الصلح شرعًا عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة، وهو جائز بالإجماع لقوله تعالي (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) وقوله (والصلح خير)، ولحديث أبي هريرة مرفوعًا (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا حرم حلالاً أو أحل حرامًا) وقد عرفه المالكية بأنه انتقال عن حق أو دعوى، بعوض لرفع نزاع أو لخوف وقوعه، والأول – الانتقال عن الحق – صلح على الإقرار، أما الثاني – الانتقال عن الدعوى – فصلح على الإنكار.

ويعرفه المشروع في المادة (552) بأنه عقد يحسم به عاقداه نزاعًا قائمًا بينهما أو يتوقيان به نزاعًا محتملاً، وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جانب من ادعائه. ويبين من هذا التعريف، أن عقد الصلح يفترض وجود نزاع قائم أو محتمل، ويتطلب تضحيات متبادلة لحسم النزاع، سواء بتنازل كل من المتصالحين عن جزء من ادعاءاته، أو بتنازل أحدهما عن كل ادعاءاته في مقابل بدل خارج عن موضوع النزاع، وليس بضروري بعد ذلك أن تكون التضحية من الجانبين متعادلة، فمهما كانت تضحية أحد الطرفين قليلة بالنسبة إلى تضحية الطرف الآخر، فإن العقد يكون صلحًا.

أولاً: أركان الصلح:

في المجلة – وفي الفقه الحنفي كذلك – يُشترط في المتصالحين أن يكونا عاقلين ولا يشترط فيهما البلوغ والحرية، وعلى هذا يصح الصلح من الصبي المأذون إن عري صلحه عن ضرر بين (قارن المادة 1539 من المجلة). ولكن المادة (553) من المشروع تستلزم في كل من المتصالحين، توافر أهلية التصرف بعوض في الحقوق التي تصالحا عليها، لأن كلاً منهما ينزل عن جزء من ادعائه في نظير نزول الآخر عن جزء مقابل. والنزول بمقابل عن حق مدعى به، هو تصرف بعوض، وعلى ذلك فكل من بلغ سن الرشد ولم يُقض باستمرار الولاية على ماله، تكون أهليته كاملة في الصلح على جميع الحقوق. وقد استوحى المشروع هذا الحكم من القانون المصري (المادة 550) والقوانين العربية الأخرى التي نقلت عنه.

أما محل الصلح فهو الحق المتنازع فيه وتنازل كل من الطرفين عن جزء مما يدعيه في هذا الحق، ويدخل فيه بدل الصلح إن عقد الصلح على بدل. وأيًا كان محل الصلح، فإنه يجب أن تتوافر فيه الشروط التي يجب توافرها في المحل بوجه عام، فيجب أن يكون موجودًا، ممكنًا، معينًا أو قابلاً للتعين، وبوجه خاص، أن يكون مشروعًا – أي حقًا يجوز الاعتياض عنه ولو كان غير مال ولذلك نصت المادة (554) من المشروع على عدم جواز الصلح في المسائل المتعلقة بالنظام العام، وعليه فلا يجوز الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية – كالبنوة والزوجية – أو الأهلية، وغير ذلك من المسائل المتعلقة بالنظام العام وإنما يجوز الصلح على الحقوق المالية التي تترتب على هذه المسائل كالصلح على النفقة أو على مؤخر الصداق.

وكل ذلك ما لم يقضِ القانون بغيره ففيما يتعلق بالقصاص أو التعزيز إذا كان حقًا للعبد، يصح الصلح عن دعوى الجناية في النفس من القتل وفيما دونها، عمدًا كانت الجناية أو خطأ. أما العمد فلقوله تعالي (فمن عُفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف) (البقرة 178) أي من أُعطي له بدل أخيه المقتول شيء بطريق الصلح. وأما الخطأ فلأن موجبه المال. وتعرض المادة (555) لإثبات الصلح، فتنص على أنه لا يثبت إلا بالكتابة أو محضر رسمي. وهو نص مقابل له في غالبية التقنينات العربية، فالصلح وقد شرع لرفع النزاع وقطع الخصومة، لا يجوز أن يكون مثارًا لنزاع آخر قد ينشأ عن إباحة إثباته بالبينة.

والكتابة لازمة للإثبات لا للانعقاد، لأن الصلح من عقود التراضي، ويترتب على ذلك أنه لم توجد كتابة لإثبات الصلح، جاز إثباته بما يقوم مقامها كالإقرار واليمين. ولكن الإثبات بالبينة والقرائن غير جائز ولو في صلح لا تزيد قيمته على نصاب الشهادة، إلا في الحالات التي تجيز فيها القواعد العامة الإثبات بهذين الطريقين. وغني عن البيان أنه لا يشترط في الكتابة اللازمة لإثبات عقد الصلح، شكل خاص، فالورقة العرفية تكفي للإثبات، ومن باب أولى يكفي لإثبات الصلح المحضر الرسمي الذي تدون فيه المحكمة الصلح الذي يقع بين الخصوم.

ثانيًا: آثار الصلح:

وتعرض المواد (556 – 559) لآثار الصلح: وأول هذه الآثار انقضاء الادعاءات التي يتنازل عنها كل من المتصالحين تنازلاً نهائيًا (المادة 556) فإذا تنازع شخصان على ملكية دار وأرض، ثم تصالحا على أن تكون الدار لأحدهما والأرض للآخر، فهذا الصلح يترتب عليه انقضاء ادعاء من اختص بالدار في ملكية الأرض، وادعاء من اختص بالأرض في ملكية الدار. فلا يجوز لأيهما أن يعود إلى منازعة الآخر فيما اختص به. وفي ذلك يقول الحنابلة إن الصلح يحسم النزاع نهائيًا، فلا تُسمع بعده دعوى المدعي ولو أقام بينة على ما ادعاه أو على سبق إقرار المنكر به، ويترتب حتمًا على انقضاء الادعاءات، تثبيت حق كل متصالح فيما خلص له فيبقى حقه فيه على وضعه الأول، ويكون أثر الصلح الكشف عن هذا الحق لا إنشائه (المادة 557/ 1) فلا يكون المتصالح متلقيًا له من المصالح الآخر، ولا خلفًا له فيه بكل ما يترتب من نتائج. وهو حكم مأخوذ به في الفقه الحنفي. على أنه إذا تضمن الصلح حقوقًا غير متنازع فيها، فإنه يكون منشئًا أو ناقلاً بالنسبة لهذه الحقوق، فإذا تنازع شخصان على دار وتصالحا على أن يختص بها أحدهما في نظير أن يعطي الثاني عقارًا آخر، فإن الصلح يكون له أثر ناقل أو منشئ بالنسبة إلى هذا العقار (المصالَح عليه) بكل ما يترتب على ذلك من نتائج. وهو حكم مأخوذ به أيضًا في الفقه الحنفي (قارن المادة 1550 من المجلة).

وإذا كان أثر العقد يقتصر، بوجه عام، على كل من كان طرفًا فيه، وعلى المحل الذي تناوله، وعلى السبب الذي وقع من أجله غير أن الصلح في صدد هذا الأثر النسبي أكثر بروزًا:

( أ ) فهو مقصور على الحقوق التي كانت محلاً للنزاع دون غيرها، ولذلك نصت المادة (557/ 2) من المشروع على وجوب تفسير عبارات التنازل التي يتضمنها الصلح تفسيرًا ضيقًا فإذا تصالح شريك مع بقية شركائه على ما يستحق من أرباح في الشركة فإن هذا الصلح لا يشمل إلا ما استحقه فعلاً من أرباح، لا ما قد يستحقه في المستقبل، وإذا تصالح وارث مع بقية الورثة على استحقاقه في التركة باعتباره وارثًا، فإن هذا الصلح لا يتناول ما يكون المورث قد أوصى له به من مال في التركة.

(ب) والصلح لا يترتب عليه نفع ولا ضرر لغير عاقديه، حتى لو وقع على محل لا يقبل التجزئة (المادة 558/ 1)، فإذا اصطلح الموصى له مع أحد الورثة على الوصية فإن الورثة الآخرين لا يحتجون بهذا الصلح ولا يُحتج به عليهم، وإذا كان الموصى له شخصين بوصية واحدة وصالح أحدهما الوارث فإن هذا الصلح لا يحتج به الموصى له الأخر ولا يحتج به عليه، ولكن الفقرة الثانية من المادة (558) تورد استثناء من هذه القاعدة وهو حالة الصلح مع المدينين المتضامنين أو الدائنين المتضامنين فإن لكل منهم أن يتمسك بالصلح الذي يعقده أحدهم إذا رأى فيه نفعًا له. أما إذا كان من شان الصلح أن يزيد فيما يلتزم به المدينون المتضامنون أو يسيء إلى مركز الدائنين المتضامنين فإنه لا ينفذ في حقهم ما لم يرتضوا ذلك.

(جـ) وأخيرًا يقتصر أثر الصلح على السبب الذي وقع من أجله، وفي ذلك تنص المادة (559) من المشروع على أن من تصالح على حق له (أو على حق تلقاه بناءً سبب معين)، ثم كسب هذا الحق ذاته بناءً على سبب آخر، لا يكون بالنسبة إلى هذا الكسب الجديد مرتبطًا بصلحه السابق. فإذا تصالح مع الوارث أحد الموصى لهما، ثم مات الموصى له الآخر وورثه الموصى له الأول الذي عقد الصلح، فإنه يجوز له أن يعود إلى النزاع في الوصية فيما يتعلق بحقه في الإرث من الموصى له الثاني، دون أن يستطع الوارث أن يحتج عليه بالصلح بالرغم من وحدة المحل – وهي الوصية – ووحدة الأشخاص لأن السبب لم يتحد في الحالين.

ثالثًا: بطلان الصلح:

تنص المادة (560/ 1) على أن الصلح لا يتجزأ، فبطلان جزء منه أو إبطاله، يقتضي بطلان الصلح كله أو إبطاله. فقد يكون الصلح قابلاً للإبطال لنقص الأهلية أو لعيب في الرضاء وقد يكون باطلاً لعدم مشروعية المحل أو السبب. وأيًا كان سبب الإبطال أو البطلان، فإن الصلح إذا كان يشتمل على أكثر من أمر واحد، فالأصل أن إبطال جزء منه أو القضاء ببطلانه، يقتضي إبطال العقد كله أو بطلانه بجميع أجزائه، ولكن هذا الحكم ليس إلا افتراضًا لإرادة المتصالحين فإذا تبين أن إرادتهما قد اتجهت صراحة أو ضمنًا إلى اعتبار أجزاء الصلح منفصلة ومستقلاً بعضها عن بعض فإن إبطال جزء منها أو بطلانه لا يؤثر على بقية الأجزاء الأخرى (المادة 560/ 2).

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .