دعاوى الحجر مشروطة بضوابط محددة لحفظ حقوق الوارثين

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

 

تغطية: جيهان شعيب

رغم أن دعاوى الحجر على الآباء لا تشكل ظاهرة في الدولة، ولا ترد للمحاكم منها سوى حالات محدودة، إلا أن الحديث عنها بتوضيح أسبابها، وأدلة ثبوتها، والحالات التي يجوز فيها الحجر، وغير ذلك مما يتعلق بهذه الدعاوى، اعتبره المحامون من حضور المجلس الرمضاني، الذي نظمه واستضافه المحامي سالم ساحوه، من الضرورة بمكان، وفي ضوء تسارع مستجدات العصر، والأحداث المعيشية للأسر، التي تفرض أهمية بحث وتوضيح كل ما يتعلق بالقضايا والدعاوى الأسرية، لأخذ العظة والعبرة، والاحتياط لكل ما من شأنها، وكمناقشة استباقية للتفكير في كيفية مواجهته في المجتمعات الأخرى.

في مستهل الجلسة التي شارك فيها بحديث شامل، مجموعة كبيرة من رجال القضاء الواقف، الذين طرحوا كل ما يختص بدعاوى الحجر من وجهات النظر القانونية، والتشريعية، والشرعية، بدأ المحامي سالم ساحوه بالقول: الحجر في الشرع يعني المنع من التصرف، وأسبابه تتلخص في عدم اكتمال العقل، لنقص الأهلية أو فقدانها بسبب صغر السن، والسفه، والجنون، ويتميز مجتمعنا بقيم إنسانية عدة، منها التراحم، والمودة، واحترام الكبير، وعدم إنكار الفضل من أصحابه، فكبيرنا يرحم صغيرنا، والكل يعيش في مودة، وإذا كان الأمر لا يمثل مشكلة مجتمعية بشأن الصغير، لأن الأصل أن وليه هو الأمين على مصالحه، ومنها المالية، فكثير من الناس يتحرجون من إقامة دعوى الحجر على كبيرهم، حتى وإن رأوا منه تصرفات تلحق الضرر بأمواله، ومن ثم بهم، فيما دعاوى الحجر مشروطة بضوابط محددة لحفظ حقوق الوارثين.

مراقبة الله

وبشكل عام ينبغي في جميع الأحوال أن يراقب الإنسان ربه، حين تفكيره في إقامة دعوى حجر مراعاة لمصالح الكبار، حيث يجب أن يكون مردها الحفاظ على أموال الكبير من هؤلاء حتى لا يفنيها فيما لا ينفعه أولاً، ولا ينفع ورثته من بعده، عدا ذلك فقد تناول المشرع الإماراتي الحجر وشروطه، والمحكمة تسمي القيم الذي يحكم له بالحجر بوارث، فضلاً عن ذلك فبعد الحجر يصرف راتب شهري للمحجور عليه يقدره القاضي، عدا ذلك فسن الرشد الذي يكون فيه الشخص كامل الأهلية ما لم يتم الحجر عليه، هو 21 عاماً قمرية، حسب نص المادة 172 من القانون، في حين يقع كثيراً الناس العاديون في خطأ احتساب السن الذي يصبح فيه الشخص كامل الأهلية، حيث لا ينتبهون إلى أن الحساب يكون وفقاً للتقويم الهجري وليس الميلادي.
وقد أوضح المشرع الإماراتي في صريح المادة 174 من القانون العوارض التي تطرأ على الشخص فتحد من أهليته، بأن يصبح عديمها أو ناقصها، ومنها الجنون ويلحق بأحكامه العته أو الخرف، والسفه، ومرض الموت، وغير ذلك.

أدلة الثبوت

وتحدث المحامي د. عبد الله بن ساحوه السويدي عن أن الحجر شرع لحماية مصالح معينة، والمشرع دائماً في المجتمع يراجع القوانين بما يتلاءم مع الظواهر الجديدة التي طرأت بتعديل مادة أو خلافه، مستعرضاً تعريف الحجر في المذاهب الأربعة، وأدلة ثبوته، والحكمة من تشريعه، وأسبابه، قائلاً: أصبحنا نلاحظ تنامي عدد هذه القضايا في مجتمعات عربية، وتلمس المتابعون لها الكيدية والمبالغة فيها، حيث بدأ بعض الأبناء وفي ظل انعدام منظومة القيم، والذمة استغلال هذا النوع من الدعاوى والحقوق التي شرعت لأسباب إنسانية، في ابتزاز الآباء بالحجر على أموالهم، ومنعهم من التصرف فيها، أو ممارسة حياتهم الطبيعية على نحو يهدر كرامتهم، ويسبب لهم الآلام النفسية.

ظاهرة صحية

وقال المستشار القانوني محمد العويس: الحجر ظاهرة صحية للحد من مشكلات اجتماعية قد تكون أكبر، لاسيما إذا كان المحجور عليه سفيهاً في التعامل مع أمواله بالتبذير غير المحسوب، الذي يهدد بضياعها، ويؤدي بالتالي إلى حرمان أولاده من التمتع بها، والعيش في رغد، وأمان، واطمئنان، ومن الممكن حين استعادة المحجور عليه أهليته رفع دعوى برفع الحجر، بناء على تقرير طبي بتأكيد ذلك حيث تقضي المحكمة بحكمها في هذا الصدد، فيما يعد هذا الاستثناء الوحيد الذي يتعلق بأهلية المحجور عليه في التقاضي، وقد ورد في المادة 177 من القانون، حيث يحق للمحجور عليه أن يقيم بنفسه الدعوى لرفع الحجر عنه، عدا ذلك فلابد من تضمين القانون مواد إضافية عن قضايا الحجر، حيث لا يوجد سوى 3 مواد فقط تتعلق بها.

مبدأ الشراكة

وقالت المحامية هناء شهاب: نظرنا قضية شخص كبير في السن متزوج من زوجة ثانية ويعيش معها، ورفعت دعوى للحجر عليه، وقررت المحكمة أن تتقاسم مع ابنه الأكبر الإشراف عليه، وبالاستئناف على الحكم، أيدت الحكم، وبذلك نجحنا في إرساء مبدأ الشراكة في إدارة أمور المحكوم عليه، وبشكل عام فالحجر قضية اجتماعية وليست قانونية منظمة، والقانون رقم 28 لسنة 2005 والذي يتضمن 3 مواد فقط تتعلق بالحجر، حينما صدر كانت هذه القضايا غير مقبولة مجتمعياً، في حين أضحت عادية حالياً، بعدما تغيرت كثير من الأمور، بما يترتب تغيير القانون حالياً، كما يفترض أن تتدخل المحكمة الأسرية، أو مراكز التنمية الأسرية في التقريب بين أفراد الأسرة التي رفعت دعوى حجر على كبيرها، وحصلت على حكم بذلك، للجمع بينها، وتكريس التواصل فيما بين المحجور عليه وأفراد أسرته، حتى لا تحدث فرقة، في ضوء التأثير السلبي لقضايا الحجر إجمالاً.

صيانة الأموال

وقال المحامي فاروق عبد الله: الحكمة من الحجر صيانة الأموال من سوء تصرف المالك، ومن الغش، والتدليس، وليس فيه إهدار لكرامة الإنسان، وإنما هو رحمة ومصلحة وصون لمال المحجور عليه من إنفاقه في إسراف وتبذير، ويكون الحجر بناء على طلب أحد الأقارب، أو من له مصلحة، ويكون بحكم قضائي مبني على تقارير من أهل الخبرة، لإثبات أسباب الحجر، وعلى القاضي الذي يصدر حجم الحجر، أن يعين قيماً على المحجور عليه تتولى المحكمة مراقبته، وتعتبر الأحكام الصادرة قابلة للطعن، وجميع تصرفات المحجور عليه تعتبر باطلة أثناء وجود عارض الأهلية، وإذا زالت عوارض الحجر بالشفاء، يجوز للمحجور عليه طلب رفع الحجر، بالإجراءات ذاتها المتعلقة بتوقيع الحجر عليه، ويكون ذلك بحكم قضائي.

التأصيل الشرعي

وشدد المحامي محمد الحمادي على القول: الحجر لا يتم إلا بحكم قضائي، ولا يزول إلا بذلك، ومن يقرر أهلية المحجور عليه من عدمها، لجنة طبية تتولى تقييم مستوى عقله، فيما تحدث المحامي عيسى أحمد السويدي عن التأصيل الشرعي للحجر قائلاً: قضايا الحجر قليلة في المجتمع، وننصح من يرفعها ألا يستغلها استغلالاً سيئاً، وأن يراعي مصلحة المحجور، حتى لا تكون سبباً في الخصام والتفرقة بين أفراد الأسر، وهناك قضية في إحدى دول الخليج لأربعة أشقاء ابتلي والدهم بتعاطي المخدرات، والخمور وغير ذلك، فرفع عليه الأبناء دعوى لإلحاقه بإحدى المصحات العلاجية، أو الحجر عليه حال رفضه العلاج، وذلك لحماية أسرته من الضرر الذي لحق بها.

ولقد ثبت في السنة الصحيحة أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه، كما ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم، فحجر عثمان بن عفان بسبب التبذير على عبد الله بن جعفر، فيما لا يجوز الحجر على المرأة الرشيدة في التصرف في مالها كله، أو بعضه بالتبرع أو المعاوضة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال«يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن» لأن ذمة المرأة المالية مستقلة عن الزوج في الإسلام.

ولقد حفظ المشرع الإماراتي حقوق المحجور عليهم، وقيدها بقوانين، ومن يسعى للتحايل عليها، عليه أن يدرك أنه سينال عقوبة قانونية حال كشفه، فضلاً عن ذلك فالقانون يلغي الحجر لحظة إفاقة الشخص من وضعه، واستعادته للإدراك، لذا فالحجر لا يأخذ صفة الديمومة ما لم يقع ضمن الحالات التي تنتهي بالموت.

مسألة خلافية

وقال المحامي حميد الغافلي: قضايا الحجر على الأب من القضايا المستحدثة في مجتمعنا، وقليلة التداول في محاكمنا، وقد خصص لها المشرع ٣ مواد قانونية، علماً بأنه قد سبق ديننا الحنيف في تشريعها لقوله تعالى: «فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً، أو لا يستطيع أن يمل هو، فليملل وليه بالعدل» صدق الله العظيم، والحجر على الأب يكون بسبب الإفراط في الصرف، لكونه سفيهاً، وكذلك في حالات الجنون يكون الحجر، ونتطلع مستقبلاً بأن تعمم هيئة شؤون القصر على إمارات دولتنا، والتي كانت إمارة دبي سباقة كعادتها في إنشاء هذه الهيئة التي تدير أموال القصر، والمحجور عليهم، فيما أضاف المحامي فهد عبد الله: هناك محجورون لذواتهم كالصغير والمجنون، والمعتوه، وهناك محجور عليهم استثناء يحجر عليهم القاضي كالسفيه وذي الغفلة، فمسألة الحجر على السفيه المبذر لماله على غير مقتضى العقل والشرع مسألة خلافية، ولابد من إثبات أن تصرفات المبذر «السفيه» مخالفة للعقل والشرع، وأطالب بطرح مثل هذه المواضيع لأهميتها، وحتى يتم تثقيف الأسر، وللمحافظة على ترابطها.

نسبة الخرف

شددت المحامية فاطمة المازمي على ضرورة أن يتعدى خرف المطلوب الحجر عليه نسبة 50 % على الأقل، لتقضي المحكمة بذلك، راوية قضية ابن كانت لديه وكالة من أبيه الذي لا يعاني سوى إعاقة حركية فقط، فاستغلها في تطليق والده من زوجته الثانية، حتى لا تدخل شريكة في الميراث، في حين اتفقت كل من المحامية علياء العامري، والمحامي علي الصلاني على ضرورة إضافة مواد قانونية جديدة في قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 2005، الذي لا يتضمن سوى 3 مواد فقط تتعلق بالحجر.