ما يجب على المصفي القضائي عمله حسب قانون الشركات

أبحث في هذا الفصل ما يتوجب على المصفي القضائي عمله والقيام به وفقاً لما نص عليه قانون الشركات، وما جاء في القانون المدني والفقه القانوني، والتطبيق القضائي.

فبعد أن يصدر قرار المحكمة المختصة (محكمة البداية التجارية) بحل وتصفية الشركة وتعيين مصفٍ لها وتحديد أتعابه، ورغم أن قرار تعيين المصفي يصدر مبرماً وفقاً لما نص عليه قانون الشركات، ورغم أن قرار حل وتصفية الشركة وتعيين المصفي يصدر واحداً، فإن هذا القرار ظل خاضعاً للاستئناف والنقض بحجة أن قرار تعيين المصفي فقط هو المبرم. وهذا يعني أن المصفي لن يستطيع استلام مهمة التصفية إلا بعد أن يكتسب قرار حل وتصفية الشركة الدرجة القطعية، الأمر الذي قد يستغرق عدة سنوات، وهذا ما يدعو إلى توضيح النص التشريعي لجهة اعتبار قرار حل وتصفية الشركة وتعيين المصفي مبرماً أم قابلاً للطعن؟ وفقاً لغاية المشرع.

وعندما يكتسب قرار حل وتصفية الشركة الدرجة القطعية استئنافاً ونقضاً، يقوم طالب التنفيذ (أحد الشركاء) بصفته الجهة المدعية في دعوى حل وتصفية الشركة بالإجراءات اللازمة لتفح ملف تنفيذ لدى دائرة التنفيذ لتسليم المصفي مهمة التصفية أصولاً.

ورغم أنه من المفترض أن يكون هذا الملف التنفيذي لتلبية طلبات المصفي التي تقتضيها أعمال التصفية القضائية؛ باعتباره أصبح طالب التنفيذ بعد استلامه المهمة، فإن التطبيق العملي لدى دوائر التنفيذ لم يأخذ صيغةً واحدة تتفق مع روح القانون وغاية المشرع، وأصبح الملف التنفيذي مجالاً واسعاً للأخذ والرد بين الشركاء المتخاصمين؛ مما جعله ملفاً لقضايا متعددة الغاية منها تعطيل أعمال التصفية وتأخيرها، وبالتالي إعاقة تنفيذ الحكم القضائي بحل وتصفية الشركة رغم أنه مكتسب للدرجة القطعية.

سأعرض فيما يلي الخطوات التي يجب على المصفي القضائي القيام بها بعد تبليغه موعد تسليمه المهمة بالملف التنفيذي:

يحضر المصفي إلى دائرة التنفيذ بالموعد المحدد من قبل رئاسة التنفيذ لتسليمه المهمة، ويصطحب مأمور التنفيذ المكلف وطالب التنفيذ والحاضرين من الشركاء إلى مقر الشركة ومركزها، حيث يقوم مأمور التنفيذ بتنظيم ضبط تسليم المهمة الذي يستلم بموجبه المصفي دفاتر الشركة وسجلاتها ومستنداتها وأوراقها وأموالها وأصولها.

وللتوضيح فإن هذا لا يعني أن يصبح ما يجب تسليمه للمصفي بعهدته، حيث تبقى بعهدة المعنيين المسؤولين عنها من العاملين في الشركة كلٌ حسب اختصاصه ومسؤوليته تحت إشراف ورقابة المصفي الذي تنتقل إليه سلطة الإدارة التي كانت بيد الشركاء والمديرين، وتكون مسؤولية المصفي عنها نفس مسؤولية المديرين – هذا إذا كانت متوقفة عن العمل ولم تنه خدمات العاملين فيها – أما إذا كانت متوقفة عن العمل وأنهت خدمات عمالها، فيمكن للمصفي أن يستعين بمن يراه مناسباً لإستلام مستودعات الشركة وحراستها.

على المصفي فور استلام مهمته وخلال المدة المحددة قانوناً أن يطلب من دائرة التنفيذ تزويده بكتاب موجه إلى أمانة سجل الشركات (السجل التجاري) يُفيد باستلامه المهمة، وذلك لشهر قرار تصفية الشركة وتعيينه مصفياً لها في الجريدة الرسمية وفي صحيفتين يوميتين ولمرتين، بعد أن يضع أمين السجل إشارة قيد التصفية على مسجل الشركة.
وأرى أن الإعلان عن تصفية الشركة وأسماء المصفين في الجريدة الرسمية، يجب أن لا يشمل شركات التضامن والتوصية حيث أن إجراءات تسجيلها وشهرها لا تتضمن النشر في الجريدة الرسمية كما في الشركات المساهمة المغفلة والشركات المحدودة المسؤولية.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن التصفية القضائية تنحصر بشركات التضامن وشركات التوصية، حيث أن حل وتصفية شركات الأموال المتمثلة بالشركات المحدودة المسؤولية والشركات المساهمة المغفلة تبقى من صلاحيات الهيئة العامة للشركة.

وأعتقد – حسب علمي – أنه لم يتم حل شركة مساهمة أو محدودة المسؤولية بقرار قضائي، رغم أن هناك مَن يقول أنه يحق لعددٍ من المساهمين في الشركة المساهمة أو من الشركاء أصحاب الحصص في الشركة محدودة المسؤولية أن يتقدموا بدعوى يطلبون فيها حل الشركة وتصفيتها. وأنا أرى عدم جواز ذلك لأن هذا القرار يجب أن تتخذه الهيئة العامة التي تضم جميع مالكي الشركة.

بعد شهر قرار تصفية الشركة وتعيين المصفي أصولاً، على المصفي أن يطلب من أمانة السجل تزويده بشهادة تسجيل شركة (سجل تجاري) معدلة بما يُفيد تعيينه مصيفاً للشركة ويوقع عنها وأنها أصبحت شركة (تحت التصفية).
على المصفي أن يطلب من دائرة التنفيذ تزويده بكتاب موجه إلى المحكمة التي عينته يُفيد باستلامه المهمة لتقديمه إليها مع صورة طبق الأصل عن قرار تعيينه وحل وتصفية الشركة، بغرض فتح ملف للتصفية لدى المحكمة باعتبارها المشرفة على أعمال التصفية. ويطلب من المحكمة تزويده بكتاب (عدة نسخ) إلى من يهمه الأمر يُفيد بأنه يُمثل الشركة بصفته مصفياً قضائياً لها وفقاً للقانون.

على المصفي أن يختار خبير محاسبي ليكون محاسباً للتصفية بدوام جزئي أو كامل حسب حجم العمل وطبيعته ويحدد أتعابه، ويعرض الأمر على رئيس المحكمة لأخذ موافقته. أما في حال كون محاسب الشركة ما زال قائماً على رأس عمله، فهو الذي يقوم بعمل محاسب التصفية.
وتراعى الأحكام القانونية المتعلقة بمسك وتدقيق حسابات الشركة حسب نوع الشركة ووضعها، وغالباً ما تكون أوضاع الشركة التي يتم تصفيتها من شركات التضامن أو التوصية التي لا تستوجب وجود محاسب قانوني؛ لكني أرى أن يكون محاسب التصفية (محاسباً قانونياً) وإذا كان مصفي الشركة من الخبراء الحسابيين أو محاسب قانوني، فإنه لا يجوز – برأيي – أن يتولى بنفسه مسك حسابات التصفية.

وإن ما نصت عليه الفقرة السادسة من المادة /22/ من قانون الشركات بأن يستمر مدقق الحسابات في الشركة في وظيفته طيلة فترة التصفية وينضم إليه خبير محاسبي تعينه المحكمة لمراقبة أعمال التصفية في حال كان تعيين المصفي بحكم قضائي، لا لزوم له، ويستعاض عنه بمحاسب التصفية.

بعد أن يقوم المصفي بما ورد في الفقرات السابقة، عليه القيام بمتابعة الأعمال التمهيدية للتصفية وعلى الأخص ما يلي:
أ – إعداد قائمة بجرد موجودات الشركة وأصولها التي استلمها وفقاً للضبط التنفيذي، وإيداع نسخة عنها في الملف التنفيذي للتصفية لدى دائرة التنفيذ.

ب- وضع كشف تفصيلي يبين ما للشركة من حقوق ومطاليب وما عليها من ديون والتزامات، وفقاً لدفاتر الشركة وحساباتها.

ج – في حال كون الشركة غير متوقفة عن العمل، فيجب على الذين كانوا يقومون بإدارة الشركة قبل حلها التعاون مع المصفي لإعداد ميزانية أو ميزان مراجعة لحسابات الشركة موقوفة بتاريخ إستلام المصفي مهمته.

وفي حال كون الشركة متوقفة عن العمل، وعدم وجود ميزانية للشركة موقوفة بتاريخ توقفها عن العمل، فيتولى محاسب التصفية القيام بذلك.

د – يجب على المصفي أن يقوم خلال تسعين يوماً من تاريخ شهر تعيينه بنشر إعلان في صحيفتين ولمرتين يتضمن دعوة الدائنين لمراجعة مقر الشركة وبيان دين كل منهم والتقدم بمستنداتهم وعناوينهم خلال مهلة تسعين يوماً من تاريخ نشر الإعلان الأول.

هـ – على المصفي الوقوف على حال الشركة وواقعها من خلال الدفاتر والسجلات والمستندات والأوراق التي استلمها، ومن خلال ما يزوده به الشركاء والمديرون، وحصر الدعاوى المقامة على الشركة ومن الشركة وتوكيل المحامين.

يتخذ المصفي جميع الإجراءات اللازمة لاستيفاء وتحصيل ما للشركة من ديون وحقوق من الغير؛ بما فيها مقاضاة المدينين للشركة، ويقوم بوفاء ما عليها من ديون للدائنين وحقوق والتزامات للغير وفقاً لما نص عليه القانون.
على المصفي فتح حساباً مصرفياً باسم الشركة / تحت التصفية يودع فيه المبالغ التي يقبضها لحساب الشركة فور قبضها.
على المصفي أن يقدم للمحكمة تقريراً عن أعمال التصفية مرفقاً به ميزان مراجعة يعده محاسب التصفية، وذلك كل ثلاثة أشهر، ويتم إيداع نسخة عنه في الملف التنفيذي للتصفية لدى دائرة التنفيذ وفقاً لما يقرره رئيس المحكمة.

10- في حال عدم توافق الشركاء على طريقة تصفية موجودات الشركة، وحيث أن التصفية تمت بقرار قضائي بسبب وجود نزاع وخصومة شديدة بين الشركاء، وحيث أن التصفية القضائية تدخل ضمن مفهوم التنفيذ الجبري، ووفقاً لذلك فإن طلبات المصفي القضائي تعتبر استناداً تنفيذية. فعلى المصفي أن يقوم ببيع موجودات الشركة من عقارات ومنقولات إما بالمزاد عن طريق دائرة التنفيذ وإما بالممارسة ما لم ينص قرار تعيينه على تقييد هذه السلطة، وذلك بما يحقق أفضل الشروط وأكبر عائد للشركة.

وهنا علينا أن نعترف ونقر بأن البيع عن طريق دائرة التنفيذ بالمزاد لن يحقق أكبر عائد للشركة؛ لكن استمرار الشركاء في خصومتهم وعدم استجابتهم وتعاونهم مع المصفي، يجعل ذلك الخيار هو الأفضل والأسلم تجنباً للشبهات والدخول في إشكالات وعقبات رفع الإشارات الموضوعة على العقارات ونقل ملكيتها إلى المشترين.

11- وعند الإنتهاء من أعمال التصفية بعد تحويل موجوداتها إلى نقود وإيفاء ما عليها من ديون، على المصفي تقديم الحساب النهائي (الختامي) أو الميزانية النهائية إلى المحكمة المختصة يتضمن الأرصدة النهائية لحسابات الشركة، ويرفق به تقريراً مفصلاً بالأعمال والإجراءات التي قام بها لإتمام عملية التصفية وتحديد نصيب كل شريك فيها.

12- يعرض المصفي الحساب الختامي وتقرير مدقق الحسابات على المحكمة المختصة لأخذ الموافقة عليه، فإذا تمت الموافقة تعلن براءة ذمة المصفي، ويحق لكل شريك أو ذي مصلحة الاعتراض على الحسابات أمام المحكمة.

حسابات الشركة قيد التصفية

والحساب الختامي

(الميزانية النهائية)

يتوجب على المصفي تقديم حساباً ختامياً (ميزانية نهائية) عن أعمال التصفية، يتضمن الأرصدة النهائية لحسابات الشركة بعد قيامه بالأعمال والإجراءات اللازمة لإتمام عملية تصفيتها وتحديد نصيب كل شريك فيها، ويرفق به تقريراً مفصلاً بذلك.

سأتناول في هذا الفصل هذا الموضوع بكل جوانبه القانونية والفنية والمحاسبية، آخذاً بعين الاعتبار عدم دقة بعض التعابير الواردة في النصوص القانونية النافذة في مقابل الأصول المحاسبية والمالية المتعارف عليها والواقع الذي تتم عملية التصفية في إطاره.

في القانون:

أوجب القانون على المصفي تقديم الحساب الختامي للتصفية وهو الميزانية النهائية للشركة بعد القيام بجميع أعمال وإجراءات التصفية، وهو في الوقت نفسه وثيقة براءة ذمة للمصفي بعد اعتماده أصولاً.

إن إعداد الميزانية النهائية للشركة (الحساب الختامي) يقتضي حكماً وجود حسابات نظامية منتظمة يمسكها محاسباً مختصاً (محاسب التصفية)، وتخضع للأصول والقواعد المرعية. وإن طبيعة أعمال التصفية القضائية تقتضي إعداد موازين مراجعة ترفق بالتقارير الدورية التي يقدمها المصفي للمحكمة (كل ثلاثة أشهر).

أما فيما يتعلق بوضع ميزانية سنوية ونشرها في حال تجاوزت مدة التصفية عاماً واحداً، فأرى أنه لا لزوم لذلك إذا كانت الشركة متوقفة عن العمل، ويُغني عن ذلك (ميزان المراجعة).

في المحاسبة:

يجب على المصفي الوقوف على المركز المالي للشركة بتاريخ استلامه مهمة تصفية الشركة، ويتم ذلك من خلال إعداد ميزان مراجعة أو ميزانية موقوفة بذلك التاريخ، وفي حال كون الشركة غير متوقفة عن العمل يتم الاستمرار بتسجيل القيود ومسك الحسابات وفقاً لنظام الشركة؛ على أن يتم فتح حساب خاص بمصاريف التصفية. أما عندما تكون الشركة متوقفة عن العمل، فيقوم محاسب التصفية بمسك دفاتر وقيود الشركة وفقاً للأصول المحاسبية المرعية؛ آخذاً بعين الاعتبار ما هو مطبق لدى الشركة.

التصفية السريعة: التي يتم خلالها بيع موجودات الشركة وأصولها دفعة واحدة أو بيع الشركة بموجوداتها ومطاليبها دفعة واحدة (صفقة واحدة)، وفي هذه الحالة يتم فتح (حساب التصفية) الذي تقفل فيه كافة حسابات الموجودات المباعة بأرصدتها الدفترية، وتقفل فيه حسابات المطاليب بما فيها مخصصات الاستهلاكات والمؤونات.

التصفية التدريجية (البطيئة): التي يتم خلالها بيع موجودات الشركة تدريجياً وفقاً للخطة التي يقررها المصفي في ضوء واقع التصفية وطبيعة هذه الموجودات، وفي هذه الحالة يتم تسجيل قيود بيع الموجودات أصولاً وإجراء قيد مستقل لكل عملية بيع، وتقفل أرصدة حسابات الموجودات المباعة في حساب التصفية. أما عمليات تحصيل ديون الشركة وتسديد ما عليها من التزامات وديون، فيتم تسجيلها في دفاتر وقيود الشركة أصولاً.

وبشكل عام نستطيع أن نقول أن (حساب التصفية) هو (حساب أرباح وخسائر) تصفية الشركة يتم توزيع نتيجته على الشركاء وفقاً للقانون.

في الضرائب والرسوم:

على المصفي متابعة الضرائب والرسوم المستحقة على الشركة وتسديدها وفقاً للأولوية المحددة في القانون، وحسب توفر السيولة، وتفادي ترتب فوائد وغرامات عليها.

وعلى محاسب التصفية متابعة تقديم البيانات الضريبية الواجبة ولو كانت الشركة متوقفة عن العمل.

وأعتقد أنه في حال صدور قرار قضائي بحل وتصفية شركة تجارية وتعيين مصفٍ لها، يتوجب على الدوائر المالية حصر أضابير تكليفات الشركة بجهة واحدة، والإسراع بإنجازها، وخاصةً عندما تكون الشركة متوقفة عن العمل.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت