الإبادة الثقافية في القانون الدولي العام – دراسة في القضاء الدولي

Cultural Genocide in Public International Law/study the international jurisdiction

الدكتور عـامـر غسان فاخـوري، أستاذ القانون الدولي العام المشارك

كلية القانون- الجامعة الأمريكية في الإمارات[1]
Abstract
Many cultural minorities around the world are exposed to different types of deliberate attacks, which makes them vulnerable to genocide and, by contrast, we do find that the current legal arsenal to protect them lacks the element of prevention and repression. The Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide (CPPCG) which was adopted by the United Nations General Assembly on 9 December 1948, faces a lot of criticisms as it did not cover all categories of potential genocide such as cultural genocide. It did not recognize Cultural genocide as an act of trespass falls within its framework. Ensuring cultural rights of minorities starts from criminalizing all forms of aggressions on them or those that are located on the ingredients of their cultures, religious and linguistic and historical institutions. Therefore, this study focuses via explanation and analysis the crime of cultural genocide from the perspective of public international law as one of the crimes that left out of international agreements, where the first section focuses on the legal framework of cultural genocide and then turn in the second section to go further in the international criminal court’s position on this issue and finally we examine the duty imposed on states to encounter this crime.

Key words:

Cultural genocide, genocide, public international law, conflict of laws, United Nations, International Criminal Court, UNESCO, minorities, International Criminal tribunal for Rwanda, International Criminal Court, International Court of Justice, the International Criminal Tribunal for the former Yugoslavia, aborigines, common heritage of mankind.

ملخص:
تتعرض الكثير من الأقليات الثقافية حول العالم إلى أنواع مختلفة من الاعتداءات المتعمدة مما يجعلها عرضة لخطر الإبادة، وبالمقابل نجد أن الترسانة القانونية الحالية لحمايتها تفتقر لعنصر الوقاية والقمع. اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقب عليها لعام 1948 تواجه الكثير من الانتقادات حيث أنها لم تغطي جميع تصنيفات الإبادة الجماعية المحتملة مثل الإبادة الثقافية، فهي لم تعترف بها كفعل جرمي يندرج في إطارها. إن ضمان حقوق الأقليات الثقافية يبدأ من تجريم جميع أشكال الاعتداءات الواقعة عليهم أو تلك التي تقع على مكونات ثقافاتهم من مؤسسات دينية ولغوية وتاريخية. لذلك فإن هذه الدراسة تركز بالشرح والتحليل على جريمة الإبادة الثقافية من منظور القانون الدولي العام بوصفها إحدى الجرائم التي أغفلتها الاتفاقيات الدولية، حيث يركز المبحث الأول على الإطار القانوني للإبادة الثقافية ثم نتحول في المبحث الثاني لنتعمق في موقف المحاكم الجنائية الدولية من هذه المسألة، وأخيراً نعالج في المبحث الثالث واجب الدول لمواجهة هذه الجريمة.

كلمات مفتاحية:

إبادة ثقافية، إبادة جماعية، قانون دولي عام، أمم متحدة، محكمة جنائية دولية، اليونسكو، أقليات، محكمة الجزاء الخاصة بمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا، محكمة العدل الدولية، المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، سكان أصليين، تراث مشترك للإنسانية

مقدمة:

أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1946 القرار الشهير رقم 96 والذي اعتبرت بموجبه إبادة الجنس البشري جريمة دولية لتعارضها مع روح الأمم المتحدة وأهدافها ويدينها العالم المتمدن، وعلى الرغم من أننا نعيش اليوم في القرن الحادي والعشرين ما زالت هذه الحقيقة تعكس ضمير الإنسانية لكنها بحاجة إلى آلية جديدة لوضعها موضع التنفيذ. لو حاولنا أن نضع خارطة تبين مدى التقدم الذي قام به المجتمع الدولي من أجل استباق تلك الجرائم لوجدنا بأنها غير واضحة المعالم. لماذا لم يستطع المجتمع الدولي إلى اليوم القضاء على جرائم الإبادة الجماعية؟ لماذا يتدخل المجتمع الدولي بشكل لاحق على وقوع تلك الجرائم كما حصل في كمبوديا ورواندا ويوغسلافيا؟ لماذا لا نحاول استباق تلك الجرائم قبل وقوعها؟ هل يصعب معرفة ما إذا كانت هناك جرائم سوف ترتكب في مجتمع معين أم أن إرادة المجتمع الدولي تفضل التدخل اللاحق على الجرائم؟ هل مراقبة الاعتداءات التي قد تقع على ثقافة مجموعة ما، قد تقدم أدلة مهمة نستطيع من خلالها استباق وقوع جرائم أشد خطورة؟ لا يختلف رجال القانون حول تأكيد أن الجرائم التي ارتكبت في الدول السابق ذكرها وغيرها تتناقض مع القوانين الأخلاقية وأهداف الأمم المتحدة الوارد ذكرها في العديد من قرارات تلك المنظمة.

تأكد الأمم المتحدة أن أحد الأهداف الأساسية لها، كما أعلنها الميثاق، هو تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتشجيع على احترامها بالنسبة للجميع، دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، لذلك فإن جميع المواثيق الدولية تتفق على منح الأشخاص المنتمين إلى أقليات مختلفة الحق في الحماية. وهذه الحماية تشمل كل المكونات المرتبطة بالإنسان وعلى رأسها حماية ثقافته؛ لأن الثقافة تعد العنصر الأساسي في إطار الحماية الدولية لهوية الأقليات. و من أكثر المواضيع أهمية من وجهة نظرنا هو موضوع الثقافة نظراً لتشعب العناصر التي يمكن أن ترتبط بهذا المفهوم، فهي تجمع بين طياتها العالم كله بكل ما فيه من اختلافات. فالثقافة هي إناء صغير يستطيع أن يحتوي العالم بأسرة بكل ما فيه من حضارة ولغات وأديان وروحانيات وعادات وتقاليد وتاريخ وعقائد وسلوكيات وفن وقيم. هذه المكونات التي تختلف من مجتمع إلى آخر ومن زمان إلى آخر تنصهر جميعها لتشكل مفهوم الثقافة، أو كما تقول اتفاقية اليونيسكو لعام 2005 المتعلقة بالتنوع الثقافي بأن الثقافة تتخذ أشكالا مختلفة عبر الزمان والمكان.ومن هنا تظهر فكرة التنوع الثقافي سواء على المستوى الدولي أم على المستوى الداخلي.اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية لعام 1954 تقدم آفاق جديدة حول مدلولات الثقافة فتقول أنه يقصد بالممتلكات الثقافية، بموجب هذه الاتفاقية ما يأتي:

(أ)الممتلكات المنقولة أو الثابتة ذات الأهمية الكبرى لتراث الشعوب الثقافي كالمباني المعمارية أو الفنية منها أو التاريخية، الديني منها أو الدنيوي، والأماكن الأثرية، ومجموعات المباني التي تكتسب بتجمعها قيمة تاريخية أو فنية، والتحف الفنية والمخطوطات والكتب والأشياء الأخرى ذات القيمة الفنية التاريخية والأثرية، وكذلك المجموعات العلمية ومجموعات الكتب الهامة و المحفوظات ومنسوخات الممتلكات السابق ذكرها.(ب)المباني المخصصة بصفة رئيسية وفعلية لحماية وعرض الممتلكات الثقافية المنقولة المبينة في الفقرة “أ”، كالمتاحف ودور الكتب الكبرى ومخازن المحفوظات وكذلك المخابئ المعدة لوقاية الممتلكات الثقافية المنقولة المبينة في الفقرة “أ” في حالة نزاع مسلح.(ج)المراكز التي تحتوي مجموعة كبيرة من الممتلكات الثقافية المبينة في الفقرتين “أ” و”ب” والتي يطلق عليها اسم “مراكز الأبنية التذكارية”.هذا التعريف يجب أن يبقى بأذهاننا خلال البحث حول جريمة الإبادة الثقافية لأنه يقدم معلومات هامة حول بعض مشتملات الثقافة.

في اللغة الانكليزية، كلمة culture تترجم إلى العربية على أنها الثقافة والتهذيب وقد تعني الحضارة، هذه الكلمة جذرها cult ومعناها: عبادة ودين، ومن مشتقاتها ecultivat ومعناها الحراثة والرعاية. لكن مهما حاولنا أن نضع من تعريفات لمفهوم الثقافة فجميعها تبقى قاصرة عن إعطاء المعنى الدقيق فهناك الكثير من التعريفات، لذلك ولغايات هذه الدراسة القانونية سوف نبتعد عن المفاهيم الفلسفية والأنتربولوجية والسياسية للثقافة ونركز على التعريف الذي تجتمع حوله كثير من الدول. فالثقافة يجب أن ينظر إليها بوصفها مجمل السمات المميزة، الروحية والمادية والفكرية والعاطفية، التي يتسم بها مجتمع أو مجموعة اجتماعية وعلى أنها تشمل الى جانب الفنون والآداب، طرق الحياة، وأساليب العيش معاً، ونظم القيم، والتقاليد والمعتقدات[2].هذا التنوع الثقافي يعتبر ركيزة أساسية في تطور المجتمعات وبالتالي يصب في خدمة البشرية ككل. وفي هذا الشأن نتذكر ذلك الإعلان الهام الذي تم تبنيه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 تحت عنوان “إعلان اليونسكو العالمي بشان التنوع الثقافي” الذي أكد على مجموعة من المرتكزات المهمة التي تعنى بكافة الجوانب التي ترتبط بالتنوع الثقافي. فقد أكد أن التنوع الثقافي هو تراث مشترك للإنسانية وينبغي التأكيد علية لصالح أجيال الحاضر والمستقبل. كما أكد على ضرورة العمل على العيش فيما بين أفراد ومجموعات ذوي هويات ثقافية متعددة ومتنوعة بحيث يتوجب على الدول إن تتبنى سياسات تشجع على دمج ومشاركة كل المواطنين وتضمن التلاحم الاجتماعي وعلية فان التعددية الثقافية هي الرد على التنوع الثقافي الذي يجب أن تنتهجه الدول. هذا التنوع الثقافي هو أحد العوامل التي تساعد على التنمية بمعناها الواسع سواء الفكرية أو العقلية أو الروحية.

إن حماية الثقافة من الاعتداءات ليست أمراً كمالياً بل تعداه ليصبح حاجة ملحة تهم كل البشرية لذلك يجب حمايتها من خلال فرض عقوبات رادعة بحق كل من يعبث بتراث البشرية. إن الهدف من هذه الدراسة معرفة مدى إمكانية وجدود جريمة الإبادة ضد الممتلكات الثقافية في القانون الدولي سواء في فترة السلم أم فترة الحرب. إن صور الاعتداء على الثقافة تتعدد وتتخذ أشكال كثيرة. ولغاية هذه الدراسة، أطرح التساؤلات التالية: هل حرمان أقلية من ممارسة الطقوس الدينية تعتبر جريمة إبادة جماعية؟ هل تدمير معابد دينية يشكل جريمة دولية؟ ما زلت أتذكر وأنا أعد هذه الدراسة ذلك التفجير للموقع الذي كان يضم أكبر تمثال لبوذا في العالم في آذار 2001 على أيدي “طالبان” في أفغانستان، ما زال الخراب الذي حل بآثار العراق القديمة وسرقة تراثه الحضاري ماثلة أمامي حيث تقول الكثير من المصادر أنه تم سرقة مائة وسبعين ألف(170000) قطعة أثرية من متاحف العراق أثناء الحرب الأمريكية على العراق عام 2003، وتدمير المكتبة الوطنية في بغداد وحرق المتحف الوطني العراقي وسرقة الكثير من الوثائق التاريخية[3].متحف مصر كان على وشك أن يتعرض للنهب على يد أيادي مشبوهة أثناء احتجاجات 2011، وإذا عدنا قليلاً للوراء نتذكر تدمير المسجد البابري بمدينة أيوديا الهندية عام 1992 حيث يعود بناؤه إلى القرن السادس عشر خلال الحكم المغولي.

العالم اليوم يواجه جاهلية من نوع جديد، مرتبطة بالعصبية للمذهب والعرق والدين على حساب الثقافة[4]، أصبح العديد من البشر يتحرك بصورة يسيطر عليها الفكر الضيق، فلا نجد ما يردع هؤلاء عن تدمير تراث وثقافة الآخر التي قد تعود إلى آلاف السنين لمجرد انه مختلف معه. ما الذي حصل في العصر الحديث للفكر العالمي؟ لماذا تتبنى بعض الدول استراتيجية غرس الكراهية العمياء لثقافة الآخر بين أبناء الشعب الواحد؟ بعض القادة نجده يذكي هذا العنف ضد الثقافة فنجد بعضهم لا يتوانى عن رفض التعددية الثقافية داخل دولته من خلال رفضه الاعتراف بلغة الآخر أو عاداته أو تقاليده. هل نستطيع على سبيل المثال أن نعتبر ما تتعرض له اللغة الأمازيغية في بعض دول شمال أفريقيا بالإبادة الثقافية نظراً لرفض السلطات الرسمية الاعتراف بها وتدريسها في المدارس الحكومية على خلاف أسلوب التعامل مع الأقليات اللغوية في أوروبا؟

هناك لغات تتعرض لاندثار قد يكون متعمد كاللغة النوبية في السودان. وقد أظهرت الطبعة الجديدة من “أطلس لغات العالم المعرضة لخطر الاندثار” التي أصدرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) في باريس ان حوالي 2500 لغة من إجمالي 6000 لغة في العالم معرضه لخطر الاندثار حاليا. شخصياً اعتبر تقرير اليونسكو من أخطر ما قرأت في هذا الموضوع. فقد أشار التقرير إلى أن بعض البيانات تثير القلق، فمن أصل ستة آلاف لغة متداولة في العالم، انقرضت نحو 200 لغة على مدى الأجيال الثلاثة الأخيرة، في حين تعتبر 573 لغة أخرى من اللغات المحتضرة، و502 لغة من اللغات المعرضة للخطر الشديد، و632 لغة من اللغات المعرضة للخطر، و607 لغات من اللغات الهشة. وأشار التقرير إلى واقع أليم حيث بيّن أنه من بين اللغات التي انقرضت منذ فترة وجيزة، لغة “جزيرة مان”، التي اندثرت عام 1974 مع وفاة نيد مادريل، ولغة “آساكس” في تنزانيا التي اندثرت عام 1976، ولغة “أوبيخ” في تركيا عام 1992، ولغة “إياك” في ألاسكا بالولايات المتحدة التي ماتت عام 2008.[5] أعتقد شخصياً أن اختفاء أية لغة مهما كان عدد الناطقين بها هي جريمة دولية ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. فاختفاء لغة، سواء نتيجة أفعال متعمدة، أو نتيجة الإهمال الناتج عن الترك أو عدم الحماية، يعني اختفاء ثقافة وتراث وحضارة.

ليست فقط لغة الأقليات العرقية قد تتعرض إلى اعتداءات، فمكونات الثقافة لا يمكن حصرها. الديانة أيضا قد تتعرض لمجموعة من الاعتداءات والانتهاكات. وهنا أطرح التساؤلات التالية بالإضافة إلى ما تم طرحه سابقاً. هل عدم الاعتراف بدين معين في دولة متعددة الديانات يشكل اعتداء على ذلك الدين؟ وهل عدم سن قانون يحمي الديانات التي يمارسها بعض المواطنين يشكل إبادة ثقافية؟وهل رفض تدريس ذلك الدين في المدارس يندرج ضمن تلك الانتهاكات؟ هل الاعتداءات التي وقعت على مسيحي العراق إبان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 تعتبر إبادة ثقافية[6]؟ لذلك فإننا ولغايات هذا البحث نقوم بتقسيم الدراسة إلى ثلاثة مباحث رئيسية. في المبحث الأول سوف نبيّن أصل وطبيعة الإبادة الثقافية وإطار الإشكالية وفي المبحث الثاني نتطرق إلى مدى تطابق القانون الدولي الجنائي مع ما تتعرض له الثقافة من اعتداءات، وأخيراً نبيّن في المبحث الثالث واجبات الدول للحد من تلك الجرائم.

مشكلة الدراسة:

في عام 2001 تبنت اليونسكو الإعلان العالمي للتنوع الثقافي الذي أكد في مادته الأولى على أن ” التنوع الثقافي، بوصفه مصدراً للتبادل والتجديد والإبداع، هو ضروري للجنس البشري ضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة للكائنات الحية. وبهذا المعنى يكون التنوع الثقافي هو التراث المشترك للإنسانية، وينبغي الاعتراف به والتأكيد عليه لصالح الأجيال الحالية والأجيال القادم” وبالمقابل لا بد من التأكيد على أن الكثير من الجماعات الثقافية في العالم تواجه خطورة احتمال اندثارها واختفائها من الوجود ككيانات عرقية لها هوياتها وثقافاتها وتقاليدها، وبالتالي فهذه الدراسة تريد أن تؤكد على أهمية المحافظة على ثقافات تلك المجموعات وبيان أسس حماية تلك الجماعات الثقافية.

أهداف وأهمية الدراسة:

تكمن أهمية هذه الدراسة في إبراز الوضع القانوني لفكرة الإبادة الثقافية في القانون الدولي المعاصر من خلال مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ومن جانب آخر تتضح أهمية الإبادة الثقافية في القانون الدولي باعتبارها إحدى أهم القضايا الأساسية التي يجب أن توضع على سُلّم الأولويات في الحقل التعليمي، فهو موضوع حديث لا يزال وليد النشأة ولم يستوف حقه في البحث والدراسة أسوةً بالموضوعات القانونية الأخرى فالدراسات التي تناولت هذا الموضوع لا تزال قليلة ومحددة جداً.

فرضيات البحث

هناك أسس قانونية لحماية الأقليات الثقافية في العالم بشكل عام والوطن العربي بشكل خاص.
هناك انتهاكات تمارس ضد بعض الأقليات الثقافية مما يعرضها لخطر الاندثار.
للهيئات الدولية والمنظمات واللجان الدولية إسهامات ودور في توفير حماية شاملة وكاملة للأطفال أثناء فترة النزاعات المسلحة.
منهج البحث:

اعتمد الباحث على الأسلوب التحليلي لقواعد القانون الدولي بفروعه المختلفة من خلال استخراج النصوص التي توفر الحماية القانونية للأقليات العرقية والثقافية من كافة الوثائق الدولية المعنية بذلك.

سبب اختيار موضوع الدراسة:

تؤكد بعض الدراسات الحديثة أن ثلاثة أرباع الصراعات الرئيسية في العالم لها أبعاد ثقافية، ومن جانب آخر ما تتعرض له بعض الأقليات الثقافية في العالم حاليا من خطر واضح يهدد وجودها في ظل اهتمام المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة في هذا الموضوع، جعلني حريصا على التفاعل مع هذا الاهتمام الدولي، فدفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع والذي يعد من المواضيع ذات الأهمية البالغة في الوقت الحاضر من أجل جسر الهوة بين الثقافات وتحقيقا للسلام والاستقرار.

تقسيم الدراسة:

المبحث الأول: الإطار القانوني للإبادة الثقافية في القانون الدولي.

المبحث الثاني: الإبادة الثقافية في ضوء القانون الجنائي الدولي:

المبحث الثالث: واجب الدول في مواجهة الإبادة الثقافية يشكل قاعدة ملزمة في القانون الدولي.

المبحث الأول: الإطار القانوني للإبادة الثقافية في القانون الدولي.

قد يكون تعبير “الإبادة الثقافية” من الأفكار الغامضة والذي لا يخضع إلى أي تعريف ثابت ومستقر، البعض لم يتردد بالقول إنه ليس له أية قيمة قانونية[7]، لكن مع ذلك فإن هذا المفهوم كان محل دراسة العديد من الفقهاء وعلى رأسهم المحامي البولندي رفاييل لمكين “Raphael Lemkin”.أن دراسة المحامي لمكين لمفهوم الإبادة الثقافية تساعد كثيراً الدارسين لهذا الموضوع وتقدم لهم فرصة ثمينة لمعالجة حيثيات وأبعاد هذه المشكلة (الفرع الأول)، لكن جهوده لإدماج مفهوم الإبادة الثقافية في اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 باءت بالفشل نظراً لاختلاف الدول حول المفهوم.

الفرع الأول: جهود رفاييل لمكين فتحت عيون المجتمع الدولي حول الإبادة الثقافية:

على الرغم من أن أول ظهور رسمي لكلمة إبادة جماعية كانت في القرار رقم 96 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1946 نتيجة اقتراح مقدم من بنما وكوبا والهند[8]، إلا أنه قبل ذلك ظهر على يد الفقه.فقد ظهر مصطلح Ethnocideكبديل عن مصطلح Genocide أو الإبادة الجماعية[9] في عام 1943 على يد المحامي لمكين الذي جمع بين كلمة “جينوس” اليونانية والتي تعني عرق أو قبيلة وكلمة “سايد” اللاتينية التي تعني قتل. وقد سعى لمكين بعد ما شاهده من فظائع الهولوكوست والتي قتل فيها كل أفراد عائلته باستثنائه هو وأحد إخوته، إلى شن حملة لجعل الإبادة الجماعية Genocide جريمة بمقتضى القانون الدولي.

لقد صدر الكتاب الاول للفقيه لمكين عام 1933 بعنوان:“Acts Constituting General (transnational) Danger Considered as Offences Against the Law of Nation”،كما صدر عام 1944 كتاب آخر بعنوان:“Axis Rule in Occupied Europe, Laws of Occupation, Analysis of Government, Proposals for Redress”

يقدم هذان الكتابان وغيرهما[10] أفكارا ثمينة عن بدايات التفكير في جريمة الإبادة الثقافية. فالكاتب يتحدث عن تجربته الشخصية مع الاحتلال النازي ويعبر عن مشاعره الإنسانية اتجاه ما تعرض له هو وكل من يشاركهم نفس القواسم المشتركة.فقد عبر لمكين عن فكرة الإبادة الثقافية من خلال استخدامه لمصطلح “التخريب” أو “Vandalism”[11]. يشير لمكين بدايةً في حديثة إلى ذلك المرسوم الذي تم تبنيه عام 1940 الذي يعتبر فيه أن اللغة الرسمية للتدريس في مدارس لوكسمبورغ كانت فقط اللغة الألمانية وكان يمنع تدريس اللغة الفرنسية[12]، كما أن المعلمين الذين تم الاستعانة بهم للتعليم أجبروا على التدريس وفق الأفكار القومية الاشتراكية من أجل ضمان أن ينشأ جيل جديد بعقلية تتفق وسياسة الدولة الرسمية. يبدو أن المحامي لمكين قد عانى كثيراً إبان الاحتلال النازي لبولندا حيث مُنع الشباب البولندي حتى من دراسة الفنون لذلك توجه غالبية الشباب للتجارة، والسبب كما يشير في هذا المنع هو إبعاد الشباب البولنديين عن التعبير عن الروح الوطنية التي تتم من خلال الأعمال الفنية المختلفة سواء التصوير، الرسم، النحت، الموسيقى، الأدب وكذلك المسرح حيث كان هناك رقابة صارمة لتلك الأنشطة من قبل السلطات الألمانية خاصة من خلال قسم العلاقات العامة لمكتب الدعاية التابع للرايخ أو الذي يسمى:“Public Relations Section of the Reich Propaganda Office”[13] حيث كان هناك غرفة خاصة تسمى دائرة الرايخ الثقافية المسؤولة عن تلك النشاطات أو ما تسمى بالألمانية[14](Reichskulturkamme). ويتذكر لمكين كيف تم تدمير وحرق المعالم الوطنية والمكتبات والمحفوظات والمتاحف وصالات العرض الفنية، خاصة المدرسة اللاهوتية اليهودية في مدينة Lublin في بولندا وهذا ما أشار اليه الألمان في كتاباتهم بالقول:

“بالنسبة لنا فقد كان مصدر فخر واعتزاز خاص أن نقوم بتدمير الأكاديمية التلمودية التي كانت تعرف بأنها الأكبر في بولندا. لقد قمنا بإلقائها من المبنى وهناك وضعنا النار في الكتب. لقد استمرت النار لمدة عشرين ساعة. وكان يهود مدينة لوبلن مجتمعين حول النار ويبكون بمرارة. إن صرخات المجتمعين قد أسكتتنا لكن استدعينا الفرقة العسكرية التي خرجت بصيحات الابتهاج لجنودنا التي أسكتت صرخات اليهود”[15].

إن العلاقة بين مصطلحEthnocideومصطلح Genocideلا يمكن إنكاره، فمصطلح Ethnocideيعني اختفاء كل الصفات الاجتماعية والثقافية لمجموعة من البشر، وتدمير الحضارة التي تعود لجماعة عرقية من قبل جماعة عرقية أخرى أكثر قوة وكثيراً ما أستخدم هذا المصطلح مع الاعتداءات التي وقعت على ثقافات الهنود الحمر في الولايات المتحدة أو اختفاء ما يسمونه بقبائل (المنغار-Mnong Gar) في فيتنام، أو المحاولات الفاشلة لزعيم اسبانيا السابق فرانكو في إقصاء أو تدمير اللغة الباسكية التي تسمى Euskara عندما قام بحرق جميع الكتب المكتوبة باللغة الباسكية ومنع استخدام الأسماء الباسكية في السجل المدني. لكن وعلى الرغم من التشابه بين مصطلح Ethnocideو مصطلح Genocide إلا أن الأول يتضمن تدمير الهوية الثقافية للمجموعة بالضرورة دون أن يدمر المجموعة الأخرى بدنيا كما هو الحال في مفهوم Genocide.

إن دراسات المحامي لمكين دفعت العديد من الفقهاء بعده لدراسة هذه الجريمة[16]، فقد فتحت جهوده الباب أمام تبني اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في شهر كانون الأول عام 1948 والذي دخلت حيز التنفيذ في كانون الثاني عام1951[17]. هذه الاتفاقية تعرف الإبادة الجماعية في المادة الثانية منها بأنها “ارتكاب أي من الأعمال التالي ذكرها بقصد التدمير، سواء كليا أو جزئيا، جماعة قومية أو عرقية أو دينية. وهذه الأعمال هي:

( أ ) قتل أعضاء من الجماعة. (ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة. ( ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً. ( د) فرض تدابير تستهدف الحول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة. (هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.

وعند مراقبة التعريف السابق يتضح وجود عدة أشكال من الإبادة الجماعية يعترف بها القانون الدولي:

النوع الأول: يمكن وصفة بالإبادة الجسدية والذي يمكن ان يحصل من خلال القتل وهذا ما حصل في المجازر التي ارتكبت في رواندا أو يوغسلافيا أو تلك التي حصلت ضد الأكراد في شمال العراق في مدينة حلبجة.

أما النوع الثاني: فيمكن وصفة بالإبادة البيولوجية التي قد تحدث من خلال فرض إجراءات تهدف إلى منع الإنجاب داخل جماعة ما كتعقيم الرجال أو إجهاض النساء، أو بوسائل مختلفة بهدف القضاء على العنصر البشري وهذا ما حصل في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي مزقتها الحرب حيث شاع الاغتصاب الجماعي وصار يمارس بصورة منهجية ووحشية إلى حد أن الأطباء باتوا الآن يصنفون (التدمير المهبلي) باعتباره جريمة حرب[18].

أما النوع الثالث: من الإبادة وهو موضوع بحثنا هذا، فيمكن وصفة بالإبادة الثقافية وهي التي تتجاوز تلك الهجمات على أجساد الأفراد أو تتجاوز الحدود البيولوجية لتصل إلى إقصاء جماعة معينة وتأخذ عدة صور تتمثل بتحريم التحدث باللغة المعتادة لجماعة معينة والاعتداء على الثقافة القومية لها وتدمير أماكن العبادة لتلك الجماعة، هذا بالإضافة إلى تدمير متاحف أو مخطوطات ذات علاقة بتاريخ تلك الجماعة. وعند مراقبة ما يجري على الساحة المحلية في بعض الدول نجد أنه من السهولة بمكان تعداد مئات بل آلاف من هذه الجرائم. فهذا ما حصل في كردستان العراق أو في الصين ضد أقليات الأيغور، غير أن المجتمع الدولي لم يتجه الى اعتبار هذا النوع من الإبادة خطيرا الى درجة الفناء. لقد تم استبعاد مفهوم الإبادةالثقافية صراحة من اتفاقية 1948، ومن المهم ان ننظر في حيثيات الأسباب ومواقف الدول حول هذا الموضوع لتقييم المواقف ومعرفة الأسباب.

الفرع الثاني: مواقف الدول الكبرى المتناقضة تهدم الاعتراف القانوني بالإبادة الثقافية:

لقد قدمت الأمانة العامة لمشروع اتفاقية الإبادة الجماعية الأفعال التي يمكن أن تندرج تحت مفهوم الإبادة الجماعية إلى ثلاثة أقسام. وكان القسم الثالث منها تحت عنوان “تدمير الصفات الخاصة للجماعة” والتي تتعلق بالجرائم التي يمكن أن تقع على المكونات التعبيرية للثقافة. القسم الثالث ينقسم إلى خمسة أقسام فرعية على النحو التالي: النقل الإجباري للأطفال من جماعة إلى جماعة أخرى، التهجير المتعمد والمنظم لأفراد يمثلون ثقافة جماعة معينة، منع استخدام لغة وطنية في المدارس، التدمير المتعمد للكتب المطبوعة بلغة وطنية أو أعمال دينية أو منع مطبوعات جديدة، التدمير المنظم للآثار الدينية والتاريخية أو تحويلها إلى استخدامات غريبة، تدمير الوثائق أو الأشياء التي لها قيمة فنية أو دينية أو تاريخية[19].

لقد اعتمدت الأمانة العامة على مجموعة من الخبراء لوضع مشروع جريمة الإبادة الجماعية لكن اثنين من هؤلاء اعترضوا على إدماج الإبادة الثقافية ضمن مفهوم الإبادة الجماعية باستثناء الفقرة الأولى التي تتحدث عن النقل الإجباري للأطفال من جماعة إلى جماعة أخرى[20]، حيث يرى الخبير Donnedieu de Vabres والخبيرPellaأن الإبادة الثقافية توسع من مفهوم الإبادة البشرية[21]، على خلاف الخبير Lemkin الذي كان يرى أن الإبادة الثقافية يجب أن تعتبر جزء لا يتجزأ من مفهوم الإبادة البشرية لأنه لا يمكن لأية جماعة عرقية أو وطنية أو دينية أن تستمر بالوجود ما لم يتم المحافظة على وحدتها الأخلاقية والروحية[22].الدول المشاركة من ناحيتها اختلفت مواقفها بين مؤيد ومعارض. فالولايات المتحدة أيدت الموقف الداعي إلى إقصاء مفهوم الإبادة الثقافية من الاتفاقية، فهي ترى أن الاتفاقية يجب أن تقتصر فقط على الأعمال البربرية الموجهة ضد الأفراد[23]. المندوب الأمريكي حذر من جانبه الدول بأنه إذا ما تم التوسع في مفهوم الإبادة الجماعية ، وأدخل إليها مفهوم الإبادة الثقافية فهذا بدوره سوف يدفع الدول إلى عدم التصديق على الاتفاقية.[24] لذلك كانت وجهة نظر المندوب الأمريكي أنه من الأفضل أن يتم وضع بند خاص منفصل بعنوان الإبادة الثقافية لكي تتمكن الدول التي ترغب بالاعتراض على هذا البند من التحفظ عليه بسهولة دون أن ترفض مجمل الاتفاقية[25]. لكن المشكلة التي ثارت أثناء المداولات أنه لو تم وضع بند منفصل فسوف يؤدي بالنتيجة إلى حدوث خلط أو تشويش مع نطاق مفهوم حماية الأقليات[26].فرنسا كانت ترى أن التعريف يجب أن يقتصر على الإبادة البيولوجية والبدنية لأن إدماج مفهوم الإبادة الثقافية يزيد من احتمالية التدخل السياسي للدول في الشؤون الداخلية للدول الأخرى[27].أما هولندا فرأت إن الموضوع مرتبط بحقوق الإنسان[28].الاتحاد السوفياتي من جانبه كان موقفه مختلفاً عن الدول الأوروبية، فعلى الرغم من أنه يرى بشكل عام أن الإبادة الجماعية مرتبطة بالتدمير البدني للجماعة، إلا أنه دعا إلى اتخاذ إجراءات تهدف إلى عدم منع اللغة الوطنية أو التاريخ الوطني، مستخدماً مصطلح “الإبادة الثقافية الوطنية” أو “national cultural genocide”. وقدم مندوب الاتحاد السوفيتي على عدة أمثلة تبين المقصود بهذه الجريمة على النحو التالي: منع أو تقييد استخدام اللغة الوطنية في الحياة العامة أو الخاصة، تدمير أو منع طباعة أو مداولة الكتب المتعلقة باللغة الوطنية، تدمير الآثار الدينية، التاريخية، المتاحف، الوثائق، المكتبات وغيرها من الآثار أو الأشياء المرتبطة بالتراث الوطني أو العبادات الدينية[29].البعض الآخر من الدول كان يرى أن هذا الموضوع يجب أن يعالج تحت عنوان “حقوق الأقليات”[30].لذلك وفي ظل هذا النقاش قررت اللجنة الخاصة “Adhoc Committee” التي تم تشكيلها لمناقشة هذا الموضوع وضع مشروع جديد للاتفاقية تعترف بموجبه بمفهوم الإبادة الثقافية التي كانت تشمل الأفعال المقصودة التي إذا ارتكبت بنية تدمير اللغة أو التراث الوطني أو العرقي لجماعة دينية وكذلك منع أو تقييد استخدام اللغة الوطنية أو منع طباعة أو مداولة الكتب المتعلقة باللغة الوطنية وكذلك تدمير الآثار الدينية، التاريخية، المتاحف، الوثائق، المكتبات، وغيرها من الآثار أو الأشياء المرتبطة بالتراث الوطني أو العبادات الدينية. كما هو واضح فإن اللجنة الخاصة قد تبنت المفهوم السوفيتي للإبادة الثقافية. لكن في النهاية أجرت اللجنة السادسة تصويتا استبعدت بموجبه الإبادة الثقافية من نطاق الاتفاقية[31]. لذلك فإن الانتقاد الرئيسي الذي يمكن توجيهه إلى الاتفاقية السابقة أنه قد استبعد مفهوم الإبادة الثقافية[32]. لكن في ظل الأسباب العديدة السابقة لاستبعاد فكرة الإبادة الثقافية من الاتفاقية، يبقى السؤال عن السبب الحقيقي لهذا الاستبعاد. بعض الكتاب- ونحن نتفق معهم- يجيب على هذا الاستفسار بالقول”أنه الخوف من الملاحقة الجنائية ضد بعض الدول الأطراف،التي تمارس أشكالا متعددة، مباشرة أو غير مباشرة، من الأعمال القمعية التي يمكن أن توجه ضد الأقليات عند منعهم من استخدام لغاتهم ودياناتهم وعاداتهم الثقافية”[33].ويمكن أن نظيف بأن صعوبة تعريف الثقافة بالإضافة لعدم وجود تعريف واف ومحدد وجامع يغطي محتوى جريمة الإبادة الثقافية جعل مواقف الدول متباينة. فلا نجد رؤيا دوليه موحده حول الإبادة الثقافية، فكل دولة تعطي لمفهوم الثقافة نظرة قد تختلف عن الآخر وهذا طبيعي فكل مجتمع له ظروفه الخاصة وأوضاعه الاجتماعية التي قد تختلف عن غيره من المجتمعات، هذا بالإضافة إلى اختلاف النظرة الإنسانية لحقوق الأفراد والجماعات.

من جانبها اكتفت لجنة القانون الدولي بالقول: “إن التدمير المشار إليه مرتبط بالتدمير المادي لأعضاء الجماعة سواء أكان تدميراً بدنياً أم بيولوجياً ولا يشمل التدمير الوطني، اللغوي، الديني، الثقافي لأعضاء الجماعة. كما أن العناصر الدينية أو القومية أو الأثنية لم يتم أخذها بعين الاعتبار لدى تعريف مصطلح “تدمير”.”[34] هذا الموقف المتردد للدول اتجاه مفهوم الإبادة الثقافية نجده جلياً في موقف آخر عندما تم تبني مشروع إعلان الأمم المتحدة حول حقوق الشعوب الأصلية لعام 1994 والذي ينص على ما يلي[35]:

للشعوب الأصلية وأفرادها الحق في عدم التعرض للإبادة الثقافية خاصة من خلال آليات فعالة لمنع أو إصلاح: (أ) أي عمل يهدف أو يؤدي إلى حرمان الشعوب الأصلية من سلامتها بوصفها شعوبا متميزة أو من قيمها الثقافية أو هوياتها الإثنية؛

(ب) أي عمل يهدف أو يؤدي إلى نزع ملكية أراضيها أو أقاليمها أو مواردها؛

(ج) أي شكل من أشكال نقل السكان القسري يهدف أو يؤدي إلى انتهاك أو تقويض أي حق من حقوقهم؛

(د) أي شكل من أشكال الاستيعاب أو الإدماج القسري؛

(هـ) أي دعاية موجهة ضدها تهدف إلى تشجيع التمييز العرقي أو الإثني أو التحريض عليه.

لقد نص مشروع الإعلان بشكل واضح على أنه للشعوب الأصلية وأفرادها الحق في عدم التعرض للاستيعاب القسري أو تدمير ثقافتهم. كما أن مشروع الإعلان قد استخدم مصطلح الإبادة الثقافية بشكل مباشر ليصف جميع أعمال العنف التي قد تحصل ضد السكان الأصليين سواء حصل ذلك من خلال حرمان تلك الشعوب من استخدام لغتها الخاصة في تعاملاتهم أو من خلال النقل القسري لأطفال المجموعة إلى مجموعة أخرى أو بأية وسيلة أخرى. وقد اعتبر أن للشعوب الأصلية “حق” وليس “عطية” أو “منّة” في عدم تعريض ثقافتهم للتدمير. وهذا يعني أن أية محاولة تقوم بها الدول من أجل تدمير ثقافة الشعوب الأصلية سواء كان ذلك عملاً ايجابياً أم سلبياَ، أي سواء كان ذلك بالفعل أو الامتناع عن القيام بالفعل يشكل عملا من أعمال الإبادة الجماعية التي يرفضها المجتمع الدولي الممثل بالدول الموقعين على هذا الإعلان. لذلك جاء الإعلان ليؤكد على الواجبات التي يتوجب على الدول اتخاذها من أجل حماية ثقافة الشعوب الأصلية. لكن في عام 2007 تم التراجع عن الاستخدام الصريح لعبارة الإبادة الثقافية مقابل استخدام مصطلح الاستيعاب القسري أو كما وردت باللغة الفرنسية بـ “Assimilation Forcé”[36].

المبحث الثاني: الإبادة الثقافية في ضوء القانون الجنائي الدولي:

إن مبدأ إنشاء المحاكم الجنائية الخاصة المسماة Adhoc، أي تلك المحاكم التي لها اختصاص محدود من حيث الزمان أو المكان، تم تبنيه من قبل مجلس الأمن في القرار رقم 808 لعام 1993 كردة فعل لتلك الجرائم التي ارتكبت في يوغسلافيا السابقة. وبعد عدة سنوات تم تبني نظام روما الأساسي لعام 1998 وبموجبة أصبح هناك محكمة جنائية دولية ذات اختصاص عالمي لمواجهة أشد الجرائم وعلى رأسها جريمة الإبادة الجماعية.إن الفحص الدقيق لاجتهادات المحاكم الجنائية الدولية تجاه مفهوم الإبادة الثقافية نجدها تسير في طريق متباين وغير واضح (الفرع الأول)، بينما نجد أن المحكمة الوطنية تتبنى موقفا أكثر وضوحاً اتجاه الاعتداءات الواقعة على الثقافة على الرغم من قلّة تلك القرارات (الفرع الثاني).

الفرع الأول: المحاكم الدولية ما زالت مترددة اتجاه مفهوم الإبادة الثقافية:

تنص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية أن وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقاً لأحكام القانون الدولي، وهي تطبق في هذا الشأن:

( أ ) الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفاً بها صراحة من جانب الدول المتنازعة. (ب) العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال. (ج) مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة. (د ) أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم.

مما لا شك فيه أن السوابق القضائية تساعد على سد النقص في التشريعات التي تعجز في الغالب عن ملاحقة التطورات السريعة في مجالات الحياة المتعددة. وبما أن اتفاقية 1948 قد تجاهلت مفهوم الإبادة الثقافية صراحة، فمن الضروري أن نبحث في موقف القضاء الدولي في هذا الشأن خاصة بعد مرور63 سنة على تبني تلك الاتفاقية.

نشير بدايةً أنه لكي توجد جريمة إبادة جماعية فلا بد من توافر عناصر رئيسية وردت في اتفاقية 1948 وهذه العناصر هي: (1) النية الجرمية[37]، (2) أفعال اعتداء بدنية[38]. لكن الإمعان الدقيق في المادة الثانية من تلك الاتفاقية يجعلنا نضيف شروطا أخرى وردت بشكل غير مباشر وهي: (1) يجب أن ينتمي الضحايا إلى مجموعة محمية، (2) الإبادة البشرية يجب أن تشمل تدمير “جزء كبير” من مجموعة محمية.

وعلى الرغم من ان المحاكم الخاصة الدولية تعترف بصعوبة إثبات القصد أو النية في جرائم الإبادة إلا أنها مع ذلك تساعد على فهم مفهوم الإبادة الثقافية بشكل غير مباشر. نعلم جيداً أن النية الجرمية في جرائم الإبادة ليس من السهل إثباتها إلا إذا اعترف الفاعل بدوافعه، لهذا السبب لم تتردد المحاكم الدولية بالقول صراحة أن النية الجرمية يمكن إثباتها من خلال الظروف المحيطة بالقضية:

“intent is usually inferred from surrounding circumstances”

وهذا ما جاء في قضية أكايسو الصادرة عن محكمة الجزاء الدولية الخاصة برواندا.[39] وغيرها الكثير من القضايا[40]. والظروف المحيطة يمكن التعرف عليها من خلال السياسة العامة للدولة اتجاه جماعة معينة[41]، أو من خلال السياق أو تكرار الاعتداءات[42]، أو من خلال الهجمات المتزامنة على الممتلكات الثقافية والدينية ورموزهما[43]، ونستطيع أن نضيف أن التصريحات أو البيانات التي قد تعلنا الجماعة المعتدية على جماعة أخري يمكن الاعتماد عليها من أجل كشف النية الجرمية للفاعل[44]، ومن التطبيقات العملية لهذه الحالة الأخيرة أنه بعد الاعتداءات التي تم وقعت ضد مسيحيي العراق عام 2004 صدر بيان عن إحدى التنظيمات الإرهابية مفاده ما يلي: ” إلى أهل الصلبان: عودوا إلى رشدكم وكونوا متيقنين أن جنود الله جاهزون لمواجهتكم، لقد طلبتم الحرب الصليبية وهذه هي النتيجة”[45].

أذكّران الفقرة الثانية من المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية تعتبر أن إلحاق أذى روحي خطير بأعضاء الجماعة يعتبر إبادة جماعية. لكن ما هو المقصود بالأذى الروحي؟ لم يرد توضيح لذلك في اتفاقية1948 أو في نظام روما الأساسي لكن قرارات محكمة الجزاء الخاصة بمحاكمة مجرمي الحرب في رواندا تساعدنا في محاولة فهم بعض المصطلحات التي قد تكون غامضة شيئاً ما. ففي 9 كانون الثاني 1997 عقدت المحكمة الجنائية الدولية لروانداThe International Criminal Tribunal for Rwanda (ICTR)محاكمتها الأولى والتي تناولت أهم القضايا في تاريخ القانون الدولي ألا وهي قضية: المدعي العام ضد جان بول أكايسو[46]، حيث واجه أكايسو عدة تهم من بينها تهم الإبادة الجماعية، وقد أدانت المحكمة أكايسو في أيلول 1998. لقد مثلت إدانة أكايسو أول إدانة تُدعى فيها محكمة دولية إلى تفسيرتعريف الإبادة الجماعية على النحو الوارد في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية. أشارت المحكمة في قرارها أنه ووفقا للاتفاقية، تُعرَّف الإبادة الجماعية بانها ارتكاب جرائ ممعينة،منها ”قتل أعضاء من جماعة قومية أوعرقية أو دينية ،بصفتها هذه،أو إلحاق أذى جسدي أو نفسي خطير بأعضاء الجماعة،بقصد تدميرها الكلي أو الجزئي“. ما يهمنا في قرار المحكمة أنها استخدمت مصطلح الأذى النفسي عوضاً عن الأذى العقلي كما لو كانوا مترادفين[47]، بحيث يشملان، حسب اجتهادات محكمة ICTR”التعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو الحاطة من الكرامة والاضطهاد”[48]. ومن الضروري أن نشير أن اجتهادات المحاكم تتفق على أن الأذى لا يشترط فية أن يكون دائم أو لا يمكن علاجه[49].

إن اجتهادات المحاكم الدولية في موضوع “التدمير-Destroy” المنصوص علية في المادة الثانية من اتفاقية 1948 المتعلقة بجريمة الإبادة لا يبدو أنه يسير على نسق متواتر، بل على العكس نجد أن المحاكم تتبنى مواقف متباينة بخصوص مفهوم “التدمير”وهذا بدوره يعكس بظلاله السلبية على مفهوم الإبادة الثقافية. إن القانون الدولي العرفي يؤكد أن المواد 31 و32 من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969 والمتعلقة بتفسير المعاهدات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار كمرشد عند تفسير مصطلح “تدمير” الوارد في اتفاقية الإبادة الجماعية على الرغم من أن هذه الأخيرة قد تم تبنيها قبل اتفاقية فينا السابقة. يترتب على ذلك أن كلمة “تدمير” في حال تطبيق اتفاقية فينا السابقة يجب أن تفسر بحسن نية ووفقاً للمعنى الذي يعطى لها ضمن السياق الخاص بموضوعها والغرض منها[50]، وإذا أدى ذلك التفسير أن يترك المعنى غامضاً أو غير واضحاً أو أن يؤدي إلى نتيجة غير منطقية أو غير معقولة فحينئذ يجوز اللجوء إلى الوسائل التكميلية في التفسير مثل الأعمال التحضيرية لاتفاقية الإبادة الجماعية[51]. وعند العودة إلى المعنى اللغوي الوارد في عدة قواميس نجد المعاني التالية: الخراب التام، الإفساد التام،تدمير البناء أو الوجود العضوي، الهدم أو السحق التام، القتل، إبطال النفع وجعله غير فعّال[52].يبدو جلياً أن مصطلح ” تدمير” لا يعني فقط قتل وإنما يشمل أيضاً الإخضاع وجعل المعتدى عليه عديم الفائدة. لهذا السبب نجد أن اتفاقية الإبادة لعام 1948 والتي تم اعتمادها في المادة السادسة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لا تقتصر على القتل وإنما تشمل إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، وإخضاعهم لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، وكذلك فرض تدابير تستهدف الحول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ونقل أطفال من جماعة إلى جماعة أخرى عنوةً. لكن اجتهادات المحاكم الدولية لم تسير على وتيرة واحدة فيما يتعلق بمفهوم “التدمير”.

هذه الطريقة التقليدية في السير للمحاكم الدولية نجدها جلية في موقف المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة أو ما تسمى “The International Criminal Tribunal for the former Yugoslavia (ICTY). هذه المحكمة لم تسير على نهج ثابت فيما يتعلق بمفهوم التدمير. فحكم الدائرة الابتدائية للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة في قضية Blaslic بتاريخ 3. 3. 2000 يعتبر من أهم القرارات الصادرة بخصوص الاعتداءات الواقعة على الثقافة، وفيه تم الاعتراف بشكل واضح أن الاضطهاد والتدمير مفهوم واسع لا يشمل فقط الاعتداءات الجسدية. تقول المحكمة في فقرتها الشهيرة (233) ما يلي: إن جريمة “الاضطهاد” لا تشمل فقط الضرر الجسدي والنفسي والتعدي على الحرية الفردية وإنما أيضاً الأفعال التي تبدو أقل خطورة، مثل تلك التي تستهدف الممتلكات، طالما تم اختيارها خصيصا لأشخاص تربطهم انتماءات إلى مجتمع معين.[53] ثم تقول في الفقرة (425) بأن “أساليب الهجوم وحجم الجرائم التي ارتكبت ضد السكان المسلمين أو ضد الصروح التي تعبر عن ثقافتهم لا يدع مجال للشك بأن الهدف من الهجوم كان موجهة ضد السكان المدنيين المسلمين”[54]. وفي نهاية قرارها أدانت المحكمة المتهم Blaškić Tihomir بعدة جرائم من بينها تدمير ونهب الممتلكات وعلى وجه الخصوص المؤسسات المخصصة للتعليم والعبادة[55]. وهذا الموقف ليس بجديد فقد قضت الدائرة الابتدائيةلذات المحكمة في قضيةKupreskic zoran أن الاضطهاد يتضمن مجموعة متنوعة من الأعمال التمييزية التي تتألف من سلسلة من الأفعال بدلاً من فعل واحد والتي يجب أن ينظر إليها كوحدة واحدة بدلاً من النظر إليها بطريقة منعزلة[56].

لكنها عادت في قضية أخرى لتسلك طريق غريب وغير مفهوم. ففي قضية Prosecutor v. Krstić قالت المحكمة “أن القانون الدولي العرفي يقتصر تعريف الإبادة الجماعية على الأفعال التي ترتكب بقصد تدمير الجماعة جسدياً أو بيولوجياً كلياً أو جزئياً. وعلية فان الاعتداء الواقع فقط على الخصائص الثقافية أو الاجتماعية لمجموعة بشرية من أجل إبادة هذه العناصر السابقة التي تعطي لتلك المجموعة هويتها الخاصة المتميزة عن بقية المجتمع لن تندرج تحت تعريف الإبادة الجماعية”[57]. وهذا الموقف نجده كذلك لدى محكمة رواندا الخاصة بمحاكمة مجرمي الحرب الرواندية[58]

بالمقابل نجد محكمة (ICTY)تتوجه إلى تفسير موسع لمصطلح “تدمير” بحيث بدأت تعطي بعداً جديداً لم نعتد علية بهذه الصراحة. قرار ICTY والمتعلق بقضية Krajisnik يقدم أفكاراً مهمة في هذا البحث: تقول المحكمة ما يلي: ” إن ]التدمير[باعتباره عنصر أساسي في القصد الجرمي لجريمة الإبادة الجماعية لا يقتصر على التدمير الجسدي أو البيولوجي لأفراد الجماعة باعتبار ان الجماعة (أو جزء منها) يمكن ان يتعرض للتدمير بطرق أخرى مثل نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى أو عن طريق قطع الروابط بين أعضائها. وهكذا يمكن أن نقول انه بإمكاننا أن نعتمد على أدلة من النقل القسري المتعمد كدليل على وجود النية الجرمية للإبادة الجماعية[59]. لهذا السبب لم يتردد الكثير من رجال القانون على اعتبار ان ما يتعرض له أهل التبت من قبل السلطات الصينية بمثابة إبادة ثقافية[60] . من جهتها ذكّرت لجنة القانون الدولي في أكثر من مناسبة وتحديداً في عام 1996 بالأعمال التحضيرية لاتفاقية 1948 وقالت بأن التدمير قد يكون بدني أو بيولوجي[61].

إن اجتهادات محكمة الجزاء الخاصة بمحاكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا السابقة، على الرغم من عدم وضوح مواقفها اتجاه الاعتداءات الواقعة على الثقافة تقدم فائدة مهمة حول موضوع النقاش. كما أن الآراء المرفقة من قبل بعض القضاة في المحكمة السابقة تقدم مفاتيح مهمة تساعد على معرفة التطور الذي طرأ حول موضوع الإبادة الثقافية. ففي قضية Prosecutor v. Krstić وضع القاضي شهاب الدين في محكمة الاستئناف رأياً مهماً. فعلى الرغم من اعترافه بان اتفاقية 1948 قد استبعدت مفهوم الإبادة الثقافية،إلا انه يرى أن الإبادة الثقافية يمكن أن تدخل ضمن مفهوم الإبادة الجماعية بطريقة غير مباشرة حيث يقول:”تتكون المجموعة البشرية من خصائص، قد تكون غير ملموسة، والتي تكون ملزمة للناس كوحدة اجتماعية. فإذا ما تعرضت هذه الخصائص للتدمير بموجب نية تهدف الى القضاء على قائمة من الأهداف البدنية والبيولوجية، فانه سوف يكون من غير المقنع القول بان التدمير الذي طمس بشكل كبير المجموعة ليس إبادة جماعية لان الطمس لم يكن بدنياً أو بيولوجياً[62].ان النية يجب ان تكون بكل تأكيد مرتبطة بالتدمير، لكن لا يوجد سبب للقول ان التدمير يجب أن يكون بدنياً أو بيولوجياً.صحيح أن وجهة نظر القاضي شهاب الدين السابقة ليست حجة للاعتراف بالإبادة الثقافية، كما انه من المؤكد أن مجرد تدمير ثقافة مجموعة ما ليست إبادة لأنها لا تتطابق مع الأعمال المشار إليها في المادة الرابعة، فقرة 2، من النظام الأساسي لمحكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغسلافيا. لكن القاضي شهاب الدين يضيف أننا يجب أن نكون حذرين عند التعاطي مع الموضوع لان تدمير ثقافة مجموعة عرقية ما قد يكشف نية مبيته للقضاء على المجموعة نفسها وفي هذه الحالة فان هدم المسجد الرئيسي يؤكد وجود نية لتدمير جزء من مجموعة سريبرينيتسا البوسنية المسلمة[63].

أنا أؤمن بأنه توجد علاقة وثيقة بين التدمير المتعمد الكلي أو الجزئي للمراكز الثقافية والدينية، التابعة لجماعة قومية أو عرقية أو دينية، وبين الرغبة القوية بالتدمير الجسدي أو البيولوجي لمرتكبيها ضد تلك الجماعة.فالاستهداف المتعمد للأماكن الدينية التابعة لجماعة معينة قد يشكل بداية للتصفية الجسدية لتلك الجماعةأو قد يكشف عن نية حقيقية للتدمير الجسدي لتلك الجماعة أو يمكن ان تستخدم كدليل استنتاجي على وجود نية التدمير البدني أو الجسدي.أن العلاقة التي تربط أعضاء جماعة معينة لا يجوز ان تقتصر على القتل البدني أو البيولوجي الواردة في المادة السادسة من نظام روما الأساسي. لا بد من إعادة قراءة المادة السابقة بحيث يتم النظر إليها بصورة حقيقية دون أية نظارات سوداء على العينين. الحقيقة أن استهداف المراكز الثقافية لجماعة معينة يجب أن يقرأ كما لو كان يشكل جزءاً من المادة السابقة. أن هذا التفسير ليس بتفسير مبالغ فيه ولا يخبئ أية نية غير دقيقة بل يعكس ربط صادق بين الواقع القانوني والواقع التطبيقي، لذلك نجد أن بعض اجتهادات القضاء الدولي بدأت بالسير في نفس هذا الاتجاه بعد أن كان تسير في طريق غير معبد. في هذا الشأن أقرت محكمة ICTY)) في قرار، سوف يبقى في ذاكرة كل الباحثين في مفهوم الإبادة الثقافية، “أن تدمير الجوامع والكنائس الكاثوليكية يعني القضاء على قرون طويلة لوجود الجماعة أو الجماعات. كما أن تدمير المكتبات يعني القضاء على الثقافة التي تم إغنائها من خلال مشاركة المكونات الوطنية المختلفة للشعب”[64]. نعم يجب تفسير اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها بحسن نية ووفقا للمعنى العادي من شروطها وفي ضوء هدفها والغرض منها، إلا انه ينبغي تفسير نص الاتفاقية بطريقة عصرية، أي انه يجب أن تعطى كل كلمة المعنى الدقيق لها ولا يجوز تجاهل أية كلمة بحيث تعامل كأنها غير ضرورية كما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار التطورات الحديثة المتعلقة بهذا المفهوم.

من جانبها فإن موقف محكمة العدل الدولية، أو محكمة لاهاي،اتجاه الإبادة الثقافية يبدو واضحاً، فهي ترفض الاعتراف بوجود هذا المفهوم مطبقة القاعدة القانونية التي مفادها بأنه”لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص” أو كما تعرف باللغة اللاتينية بقاعدة][nullum crimen sine leg أو باللغة الإنجليزية[no crime without a law]. فقد رفضت محكمة العدل الدولية في قضية البوسنة والهرسك ضد صربيا والجبل الأسود الحكم الصادر في 26 فبراير 2007 أن تعترف، على أساس الفقرة (ج) من المادة (6) من نظام روما الأساسي، من أن أعمال تدمير التراث التاريخي والديني والثقافي تعتبر بمثابة محو لأثار مجموعة محمية بموجب القانون”، والسبب بحسب قول المحكمة أن “هذه الأفعال بحد ذاتها لا تؤدي إلى الدمار المادي أو البيولوجي لذات الجماعة”[65].يبدوا جلياً أنه ليس للمحكمةرغبة للربط بين الاعتداءات التي يمكن أن تقع على الثقافة وبين فكرة الاعتداءات البدنية الواقعة على جماعة معينة.إن قرار محكمة ICTYالسابقة بخصوص قضية The Prosecutor v. Karadzic & Mladicلا يبتعد كثيراً عن موقف بعض الفقه المؤيد لوجود جريمة الإبادة الثقافية. الدكتور David Nersessian يرى في تعريفة لهذا المفهوم بأن الإبادة الثقافية تمتد أكثر من تلك الهجمات على عناصر المجموعة المادية أو البيولوجية لتشمل القضاء على كل مؤسساتها بنطاق واسع. ويتم ذلك بطرق متنوعة غالبا ما تتضمن إلغاء لغة مجموعة، أو من خلال القيود المفروضة على ممارساتها لعاداتها التقليدية، ومن خلال تدمير المؤسسات الدينية أو اضطهاد رجال الدين، أو الهجمات على الأكاديميين والمثقفين. إن عناصر الإبادة الثقافية قد تتجلى عندما يتم تقييد الأنشطة الفنية والأدبية أو من خلال تدمير الكنوز الوطنية، والمكتبات والمحفوظات والمتاحف والقطع الأثرية أو مصادرتها[66].

إذا أردنا أن نلخص النقاش السابق والمتعلق بموقف القضاء الدولي تجاه الإبادة الثقافية نستطيع أن نقول ما يلي: صحيح أن الدول استبعدت فكرة الإبادة الثقافية صراحة من اتفاقية 1948، لكن الأمور تطورت الآن وما يحدث اليوم من اعتداءات على الثقافة يعد أكثر خطورة من تلك التي كانت قد وقعت عند تبني الاتفاقية. باعتقادي لو كانت الدول التي رفضت فكرة الإبادة الثقافية عام 1948 قد شاهدت ما يحدث من انتهاكات للثقافة في وقتنا الحاضر لكانوا قد تبنوا موقف مغاير تماماً. ليس بالضرورة من وجهة نظري أن نفسر اتفاقية 1948 تفسير حرفي وضيق في وقتنا الحاضر، فالظروف تغيرت والاعتداءات تنوعت. ففي قضية جان بول أكاييسو السابقة، وصفت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا الاغتصاب بأنه وسيلة من وسائل الإبادة الجماعية، في حين لم يرد ذكر الاغتصاب صراحة في اتفاقية عام 1948، فوفقا لقرار المحكمة الصادر في عام 1998، فان العنف الجنسي يعتبر جزءا من عملية التدمير التي تستهدف على وجه التحديد نساء التوتسي فضلا عن تدمير الجماعة التي ينتمون إليها. ووصل قضاة المحكمة إلى استنتاج مفاده أن هذه الجرائم الجنسية لا تؤثر فقط على السلامة البدنية للضحايا ولكن أيضا النفسية[67].وبالقياس على هذه الفكرة نستطيع أن نقول اليوم أن الاعتداءات الواقعة على ثقافة جماعة ما يمكن أن توصف بالإبادة الثقافية فيما لو توفرت الشروط الأخرى الواجب توافرها في جريمة الإبادة الجماعية.

الفرع الثاني: المحاكم الوطنية تعلن بوضوح إدانتها للاعتداءات الثقافية لكن تبقى مترددة حول مفهوم الإبادة الثقافية.

تكاد تكون إسرائيل من أولى الدول التي اعتبرت أن الاعتداء على التراث الثقافي بمثابة جريمة دولية عندما تبنت قانون لملاحقة النازيين الذين ارتكبوا جرائم الهولوكوست ضد اليهود في أوروبا. هذا القانون المسمى “The Nazis and Nazi Collaborators (Punishment) Law of 1950″، يعتبر بعض الأفعال، بما في ذلك “الجرائم ضد الشعب اليهودي”، “الجرائم ضد الإنسانية” و “جرائم الحرب التي ارتكبت خلال الفترة النازية” بمثابة جرائم يعاقب عليها بموجب القانون الإسرائيلي. كما يعتبر أن تدمير أو تدنيس المؤسسات الدينية أو الثقافية اليهودية بمثابة جريمة يعاقب عليه القانون الإسرائيلي. لقد طبق هذا القانون على القضية الشهيرة المعروفة بأسم:Eichmann Trial[68]حيث قالت المحكمة ما يلي: ” مع صعود هتلر إلى السلطة، أصبح اضطهاد اليهود سياسة رسمية للدولة، وتم تبني قوانين ولوائح من قبل حكومة الرايخ حيث بوشرت أعمال العنف المنظم والمباشر ضد اليهود وكان الغرض من هذه الأعمال هي حرمان اليهود من حقوق المواطنين والحط من شأنهم وإدخال الخوف إلى قلوبهم لفصلهم عن بقية السكان والإطاحة بحياتهم الاقتصادية والثقافية”[69].

كذلك الأمر خلال محاكمات ما بعد الحرب العالمية الثانية، قد تم تسليط الضوء على الجوانب الثقافية من الإبادة الجماعية التي ارتكبها نظام أدولف هتلر. فقد أنشأت الولايات المتحدة في المناطق الخاضعة لسيطرتها في مدينة نورمبيرغ الألمانية محكمة عسكرية أمريكية (وهي بالمناسبة تختلف عن المحكمة العسكرية الدولية المعروفة باسم محكمة نورمبيرغ) وفيها تم إجراء 12 محاكمة لقادة نازيين. إحدى تلك المحاكمات تثير انتباهنا لما لها علاقة بموضوع البحث وهي معروفة بقضية Rusha أو المعروفة رسميا باسمThe United States of America vs. Ulrich Greifelt, and al.)). في هذه القضية وجهت إلى المتهمين الأربعة عشر، وهم جميعاً أعضاء في المنظمة الإرهابية المعروفة باسم(SS)، تهمة المشاركة في “برنامج منهجي من الإبادة الجماعية ” التي شملت أيضاً “القضاء وقمع الخصائص الوطنية[70].وفي قضية أخرى وجد Artur Greiser مذنباً لارتكابه ” هجمات إبادة جماعية على الثقافة والتعليم البولندي ” Genocidal Attacks on polish culture and learning”[71]. أما Amon Leopold Goeth فقد أدين بارتكاب جرائم إبادة بالجملة ضد اليهود وكذلك ضد البولنديين التي احتوت على كل الخصائص المميزة للإبادة البيولوجية،بالإضافة إلى تدمير الحياة الثقافية لهذه الأمم.”wholesale extermination of Jews and also of Poles which had all the characteristics of genocide of the biological meaning of this term, and embraced in addition destruction of the cultural life of these nations”[72].

من جانبها، قالت المحكمة الدستورية الفدرالية الألمانية في قرار لها صدر في عام 2000 ما يلي: أن التعريف القانوني لإبادة الأجناس يجب أن يشمل عناصر أخرى للحماية القانونية. فعلى سبيل المثال، ان الوجود الاجتماعي للجماعة قد يتعرض للتدمير بطرق أخرى غير تلك المعروفة بدنياً أو بيولوجياً… فنص القانون لا يفيد فقط انه يجب أن يتم تفسير نية المذنب على أنها تتوجه فقط لاستبعاد أعضاء الجماعة بدنياً أو بيولوجياً وإنما يجب توسيع مفهوم التدمير بحيث يمتد ليشمل التدمير المرتبط بالهوية الثقافية للجماعة.[73]

في مقابل القضايا السابقة سلكت المحاكم الأمريكية منهجاً مغايراً، فقد أعلنت إحدى المحاكم رفضها الصريح لمفهوم الإبادة الثقافية. تعود القضية إلى عام 1999 عندما طالب شخص يدعى Beanal، معتمداً على قانون يسمى“Alien Tort Claims Act”[74] باعتبار أن ما يتعرض له أبناء قبيلة Amungme والموجودين في غينيا الجديدة بمثابة إبادة ثقافية من قبل شركة Freeport للتعدين. فهو يرى بأن عمليات التنقيب عن المعادن التي تقوم بها الشركة السابقة أدت إلى تهجير أبناء القبيلة إلى أراضي أخرى وتدمير البيئة، كما ادعى أن الشركة Freeport تعمدت تدمير الأساس الثقافي والاجتماعي لتلك القبيلة من خلال تدمير مساكنهم ورموزهم الدينية، وهذا يشكل بحسب قول المدعي إبادة ثقافية. المحكمة من جانبها وعند العودة الى المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، رأت أن الإبادة تعني تدمير الجماعة وليس تدمير الثقافة. صحيح أن أفراد القبيلة السابقة بحسب المحكمة يشكلون جماعة محمية لكنها أضافت أن الإبادة تفترض أفعال متعمدة موجهة ضد شروط حياة الجماعة وتؤدي الى تدمير الجماعة بدنياً. من جانبها أيدت محكمة الاستئناف هذا القرار قائلة أن فكرة الإبادة الثقافية لم تحصل على قبول من المجتمع الدولي ولا يوجد نص صريح في القانون الدولي يؤيد ذلك. كما ذكّرت المحكمة بأن مشروع اقتراح إدماج الإبادة الثقافية في اتفاقية 1948 قد تم التخلي عنه[75].

المبحث الثالث: واجب الدول في مواجهة الإبادة الثقافية يشكل قاعدة ملزمة في القانون الدولي.

أذكّر بداية أنه وفي أول قرار صادر عن محكمة الجزاء الدولية الخاصة برواندا وتحديداً في قضية Akayesu[76]أكد القضاة بأن اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 تشكل بكل تأكيد جزء لا يتجزأ من القانون الدولي العرفي وبالتالي لا تستطيع أية دولة غيرعضو بتلك الاتفاقية أن تتذرع بأنها خارج منظومة الأمم المتحدة بهذا الشأن. وتجدر الإشارة هنا إلى أن قمع جريمة الإبادة الجماعية هي قاعدة آمرة أو ما يطلق عليه الفقه مسمىJus Cogens[77]. النتيجة المترتبة على ذلك أن حظر أعمال الإبادة الجماعية تلزم الدول في مواجهة المجتمع الدولي أو ما تسمى Erga Omnes.

بالمقابل هناك العديد من الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى حماية الثقافة أذكر منها الاتفاقية الخاصة بصون التراث العالمي الثقافي والطبيعي لسنة 1972. بموجب هذه الاتفاقية تعترف الدول الأطراف في الاتفاقية بان حماية التراث العالمي واجب على المجتمع الدولي بأكمله من غير مساس بالسيادة الوطنية وحقوق الملكية المنصوص عليها في التشريعات الوطنية. وعند العودة إلى الموقع الرسمي لمنظمة اليونسكو نجد قائمة تمثل التراث العالمي حالياً بحيث تشمل 890 موقعا طبيعيا وثقافيا، من تاج محل في الهند إلى مدينة طومبوكتو القديمة في مالي، مروراً بروائع طبيعية كالحاجز المرجاني الكبير في أستراليا، وصولا إلى الأهرامات في مصر، والبتراء الأردنية، منها 679 ممتلكا ثقافيا، و174 طبيعيا، و25 مختلطا، والمجموع موزَّع في 145 دولة طرفافي الاتفاقية[78]. هذا بالإضافة إلى واجب حماية المكونات الرئيسية الأخرى للثقافة سواء كانت اللغوية أو الدينية.

لقد عاين المجتمع الدولي العديد من جرائم الإبادة الجماعية التي دمرت جماعات دينية وعرقية وسياسية وغيرها من الجماعات البشرية، لذلك فان منع ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم تبقى غاية المجتمع الدولي بأسرة. لقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في أول جلسات لها منذ تأسيسها القرار الشهير رقم 96 وفي هذا القرار ما زالت بعض العبارات حية حتى يومنا هذا. يقول القرار ” أن إبادة الجنس البشري هي ان ترفض حق الوجود لجماعات إنسانية بالكامل […] فمثل هذا الرفض يعطل الضمير الإنساني ويلحق خسارة كبيرة بالإنسانية التي سوف تجد نفسها محرومة من المساهمات الثقافية لتلك الجماعات”. أن هذا الرفض يشكل مخالفة صريحة للقانون الأخلاقي وروح أهداف الأمم المتحدة. بعض الفقرات من القرار تدعو الدول على اتخاذ إجراءات تشريعية لمواجهة هذه الجريمة ودعت إلى تعاون الدول على تسهيل قمع هذه الجريمة. اتفاقية منع الإبادة الجماعية من جانبها أكدت دون مباحثات كثيرة على اعتبار الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد الدول بمنعها والمعاقبة عليها. القضاء الدولي من جانبه أكد على هذه الحقيقية في عدة قرارات صادرة عن محكمة العدل الدولية. فقد أكدت المحكمة في الفتوى الصادرة في 28 أيار 1951 في القضية المعروفة باسم “تحفظات بشأن اتفاقية مكافحة جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها” بأن “المبادئ التي تقوم عليها الاتفاقية تعترف بها الأمم المتحضرة على اعتبار أنها ملزمة للدول حتى بدون أي التزام بموجب الاتفاقية…”. أما في الحكم الصادر في 5 شباط 1970 في القضية المتعلقة ” بشركة برشلونة للجر والإنارة والطاقة المحدودة (المرحلة الثانية)، قامت المحكمة بالتمييز بين نوعين من الواجبات على عاتق الدول: التزامات الدول في مواجهة المجتمع الدولي بأسره والتزامات تنشأ في مواجهة دول أخرى. وفي هذا الشأن أكدت المحكمة أن طبيعة النوع الأول من الالتزامات تتعلق بكل الدول نظراً لأهمية الحقوق ذات العلاقة، فجميع الدول لها مصلحة بأن يتم احترام تلك الحقوق وهذا ما يسمى بالالتزامات في مواجهة كل الدول أو ما يسمى باللغة الأجنبية “Obligations Erga Omnes” لذلك فتعتبر جريمة الإبادة الجماعية من الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية جمعاء.من هنا فإن أي نقص في القواعد الخاصة بجريمة الإبادة الجماعية يتوجب إكمالها من خلال القواعد العامة الواردة في الاتفاقيات الدولية الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان. هذه الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان تعتبر من أهم القواعد التي تستطيع أن تضع حد للاعتداءات الواقعة على العناصر الرئيسية للإبادة الثقافية فيما لو تم احترامها حرفياً. لذلك من الضروري أن ندرس أثر الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على منع الإبادة الثقافية ( الفرع الأول)، ثم نبحث في العلاقة بين الإبادة الثقافية والتراث المشترك للإنسانية (الفرع الثاني). هذه الدراسة ينتج عنها نتيجة مفادها أن كثير من الدول اليوم تعامل الأقليات العرقية أو الدينية معاملة فيها من التناقض ما يكفي للقول بأن هناك نوع من التحريض الضمني على ارتكاب إبادة ثقافية تجاه بعض الجماعات (الفرع الثالث).

الفرع الأول: احترام حقوق الإنسان يقتضي الاعتراف بوجود جريمة الإبادة الثقافة وتجريمها:

يعتبر عامي 1965 و 1966 من أهم الأعوام الدولية المتعلقة بوضع حقيقة المساواة بين الشعوب، بغض النظر عن اختلافها دينياً أو لغوياً أو حضارياً، موضع التطبيق من خلال رفض جميع أشكال التمييز العنصري.فالمادة الرابعة من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري[79] لعام 1965 تشجب جميع الدعايات والتنظيمات القائمة على الأفكار أو النظريات القائلة بتفوق أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل اثني واحد، أو التي تحاول تبرير أو تعزيز أي شكل من أشكال الكراهية العنصرية والتمييز العنصري، وتتعهد الدول الأعضاء بهذه الاتفاقية باتخاذ التدابير الفورية الإيجابية الرامية إلى القضاء على كل تحريض على هذا التمييز وكل عمل من أعماله، وتتعهد خاصة، تحقيقا لهذه الغاية ومع المراعاة الحقه للمبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتبار كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل تحريض على التمييز العنصري وكل عمل من أعمال العنف أو تحريض على هذه الأعمال يرتكب ضد أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل أثني آخر، وكذلك كل مساعدة للنشاطات العنصرية، بما في ذلك تمويلها، جريمة يعاقب عليها القانون. في حين تحظر المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966[80]أية دعاية للحرب وتحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تحرض على التمييز أو العداوة أو العنف بين أبناء الشعب الواحد. فهذه المواد تعتبر من أهم المواد التي تهدف إلى المحافظة على حقوق الأقليات من كل أشكال الاعتداءات التي يمكن أن تقع على أفرادهم بما فيها الاعتداءات الواقعة على ثقافتهم. لذلك فإننا نرى أن الاعتداءات على ثقافة الأقليات يشكل انتهاكا لمبدأ المساواة بين الشعوب (أولاً)، كما أن حرمان جماعات معينة الحق في التعبير عن مكونات ثقافتها يعتبر تمييز عنصري (ثانياُ).

أولاً: الاعتداءات على ثقافة الأقليات تشكل انتهاكا لمبدأ مساواة الشعوب:

إن مبدأي المساواة وعدم التمييز بين الشعوب يعتبران من أهم المبادئ المنصوص عليها في القانون الدولي. فقد وردت هذه المبادئ في ترسانة قانونية من الاتفاقيات والمعاهدات. أولى هذه الاتفاقيات هو ميثاق الأمم المتحدة الذي تم تبنيه عام 1945 والذي يؤكد في مادة الأولى الفقرة الثالثة والمادة 55 فقرة ج على تعزيز احترامحقوقالإنسانوالحرياتالأساسيةللناسجميعاوالتشجيععلىذلكبلاتمييز بسبب الجنس أو اللغة أوالدين. أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 فقد أكد على مبدأ المساواة حيث نصت المادة الثانية على أنلكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين، ثم أكد في المادة السابعة منه أن كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تميز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا.

العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من جانبه أكد في المادة الثانية على تعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين. أما المادة 27 فتعتبر من أهم النصوص الدولية التي تعمل على منع الإبادة الثقافية فيما لو تم احترامها حرفياً. فهي تشير بما لا يدع مجال للشك على أنه لا يجوز، في الدول التي توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية، أن يحرم الأشخاص المنتسبون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائره أو استخدام لغتهم، بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم. والسؤال هو كيف يمكن للأقليات اللغوية أو الدينية أن تحمي ثقافتها أذا كان يمنع عليها استخدام لغتها الخاصة أو بناء مدارسها الخاصة أو طباعة الكتب الخاصة بتلك اللغة أو بناء دور العبادة لممارسة ما تؤمن به من روحانيات. أليس عدم توفير الدعم المادي والمعنوي يشكل تهديد لتلك الجماعات وبالتالي قد يبني أسوار من الكراهية بين أبناء الشعب الواحد ويعتبر بالتالي بداية التحرك نحو إبادة تلك الجماعة؟

ثانياً: حرمان جماعات معينة الحق في التعبير عن مكونات ثقافتها يعتبر تمييز عنصري:

الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وضعت تعريفاً للتمييز العنصري، تُجمع عليه جميع الدول، على النحو التالي: “أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة”. وفي هذا الشأن أطرح الأسئلة التالية”. أليس تقديم الدعم المادي لثقافة جماعة ما دون جماعة أخرى داخل الدولة الواحدة يعتبر تمييز عنصري؟ أليس الاعتراف بأن الدولة لها لغة واحدة فقط كلغة رسمية في حين توجد لغات أخرى داخل الدولة يتكلمها فئات معينة من الشعب تمييز عنصري؟ أليس حرمان مجموعات معينة من ممارسة شعائرها الدينية تمييز عنصري؟ أليس منع جماعات لغوية معينة من تدريس أبنائهم لغة آبائهم وأجدادهم تمييز عنصري؟ أليس رفض السماح لتك الجماعات ببناء مراكز خاصة بهم للقيام بممارسة نشاطات معينة مرتبطة بثقافاتهم تمييز عنصري خاصة إذا كان يسمح لجماعات أخرى داخل نفس الدول القيام بذلك؟ وبناءاً على ما سبق فإننا نؤمن بالحقيقة التالية وهي أن الدولة لا يجوز لها أن تفضل ثقافة جماعة على ثقافة جماعة أخرى، أو بمعنى أدق لا يجوز لها أن تقدم الدعم، بكل أشكاله سواء المادي أو المعنوي، لثقافة داخل الدولة الواحدة دون الثقافات الأخرى لان ذلك من وجهة نظرنا يشكل خروجاً على مبدأ المساواة بين أبناء الشعب الواحد كما يعتبر ذلك تمييز وتفضيل ثقافة على ثقافة أخرى. ان المعاملة التفضيلية لثقافة معينة دون ثقافة أخرى يعتبر تحريض على رفض الآخر وهذا بدوره يشجع على الكراهية وقد يؤدي إلى اتخاذ خطوات لاحقة قد تؤدي الى إبادة الآخر المختلف في الثقافة.وبما أن الدين يعتبر جزء لا يتجزأ من الثقافة لا بل المكون الرئيسي لها فإن احترام الحرية الدينية بكل أشكالها ومكوناتها يعتبر جوهر الحرية الدينية وأية اعتداء عليها يعتبر جريمة دولية يجب وضع حد لها، لذلك جاء إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أنواع وأشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد لعام 1981ليؤكد القضاء على مثل هذا التعصب بكل أشكاله ومظاهره، ومنع ومكافحة التمييز على أساس الدين أو المعتقد حسب منطوق المادة السادسة منه[81].

باعتقادي أن أية إجراءات من قِبل الدول لحرمان أو عرقلة جماعات دينية داخل الدولة من الحقوق الواردة في المادة السادسة السابقة يمكن أن يعتبر مؤشر قوي على الاضطهاد التي يمكن أن تعانيه جماعة ما ويمكن بالتالي اعتباره إحدى الخطوات العملية لإبادة تلك الجماعة ثقافياً. قد لا تشكل الخطوات السابقة في حد ذاتها إبادة ثقافية لكنها يمكن الاعتماد عليها كدليل على توافر نية جرمية، وكما أشرنا سابقاً معتمدين على قرارات المحاكم الدولية أن النية الجرمية يمكن إثباتها بجميع الطرق.

الفرع الثاني: الإبادة الثقافية تعتبر التحدي الأكبر لمفهوم التراث المشترك للإنسانية:

لا بد أن نعترف أن حماية ثقافة الأقليات يعتبر من أهم الخطوات الرئيسية لحماية الشعب نفسه. إن العلاقة بين الثقافة وبين الشعب نفسه ركنان لا ينفصلان. فلا شعب بدون ثقافة ولا ثقافة بدون شعب. كما ان أي اعتداء على ثقافة شعب ما يشكل اعتداءا على الشعب نفسه.فلكل ثقافة قيمة ومكانة ينبغي احترامها، والحفاظ عليها وتطويرها، كما أن كل الحضارات بتنوعها وتباينها، وبالتأثير المتبادل الذي يمارسه بعضها على البعض الآخر، تشكل جزءاً من تراث الإنسانية المشترك. لذلك ظهرت حقيقة لا مجال للنزاع فيها ألا وهي أن التنوع الثقافي هو جزء لا يتجزأ من كينونة الدول الأعضاء في المجتمع الدولي.

ان الأحكام المتعلقة بالتنوع الثقافي وممارسة الحقوق الثقافية الواردة في الوثائق الدولية تكاد تكون متعددة من حيث المكان أو الزمان أو المحتوى ونذكر من بينها اتفاق فلورنسا لسنة 1950، وبروتوكول نيروبي الخاص به لسنة 1976، والاتفاقية العالمية لحقوق المؤلف لسنة 1952، وإعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي لسنة 1966، والاتفاقية الخاصة بالتدابير الواجب اتخاذها لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة لسنة 1970، والاتفاقية الخاصة بصون التراث العالمي الثقافي والطبيعي لسنة 1972، والتوصية الخاصة بأوضاع الفنان لسنة 1980، والتوصية الخاصة بصون الثقافة التقليدية والشعبية لسنة 1989. هذه الاتفاقيات السابقة توجت بجهد دولي أدى إلى توقيع اتفاقية دولية لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي لعام 2005. لقد أقرّ المؤتمر العام لليونسكو المنعقد في باريس في عام 2005 (148 صوتاً، مقابل صوتين ضد، وأربعة أصوات ممتنعة) الاتفاقية الدولية بشان حماية تنوع جميع أشكال التعبير الثقافي وتشجيعه والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2007 بعد تصديق الدولة الثلاثين عليها، وتشكل الاتفاقية أهم وثيقة قانونية دولية بخصوص حماية التعددية الثقافية.

كما هو واضح من عدد الدول المؤيدة أن غالبية الدول تجتمع حول الأفكار الواردة في الإتفاقية. ان هذه الاتفاقية تعزز الفكرة الواردة في الإعلان العالمي لليونسكو بشان التنوع الثقافي، المعتمد بالإجماع في عام 2001، بأن التنوع الثقافي يجب أن يُعتبر”تراث مشترك للإنسانية” وان “حمايته يجب ان تشكّل واجباً أخلاقياً لا يمكن فصله عن احترام كرامة الإنسان”. مما لا شك فيه أن التنوع الثقافي هو سمة مميزة للبشرية. قد لا تكون هذه الاتفاقية قد أشارت بشكل مباشر إلى مفهوم الإبادة الثقافية لكن غالبية المواد تتطرق إلى الإبادة الثقافية بشكل غير مباشر، فالعلاقة وثيقة جداً بين نصوص الاتفاقية وبين الإبادة الثقافية. تقوم الاتفاقية على مجموعة من الأهداف اذكر منها حماية وتعزيز أشكال التعبير الثقافي. ويقصد بالحماية حسب الاتفاقية إلى اعتماد تدابير ترمي إلى حفظ تنوع أشكال التعبير الثقافي وصونه والارتقاء به. كما أن تهيئة الظروف التي تكفل ازدهار الثقافات وتفاعلها مع بعضها البعض وتشجيع الحوار بين الثقافات من أجل مد الجسور بين الشعوب يعتبران ضروريان لحماية التنوع الثقافي. لقد ربطت الاتفاقية بين التنوع الثقافي واحترام حقوق الإنسان، فالإعمال الكامل لحقوق الإنسان لا يمكن تحقيقه دون احترام التنوع الثقافي. ومن أهم الأفكار التي أكدتها هذه الاتفاقية على تساوي جميع الثقافات في الكرامة والاحترام بما فيها ثقافة الأشخاص المنتمين إلى الأقليات وثقافات الشعوب الأصلية. كما انه لا يمكن الارتقاء بالثقافة دون أن يكون للجميع الحق بالتعبير عن ثقافته من خلال وسائل النشر المسموحة. أن السماح لطائفة ما بالتعبير عن ثقافتها من خلال وسائل الأعلام المسموعة أو المرئية دون طائفة أخرى يعتبر بطريقة غير مباشرة رفض للآخر وتحريض على عدم قبول الثقافات الأخرى داخل الدولة. أن القانون الدولي يؤكد على مبدأ تساوي جميع الثقافات سواء في الكرامة أو الاحترام. فأي احترام هذا الذي نقدمه لأقلية ثقافية ما داخل الدولة إذا ما رفضنا تقديم الدعم المادي لها أو منعناها من التعبير عن ثقافتها بالطرق السلمية أو حاربنا وجودها من خلال منعها من إصدار المنشورات الخاصة بها أو عدم السماح لها باستخدام لغتها الخاصة. فإذا كان القانون الدولي بما فيه ميثاق الأمم المتحدة قد أعطى الدول الحق في أن تكون صاحبة سيادة في صياغة وتنفيذ سياساتها الثقافية إلا أن هذا الحق ليس مطلقاً لان تطبيق هذه السياسات لا يجوز أن يكون متعارضاً مع أحكام الاتفاقية. فلا يجوز منع أقلية ثقافية من حق ممارسة جميع المظاهر التي تتعلق بتلك الثقافة طالما تتماشى مع النظام العام في الدولة ولا يجوز كذلك ان يكون هناك معاملة تفضيلية لثقافة على حساب ثقافة أخرى. ان حماية جميع أشكال التعددية الثقافية يقتضي من وجهة نظرنا معاملتها على قدم المساواة مع التعددية العرقية وبالتالي يجب اعتبار أن أي اعتداء على ثقافة جماعة ما، سواء كان الاعتداء على واقع على اللغة أو المؤسسات الثقافية أو الدينية، مؤشر خطير جداً ويجب ان تتعامل معه الدولة بكل جدية وان يتم اعتباره جريمة إبادة ثقافية.

على أساس ما ذكر حتى الآن فيما يتعلق بأهداف الاتفاقية أستطيع أن أقول أن هذه الاتفاقية وان كانت لا تشير إلى حظر الإبادة الثقافية إلا أن كثير من بنودها تلعب دوراً مهماً في منع تلك الإبادة. هذه الاتفاقية تنشأ التزامات قانونية على عاتق الدول التي صدقت عليها، لان التصديق يجعل من بنود الاتفاقية جزءاً من النظام القانوني للدولة ويجعلها ملتزمة بتنفيذ بنودها، من حيث حماية جميع الثقافات داخل الدولة ومعاملتها على قدم المساواة لتحقيق التوازن بينها.

لقد أشرنا سابقاً إلى إعلان الأمم المتحدة حول حقوق الشعوب الأصلية لعام 2007، واشرنا إلى أنه تم استبدال صريح لعبارة الإبادة الثقافية بعبارة الاستيعاب القسري. وهنا وعلى الرغم من هذا الاستبدال فيتوجب ملاحظة أمر هام فالموضوع بحاجة إلى تحليل أعمق. لكن قبل التحليل يتوجب الإشارة إلى أن هذا الاستبدال الصريح للعبارات أو بمعنى أدق أسلوب تغيير ألوان الكلمات تم إتباعه من قِبل رئيس وزراء أستراليا “كيفين رود“عندما قدم الاعتذار التاريخي للسكان الأصليين عن سياسات “الاستيعاب” السابقة، التي انتزع بمقتضاها أطفال للسكان الأصليين من عائلاتهم لتنشئتهم وسط أسر للبيض. علماً بأن تقرير لجنة التحقيق الوطنية التي تم إنشائها لغايات الموضع السابق في عام 1997 وصفت في تقريرها أن ما تعرض له أطفال السكان الأصليين هو “عنصرية منظمة وإبادة ثقافية”[82].

عند قراءة بنود إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، الذي اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61/295، المؤرخ في 13 أيلول/سبتمبر 2007[83]، نجد انه أكد على جذر جميع المشاكل الدولية ألا وهو عدم الاعتراف بالآخر. فهو يشدد على حق جميع الشعوب في أن تكون مختلفة وفي أن تعتبر نفسها مختلفة وفي أن تحترم بصفتها هذه. هذا الإعلان يشكل بتصوري أهم وأعظم منجزات الحضارة القانونية ليس فقط لأنه يعترف بحقوق السكان الأصليين وإنما لأنه يؤكد على أهمية التنوع الثقافي في إثراء الحضارات والثقافات التي تشكل تراث الإنسانية المشترك. لقد وردت كلمة “ثقافة” بمشتقاتها 30 مرة في هذا الإعلان وهذا يدل على أهميتها بنظر المجتمع الدولي باعتبارها أهم الركائز التي يتوجب على الدول المحافظة عليها. فبعد ان أكد الإعلان في البند الخامس منه على حق الشعوب الأصلية في الحفاظ على مؤسساتها السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتميزة وتعزيزها، جاء في المادة السابعة ليؤكد على الحق الجماعي للشعوب الأصلية في ان تعيش في حرية وسلام وأمن بوصفها شعوبا متميزة وألا تتعرض لأي عمل من أعمال الإبادة الجماعية أو أي عمل آخر من أعمال العنف، بما فيها النقل القسري لأطفال المجموعة إلى مجموعة أخرى.

الفرع الثالث: انتهاك حقوق الإنسان الثقافية يشكل تحريضا ضمنيا لارتكاب الإبادة الثقافية:

يقول الكاتب “Marcel Goncalves” أنه”إذا كانت ثقافة ما لا تستوعب ثقافة أخرى فنحن لا ندمر فقد العناصر الثقافية لتلك الثقافة أو حتى النظام الثقافي لها وإنما أبعد من ذلك فنحن نقضي على روح ذلك الشعب ونمارس إبادة ثقافية”[84]. أسوق هذه المقدمة وأطرح التساؤلات التالية:هل يعتبر التمييز بين أبناء الشعب الواحد في المعاملة اتجاه الأقليات العرقية والدينية نوعا من التحريض على الإبادة الثقافية لتلك الجماعة. هل عدم السماح لبعض الأقليات اللغوية بتدريس لغتها الأم لأبنائها بمثابة تحريض لارتكاب تلك الجريمة. الأسئلة كثيرة في هذا الخصوص، لكننا نكتفي بما طرحناه من أسئلة خلال هذا البحث. قد تبدو تلك الأسئلة غريبة من قبل البعض لكنني أرى أن الموضوع يحتاج إلى تأمل أعمق

فيما يتعلق بجريمة الإبادة الجماعية، تنص المادة 27 فقرة 3 (هـ) من نظام روما الأساسي لعام 1998 على أنه يسأل الشخص جنائياً ويكون عرضة للعقاب في حالة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. هذه المساءلة وردت أيضاً في النظام الأساسي لمحكمة رواندا حيث جاء في المادة 2 فقرة 3 (C) أن التحريض المباشر والعلني يعتبر جريمة بحد ذاتها ويستحق فاعلها العقاب. وهذا ما جاء كذلك في المادة 4 فقرة 3 (C) من النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا السابقة. إن مدرسة القانون المدني أو التي تسمى فقهياً بالمدرسة (الروماني-الجرماني) تعتبر أن التحريض كما لو كان فعل التواطؤ، لكن القانون الأنجلو-ساكسوني أو ما يسمى Common law يعتبر أن التحريض بمثابة جريمة قائمة بذاتها ومن هنا يظهر مدى تأثير المدرسة الأنجلو-ساكسونية على المحاكم الجنائية الدولية.

لكن ماذا يعني التحريض المباشر والعلني وما علاقته بمفهوم الإبادة الثقافية حسب هذه الدراسة. مواقف المحاكم الدولية تجاه هذا السؤال يسمح لنا بالإجابة على كثير من الأسئلة التي تدور في ذهننا بهذا الخصوص. الدائرة الابتدائية الأولى للمحكمة الدولية لرواندا في قضية أكايسو عرفت التحريض بأنه التحفيز المباشرة للجاني أو الجناة على ارتكاب الإبادة الجماعية، سواء من خلال الخطب، أو الصياح أو التهديدات التي ينطق بها في الأماكن العامة أو اجتماعات، إما عن طريق الكتابات والمواد المطبوعة التي تباع أو توزع في الأماكن العامة أو الاجتماعات العامة أو من خلال اللافتات أو الملصقات أو بأي وسيلة أخرى للاتصال السمعي البصري[85]. إن العنصر المباشر للتحريض يعني أن التحفيز يجب أن يأخذ شكل مباشر ويحث الغير لارتكاب عمل إجرامي اتجاه الغير، في حين أن مجرد اقتراح غامض وغير مباشر غير كاف ليشكل تحريض مباشر[86]. بالمقابل فإن قضاة محكمة رواندا يذكّرون بأن التحريض قد يكون مباشرا ولكن قد يكون ضمنيا[87]. ومع ذلك، فإنهم يرون أنه من المناسب لتقييم التحريض المباشرأن يكون على ضوء المعطيات الثقافية واللغوية[88].

أريد أن أنبه على خطورة التعامل التي قد تقوم به بعض الحكومات في مواجهة بعض الأقليات العرقية أو اللغوية أو الدينية والمتعلقة جميعها بالثقافة. قد لا تؤدي هذه السياسات إلى نتيجة مباشرة لارتكاب إبادة ثقافية. إن التحريض المباشر والعلني لا يعني بالضرورة حدوث اعتداءات مباشرة ضد بعض تلك الأقليات، فالتصرف بحد ذاته يعتبر من وجهة نظرنا مخالف للقانون الجنائي الدولي[89].القضاء الدولي يؤكد بوضوح هذه الحقيقة[90]، فالنتيجة الجرمية ليست ضرورية لاعتبار الفعل مجرماً.[91]

خـاتمـة

إن التمييز العنصري وعدم المساواة يعتبران من أهم المشاكل التي تواجه المجتمعات كما أنهما يعتبران من أهم التحديات التي تواجه حقوق الإنسان. لقد كانت العبودية المنتشرة في الولايات المتحدة ومجازر الهولوكوست في أوروبا والتمييز العنصري في جنوب إفريقيا وجرائم الإبادة الجماعية في رواندا من أكثر الأمثلة الحية على هذه الحقيقة. الكل يعلم ما مدى الآثار الكارثية للتمييز العنصري على البشرية لذلك فقد تبنى المجتمع الدولي الكثير من الترسانات القانونية الضرورية لوقف هذا التحدي الكبير منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان. لكن لا بد من الاعتراف بأن التحدي الحالي كبير جداً والوسائل القانونية الحالية قد لا تكون كافية لمواجهة هذا التحدي. نحن بحاجة إلى أجهزة رصد لمواجهة الجرائم الدولية وعلى رأسها جريمة الإبادة الجماعية. إن اتفاقية 1948 لها هدف ثنائي واضح قائم على المنع والقمع. قد يكون الهدف القائم على القمع هو الهدف الأكثر وضوحاً لكن واجب القمع يجب أن يعطى له أهمية عظمى بحيث يتم استباق تلك الجرائم قبل وقوعها. ويمكن اعتبار الاعتداءات التي تقع على الثقافة بمدلولها الواسع من أهم المؤشرات التي يمكن من خلالها استباق تلك الجرائم. نحن نؤمن انه، في ظل عدم وجود نص قانوني واضح متعلق بالإبادة الثقافية، يجب أن يتحرك المجتمع الدولي سريعاً لإقرار نص يجرم الإبادة الثقافية بحيث تشمل تلك الجريمة ما يلي:

النقل الجبري للأطفال من جماعة إلى جماعة أخرى: إن عملية فصل الأطفال عنوة عن والديهم يؤدي بالنتيجة أن نفرض على الأطفال ثقافة أخرى تختلف عن ثقافة آبائهم وهذا بدوره ينزع الأطفال من جزورهم،
الاعتداءات المتكررة على رجال الدين ورجال التعليم من أساتذة ومفكرين وغيرهم، كما أن الاعتداءات على المراكز الثقافية والدينية لجماعات معينة يشكل تهديد صريح للعناصر الرئيسية لتلك الجماعة. فالحياة الثقافية للجماعة تحتاج تلك العناصر من أجل المحافظة على استقرارها واستمرار ديمومتها،
إن منع تدريس لغة جماعة معينة في المدارس يعتبر من أكثر الصور التي تشكل إبادة ثقافية، كما أن منع أفراد تلك الجماعة من التكلم بلغتهم الخاصة يعتبر من أهم المؤشرات التي قد تؤدي الى إبادة ضد تلك الجماعة،
التدمير المتعمد للمطبوعات اللغوية لجماعة معينة بما فيها التاريخية أو الدينية أو الفنية يعمل بكل تأكيد على القضاء على كل ما يمكن أن يحافظ على ديمومة تلك الجماعة.
إذا كانت الإبادة الجماعية بمفهومها البدني والبيولوجي تعتبر من أبشع الجرائم التي عرفتها البشرية، فإن الإبادة الثقافية يجب أن تعتبر كذلك. إذا كانت الإبادة الجماعية تعتبر جريمة الجرائم crime of crimes فلا بد من توسيع مفهوم التعريف الإبادة الوارد في اتفاقية 1948 ليشمل أيضاً الإبادة الثقافية[92]. هذه الاتفاقية لم تعترف بالإبادة الثقافية كفعل جرمي يندرج في إطارها، لكن الاعتداءات الموجهة مباشرة ضد المؤسسات الثقافية والدينية والمرتبطة بالقتل قد تعكس وجود نية لارتكاب جريمة إبادة وليس مجرد جريمة عادية موجة ضد بعض المؤسسات الثقافية. فكلما كان عدد المؤسسات الثقافية والدينية المعتدى عليها أكبر كلما برزت نية أوضح لارتكاب جريمة إبادة، وكلما كانت سياسة الدولة تجاه الأقليات تمتاز بالتمييز الثقافي كلما كان هناك تحريض مستقبلي على حدوث اضطرابات قد تؤدي الى إبادة تلك الجماعة. إن هذا الاستبعاد أدى من وجهة نظرنا الى نتائج قانونية غير موفقة.لذلك لا بد من تطوير قواعد القانون الدولي المتعلقة بالإبادة الثقافية، لكن هذا التطوير يحتاج أن يغير المجتمع الدولي بنظرته تجاه هذا النوع من الجرائم، فالقانون كما يقول أرسطو هو ترجمة لحالة المجتمع[93].

إن مواجهة الإبادة الثقافية يساعد بل تأكيد على وقف الإبادة البدنية والبيولوجية للجنس البشري المنصوص عليها في اتفاقية 1948. لا نستطيع ان ننكر ان تدمير جماعة معينة قد يحصل من خلال التدمير البدني أو البيولوجي ولكن أيضاً من خلال تدمير المؤسسات التعليمية والثقافية الذي يشكل تدميرها الخطوة الأولى لتدمير تلك الجماعة. لهذا السبب لا بد للقانون الدولي أن يتطور بسرعة من أجل مواجهة هذا الفراغ التشريعي المقصود. الأمين العام للأمم المتحدة دعا المجتمع الدولي في عام 2006 إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات الوقائية لا سيما من خلال التحذير من آية وضعيات قد تؤدي إلى ارتكاب إبادة لجماعة بشرية معينة بالقول: “(…) أن قدرة المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات وقائية لا بد من تعزيزها كذلك لا بد من تعزيز قدرتها على اتخاذ إجراءات سريعة لازمة للتعامل مع الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي يمكن أن تتحول إلى إبادة جماعية. ” لهذا السبب ومن أجل منع أية إبادة إنسانية في المستقبل لا بد من أن نعتبر أن أية اعتداءات متعمدة على ثقافة جماعة ما بمثابة مؤشر خطير نحو ارتكاب إبادة إنسانية. إن المجموعة البشرية التي تنتمي لعرق معين أو قومية معينة أو دين معين لا يمكن المحافظة على وجودها دون ترابطها المعنوي والروحي، لذلك فإن الدول يتوجب عليها التحرك سريعاً نحو إقرار سريع لمفهوم الإبادة الثقافية واعتبارها جزء لا يتجزأ من منظومة القانون الدولي. أن الإنسانية ليست بحاجه إلى اتفاقية عرجاء، فما الفائدة من اتفاقية تعاقب ولا تتخذ ما يكفي للوقاية من وقوع تلك الجرائم. تجريم الاعتداءات الواقعة على الثقافة أصبح اليوم ضرورة ملحة بحاجة إلى تدخل سريع.

المراجع الأجنبية

Adam Jones, Genocide: A Comprehensive Introduction, Routledge, London, 2011
Alexander Laban Hinton, Genocide: An Anthropological Reader, Blackwell, USA, 2002, p. 31
Ana Filipa Vrdoljak, International Law, Museums and the Return of Cultural Objects, Cambridge, London, 2006, p. 295
André Klip and Göran Sluiter, Annotated Leading Cases of International Criminal Tribunals, II, International Criminal Tribunal for the former Yugoslavia 2005, p. 732.
Anna-maria Lukacs, Les Droits de L’Homme dans l’Ombre de la Diplomatie Internationale, Institut des Droits de l’Homme Lyon – Master 2 Théorie et pratiques des Droits de l’Homme, 2007-2008, p.32
Anne-Marie de Brouwer, Sandra Ka Hon Chu, Samer Muscati, Stephen Lewis, The Men Who Killed Me: Rwandan Survivors of Sexual Violence, Douglas and Mclntyre, Vancouver, 2009, p. 165;
Anne-Marie de Brouwer, Supernational Criminal Prosecution of Sexual Violence: The ICC and the practice of ICTY and ICTR, Intersentia, Antwerp/Oxford, 2005, p. 41;
Anne-Marie La Rosa, Dictionnaire de droit international pénal, termes choisis, PUF, Paris, 1998, p.47
David Nersessian, “Rethinking Cultural Genocide Under International Law”, Human Rights Dialogue: “Cultural Rights”, Spring 2005,
Deborah Cowen and Emily Gilbert, War, Citizenship, territory, Routledge, London, 2008, p. 25
Gaetano Pentassuglia, Minorités en Droit International, Conseil de l’Europe, Allemagne, 2004, pp.83-85.
Hirad Abtahi and Philippa Webb, The Genocide Convention: The Travaux Préparatoires, Martinus, Netherland, 2008;
Jean-Francois Flauss, “Competence civil Universelle et Droit International General”, in Christian Tomuschat,Jean-Marc Thouvenin (ed.), The Fundamental of International Legal Order, Jus Cogens and Obligations Erga Omnes, 2006, p. 407
Jean-Michel Chaumont, La Concurrence des Victimes : Génocide, Identité et Reconnaissance, La Découverte, Paris, 2002, p. 208.
Jean-Michel Chaumont, La Concurrence des Victimes : Génocide, Identité et Reconnaissance, La Découverte, Paris, 2002, p. 208. ; Yosef Ben-Jochannan, Cultural Genocide in the Black and African Studies Curriculum, Black Classic Press, Baltimore, 2004;
Joe Verhoeven, “Le Crime de Génocide : Originalité et Ambiguïté”,Revue Belge de Droit International, 1991, p. 6
Jonathan Watts, “Tibetans Fear Cultural Genocide’ Will Follow Chinese Railway“,Guardian, 1 July 2006.
Larry May, Genocide: A Normative Account, Cambridge, 2010, p. 104
Machteld Boot, Nullum Crimen Sine Lege and the Subject Matter Jurisdiction of the International Criminal Court: Genocide, Crimes against Humanity, War Crimes, Intersentia, Antwerp/Oxford, 2002, p. 439;
Marcel Goncalves, “Angola, Métissage culturel”, Spiritus, 93, 1983, p. 387
Mireille Delmas-Marty, CriminalitéEconomique et Atteintes à la dignité de la Personne, Fondation Maison des Sciences et de l’homme, Paris, 2001, p. 238.
Nicolas Tournadre, “Le bilinguisme tibétain-chinois : Situation et Enjeux”, Perspective Chinoises, n°74, Novembre-Décembre 2002, pp.31-38 ;
Oxford: paperback Dictionary, Third Edition 1988, p. 219; Merriam Webster’s Collegiate Dictionary, tenth Edition 1993, p. 314.
Paul Isaac, “The Assault on Assyrian Christians”, International Herald Tribune, 8May 2007.
Raphael Lemkin, “Genocide as a Crime under International Law”American Journal of International Law, Vol. 41, No. 1, 1947.
Raphael Lemkin, “Genocide”, American Scholar, Volume 15, no. 2, April 1946;
Raphael Lemkin, “Genocide: Modern Crime”, Free World, Vol. 4, April 1945;
Raphael Lemkin, Axis Rule in Occupied Europe: Analysis, Proposals for Redress, Carnegie Endowment for International Peace, Washington, 1944, P. 79-95.
René Jean Dupuy,Dialectiques du droit internationalsouveraineté des etats,communauté internationale et droits de l’humanité,Pedone, Paris, 1999, pp. 243-246
Robert Jaulin, La Paix Blanch, Introduction a l’ethnocide, Seuil, Paris, 1970; Anne-Marie La Rosa et Santiago Villalpando: “Nouveau regard sur la définition de la Convention sur le genocide”, in K. Boustany et D. Dormoy (ed.), Génocide(s), Bruylant, Bruxelles, 1999, p. 79;
Roger Merleand André Vitu, Traité de Droit Criminel, Tome I, Cujas, Paris, 1997, pp. 514-517.
Roger Normand, Sarah Zaidi, Human Rights at the UN: The Political History of Universal Justice, Indiana University Press,Bloomington, 2008, p. 252
Samantha Power, “How to stop genocide in Iraq”, Los Angeles Times, 5 March 2007; Massimo Calabresi, “Is Iraq Headed for Genocide?”, Los Angeles Times, 29 November 2006.
Sienho Yee and Jacques-Yvan Morin, Multiculturalism and International Law, Essays in Honour of Edward McWhinney, Martinus Nijhoff Publishers, Netherlands, 2009, p. 182
Spanish Yearbook of International Law, Volume IV, 1995-1996, p. 24 ;
Willam Schabas, “Developments in the Law of Genocide”, in Fischer, Avril McDonald (ed.), Year Book of International Humanitarian Law, Vol. 5, Asser press, The Hague, 2002, p. 152
William A. Schabas, Genocide in International Law 185 (2000);
William Schabas, “Les droits des minorités: Une déclaration inachevée”, in Déclaration Universelle des Droits de l’Homme 1948-98, Avenir d’un Idéal Commun, La Documentation Française, Paris, 1999, pp. 223-242
Yearbook of the International Law Commission1996, Vol. II, Part Two, pp. 45-46, para. 12.)
قرارات المحكمة الخاصة لمحاكمة مجرمي الحرب الرواندية ICTR

ICTR The Prosecutor v. Eliezer Niyitegeka, Case No. ICTR-1996-. 14-A, Judgment, 16 may 2003, para. 431.
ICTR, The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998, para.728 ;
ICTR, The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998.
ICTR, The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998, para. 559;
ICTR, The Prosecutor v. Ferdinand Nahimana, Jean-Bosco Barayagwiza and Hassan Ngeze. Case No. ICTR-99-52-T. Judgement and Sentence. 3 December 2003, para.1017
ICTR, The Prosecutor v. George Rutaganda, Case No. ICTR -96-3, 6 December 1999, para. 51
ICTR, The Prosecutor v. Kayishema & Ruzindana, Case No. ICTR-95-1-T, Judgment, 21 May 1999, para. 538;
ICTR, The Prosecutor v. Kayishema & Ruzindana, Case No. ICTR-95-1-T, Judgment, 21 May 1999, para. 108;
ICTR, The Prosecutor v. Musema, Case No. ICTR-96-13-A, Judgment, 27 January 2000, para. 933.
ICTR, The Prosecutor v. Semanza, Case No. IC
TR-97-20-T, Judgment, 15 May 2003, para. 315 ;
ICTR,The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998;
ICTR,The Prosecutor v. Karemera (Karemera Amended Indictment), Case No. ICTR- 98-44-I, Amended Indictment, February 2005.
قرارات المحكمة الخاصة لمحاكمة مجرمي الحرب اليوغسلافية ICTY

ICTY, Case No. ICTY-IT-95-10-A, Judgment, 5 July 2001, para. 47 ;
ICTY, Case No. IT-95-8-T, Judgment on Defence Motions to Acquit, September 2001, para. 61 ;
ICTY, Case Nos. ICTY-IT-95-5-R61, IT-95-18-R61, Re-view of the Indictments Pursuant to Rule 61 of the Rules of Procedure and Evidence, 11 July 1996, para.94.
ICTY, Prosecutor v. Blaskic, Case No. ICTR-IT-95-14-T, 3 Mars 2000,para. 425.
ICTY, The Prosecutor v. Jelisic, Case No. ICTY- IT-95-10-A, Judgment, July 2001, para. 47;
ICTY, The Prosecutor v. Kajelijeli, Case No. ICTR-98-44A-T, Judgment, 1 December 2003, para. 808.
ICTY, The Prosecutor v. Karadzic & Mladic, Case Nos. IT-95-5-R61, IT-95-18-R61, Re-view of the Indictments Pursuant to Rule 61 of the Rules of Procedure and Evidence, 11 July 1996, para. 93;
ICTY, The Prosecutor v. Karadzic & Mladic, Case Nos.ICTY-IT-95-5-R61, IT-95-18-R61, Re-view of the Indictments Pursuant to Rule 61 of the Rules of Procedure and Evidence, 11 July 1996, para.94.
ICTY, The Prosecutor v. Krajisnik, Case No. ICTY-IT-00-39-T, Judgment, 27 December 2006, para: 854.
ICTY, TheProsecutor v. Krstić, Case No. ICTY-IT-98-33-A, 19 April 2004, para. 53, (partial dissenting opinion of Judge Shahabuddeen).
ICTY, The Prosecutor v. Krstic, Case No. ICTY-IT-98-33-T, Judgment, 2 August 2001, para. 580 ;
ICTY, The Prosecutor v. Sikirica,Dosen & Kolundzija, Case No. ICTY-IT-95-8-T, Judgment on Defence Motions to Acquit, 3 September 2001 ;
ICTY, The Prosecutor v. Zoran Kupreskic, Mirjan Kupreskic, Vlatko Kupreskic, Drago Josipovic, Dragan Papic andVladimir Santic, Case No. ICTY-IT-95-16-T, 14 January 2000, para. 615.
قرار محكمة العدل الدولية ICJ

ICJ, The Application of the Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide (Bosnia and Herzegovina v. Serbia and Montenegro), Judgment ICJ Reports 2007, para. 344.

قرارات محاكم وطنية

Beanal v. Freeport – MacMoran, 29 November 1999, CA 5th Cir;
District Court Judgment, Eichmann case, 36 ILR, 1968, para. 56.
Federal Constitution Court, 2BvR, 1290/99, 12 December 2000, para. 111-4-a.
Poland v. Artur Greiser, (1948) 13 LRTWC 70 (Supreme National Tribunal of Poland), pp. 112-114
Poland v. Goeth, (1946) 7 LRTWC 4 (Supreme National Tribunal of Poland).
The Eichmann Trail: Some legal Aspects”, Duke Law Journal,
United States v. Greifelt (RuSHA Trial), 5 Trials of War Criminals before the Nuremberg Military Tribunals, 1, 89 (1948). Note : RuSHA is a German acronym for Rasse und Siedlungshauptamt (Race and Resettlement Office)
قرارات الأمم المتحدة

A/RES/61/295, Soixante et unième session, Point 68 de l’ordre du jour, 2 octobre 2007, Déclaration des Nations Unies sur les droits des peuples autochtones
UN DOC. A/401/ 3.
UN DOC. A/623/ 3.
UN Doc. A/ 41/10 and UN Doc. A/362
UN DOC. A/ 6/SR.83;
UN Doc. E/447, p. 27
UN Doc. E/447, p. 27
UN Doc. E/447, p. 27;
UN Doc. E/623; UN DOC. E/ 25/SR.14, p. 10
UN DOC. E/ 25/7
UN DOC. E/ 25/SR. 5, p.3
UN DOC. E/ 25/SR. 5, p.7
UN DOC. E/ 25/SR.14, p. 9
Listen

Read phonetically

Dictionary – View detailed dictionary

[1] [email protected]

[2]أنظرالمؤتمرالعالمي بشان السياسات الثقافية،مكسيكو 1982،وكذلك اللجنة العالمية المعنية بالثقافة والتنمية لعام 1995 ،وكذلك المؤتمر الدولي الحكومي للسياسات الثقافية من أجل التنمية (ستوكهولم 1998). [3] محمد فهاد الشلالدة، القانون الدولي الإنساني، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2005، ص. 271 [4]قصة الصراع مع التراث والحضارة في عالم ضل الطريق،للدكتور: سعيد الشهابي،منشور على:
http://www.alqudsalarabi.info/index.asp?fname=data%5C2007%5C2007%5C03%5C03-02%5C27qpt4.htm

[5]http://www.unesco.org/culture/languages-atlas/en/atlasmap.html

[6]Samantha Power, “How to stop genocide in Iraq”, Los Angeles Times, 5 March 2007; Massimo Calabresi, “Is Iraq Headed for Genocide?”, Los Angeles Times, 29 November 2006.

[7]Anna-maria Lukacs, Les Droits de L’Homme dans l’Ombre de la Diplomatie Internationale, Institut des Droits de l’Homme Lyon – Master 2 Théorie et pratiques des Droits de l’Homme, 2007-2008, p.32

[8] JoeVerhoeven, “Le Crime de Génocide : Originalité et Ambiguïté“,Revue Belge de Droit International, 1991, p. 6

[9]Jean-Michel Chaumont, La Concurrence des Victimes : Génocide, Identité et Reconnaissance, La Découverte, Paris, 2002, p. 208.

[10] Raphael Lemkin, “Genocide: Modern Crime”, Free World, Vol. 4, April 1945; Raphael Lemkin, “Genocide”, American Scholar, Volume 15, no. 2, April 1946; Raphael Lemkin, “Genocide as a Crime under International Law”American Journal of International Law, Vol. 41, No. 1, 1947.

[11] Raphael Lemkin, Axis Rule in Occupied Europe: Analysis, Proposals for Redress, Carnegie Endowment for International Peace, Washington, 1944, P. 79-95.

[12] see order of August 6, 1940

[13]Alexander Laban Hinton, Genocide: An Anthropological Reader, Blackwell, USA, 2002, p. 31

[14] Reich Chamber of Culture”

[15]“For us it was a matter of special pride to destroy the Talmudic Academy which was known as the greatest in Poland. . . . We threw out of the building the great Talmudic library, and carted it to market. There we set fire to the books. The fire lasted for twenty hours. The Jews of Lublin were assembled around and cried bitterly. Their cries almost silenced us. Then we summoned the military band and the joyful shouts of the soldiers silenced the sound of the Jewishcries”. Ibid. p. 31

[16] Robert Jaulin, La Paix Blanch, Introduction a l’ethnocide, Seuil, Paris, 1970; Anne-Marie La Rosa et Santiago Villalpando: “Nouveau regard sur la définition de la Convention sur le genocide“, in K. Boustany et D. Dormoy (ed.), Génocide(s), Bruylant, Bruxelles, 1999, p. 79; Jean-Michel Chaumont, La Concurrence des Victimes : Génocide, Identité et Reconnaissance, La Découverte, Paris, 2002, p. 208. ; Yosef Ben-Jochannan, Cultural Genocide in the Black and African Studies Curriculum, Black Classic Press, Baltimore, 2004; Adam Jones, Genocide: A Comprehensive Introduction, Routledge, London, 2011

[17] أقرت وعرضت للتوقيع وللتصديق أو للانضمام بقرار الجمعية العامة 260 ألف (د-3) المؤرخ في 9 كانون الأول /ديسمبر 1948 أما تاريخ بدء النفاذ فهو 12 كانون الثاني / يناير 1951، طبقاً للمادة الثالثة عشرة

Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide,New York, 9 December 1948, United Nations, Treaty Series, vol. 78, p. 277.

[18]Anne-Marie de Brouwer, Sandra Ka Hon Chu, Samer Muscati, Stephen Lewis, The Men Who Killed Me: Rwandan Survivors of Sexual Violence, Douglas and Mclntyre, Vancouver, 2009, p. 165; Deborah Cowen and Emily Gilbert, War, Citizenship, territory, Routledge, London, 2008, p. 25

Machteld Boot, Nullum Crimen Sine Lege and the Subject Matter Jurisdiction of the International Criminal Court: Genocide, Crimes against Humanity, War Crimes, Intersentia, Antwerp/Oxford, 2002, p. 439; Anne-Marie de Brouwer, Supernational Criminal Prosecution of Sexual Violence: The ICC and the practice of ICTY and ICTR, Intersentia, Antwerp/Oxford, 2005, p. 41; The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998; The Prosecutor v. Karemera (Karemera Amended Indictment), Case No. ICTR- 98-44-I, Amended Indictment, February 2005.

[19]UN Doc. A/AC. 41/10 and UN Doc. A/362

[20]UN Doc. E/447, p. 27

[21]UN Doc. E/447, p. 27; Roger Normand, Sarah Zaidi, Human Rights at the UN: The Political History of Universal Justice, Indiana University Press, Bloomington, 2008, p. 252

[22]UN Doc. E/447, p. 27

[23]UN Doc. E/623; UN DOC. E/AC. 25/SR.14, p. 10

[24]John Maktos, Head of the United States Delegation, UN DOC. E/AC. 25/SR. 5, p.3

[25]John Maktos, Head of the United States Delegation, UN DOC. E/AC. 25/SR. 5, p.7

[26] UN DOC. E/AC. 25/SR.14, p. 9

[27]UN DOC. A/401/Add. 3.

[28]UN DOC. A/623/Add. 3.

[29] UN DOC. E/AC. 25/7

[30]William Schabas, “Les droits des minorités: Une déclaration inachevée”, in Déclaration Universelle des Droits de l’Homme 1948-98, Avenir d’un Idéal Commun, La Documentation Française, Paris, 1999, pp. 223-242

[31]UN DOC. A/C. 6/SR.83; Anne-Marie La Rosa, Dictionnaire de droit international pénal, termes choisis, PUF, Paris, 1998, p.47

[32] إن مفهوم الإبادة الثقافية قد تم رفضه بشكل مباشر من قبل اللجنة السادسة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بواقع 25 صوت ضد مقابل 6 أصوات مع.
United Nations Judicial Yearbook, Vol.2, (Part II), 1991, p.102

[33]Sienho Yee and Jacques-Yvan Morin, Multiculturalism and International Law, Essays in Honour of Edward McWhinney, Martinus Nijhoff Publishers, Netherlands, 2009, p. 182

[34] ILC Draft Code, pp.90-91; William A. Schabas, Genocide in International Law 185 (2000); Hirad Abtahi and Philippa Webb, The Genocide Convention: The Travaux Préparatoires, Martinus, Netherland, 2008; Spanish Yearbook of International Law, Volume IV, 1995-1996, p. 24 ; Gaetano Pentassuglia, Minorités en Droit International, Conseil de l’Europe, Allemagne, 2004, pp.83-85.

[35] XVI.E/CN.4/1995/2, E/CN.4/Sub.2/1994/56

[36] A/RES/61/295, Soixante et unième session, Point 68 de l’ordre du jour, 2 octobre 2007, Déclaration des Nations Unies sur les droits des peuples autochtones

[37] ICTR, The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998, para. 498.

[38]Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide, art. 2.

[39] ICTR, The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998, para. 523 (noting that “in the absence of a confession from the accused, his intent can be inferred froma certain number ofpresumptions of fact”).

[40] ICTY, The Prosecutor v. Sikirica,Dosen & Kolundzija, Case No. ICTY-IT-95-8-T, Judgment on Defence Motions to Acquit, 3 September 2001 ; ICTY, The Prosecutor v. Jelisic, Case No. ICTY- IT-95-10-A, Judgment, July 2001, para. 47; ICTY, The Prosecutor v. Karadzic & Mladic, Case Nos.ICTY-IT-95-5-R61, IT-95-18-R61, Re-view of the Indictments Pursuant to Rule 61 of the Rules of Procedure and Evidence, 11 July 1996, para.94.

[41] ICTY, The Prosecutor v. Karadzic & Mladic, Case Nos. ICTY-IT-95-5-R61, IT-95-18-R61, Re-view of the Indictments Pursuant to Rule 61 of the Rules of Procedure and Evidence, 11 July 1996, para.94.

[42] ICTR, The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998, paras. 523–524.

[43] ICTY, The Prosecutor v. Krstic, Case No. ICTY-IT-98-33-T, Judgment, 2 August 2001, para. 580 ; ICTY, Case No. IT-95-8-T, Judgment on Defence Motions to Acquit, September 2001, para. 61; ICTY, Case No. ICTY-IT-95-10-A, Judgment, 5 July 2001, para. 47 ; ICTY, Case Nos. ICTY-IT-95-5-R61, IT-95-18-R61, Re-view of the Indictments Pursuant to Rule 61 of the Rules of Procedure and Evidence, 11 July 1996, para.94.

[44] ICTR, The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998, para.728; ICTR, The Prosecutor v. Kayishema & Ruzindana, Case No. ICTR-95-1-T, Judgment, 21 May 1999, para. 538; ICTR, The Prosecutor v. Musema, Case No. ICTR-96-13-A, Judgment, 27 January 2000, para. 933.

[45]Paul Isaac, “The Assault on Assyrian Christians”, International Herald Tribune, 8May 2007.

[46] ICTR, The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998.

[47] ICTR, The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998.

[48] ICTR, The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998, para. 504;ICTY, The Prosecutor v. Karadzic & Mladic, Case Nos. IT-95-5-R61, IT-95-18-R61, Re-view of the Indictments Pursuant to Rule 61 of the Rules of Procedure and Evidence, 11 July 1996, para. 93; ICTR, the Prosecutor v. George Rutaganda, Case No. ICTR -96-3, 6 December 1999, para. 51.

[49] ICTR, The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998, para.502.

[50] أنظر المادة 31 من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969 [51] أنظر المادة 32 من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات لعام 1969
[52] To ruin completely; spoil, to ruin the structureor organic existence, To tear down or break up; demolish, To subdue or defeat completely; crush, To render useless or ineffective. The Oxford: paperback Dictionary, Third Edition 1988, p. 219; Merriam Webster’s Collegiate Dictionary, tenth Edition 1993, p. 314.

[53] ICTY, Prosecutor v. Blaskic, Case No. ICTR-IT-95-14-T, 3 Mars 2000,para. 233.

[54] ICTY, Prosecutor v. Blaskic, Case No. ICTR-IT-95-14-T, 3 Mars 2000,para. 425.

[55] The Trial Chamber in a unanimous ruling ofits members,finds Tihomir Blaskic guilty for the following acts: the destruction and plunder of property and, in particular, of institutions dedicated to religion or education

[56]ICTY, The Prosecutor v. Zoran Kupreskic, Mirjan Kupreskic, Vlatko Kupreskic, Drago Josipovic, Dragan Papic andVladimir Santic, Case No. ICTY-IT-95-16-T, 14 January 2000, para. 615. The Tribunal said: Persecution can involve a broad range of discriminatory acts, and generally consist of a series of acts rather than a single act which must be considered in total rather than in isolation”.

[57]“customary international law limits the definition of genocide to those acts seeking the physical or biological destruction of all or part of the group. Hence, an enterprise attacking only the cultural or sociological characteristics of a human group in order to annihilate these elements which give to that group its own identity distinct from the rest of the community would not fall under the definition of genocide”. ICTY, The Prosecutor v. Krstic, Case No. ICTY, IT-98-33-T, judgment of 2 August 2001, paras 576-580.

[58] ICTR, The Prosecutor v. Semanza, Case No. ICTR-97-20-T, Judgment, 15 May 2003, para. 315 ; ICTY, The Prosecutor v. Kajelijeli, Case No. ICTR-98-44A-T, Judgment, 1 December 2003, para. 808.

[59] “Destruction,” as a component of the mens rea of genocide, is not limited to physical or biological destruction of the group’s members, since the group (or a part of it) can be destroyed in other ways, such as by transferring children out of the group (or the part) or by severing the bonds among its members. Thus it has been said that one may rely, for example, on evidence of deliberate forcible transfer as evidence of the mens rea of genocide. See ICTY, The Prosecutor v. Krajisnik, Case No. ICTY-IT-00-39-T, Judgment, 27 December 2006, para: 854.

[60]Nicolas Tournadre, “Le bilinguisme tibétain-chinois : Situation et Enjeux”, Perspective Chinoises, n°74, Novembre-Décembre 2002, pp.31-38 ; Jonathan Watts, “Tibetans Fear Cultural Genocide’ Will Follow Chinese Railway“,Guardian, 1 July 2006.

[61] “As clearly shown by the preparatory work for the Convention . . ., thedestruction in question is thematerial destruction of a group either by physical or bybiological means, not the destruction of the national, linguistic, religious, cultural orother identity of a particular group.” (Report of the International Law Commission onthe work of its Forty-eighth Session, Yearbook of the International Law Commission1996, Vol. II, Part Two, pp. 45-46, para. 12.)

[62]“A group is constituted by characteristics–often intangible–binding together a collection of people as a social unit. If those characteristics have been destroyed in pursuance of the intent with which a listed act of a physical or biological nature was done, it is not convincing to say that the destruction, though effectively obliterating the group, is not genocide because the obliteration was not physical or biological”

“[t]he intent certainly has to be to destroy, but, except for the listed act, there is no reason why the destruction must always be physical or biological. ICTY, TheProsecutor v. Krstić, Case No. ICTY-IT-98-33-A, 19 April 2004, para. 50, (partial dissenting opinion of Judge Shahabuddeen).

[63]“The foregoing is not an argument for the recognition of cultural genocide. It is established that the mere destruction of the culture of a group is not genocide: none of the methods listed in article 4(2) of the Statute need be employed. But there is also need for care. The destruction of culture may serve evidentially to confirm an intent, to be gathered from other circumstances, to destroy the group as such. In this case, the razing of the principal mosque confirms an intent to destroy the Srebrenica part of the Bosnian Muslim groupICTY, TheProsecutor v. Krstić, Case No. ICTY-IT-98-33-A, 19 April 2004, para. 53, (partial dissenting opinion of Judge Shahabuddeen).

[64]” The destruction of mosques or Catholic churches is designed to annihilate the centuries-long presence of the group or groups. The destruction of the libraries is intended to annihilate a culture which was enriched through the participation of the various national components of the population. ICTY, The Prosecutor v. Karadzic & Mladic, Case Nos.ICTY-IT-95-5-R61, IT-95-18-R61, Re-view of the Indictments Pursuant to Rule 61 of the Rules of Procedure and Evidence, 11 July 1996, para. 94

[65] ICJ, The Application of the Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide (Bosnia and Herzegovina v. Serbia and Montenegro), Judgment ICJ Reports 2007, para. 344.

[66]David Nersessian, “Rethinking Cultural Genocide Under International Law”, Human Rights Dialogue: “Cultural Rights”, Spring 2005,http://www.carnegiecouncil.org/resources/publications/dialogue/2_12/section_1/5139.html
[67] ICTR, The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998, paras. 706-707,731-734; ICTR, The Prosecutor v. Kayishema & Ruzindana, Case No. ICTR-95-1-T, Judgment, 21 May 1999, para. 108; ICTR, The Prosecutor v. Musema, Case No. ICTR-96-13-A, Judgment, 27 January 2000, para.156.

[68] For more details about this case please see Hans Baade, “The Eichmann Trail: Some legal Aspects”, Duke Law Journal, 1961.

[69]“According to the Jerusalem District Court: “With the rise of Hitler to power, the persecution of Jews became official policy and assumed the quasi-legal form of laws and regulations published by the government of the Reich in accordance with legislative powers delegated to it by the Reichstag on March 24, 1933 and of directacts of violence organised by the regime against the persons and property of Jews. The purpose of these acts carried out in the first stage was to deprive the Jews of citizens rights, to degrade them and strike fear into their hearts, to separate them from the rest of the inhabitants, to oust them from the economic and cultural life of theState and to close to them the source of livelihood”. (emphasis added) (District Court Judgment, Eichmann case, 36 ILR, 1968, para. 56.

[70] United States v. Greifelt (RuSHA Trial), 5 Trials of War Criminals before the Nuremberg Military Tribunals, 1, 89 (1948). Note : RuSHA is a German acronym for Rasse und Siedlungshauptamt (Race and Resettlement Office).Mazal Library: http://www.mazal.org/archive/nmt/04a/NMT04-C001.htm

[71]Poland v. Artur Greiser, (1948) 13 LRTWC 70 (Supreme National Tribunal of Poland), pp. 112-114

[72]Poland v. Goeth, (1946) 7 LRTWC 4 (Supreme National Tribunal of Poland).

[73] Federal Constitution Court, 2BvR, 1290/99, 12 December 2000, para. 111-4-a. Mentioned byAndré Klip and Göran Sluiter, Annotated Leading Cases of International Criminal Tribunals, Vol. II, International Criminal Tribunal for the former Yugoslavia 2005, p. 732. “The Federal Constitutional Court held that the limits of the extension of “destroy” to encompass non-physical and non-biological destruction are only exceeded when the intention to destroy relates solely to the cultural identity of a group. The term “destroy” may thus include other means of destruction pertaining to the destruction of a group as a social unit in its specificity, uniqueness and feeling of belonging”; see also Willam Schabas, “Developments in the Law of Genocide”, in Fischer, Avril McDonald (ed.), Year Book of International Humanitarian Law, Vol. 5, Asser press, The Hague, 2002, p. 152

[74] قانون Alien Tort Claims Actيسمح للأجانب المقيمين على الأرضي الأمريكية أن يرفعوا دعاوى أمام القضاء الأمريكي في حالة وجود قوانين تنتهك المعايير الدولية أو الاتفاقيات الموقعة من قبل الولايات المتحدة.
[75]Beanal v. Freeport – MacMoran, 29 November 1999, CA 5th Cir; Mireille Delmas-Marty, CriminalitéEconomique et Atteintes à la dignité de la Personne, Fondation Maison des Sciences et de l’homme, Paris, 2001, p. 238. The decision Beanal v. Freeport – MacMoran is consultubale via the following address.http://www.utwatch.org/corporations/freeportfiles/filing.html; Jean-Francois Flauss, “Competence civil Universelle et Droit International General”, in Christian Tomuschat,Jean-Marc Thouvenin (ed.), The Fundamental of International Legal Order, Jus Cogens and Obligations Erga Omnes, 2006, p. 407

[76]ICTR, The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998, para. 495

[77]The Prosecutor v. Kayishema & Ruzindana, Case No. ICTR-95-1-T, Judgment, 21 May 1999, para. 88.

[78] http://www.unesco.org/ar/culture/

[79]اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2106 ألف (د-20) المؤرخ في 21 كانون الأول/ديسمبر 1965 [80]اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ ديسمبر 1966. تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار / مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49 [81]مشتملات الحرية الدينية بحسب المادة السادسة من الإعلان هي ما يلي:العبادة أو الاجتماع في إطار دين أو معتقد، وإقامة وصيانة أماكن لهذه الأغراض، إقامة وصيانة المؤسسات الخيرية أو الإنسانية المناسبة، صنع واقتناء واستعمال الأدوات والمواد الضرورية المتعلقة بطقوس أو عادات دين أو معتقد، على أن يكون ذلك بشكل مناسب، كتابة ونشر وتوزيع المنشورات ذات الصلة في هذه المجالات، تعليم الدين أو المعتقد في أماكن مناسبة لهذه الأغراض، التماس وتلقي مساهمات طوعيه، مالية وغيرها، من الأفراد والمؤسسات، تدريب وتعيين وانتخاب أو تخليف الزعماء المناسبين حسب متطلبات ومعايير أي دين أو معتقد، مراعاة أيام الراحة والاحتفال بالأعياد والشعائر وفقا لمبادئ دين الفرد أو معتقده، إقامة وإدامة الاتصالات بالأفراد والجماعات بشأن أمور الدين أو المعتقد على المستويين القومي والدولي.

[82]HREOC, Bringing p.266. note: Ana Filipa Vrdoljak, International Law, Museums and the Return of Cultural Objects, Cambridge, London, 2006, p. 295

[83]- وثيقة الأمم المتحدة A/RES/61/295.لقد أعتمد الإعلان بأغلبية 144 دولة مع مقابل 4 أصوات ضد (الولايات المتحدة، كندا، أستراليا ونيوزلندا) وامتناع 11 دولة عن التصويت.

[84] Marcel Goncalves, “Angola, Métissage culturel”, Spiritus, No. 93, 1983, p. 387

[85] ICTR, The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998, para. 559; ICTR, Ferdinand Nahimana, Jean-Bosco Barayagwiza and Hassan Ngeze. Case No. ICTR-99-52-T. Judgement and Sentence. 3 December 2003, para.1017

[86]The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998, para. 557.

[87]The Prosecutor v. Eliezer Niyitegeka, Case No. ICTR-1996-. 14-A, Judgment, 16 may 2003, para. 431.

[88]ICTR, The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998, paras. 557-558.

[89] Roger Merleand André Vitu, Traité de Droit Criminel, Tome I, Cujas, Paris, 1997, pp. 514-517.

[90]The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998, para.551

[91]The Prosecutor v. Akayesu, Case No. ICTR-96-4-T, Judgment, 2 September 1998, para. 558

[92]Larry May, Genocide: A Normative Account, Cambridge, 2010, p. 104

[93]René Jean Dupuy,Dialectiques du droit international souveraineté des etats,communauté internationale et droits de l’humanité,Pedone, Paris, 1999, pp. 243-246