حقوق السجينات

مقدمة:
تكاد السجينات في المملكة العربية السعودية والمشاكل التي تعترضهن في السجون ودور التوقيف والانتهاكات الممارسة بحقهن، يكنَ الحلقة الأضعف من حيث المتابعة والإهتمام عند المؤسسات الإعلامية أو الرسمية أو المنظمات الحقوقية. ولم لا يكون؟ وحقوق المرأة السعودية مهضومة ومنتهكة، حيث يتغافل مشرعو الأنظمة عن حماية حقوقها على مرأى من تلك المؤسسات، حتى بات وضعها يوصف بحسب بعض التقارير الحقوقية “كمن يعيش في صندوق” (تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش 16 يوليو 2016م ).
الصندوق الحقيقي هذه المرة هو صندوق ذو جدران اسمنتية، هو ذلك السجن المقفل بإحكام حول ما تعانيه هذه السجينات من مشاكل وانتهاكات لحقوقهن القانونية، ولذا قررت المنظمة السعودية للحقوق والحريات الولوج فيه، سواء من خلال رصد ما تناولته الوسائل الإعلامية من حالات، ومن خلال متابعة البيانات والتوصيات الصادرة عن الجمعية الوطنية للحقوق الإنسان حول وضع سجون النساء، فضلا عن بعض التقارير الحقوقية في هذا المجال، وما توصلت إليه من مطالبات وحلول لصَون كرامتهن الإنسانية التي أكد عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م ، والعديد من المواثيق والمعاهدات الدولية الأخرى.
هذا الصندوق الحالك الظلمة الذي تتعدد مسمياته ، فتارةً يسمى بدار الرعاية والذي يضم السجينات من الجنسية السعودية تتراوح أعمارهن بين العشرين والثلاثين عاماً، وتارةً أخرى تأتي تسميته بالسجن أو الإصلاحية للسجينات من مختلف الجنسيات وكافة الأعمار إضافة إلى السعوديات فوق عمر الثلاثين سنة، وهو في جميع الأحوال المكان الذي من المفترض أن يُحتجزوا فيه لتمضية مدة عقوبتهن المفترضة لخطأ ارتكبوه أو جريمة اقترفوها .

تعامل الجهات الرسمية مع السجينة:
قد يبدو التعامل مع هذا الملف من المحظورات أحيانا، كون ما يتكرر على مسامع الجميع كلام من قبيل “خصوصية المرأة في المجتمع السعودي”، وهذا ما لا ننكره على صعيد ممارسات المجتمع، بخلاف ما هو حاصل من ممارسات من قبل الجهات الرسمية حيث لا تراعي أي نوع من تلك ” الخصوصية” مطلقاً.
بل على العكس تماماً إذ يتم إلقاء القبض عليهن من قبل رجال وليس نساء والتعامل معهن بكل فظاظة وقسوة ، وهذا مخالف للمادة 28 من نظام السجن والتوقيف (لا يجوز الاعتداء على المسجونين أو الموقوفين بأي نوع من أنواع الاعتداء. وتتخذ إجراءات التأديب ضد الموظفين المدنيين أو العسكريين الذي يباشرون أي عدوان على مسجون أو موقوف وذلك مع عدم الإخلال بتوقيع العقوبات الجزائية عليهم في الأحوال التي يكون الاعتداء فيها جريمة). كما أن المركبات التي تقلهن خلال الاحتجاز لم تهيأ لوضع المرأة، وفيما يخص التحقيق تنص جميع الأنظمة أو النصوص الشرعية على ضررة وجود ولي الأمر أو “المحرم” فيما يثبت العكس تماماً في تطبيق معنى الخلوة في التحقيق! بل عوضا عن ذلك يكون المحرم هو السجانة أو عدد من رجال أو عضو من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا أكبر انتهاك ليس فقط “للخصوصية” المزعومة بل لأهم معايير العدالة ولاسيما البند الثالث من المادة 36 لنظام السجون والتقيف ( يكون سماع اقوال المرأة واستجوابها والتحقيق معها بحضور احد محارمها، فان تعذر فبما يمنع الخلوة).، عدا العنف اللفظي أثناء التحقيق أو الإيحاءات الجنسية، والتي جميعها تؤثر في كلام الموقوفة أثناء التحقيق وتشكل أداة ضغط للإقرار وبالتالي على الحكم لأن الاعتراف هو عنصر رئيس للتجريم قد يصعب نقضه، وهو مخالفة صريحة للبند الأول من المادة 36 التي تدعو إلى معاملة الموقوف بما يحفظ كرامته ولا يجوز إيذاؤه جسديا اومعنويا ويجب اخباره بأسباب توقيفه ويكون له الحق في الاتصال بمن يرى إبلاغه.
معاناة السجينات مع المحاكمات :
إن من أول الإنتهاكات والأشد وطأة على من تقبع في تلك السجون هو بقاءها لفترة طويلة دون محاكمة وعدم البت من الناحية النظامية ببقائها قيد الإيقاف أو إطلاق سراحها أو طول مدة المحاكمة دون النطق بالحكم -وهي معضلة كبيرة وهي خرق للمادة 114 من نظام الإجراءات الجزائية (ينتهي التوقيف بمضي خمسة أيام ، إلا إذا رأى المحقق تمديد مدة التوقيف فيجب قبل انقضائها أن يقوم بعرض الأوراق على رئيس فرع هيئة التحقيق والادعاء العام بالمنطقة ليصدر أمراً بتمديد مدة التوقيف مدة أو مدداً متعاقبة ، على ألا تزيد في مجموعها على أربعين يوماً من تاريخ القبض عليه أو الإفراج عن المتهم) وتذكر المادة أيضاً أن الحد الأقصى لمدة التوقيف قد تصل إلى ستة أشهرليتعين بعدها إحالته مباشرة إلى المحكمة المختصة أو الإفراج عنه. بينما نجد أن الصحف الرسمية رصدت في صفحاتها حالات تتحدث عن وجود كثيرات لمدد تجاوزت السنة أو السنتين داخل السجون وهن موقوفات من دون محاكمة.كذلك هو الحال مع العديد من النساء اللواتي ثبت بعد اعتقالهن أن لا علاقة لهن بقضية الجرم أو المخالفة وقد يمضين سنوات من حياتهن مع المجرمات مثلا، وهن بانتظار أن يصدر الحكم أو يُحدد موعد لانعقاد وحضور المحكمة، وقد تحدثت المادة السابعة عن (عدم جواز إيداع اي إنسان في سجن او دار التوقيف او اخلاء سبيله الا بأمر كتابي صادر من السلطة المختصة، ولا يجوز ان يبقى المسجون او الموقوف في السجن او دار التوقيف بعد انتهاء المدة المحددة في امر ايداعه) ، هذا إضافةً إلى أنه لا يخفى على أحد تبعات وجودها كل هذه المدة خلف تلك الأسوار وانعكاساتها السلبية على حياتها الإجتماعية والأسرية.
ومما يزيد الطين بِلة ضرورة أن يكون لدى الموقوفة معرِّف رجل لتتمكن من توكيل محام عنها في قضية قد يكون المعرف نفسه طرفاً فيها .
ومن هنا نجد أن نظام الولاية الذي يحكم المرأة بمختلف تفاصيله في المجتمع السعودي عامة، يرخي بظلاله بقوة على واقعها داخل السجون . فعلاوة على موضوع المعرّف لا يسمح للسجينة مغادرة سجنها الذي أنهت فيه مدة عقوبتها -تتساوى المرأة والرجل من حيث العقاب والأحكام الجزائية- إلا بموافقة ولي أمرها المخوّل الوحيد إستلامها عند الإفراج .
ظروف سجون النساء :
إن مشكلة تكدس العنابر أو السجون وعدم تناسب الأعداد الموجودة مع طاقتها الإستيعابية، تكاد تكون الأكثر استفحالا في معظم السجون النسائية وهو ما تكرر في معظم بيانات الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الصادرة عقب زيارات لأعضاء الوفد من القسم النسائي للسجون ورصد حالتها ومتابعة أوضاع السجينات، كما ورصدت تلك البيانات فوضى وعدم نظام وأبنية متهالكة وبحاجة للصيانة، وقد أشار إلى هذه المشكلة أيضا التقرير الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية حول أوضاع السجون ومراكز الإحتجاز حيث أوضح أن بعضها غير مستوفٍ للمعايير الدولية وأن الإكتظاظ السائد في بعض مراكز الاحتجاز كان يمثل مشكلة حقيقية .

تدني مستوى النظافة هو أيضا أحد الإنتهاكات لحقوق السجينات التي كفلتها الأنظمة المحلية للسجناء والسجينات، فيما أوصت الجمعية الوطنية في زياراتها إلى إدارة السجن بالاهتمام بنظافة العنابر ودورات المياه وإصلاح التكييف فيها، كون ذلك يؤدي إلى انتشار الأمراض وتفشي العدوى بين السجينات بشكل سريع .

أيضا العشوائية في توزيع النزيلات في العنابر رغم تنوع قضاياهن مابين أخلاقية وجنائية ومخدرات وعقوق، وهو مخالف لقرار مجلس الوزراء (725) تاريخ 22/12/1380هـ، وخرقا للمادة العاشرة لنظام السجن والتوقيف (تضع اللائحة التنفيذية قواعد تقسيم المسجونين وفقا لنوع الجرائم المحكوم عليهم من أجلها وخطورتها وتكرار ارتكابها وفقا لمدد العقوبة وللاسس التي تيسر تقويم المحكوم عليهم) ، حيث يتم وضع السجينات المحكومات بجرائم كبيرة مع المحكومات بجرائم صغيرة، وأيضا وجود سجينات موقوفات دون محاكمة، فيما تحرم بعض السجينات من التواصل مع ذويها وهذا أيضاً ما أشار إليه أحد البيانات حول وضع بعض السجينات اللواتي اشتكين إلى أعضاء الوفد عدم السماح لهن بالاتصال بذويهن وهذا الفعل مخالف لقرار وزير الداخلية رقم 3919 تاريخ 22/10/1398هـ، كما خرقا للمادة 36 المذكورة أعلاه .
حقوق السجينات في الأنظمة :
إن المنظمة السعودية للحقوق والحريات تشير إلى أن معظم المشاكل المذكورة أعلاه ظهرت في وسائل إعلام رسمية أو عبر بيانات من جمعية وطنية رسمية مما يؤكد أن هناك انتهاكات أعمق لم يسمح بنشرها أو التطرق لها كاستعمال وسائل للتعذيب أثناء التحقيق أو إيقاع عقوبة عند المخالفة، والحجز في السجن الإنفرادي وهو ما يتعارض مع المادة 15 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي انضمت لها السعودية في 1997م: (تضمن كل دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات)وكذلك حجز الأطفال الذين تقل أعمارهم عن السنتين مع أمهاتهم في عنابر مكدسة بسجينات من مختلف القضايا ومن دون حضانات، رغم أن النشرة التعريفية التي رصدت نحو 50 حقا من حقوق السجناء والسجينات التي كفلتها الأنظمة تنص في المادة 15 أن للسجينة السعودية الحق في رعاية طفلها حتى يبلغ العامين، وأنه توجد حضانة لأطفال السجينات الذين تقل أعمارهم عن سنتين، كما حضانة متخصصة للإشراف عليهم.
ورصدت النشرة التعريفية 17 حقا للسجينات، كحقها في الرعاية الطبية، مواصلة تعليمها داخل السجن، والتثقف الديني، حيث تعفى السجينة من نصف محكوميتها في حال حفظت القرآن أو أجزاء منه.
وللسجينات في السعودية، حق تقديم الإعانة النقدية لهن، إضافة إلى الإعاشة المطهية، وتقديم وجبات خاصة للمريضات بالسكر وخلافه من الأمراض التي تحتاج إلى نوعية طعام معينة.
وتتحدث النشرة التعريفية عن حق السجينة في مقابلة أبنائها وبناتها، وحقها في دراسة ظروفها وأحوالها الأسرية والمعيشية للأخذ بيدها إلى الطريق الصحيح، كما لها الحق في إعانة أسرتها المحتاجة عبر التنسيق مع الجهات الخيرية.
ونصت الأنظمة، على أن لصاحبات السوابق، حقا في النظر في أوضاعهن من قبل لجنة مختصة لإيجاد الحلول الكفيلة بالقضاء على الأسباب التي تدفعهن للعودة إلى الجريمة، فيما يحق للسجينة الحبلى أن تعامل معاملة خاصة، ومن ذلك عدم تكليفها بأعمال مرهقة تضر بصحتها وصحة جنينها، وأن تنقل إلى المستشفى عند اقتراب وضع جنينها.

ضرورة التوعية وصياغة أنظمة أكثر دقة :
ولكي لا تبقى هذه الحقوق مجرد حبر على ورق تدعو المنظمة السعودية للحقوق والحريات الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان إلى ضرورة توعية السجينات حول حقوقهن القانونية وتزويدهن بلائحة تفصيلية بتلك الحقوق وعدم السماح بالتالي لاستغلالهن أو انتهاك حقوقهن، وكون أنه تم تعيين ست سيدات حديثاً في مجلس هيئة حقوق الإنسان المكون من 28 عضوا، صارت مسؤولياتهن أكبر في معالجة الإشكالات القانونية والإنسانية للتعامل مع السجينات ورصد أوضاعهن، كما ونوصي بإنشاء مكاتب للجمعية داخل السجون للوقوف على معاناتهن وتحقيق مطالبهن بضرورة تسريع الحكم في قضاياهن والمساعدة في الإفراج عن عدد اللواتي انتهت فترة محكوميتهن .
وتؤكد المنظمة السعودية للحقوق والحريات على ضرورة معاملة السجينات معاملة إنسانية طبقاً لنص المادة 35 من نظام الإجراءات الجزائية الذي ينص على وجوب معاملة المسجونات بما يحفظ كرامتهن وعدم إيذائهن جسديا أو معنويا وتوفير الرعاية الاجتماعية والنفسية لمساعدتهن على التكيف والتأقلم مع بيئة السجن وحل كل ما يعترضهن من مشكلات نفسية أو اجتماعية خاصة بهن أو بأسرهن .

وأخيراً وليس آخرا تجد المنظمة أنه لم يعد من المقبول إخفاء المشكلة الأساسية وراء أصابعنا، بل جاء الوقت لكي نشير بالبنان إلى مكمن الخلل الرئيسي والتقصير الحاصل في إعداد وصياغة قوانين وأنظمة أكثر دقة وموضوعية وصرامة لتصون الحقوق من الإنتهاكات وتحفظ للضعيف حقوقه دون منّة .