سنبين هذا النوع من الخيارات في حالة التعاقد في مجلس العقد الحكمي. فالأمر هو أن خيار القبول في التعاقد ما بين غائبين (في مجلس العقد الحكمي)، لا يختلف عنه في التعاقد ما بين حاضرين (في مجلس العقد الحقيقي)، فللمتعاقد الأخر الذي بلغه الإيجاب بالكتابة أو عن طريق الرسول أو ما يشابههما خيار القبول(1). فلا تثار المشكلة إذاً في منح الموجه إليه الإيجاب خياراً للقبول، يتمتع من خلاله بحرية في قبول الإيجاب أو رفضه. إن القبول الذي ينعقد به العقد هو الذي يصدر وقت قيام الإيجاب، ويكون الإيجاب قائماً عند قيام مجلس العقد. أما إذا كان الإيجاب قد سقط، فإن القبول لا يصادف إرادة يقترن بها حتى يبرم العقد لكن هذه الإرادة، أي إرادة القبول، تتحول إلى أيجاب جديد موجه إلى الموجب الأول(2). ومن ثم فإن إرادة القبول هذه تؤدي إلى نقل صلاحية إبرام العقد إلى الموجب الأول الذي عليه، إن أراد إبرام العقد أن يصدر قبوله بها(3). وقد ذهب جانب من الفقه(4). إلى القول، أن القبول الذي ينعقد به العقد هو القبول الصادر ممن وجه إليه الإيجاب. ولذلك إذا كان الإيجاب موجهاً لفرد معين فلا ينعقد العقد إلا بقبوله، ولا ينعقد إذا ما قبله شخص أخر غيره، ويبرر أصحاب هذا الرأي ما ذهبوا إليه بقولهم، إن إرادة الموجب لم تتجه إلى التعاقد مع هذا الأخير. بمعنى أن خيار القبول لايمكن انتقاله إلى شخص أخر غير الموجه إليه الإيجاب. إلا أنه يمكن القول أن ذلك يتعارض مع الحالة التي يصدر فيها شخص فضولي قبوله في مجلس العقد الحكمي. فإذا صدر الإيجاب في مجلس العقد موجهاً إلى شخص معين، فقبل عنه شخص أخر في المجلس ليس طرفاً في التعاقد ولا نائباً، ففي هذه الحالة فإن العقد ينعقد، ولكنه يكون موقوفاً على إجازة الشخص الموجه إليه الإيجاب. فقد ذكر بعض الفقهاء(5). بأنه “وإذا قال بعت هذا من فلان الغائب بكذا فبلغه الخبر فقبل لا يصح، ولو قبل عنه إنسان أخر في المجلس توقف على إجازته“. كما ذكر أحد الفقهاء(6). وعلى هذا إذا أوجب أحدهما البيع والأخر غائب فبلغه فقبل لا ينعقد، بأن قال بعت عبدي هذا من فلان الغائب بكذا فبلغه فقبل، ولو قبل عنه قابل ينعقد، والأصل في هذا إن أحد الشطرين من أحد العاقدين في باب البيع يتوقف على الأخر في المجلس، ولا يتوقف على الشطر الأخر من العاقد الأخر فيما وراء المجلس بالإجماع، إلا إذا كان عنه قابل أو كان بالرسالة أو الكتابة”. ولذلك فيجوز انتقال خيار قبول الإيجاب إلى الفضولي، إلا أن نفاذ العقد يكون متوقفاً على إجازة الموجه إليه الإيجاب(7).

أما ما يتعلق بالمدة التي يجوز فيهـا استخـدام خيار القبول في مجلس العقد الحكمي فهناك اختلاف فقهي في هذه المسألة وكما يأتي:-

فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة(8). إلى أن الشخص الموجه إليه الإيجاب عن طريق الكتاب أو الرسول، يجب عليه أن يقبل هذا الإيجاب أو يرفضه في مجلس قراءة الكتاب أو تبليغ الرسالة. بمعنى أنه وبحسب هذا الاتجاه يجب تحقق الرؤية والسماع ما بين الرسول أو حامل الرسالة وما بين الموجه إليه الإيجاب، فإذا فقد شرط من هذين الشرطين فإن مجلس العقد سيعتبر منفضاً ومن ثم فإن مدة خيار القبول ستنتهي. ولا فرق في ذلك سواء أكان الموجب قد حدد ميعاداً لالتزامه بالإيجاب تتجاوز هذه المدة أم لم يحدد مدة ما. وذلك لأن العبرة للمجلس لا للموعد المحدد(9). وعلى الرغم من اتفاق فقهاء المذهب المالكي(10). مع بقية فقهاء الفقه الإسلامي في اشتراط توافر الرؤية والسماع فيما بين الرسول أو حامل الرسالة وما بين الموجه إليه الإيجاب في حالة عدم تحديد مدة معينة للقبول من قبل الموجب. فإنهم قد اختلفوا معهم في حالة وجود مدة محددة للقبول، ففي هذه الحالة فإن خيار القبول سيمتد إلى نهاية الميعاد المحدد، فيلزمه هذا التقييد ولو تفرق المتعاقدان(11).

أما بالنسبة إلى موقف المشرع المدني العراقي، فلم يورد نصاً قانونياً يحدد فيه المدة التي يجوز فيها إصدار القبول في مجلس العقد الحكمي، وبذلك فإن للموجه إليه الإيجاب خيار القبول ما دام الإيجاب قائماً. ويبقى الإيجاب قائماً بحسب نص المادة (84) منه إذا حدد الموجب ميعاداً للقبول، كما أنه يبقى قائماً خلال الفترة المعقولة لاقتران الإيجاب بالقبول في حالة عدم تحديد مدة للإيجاب. ويسقط الإيجاب برفضه ممن وجه إليه، سواء أكان مقترناً بميعاد معين لم ينته أم لم يكن كذلك، وسواء أكان الرفض قاطعاً أم مقيداً(12). يتبين لنا أن موقف القانون المدني العراقي يختلف عن موقف الفقه الإسلامي من ناحية عدم اشتراطه اتصال الموجه إليه الإيجاب بالرسول أو حامل الرسالة فيجوز إصدار القبول فيه بعد تخلف شرطي الرؤية والسماع أو تخلف أحدهما ما بين الرسول أو حامل الرسالة والموجه إليه الإيجاب. كما يلاحظ أن موقف المشرع العراقي يتفق مع الفقه المالكي في حالة تحديد مدة ملزمة للإيجاب. فيجوز إصدار القبول إلى ما قبل نهاية هذه المدة.

______________________

1- د.عبد الرزاق السنهوري، مصادر الحق، المصدر السابق، ج2، ص61.

2- ينظر – نص المادة (83) من القانون المدني العراقي، والمادة (96) من القانون المدني المصري، والمادة (97) من القانون المدني الأردني.

3- د.عبد الفتاح عبد الباقي، نظرية العقد، المصدر السابق، ص134.

4- د.مصطفى محمد الجمال / د.عبد الحميد محمد الجمال، القانون والمعاملات، المصدر السابق، ص220.

5- الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، الفتاوى الهندية، المصدر السابق، ج3، ص9.

6- الكاساني، بدائع الصنائع، المصدر السابق، ج5، ص138.

7- د.جابر عبد الهادي سالم الشافعي، المصدر السابق، ص410.

8- الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، الفتاوى الهندية، المصدر السابق، ج3، ص9 – ابن الهمام، شرح فتح القدير، المصدر السابق، ج5، ص79 – الخطيب، مغني المحتاج، المصدر السابق، ج2، ص5 – ابن قدامة، الشرح الكبير، المصدر السابق، ج4، ص4.

9- ينظر – في الفقه الحنفي: الكاساني، بدائع الصنائع، المصدر السابق، ج5، ص138 – وفي الفقه الشافعي: إبراهيم الباجوري، حاشية الباجوري، المصدر السابق، ج1، ص339 – وفي الفقه الحنبلي: ابن قدامة المقدسي، الشرح الكبير، المصدر السابق، ج4، ص4.

10- الحطاب، مواهب الجليل، المصدر السابق، ج4، ص240.

11- الحطاب، مواهب الجليل، المصدر السابق، ج4، ص240-241.

12- مصطفى الزرقا، محاضرات في القانون المدني السوري، المصدر السابق، ص48 – د.عبد السلام التونجي، المصدر السابق، ص200.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .