تعريف دعوى وقف الأعمال الجديدة في النظام

تمهيد :

دعوى وقف الأعمال الجديدة على نوعين هما :
النوع الأول : الدعوى الموضوعية لوقف الأعمال الجديدة :
وهي : مطالبة يقيمها المدعي الذي يضع يده على العين ضد المدعى عليه ليزيل ما أحدثه في ملكه ، أو يمنعه مما يريد إحداثه مضراً بالمدعي عاجلاً أو آجلاً.

فمن دعاوى وقف الأعمال الجديدة الموضوعية ما يُرفع من الدعاوى من أجل إزالة ما يحدثه المدعى عليه في ملكه مضراً بجاره المدعي عاجلاً أو آجلاً ، وهكذا منعه مما يريد إحداثه من ذلك فيُقضى بإزالة ما أحدثه متى ثبت ضرره وإزالة ما يدل عليه من عين أو خشبة ؛ خوفاً من الادعاء مستقبلاً بأنها قديمة ، كما يُقضى بمنعه مما يريد إحداثه مما يضر بجاره.

النوع الثاني : الدعوى المستعجلة لوقف الأعمال الجديدة :
وهي : مطالبة مؤقتة يقيمها واضع اليد على العين – من مالك أو مستأجر أو غيرهما ممن يده عليها يد أمانة – بمنع الأعمال الجديدة التي شرع فيها المدعى عليه في ملكه أو فيما تحت يده وهي مضرة بالمدعي ؛ لتُوقف هذه الأعمال حتى صدور حكم فـي موضوع.

والبحث في دعوى وقف الأعمال الجديدة هنا يتناول النوع الثاني من دعوى وقف الأعمال الجديدة – أي الدعوى المستعجلة لوقف الأعمال الجديدة –.

تعريف دعوى وقف الأعمال الجديدة في النظام :
نظام الـمرافعات السعودي لم يعرّف دعوى وقف الأعمال الـجديدة وإنما عرّف الأعمال الجديدة – فقط – بالتعريف التالي :
ما شرع الـمدعى عليه في القيام بها في ملكه ومن شأنها الإضرار بالمدعي.
فدعوى وقف الأعمال الجديدة من الدعاوى التي تكون المصلحة فيها محتملة ، فهي من الدعاوى الوقائية التي تهدف إلى وقف الأعمال التي تهدد الحائز في حيازته للمحوز فيما لو تمت هذه الأعمال ، فأسـاس دعوى وقف الأعمال الجديدة هو توافر مصلحة قائمة للحائز في درء التعرض قبل حصوله ؛ لأنه ليس من المتصور حرمان الحائز من الحماية القانونية إلى أن يتم الاعتداء على حيازته ، فإمعاناً في حماية الحيازة لم يكتفي النظام بحمايتها من السلب ، كما لم يكتفي بحمايتها من التعرض ، بل نظم فضلاً عن ذلك ما يقي الحيازة من التعرض قبل حصوله متى تهيأت الأسباب لاحتمال وقوعه ، فترفع هذه الدعوى على من شرع في عمل لو تم لأصبح تعرضاً للحيازة وبقصد منعه من إتمام هذا العمل ، ومثال ذلك أن يشرع المالك في بناء سور في أرضه لو تم لمنع المرور، وتكون هذه الأرض محملة بحق ارتفاق بالمرور لمصلحة جاره الحائز لحق ارتفاق ، أو أن يشرع المالك في بناء حائط في عقاره لو تم لسد النور ، ويكون هذا العقار محملاً بحق ارتفاق بالمطل لمصلحة جاره ، أو أن يشرع في فتح نافذة على العقار الذي يحوزه الحائز يؤدي لو تـم العمل إلى تشكيل اعتداء على الحيازة بالمطل.

وتتميز دعوى وقف الأعمال الجديدة عن دعوى استرداد الحيازة في أن الحيازة لا تسلب ولا تنتزع ولا تغتصب من الحائز الشرعي ، وهي تتميز عن دعوى منع التعرض في أن الأعمال التي تصدر من المدعى عليه لا تعد تعرضاً للحيازة إلا إذا تمت بالفعل ، فهي شبيهة بدعوى منع التعرض ، فهذه الأعمال التي طُلب وقفها لو أنها تمت وشكلت تهديداً لحيازة الحائز فإن الدعوى لمنعها تكون دعوى منع التعرض ، أما إذا شًرع بها ولم تتم فإن الدعوى لـمنعها تكون وقف الأعمال الجديدة ، “وهذا الفارق الذي يميز بين الدعويين – دعوى منع التعرض ، ودعوى وقف الأعمال الجديدة – من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة أخرى بالنسبة لسلطة القاضي في كل منهما ، فالقاضي في دعوى منع التعرض يملك الحكم بمنعه وما يترتب على ذلك من آثار كإزالة الأعمال التي تشكل هذا التعرض ، أما في دعوى وقف الأعمال الجديدة فلا يملك القاضي غير الحكم بوقف تنفيذ هذه الأعمال التي لو تمت لأصبحت تعرضاً ، فليس من سلطة القاضي أن يحكم بإزالتها ؛ لذلك لا تقبل دعوى وقف الأعمال الجديدة إذا تمت هذه الأعمال ، فسبيل الحائز إلى حماية حيازته في هذه الحالة هي دعوى منع التعرض للحيازة ، وليست دعوى وقف الأعمال الجديدة “.

وقد قرر بعض شرّاح القانون أن دعوى وقف الأعمال الجديدة بـهذا الاسم غيـر معبرة عن معناها ، لأنها ترجـمة حرفية للاسم الفرنسي للدعوى ، وأنه يُفضّل تسمية هذه الدعوى بدعوى توقي التعرض بالمقابلة لدعوى منع التعرض إيضاحاً للصلة بينهما.

تعريف دعوى وقف الأعمال الجديدة عند شرّاح القانون :
ذكر الشرّاح تعريفات لدعوى وقف الأعمال الجديدة قريبة من بعـضها ، ومن هذه التعريفات :
التعريف الأول : الدعوى التي يرفعها الحائز ضد الغير الذي شرع في عـمل لو تم لأصبح تعرضاً للحــــيازة ، وذلك بطلب منعـه مـن إتمام هذا العمل.

[الحيازة لمحمد المنجي والحماية المدنية والجنائية لوضع اليد على العقار لأمير خالد]
التعريف الثاني : الدعوى التي يرفعها حائز الـعقار أو الحائــز لحق عيني على من شرع في عمل لو تم لأصبح تعرضاً للحائز في حيازته.

[الوسيط في شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية لرمزي سيف]

التعريف المختار :
الدعوى التي يرفعها الحائز الشرعي ضد الغير الذي شرع في عمل لو تم لمثّل تعرضاً لحيازته ، يطلب فيها منعه من إتمام هذا العمل حتى صدور حكم في الموضوع.
شرح التعريف وبيان محترزاته :
قولنا : [الدعوى التي يرفعها الحائز الشرعي ] : بيان لوصف المدعي في دعوى وقف الأعمال الجديدة ، وهذا الوصف قيد يخرج به المدعي حين لا يكون حائزاً للمدعى به قبل قيام سبب الدعوى – وهي الأعمال الجديدة – ، حيث أن هذه الحالة غير معتبرة نظاماً.
وقولنا : [ ضد الغير الذي شرع في عمل ] : بيان لوصف المدعى عليه في دعوى وقف الأعمال الجديدة.
وقولنا : [ شرع في عمل لو تم لمثّل تعرضاً لحيازته ] : بيان لطبيعة وماهية الأعمال الجديدة في هذه الدعوى ، وهذا الوصف تضمن ثلاثة قيود خرج بها ثلاثة أمور :
الأول : قيد [ شرع في عمل ] : تخرج به الأعمال التي لم يبدأ فيها المدعى عليه ، حيث أن هذه الأعمال غير داخلة في دعوى وقف الأعمال الجديدة.
الثاني : قيد [ لو تم ] : تحرج به الأعمال التي تمت ، حيث أن هذه الأعمال غير داخلة في دعوى وقف الأعمال الجديدة ، بل هي داخلة دعوى إزالة الضرر ، ودعوى منع التعرض للحيازة.
الثالث : قيد [ لمثّل تعرضاً لحيازته ] : تخرج به الأعمال التي لو تمت لم تمثّل تعرضاً لحيازة المدعي ، حيث أن هذه الأعمال غير داخلة في دعوى وقف الأعمال الجديدة.
وقولنا : [ يطلب فيها منعه من إتمام هذا العمل ] : بيان لطبيعة وماهية طلب المدعي في هذه الدعوى ، وأنه يطلب منع المدعى عليه من إتمام هذا العمل الذي شرع فيه ولم يتم ، ولو تم لمثّل تعرضاً لحيازة المدعي.
وقولنا : [ حتى صدور حكم في الموضوع ] : قيد تخرج به وقف الأعمال الجديدة الموضوعية ، حيث أن المدعي فيها يطلب وقف الأعمال الجديدة بصفة دائمة ، لا بصفة مؤقتة كما هو الوضع في دعوى منع التعرض للحيازة المستعجلة.

دعوى وقف الأعمال الجديدة في الفقه الإسلامي

لم يجد الباحث أحداً من الفقهاء تعرض لهذه الدعوى باسمها ، وبناء على ما سبق فلا يوجد تعريف من الفقهاء لهذه الدعوى ، ولكن هناك أقوال فقهية دلت على مشروعية هذه الدعوى.

مشروعية دعوى وقف الأعمال الجديدة :
” لا يختلف الفقهاء في مشروعية هذه الدعوى كسابقتيها من دعاوى الحيازة ؛ لما تقدم من أن الحيازة حق من الحقوق المقصودة للإنسان تتعين حمايته شرعاً ما لم يتبين ارتكازه على سبب باطل “.

وجاء في المدونة : ” وسمعت مالكاً واختصم إليه في أرض احتفر فيها رجل عيناً ، فادعى فيها رجل دعوى فاختصموا فيها إلى صاحب تلك المياه ، فأوقفهم حتى يرتفعوا إلى المدينة ، فأتى صاحب العين الذي كان عليها فشكا ذلك إلى مالك ، فقال مالك : قد أحسن حين أوقفها ورآه قد أصاب ، قال : فقال له صاحب الأرض : اترك عمالي يعملون فإن استحق الأرض فليهدم عملي ، قال مالك : لا أرى ذلك ، وأرى أن يوقف ، فإن استحق حقه أخذه وإلا ثبتت ، قلت : وهل يكون هذا بغير بينة وغير شيء توقف هذه الأرض ؟ ، قال ابن القاسم : لا أرى أن توقف ، إلا أن يكون يرى لقول المدعي وجه فتوقف عليه الأرض “.

فالإمام مالك هنا أقر بمشروعية وقف الأعمال الجديدة في القضية التي عُرضت عليه ، فالمحكم صاحب تلك المياه أوقف المدعي والمدعى عليه من القيام بأي عمل في الأرض محل النزاع ، وخصوصاً عمل المدعى عليه في حفر البئر ، فأوقف هذا الحفر ومنعه من إكماله إلى أن يُفصل في هذا النزاع ، وحين شكى صاحب البئر الموقوفة إلى الإمام مالك هذا الإيقاف قال له : ” قد أحسن حين أوقفها ورآه قد أصاب ” فصوّب الإمام مالك صاحب تلك المياه بحكمه بإيقاف كل الأعمال الجديدة على تلك الأرض ، وحين قال صاحب الأرض : اترك عمالي يعملون فإن استحق الأرض فليهدم عملي ، قال له الإمام مالك : ” لا أرى ذلك ، وأرى أن يوقف ، فإن استحق حقه أخذه وإلا ثبتت “.

فهذا النص الفقهي يكاد يطابق دعوى وقف الأعمال الجديدة النظامية ، واشتمل على كثير من شروطها ، وطابق ما يُحكم فيها ، فالمدعى عليه في هذا النص الفقهي يقيم هذه الأعمال في الأرض التي يدعي أنها ملكه ، والمدعي يدعي أن الأرض ملكه ، ويطالبه بالتوقف عن هذه الأعمال حتى يثبت ملكيته لهذه الأرض ، وهذه الصورة إحدى صور دعوى وقف الأعمال الجديدة كما سيأتي بيانه.

ومن جانب آخر فإن دعوى وقف الأعمال الجديدة تدخل في دعوى منع التعرض للحيازة من جهة أن الأعمال التي يقوم بها المدعى عليه في دعوى وقف الأعمال الجديدة لو تمت فإنها تمثل تعرضاً لحيازة المدعي في حيازته ، فالأعمال التي يقوم بها المدعى عليه هي في الحقيقة أعمال تعرض لحيازة المدعي ، ولكنها لم تتم ؛ ولأنها لم تتم فإنه يتم معالجتها بـدعوى أخرى هي دعوى وقف الأعمال الجديدة ، أما لو تمت هذه الأعمال فإنه يتم معالجتها بدعوى منع التعرض للحيازة ، ينبني على ذلك أن جميع ما ذكرناه في مشروعية دعوى منع التعرض للحيازة في الفقه الإسلامي يُقال هنا ، حيث أن الأعمال المضرة بالمدعي واحدة في الدعويين ، ولكنها في دعوى منع التعرض تمت ، وفي دعوى وقف الأعمال الجديدة لم تتم ، وعليه فمشروعية منع هذه الإعمال سواء بالإزالة أو الإيقاف واحدة.

من الجانب الآخر فإن دعوى وقف الأعمال الجديدة ، داخلة في منع الضرر في الفقه الإسلامي ؛ وذلك أن الأعمال التي يقوم بها المدعى عليه لو تمت فإنها ستشكل ضرراً على المدعي في حيازته ، والضرر في الفقه الإسلامي ممنوع ، ويُزال ، وقد سبق بيان ذلك في الفقه الإسلامي ، وأن أصل منع الضرر حديث : « لا ضرر لا ضرار » ، وأن الفقهاء تكاثرت نصوصهم على منع الضرر ووجوب قطعه وإزالته ، ومنها :

1- قول ابن عابدين : ” ولو أراد أن يبني في داره تنوراً للخبز دائماً أو رحى للطحن أو مدقة للقصارين يمنع عنه ؛ لتضرر جيرانه ضررا فاحشا ، ولو اتخذ داره حماماً ويتأذى الجيران من دخانها فلهم منعه إلا أن يكون دخان الحمام مثل دخان الجيران “.

2- ونقل ابن فرحون عن ابن عتاب قوله : ” الذي أقول به وأنقله من مذهب مالك : أن جميع الضرر يجب قطعه ، إلا ما كان من رفع بناء من هبوب الريح وضوء الشمس وما كان في معناهما ، إلا أن يثبت القائم في ذلك أن محدث ذلك أراد الضرر بجاره “.

3- وقال في المجموع : ” إذا كانت له شجرة في ملكه فانتشرت أغصانها فوق ملك جاره فللجار أن يطالب مالك الشجرة بإزالة ما انتشر فوق ملكه ؛ لأن الهواء تابع للقرار ، فان لم يزل مالك الشجرة ذلك فللجار أن يزيل ذلك عن هواء أرضه “.

4- وقال فـي القوانين الفقهية : ” من أحـدث ضرراً أمر بقطعـه ، ولا ضرر ولا ضرار”.

5- وقال ابن قدامة : ” وليس للرجل التصرف في ملكه تصرفاً يضر بجاره ، نحو أن يبني فيه حماماً بين الدور ، أو يفتح خبازاً بين العطارين ، أو يجعله دكان قصارة يهز الحيطان ويخربها ، أو يحفر بئراً إلى جانب بئر جاره يجتذب ماءها ؛ لقول النبـي r : « لا ضرر ولا ضرار » ؛ ولأن هذا إضرار بجيرانه ، فمنع منه ، كالدق الذي يهز الحيطان وينثرها ، وكسقي الأرض الذي يتعدى إلى هـدم حيطـان جـاره ، أو إشعال نار تتعدى إلى إحراقها “.

ونصوص الفقهاء في ذلك كثيرة ، وكلها تدل على منع الضرر ، ووجوب إزالته وقطعه ، وشروع المدعى عليه في القيام بالأعمال الجديدة التي لو تمت لشكلت تعرضاً لحيازة المدعي من قبيل الضرر الظاهر ، والحكم بوقف الأعمال الجديدة من قبيل منع الضرر وقطعه.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت