بحث قانوني يناقش قضية الغش نحو القانون الدولي الخاص كسبب لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي

بطاقة تعريفية
—————————————-
الكاتب: المحامي حسام أبو حامدة
عنوان البحث: الغش نحو القانون الدولي الخاص كسبب لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي
تفاصيل البحث: بحث مقدم لنقابة المحامين النظاميين لغايات الانتقال لسجل المحامين الأساتذة.
—————————————–

قائمة المحتويات
الرمز المحتوى رقم الصفحة
â—ڈ الاهداء 2
â—ڈ المقدمة 3
â—ڈ فصل تمهيدي 5
â—ڈ المبحث الأول: مفهوم الغش نحو القانون وطبيعته القانونية 7
â–* المطلب الأول: مفهوم الغش نحو القانون 8
â–* المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للغش نحو القانون 10
â—ڈ المبحث الثاني : عناصر الغش نحو القانون 15
â–* المطلب الأول : العنصر المادي للغش نحو القانون 16
â–* المطلب الثاني:العنصر المعنوي للغش نحو القانون 18
â—ڈ المبحث الثالث: آثار الدفع بالغش نحو القانون 20
â–* المطلب الأول: الأثر السلبي للغش نحو القانون 21
â–* المطلب الثاني: الأثر الإيجابي للغش نحو القانون 23
â—ڈ الخاتمة 24
â–* النتائج 24
â–* التوصيات 24
â—ڈ قائمة المصادر والمراجع 26
â—ڈ الفهرس

المقدمة:

تثير موضوعات القانون الدولي الخاص إشكاليات عديدة حيث يرتبط بالعلاقات القانونية عنصر أجنبي يشوبها مؤديا للتنازع على الاختصاص بها بين قانون دولتين أو أكثر، ولمحاولة إيجاد حل لمشكلة تنازع القوانين ظهر القانون الدولي الخاص الذي يحاول وضع الحلول في حالة تنازع القوانين بناء على قاعدة رئيسية اصطلح على تسميتها بـ “ضابط الإسناد”. غير أن العلاقات القانونية يستحيل حصرها، ومن المتصور وجود حالات جديدة على التشريع متمثلة بتصرفات ووقائع قانونية مشوبة بعنصر أجنبي تظهر معها الحاجة إلى الاجتهاد في تكييفها وإسنادها إلى غير ضوابط الإسناد المذكورة في قواعد القانون الدولي الخاص، والتي نظمها – كغيره من القوانين – القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976.

لقد عالج المشرع الأردني مسألة تنازع القوانين في المواد (11- 29) من القانون المدني الأردني، والتي تقع ضمن الفصل الأول الذي ينظم الأحكام العامة من ضمن الباب التمهيدي فيه، ليضبط القانون قواعد الإسناد في التكييف و النزاعات المتعلقة بالحالة المدنية للأشخاص و الزواج و النفقة بين الأقارب و الولاية و الوصاية و الميراث والالتزامات التعاقدية و غير التعاقدية وغيرها من المسائل، غير أنه لم يضع أحكاماً خاصة بالغش نحو القانون الدولي الخاص، حتى حين نجد أن المشرع قد راعى أن الوقائع القانونية غير متناهية في حين أن نصوصه متناهية فأفرد حكماً خاصاً في المادة (25) من القانون المدني الأردني تقضي باتباع مبادىء القانون الدولي الخاص فيما لم يرد بشأنه نص من أحوال تنازع القوانين.
وبالإشارة إلى موضوع القانون الدولي الخاص الذي يتناول تنازع القوانين إضافةً الى غيره من الموضوعات، وحيث أن حجر الأساس في تنازع القوانين هو وجود علاقة مشوبة بعنصر أجنبي، فإنه من المتصور أن يعرض نزاع مشوب بعنصر أجنبي على القضاء مما يثير إشكالية القانون واجب التطبيق على النزاع، وهنا يتبين دور قواعد الإسناد في تكييف المسألة و تسنيدها وصولاً للقانون واجب التطبيق على موضوع النزاع، ولما كان الأمر كذلك فإنه من المتصور أن يقوم أحد أو كل أطراف علاقة قانونية ما مشوبة بعنصر أجنبي بغش نحو قاعدة الإسناد التي ينص عليها قانون إحدى الدول التي قد يعرض النزاع حول هذه العلاقة – إذا ما ثار- على إحدى محاكمها بنيّة التهرب من تطبيق أحكام قانون ما، أو بغية تطبيق قانون معين عن طريق التحايل الذي قام به على ضابط الإسناد.
إن الغش نحو القانون كسبب لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي – كغيره من موضوعات تنازع القوانين – يكاد يكون نادر التطبيق في واقعنا المحلي، لكنه موضوع قديم حديث غير مشبع بالبحث على الصعيد العربي خصوصاً، فلقد أثار هذا الموضوع حفيظة الباحث حين تعرض لوقائع قانونية – أثناء التدرب على مهنة المحاماة- مشوبة بعناصر أجنبية عدة، وفكّر في مسألة نية خصم موكله التحايل على قاعدة الإسناد فحاول البحث في هذا الموضوع دون أن يفلح في اول الأمر بالوصول إلى مبتغاه.
سيحاول الباحث في هذه الدراسة أن يخلص إلى نتائج قد يحتاجها القاضي و المحامي و المشتغل بالقانون في الأردن فيما لو عرض نزاع من هذا النوع على إحدى المحاكم الأردنية، خصوصاً في ظل عدم وجود نص صريح في القانون المدني الأردني يضبط المسألة ويبين تفاصيلها، في حين نص القانون المدني على اتباع مبادىء القانون الدولي الخاص، والتي سيحاول الباحث أن يسلط الضوء عليها، لتكون مفيدةً للقاضي و المحامي و الباحث في الأردن.

ستتناول الدراسة الغش نحو القانون كسبب لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي في أربعة مباحث؛ يتناول المبحث الأول منها مفهوم الغش نحو القانون في مطلبين، يتناول الأول ماهية الغش نحو القانون، فيما يتناول الثاني الطبيعة القانونية للغش نحو القانون، ومن ثم تتناول الدراسة عناصر الدفع بالغش نحو القانون في مبحثٍ ثانٍ، يتناول المطلب الأول منه التغيير الإرادي في ضابط الإسناد، بينما يتناول المطلب الثاني نية التحايل أو الغش نحو القانون.
كما ستتناول الدراسة آثار الدفع بالغش نحو القانون في المبحث الثالث، بحيث تتناول الأثر السلبي للغش نحو القانون في مطلبٍ أول، وتتناول الأثر الإيجابي في مطلبٍ ثانٍ، بينما تتناول في المبحث الرابع مقارنة الدفع بالغش نحو القانون بالدفع بالنظام العام

مبحث تمهيدي التطور التاريخي لفكرة الغش نحو القانون

رأت فكرة “الغش نحو القانون كسبب لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي” النور عام 1876 عندما عرضت “قضية الأميرة دوبوفرمون” [1]على القضاء الفرنسي، و تتلخص وقائع هذه القضية المشهورة في أن أميرة بلجيكية الأصل تزوجت بالأمير الفرنسي “دوبوفرمون” و استقرت معه في فرنسا و اكتسبت الجنسية الفرنسية، و على إثر خلاف نشب بينهما حاولت الأميرة الفرنسية بلجيكية الأصل الحصول على الطلاق، وحيث أن القانون الفرنسي آنذاك كان يمنع الطلاق فقد لجأت الاميرة إلى التجنس بجنسية إحدى الدويلات الألمانية (Saxe-Altembourg)[2] التي يجيز قانونها الطلاق، و تمكنت بعد ذلك من الطلاق من زوجها الأول الأمير دوبوفرمون و تزوجت بأمير روماني يدعى (بيبسكو) في برلين ومن ثم استقرت معه في فرنسا[3]، وعندها قرر الأمير الفرنسي –زوجها الأول- إقامة دعوى يطالب فيها بإعلان بطلان الزواج الثاني لكون الطلاق لا يعتبر صحيحاً، لأنه تم بعد تغيير الجنسية، وفعلا تم إقامة الدعوى بمراحلها إلى أن وصلت محكمة النقض الفرنسية التي قررت في قرارها الصادر بتاريخ 18/03/1878 عدم الاعتراف بالتطليق الذي تم بالخارج و إعلان بطلان الزواج الثاني على أساس أن الطلاق لم يتم إلا بعد تغيير الزوجة لجنسيتها، و هو ما يشكل غشاً نحو القانون. ومنذ ذلك التاريخ و إلى يومنا هذا لا تزال الفكرة قيد الدراسة و التطوير و الشرح و التفسير.
و منذ عرضت تلك الدعوى الشهيرة على القضاء في فرنسا، استقر القضاء الفرنسي على الأخذ بفكرة الغش نحو القانون الدولي الخاص كسبب لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي، و قد أفسح لهذه النظرية مجالاً للتطبيق لم تحظ به في أغلب الدول و الأنظمة القانونية حول العالم، وقد كان الأبرز في معالجة هذه المسألة والاجتهاد فيها وضبطها، مما أثر في الدراسات التي تتناول هذا الموضوع، فلم تعرف أغلب الأنظمة الانجلوسكسونية هذا المبدأ من مبادىء القانون الدولي الخاص، ولذا كانت أبرز المراجع التي تتحدث عن هذا الموضوع مراجع فرنسية أو متأثرة بالمدرسة القانونية الفرنسية.

وقد أخذ القضاء في دول مثل بلجيكا و إيطاليا بهذه النظرية مع تضييق نطاق تطبيقها بينما كان تطبيقها في دول أخرى كألمانيا نادرا جدا، أما في البلاد الانجلوسكسونية فإن الفقه لم يهتم بها إطلاقا و من النادر أن نجد تطبيقها لها في القضاء، كما أن بعض الدول مثل سويسرا عالجت هذه المشكلة بنصوص تشريعية في حالات محددة دون أن تضع لها قاعدة عامة. أما في الجزائر فقد تبنى المشرع الجزائري هذه النظرية بموجب نص المادة 24/1 من القانون المدني:” لا يجوز تطبيق القانون الأجنبي…..أو ثبت له الاختصاص بواسطة الغش نحو القانون…”[4]
ولكن وكما سبقت الإشارة في مقدمة هذا البحث فإن القانون المدني الأردني لم يعالج هذه الحالة بشكلٍ خاص، وإنما ترك الباب موارباً تجاه تطبيق قواعد القانون الدولي الخاص متى ما قصُرت نصوصه عن معالجة المسألة. ومن هنا سيظهر دور هذا البحث في محاولة استجلاء وعرض أبعاد هذه المسألة بشكلٍ أكثر وضوحاً ومقاربةً لمذهب الفقه والقانون الأردنيين.

* * * * *

[1] أمينة رايس، النظام العام والغش نحو القانون كموانع لتطبيق القانون الأجنبي أمام القاضي الجزائري، المركز الجامعي العربي بن مهيدي-أم البواقي-،ص 11.

[2] عبد الرسول كريم أبو صيبع، أثر الغش نحو القانون على ظرف الإسناد،كلية القانون-جامعة الكوفة،ص 92.

[3] عبد الرسول كريم أبوصيبع، المرجع السابق، ص92.

[4] أمينة رايس، المرجع السابق، ص12.

المبحث الأول مفهوم الغش نحو القانون وطبيعته القانونية

تقوم فكرة القانون الدولي الخاص في الجزئية المتعلقة بتنازع القوانين على أنه في الأحوال التي يعرض فيها نزاع مشوب بعنصر أجنبي على إحدى محاكم الدولة فإنه من المتصور قيام تنازع بين قانون دولتين أو أكثر في حكم موضوع النزاع، ولما كان من غير المتصور تخيير القاضي أو الأطراف باختيار القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع – متى ما كان ذلك غير مسموحٍ قانوناً – تظهر أهمية قواعد القانون الدولي الخاص المسماة بـ”قواعد الإسناد” أو “ضوابط الإسناد” والتي يرجع القاضي إليها لتحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع. ولما كان من المتصور أن تحيل قواعد الإسناد إلى قانون غير قانون دولة القاضي “قانون أجنبي” فإنه من المتصور أيضاً أن يخلق تطبيق القانون الأجنبي في بعض الحالات إشكالات قانونية.
لقد استقر فقه القانون الدولي الخاص على اعتبار حالتين لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي، الأولى منهما حالة مخالفته للنظام العام و الآداب العامة لدولة القاضي وهذا ما ستتناوله الدراسة لاحقا بالبحث والتفصيل، وأما الحالة الثانية – والتي هي محور دراستي هذه – فهي حالة الغش نحو القانون كسبب لاستبعاد قاضي دولة معينة لتطبيق أحكام القواعد الموضوعية في قانون أجنبي لوجود غش نحو القانون، وهذا ما ستتناوله الدراسة في مطلبين يخصص الأول لبحث ماهية الغش نحو القانون فيما يخصص الثاني لبحث الطبيعة القانونية للغش نحو القانون.

المطلب الأول مفهوم الغش نحو القانون

تناول الفقه تعريف الغش نحو القانون فعرفه البعض على أنه :” قيام الفرد بإرادته بتغيير ظرف الإسناد قاصداً تطبيق قانون هو غير القانون المختص أصلاً بحكم النزاع.[1] كما عرفه الفقيه الأمريكي مارتن ولف على أنه: “هو قيام الأطراف – في علاقة قانونية – الذين يرغبون بإحداث آثار قانونية معينة محظورة في القانون الذي يخضعون له بخلق تغيير بطريقة اصطناعية وغير طبيعية يؤدي إلى تغيير ضابط الإسناد في العلاقة”.[2]
كما عرفه البعض على أنه ” ذلك الدفع الذي يتمسك به في مواجهة الأشخاص لاستبعاد القانون الأجنبي الذي عمدوا إلى إخضاع تصرفاتهم إليه بخلقهم ظروفا خاصة تسمح بإسنادها إليه بدلا من القانون الوطني الواجب التطبيق أصلا و العمل بأحكام هذا القانون في النهاية”.[3]
ويرى الباحث أنه يمكن تعريف الغش نحو القانون على أنه التحايل الذي يقع من أحد الأطراف في علاقة مشوبة بعنصر أجنبي تجاه ضابط الإسناد بتغيير ظرف الإسناد بنية التهرب من تطبيق أحكام قاعدة الإسناد الوطنية.

وبالمثال يتضح المقال؛ لذا سأعرض أمثلة يتوضح من خلالها فكرة الغش نحو القانون، ومنها :
1. قيام شخص أمريكي الجنسية يبلغ من العمر 19 عاماً بإبرام عقد في أمريكا مع أردني يقيم في أمريكا بحيث يرتب العقد آثاراً في الأردن بغية التذرع بنقص الأهلية وفقاً للقانون الأمريكي الذي يحدد سن الرشد بسن 21 عاماً بغية تطبيق نص المادة 12 من القانون المدني الأردني واعتبار العقد مشوب بعيب من عيوب الإرادة بغية التحلل من هذا الالتزام.
2. الزواج بين ابناء العم من الدرجة الأولى محظور وفقاً للقانون الأسباني، واللذان يريدان الزواج هما ابناء عم اسبانيين فيقومون بعقد الزواج في دولة كالأردن، وتكون قاعدة الإسناد الإسبانية هي التي تحدد القانون الواجب التطبيق على الزواج على أنها قانون مكان إبرام الزواج مثلاً، فيكون هذا الزواج خاضعاً للقانون الأردني بسبب تغيير الأطراف لظروف تؤدي إلى تغيير ضابط الإسناد.
3. زوجان نمساوييان يعتنقان المذهب الكاثوليكي يرغبان بالطلاق المدني وإنهاء رابطة الزوجية، لكن قانونهما وهو القانون النمساوي لا يجيز لهما الطلاق فيلجئان لتغيير موطنهما أو جنسيتهما فينتقلا الى klausenburg في هنغاريا التي يبيح قانونها الطلاق، فيستفيدان من القانون الهنغاري من خلال تحايلهم وتغيير ضابط الإسناد في القانون النمساوي.
[1] د.عكاشة محمد عبدالعال، تنازع القوانين ، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2004.

[2] Martin Wolff . Private International Law .second edition, 1950, oxford university press, page 140

[3] Albert A. Ehrenzweig, private international law, volume three, oceana publications,1977.page 78.

المطلب الثاني الطبيعة القانونية للغش نحو القانون

بما أن فكرة الغش نحو القانون الدولي الخاص حديثة ونادرة الحدوث نسبياً فإن أغلب ما كتب في الفقه العربي لم يتناول بالتحليل الطبيعة القانونية للغش نحو القانون، ما خلا إشارات إلى تكييفات معينة، فمن الفقهاء من أنكر وجود فكرة الغش نحو القانون أصلا معللين رأيهم بأن سلوك الشخص في تغيير ضابط الإسناد هو من الحقوق التي يمنحها إياه التشريع، وعليه فكيف يتم ترتيب جزاء على فعل ليس ممنوعاً أصلاً بالقانون ما دام أن الشخص “المحتال على القانون” لم يضر بأحد، فتغيير الجنسية أو الموطن على سبيل المثال هو من حق كل إنسان، وبالتالي فإن اكتساب هذه الجنسية صحيح ومنتج لاثاره حتى لو قصد من وراءه نقل الاختصاص القضائي من قانون دولة إلى قانون دولة أخرى[1]. فكيف نرتب جزاء عدم تطبيق القانون الذي تعينه قاعدة الإسناد نظراً لتغيير هذا الشخص لضابط الإسناد بطريقة مشروعة يجيزها القانون؟؟ بينما أشار البعض إلى أن فكرة الغش نحو القانون الدولي الخاص ما هي إلا تطبيق من تطبيقات النظام العام، فيما يرى اتجاه آخر أن فكرة الغش نحو القانون ما هي إلا تطبيق لنظرية سوء استعمال الحق أو التعسف باستعماله.

وعليه فإن الافراد أثناء ممارستهم لحقوقهم يجب عليهم أن يستعملوا هذه الحقوق بحسن نية، لتحقيق أهداف مشروعة، وبدون الإضرار بالغير، فيتبين مما سبق أن “المتحايل على القانون” قد أخل بشروط استعماله لهذا الحق، إذ أنه لم يستخدمه بحسن نيّة. وعليه، فيكون ترتيب جزاء عدم تطبيق القانون الأجنبي الذي احتيل من خلاله على القانون الأصلي واجب التطبيق موافقا للحق والعدالة، وقد خلت أغلب الأبحاث في هذا الشأن – وفقا لما اطلع عليه الباحث – من التحليل الكلي للطبيعة القانونية للغش نحو القانون.
وسيتناول البحث في هذا المطلب الطبيعة القانونية للغش نحو القانون في فروعٍ ثلاثة، يتناول الأول فكرة الغش نحو القانون كتطبيق من تطبيقات النظام العام، في حين يتناول الثاني الطبيعة القانونية للغش نحو القانون على أساس نظرية التعسف باستعمال الحق، وفي الفرع الثالث تناول البحث الطبيعة القانون لفكرة الغش نحو القانون.

[1] للمزيد حول تفاصيل هذه الآاراء أنظر: الدكتور مرتضى نصر الله ،مباديء القانون الدولي الخاص التجاري، مطبعة النعمان 1962 ص62.

الفرع الأول: الغش نحو القانون كتطبيق من تطبيقات النظام العام

نص المشرع في القانون المدني الأردني على النظام العام باعتباره مانعا من موانع تطبيق القانون الأجنبي، في حين لم ينص على الغش نحو القانون كمانع من هذه الموانع؛ حيث نصت المادة (29) من القانون المدني الأردني على أنه: “لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي عيّنته النصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام تخالف النظام العام أو الآداب في المملكة الأردنية الهاشمية” كما استقر اجتهاد محكمة التمييز على اعتبار النظام العام من موانع تطبيق القانون الأجنبي،[1] ولكن كغيره من القوانين لم يعرف القانون الأردني المقصود من النظام العام، ولكنه اكتفى على ذكر حالاتٍ منه على سبيل المثال لا الحصر لانطباق فكرة النظام العام في المادة 163/3 من القانون المدني والتي نصت على أنه: “ويعتبر من النظام العام بوجه خاص الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية كالأهلية والميراث والأحكام المتعلقة بالانتقال والإجراءات اللازمة للتصرف في الوقف وفي العقار والتصرف في مال المحجور ومال الوقف ومال الدولة وقوانين التسعير الجبري وسائر القوانين التي تصدر لحاجة المستهلكين في الظروف الاستثنائية”.

في حين نجد أن الفقه قد تناول تعريف النظام العام، فعرفه البعض على أنه: “مجموع الأسس و المبادىء الجوهرية التي يقوم عليها نظام المجتمع في وقت معين من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الدينية”[2]. كما عرفه البعض الآخر على أنه :”أداة تصويب استثنائية، تسمح باستبعاد القانون الأجنبي المختص ويتضمن أحكاماً تقدّر المحكمة ضرورة الامتناع عن تطبيقها”.[3]
وقد أشار بعض الفقه[4] إلى أنه يمكن اعتبار الغش نحو القانون من تطبيقات النظام العام. ويرى الباحث أنه وعلى الرغم من أن كلاً من النظام العام و الغش نحو القانون هما من موانع تطبيق القانون الأجنبي إلا أن للغش نحو القانون الدولي الخاص طبيعة قانونية مغايرة للنظام العام؛ ذلك أنه في حالة النظام العام فإن القانون الأردني قد نص على هذه الحالة صراحة من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن مبنى هذه النظرية إنما يقوم على تقييم مضمون القانون الأجنبي بعد إعلانه قانوناً مختصاً بحكم موضوع النزاع وفقا لما تحيل له قاعدة الاسناد الوطنية. و تقييم مضمون حكم هذا القانون على النزاع المعروض بأنه يخالف النظام العام الأردني وهي سلطة تقديرية لمحكمة الموضوع لا رقابة عليها لمحكمة التمييز عليها إلا في حدود صحة الاستخلاص وأن يكون هذا الحكم سائغاً ومقبولاً وفقاً لوقائع وبينات الدعوى. أما فكرة الغش نحو القانون فمبناها قيام أطراف النزاع المعروض على المحكمة بتغيير إرادي و مشروع يرتكبه أحد الأطراف بنيّة التحايل على ضابط الإسناد الوارد في القانون الأردني، وقد يكون القانون الذي ابتغى الطرف الغاش تطبيقه على النزاع غير مخالف للنظام العام الأردني.

[1] قرار محكمة التمييز بصفتها الحقوقية رقم 709/2002 وقد نص على أنه :
” * لا تجيز المادة 29 من القانون المدني الأردني تطبيق أحكام القانون الأجنبي ، إذا كانت مخالفة للنظام العام أو الآداب في المملكة الأردنية الهاشمية.
* إذا كان النزاع حول مقدار حصص إرثية، فإن مثل هذه المسائل تعتبر من النظام العام في القوانين الأردنية، وحيث أن أحكام القانون القبرصي ذات الصلة تخالف النظام العام في المملكة فإن ذلك يمنع تطبيق القانون القبرصي في حالة هذه الدعوى .”

[2] الطيب زروتي، القانون الدولي الخاص الجزائري علما وعملا،جامعة الجزائر، الطبعة الأولى 2010، ص13.

[3] تعريف الأستاذ عصام الدين القصبي، نقلا عن محمد ابراهيم أبو الهيجاء، عقود التجارة الالكترونية ط1، دار الثقافة للنشر و التوزيع، 2005، ص96 ، تمت الإشارة إلى هذا المرجع في التعريف في بحث الأستاذة زاير فاطمة الزهراء، النظام العام في النزاعات الدولية الخاصة المتعلقة بالأحوال الشخصية، ص22.

[4] زاير فاطمة الزهراء، النظام العام في النزاعات الدولية الخاصة المتعلقة بالأحوال الشخصية،رسالة ماجستير في القانون الدولي الخاص، جامعة أبي بكر بلقايد، الجزائر،2010، ص8. وكذلك: عبد الرسول كريم أبو صيبع، المرجع السابق، ص93.

الفرع الثاني : الغش نحو القانون كصورة للتعسف باستعمال الحق

قد يتبادر للذهن عند الحديث عن الطبيعة القانونية للغش نحو القانون كسبب لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي – وحيث أن مرتكب الغش يقوم بفعل مادي مشروع بنيّة التحايل على القانون الدولي الخاص والتهرب من أحكام قواعد الإسناد في قانون دولة القاضي – أن الغش نحو القانون ما هو تطبيق من تطبيقات نظرية التعسف باستعمال الحق التي نص عليها القانون المدني الأردني في المادة (66) منه والتي نصت على أنه :”
1- يجب الضمان على من استعمل حقه استعمالاً غير مشروع.
2- ويكون استعمال الحق غير مشروع:-
أ‌- إذا توفر قصد التعدي.
ب- إذا كانت المصلحة المرجوة من الفعل غير مشروعة.
ج- إذا كانت المنفعة منه لا تتناسب مع ما يصيب الغير من الضرر.
د- إذا تجاوز ما جرى عليه العرف والعادة.”

غير أن الباحث يرى أنه وعلى الرغم من تشابه التعسف في استعمال الحق من حيث أساس النظرية إلا أن آثار تطبيق نظرية التعسف باستعمال الحق تختلف عن نظرية الغش نحو القانون، ففي الأولى يترتب على المتعسف باستعمال الحق الحكم عليه بالتعويض للطرف الآخر وهذا ما نص عليه المشرع الأردني في الفقرة الأولى من المادة (66) من القانون المدني و استقر عليه اجتهاد محكمة التمييز الأردنية[1]، فيما يترتب على نظرية الغش نحو القانون الدولي الخاص استبعاد تطبيق القانون الأجنبي.

[1] قرار محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية في قرارها رقم 91 لسنة 1987 المنشور في عدد مجلة المحامين رقم 6 لسنة 1990 والذي ينص على أنه : “1- لا مجال لإعمال حكم المادة (66) من القانون المدني التي أوجبت الضمان على من استعمل حقه استعمالا غير مشروع إذا لم تطلب المدعية في دعواها الضمان وإنما انحصر طلبها بمنع معارضة المدعى عليه في ملكها”.

الفرع الثالث: الطبيعة القانونية لفكرة الغش نحو القانون الدولي الخاص

يرى الباحث أن للغش نحو القانون الدولي الخاص طبيعةً خاصةً تختلف عن النظام العام وعن التعسف باستعمال الحق؛ ذلك أن الغش نحو القانون يقوم على فكرة أساسية وضميرية في الوقت ذاته، وهي أن يقوم أحد أطراف العلاقة التي يشوبها عنصر أجنبي بارتكاب فعل مادي بنية التحايل على قاعدة الإسناد الوطنية، ويكون هذا الفعل مشروعاً في أغلب الأحوال المتصورة، حيث لا يشكل الفعل المادي الذي يرتكبه “المتحايل” مخالفةً للقانون؛ حيث أنه وفي حال أن يكون الفعل غير مشروع جزائياً فيترتب عليه مسؤولية جزائية، وإن لم يكن الفعل مشروعاً مدنياً وقد أدى لضرر لحق بخصمه فيترتب عليه مسؤولية المتحايل المدنية المتمثلة بالتعويض أو أيّ مقتضى قانوني آخر، غير أنه في حالة الغش نحو القانون الدولي الخاص فإنه يرتب جزاء من نوع آخر يصح أن نقول أنه “من جنس عمله” الذي ارتكبه قاصداً التهرب من أحكام قاعدة الإسناد الوطنية باستبعاد تطبيق القانون الأجنبي الذي تم التحايل على قاعدة الإسناد بغية تطبيقه، أو تهرباً من تطبيق أحكام القانون الذي عينته قاعدة الإسناد، وهذا الجزاء ذو طبيعة خاصة تختلف عما بيّناه سابقاً، كما ستبين الدراسة لاحقا آثار الدفع بالغش نحو القانون.

المبحث الثاني عناصر الغش نحو القانون

سبق وأن بينت الدراسة في معرض تعريف الغش نحو القانون أن الغش نحو القانون هو التحايل الذي يقع من أحد الأطراف في علاقة مشوبة بعنصر أجنبي اتجاه ضابط الإسناد بتغيير ظرف الإسناد بنية التهرب من تطبيق أحكام قاعدة الإسناد الوطنية. وعليه، يتبين أن للدفع بالغش نحو القانون شرطان هما أن يقوم أحد الاطراف في علاقة قانونية مشوبة بعنصر أجنبي بتغيير ظرف الإسناد، وهذا هو العنصر المادي الذي ستتناوله الدراسة ضمن هذا المبحث في المطلب الأول، وكذلك أن يكون هذا التغيير بنيّة التهرّب من تطبيق أحكام قاعدة الإسناد الوطنية وهذا هو العنصر المعنوي الذي ستتناوله الدراسة أيضاً ضمن هذا المبحث في مطلبه الثاني.

المطلب الأول العنصر المادي للغش نحو القانون

يشترط للدفع بالغش نحو القانون أن يتوافر عنصر مادي في الغش وهو إجراء تغيير إرادي في ضابط الإسناد، ويجب أن يكون هذا التغيير في ضابط من ضوابط الإسناد التي يمكن تغييرها إرادياً، ويكون ذلك على سبيل المثال بتغير الجنسية أو الموطن أو موقع المنقول أو مكان إبرام العقد[1].
ويشترط أن يكون هذا التغيير فعلياً إذ لو كان تغير ضابط الإسناد صورياً فهنا لا حاجة لإعمال الدفع بالغش نحو القانون، إذ يكفي بهذه الحالة التمسك بأحكام الصورية لإهدار كل أثر لهذا التغير، فإذا غير شخص موطنهُ صورياً فلا عبره في هذا التغير، فالعبرة في الموطن الحقيقي[2].

ويشترط أيضاً أن يكون التغيير مشروعاً، إذ لو كانت الطريقة المستخدمة في التغير غير مشروعة كأن يتم تغير الجنسية عن طريق الغش في أحكام قانون الجنسية، فإنه لا يجوز في هذه الحالة الاعتداد بالجنسية المكتسبة عن طريق الغش وتكون العبرة بالجنسية الأولى.
وكحالة افتراضية عملية، قد يتعاقد متعهد مناسبات روسي مقيم في الإمارات مع مواطن أردني مقيم في الأردن على إدارة حفل متعلق بجماعة الإخوان المسلمين في الأردن ويشترط على الأردني في المفاوضات الشفوية أن يتم إبرام العقد وتوقيعه في المملكة العربية السعودية، التي تعتبر جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية محظورة، على الرغم من أنه ليس للعقد ولا لأطرافه او آثاره ارتباطاً بالمملكة العربية السعودية، وبالفعل تم توقيع العقد لدى الكاتب العدل في محكمة الرياض بالمملكة العربية السعودية، ووفقا لأحكام وشروط العقد فقد تم تنفيذ الحفل موضوع العقد من قبل المواطن الأردني، إلا أنه وبعدما أتم المواطن الأردني تنفيذ العقد وطالب الروسي المقيم في الإماراتي بأتعابه العقدية تمنع الروسي، وكان قد اتخذ الأردن بعد تنفيذ العقد موطنا له، فأقام المواطن الأردني دعوى لدى محكمة بداية عمان يطالب فيها الروسي المقيم في الأردن بأتعابه العقدية، وأثناء المحاكمة دفع محامي المتعهد الروسي ببطلان عقد إدارة الحفل مستنداً إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تعتبر تنظيما إرهابيا في المملكة العربية السعودية، وبالتالي فموضوع العقد مخالف للنظام العام السعودي حين نسلّم بأن الإرهاب مخالف للنظام العام بصورة تحرم الجهة التي يعتبر وجودها مخالفاً للنظام العام من التصرف. وعليه، وبتطبيق أحكام المادة (20) من القانون المدني الأردني فإن العقد حري بإعلان بطلانه.

يتبين من خلال المثال التوضيحي المذكور آنفا، أن متعهد الحفلات الروسي قد أصرّ على إبرام العقد في المملكة العربية السعودية، بنية التهرب المسبقة من أحكام القانون الأردني فيما لو تم ابرام العقد في الأردن، حيث أن هذا النوع من العقود ليس مخالفا للنظام العام بموجب القانون الأردني، بينما هو مخالف للنظام العام السعودي، فقد قصد المتعهد الروسي ابرام العقد في المملكة العربية السعودية من أجل تطبيق القانون السعودي القاضي باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة محظورة واعتبار العقد المبرم لإدارة حفل يخص هذه الجماعة عقداً باطلاً لا يرتب أثراً ولا ترد عليه الإجازة، وبالتالي يحرم الأردني من حقه في تقاضي الأجر عن ما قدمه من أعمال.
ويتبين الركن المادي للغش نحو القانون في المثال السابق بتحايل متعهد الحفلات الروسي على قاعدة الإسناد الأردني المتمثلة في المادة (20) من القانون المدني الأردني بتغييره لمكان إبرام العقد قاصداً اللجوء لتطبيق أحكام قانون المملكة العربية السعودية، وبهذا يمكن للمدعي (الأردني) أن يدفع بحالة الغش نحو القانون بقصد استبعاد تطبيق القانون الأجنبي (السعودي) وتطبيق القانون الأردني، والحكم له بأتعابه عن ما قدمه من أعمال.

([1]) أمينة رايس، المرجع السابق، ص 13.

([2]) Dicey &Morris .The conflict of laws .tenth edition.volume 1 .page 106

المطلب الثاني العنصر المعنوي للغش نحو القانون

سبق وأن بينت الدراسة أنه يشترط للدفع بالغش نحو القانون أن يتوافر عنصر مادي في الغش وهو إجراء تغيير إرادي في ضابط الإسناد، وبالإضافة للعنصر المادي يجب أن يتوافر عنصر معنوي يتمثل في نية التهرب من أحكام قانونٍ ما، أو بغية التوصل تحايلاً على تطبيق قانونٍ ما، كما هو الحال في المثال الفرضي الذي تم ذكره سابقاً.

وهنا يشترط أن يكون الباعث الرئيسي من تغيير ضابط الاسناد هو نقل الاختصاص من قانون دولة الى قانون دولة أخرى؛ أي التهرب من أحكام قانون والإلتجاء إلى قانون آخر تعينه قاعدة الإسناد. وللمحكمة سلطة تقديرية[1] في تقرير وجود نية الغش من عدمها وهذا ما قد يثير صعوبة من الناحية النظرية إذ أن المعيار الشخصي في البحث عن النية صعب التحقق ولذلك يلجأ القاضي إلى معيار موضوعي بحيث يستخلص النية من وقائع كل قضية على حدة ومن خلال بعض القرائن.[2] والتي يمكن ومن خلال البحث أن نشير منها على سبيل المثال:
– التزامن بين تغيير ضابط الإسناد وبين طلب تطبيق القانون الذي يشير إليه هذا الضابط.
– التسهيلات التي ينطوي عليها القانون الجديد لصالح الشخص الذي قام بتغيير ضابط الإسناد.

وفي هذا الصدد لا بد وأن نشير إلى أن البعض قد أنكر وجود فكرة الغش نحو القانون مستنداً إلى أن العنصر المعنوي في الغش نحو القانون المتمثل بنية المتحايل في التهرب من أحكام قاعدة الإسناد. وهذا الإثبات على الرغم من صعوبته إلا أن مسألة الإثبات مسألة مختلفة عن وجود الفكرة من عدمها؛ فعلى الرغم من صعوبة إثبات قصد التعدي مثلاً في نظرية التعسف باستعمال الحق، إلا أن القانون لم ينكر وجودها ونص عليها صراحةً في نص المادة (66/2) من القانون المدني الأردني.
وبالتالي، ومن كل ما سبق، يمكن أن نضع هذين الشرطين المشار إليهما في هذا المبحث كمعيار يمكن تقديمه والدفاع نحوه أمام القاضي الأردن للدفع نحو منع التحايل على تطبيق القانون الأردني طالما أنه ليس هناك قواعد منظمة لهذه المسألة في القانون المدني الأردني وليس هناك أيضاً اجتهادات لمحكمة التمييز الأردنية حسب ما وصل إليه الباحث في هذا الصدد.
* * * * *
[1] هشام علي صادق، دروس في تنازع القوانين، دار المطبوعات الجامعية طبعة 2003 ، ص 326.

[2] أمينة رايس، المرجع السابق، ص 14.

المبحث الثالث آثار الدفع بالغش نحو القانون

بما أن الغش نحو القانون يتم بتغيير أحد أطراف العلاقة إرادياً لضابط الإسناد بقصد التحايل على ضابط الإسناد في القواعد الوطنية الإسناد الوطنية، فإن هذا التغيير قد يتم إما عن طريق إتيان واقعة مادية كتغيير مكان إبرام العقد في المثال الذي افترضته الدراسة سابقا أو بإتيان عمل قانوني من شأنه أن يؤثر في تغيير ضابط الإسناد كتغيير الجنسية مثلاً. ويثور التساؤل هنا حول أثر تطبيق نظرية الغش نحو القانون فيما إذا كان يتناول النتيجة التي ابتغاها “المتحايل” على القانون والمتمثلة بقصده التهرب من أحكام قاعدة الإسناد الوطنية، أو فيما إذا كان يتناول النتيجة والسبب فيتدخل في الواقعة التي غيرت ضابط الإسناد بإبطال الجنسية التي اتخذها المتحايل بنية التحايل على ضابط الإسناد في قاعدة الإسناد الوطنية، كما أن التحايل الذي يرتكبه المتحايل قد يكون بنية التهرب من تطبيق أحكام قانون ما، أو بغية تطبيق أحكام قانون آخر غير ذلك الذي تحدده قاعدة الإسناد الوطنية، وستتناول الدراسة الأثر السلبي للغش نحو القانون الذي يقضي باستبعاد تطبيق القانون الأجنبي حيث سيناقش هذا الأثر مسألة فيما إذا كان استبعاد تطبيق القانون الأجنبي يقتصر على النتيجة فقط أو يتسع ليشمل السبب أيضا وذلك في المطلب الأول، ومن ثم ستناقش الدراسة الأثر الإيجابي بتطبيق القانون الذي قصد المتحايل التهرب من أحكامه في المطلب الثاني.

المطلب الأول الأثر السلبي للغش نحو القانون

فوفقاً لهذا الأثر يتم استبعاد القانون الذي تم الغش بقصد تطبيقه، واللجوء لتطبيق القانون الذي تحدده قاعدة الإسناد فيما لو لم يتم التحايل عليها. ويثور التساؤل هنا فيما إذا كان هذا الاستبعاد يشمل النتيحة التي ابتغاها المتحايل نتيجة تحايله، أم أنه يشمل أيضاً السبب الذي قام به متحايلاً على ضابط الإسناد؟؟
وفي ذلك انقسم الفقه إلى اتجاهين في هذا الصدد:

1- فبعض الفقهاء يرى بأن هذا الاستبعاد يشمل النتيجة (تطبيق القانون الأجنبي) فقط دون الوسيلة (الأفعال التي أدت الى تغيير ضابط الاسناد)، ذلك أن الوسيلة ما دامت من حق الشخص وغير مخالفة للنظام العام أو الآداب وبما أن دولة اخرى قررتها فيعترف فيها دون ترتيب نتيجة نقل الاختصاص إلى قانون آخر، وهذا هو التوجه الغالب في التشريعات والفقه والقضاء وهذا ما أميل اليه بوجه نظري؛ حيث أن الحكم بصحة الوسيلة لا يعود تقريره للقاضي الوطني بما أن هذه الوسيلة قد منحت بمقتضى قانون أجنبي يجيزها.[1]
1- أما البعض الآخر من الفقهاء فيرى أن استبعاد تطبيق القانون الأجنبي الذي تم التوصل إليه بالتحايل على ضابط الإسناد يشمل النتيجة والوسيلة معاً وهذا هو الاتجاه الغالب في الفقه الفرنسي حيث يرى الفقه الغالب في فرنسا أن جزاء الغش يشمل الغاية و الوسيلة، ففي قضية “بوفرمون” مثلاً يجب ألا يقتصر أثر الغش على عدم نفاذ الطلاق و الزواج الثاني الذي أبرمته وفقاً لقانون جنسيتها الجديدة و إنما يجب أن يمتد أيضا إلى الوسيلة التي استعملتها و هي تجنسها بالجنسية الألمانية فتبقى بذلك فرنسية ليس فقط بالنسبة لتنازع القوانين و إنما أيضا بالنسبة لجميع المجالات الأخرى.، فإذا تم التحايل على ضابط الإسناد من خلال تغيير الجنسية مثلا وحتى لو كان هذا التغيير مشروعاً من حيث الأصل إلا أنه يحكم ببطلانه لأن القصد من وراءه غير مشروع وهو التحايل على القانون فلا يعترف القانون وفقا لهذا الرأي بالجنسية الجديدة، والانتقاد الذي يوجه إلى هذا الرأي أن الحكم في صجة هذه الوسيلة من عدمها هو للقانون الذي رتب هذا المركز القانوني وليس لقانون القاضي.[2]

ويرى الباحث أن الأثر السلبي للدفع بالغش نحو القانون يقتصر على استبعاد تطبيق القانون الأجنبي الذي أراد المتحايل أن يلجأ إلى تطبيق أحكامه كنتيجة لغشه نحو ضابط الإسناد في قاعدة الإسناد الوطنية، دون أن يتناول السبب الذي أتاه المتحايل غاشاً في قواعد القانون الدولي الخاص، ذلك أن السبب في حد ذاته مشروع ابتداءً، ومن ثم فإنه وفي الحالات المتصورة قانوناً وفي تغيير الجنسية كمثال ليس للقاضي من سلطة في اعتبار الجنسية التي يتمتع بها الغاش نحو القانون بنية تغيير ضابط الإسناد باطلة أو غير قانونية، إذ أن السلطة في ترتيب هذا المركز القانوني تعود لقانون آخر غير قانون القاضي، وهو الذي يقرر الأوضاع التي تمنح بموجبها الجنسية أو المراكز القانونية وهو أيضا الذي يحدد كيفية بطلانها أو سحبها، وليس قاضي الموضوع الذي ينظر النزاع.

[1] أمينة رايس، المرجع السابق، ص 15.

[2] عكاشة محمد عبد العال، ،المرجع السابق، ص 462.

المطلب الثاني الأثر الإيجابي للغش نحو القانون

يتناول أغلب الدارسين للغش نحو القانون الدولي الخاص كسبب لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي الأثر المترتب عليه من ناحيتيه، الأثر السلبي، والأثر الإيجابي، ويتناولون الاثر الإيجابي على أنه يشكل جزاء على التحايل على القانون، بحيث يستبعد تطبيق القانون الذي أراد الشخص الاستفادة من أحكامه وتطبيق القانون الأصلي الذي تم التحايل ضده، ووجود هذا الأثر مترتب على وجود الأثر السلبي لا بل هو من مستلزمات وجوده، فلو وجد الأثر السلبي دون الإيجابي لقررت محكمة الموضوع بعد ثبوت واقعة الغش نحو القانون استبعاد تطبيق القانون الأجنبي وفقا للأثر السلبي ومن ثم توقفت دون معرفة أو تحديد القانون واجب التطبيق و لذلك كان لزاماً أن يتقرر تطبيق القانون المتحايل عليه لكي يوجد قانون يحكم المسألة، وإلا لأصبحت الفكرة من أساسها مستحيلة التطبيق.
وبالتالي يرى الباحث أن للغش نحو القانون أثر سلبي ينطوي على استبعاد تطبيق القانون الأجنبي الذي قصد المتحايل تطبيقه بالغش نحو القانون، وتطبيق القانون الأصلي الذي نصت عليه قاعدة الإسناد في الوقت ذاته، ويرى بأن الأثر الإيجابي ما هو إلا نتيجة مترتبة على الأثر السلبي للغش نحو القانون.

الخاتمة:

â—„ النتائج:
– لم يعالج المشرع الأردني مسألة الغش نحو القانون، في حين نص في المادة (25) من القانون المدني على اتباع مبادىء القانون الدولي الخاص فيما لم يرد عليه نص في القانون، وهذا على الرغم من أنه ترك المجال مفتوحاً لاتباع مبادىء القانون الدولي الخاص. إلا أنه يترك مسألة واقعية تعاني فراغاً تشريعياً من ناحية، وتخلق إشكالا في اعطاء المحكمة حرية في اختيار مبدأ من مبادىء القانون الدولي الخاص دون تحديد من ناحيةٍ أخرى. مما يخلق إشكاليات عديدة خصوصاً وأن القانون الدولي الخاص من موضوعات القانون الجدلية.
– عالج القانون الأردني مسألة النظام العام كمانع من تطبيق القانون الأجنبي، فيبسط القاضي الوطني رقابته على موضوع القانون الأجنبي لتقدير مدى موافقته للنظام العام الأردني، وهذا ما نص عليه المشرع الأردني في المادة (29) من القانون المدني دون أن يعرف النظام العام، الذي يصفه فقيه القانون الدولي الخاص الفرنسي “ويس” بأنه الابن المخيف للقانون الدولي الخاص.
– إن فكرة الغش نحو القانون فكرة نادرة الحدوث نسبياً، ولكنها مع ذلك إن أثيرت أمام القضاء الأردني فإنها ستخلق إشكالا يتحتم التحرز منه قبل حدوثه وبحث ما يمكن الاحتجاج به قانوناً تجاه هذه الفكرة.

â—„ التوصيات:
– توصي الدراسة بالنص على مبدأ الغش نحو القانون تشريعياً؛ حيث أنها من المسائل المهمة دوليا، وعلى الرغم من ندرة حدوثها، إلا أنه وحيث أن الأردن تسعى لتعزيز الاستثمار وتشجيعه، وحيث أصبحت التجارة حرة بين أغلب الدول، وحيث أن العالم أصبح قرية صغيرة، فلا بد أن يتم معالجة مسألة كهذه بنص تشريعي.
– إن المشرع الاردني قد نظم أحكام القانون الدولي الخاص ضمن القانون المدني، والذي يعد الشريعة العامة للقانون الخاص من الناحية الموضوعية، في حين أن القانون الدولي الخاص قانون ذو طبيعة خاصة كان الأحرى أن يوضع بتشريع خاص، أو حتى على الأقل تناوله ضمن الشريعة العامة الإجرائية المتمثلة بقانون أصول المحاكمات المدنية لا القانون المدني.
– توصي الدراسة، ونظراً لأن الواقع التشريعي الأردني يعاني ما يعانيه من تباطؤ وقلة خبرة، وعدم كفاءة لدى بعض أفراد السلطة التشريعية، أن يقوم المجلس القضائي بتدريب وإيفاد عدد من القضاة في دوراتٍ تدريبية أو إيجاد نظام بحثٍ علمي يشجع السادة القضاة على البحث في المسائل المختلفة ومنها القانون الدولي الخاص، والغش نحو القانون الدولي الخاص، كبادرة لمسؤولية السلطة القضائية عن حسن سير العدالة.

قائمة المصادر و المراجع

المصادر:

1- القانون المدني الأردني رقم (43) لسنة (1976) المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم () تاريخ ().
2- قرار محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 91 لسنة 1987.
3- قرار محكمة التمييز بصفتها الحقوقية رقم 709 لسنة 2002.

المراجع باللغة العربية:

1- أمينة رايس، النظام العام والغش نحو القانون كموانع لتطبيق القانون الأجنبي أمام القاضي الجزائري، المركز الجامعي العربي بن مهيدي-أم البواقي.
2- عبد الرسول كريم أبو صيبع، أثر الغش نحو القانون على ظرف الإسناد،كلية القانون-جامعة الكوفة.
3- د.عكاشة محمد عبدالعال، تنازع القوانين، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2004.
4- الدكتور مرتضى نصر الله، مباديء القانون الدولي الخاص التجاري، مطبعة النعمان 1962.
5- الطيب زروتي، القانون الدولي الخاص الجزائري علما وعملا،جامعة الجزائر، الطبعة الأولى 2010.
6- محمد ابراهيم أبو الهيجاء، عقود التجارة الالكترونية ط1، دار الثقافة للنشر و التوزيع، 2005.
7- زاير فاطمة الزهراء، النظام العام في النزاعات الدولية الخاصة المتعلقة بالأحوال الشخصية، جامعة أبي بكر بلقايد، الجزائر،2010.
8- هشام علي صادق، دروس في تنازع القوانين، دار المطبوعات الجامعية طبعة 2003.

المراجع الأجنبية:

1- Martin Wolff . Private International Law .second edition, 1950, oxford university press.
2- Albert A. Ehrenzweig, private international law, volume three, Oceana publications,1977.
3- Dicey &Morris .The conflict of laws .tenth edition. Volume I.