نظرية الطعن الموازي

الغاء القرار المطعون فيه بمعنى ألا تقبل دعوى الغاء القرار الاداري الذي ألحق ضررا بالطاعن اذا كانت هناك امكانية اللجوء الى دعوى قضائية اخرى لتحقيق ذات النتائج التي تحققها دعوى الالغاء وفي هذه الحالة فان قرار القاضي يتصل بشروط قبول الدعوى وليس بقواعد الاختصاص ومن ثم فان القرار سيقضي بعدم قبول الدعوى لا بعدم الاختصاص بالنزاع .

ان الدافع الاساسي لوضع نظرية الطعن الموازي او المقابل هو دافع عملي يتمثل بالتخفيف من اعباء مجلس الدولة الفرنسي نتيجة حجم دعاوى الالغاء التي اثقلت كاهله بسبب ما تحظى به هذه الدعاوى في ظل قضاء مجلس الدولة من رعاية وتيسير .

وبالرغم من وضوح هذا الدافع وواقعيته فقد اتجه انصاره الى اسنادها الى اساس اخر مفاده ان دعوى الالغاء هي دعوى احتياطية لايلجأ اليها الا عند تعذر اللجوء الى طريق قضائي أخر او انها طريق استثنائي لا يجب ولوجه طالما ان القانون قد نظم دعوى قضائية اخرى يمكن لجوء صاحب الحق اليها بدلا عن دعوى الالغاء ، لكن هذا الاساس .

وما نتج عنه تعرض لانتقادات كثيرة هي : ان دعوى الالغاء ليست دعوى احتياطية في مواجهة غيرها من الدعاوى وانما هي دعوى لها طبيعة اخرى وان الاخذ بنظرية الطعن الموازي يحول من دون ان يكون لمجلس الدولة الولاية العامة في نظر المنازعات الادارية كما انه ينبغي ايضا التفريق بين قضاء الالغاء والتعويض .

ان هذه الانتقادات ادت الى ان يتخلى مجلس الدولة الفرنسي عن الصفة الاحتياطية لدعوى الالغاء والاحتفاظ بنظرية الطعن الموازي مؤسسا اياها على ضرورة استقلال المحاكم واحترام اختصاصها فالاساس الحقيقي لهذه النظرية يكمن في قاعدة قانونية اولية تتمثل في ان الخاص يقيد العام التي تمنح القواعد القانونية الخاصة الاولوية حيال القواعد العامة ومن ثم ( فعندما ينظم القانون طريقا قضائيا خاصا فان اللجوء الى دعوى الالغاء يمثل احتيالا على القانون ويكون في اغلب الاحوال قلبا لنظام الاختصاص ) .

واستنادا الى ذلك ولما كان قضاء الالغاء يمثل القضاء العام الذي يختص به مجلس الدولة فان المجلس لا يكون متخصصا في حالة تنظيم المشرع طريقا خاص اخر للطعن في بعض القرارات الادارية .

وقد اخذ المشرع العراقي بنظرية الدعوى الموازية اذ انه اشار الى عدم اختصاص محكمة القضاء الاداري بالقرارات التي رسم القانون طريقا للطعن فيها فقد نصت المادة سابعا / الفقرة خامسا / ج من قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة على انه ( لاتختص محكمة القضاء الاداري بالنظر في : ج / القرارات التي رسم القانون طريقا للتظلم منها او الاعتراض عليها او الطعن فيها ).

وما يؤكد ذلك هو ان التشريع العراقي زاخر بالنصوص التي ترسم طرقا للتظلم من القرارات الادارية او الطعن فيها امام الجهات التي اصدرتها او امام السلطات الرئاسية او امام مجالس او لجان ادارية او شبه قضائية الى الحد الذي افقد قضاء هذه المحكمة فاعليته ومثال على ذلك هو المنازعات الضريبية اذ نص قانون ضريبة الدخل رقم 113 لسنة 1982 على اختصاص لجنة التدقيق في الجهة الضريبية بنظرها والمنازعات المالية المتعلقة بتطبيق قانون البنك المركزي رقم 56 لسنة 2004 اذ تختص بنظرها محكمة الخدمة المالية التي انشئت بموجب القانون المذكور وتحددت اختصاصاتها بموجب المادة 63 منه وكذلك المنازعات المتعلقة بالعقود الادارية التي نص قانون العقود العامة رقم 87 لسنة 2004 على تشكيلها والمنازعات المتعلقة بتطبيق احكام قانون التعاقد رقم 27 لسنة 2006 اذ جعل هذا القانون الاختصاص في نظرها لجنة متخصصة بهذا الشأن .

وهناك شروط معينة لابد من توفرها لتطبيق نظرية الطعن الموازي هي : ان تكون الدعوى الموازية او المقابلة دعوى قضائية ترفع امام مرجع قضائي وليس مجرد امكانية التظلم الاداري سواء كان التظلم اختياريا ام وجوبيا يطلب فيه المتظلم اعادة النظر في القرار من الجهة الادارية التي اصدرته لان التظلم لايعني طعنا موازيا يحول من دون قبول دعوى الالغاء اذا ان المتظلم صاحب الشأن يستطيع في هذه الحالة بعد استنفاد طريق المراجعة الادارية ان يلجأ الى دعوى الالغاء .

وكذلك يجب ان يكون الطعن الموازي متمثلا في دعوى لا مجرد دفع ومعنى ذلك انه لا يكفي لوجود الطعن الموازي الذي يؤدي الى عدم قبول دعوى الالغاء ان يكون للمدعي حق بعدم مشروعية القرار بمناسبة دعوى يكون خصما فيها امام القضاء بل يشترط ان يأخذ الطعن شكل الدعوى المباشرة التي يكون للمدعي رفعها امام الجهة القضائية المتخصصة غير مجلس الدولة التي اناط بها المشرع ولاية النظر في مشروعية القرار ذلك لان الدفع بعدم المشروعية لا يعد طعنا موازيا لانه لا يؤدي الى الغاء القرار غير المشروع بل تقتصر نتيجته على عدم تطبيق القرار في الحالة المعروضة على القاضي .

واخيرا لابد ان يكون الطعن الموازي من اختصاص جهة قضائية اخرى غير مجلس الدولة سواء كانت هذه الجهة قضاء اداري ام قضاء اعتياديا فضلا عن انه لابد ان يؤدي الطعن الموازي الى تحقيق النتائج نفسها التي تؤدي اليها دعوى الالغاء والتي تتمثل بالغاء القرار الاداري المخالف وازالة اثاره وليس مجرد الحصول على تعويض.

المحامية: ورود فخري