اذا كان الاصل هو سلامة ارادة الطرفين المتعاقدين من كل عيب يؤثر في سلامة ارادة كل منهما عند ابرام العقد، ومن بين العيوب التي تؤثر في سلامة الارادة، هو عيب الغلط. ويعرف الغلط بانه: (وهم يقوم بذهن الشخص فيصور له الامر على غير حقيقته، بمعنى انه يجعله يعتقد بوجود واقعة او صفة غير موجودة او العكس) (1). او هو: (حالة تقوم بالنفس تحمل على توهم غير الواقع) (2). ومن خلال هذه الرؤية الفكرية الفقهية، فان من ادعى ان ارادته معيبة بغلط كان له الاثر المباشر في ابرامه العقد هو الذي يقع عليه عبء اثبات وقوعه في الغلط، وعليه ان يتمكن من اثبات ان الطرف الاخر في العقد وقع مثله في هذا الغلط، او كان على علم به، او كان من السهل عليه ان يتبينه. (3). وهذا ما اشارت اليه م (119) القانون المدني العراقي: (لا يجوز للمتعاقد الذي وقع في غلط ان يتمسك به الا اذا كان المتعاقد الاخر قد وقع في الغلط نفسه او كان على علم به او كان من السهل عليه ان يتبين وجوده). تقابلها المادة (120) من القانون المدني المصري بالنص على انه (اذا وقع المتعاقد في غلط جوهري جاز له ان يطلب ابطال العقد، ان كان المتعاقد الاخر قد وقع مثله في هذا الغلط، او كان على علم به، او كان من السهل عليه ان يتبينه).

ان المادة (118) من القانون العراقي اشارت الى الغلط المعيب للرضا بالنص على انه: (لا عبره بالظن البين خطؤه. فلا ينفذ العقد: 1- اذا وقع غلط في صفة للشيء تكون جوهرية في نظر المتعاقدين او يجب اعتبارها كذلك للظروف التي تم فيها العقد، ولما ينبغي في التعامل من حسن النية. 2- اذا وقع غلط في ذات المتعاقد او في صفة من صفاته وكانت تلك الذات او هذه الصفة السبب الوحيد او السبب الرئيسي في التعاقد. 3- اذا وقع غلط في امور تبيح نزاهة المعاملات للمتعاقد الذي يتمسك بالغلط ان يعتبرها عناصر ضرورية للتعاقد.) تقابلها كل من المادة (152) من القانون المدني الاردني والمادة (120) من القانون المدني المصري بالاتجاه نفسه. ان حصول الغلط يتعبر من الوقائع المادية التي بالامكان اثباتها بكافة وسائل الاثبات بما فيها شهادة الشهود والقرائن المستنبطة من وقائع كل دعوى. واسلوب عرض الغلط امام القضاء يكون من خلال بيان التصورات والاعتبارات الذهنية التي حملت مدعي الغلط على التعاقد، مما يعطي ذلك مجالا لقاضي الموضوع من التحقق بطريقة استعراض ظروف التعاقد والوضع الذي كان عليه اطراف العقد، لتكون له السلطة التقديرية في نهاية الامر في وزن الوقائع من اجل الوصول الى الحل المناسب المقنع(4). فاذا ثبت لقاضي الموضوع اتفاق شخص مع طبيب على اجراء عملية جراحية معقدة، معتقدا انه الجراح الشهير لاجراء العملية، ثم تبين بعد ذلك انه ليس ذلك الجراح بل طبيب اخر يحمل الاسم نفسه، فانه يكون قد وقع في غلط جوهري في شخص المتعاقد، (5) او ان سبب دفع المشتري مبلغا كبيرا لحساب البائع عن قيمة البقرة الحلوب، هو لاعتقاده وتصوره النفسي والعقلي من انها بقرة حلوب، فهذه الوقائع تعتبر محل استنتاج واستنباط لقاضي الموضوع على ان هذا الاعتبار هو الاساس في العقد، فاذا ظهر عكس التصور يعني ذلك، ان الارادة اصبحت معيبة، وقبول البائع هذا المبلغ الكبير في هذه البقرة انه له اكثر من احتمال ينحصر في كونه وقع في الغلط نفسه، او علم به، او كان من المتيسر عليه ان يتبينه. ان قاضي الموضوع بسلطته التقديرية يتمتع بتقدير وقوع الغلط او عدمه لكونه مسألة من مسائل الواقع، دون ان تكون لمحكمة التمييز رقابة عليه.

وخلاصة القول ان الذي يدعي الغلط هو الذي يتحمل عبء اثبات وقوعه في الغلط، وغلط الطرف الاخر او علمه بالغلط او استطاعته هذا العلم. وهذه كلها وقائع مادية تثبت بجمع طرق الاثبات، لان معنى الغلط في الرضا، ان الارادة تصبح معيبة يتخلف عنها شرط التنور والبصيرة الواضحة الذي استلزمه القانون، وتخلف هذا الشرط يؤدي الى ان يسقط اعتبار الارادة في نظره، اي انعدامه من الناحية القانونية وهذا هو مصير كل رضاء مشوب باي عيب من عيوب الرضا. من التطبيقات القضائية لهذا الخصوص: (اختلاف وصف السيارة المبينة وظهور كونها موديل 1948 لا سنة 1954، يفوت وصفا مرغوبا فيه، ويعتبر غلط في صفة جوهرية في نظر المتعاقدين، مما ينطبق عليه حكم المادتين (117) و (118) مدني عراقي، ويترتب على ذلك عدم نفاد العقد ويكون طلب فسخ العقد باسترداد الثمن من قبل المشتري صحيحا قانونا) (6). (اذا وقع غلط في القسمة فيجوز ان تقام الدعوى لبطلان القسمة) (7). (اذا باع شخص ارضاً على انها تحد من الجهة البحرية بشارع عرضه خمسة امتار وتبين بعد ذلك ان هذا الشارع لا وجود له مما يجعل الارض محصورة من جهاتها الاربع، ولا منفذ لها يؤدي الى الطريق العام، فان البيع يجوز ابطاله بسبب الغلط الواقع في صفة جوهرية في الشيء المبيع)(8).

__________________

1- د. سليمان مرقس، شرح القانون المدني الالتزامات، ج2، المطبعة العالمية، القاهرة، 1964، ص152.

2- د. عبد الرزاق السنهوري، مصادر الحق في الفقه الاسلامي، معهد الدراسات العربية العالية، جامعة الدول العربية، 1953-1954، ج2، ص98.

3- د. عبد المجيد الحكيم، مصادر الالتزام، ط5، مطبعة نديم، بغداد ، ج1، ص142؛ الغلط عيب من عيوب الرضا من خلال نظرية سلطان الارادة (بحث) بقلم السيد الحبيب العش، مجلة القضاء والتشريع تصدر عن وزارة العدل التونسية العدد (5) لسنة (22) شوال 1411هـ، ماي 1991م. ص48؛ (الغلط هو وحالة تعرض للنفس تحملها على توهم غير الواقع) منير القاضي، ملتقى البحرين، ص188؛ (الغلط هو عدم توافق الارادة الحقيقية، اي الباطنة، مع الارادة المعير عنها، اي الظاهرة) د. عبد المجيد الحكيم. مصادر الالتزام ج1 ص126 عن الفقه الفرنسي سالي الاعلان عن الارادة ص11.

4- د. انور سلطان، النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام، ج1، دار المعارف، الاسكندرية، 1965، ص150؛ د. محمد فتح الله النشار، احكام و قواعد عبء الاثبات، دار الجامعة الجديدة للنشر، مصر، 2000، ص211؛ د. نبيل ابراهيم سعد، الاثبات في المواد المدنية و التجارية، منشأة المعارف، الاسكندرية 2000م ، ص176؛ د. احمد حشمت ابو ستيت، نظرية الالتزام في القانون المدني الجديد، مصادر الالتزام، ط3، مطبعة مصر، 1954، ص152.

5- د. عبد المجيد الحكيم، مصادر الالتزام، ج1، ص141.

6- قرار محكمة تمييز العراق رقم 2065، حقوقية، 66 في 15/11/1966، قضاء محكمة التمييز المجلد الرابع ص102؛ الاستاذ ابراهيم المشاهدي، المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز، منشورات مركز البحوث القانونية، بغداد 1988، ص166.

7- قرار محكمة تمييز العراق رقم 576/ب/1948، العلام ، المبادئ القضائية، ص272.

8- استئناف مصري مجلة المحاماة 23 ص219 نقلا عن الاستاذ فريد فتيان، التعبير عن الارادة في الفقه الاسلامي والفقه المدني، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم معهد البحوث للدراسات العربية، بغداد 1965، ص49.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .