أحكام العربون في ظل القانون المدني بعد التعديل

(في حالة عدم استعمال حق العدول)

إذا قام أحد المتعاقدين باستعمال حقه في العدول عن العقد وجب عليه أن يدفع للطرف الآخر المقابل لهذا العدول. و بفوات المدة المتفق عليها بين المتعاقدين لاستعمال حق العدول دون أن يستعمل هذا الحق يعتبر العقد باتا لا يجوز الرجوع فيه، و يجب تنفيذه.

و منه فإذا تم الارتباط نهائيا بالعقد، و نفذ الالتزام الذي من أجله دفع العربون، فإن العربون يخصم من قيمة هذا الالتزام كأن يخصم من ثمن المبيع في عقد البيع ، فإذا كان ثمن المبيع 800.000 دج، و العربون 20.000 دج فإن المشتري يدفع للبائع 720.000 دج فقط على أن العربون يرد لمن دفعه إذا لم يعدل عن التعاقد، و لكن استحال خصمه من الالتزام الذي تم تنفيذه ، أو استحال تنفيذ العقد لظروف خارجة عن إرادة كل من المتعاقدين ، أو فسخ العقد باتفاق بين المتعاقدين، أو بخطأ منهما معا و ذلك تطبيقا للقواعد العامة .

أما إذا لم يقم أحدهما بالتنفيذ تعرض للجزاء المنصوص عليه في المسؤولية العقدية، فيحق للطرف لآخر حسب المادة 119 من القانون المدني أن يطلب التنفيذ العيني، أوالفسخ. و في الحالتين يجوز للمحكمة أن تقضي بتعويض قد يكون مساويا للعربون ،أو أكثر، أو أقل، و ذلك طبقا للقواعد العامة في تقدير التعويض عن عدم التنفيذ المنصوص عليها بالمادة 182 من القانون المدني.

(في حالة استعمال حق العدول)

الأصل أن مجرد دفع عربون عند التعاقد يفيد احتفاظ المتعاقدين بحق العدول لكل منهما في مقابل خسارة ما يعادل العربون، و تعتبر هذه الخسارة بمثابة ثمن لاستعمال الحق في العدول يصبح مستحقا في ذمة من عدل لمجرد عدوله، و بقطع النظر عن حصول ضرر للطرف الآخر أو عدم حصوله، و إذا حدد العاقدان ميعادا لنقض العقد في مقابل ترك العربون فإن الحق في نقضه يسقط بعدم استعماله قبل انقضاء هذا الميعاد.و لهذا سأتطرق أولا المدة التي يجوز للمتعاقدين العدول خلالها، وثانيا للأحكام القانونية التي تطبق في حالة استعمال حقهما في العدول.

أولا: وقت إبداء الرغبة في العدول

لا يجوز أن يكون خيار العدول مؤبدا، و بالتالي يتعين تأقيت مدة العدول بفترة زمنية محددة، يكون العقد باتا إذا لم يستعمل خيار العدول خلالها.

يقول صلى الله عليه و سلم: «إذا ابتعت فقل لا خلابة و لي الخيار ثلاثة أيام ». و بالتالي لو كان شرط الخيار لأكثر من ثلاثة أيام أو كان الخيار غير محدد المدة فإن ذلك يؤدي إلى إفساد العقد. و يرى زفر أن مثل هذا العقد لا يلحقه إجازة، و عند أبي حنيفة أن العقد يكون صححا حتى اليوم الثالث ،و يلحقه الفساد في اليوم الرابع أو في جزء منه.

و يرى المالكية عدم التقيد بالأيام الثلاثة، فيجوز أن تكون أقل من ثلاثة، أو أكثر منها فقد يرى المتعاقدان إعطاء مهلة شهر للتروي، و التدبر قبل البت في أمر العقد.

و يري الحنابلة ضرورة النص على مدة محددة، دون ترك المدة مفتوحة ، فإذا كانت المدة مجهولة بطل الشرط، و صح العقد. لقد نصت المادة 72 مكرر من القانون المدني على أنه «… لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه خلال المدة المتفق عليها…..» و عليه يمكن للمتعاقدين الاتفاق علـى المدة التي يجوز لهما خلالها العدول عن العقد إما صراحة، أو ضمنا حتى لا يظل المتعاقد قلقا لا يعرف متى يكون هذا العدول، فإذا انقضت هذه المدة فلا يجوز لهما العدول و يعتبر العقد باتا ،و نهائيا، و يعتبر العربون تنفيذا جزئيا له ووجب استكمال التنفيذ. أما إذا اختلف الطرفان في هذه المدة فإنه يمكن الاحتكام للقضاء الذي يضع المدة المعقولة المناسبة للعدول.

كما أنه إذا لم يعين للعدول مدة في العقد، جاز للمتعاقد أن ينذر الطرف الآخر باستعمال حقه في العدول خلال مدة معقولة، كما يجوز لكل من له هذا الحق أن يعدل عن العقد حتى وقت التنفيذ، طالما أنه لم يتنازل عن حقه هذا صراحة، أو ضمنا فالبائع الذي أظهر نيته في أن يمضي في العقد دون استعمال حقه في العدول، و أخذ يقوم بالإجراءات اللازمة لإتمام العقد حتى أوشك على إتمامها، فإن موقفه هذا يدل على نزوله عن الحق في العدول عن العقد، و أن الصفقة تعتبر بالنسبة له صفقة باتة، و نهائية فإذا عدل فجأة لا يقتصر جزاءه على خسارة العربون بل يجب أيضا أن يدفع تعويضا لإساءته استعمال حقه في العدول.

ثانيا : الأحكام القانونية لهذه الحالة

إن اتفاق المتعاقدين يحدد دلالة العربون المدفوع عند التعاقد ، فإذا لم يوجد اتفاق اعتبر العربون دليلا على رغبة كل من المتعاقدين في الارتباط نهائيا بالعقد ، و جواز العدول عن ذلك لكل منهما ، فإذا عدل أحد المتعاقدين عن إتمام العقد قبل الارتباط النهائي به خسر قيمة العربون ، بمعنى أنه إذا كان هو الذي دفع العربون فليس له أن يسترده من المتعاقد الآخر ، و إذا كان هو الذي قبض العربون فإنه يرده و يرد مثله أي يرد ضعفيه لأنه إذا رد قيمة العربون فقط دون مثلها لم يدفع شيئا مقابل عدوله .

كما أنه ليس هناك داع للحكم بفسخ التعاقد بناء على تخلف أحد المتعاقدين عن إتمام العقد، فليس البائع بحاجة إلى إستصدار هذا الحكم إذا أراد أن يقضى له بإستبقاء العربون، ولا المشتري بحاجة إليه أيضا إذا أراد أن يقضى له برد العربون مضاعفا.

و منه إذا باع شخص لآخر شيئا بمبلغ 800.000 دج و اتفقا على مبلغ 20.000 دج كعربون لإتمام البيع، فإذا عدل المشتري عن الشراء خسر قيمة العربون أي 20.000 دج، و إذا عدل البائع رد للمشتري مبلغ 20.000 دج، و مثله أي 20.000 دج أخرى بما يعادل 40.000 دج.

و خسارة قيمة العربون لم يعتبرها النص تعويضا للعدول عن التعاقد، لأنه قضى بها، و لو لم يترتب على العدول أي ضرر بينما التعويض لا يحكم به إلا إذا ترتب ضرر، فالإتفاق على العربون بهذا يختلف عن الإتفاق على التعويض (الشرط الجزائي).

و عليه يلتزم المتعاقد الذي عدل عن العقد بدفع مبلغ العربون أو رد ضعفيه حتى و لو كان المتعاقد الآخر لم يصبه أي ضرر جراء هذا العدول، كما لا يلتزم المتعاقد الذي عدل عن العقد إلا بدفع مبلغ العربون ،أو رد ضعفيه إلى الطرف الآخر حتى لو كان هذا الأخير قد أصابه ضرر من جراء هذا العدول يزيد كثيرا عن مقدار ما سيدفعه الطرف الذي عدل عن العقد.

و نظر لخلط الكثيرين بين العربون، و الشرط الجزائي يجدر بنا تحديد الفرق بينهما، و لهذا سنلقي الضوء أولا على التعريف بالشرط الجزائي حتى تقوم التفرقة على أساس سليم.

أ. التعريف بالشرط الجزائي :

الشرط الجزائي هو ما يسمى بالتعويض الاتفاقي ،و قد نص عليه المشرع الجزائري في المادة 183 من القانون المدني ، ومعناه الاتفاق مقدما بين الدائن، والمدين على مقدار التعويض إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه، أو تأخر عن تنفيذ الالتزام، وسمي بالشرط الجزائي لأنه يوضع كشرط ضمن شروط العقد الأصلي الذي يستحق التعويض على أساسه كما يمكن أن يكون في اتفاق لاحق للعقد الأصلي بشرط أن يكون ذلك قبل وقوع الضرر الذي يقدر على أساسه التعويض حتى لا يلتبس الشرط الجزائي بالصلح.

ومن الأمثلة على الشرط الجزائي: عقد المقاولة فقد يتضمن شرطا جزائيا يلزم المقاول بدفع مبلغ معين من المال إذا تأخر عن تسليم العمل المعهود إليه إنجازه في المدة المحددة له. وهناك شرط جزائي من نوع مختلف نجده في البيع بالتقسيط إذا تأخر المدين عن سداد قسط من الأقساط فإن جميع الأقساط تكون واجبة الدفع، فهذا شرط جزائي وإن لم يتمثل في مبلغ معين يدفعه المدين لأن تعجيل الأقساط يعد بمثابة عقاب عن ضرر ارتكبه المدين والمتمثل في التأخير عن سداد الأقساط في موعدها المحدد، ويصح كذلك أن يكون الشرط الجزائي شيئا، أو عملا أو امتناعا عن عمل، أو تقصير ميعاد في استعمال الحق، أو تشديدا في شروط استعماله، أو تغير مكان تنفيذ الالتزام.

وقد يكون الشرط الجزائي بمثابة تهديد مالي، وذلك إذا اتفق المتعاقدان على مبلغ من المال يزيد كثيرا على الضرر الذي يتوقعانه، وقد يكون بمثابة إعفاء، أو تخفيف من المسؤولية إذا اتفقا على مبلغ صغير يقل كثيرا عن الضرر المتوقع، وقد يكون الغرض منه تأكيد التزام المتعهد عن الغير بتقدير مبلغ من المال يكون بمثابة تعويض إذا لم يقم بحمل الغير على التعهد.

ب. الفرق بينهما:

إذا كان الواضح من نص المادة 72 مكرر من القانون المدني أن دلالة العربون هي جواز العدول عن العقد، حيث يجوز لكل من المتعاقدين أن يرجع عن العقد بعد إبرامه نظير دفع مبلغ العربون فقد يشتبه العربون إذن بالشرط الجزائي لكن الفرق كبير بينهما يعرف ذلك من خلال ما يأتي:

1- العربون هو المقابل لحق العدول عن العقد، فمن عدل عن العقد كان له ذلك في مقابل دفع العربون، فإذا كان المشتري مثلا في عقد البيع هو الذي عدل عن التعاقد فإنه يفقد العربون الذي دفعه، وإذا كان البائع هو الذي عدل فإنه يرد العربون الذي أخذه ومثله معه. بخلاف الشرط الجزائي فهو تعويض عن ضرر قد وقع فعلا، ويترتب على ذلك أن الالتزام بدفع العربون قائم حتى لو لم يترتب عن العدول عن العقد أي ضرر بخلاف الشرط الجزائي فإنه لا يستحق إلا إذا وقع ضرر فعلا للدائن ذلك أن الضرر من أركان استحقاق التعويض فإذا لم يوجد ضرر لم يكن التعويض مستحقا، ولا محل لإعمال الشرط الجزائي.

2- لا يجوز تخفيض العربون سواء كان الضرر الذي لحق المتعاقد الآخر من جراء العدول عن العقد مناسبا للعربون أم غير مناسب، فقد يكون الضرر الذي أصاب المتعاقد الآخر من جراء العدول يحتاج إلى مبلغ كبير لا يتناسب مع العربون، وقد يكون بسيطا أي أن مبلغ العربون أكثر من التعويض المستحق.ففي كل الحالات لا ينظر إلى الضرر الذي لحق أحد المتعاقدين من جراء العدول. بل قد لا يوجد ضرر أصلا، أما الشرط الجزائي فكما سبق القول ينبغي أن يكون هناك ضرر أصاب أحد المتعاقدين، وبالتالي يجوز تخفيض التعويض حتى يتناسب مع الضرر بل يجوز للقاضي ألا يحكم به أصلا إذا لم يلحق الدائن أي ضرر.

3- لا يجوز للدائن في حالة دفع العربون أن يطالب بالتنفيذ العيني بأن يتمسك بتنفيذ العقد، بخلاف الدائن في حالة وجود الشرط الجزائي حيث يجوز له أن يطالب بالتنفيذ العيني، ولا يطالب بتطبيق الشرط الجزائي.

بإعتبار أن العدول هو تصرف قانوني صادر بإرادة منفردة، فإن السؤالين الذين يطرحان و يستوجبان الإجابة عليهما:

1-هل يجوز للمتعاقد الرجوع في العدول ؟ أي : هل إذا صدر هذا التصرف يمكن الرجوع فيه و التمسك بتنفيذ العقد؟

الأصل أنه لا يجوز لمن تصرف منفردا أن يرجع فيه، فالتصرف القانوني ليس إخبارا حتى يمكن العدول عنه، بل واقعة ترتب آثارا قانونية معينة ،فالعدول يرتب مركزا قانونيا جديدا يعطي للمتعاقد الآخر الحق في أن يتمسك به كتصرف ظاهر ، و لكن ليس معنى هذا أن الرجوع في العدول أمر مستحيل، أو مطلق ، ذلك أن لمن عدل أن يتفق مع الطرف الآخر على تمديد مدة الخيار بالإتفاق على أن الطرفين حددا مدة أخرى لخيار العدول من جديد الأمر الذي يعني إسقاط العدول السابق، و إعتباره كأن لم يكن، و عندئذ تبدأ الدورة التعاقدية من جديد و تنطبق عليها شروط المادة 72 مكرر قانون مدني

2- هل إذا ما تمسك المتعاقد بحقه في العدول عن إتمام العقد يعد متعسفا في استعماله لهذا الحق ؟

لو قلنا بأن الإجابة تأتي على الإطلاق لصادرنا نص المادة 72 مكرر ولما أمكن تطبيقه، لأن ذلك يعني أن المتعاقد لا يستطيع أن يتحلل من العقد المصحوب بعربون خشية جزاء المسؤولية التقصيرية الناجمة عن التعسف، و إنما يجب وضع المسألة في قالبها الصحيح، فالتعسف في استعمال خيار العدول تحقق إذا كان العدول مفاجئا، و في وقت غير مناسب، و بلا مبرر يقتضيه، فذلك يمثل إساءة لاستعمال الحق يؤدي إلى تعويض يتجاوز خسارة العربون، و رد مثله للمشتري. فالجزاء الأصلي لا يوقع إلا مقابل العدول في ذاته مجردا من كل ظرف جعل منه فعلا ضارا يرتب المسؤولية.

فإذا تكشف للقاضي انطباق شروط التعسف في استعمال الحق المنصوص عليها بالمادة 124 مكرر من القانون المدني، فإنه لا يكتفي بإلزام من عدل بالجزاء المقرر بالمادة 72 مكرر فقرة 2 بل يتجاوزه إلى إلزامه بالتعويض لجبر الضرر الناتج عن التعسف في استعمال الحق كواقعة مستقلة عن حق العدول إعمالا للقواعد العامة للمسؤولية التقصيرية (المادة 124 ق م )، و بالتالي لا يشترط دائما أن العربون هو المقابل للعدول، بل قد يتعداه التعويض إلى العربون، و مبلغ إضافي لجبر الضرر الناتج عن الخطأ التقصيري.