وضع المعايير الدولية المتصلة بالاحتجاز السابق للمحاكمة

ترد أنواع الحماية الأساسية لحقوق الأشخاص المحتجزين في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وقد اعتُمد هذان الصكان بغرض حفظ كرامة كافة أفراد البشر، بمن فيهم الأشخاص المتهمون بارتكاب جرائم. والواقع أن الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم يحظون بحماية مجددة: فهم يعطون ضمانات بالحق في محاكمة منصفة والحق في افتراض البراءة والحق في الطعن في أي إدانة تصدر. كما يحميهم حظر التعذيب وغيره من المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ والحق في الحماية المتساوية أمام القانون؛ والحق في عدم التعرض للاعتقال أو الاحتجاز التعسفيين. وقد اعتمدت هذه الضمانات وأُكسبت قوة القانون الدولي في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صدقت عليه لغاية 31 كانون الثاني/يناير 1993، 113 دولة.

5- وضروب الحماية العريضة التي يحظى بها الأشخاص المحتجزون والمنصوص عليها في الإعلان العالمي وفي العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نُفذت من خلال شبكة تضم 30 صكاً من الصكوك المتصلة بمكافحة الإجرام ومعاملة المجرمين. والبعض من هذه الصكوك، مثل العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية هو عبارة عن معاهدات متعددة الأطراف تفرض التزامات مُلزمة على الدول التي صدقت عليها. ومن الأمثلة على ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة واتفاقية حقوق الطفل. وهناك صكوك أخرى مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي عبارة عن قرارات صادرة عن الجمعية العامة والهيئات الفرعية التابعة لها لا تتميز بالقوة المُلزمة للدول الأعضاء، ولكنها قد تفيد في تفسير معايير حقوق الإنسان الأعم وتنفيذ الضمانات المتعلقة بحقوق الإنسان في التشريعات الوطنية .

6- ونصف الصكوك في مجال مكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين يغطي الأشخاص المحتجزين قبل المحاكمة أو بلا محاكمة أو الأشخاص الذين هم رهن الاحتجاز الإداري. وهذه الشبكة لم توضع بطريقة منهجية؛ بل أُنشئت الصكوك لمواجهة مشاكل محددة تستشفها الدول. والصكوك التي توفر المعايير المستنسخة في هذا المقام يمكن تقسيمها إلى فئات مواضيعية ست هي: (أ) صكوك تُعنى بأوضاع السجون؛ (ب) وصكوك تمنع التعذيب وسوء المعاملة؛ (ج) وصكوك تحظر حالات الإعدام التعسفي؛ (د) وصكوك تدعم الحصول على محامين والنظر في الدعوى؛ (ه‍) وصكوك تشجع على بدائل للحبس؛ (و) وصكوك تروج للمعاملة الملائمة للجناة الأحداث.

1- المعايير المتعلقة بأوضاع السجون
7- أول تحديد للمعايير المتصلة أساساً بالعدالة الجنائية حدث عندما استُنت في عام 1955 القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء. وتتضمن القواعد النموذجية الدنيا ضروباً مفصلة من الحماية للأوضاع المادية لكافة السجناء رهن الاحتجاز السابق للمعاملة والسجن التالي للإدانة. وتنطبق قواعد عديدة تحديداً على الاحتجاز السابق للمحاكمة وتنبثق عن افتراض البراءة: فالأشخاص الذين لم يمثلوا أمام المحكمة تُفترض براءتهم وهم أهل لمعاملة تتمشى مع هذا الوضع. والقاعدة 95 التي أُضيفت في عام 1977 توسع في نطاق الحماية التي توفرها القواعد النموذجية الدنيا للأشخاص الذين هم رهن الاحتجاز الإداري أو الذين هم محتجزون في غير ذلك من الحالات دون أن توجه إليهم تُهم. وقام المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتزويد الحكومات بإرشاد إضافي حول تنفيذ القواعد في قراره 1984/47 المؤرخ 25 أيار/مايو 1984 الذي حدد إجراءات لتعاون الأمين العام والحكومات في مجال تبليغ ونشر المعلومات المتعلقة بتنفيذ القواعد.

8- وفي عام 1988، سنت الجمعية العامة مجموعة المبادئ لحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاعتقال أو السجن، وهذه المجموعة تُشكل مصدراً مهماً من مصادر التوجيه في تطبيق المبادئ العامة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حالة المحتجزين قبل المحاكمة. وتفسر مجموعة المبادئ التدابير الضرورية لحماية حقوق الإنسان للمحتجزين.

9- وتمثل التطور الآخر الحديث العهد والمهم في هذا المجال في إنشاء الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للجنة حقوق الإنسان عام 1991، وأُنيطت به مهمة “التحقيق في حالات الاحتجاز المفروض تعسفاً أو الذي لا يتفق مع المعايير الدولية ذات الصلة” . وهذا الفريق العامل مخول “التماس وتلقي المعلومات من الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية وغير الحكومية و… تلقي المعلومات من الأفراد المعنيين وأُسرهم وممثليهم” وقد حدد الفريق العامل في تقريره الأول الموجه إلى لجنة حقوق الإنسان فئات ثلاث من الحالات لأغراض البت في الطابع التعسفي للحالات المعروضة عليه وتتعلق الفئة الثالثة بحالات عدم التقيد كلياً أو جزئيا بالأحكام الدولية المتصلة بالحق في محاكمة منصفة والتي تُضفي على الحرمان من الحرية طابعاً تعسفياً. وحدد الفريق العامل، بالإضافة إلى ذلك أموراً منها 19 حالة سابقة للمحاكمة قد يُضفي فيها عدم احترام الحق في محاكمة منصفة طابعاً تعسفياً على الاحتجاز. وهناك 15 حالة من هذه الحالات تنطبق على الاحتجاز على ذمة القضاء والاحتجاز الإداري في آن واحد و4 حالات تنطبق على الاحتجاز على ذمة التحقيق. وقد عالج الفريق العامل منذ ذلك الوقت العديد من الحالات التي تبين لـه فيها الاحتجاز التعسفي، وتم الإفراج في عدد كبير من الحالات عن المحتجزين .

2- المعايير المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة
10- أحياناً ما يتعرض الأشخاص المحتجزون قبل المحاكمة أو بدونها للتعذيب وسوء المعاملة لإكراههم على الاعتراف بارتكابهم جريمة أو على كشف المعلومات أو لجعلهم يرهبون أو يتبعون رغائب الشخص الذي يمارس تعذيبهم. وفي عام 1975، اعتمدت الجمعية العامة إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وقد أُضفيت على أحكام الإعلان قوة القانون الدولي في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في عام 1984، ويُعد حظر التعذيب وسوء المعاملة الآن معياراً من معايير القانون الدولي العرفي.
11- وقد أنشأت الاتفاقية لجنة مناهضة التعذيب التي تشرف على تنفيذ الدول الأطراف للاتفاقية وتسعى لتسوية حالات التعذيب المدعاة التي يوجه إليها نظرها. بالإضافة إلى ذلك، للجنة حقوق الإنسان مقرر خاص معني بالتعذيب يتصرف في آحاد الحالات ويقدم تقارير إلى اللجنة عن ما يتخذه من تدابير إزاء حالات التعذيب في بلدان معينة.
12- وفي عام 1985، اعتمدت الجمعية العامة الإعلان بشأن المبادئ الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة الذي يناشد كذلك الدول توفير سُبل الانتصاف التي تشمل رد الحقوق (الاعتبار) وتعويض الأضرار وما يلزم من مواد ومساعدة طبية ونفسية واجتماعية لضحايا إساءة استعمال السلطة من جانب الجهات الرسمية، وإتاحة سُبل انتصافهم – بقدر ما تشكل تلك الإساءة في استخدام السلطة انتهاكاً للقانون الوطني.

3- المعايير المتعلقة بحالات الاختفاء والإعدام التعسفي
13- واستخدمت السلطات الحكومية أيضاً الحبس الانفرادي والاحتجاز دون إشراف قضائي من أجل تنفيذ عمليات الإعدام واختفاء الأشخاص والتعذيب. وقامت لجنة حقوق الإنسان، في عام 1980، سعياً لعكس اتجاه النموذج العادي لعمل الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، بإنشاء فريق عامل معني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي من أجل أن يتخذ تدابير بشأن ضحايا الاختفاء الذي تتسبب فيه الحكومات، وقد اضطلع الفريق طيلة سنوات بالعمل الرامي إلى منع حالات الاختفاء في غياب معايير دولية سارية. وفي وقت لاحق، دُعي الفريق العامل إلى المساعدة في وضع معايير دولية تُعنى بحالات الاختفاء.
14- وهناك إجراء “مواضيعي” في هذا المجال وُضع حين عُيّن في عام 1982 المقرر الخاص المعني بحالات الاختفاء بإجراءات موجزة أو تعسفاً ويتلقى المقرر الخاص شأنه كشأن الفريق العامل، معلومات من المنظمات غير الحكومية ويقوم من حين لآخر بأداء زيارات قطرية. كما لعب المقرر الخاص دوراً مهماً في صياغة المعايير الدولية في هذا المجال.
15- إن المعايير التي وضعت بخصوص حالات الاختفاء والإعدام التعسفي معايير جديدة نسبياً: فمبادئ المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام بإجراءات موجزة اعتمدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي سنة 1989، وإعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري اعتمدته الجمعية العامة في عام 1992. كما تتضمن القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء الشرط القائل بأن تحتفظ الحكومات بسجلات للأشخاص الذين تحتجزهم للحيلولة دون اختفاء المحتجزين وللمساعدة في الإشراف على أماكن الاحتجاز.

4- المعايير المتعلقة بدور أفراد القضاء والمحامين
16- تُعتبر المساعدة التي يوفرها المستشار القانوني أساسية للحفاظ على حقوق الإنسان للمحتجزين إلى حد اقتضى إدراجها في المادة 10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما تكفل القواعد النموذجية الدنيا للأشخاص المحتجزين سبيل الحصول الفعلي على المساعدة القانونية. ولكفالة الحصول “الفعلي” عليها والذي يتفق مع المبادئ المتعلقة بالاحتجاز يحق للمحتجز الاتصال بمحام في مرحلة مبكرة من الإجراءات الجنائية حتى يكون لتلك المساعدة جدواها وحتى تتاح للمحامي فرصة التأثير في نتائج المحاكمة.
17- ومجموعات المعايير الثلاث – وهي المبادئ التوجيهية المتعلقة بدور أفراد النيابة العامة، والمبادئ الأساسية المتعلقة بدور المحامين والمبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال أفراد القضاء – تساعد في الحفاظ على حماية حقوق الأفراد الذين هم رهن الاحتجاز أثناء سير الدعوى. والدور الذي يؤديه المحامون، ولا سيما محامي الدفاع، مهم بوجه خاص لأنهم يدافعون عن أشخاص يتعرضون لمخاطر. واستقلال القضاء عن الضغوط غير الملائمة مهم هو الآخر بدرجة حاسمة للفصل في حالات الاحتجاز وفقاً لسيادة القانون.

5- المعايير المتعلقة ببدائل الاحتجاز السابق للمحاكمة
18- تنص المادة 9 (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ما يلي: “ولا يجوز أن يكون احتجاز الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة هو القاعدة العامة، ولكن من الجائز تعليق الإفراج عنهم بضمانات لكفالة حضورهم المحاكمة في أي مرحلة أخرى من مراحل الإجراءات القضائية…”. وقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا للتدابير غير الاحتجازية (قواعد طوكيو) تُفسر تلك المادة. إذ تساعد القواعد على تحسين ظروف المحتجزين قبل المحاكمة بتوصية أن يستخدم احتجازهم فقط في الحالات التي يتعذر فيها اللجوء إلى التدابير غير الاحتجازية كالإفراج بكفالة. وبما أن اكتظاظ المرافق السجنية وطول أو عدم فعالية التحقيقات السابقة للمحاكمة تمثل عوامل رئيسية تسهم في التجاوزات المتصلة بالاحتجاز السابق للمحاكمة فإن الإفراج عن أكبر عدد ممكن من المحتجزين مستصوب بالقدر الذي يتفق مع التحريات الواجب إجراؤها في الجريمة المدعاة وحماية المجتمع والضحية.

6- المعايير المتعلقة بحماية الأحداث
19- على حين أن الصكوك التي تم تعيينها حتى الآن تحمي الأحداث والكهول سنت مع ذلك صكوك عديدة تركز بالأساس على المعاملة الملائمة للمجرمين الأحداث. وقد اعتمدت الجمعية العامة قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لإدارة شؤون قضاء الأحداث (قواعد بيجين) في عام 1985. واعتمدت الجمعية العامة في عام 1990 صكين مفصلين يفسران قواعد بيجين وهما مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية لمنع جنوح الأحداث (مبادئ الرياض التوجيهية) وقواعد الأمم المتحدة لحماية الأحداث المحرومين من حريتهم. والهدف العام من هذه المعايير في هذا المجال هو توفير معاملة “موجهة نحو الرعاية” للأحداث المجرمين تتفق مع أحكام اتفاقية حقوق الطفل وذلك بغية إصلاح هؤلاء الأحداث ومنع تكرار الجرائم. ويحق للأحداث، في الوقت نفسه، الحصول على نفس الضمانات في محاكمة منصفة حماية لهم شأنهم كشأن الكبار المتهمين بارتكاب جرائم.