مسؤولية القاضي المدنية عن الاخطاء المهنية …

هل يسأل القاضي مدنيا عن الاخطاء المهنية المبدئية التي يرتكبها عند ممارسة عمله القضائي؟
عالج المشرع العراقي الاخطاء التي يرتكبها القاضي عن اصدار الاحكام سواء كانت الاحكام مدنية او جزائية فرسم طرق الطعن في الاحكام والقرارات التي يصدرها القاضي او هيئة المحكمة .

فأن القاضي هو انسان غير معصوم معرض للأخطاء ودليل ذلك كما اسلفنا ان المشرع رسم طرقا قانونية للطعن في الاحكام والقرارات لمعالجة هذه الاخطاء .

ولكن السؤال الذي يثور هل يسأل القاضي عن الاخطاء التي يرتكبها عن اصداره للأحكام والقرارات ؟
الاصل ان القاضي لا يسأل عن الاخطاء التي يرتكب عند اصداره الاحكام والقرارات كأصدار قرارات مخالفة للقانون او تتضمن اخطاء جوهرية او مخالفة لقواعد الاختصاص او صدر الحكم او القرار بناءا على خطأ في تأويل النص القانوني . لأن المشرع عالج هذه الاخطاء بالطعن بها لدى محاكم اعلى درجة ويعالج الخطأ في الاحكام والقرارات اما بأبطالها اوفسخها او نقضها حسب المحكمة التي تنظر الطعن وحسب نوعية الحكم او القرار المطعون فيه . وانا شخصيا متفق تماما مع المشرع العراقي من حيث اعفاء القاضي من المسؤولية عن هذه الاخطاء لان فسح المجال للمتضرر من هذه الاخطاء لمقاضاة القاضي نتيجة الضرر الذي اصابه هو اتجاه خاطئ لان الخطأ هو ليس باتا وانما هنالك امكانية لمعالجته والطعن به وان التنازل او السهو في الطعن يعد تنازلا من المتضرر او القبول بنتيجة الحكم . كذلك ان فسح المجال لمقاضاة القاضي سيؤدي الى عدم شعوره بالاستقلال فى الرأى اذا أصدر حكما من جانبه . كما أن القاضى أيضا لن يستطيع الدفاع عن نفسه فى الدعاوى المرفوعة ضده والتى قد تشغله عن أداء واجبه ممايؤدى الى تعطيل مرفق القضاء .

ولكن هنالك اخطاء يسأل القاضي او هيئة المحكمة عند ارتكابها وبأمكان المتضرر تقديم شكوى بحقهم وفي حالة ثبوت الشكوى اعطى القانون الحق للمتضرر طلب التعويض عن هذا الخطأ وتتخذ الاجراءات القانونية بحق القاضي او الهيئة .

فقد نص المشرع العراقي في المادة (286) من قانون المرافعات المدنية على التشكي من القضاة او هيئات المحاكم ورسم طريقة تقديم الشكوى واسباب التشكي ومنها ذا وقع من المشكو منه غش او تدليس او خطا مهني جسيم عند بما يخالف احكام القانون او بدافع التحيز او بقصد الاضرار باحد الخصوم اواذا قبل المشكو منه منفعة مادية لمحاباة احد الخصوم وكذلك اذا امتنع القاضي عن احقاق الحق وغيرها من الاسباب التي حددها المشرع على سبيل المثال لا الحصر .

اما في الوقت الحاضر فنشهد اخطاء مهنية جسيمة يرتكبها القضاة والهيئات القضائية دون محاسبة او رقابة مما ادى الى كثرة الاخطاء وازدياد المتضررين .

فنلاحظ اليوم خروقات كبيرة من قبل محاكم التحقيق وبالاخص محاكم التحقيق المركزية المختصة بنظر دعاوى التي تخضع لقانون مكافحة الارهاب فنرى متهمين ابرياء (لان ادانتهم لم تثبت) يقضون عدة سنوات وهم في طور التحقيق ومنهم وصلت مدة توقيفه لغرض اكمال الاجراءات التحقيقية معه مدة (11) سنة . حيث ذكر لي احد قضاة محكمة الجنايات احد المتهمين قضى في السجن مدة (11) سنة بسبب فقدان اوراقه التحقيقية بسبب اهمال محقق قضائي . والاخر افرج عنه لعدم وجود أي دليل او قرينه بحقه بعد توقيفه مدة (8) سنوات وهذه طبعا نقطة صغيرة في بحر المخالفات .

اما على صعيد الهيئات فالمخالفات والاخطاء الجسيمة موجودة وبكثرة فاليوم عند تصفحي في موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) لاحظت قيام احد القضاة المحترمين وهو احد اعضاء الهيئات التمييزية قرارا مضمونه عرض دعوى من قبل محكمة جنايات الى الهيئة التمييزية لتحديد الهيئة المختصة بنظر دعوى جنائية لمحاكمة متهم نيبالي الجنسية . فتنازعت الهيئتين الاولى والرابعة تنازعا سلبيا عن نظر دعوى المتهم الموقوف فألهيئة الجنائية الاولى احالت الدعوى الى الهيئة الرابعة لغرض نظر الدعوى بحجة عدم اختصاصها مكانيا في نظر الدعوى والهيئة الرابعة قررت رفض الاحالة مسببة الرفض انها غير مختصة مكانيا في نظر الدعوى وعرض الموضوع على الهيئة التمييزية في رئاسة الاستئناف لغرض تحديد الهيئة المختصة مكانيا في نظر الطعن وقد تضمنت قرارات الهيئتين الاولى والرابعة اخطاء جسيمة اسردها بأختصار الخطأ الاول التنازع في الاختصاص المكاني يكون بين محكمتين وليس هيئتين في محكمة واحدة وهذه تعتبر مبادئ اولية في قواعد الاختصاص يفترض معرفتها من قبل قاضي مبتدء في العمل القضائي بالرغم من ان المسافة بين الهيئتين هو 20 متر تقريبا يعني وقوعها في نفس المحكمة وفي نفس الطابق !!!

اما الخطأ الثاني هو قيام الهيئة الرابعة بعد احالة الدعوى اليها من قبل الهيئة الاولى ارسال الدعوى الى الهيئة الموسعة لمحكمة التمييز لتحديد الاختصاص بالرغم من ان محكمة التمييز الاتحادية هي جهة غير مختصة بتحديد الاختصاص المكاني اذا كان التنازع بين محاكم داخل المنطقة الاستئنافية مما تسببت الهيئتين المذكورتين بأخطاء ادت الى اضرار جسيمة لحقت بالمتهم نتيجة التأخر في نظر الدعوى فقد احيل الطلب بتاريخ 22/6/2014 وصدر القرار بتاريخ 23/10/2014 أي مرور اربعة اشهر والنتيجة هي نظر الهيئة الاولى الدعوى والتي امتنعت عن نظر الدعوى بحجة عدم اختصاصها المكاني حيث ان الهيئة المختصة مكانيا تبعد 20 متر عنها والمتهم يقضي ايامه السوداء في السجن!!!

ولا اريد التطرق للأخطاء الموضوعية الجسيمة التي ترتكب من قبل الهيئات التمييزية وامثلتها حصلت معي شخصيا كنقض قرار اعدادي لايقبل الطعن او النظر في حكم مطعون فيه من قبل محكمة التمييز واصدار قرارا بنقضه او تصديقه وهو من اختصاص محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية!!!

فكل هذه الاخطاء تقتضي تشكيل جهات قضائية رقيبة للحد منها وتعويض المتضررين منها لأنها ستضعف من هيبة القضاء بالرغم من كونه قضاء عريق له تاريخ مشرف .

بقلم
……………..المحامي ابراهيم رشيد ابراهيم…………………

إعادة نشر بواسطة محاماة نت