبرى (المحاكم العادية) بمنازعات التعويض، و تختص المحاكم الإدارية بمنازعات الإلغاء و هذا لا يخدم أهداف تبسيط التقاضي، و لا يحترم وحدة الموضوع( ) .
نخلص من خلال تطبيقات المعيار العضوي في المنازعة العقارية المكرسة بموجب القوانين الخاصة إلى أن بعض القوانين حددت مسألة الاختصاص بدقة دون أي لبس كما هو الحال بالنسبة لكل من منازعات الوعاء العقاري و نزع الملكية للمنفعة العمومية، في حين بقي الغموض بالنسبة لمنازعات قرارات المحافظين العقاريين و العقود التوثيقية المشهرة التي لم يتفق القضاء المزدوج على من يؤول الاختصاص له للفصل فيها.

ب- تطبيقات المعيار العضوي المكرسة بالممارسة القضائية: المزدوجة
نتناول تطبيقات المعيار العضوي في المنازعة العقارية وفق ما كرسته الغرفة العقارية بالمحكمة العليا و مجلس الدولة من خلال شهر الدعاوى العقارية (1) ثم حجية الدفتر العقاري (2) وصولا إلى إمكانية توجيه الأوامر للإدارة( 3).

1- شهر الدعاوى العقارية :
كرس مجلس الدولة إجراء شهر الدعاوى العقارية، و جعله قيدا على رفع تلك الدعاوى المتضمنة الطعن في صحة التصرفات و المحررات المشهرة، تطبيقا للمادة 85 من المرسوم 76-63 تحت طائلة عدم قبول الدعوى( ).
كما أن الغرفة العقارية المدنية بالمحكمة العليا تبنت نفس الاتجاه، بوجوب شهر الدعاوى العقارية الرامية إلى الطعن في صحة التصرفات التي تضمنها العقد المشهر بالمحافظة العقارية تحت طائلة عدم قبول الدعوى( ) .
غير أن هناك رأي يذهب إلى خلاف ذلك جازما أن شهر الدعاوى لدى المحافظة العقارية لا يعد قيدا على رفعها، كون أن القواعد العامة الواردة في المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية حددت شروط رفع الدعوى، و لا مجال لإعمال نص المادة 85 أعلاه لتعارضه مع المادة 459، و أن المقرر قانونا في حالة وقوع تعارض بين تشريع عادي و تشريع فرعي، يؤخذ بالتشريع العادي تطبيقا لمبدأ تدرج القوانين( ) .
لكن الغرفة العقارية عدلت عن اتجاهها و جعلت من شهر الدعاوى دفع لا يتعلق بالنظام العام لا يمكن إثارته تلقائيا، و إذا ما تمسك به المدعون وجب الاستجابة له تطبيقا لمقتضيات المادة 85 أعلاه ( ).

2- حجية الدفتر العقاري: سند اثبات الملكية العقارية
نصت المادة 19 من الأمر 75-74 المشار له سابقا على أن :” تسجل جميع الحقوق الموجودة على عقار ما وقت الإشهار في السجل العقاري، و الدفتر الذي يشكل سند الملكية”.
و يعد الدفتر العقاري شهادة ميلاد العقار، و قد كرست المحكمة العليا( ) هذا المبدأ بقرار لها: ” يؤسس الدفتر العقاري على أساس سند الملكية طبقا للمرسومين 75-74 و 76-63 بعد استكماله للإجراءات و الشكليات و الآجال مما يجعله يكتسب القوة الثبوتية”.
كما ذهبت في قرار آخر إلى أن: ” الدفتر العقاري يشكل المنطلق الوحيد في إقامة البينة في نشأة الملكية العقارية، و الثابت قانونا أن الدفتر العقاري هو الدليل الوحيد لإثبات الملكية العقارية”( ) .
أما بخصوص القضاء الإداري، فإننا لم نعثر على قرار لمجلس الدولة بهذا الخصوص، إلا أن الغرفة الإدارية الجهوية لمجلس قضاء قسنطينة( ) ذهبت إلى القول بأن: “موضوع الإلغاء ينصب على عملية الترقيم النهائي للدفتر العقاري، و حيث أن هذا العمل يقوم به المحافظ العقاري ممثلا للدولة، و الدولة مسؤولة عن الأخطاء المضرة بالغير، وحيث أن الخطأ المرتكب من طرف المحافظ العقاري بمناسبة إعداد الدفتر العقاري لا يعد قرار صادر عن الوالي و أن الدعوى الحالية مخالفة للمادة 07 قانون الاجراءات المدنية”.
و يرى البعض أن الدفتر العقاري سند إداري( )، و أن الهيئة المنوطة بتسليمه بطبيعتها إدارية، و استنادا إلى المعيار العضوي الوارد في المادة 07 فإن الاختصاص يؤول إلى القضاء الإداري( ) .

3 – توجيه الأوامر للإدارة: في مجال المنازعات العقارية
يقتضي المبدأ الدستوري الفصل بين السلطات، عدم إمكانية توجيه القضاء الإداري أو العادي أوامر للإدارة ، طالما أن القضاء لا يقتضي بالضرورة التسيير.
و لقد كرس مجلس الدولة ذلك في العديد من المناسبات، فأكدت الغرفة الرابعة في قرار لها( ) :” أن طلب العارضين الرامي إلى تسوية وضعيتها الإدارية على القطعة المتنازع عليها هو من صلاحية هيئة مختصة، لذلك فإن القضاء لا يستطيع التدخل في هذه الصلاحيات، و أن القضاء ليس بإمكانه أن يصدر أوامر أو تعليمات للإدارة و أن سلطته تقتصر فقط على إلغاء القرارات المعيبة أو الحكم بالتعويضات”.

كما أن المحكمة العليا ذهبت إلى حد عدم جواز فرض غرامات تهديدية على الإدارة، و هو ما جاء في قرارها رقم 239307 أن: ” المستقر عليه قضاء ووفقا للمبادئ العامة فإنه متى كان عدم الامتثال للقرارات القضائية من طرف السلطة العمومية يشكل مصدرا منتجا لمسؤولية هذه السلطة فإنه لا يجوز للهيئة القضائية أيا كانت طبيعتها أن تحكم بالغرامة التهديدية ضد المؤسسات العمومية ذات الطابع العمومي، و إنما يمكن للمتضرر أن يرفع دعوى بهدف الحصول على التعويض نتيجة هذا التصرف”( ) .
نخلص من خلال الاختصاص النوعي في المجال العقاري إلى القول بأن كل المنازعات العقارية التي تكون الدولة، الولاية، البلدية أو إحدى المؤسسات العمومية الإدارية طرفا فيها تخضع مبدئيا للقضاء الإداري،
و يقع على القاضي المعروض عليه النزاع عملية التكييف القانوني الصحيح، طالما أن مسألة الاختصاص لم تعد جامدة مثلما ذهب إليه المشرع في إطار إكماله للمادة السابعة (07) بالمادة 07 مكرر من قانون الاجراءات المدنية، أين أضحى الاختصاص مرنا بحكم القوانين الخاصة و المتشعبة، أين وجب على القاضي التريث عند معيار الاختصاص لتعلقه بالنظام العام.

الفرع الثاني: الإستناءات الواردة على الإختصاص النوعي في المجال العقاري
أورد المشرع الجزائري إستثناءات على المعيار العضوي سواء في المادة 07 مكرر من قانون الاجرءات المدنية (أولا) أو في القوانين الخاصة ( ثانيا).

أولا- الاستثناءات الواردة في المادة 07 مكرر من قانون الإجراءات المدنية :
يبرز من خلال المادة 07 مكرر أن المشرع استثنى بعض المنازعات التي تتعلق بمجالات تتصرف الإدارة فيها كأي شخص عادي يخضع للقضاء العادي، كون أن امتياز الجهة القضائية في مفهوم القضاء المزدوج معترف به للإدارة عندما تتصرف كسلطة عامة مستعملة امتيازاتها لتحقيق الصالح العام و تسيير المرافق العمومية.

تتجلى تلك الاستثناءات في مخالفات الطرق (أ) منازعات الإيجارات بصفة عامة (ب) ومنازعات المواد التجارية(ج) دون التعرض إلى باقي الإستثناءات لكونها لا تتعلق بجوانب المنازعة العقارية( ).

أ- مخالفات الطرق:
هي دعاوى ترفع من طرف الإدارة ضد المخالفين الذين يسببون أضرار للطرق، و كانت هذه المنازعات من إختصاص القاضي الإداري قبل صدور قانون الإجراءات المدنية، والاختصاص اليوم يؤول للقاضي الجزائي الذي يوقع العقوبة و يمكن للإدارة طلب التعويض أمامه أو بدعوى مستقلة أمام القاضي العادي.
و تعود المنازعات المتعلقة بالمسؤولية بسبب عدم صيانة الطرق أو الناتجة عن الأشغال العمومية التي ترفع ضد الإدارة إلى القاضي الإداري( ) .

ب- المنازعات المتعلقة بالإيجارات بصفة عامة:
يؤول الاختصاص بالإيجارات الفلاحية أو الأماكن المعدة للسكن أو لمزاولة مهنة أو الإيجارات التجارية المتعلقة بها التي تثور بين المؤجر و المستأجر سواء بخصوص الإيجار، فسخه أو رفع بدل الإيجار أو الطرد إلى القاضي العادي.
غير أن المنازعات المتعلقة بالمساكن الوظيفية التي تمنح إلى الإدارة بسبب الوظيفة، يؤول الاختصاص فيها إلى القاضي الإداري طبقا لأحكام المرسوم 89-10 المؤرخ في 07 فيفري 1989( )، و كرس ذلك مجلس الدولة في إحدى قراراته بالقول:” أن المساكن الوظيفية تمنح للموظف بموجب عقد امتياز أو تخصيص التي تعتبر من العقود الإدارية و لا تكيف على أنها عقد إيجار”( ) .
لكن المحكمة العليا ذهبت إلى خلاف ذلك، و اعتبرت أن الاستثناءات الواردة في المادة 07 مكرر تعني جميع العلاقات الايجارية بما فيها تلك التي تنشأ بموجب قرارات التخصيص بالمساكن الوظيفية التي تمنحها الإدارات لموظفيها في إطار أداء الوظيفة( ) .
و يجب التمييز بين إيجار جزء من الأملاك الخاصة التابعة للدولة أو المجموعات المحلية، وعقد شغل جزء من الأملاك الوطنية العمومية فهذه الأخيرة تعتبر ترخيصات إدارية تخضع لرقابة القاضي الإداري، و تطبق بشأنها أحكام قانون الأملاك الوطنية، كونها رخص مؤقتة يمكن سحبها أو فسخ العلاقة التعاقدية فيها بالإرادة المنفردة للإدارة، كون أن الأملاك الوطنية العامة غير قابلة لتوقيع حقوق امتلاكية عليها، و لا يمكن التمسك بالبقاء فيها أو الإدعاء بتكوين القاعدة التجارية) ( .

ج- منازعات المواد التجارية :
تخضع المنازعات المتعلقة بالمواد التجارية لأحكام القانون التجاري، متى كانت الإدارة طرفا فيها ، سواء كان موضوع المعاملة تجاريا أو طبيعة النزاع تجاري أين يختص القاضي العادي لنظر تلك المنازعات، غير انه إذا تعلق النزاع التجاري بأحكام قانون الصفقات العمومية يعود اختصاص الفصل فيه للقاضي الإداري( ) لأن الإدارة تتمتع فيها بصلاحيات و امتيازات السلطة العامة بدءا من إبرام العقد مرورا بتنفيذه ، و إنتهاءا بفسخه بالإدارة المنفردة ( ) .
منح المشرع بموجب التعديل الأخير للقانون التجاري بموجب القانون رقم 05-02المؤرخ في 06 فبراير 2005 الاختصاص للقضاء العادي فيما يتعلق بالإيجارات المنصبة على المحلات أو العمارات المملوكة للدولة أو الولايات أو البلديات أو المؤسسات العمومية إذا ما توفرت فيها الشروط الواردة في المادة 169 تطبيقا لأحكام المادة 170 من نفس القانون ( ) .

ثانيا – الاستثناءات الواردة في القوانين الخاصة
تبرز تلك الاستثناءات الواردة على المعيار العضوي في القوانين الخاصة بالخصوص في منازعات المستثمرات الفلاحية (أ) و منازعات الأراضي المسترجعة و الموضوعة تحت الحماية (ب) و منازعات الأراضي الموقوفة (ج).

أ- منازعات المستثمرات الفلاحية : ( )
يختص القضاء العادي بنظر المنازعات المتعلقة بالمستثمرات الفلاحية في حالة قيام نزاع بين المستثمرة أو أحد أعضائها أيا كان نوعه ( )، عدم تنفيذ الالتزامات التعاقدية، إحداث أضرار للغير، إسقاط حقوق الانتفاع، تسوية تركة عضو من أعضاء المستثمرة ، نزاع حول الحصص أو تقسيم الأرباح، إلى جانب ذلك كله النزاعات التي تنشأ بين الدولة و المستثمرة الفلاحية ، مثل ممارسة حق الشفعة عن طريق الديوان الوطني للأراضي الفلاحية باعتباره مؤسسة عمومية ذات طابع تجاري و صناعي، و يمارس الوالي ممثلا بمديرية الفلاحة صلاحية الضبط الإداري الخاص بالاستغلال الأمثل للأراضي وفق وجهتها الفلاحية .
أما القضاء الإداري فيختص بنظر نوعين من المنازعات :
– منازعات التشكيك في ملكية المستثمرة فيؤول الاختصاص للغرفة الإدارية بالمجلس القضائي طبقا للمواد 183 و ما بعدها من المرسوم التنفيذي رقم 91-454 المؤرخ في 23 نوفمبر 1991 المتعلق بإدارة و تسيير الأملاك الوطنية العامة و الخاصة، و منازعات إسقاط الحقوق إذا كان القرار المتخذ من طرف الوالي معيب بتجاوز السلطة و خرقا لأحكام المادة 08 من المرسوم 90-51 المتعلق بإجراءات إسقاط حق الانتفاع الدائم الممنوح طبقا لقانون 87-09 ( ) التي يؤول الاختصاص بالنظر فيها للغرفة الجهوية ( ) .

ب- منازعات الأراضي المسترجعة و الموضوعة تحت الحماية :
كرس قانون التوجيه العقاري 90-25 في المادة 76 منه لحماية الاسترجاع على مرحلتين، امتدت الأولى منذ صدور هذا الأخير إلى ستة أشهر ، وبعد التعديل ( ) امتدت عملية الاسترجاع للأملاك المتبرع فيها و تلك الموضوعة تحت الحماية نظرا للطابع المؤقت للوضع تحت الحماية و الذي لا يمكن اعتباره تأميم أو نزع ملكية .
نتجت عن عملية الاسترجاع منازعات بين الولاة كمصدرين لقرارات الاسترجاع و المؤممين المسترجعين ، وبين الملاك الأصليين و الغير، و في هذا الصدد لا يثور إشكال في تحديد الجهة المختصة ، ويرجع إلى القواعد العامة، غير أن المنازعات التي تثور بين المسترجعين و الغير تكون من اختصاص القاضي العادي و هو ما ذهبت إليه الغرفة العقارية بالمحكمة العليا في قرار لها( ) :” كل المنشآت و الأغراس ذات القيمة الحينية و التجهيزات التي أنجزت منذ التأميم مكتسبة لأصحابها و يمكنهم أن يتنازلوا عنها للملاك الأصليين، و أن المقرر قانونا كل من نال عن حسن نية من عمل الغير أو من شئ منفعة ليس له ما يبررها ملزم بالتعويض عما وقع من إجراء على حسابه.”

أما بخصوص منازعات الأراضي الموضوعة تحت الحماية ( ) فهي من اختصاص القاضي الإداري ، ويختص القاضي العادي في المنازعات الناشئة بين الملاك المسترجعين و الغير، خاصة إذا رفض هذا الأخير الخروج من الأراضي الموضوعة تحت الحماية بحجة اكتسابها عن طريق التقادم المكتسب( ).

و ذهبت المحكمة العليا إلى ذلك في القرار الصادر عن الغرفة العقارية :” أن المجلس رد على الدفع الخاص بالمواد 827 و 828 من القانون المدني بطريقة ضمنية عندما ذكر القضاة بقرارهم محل الطعن أن هذه الأملاك موضوعة تحت حماية الدولة، مما يستفاد منه أن التقادم لا يحصل في هذه الأملاك، لأن الحيازة حصلت بفعل الإدارة”( ) .
غير أنه إذا لم يجب المالك الأصلي لطلبه في أجل 12 شهر من تاريخ التبليغ فإن الأرض تدمج نهائيا ضمن الأملاك الوطنية ، ويتم الإدماج بموجب حكم قضائي باعتبارها تعد في حكم الأرض المتخلى عنها طبقا للمادة 51 من قانون الأملاك الوطنية و يؤول الاختصاص للقاضي العادي عندما يلجأ له الوالي من أجل إثبات التخلي( ).

ج – منازعات الأراضي الموقوفة :
نظم قانون 91-10 الأملاك الوقفية ( )، و هي أملاك عقارية حبسها مالكها بمحض إرادته ليجعل التمتع بها دائما لصالح هيئة خيرية أو جمعية ذات منفعة عمومية ، وهي على نوعين : أملاك وقفية عامة ، و أملاك وقفية خاصة.
تتولى وزارة الشؤون الدينية تسيير إدارة الأملاك الوقفية عن طريق ناظر الوقف، وعليه يؤول الاختصاص في المنازعات المتعلقة بالوقف للقضاء الإداري تطبيقا للمعيار العضوي إلا ما أستثني بنص كما هو الحال لإيجار الأملاك الوقفية.
أما الوقف الخاص فيؤول الاختصاص بشأن المنازعات المتعلقة به للقاضي العادي ، غير أن هناك رأي يذهب إلى اختصاص القضاء العادي بكل المنازعات المتعلقة بالوقف بغض النظر عن نوعه ، مبررا ذلك بكون الوقف يستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية تطبيقا للمادة 02 من قانون الأوقاف و هو أقرب للقانون الخاص، الأمر الذي يجعل القاضي العادي ( ) أدرى به و بأحكامه من القاضي الإداري من جهة و أن الوقف ليس ملك للأشخاص الطبيعيين أو المعنويين و إنما يتمتع بالشخصية المعنوية طبقا للمادة 05 من نفس القانون( ).

نخلص من خلال الاختصاص النوعي للفصل في المنازعة العقارية إلى القول بأن هذه الأخيرة معقدة بالنظر إلى القوانين المنظمة للعقار من جهة و إلى وجود الدولة كطرف في المنازعة من جهة أخرى، الأمر الذي يتطلب معه توزيع الاختصاص بحسب طرفي المنازعة بين القاضي العادي و القاضي الإداري.

غير أنه تثور مسائل تتعلق بالاختصاص حين الفصل في المنازعة العقارية، إلى حد يصل في بعض الحالات إلى تضارب في الإجتهاد القضائي بين مجلس الدولة والمحكمة العليا “الغرفة العقارية “.
و رغم ذلك كله فإن مسألة الاختصاص النوعي تتعلق بالنظام العام و تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها و في أي مرحلة أو حالة كانت عليها الدعوى طبقا لما ورد في المادة 93 من قانون الإجراءات المدنية، و رتب المشرع على المبدأ جواز تمسك أطراف المنازعة بالدفع بعدم الاختصاص في أي مرحلة من مراحل سيرالدعوى، و يجوز التمسك به أول مرة أمام جهة الاستئناف و حتى أمام المحكمة العليا ( )و يجوز المتدخل في الخصام إثارته .
غير أن الفصل في المنازعة العقارية يتطلب إلى جانب اختصاص المحكمة الفاصلة نوعيا، أن تكون مختصة إقليميا و هذا هو موضوع المطلب الثاني .

الاختصاص الإقليمي للفصل في المنازعة العقارية

سبق في المطلب الأول معرفة أساس تطبيق الاختصاص النوعي للفصل في المنازعة العقارية وتحديد معياره وقواعده، لكن غير كاف وحده للقول باختصاص الجهة القضائية عادية كانت أو إدارية لنظر المنازعة العقارية.
بل لابد من اختصاص الجهة القضائية محليا، ذلك أنها مسألة تتعلق بالتنظيم القضائي ، منعا من تداخل الجهات القضائية في نفس النظام سواء العادي أو الإداري فيما بينها ، وقد نظم المشرع الجزائري مسالة الاختصاص الإقليمي في قانون الإجراءات المدنية وتناولت إلى جانب ذلك بعض القوانين الخاصة تلك المسألة.
توضيحا لنطاق تطبيق الاختصاص الإقليمي في المنازعة العقارية ، وجب التعرض لمفهوم الاختصاص الإقليمي( الفرع الأول) ثم إلى الأساس القانوني للاختصاص الإقليمي ( الفرع الثاني).

الفرع الأول : مفهوم الاختصاص الإقليمي
لتحديد مفهوم الاختصاص الإقليمي للفصل في المنازعة العقارية لا بد من تعريف الاختصاص الإقليمي (أولا) ثم تحديد طبيعة الاختصاص الإقليمي ومدى تعلقه بالنظام العام من عدمه (ثانيا).

أولا- تعريف الاختصاص الإقليمي : في المنازعة العقارية
نصت المادة الثامنة (08) من قانون الإجراءات المدنية على القاعدة العامة في الاختصاص الإقليمي ، ويقصد به: ” أن تمارس الجهة القضائية صلاحية الفصل في القضايا المعروضة عليها في نطاق اختصاصها المحدد بناء على التقسيم والتنظيم القضائي ” ( ).

ثانيا – طبيعة الاختصاص الإقليمي
أرسى المشرع قاعدة عامة في الاختصاص الإقليمي، أن المحكمة المختصة هي محكمة موطن المدعى عليه، وهنا تبنى الاختصاص الشخصي أي موطن وجود المدعى عليه( ) ، والموطن طبقا للمادة 36 من قانون مدني هو: ” المكان الذي يوجد فيه السكن الرئيسي للشخص ، وفي حالة عدم وجوده يحل محله مكان إقامته “.
غير أن المشرع خرج عن القاعدة العامة وأورد استثناءات بموجب الفقرة الثانية من المادة الثامنة (08 ) السابقة حين حدد محكمة معينة يحق لها الفصل دون سواه في قضايا معينة .

ولا شك أن المشرع عندما عقد هذا الاختصاص ابتغى من وراء ذلك تحقيق أهداف تخدم ملف الدعوى ومبادئ العدالة ( ).
نخلص من خلال مفهوم الاختصاص الإقليمي إلى القول بأنه اختصاص غير متعلق بالنظام العام، لا يجوز للقاضي إثارته من تلقاء نفسه، ولقد أشارت المادة 93 من قانون الاجراءات المدنية إلى ذلك بقولها: ” في جميع الحالات الأخرى يجب أن يبدي الدفع بعدم الاختصاص قبل أي دفع أو دفاع آخر “.

وعلى هذا الأساس يظهر مسلك المشرع الجزائري منسجما مع مفهوم الاختصاص المحلي لأن قواعد هذا الأخير شرعت لمصلحة المتقاضين وليست لمصلحة النظام العام( )، وغني عن البيان أن مسألة الاختصاص الإقليمي ( ) لا تطرح بالنسبة للمحكمة العليا أو مجلس الدولة ، باعتبارهما هيئتان يمتد اختصاصهما لكامل أراضي الجمهورية، وإنما يطرح مسألة الاختصاص المحلي بالنسبة للهيئات القضائية التي تكون من نفس النوع ( المحاكم والمجالس القضائية).

الفرع الثاني : الأساس القانوني للاختصاص الإقليمي
يستمد الاختصاص الإقليمي وجوده من قانون الإجراءات المدنية ( ) إلى جانب بعض القوانين الخاصة.
على هذا الأساس وجب التطرق إلى الأساس الوارد في المادة الثامنة (08) قانون الإجراءات المدنية (أولا) ثم إلى الأساس الوارد في القوانين الخاصة (ثانيا).

أولا- الأساس الورد في المادة الثامنة من قانون الإجراءات المدنية
حدد المشرع في المادة الثامنة (08) قانون الإجراءات المدنية المحكمة المختصة محليا بنظر المنازعة العقارية وهي محكمة موطن المدعى عليه، غير أنه أورد استثناءات على هذه المادة.
وما يهمنا في هذه الاستثناءات هو الاختصاص المحلي لنظر المنازعة العقارية باعتبارها موضوع الدراسة الحالية.
فأوردت المادة الثامنة (08) أعلاه في فقرتها الثالثة مايلي :” في الدعاوى العقارية أو الأشغال المتعلقة بالعقار أو دعاوى الإيجارات بما فيها التجارية المتعلقة بالعقارات أمام المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها “.
إلى جانب ذلك أوردت الفقرة الأخيرة من المادة السابقة اختصاص المحاكم المنعقدة في مقر المجالس القضائية فيما تعلق بالحجز العقاري، وتسوية قوائم التوزيع وبيع المشاع، ونحسب أن هذا الاختصاص اختصاص نوعي وليس إقليمي.
نخلص من خلال الأساس الوارد في المادة الثامنة المتعلق بالاختصاص الإقليمي إلى القول بأن هذا الاختصاص منظم بالنظر إلى الجهات القضائية العادية، غير أنه يختلف بالنسبة إلى الجهات القضائية الإدارية أين يتدخل إلى جانب المادة المذكورة أعلاه معيار الجهة الإدارية المدعية أو المدعى عليها، وهو ما سنعرض له ثانيا.

ثانيا- الأساس الوارد في القوانين الخاصة
نتناول بخصوص الأساس الوارد في القوانين الخاصة، الاختصاص للمحاكم الادارية (أ) ثم الاختصاص الإقليمي للغرف الجهوية (ب) .

أ- الاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية :
نظم المرسوم التنفيذي رقم 98-356 الاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية ( ) أين أعطى الاختصاص للغرف الإدارية إلى غاية تنصيب المحاكم.
نصت المادة الثانية (02) من هذا المرسوم على أن: ” تنشأ عبر كامل التراب الوطني إحدى وثلاثون (31) محكمة إدارية كجهات قضائية للقانون العام في المادة الإدارية “.
وهذه المحاكم تتنوع بين: محاكم ذات اختصاص وحيد، أو اختصاص ولايتين، أو اختصاص ثلاث ولايات ( ).
غير أن المعيار الذي تبناه المشرع بخصوص هذا التقسيم المتعلق بالاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية لا يمكن معرفته، أن كان يتعلق بالكثافة السكانية أم بعدد البلديات المعنية باختصاص المحكمة الإدارية.
وقد حددت المادة الثالثة (03) من نفس المرسوم السابق الاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية، عن طريق إرفاق هذا الأخير بملحق يتضمن جدولا يحدد المحاكم والبلديات التابعة لدائرة اختصاصها.

ب- الاختصاص الإقليمي للغرف الجهوية :
يشكل المرسوم التنفيذي رقم 90-407 المؤرخ في 22 ديسمبر 1990، النص القانوني الأساسي لتحديد الاختصاص الإقليمي للغرف الإدارية الجهوية بحيث يتعلق بقائمة المجالس القضائية واختصاصها الإقليمي العاملة في إطار المادة السابعة (07) من قانون الإجراءات المدنية.
وقد أوردت المادة (02) من المرسوم السابق خمسة غرف جهوية وحددت الولايات التي يمتد اختصاص الغرفة الإقليمي إليها.
نخلص من خلال نطاق الاختصاص الإقليمي في المنازعة العقارية، أن القاعدة العامة في تحديد الاختصاص هي موطن المدعى عليه، وإذا كان أحد طرفي النزاع إداريا بمفهوم المادة السابعة يتحدد الاختصاص بمكان وجود السلطة الإدارية.

خلاصة المبحث الأول

خلاصة لما جاء في هذا المبحث المتعلق بالاختصاص للفصل في المنازعة العقارية، أنه إذا كان أحد طرفي المنازعة شخصا إداريا انعقد الاختصاص مبدئيا للقضاء الإداري طبقا للمعيار العضوي الوارد في المادة السابعة (07) قانون الإجراءات المدنية، غير أن هناك بعض الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ أين ينعقد للقضاء العادي الاختصاص بالفصل في المنازعة العقارية رغم أن أحد طرفي النزاع شخص إداري.
لكن الاختصاص النوعي وحده غير كاف للقول باختصاص الجهة القضائية، بل لا بد أن تكون هذه الجهة سواء إدارية كانت أم عادية مختصة إقليميا، بموجب موطن المدعى عليه مع مراعاة التقسيم والتنظيم القضائيين للجهات القضائية الإدارية.
إلى جانب ذلك كله قد تطرأ حالات واقعية لم ينظمها المشرع تتعلق بالاختصاص أين يثور مشكل التنازع فيه بين النظامين القضائيين العادي والإداري، الأمر الذي يستوجب تدخل محكمة التنازع، وهو ما سيكون موضوع بحث ودراسة في المبحث الثاني من هذه المذكرة.

المبحث الثاني
الفصل في منازعات تنازع الاختصاص في المادة العقارية :
محكمة التنازع أولا و أخيرا

المبحث الثاني
الفصل في منازعات تنازع الاختصاص في المادة العقارية

ينظر القضاء العادي و القضاء الإداري في المنازعة العقارية بموجب الاختصاص الذي خوله القانون لكليهما، غير أنه تبرز حالات في الواقع القضائي تطرح تنازع بين تلك الجهات للفصل في هذا النوع من المنازعة.
و مرد ذلك تعدد المنازعات العقارية بتعدد القوانين المنظمة لها و تشعبها، أين يصعب على الجهات القضائية بنوعيها الإلمام بها في غياب نظام تخصص القضاة من ناحية و كثرة تدخلات الإدارة بالتنظيم و الضبط في الميدان العقاري من ناحية أخرى.
تشكل محكمة التنازع ضابط الفصل في تنازع تلك الجهات القضائية باعتبارها هيئة قضائية سامية، تضمن السير الحسن لنظام القضاء المزدوج الذي تشكل قمة هرمه.
و إذا كانت محكمة التنازع في الجزائر تشبه أغلب الهيئات القضائية المماثلة في بعض الدول( ) فإن لها بعض الخصائص التي تميزها عن غيرها.
إن دراسة محكمة التنازع كأساس للفصل في تنازع الاختصاص( ) في المادة العقارية تشكل أهمية كبيرة في النظام القضائي للدولة من جهة، و تعد ضمانة لحماية حق اللجوء للقضاء المكرس دستوريا( ) من جهة أخرى، و عليه لابد من تحديد حالات تنازع الاختصاص في المادة العقارية ( المطلب الأول) ثم نتناول محكمة التنازع جهة فاصلة في تنازع الاختصاص (المطلب الثاني).

المطلب الأول
حالات تنازع الاختصاص في المادة العقارية

يقتضي تنازع الاختصاص أن يعرض على قاضي القسم العقاري أو القاضي الإداري نزاع يتعلق بالميدان العقاري، فيقوم أحدهما بصفة تلقائية أو بطلب الأطراف المتنازعة التصريح بعدم الاختصاص، أو يدفع أمامه بعدم الاختصاص و يستمر بالنظر فيه، فيقوم الطرف الثاني في النزاع برفع دعوى جديدة أمام الجهة القضائية الثانية.
هذه الأخيرة تقوم بالفصل في النزاع، فيصدر حكمان متناقضين، و يعود سبب ذلك في غالب الأحيان إلى ما يشوب النصوص المتعلقة بالسلطة القضائية و تقسيماتها من قصور و رغبة كل جهة قضائية توسيع وظيفتها، و مد سلطتها أو تقليصها تبعا لتقديرها( ).
إضافة لذلك صدور تشريعات تمس جوهر الروابط القانونية القائمة، أو أسس تكوين الأشخاص الاعتبارية( )، أو تغيير صفات بعض المعاملات القانونية.
تبرز حالات تنازع الاختصاص في المادة العقارية من خلال أوجه التنازع المختلفة (الفرع الأول) ثم تناقض القرارات النهائية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: أوجه التنازع المختلفة
تبرز أوجه التنازع في صورتين هما: التنازع الإيجابي (أولا) ثم التنازع السلبي (ثانيا).

أولا- التنازع الإيجابي:conflits positif
عرفت المادة 16 من القانون 98-03 المؤرخ في 03 جوان 1998 المتضمن اختصاصات محكمة التنازع تنظيمها و عملها، تنازع الاختصاص الإيجابي بأنه قضاء جهتان قضائيتان إحداهما خاضعة للنظام القضائي العادي و الأخرى خاضعة للنظام القضائي الإداري، باختصاصهما في نفس النزاع.( )
يقصد بنفس النزاع عندما يتقاضى الأطراف بنفس الصفة أمام جهة إدارية وأخرى قضائية، و يكون الطلب مبنيا على نفس السبب و نفس الموضوع المطروح أمام القاضي.
و عليه تتمثل شروط وجوب تنازع الاختصاص الإيجابي في )
– تصريح مزدوج بالاختصاص في نزاع واحد.
– صدور قرارات قضائية نهائية من طرف جهات القضاء العادي و جهات القضاء الإداري.
– أن يكون موضوع القرارين القضائيين يتعلق بنفس النزاع (وحدة الأطراف، السبب والطلب).

ثانيا- التنازع السلبي:Conflit Négatif
يعرف تنازع الاختصاص السلبي بأنه تنازع ناتج عن تصريح القضاء الإداري و القضاء العادي بعدم اختصاصهما اتجاه قضية واحدة.
و نصت المادة 16 من القانون 98-03 أنه:” يكون تنازع في الاختصاص عندما تقضي جهتان قضائيتان إحداهما خاضعة للنظام القضائي العادي و الأخرى خاضعة للنظام القضائي الإداري بعدم اختصاصهما في نفس النزاع”.
تمثل صورة التنازع السلبي الصورة المبسطة و الأكثر حدوثا في الواقع العملي، و يحق لكل طرف صدر في مواجهته حكمان متتاليين من جهتي القضاء العادي و القضاء الإداري بعدم الاختصاص اللجوء إلى محكمة التنازع يطالب فيه الحكم بتعيين الجهة القضائية المختصة( ).
و عليه تتمثل شروط التنازع السلبي في:
– تصريح مزدوج بعدم الاختصاص.
– صدور أحكام قضائية نهائية من طرف جهات القضاء العادي و جهات القضاء الإداري( ).
– يجب أن يكون موضوع القرارين القضائيين يتعلق بنفس النزاع.

يتضح من خلال أوجه التنازع المختلفة أنه كلا الحالتين: التنازع السلبي أو التنازع الإيجابي يفحص القاضي العادي (الفاصل في المسائل العقارية) أو القاضي الإداري اختصاصه بالفصل في المنازعة العقارية من عدمه، دون التطرق إلى موضوع المنازعة في حين توجد حالة من حالات التنازع أين يصدر عن كلا الجهتين القضائيتين، قرارات نهائية تطرقت لموضوع المنازعة و صدرت متناقضة.

الفرع الثاني: تناقض القرارات النهائية
يشكل تناقض القرارات النهائية حالة من حالات تنازع الاختصاص، تفترض دراستها التعرض إلى فكرة تناقض القرارات النهائية (أولا) ثم موقف المشرع الجزائري من تناقض القرارات النهائية.

أولا- فكرة تناقض القرارات النهائية: الأصل الفرنسي
ظهرت هذه الحالة من التنازع للمرة الأولى بموجب قانون 20 أفريل 1932 عقب قضية روزي (ROSAY)، و تمثلت وقائع القضية أن السيد روزي أصيب بأضرار بالغة نتيجة اصطدام سيارة خاصة كانت تنقله بأحد السيارات العسكرية، فتقدم أمام القضاء العادي طالبا التعويض عن الأضرار التي لحقته فرفضت دعواه على أساس أنه لم يقع من جانب سائق السيارة الخاصة خطأ، مما أجبره على رفع دعوى جديدة أمام مجلس الدولة فقضى بانتفاء الخطأ في جانب سائق السيارة العسكرية( )، نتج عن القضية صدور حكمين متناقضين، و أصبح المتقاضي في وضعية إنكار العدالة( ), و بالنظر لما تم في القضية أصدر المشرع القانون السالف الذكر، أين أدرج بذلك تناقض القرارات النهائية كحالة من حالات التنازع إلى جانب كل من التنازع الإيجابي و السلبي.

ثانيا- موقف المشرع الجزائري من تناقض القرارات النهائية
كرس المشرع الجزائري حالة تناقض القرارات بموجب القانون العضوي 98-03 في المادة 17 الفقرة الثالثة (3) بقوله:” في حالة تناقض بين أحكام نهائية و دون مراعاة للأحكام المنصوص عليها في الفقرة الأولى تفصل محكمة التنازع بعديا في الاختصاص”.
تحمل المادة السابقة ثلاثة شروط لقيام التناقض و هي:
– صدور قرارين نهائيين في موضوع دعوى عن جهات القضاء العادي و جهات القضاء الإداري.
– تعارض القرارين تعارضا يؤدي إلى إنكار العدالة بالنسبة للشخص رافع الدعوى.
– أن يكون موضوع القرارين يتعلق بنفس النزاع (وحدة الأطراف، السبب و الموضوع).
و قد كرست محكمة التنازع هذه الصورة في قرار 12 المؤرخ في 24 ديسمبر 2001 غير منشور( )، و تعلق الأمر بصدور قرار عن مجلس قضاء تيارت قضى على المدعى عليه بالطرد من الأرض المتنازع عليها بعد أن استرجعها بموجب مقرر ولائي صادر في 24 أفريل 1991 بعد أن كانت مؤممة في إطار الثورة الزراعية.
عاود المدعى عليه رفع دعوى أمام القضاء الإداري انتهت بتثبيت حقه في القطعة المتنازع عليها بموجب قرار صادر بتاريخ 24 ديسمبر 1998 عن مجلس الدولة.
خلصت محكمة التنازع بعد تطبيق أحكام المادة 17 إلى القول:” بأن التنازع قائم، وأن القضاء الإداري هو المختص بالفصل في القضية، ومنه بأن القرار الوحيد الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ 24 ديسمبر 1998 هو الوحيد القابل للتنفيذ”.
نخلص من خلال حالات تنازع الاختصاص في المادة العقارية إلى القول بأن التنازع قد يكون إيجابيا , سلبيا و تناقضا في القرارات القضائية , يعود الفصل فيه إلى محكمة التنازع باعتبارها هيئة قضائية تعلو النظام القضائي المزدوج( ), و حتى تكتمل الدراسة وجب التعرض لها من خلال المطلب الثاني.

المطلب الثاني
محكمة التنازع جهة فاصلة في منازعات تنازع الاختصاص

قد يتمسك مجلس الدولة و المحكمة العليا ( الغرفة العقارية) باختصاصها أو يتخليان عنه، و قد تصدر قرارات نهائية متناقضة إذا ما تمسكا به، فيعود إلى محكمة التنازع الفصل في تلك المنازعات المتعلقة بالاختصاص قبليا و بعديا.
على هذا الأساس نتطرق إلى الإطار القانوني لاختصاص محكمة التنازع( الفرع الأول) ثم إلى كيفية حل تنازع الاختصاص في المادة العقارية (الفرع الثاني).

الفرع الأول : الإطار القانوني لإختصاص محكمة التنازع
يشكل الإطار القانوني لاختصاص محكمة التنازع مجموع النصوص القانونية المتعلقة بأساس إعمال محكمة التنازع (أولا) و طبيعة اختصاص محكمة التنازع( ثانيا).

أولا- أساس إعمال محكمة التنازع: أساس دستوري
تجد محكمة التنازع أساس وجودها في نص المادة 152 من دستور 1996 و التي تنص على:” تؤسس محكمة التنازع تتولى الفصل في حالات تنازع الاختصاص بين المحكمة العليا و مجلس الدولة”.
و قد أحالت المادة 153 من الدستور عمليه تنظيم واختصاص محكمة التنازع إلى القانون العضوي.
صدر القانون العضوي 98-03 المؤرخ في 03 جوان 1998 المتضمن اختصاصات محكمة التنازع( )، تنظيمها و عملها، و قد احتوى على 34 مادة تنظيمية مصنفة في خمس فصول:
– الفصل الأول: أحكام عامة (أربعة مواد).
– الفصل الثاني: تنظيم تشكيلة محكمة التنازع( أربعة مواد).
– الفصل الثالث: عمل محكمة التنازع (ثلاثة مواد).
– الفصل الرابع: الإجراءات المتبعة أمامها (تسعة عشر مادة).
– الفصل الخامس: أحكام انتقالية( مادة واحدة) .

وجه جانب من الفقه انتقادات للقانون العضوي 98-03 السابق ذكره تتعلق بالنقص من حيث ترتيب المواد و بالنظر للمنهجية، و نقص من حيث عدد المواد الضرورية لعمل محكمة التنازع( ).

ثانيا- طبيعة إختصاص محكمة التنازع: اختصاص محدد قانونا
تتكفل محكمة التنازع بالفصل في تنازع الاختصاص بين المحكمة العليا و مجلس الدولة( )، و يقتصر دور القاضي على حل المسألة جوهريا دون التدخل في موضوع القضية المطروحة أمامه، إلا في حالة ما إذ كان النظر في الموضوع ضروري لتحديد الجهة القضائية المختصة، كالقضايا التي تطرح مشكل الاعتداء المادي (la voie de fait) الذي يتطلب من قاض محكمة التنازع أن يلاحظ وجود الاعتداء المادي قبل تحديد الجهة القضائية المختصة.

كما أن محكمة التنازع لا تختص في النظر في تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية التابعة لنفس النظام( ).

وعليه فإن قواعد اختصاص محكمة التنازع لا يمكن مخالفتها أو الاتفاق على مخالفتها، فهي محددة قانونا و تتلخص في حالات التنازع الثلاث التي سبق التطرق لها في المطلب الأول من المبحث الثاني.

الفرع الثاني: حل تنازع الاختصاص في المادة العقارية
يؤول حل مشكل تنازع الاختصاص في المادة العقارية إلى محكمة التنازع، بتحقق حالة من حالات التنازع المحددة قانونا.
غير أن حل التنازع أمام محكمة التنازع، يكون بناء على إخطار هذه الأخيرة (أولا) ثم حجية قرارات محكمة التنازع (ثانيا).

أولا- كيفية إخطار محكمة التنازع
يتم إخطار محكمة التنازع بطريقتين حددهما القانون العضوي 98-03 المتضمن إختصاصات محكمة التنازع و هما :
رفع دعوى (أ) أو عن طريق الإحالة (ب)

أ- رفع دعوى: الأطراف المعنية
خصت المادة 17 من القانون العضوي 98-03 أطراف النزاع دون غيرهم برفع دعواهم أمام محكمة التنازع.
و يقصد بالأطراف: المدعى، المدعى عليه، المدخل في الخصام، و المعترض ضد الحكم بعدم الاختصاص( )، الذين لهم أجل شهرين تسري ابتداء من اليوم الذي يصبح فيه القرار الأخير غير قابل لأي طعن أمام الجهة القضائية سواء العادية أو الإدارية.
و يشترط لرفع الدعوى أمام محكمة التنازع:
– أن يكون القرارين صادرين عن جهتين قضائيتين إحداهما خاضعة للقضاء العادي و الأخرى للقضاء الإداري، و أكدت محكمة التنازع ذلك في قرارها رقم 13 غير منشور المؤرخ في 24 ديسمبر 2001.
– أن يكون القرارين منصبان على نفس الموضوع و عرفت محكمة التنازع وحدة النزاع في قرارها رقم 13 بقولها:” أن النزاع بين الطرفين يختلف من دعوى إلى أخرى إذ أن موضوع النزاع في الدعوى الأولى يتعلق بمخطط البناء و ترك المسافة القانونية لاستعمال حق في المطل، في حين أن الدعوى الثانية تخص طلب إبطال مداولة و عقد إداري يتضمن بيع قطعة ترابية، وعليه فإن الشروط المطلوبة في المادة 16 من القانون العضوي 98-03 متوفرة، ذلك أن التنازع في الاختصاص لا يكون قائما إلا إذا فصل في نفس النزاع من جهتين قضائيتين”( ).
– أن يكون القرارين غير قابلين لأي طعن أمام الجهات القضائية العادية و الإدارية.

و أكدت محكمة التنازع هذا الشرط في قرارها رقم 14 المؤرخ في 24/12/2001 غير منشور بقولها:” حيث أنه في قضية الحال لا يستفاد من الوثائق و المستندات المقدمة أن القرار الصادر عن الغرفة المدنية لمجلس قضاء تيزي وزو(..) و القرار الصادر عن الغرفة الإدارية قد صارا نهائيين”( ).

ب- الإحالة: القاضي المخطر بالخصومة
نصت المادة 18 من القانون العضوي 98-03 على أنه:” إذا لاحظ القاضي المخطر في خصومة أن هناك جهة قضائية قضت باختصاصها أو بعدم اختصاصها، وأن قراره سيؤدي إلى تناقض في أحكام قضائية لنظامين مختلفين، يتعين عليه إحالة ملف القضية بقرار مسبب غير قابل لأي طعن إلى محكمة التنازع للفصل في موضوع الاختصاص”.( )
و قد كانت للغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر السابقة في المبادرة إلى هذا الإجراء، في أول قرار صدر عن محكمة التنازع( ).
في هذه الحالة تتوقف كل الإجراءات إلى غاية صدور محكمة التنازع، و يعد إجراء الإحالة إجراء وقائي و وجوبي، كون أن القاضي الإداري أو العادي يبني قناعته و يصل إلى نتيجة هي أن القرار الذي سيصدره يتعارض مع قرار قضائي نهائي سبق و أن أصدرته جهة أخرى، وجب عليه أن لا يصدر قراره، لأنه لو فعل ذلك أطال عمر النزاع و خالف محتوى المادة 18.
إن اعتماد المشرع نظام الإحالة محاولة منه إجهاض القرار الثاني قبل أن يظهر للوجود، و قد ألزمت المادة السابقة أعلاه على القاضي تسبيب قراره، و مرد ذلك إطلاع محكمة التنازع على الأسباب التي دفعت القاضي إلى تطبيق الإحالة.
كما أن قرار الإحالة الصادر عن القاضي العادي أو الإداري لا يمس بأصل النزاع و موضوعه، غايته استفتاء محكمة التنازع للفصل في الاختصاص، وهي الحكمة وراء تقرير المشرع عدم قابلية القرار لأي طريق من طرق الطعن.
و أشارت المادة 18 في فقرتها الثانية (2) إلى إلزام كاتب ضبط الجهة القضائية التي أصدرت قرار الإحالة، إرسال نسخة من القرار مرفقة بالوثائق المتعلقة بالقضية إلى محكمة التنازع في أجل شهر يسري من تاريخ النطق بقرار الإحالة، و قد أوردت المادة 19 الفقرة الثانية(2) من نفس القانون حكم يتعلق بتطبيق القواعد المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية عندما يتعلق الأمر بالإحالة.

نخلص إلى القول أنه بمجرد إخطار محكمة التنازع وفق الإجراءات المحددة قانونا، تنظر في التنازع و تصدر قرارها، فما هي حجية تلك القرارات الصادرة عنها؟

ثانيا- حجية قرارات محكمة التنازع: نهائية ملزمة
تمر دعوى التنازع بمجرد رفعها أمام محكمة التنازع بجملة من الإجراءات، بدءا من تعيين المستشار المقرر(أ) و انتهاء بصدور القرار(ب).

أ‌- تعيين المستشار المقرر:
هو اختصاص أصيل لرئيس محكمة التنازع بمجر إخطاره، هذا المستشار الذي يعد تقريرا مكتوبا لدى كتابة الضبط بغرض إرساله إلى محافظ الدولة طبقا لما ورد في المادة 22 من القانون 98-03.
بعد ذلك تنعقد محكمة التنازع بدعوة من رئيسها، أين يتلى التقرير المكتوب علنا، لتمكين أطراف النزاع تقديم ملاحظاتهم الشفوية، ثم يستمع إلى مذكرة محافظ الدولة، و هو ما أشارت له المادتين 25،26 من نفس القانون.

ب- صدور قرار محكمة التنازع :
نصت المادة 28 من القانون أعلاه على أن قرار محكمة التنازع يصدر بأغلبية الأصوات، و يرجح صوت الرئيس في حالة التساوي.
و ألزمت المادة 29 محكمة التنازع بوجوب الفصل في الدعاوى المرفوعة أمامها في أجل أقصاه ستة(06) أشهر تسري من تاريخ تسجيلها( ).
وتبلغ كتابة ضبط المحكمة نسخا من القرارات إلى الأطراف المعنية، و يرسل ملف القضية مرفقا بنسخة من القرار إلى الجهة القضائية المعنية في حالة الإحالة، في أجل شهر من تاريخ النطق بالقرار.
و تكون قرارات محكمة التنازع غير قابلة لأي طريق من طرق الطعن، و ملزمة لقضاة النظامين القضائيين العادي و الإداري، و أن الاختصاص الذي تقرره لا يمكن إبداء غيره كما أنه يفرض على الهيئات الإدارية ( ).

نخلص من خلال حل تنازع الاختصاص في المادة العقارية، أن الفصل في التنازع يكون بناءا على دعوى قضائية وفقا للشروط القانونية من أطراف النزاع، أو بناءا على إجراء الإحالة، أين تصدر محكمة التنازع قرارها بناءا على الإجرائين السابقين ملزمة في ذلك كلا النظامين القضائيين.

خلاصة المبحث الثاني

خلاصة لما جاء في هذا المبحث المتعلق بضابط الفصل في منازعات تنازع الاختصاص في المادة العقارية، أن محكمة التنازع هي المختصة بذلك أولا و أخيرا.
و تمارس محكمة التنازع عملية الفصل إما بعديا في حالة تناقض الأحكام النهائية أو قبليا في حالة نظام الإحالة، و تكون قراراتها غير قابلة لأي طريق من طرق الطعن ملزمة في ذلك لقضاة النظامين القضائيين العادي و الإداري.

الخاتمة

تعرضت على صفحات هذه المذكرة إلى تنازع الاختصاص بين القاضي العادي والقاضي الإداري في مجال المنازعة العقارية من خلال النصوص القانونية المتعلقة بالموضوع والاجتهاد القضائي المكرس من قبل الغرفة العقارية بالمحكمة العليا ومجلس الدولة، توسعت في بعض النقاط واختصرت في بعضها حسب الأهمية، وأحسب ذلك إلتزام بمعالجة الموضوع ، خاصة أن الاختصاص القضائي وتوزيعه بين القاضي العادي والقاضي الإداري في مجال المنازعة العقارية مشكل مطروح في إطار الممارسة القضائية المزدوجة.
اتضح من خلال هذا البحث أن كل المنازعات العقارية التي تكون الدولة، الولاية، البلدية، أو إحدى المؤسسات العمومية طرفا فيها، تخضع مبدئيا القاضي الإداري تطبيقا للمعيار العضوي الوارد في المادة السابعة (07) من قانون الإجراءات المدنية إلا ما استثني بنص خاص، ويترتب على ذلك أن يضطلع القضاء الإداري بالفصل في المنازعة المتعلقة بالأملاك الوطنية العمومية مطبقا قواعد وضوابط القانون العام.

أما بخصوص المنازعات الواردة على الأملاك الخاصة فيتقاسم الاختصاص بين القضاء العادي والقضاء الإداري على حد سواء، تأسيسا على معيار القانون الواجب التطبيق.

لكن إلى جانب ذلك كله، فإن المنازعة العقارية ذات طبيعة خاصة بالنظر إلى طرفي المنازعة ذاتها التي قد تشتمل شخصا إداريا عاما وبالنظر للأملاك العقارية محل المطالبة القضائية التي تؤول ملكيتها أو تسييرها للدولة بمفهومها العام.
هذه الطبيعة الخاصة تفرض تنازع في الاختصاص عند الفصل في المنازعة العقارية، أين تتدخل محكمة التنازع باعتبارها ضابط في الفصل في هذا التنازع القائم، بموجب قرارات غير قابلة لأي طعن ملزمة كلا النظامين القضائيين العادي والإداري.
ويتجلى في الأخير أن الكفيل بدرء تنازع الاختصاص هو القاضي نفسه، أين يكون ملزما بالتكييف القانوني الصحيح والسليم للمنازعة العقارية، دون أن يقف على ما قدمه طرفي الخصومة المعروضة عليه، طالما أن مسألة الاختصاص لم تعد جامدة، خاصة أن المشرع الجزائري أكمل المادة السابعة (07) بالمادة السابعة (07) مكرر من قانون الإجراءات المدنية.
مما يجعل الاختصاص القضائي مرنا بحكم القوانين الخاصة والمتشعبة، أين وجب على القاضي العادي أو الإداري التريث عند التصريح باختصاصه النوعي أو عدم اختصاصه بالفصل في المنازعة العقارية.

فالميدان العقاري الحالي يعتريه التناقض، التضخم وعدم التجانس بالنظر للقوانين العقارية المنظمة له، جعل منها صعبة الفهم والتطبيق، وترتب عنها فشل كل محاولات الدولة في تطهير العقار، فلم تتحقق إصلاحات السياسة العقارية فبقي العقار يتأرجح بين التشريع والقضاء.

وكان من المفروض، توخي المشرع الدقة في سن تلك القوانين المنظمة لهذا الميدان إلى درجة الوضوح، لإزالة كل غموض يعتري تطبيق هذه النصوص،ضمانا لملكية الدولة والأفراد، خاصة أن الدولة الجزائرية أخذت بالتوجه الاقتصادي الحر الذي يشكل العقار أهم دعامة من دعائمه.
انعكس كل ذلك على القضاء الجزائري المزدوج، وطرح مشكل التناقض في القرارات والاختلاف في التطبيق القضائي للنصوص القانونية، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تعداه إلى تناقض القرارات بين الجهات القضائية لنفس النظام الواحد سواء العادي منه أو الإداري فيما تعلق بالاختصاص القضائي.

يعول على المحكمة العليا ومجلس الدولة باعتبارهما هيئتان قضائيتان مقومتان لأحكام الجهات القضائية التابعة لهما، في إرساء مبادئ واجتهادات قضائية موحدة في مسألة الاختصاص القضائي بما يتلاءم والطبيعة الخاصة بالمنازعة العقارية، دون أن ننسى الدور الذي تلعبه محكمة التنازع في ضبط الإشكالات المتعلقة بتنازع الاختصاص في المادة العقارية باعتبارها الفيصل في ذلك.

ومن ثمة، فقد حان الوقت وأصبح الأمر حتمية ضرورية لطرح تلك الاختلافات والتناقضات بصورة أكاديمية لحلها، باجتماع الغرفة العقارية بالمحكمة العليا ومجلس الدولة توحيدا للرؤى وخروجا (( باجتهاد قضائي مشترك)).

قــــــــائمـــــة المـــــــــــراجــــــع

أولا- المؤلفات
أ- باللغة العربية :
1- ابن خلدون، المقدمة، الدار التونسية للنشر، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزء الأول،1984.
2- الغوثي بن ملحة، القانون القضائي الجزائري، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، الطبعة الثانية2000.
3- بن يوسف بن رقية ، شرح قانون المستثمرات الفلاحية، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، طبعة 2001.
4- رشيد خلوفي، القضاء الإداري تنظيم واختصاص، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 2002.
5- عمر حمدي باشا ، القضاء العقاري، دار هومة، الجزائر طبعة 2002.
6- عمار بوضياف، النظام القضائي الجزائري، دار الريحانة للنشر والتوزيع،الجزائر، طبعة 2003.
7- عمر حمدي باشا ، ليلى رزوقي، المنازعات العقارية، دار هومة، الجزائر، طبعة 2003.
8- مصطفى أبو زيد فهمي، القانون الإداري، ذاتية القانون الإداري، الدار الجامعية للنشر والطباعة، القاهرة، 1993.
9- مسعود شيهوب، المبادئ العامة في المنازعات الإدارية، نظرية الاختصاص، الجزء الثالث، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، طبعة 1999.
10- مصطفى أبو زيد فهمي، قضاء الإلغاء، شروط قبول أوجه الإلغاء، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية2001.
11- محمد الصغير بعلي، الوجيز في المنازعات الإدارية، دار العلوم للنشر والتوزيع، عنابة، طبعة 2002.

ب- باللغة الفرنسية :
1- AHMED RAHMANI : Les Biens Publics, éd international, 1996.
2- CLAUDE GAYARD : La Compétence Des Tribunaux Judiciaire En Matière Administratif, Parix Mouchertiai, éd 1962.
3- FRANÇOIS CHOUVEL : Les Cas Du Partage Du Tribunal Des Conflits, Paris Economa, .France.éd1984.
4- PIERRE HENRI PRELOT : Tribunal Des Conflits, Juris Classeur , éd 1997, France, Fascicule N° 1065.
ثانيا- الرسائل والمذكرات
1- نصيرة دحو ( ز ) بورنان، اختصاص القاضي العقاري في المنازعات التي تكون الإدارة طرفا فيها، مذكرة تخصص عقاري، الدفعة الثانية، المعهد الوطني للقضاء2001-2002.
2- سماعين شامة، الأدوات القانونية للسياسة العقارية ، رسالة ماجيستير ، كلية الحقوق بن عكنون جماعة الجزائر 1998.
3- حياة حاجي، العقد التوثيقي ومدى سلطة القاضي في أبطاله، مذكرة تخرج، المعهد الوطني للقضاء، الجزائر2001-2002.

ثالثا- المقالات
1- أحمد رحماني ، الإطار التشريعي والتنظيمي المنظم للعقار وإشكالية تطهيره، مجلة الموثق، عدد خاص بالملتقى الوطني حول التوثيق وتحديات العصرنة، الجزائر ، أفريل 2002.
2- بن يوسف بن رقية ، شروط وإجراءات إسقاط حق الانتفاع الدائم في المستثمرات الفلاحية، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية، عدد خاص حول الملتقى الوطني للقانون العقاري، جامعة الجزائر سنة 2001.
3- بوعلام مراكش، حق الامتياز يعيق الاستثمار ولا يشجعه، جريدة الخبر، الجزائر، العدد 4850 سنة 2006.
4- رشيد خلوفي، القضاء بعد 1996 إصلاح أم مجرد هيكلة؟ مجلة إدارة، المدرسة الوطنية للإدارة، الجزائر، العدد الأول سنة 2000.
5- صالح عنصر، تمثيل الدولة من طرف هيئاتها غير الممركزة، مجلة مجلس الدولة، الجزائر، العدد 01 سنة، 2002.
6- عمر زودة، تعليق على قرار محكمة التنازع رقم 01، مجلس الدولة، الجزائر، العدد 02 سنة 2002.
7- ليلى زروقي، صلاحيات القاضي الإداري على ضوء التطبيقات القضائية للغرفة الإدارية بالمحكمة العليا، نشرة القضاة، وزارة العدل، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر العدد 54، 1999.
8- ليلى زروقي، دور القاضي الإداري في مراقبة احترام الإدارة للإجراءات المتعلقة بنزع الملكية، مجلة مجلس الدولة، العدد 03سنة 2002.
9- محمد تقية وزير العدل، كلمة الندوة الوطنية للقضاء العقاري، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر سنة 1995.
10- مجيد خلفوني، الدفتر العقاري، مجلة الموثق، العدد 08، سنة 2003.
11- موسى بوصوف ، دور القاضي في المنازعات العقارية، مجلس الدولة 2002.

الفهرس
( الأرقام تحيل على الصفحات )
مقدمة 02
المبحث الأول : الاختصاص للفصل في المنازعة العقارية …………………………………………. 08
المطلب الأول : الاختصاص النوعي للفصل في المنازعة العقارية ………………………………. 09
الفرع الأول: الاختصاص النزعي في المجال العقاري ………………………………….. 10
أولا – المعيار العضوي ………………………………. ……………………………………… 10
أ- الدولة ………………………………. ……………………………………………………. 10
ب- الولاية ………………………………………………………. 10
ج- البلدية ……………………………………………….. 11
د- المؤسسة العمومية ذات الصبغة الإدارية ………………………………………………… 11
ثانيا – تطبيقات المعيار العضوي في المنازعة العقارية ……………………………………… 11
أ- تطبيقات المعيار العضوي في المكرسة في القوانيت الخاصة …………………………… 12
1- منازعات الوعاء العقاري………………………………………………………………. 12
2- منازعات العقود التوثيقية المشهرة …………………………………………………… 13
3 – منازعات قرارات المحافظين العقاريين ……………………………………………… 14
4 – منازعات نزع الملكية للمنفعة العمومية ……………………………………………… 14
ب- تطبيقات المعيار العضوي المكرسة بالممارسة القضائية المزدوجة …………………… 16
1- شهر الدعاوى العقارية ………………………………………………………….. 17
2- حجية الدفتر العقاري ……………………………………………………………. 17
3- توجيه أوامر للإدارة …………………………………………………………….. 18
الفرع الثاني : الاستثناءات الواردة على الاختصاص النوعي في المجال العقاري ……………. 19
أولا – الاستثناءات الواردة في المادة 07 مكرر قانون الإجراءات المدنية ………………….. 19
أ- مخالفات الطرق ………………………………………………. 20
ب- المنازعات المتعلقة بالإيجارات بصفة عامة ……………………………………………. 20
ج- منازعات المواد التجارية …………………………………………………………… 21
ثانيا – الاستثناءات الواردة في القوانين الخاصة ………………………………………………. 22
أ- منازعات المستثمرات الفلاحية …………………………………………………………… 22
ب- منازعات الأراضي المسترجعة والموضوعة تحت الحماية …………………………… 23
ج- منازعات الأراضي الموقوفة ……………………………………………………………. 24
المطلب الثاني : الاختصاص الإقليمي للفصل في المنازعة العقارية ……………………………… 26
الفرع الأول : مفهوم الاختصاص الإقليمي ……………………………………………………… 26
أولا – تعريف الاختصاص الإقليمي ………………………………………………………….. 26
ثانيا – طبيعة الاختصاص الإقليمي ……………………………………………………………. 27
الفرع الثاني : الأساس القانوني للاختصاص الإقليمي ………………………………………….. 28
أولا – الأساس الوارد في المادة 08 من قانون الإجراءات المدنية ……………………………. 28
ثانيا – الأساس الوارد في القوانين الخاصة ……………………………………………………. 29
1- الاختصاص الإقليمي للمحاكم الادارية ……………………………………………….. 29
2- الاختصاص الإقليمي للغرف الجهوية …………………………………… 30
خلاصة المبحث الأول …………………………………………. 30
المبحث الثاني : الفصل في منازعات تنازع الاختصاص في المادة العقارية ……………………….. 32
المطلب الأول : حالات تنازع الاختصاص في المادة العقارية ……………………………………. 33
الفرع الأول : أوجه التنازع المختلفة ………………………………………… 33
أولا – التنازع الايجابي …………………………………………… 33
ثانيا – التنازع السلبي ………………………………………….. 34
الفرع الثاني : تناقض القرارات النهائية …………………………………………………………. 35
أولا – فكرة تناقض القرارات النهائية…………………………………………………………. 35
ثانيا – موقف المشرع الجزائري من تناقض القرارات النهائية ………………………………. 36
المطلب الثاني : محكمة التنازع جهة فاصلة في منازعات تنازع الاختصاص …………………… 37
الفرع الأول : الإطار القانوني لاختصاص محكمة التنازع 37
أولا – أساس إعمال محكمة التنازع ……………………………………………………….. 37
ثانيا – طبيعة اختصاص محكمة التنازع …………………………………………………….. 38
الفرع الثاني : حل تنازع الاختصاص في المادة العقارية ………………………………… 38
أولا – كيفية إخطار محكمة التنازع ……………………………………………………………. 39
أ- رفع دعوى …………………………………………………… 39
ب- الإحالة ……………………………………………………. 40
ثانيا – حجية قرارات محكمة التنازع ……………………………………………………. 41
أ- تعيين المستشار المقرر …………………………………………….. 41
ب- صدور قرار محكمة التنازع ……………………………………………. 41
خلاصة المبحث الثاني ……………………………………………………….. 42
الخاتمة ……………………………………………………………. 44
قائمة المراجع ………………………………………………………… 46
الفهرس ………………………………………………………… 49
الملـحق…………………………………………………………….. 52