جريمة إهانة هيئات منظمة في القانون المغربي

شكيب الخياري

ناشط حقوقي

جريمة إهانة هيئات منظمة في القانون المغربي

يعرف الاجتهاد القضائي المصري الإهانة ” بأنها هي كل قول أو فعل يحكم العرف بأن فيه ازدراء وحطا من الكرامة في أعين الناس وإن لم يشمل قذفا1 أو سبا2 أو افتراء3 “4 ، فإلى جانب كونها سلوكا منبوذا إجتماعيا، فإنها تعد بمفهوم القانون الجنائي جريمة، و بالتحديد جنحة، و ذلك إذا ما تحققت فيها شروط معينة، و قد جرمتها جل التشريعات الدولية، و من ضمنها القانون المغربي الذي خصص لها نصوصا زجرية في كل من القانون الجنائي و قانون الصحافة، و كما أنها قد تشمل أشخاصا طبيعية فإنها كذلك قد تنسحب على أشخاص اعتبارية.

غير أن غموض بعض هذه النصوص، إلى جانب التطبيق القضائي لها – ليس فقط بالنسبة للحالة المغربية – قد أدى إلى خلق جدل كبير و مستمر للآن حول مضامينها و تطبيقاتها، خاصة ما يتعلق منها بنطاق تطبيق التجريم، و لعل أبرز هذه النصوص و أكثرها إثارة للجدل هي تلك المتعلقة بتجريم إهانة هيئات منظمة، و هي الجريمة التي تم تأطيرها – بالنسبة للحالة المغربية – بقانونين، و هما القانون الجنائي و قانون الصحافة.

فوفق الفصل 265 من القانون الجنائي فإنه يعاقب5 من أهان هيئة منظمة أثناء قيامها بمهامها أو بسبب قيامها بها، بأقوال أو إشارات أو تهديدات أو إرسال أشياء أو وضعها، أو بكتابة أو رسوم غير علنية و ذلك بقصد المساس بشرفها أو الاحترام الواجب لسلطتها.

و بالنسبة لقانون الصحافة، فوفق الفصل 83 يعاقب كل قذف و سب يرتكب في حق الهيئات المنظمة بأية وسيلة، و لا سيما بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية و إما بواسطة المكتوبات و المطبوعات المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبيع أو المعروضة في الأماكن و الاجتماعات العمومية و إما بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم و إما بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الالكترونية و أية وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغض دعامة إلكترونية.

و من ثم، فإن الإشكال المطروح يتعلق بتحديد نطاق تطبيق كل من النصين، ما يستدعي بالتالي التمييز بين العناصر المادية للإهانة في كليهما، إلى جانب تحديد الهيئات التي يمكن اعتبارها وفق القانون هيئات منظمة.

تعريف الهيئات المنظمة

لم يقدم المشرع المغربي تعريفا لمفهوم “الهيئات المنظمة” أو تحديدا لها، سواء على سبيل المثال أو الحصر، و هو نفس ما سارت عليه مجموعة من التشريعات الأخرى من قبيل النص الفرنسي و المصري و الجزائري و السوري و غيرهم، تاركا بذلك الأمر للفقه و للاجتهاد القضائي، ما خلق إشكالا على مستوى التطبيق بسبب ندرة الاجتهادات في هذا الباب و عدم دقتها في الكثير من الحالات، خاصة على مستوى تشريعات بلدان شمال إفريقيا و الشرق الأوسط التي تتبنى المفهوم في قوانينها.

غير أن هناك بعض النصوص المحدودة، غير المتعلقة بإهانة الهيئات المنظمة، التي تشير إلى بعض الهيئات بالتحديد تحت مسمى هيئات منظمة، من دون أن يتم إعطاء أي تعريف لهذا المفهوم القانوني، من قبيل الفصل 206 من الدستور المصري و المادة 10 من قانون الأمن و الشرطة الليبي، اللذان ينصان على أن “الشرطة هيئة مدنية نظامية (…)”.

و من تلك الاجتهادات المعتمدة من لدن القضاء المغربي لتحديد معنى الهيئات المنظمة نجد أن “المقصود بالهيئات المنظمة أو النظامية، جميع المصالح و الهيئات و المؤسسات التي تنشأ في ظل قانون يقر وجودها و يضفي عليها حمايته، و يدخل في ذلك مختلف الوزارات و المحاكم و المؤسسات و الجمعيات و الشركات العامة” 6.

غير أنه و بالإطلاع على المادة 84 من قانون الصحافة7 يتضح أن المحاكم لا تندرج ضمن الهيئات المنظمة، و كذلك الشأن بالنسبة للوزارات، فللمزيد من الدقة في الإحاطة بالمفهوم، و استئناسا بالاجتهاد القضائي الفرنسي، يمكن اعتبار أن الهيئة المنظمة تتمثل في الشخص المعنوي الذي تتوفر فيه الشروط التالية:

1- له وجود قانوني و دائم8 ؛
2- بإمكانه ممارسة جزء من السلطة أو الإدارة العمومية وفق الدستور أو القوانين9 ؛
3- بإمكانه عقد جمع عام في أي وقت10 .

فعلى سبيل المثال، إذا ما تمت إهانة الشرطة، فهل يتعلق الأمر بإهانة هيئة منظمة أم لا؟ للإجابة على هذا السؤال، يمكن أن نستعرض حالتي كل من مصر و المغرب.

فبالنسبة للحالة المصرية، يتم تنظيم الشرطة بموجب القانون رقم 109 بشأن هيئة الشرطة المعدل بقانون رقم 64 لسنة 2016، و الذي ينص في مادته الأولى على أن “الشرطة هيئة مدنية نظامية”، و استحضارا للاجتهاد القضائي الفرنسي سالف الذكر، فإن وجود الهيئة مؤسس قانونا و على وجه الديمومة، كما أنها تمارس جزءا من السلطة وفق المادة 3 التي تنص على أنه:” تختص هيئة الشرطة بالمحافظة على النظام و الأمن العام والآداب، و بحماية الأرواح والأعراض و الأموال وعلى الأخص منع الجرائم وضبطها، كما تختص بكفالة الطمأنينة و الأمن للمواطنين في كافة المجالات، و بتنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات”، و بإمكان هذه الهيئة أن تعقد جموعا عامة في أي وقت، و التي يعقدها المجلس الأعلى للشرطة ” بدعوة من رئيسه و تعتبر اجتماعاته صحيحة إذا حضرها أكثر من نصف عدد الأعضاء، على أن يكون من بينهم رئيس إدارة الفتوى المختصة بمجلس الدولة (…) و يتخذ المجلس قراراته بالأغلبية المطلقة (…)”.

أما بالنسبة للحالة المغربية، فإن الشرطة يتم تنظيمها بمقتضى ظهير شريف رقم 1.09.213 صادر في 23 فبراير 2010 يتعلق بالمديرية العامة للأمن الوطني والنظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني، غير أنه بالإطلاع على نصوص القانون لا نجد أثرا يفيد تصنيف الشرطة هيئة منظمة، فإذا كان تشكيل الشرطة قد تم بموجب القانون و على وجه الدوام، و كذلك تمتعها بممارسة جزء من السلطة من خلال” مهمة المحافظة على النظام العام وحماية الأشخاص والممتلكات”11 ، فإنها لا تعقد جموعا عامة، بل و لا تتوفر على مجلس ليعقدها، حيث تنص المادة 3 على أنه ” يمارس المدير العام للأمن الوطني سلطة تعيين وتسيير موظفي و مصالح الأمن الوطني “.

الإهانة بين القانون الجنائي و قانون الصحافة

لنفترض الحالة التي يقوم فيها شخص بتوجيه قذف أو سب لهئية منظمة أثناء قيامها بمهامها أو بسبب قيامها بها، بأقوال أو إشارات أو تهديدات أو إرسال أشياء أو وضعها، أو بكتابة أو رسوم غير علنية و ذلك بقصد المساس بشرفها أو الاحترام الواجب لسلطتها، فأي النصين القانونين يمكن تطبيقه على النازلة، القانون الجنائي أم قانون الصحافة و النشر؟

بالنسبة للركن المادي للجريمة فهو مشمول بالفصل 265 من القانون الجنائي، بشكل صريح، و بشكل ضمني بالنسبة لقانون الصحافة و النشر الذي جرم القذف و السب “بأية وسيلة”، و يدخل في ذلك ” الأقوال أو الإشارات أو التهديدات أو إرسال أشياء أو وضعها، أو بكتابة أو رسوم غير علنية “، فنكون إذاك أمام جريمة معاقب عليها بنصين مختلفين، و يتم و الحالة هذه استحضار الفصل 6 من القانون الجنائي الذي ينص على أنه:” في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول، بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها، يتعين تطبيق القانون الأصلح للمتهم”، و من ثم فإن النص الواجب التطبيق هو قانون الصحافة و النشر لكون العقوبة التي ينص عليها هي الغرامة فيما النص الجنائي يعاقب بالحبس و الغرامة.

و من ثم، يبقى من اختصاص النص الجنائي كل أشكال الإهانة من غير القذف و السب، و هي النتيجة الحتمية من جراء اعتماد المشرع المغربي للصيغة ” بأية وسيلة “، التي لربما أدرجت خطأ في الفصل 84 من قانون الصحافة و النشر، خصوصا و أنه بإلاطلاع على النص الفرنسي – الأصل – المتعلق بالصحافة نجد أن المادة 30 تشابهه في تحديد الوسائل التي يقع بها القذف، من دون استعمال للتعبير ” بأية وسيلة “، و التي جرمت القذف في حق الهيئات المنظمة من خلال خطب أو صراخ أو تهديد في مكان أو اجتماع عام، أو من خلال كتابات، مطبوعات، رسومات، محفورات، لوحات، شعارات، صور أو غيرها من وسائل توزيع الكتابات و الأقوال والصور والمباعة أو الموزعة أو المخصصة للبيع أو المعروضة في أماكن أو اجتماعات عامة سواء عن طريق الإعلانات أو الملصقات المعروضة للجمهور، أو من خلال وسيلة اتصال بالجمهور إلكتروني.

و النص الفرنسي يبدو متماسكا و منطقيا في صياغته، لكونه أراد تجريم القذف بواسطة الوسائل العلنية حصرا، فيما جعل من اختصاص النص الجنائي تجريم القذف بشكل ضمني، و الإهانة بشكل عام، بواسطة الوسائل غير العلنية حصرا، حيث تنص المادة 5-433 من القانون الجنائي الفرنسي على تجريم الإهانة من خلال ” الأقوال، الإيماءات أو التهديدات، الكتابات أو الصور من كل نوع غير علنية أو إرسال أشياء مهما كانت موجهة إلى شخص مكلف بمهمة في إطار خدمة عامة، أثناء ممارسة مهمته أو بمناسبة ممارستها، و التي بطبيعتها تمس بكرامته أو الاحترام الواحب لوظيفته “، و هي الوسائل ذاتها المعتمدة من طرف المشرع المغربي لتجريم إهانة هيئات منظمة.

و على مستوى الممارسة عرف النص الجنائي الفرنسي مشكلا مرتبطا بتأويل عبارة “غير علنية”، حيث اعتبر البعض على أنها تعود حصرا على “الكتابات” و “الصور”، و هو ما ذهبت إليه الممارسة القضائية المغربية، فيما ترى الإدارة الفرنسية بشأن تجريم الإهانة وفق الفصل 5-433 من القانون الجنائي على أن ” الأقوال و الأفعال المهينة يجب أن تكون مرتكبة في خصوصية (رسالة سب، أثناء المراقبة…) و ليس في العلن (في شبكة اجتماعية، في الصحافة…). إذا كانت الأقوال علنية، فإنها تدخل في إطار السب العلني”12 ، و هو ما ذهبت إليه بعض الاجتهادات الفقهية الفرنسية التي اعتبرت أن “الإهانة لا توجد إلا بشرط أن تكون الأقوال، الإشارات، الكتابات أو الصور التي تشكل العناصر المادية لم تتم بشكل علني. و إلا فإن قانون الصحافة هو الذي يطبق”13.

على سبيل الختم

إن تجريم إهانة هيئة منظمة في القانون المغربي يحتاج إلى المزيد من التدقيق لرفع اللبس الحاصل بشأنه، و الأمر سيان بالنسبة للقانون الجنائي و قانون الصحافة و النشر، حيث يستوجب ذلك اقتصار القانون الأول على الإهانة غير العلنية و الثاني على الإهانة التي تتم بوسائل علنية، مهما كانت هذه الوسائل، حيث أن التحديد المنصوص عليه غير ذو أهمية على المستوى الفعلي، كما أن الأمر يستدعي تقديم تعريف للهيئات المنظمة أو تحديدها على سبيل الحصر بدل ترك الأمر كما هو عليه الآن، حيث نتجت عن ذلك الكثير من أحكام الإدانة المستندة على فهم خاطئ لماهية الهيئات المعنية.

الإحـــالات:

1- المادة 302 من قانون العقوبات المصري على أنه يعد قذفا الإسناد للغير أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه، و ذلك بواسطة القول أو الصياح أو الجهر به علنا أو بالفعل أو الإيماء الصادر من المفتري علنا أو بالكتابة أو الرسوم أو الصور أو الصور الشمسية أو الرموز أو أية طريقة أخرى من طرق التمثيل جعلها علنية أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية. و يعد قذفا وفق الفصل 442 من القانون الجنائي المغربي و الفصل 44 من قانون الصحافة المغربي “إدعاء واقعة أو نسبها إلى شخص أو هيأة إذا كانت هذه الواقعة تمس شرف أو اعتبار الشخص أو الهيأة التي نسبت إليها “.

2- وفق الفصل 442 من القانون الجنائي المغربي و الفصل 44 من قانون الصحافة المغربي يعد سبا “كل تعبير شائن أو مشين أو عبارة تحقير حاطة من الكرامة أو قدح لا تتضمن نسبة واقعة معينة “.

3- يطلق عليه في القانون الجنائي المصري “البلاغ الكاذب” و في القانون الجنائي المغربي “الوشاية الكاذبة”، و يتم تجريمها وفق 445.
4- محكمة النقض المصرية،27 فبراير 1933، القضية رقم 1116 سنة 3 قضائية.
5- العقوبة هي الحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائتين وخمسين إلى خمسة آلاف درهم.
6- قاضي التحقيق جمال سرحان، قرار الإحالة على الغرفة الزجرية الابتدائية بالدارالبيضاء، ملف رقم 02ت/09، بتاريخ أبريل 2009، ص 66.
7- تنص المادة 84 على أنه “يعاقب بغرامة من 100.000 إلى 200.000 درهم، عن كل قذف يرتكب بإحدى الوسائل المبينة في المادة 72 أعلاه، في حق المجالس أو الهيئات القضائية أو المحاكم أو الجيوش البرية أو البحرية أو الجوية أو الهيئات المؤسسة أو المنظمة أو الإدارات العمومية بالمغرب، أو في حق وزير (…)”.
8-Cour de cassation, chambre criminelle, 26 avril 1952 n°1952 , et de 7 novembre 1995 n° 91-86474.
9 – ibid.
10-Cour de cassation, chambre criminelle, 7 novembre 1995, n° 91-86474.
[1]1 – المادة 2 من الظهير المذكور.
12-https://www.service-public.fr/particuliers/vosdroits/F33322.
13-Fontier Rémy, « La diffamation, l’outrage et l’injure : définitions et exemples concernant les agents publics, associations et syndicats », Journal du droit des jeunes, 1/2004 (N° 231), p. 19-24.