فكرة ضمان العقد في الفقه الإسلامي

ضمان العقد في الفقه الإسلامي بالمعنى الاصطلاحي، هو ضمان مال تلف بناء
على عقد من عقود الضمان، وضمانه حينئذ يكون بما يقتضيه العقد من عوض، دون
مراعاة لقيمته كأساس في التقدير .
فالمبيع مضمون في يد البائع قبل التسليم بالثمن، فإذا تلف قبل التسليم ولو بآفة سماوية
انفسخ العقد وسقط الثمن .
وإذا كان المشتري قد أداه استرده، فضمان العقد لا يكون إلا في عقود المعاوضات
المالية .
ويقابل فكرة ضمان العقد في الفقه الإسلامي، فكرة انفساخ العقد الملزم للجانبين في فقه
التقنينات المدنية الحديثة، وليس فكرة المسؤولية العقدية .
فكرة ضمان العقد في الفقه الإسلامي
80
مقدمة تمهيدية وبيان لخطة البحث
الواقعة الشرعية هي مصدر الآثار الشرعية، وهي : إما أن تكون إرادية ترجع إلى إرادة
الإنسان وتسمى بالتصرفات ال شرعية، أو تكون مما لا علاقة لإرادته بها كالوقائع الطبيعية
كالوفاة والولادة.

والتصرفات الشرعية: منها ما ترتب آثارها بصرف النظر عن إرادة صاحبها، وتسمى بالتصرفات الفعلية كالاحتطاب والاصطياد … ومنها ما لا ترتب آثارها إلا باتجاه الإرادة إلى إحداثها، فيرتبها الشرع إعما ً لا لتلك الإرادة، وتسمى بالتصرفات القولية، هي عبارة عن : اتجاه الإرادة إلى إحداث نتائج شرعية معينة، وقوامها عمل اللسان (اللفظ) أو ما يقوم مقامه من كتابة أو إشارة أو دلالة حال، ويطلق عليها في فقه القانون المدني: تصرفات قانونية.

ومن هذه التصرفات القانونية ما يتوقف وجوده على ارتباط إرادتين وتسمى عقودًا بالمعنى الخاص في الفقه الإسلامي، ومنها ما توجد بوجود إرادة منفردة فقط، وتسمى بالتصرف ( بالإرادة المنفردة كالوصية والوعد بجائزة.( 1

والضمان هو أثر من الآثار الشرعية التي يرتبها الشرع على ا لتصرفات الشرعية بوجه عام . ويختلف نوع الضمان الذي يترتب عليها بحسب ما يكون التصرف فعليًا فيسمى عندئذ بضمان الفعل، أو يكون قوليًا فيسمى عندئذ بضمان العقد . وضمان العقد هو مصطلح فقهي محض ورد في كتب الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة.

وقد وجدت من المفيد التعريف ب المدلول الاصطلاحي في الفقه الإسلامي لهذا المصطلح ولاسيما أن بعض الشراح قد نظر إليه على أنه النظام الشرعي المقابل لنظام المسؤولية ( العقدية في فقه التقنينات المدنية الحديثة.( 2

وربما تبدو أهمية البحث في فكرة ضمان العقد نظرية بحتة، فهي تصقل الفكر الحقوقي من خلال تعرف الصناعة الفقهية الرائعة التي قدمها الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة لهذا الفكر مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 – العدد الثاني- 2003 أيمن أبو العيال
81

على وجه الخصوص على أن البحث في نظرية ضمان العقد في الفقه الإسلامي المقارن لا
تنحصر فائدته في هذه الناحية النظرية فحسب ولا يعدم الفائدة والأهمية العملية. فالمعاملات القا نونية المالية ذات الطابع الدولي في اتساع مستمر ومع التوغل في تحرير التجارة وتوسيعها، وهذا يعني أن القاضي الوطني مدعو دائمًا لتطبيق التقنينات المدنية العربية متى فرضت عليه ذلك قواعد الإسناد في تقنيننا الوطني.

ومن الثابت أن كثيرًا من التقنينات المدنية العرب ية قد استمدت أحكامها كلها أو معظمها أصو ً لا ( وفروعًا من الفقه الإسلامي بمذاهبه المتعددة.( 3

فمن الضروري الاطلاع على التراث الفقهي والصناعة الفقهية المميزة في شريعتنا الغراء.
وقد وجدت أ  ن فكرة ضمان العقد مجا ً لا خصبًا للبحث للوقوف على مدلولها الفقهي وهل فع ً لا هي النظرية الفقهية التي تقابل نظرية المسؤولية العقدية في فقه التقنينات المدنية.

وسوف نعرض لموضوع البحث من خلال فصلين أحدهما نظري والثاني تطبيقي كما يلي:
الفصل الأول: معنى ضمان العقد في الفقه الإسلامي
الفصل الثاني: تطبيق ضمان العقد في بعض العقود المسماة.
فكرة ضمان العقد في الفقه الإسلامي
82

الفصل الأول
معنى ضمان العقد في الفقه الإسلامي

المبحث الأول
الضمان بوجه عام

المطلب الأول
معنى الضمان وأصوله الشرعية وأسبابه

أولا: الضمان في اللغة والاصطلاح الفقهي:
الضمان لغة : هو الالتزام ( 4)، وفي اصطلاح الفقهاء فإنهم يطلقونه بعدة معانٍ فيطلقونه على
الكفالة، فيقولون عقد الضمان وعقد الكفالة على أنهما لفظان مترادفان يراد بهما الالتزام بحق
ثابت في ذمة غيره وهو ضمان الدين، أو بإحضار من هو عليه وهو ضمان النفس أو الوجه،
( أو بتسليم عين مضمونة وهو ضمان العين.( 5

هذا هو استعمال الفقهاء لاسم الضمان بالمعنى الخاص، إ لا أنهم يستعملونه فيما هو أعم من
ذلك بأنه ضمان المال بعقد أو بغير عقد كاعتداء ويراد به بهذا المعنى العام عندهم : شغل الذمة بما يجب الوفاء به من مال أو عمل، والمراد ثبوته فيها مطلوبًا أداؤه شرعًا عند تحقق شرط أدائه، سواء أكان مطلوبًا أداؤه في الحال كالدين ال حال، أم في الزمن المستقبل المعين كالدين المؤجل إلى أجل معين، إذ هو مطلوب أداؤه إذا ما تحقق شرط أدائه، وكالمبيع في يد من اشتراه بعقد فاسد فإن ضمانه على مشتريه ما دام في يده فيضمنه بقيمته لبائعه إذا( هلك.( 6

العلاقة بين مصطلح الضمان ومصطلح الدين:
الضمان أعم م ن الدين، لأن الضمان حسب المعنى الأعم هو شغل الذمة بما قد يطلب الوفاء
به إن تحقق شرط طلبه، وقد لا يتحقق هذا الشرط فلا يطلب لذلك كان أعم من الدين . لأنه لا
يستتبع مطالبة الضامن بما يشغل ذمته في جميع الأحوال، وإنما فقط عندما يتحقق شرط
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 – العدد الثاني- 2003 أيمن أبو العيال83
وجوب الأداء .

فالمرتهن يعد ضامنًا للعين المرهونة عند الأحناف ولكنه لا يطالب بشيء ما دام الرهن في يده . والمستعير ضامن للعين المعارة عند الشافعية والحنابلة ولكنه لا يطالب بشيء ما دامت العين في يده لم تنته إعارتها، فإذا هلكت طولب بقيمتها.

وكذلك الحال في ضمان الاستحقاق، فلا يطالب البا ئع بشيء إلى أن يظهر أن المبيع مستحق
( فيطالب بأداء الثمن.( 7

أما الدين فإنه في اصطلاح الفقهاء . ما وجب في ذمة المدين من نقود أو مثليات ( 8). وثبوت
الدين يستتبع المطالبة بوفائه، ولا تنفك عنه إلا عند تأجيله نتيجة لتنازل الدائن عنها مدة من
الزمن، لذلك فالضمان أعم من الدين، فكل مدين ضامن وليس كل ضامن مدينًا.

كما يستعمل الفقهاء لفظ الضمان للدلالة على المال المطلوب أداؤه تعويضًا عن الشيء المتلف،
( أو أنه واجب رد الشيء أو بدله عند تلفه.( 9

ثانيًا: الأصول الشرعية للضمان :
إن حفظ الأموال من الضروريات الخمس التي جاءت أحكام الشريعة الغراء لصيانتها، ويعد الضمان أحد أهم الوسائل الشرعية لحفظ أموال الناس وصيانتها . روى عن صفوان بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه أدرعًا يوم حنين، فقال أغصبًا يا محمد؟ قال بل عارية مضمونة . قال فضاع بعضها، فعرض عليه النبي صلى الله عليه و سلم أن يضمنها له
( فقال أنا اليوم في الإسلام أرغب.( 10

وروي عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “على اليد ما أخذت حتى
تؤديه” رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي، وزاد أبو داود والترمذي قال قتادة : ثم نسي الحسن فقال : “هو أمينك لا ضمان عليه ” يعني العارية وفيه دليل على أنه يجب على الإنسان رد ما أخذته يده من مال غيره بإعارة أو إجارة أو غيرها، حتى يرده إلى مالكه، وبه استدل من قال إن الوديع والمستعير ضامنان، وهو صالح للاحتجاج على التضمين لأن  المأخوذ إذا كان على اليد الآخذة حتى ترده، فالمراد أنه في ضمانها، كما يشعر لفظ على ، ( من غير فرق بين مأخوذ ومأخوذ . ( 11

فكرة ضمان العقد في الفقه الإسلامي
84
ثالثًا: أسباب الضمان:
للضمان أمثلة عديدة، منها ضمان الكفيل ما يكفله من مال بحيث يثبت في ذمة الكفيل كما هو ثابت في ذمة الأصيل ويصبح لصاحب الحق مطالبة من شاء منهما، وهو مذهب جمهور ( الفقهاء. ( 12

أو تنضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في المطالبة والأداء دون الدين وهو قول محمد من الأحناف والأصح في مذهبهم ( 13 ) ومنها ضمان الكفيل إحضار من التزم بإحضاره من الخصوم إلى مجلس القضاء، وهذه هي كفالة النفس أو الوجه، ومنها ضمان شخص تسليم عين من الأعيان في يد آخر كال عين في يد المستعير أو الغاصب ومنها ضمان الغاصب ما غصبه فتشغل ذمته برده إلى صاحبه ما دام قائمًا وبدفع قيمته أو مثله إذا هلك ومنها ضمان المستعير ما استعاره عند الشافعية والحنابلة إذ تشغل ذمته بأداء قيمته أو مثله إلى مالكه إذا هلك في يده ولو بآفة سماوية،

إلا إذا تلف بالاستعمال المأذون فيه – كأن يبلى الثوب من اللبس – فلا ضمان فيه، ومنها ضمان المعتدي على مال لغيره إذا أتلفه أو عيبه، إذ تشغل ذمته بأداء قيمته ( أو قيمة نقصه.( 14

من خلال الأمثلة المتقدمة نستخلص أن صور الضمان تتعدد في الفقه الإسلامي بتعدد أسبابه.
وقد تناول الفقهاء أسباب الضمان عرضًا في مواضع متعددة من أبواب الفقه، كأصل بنيت عليه مسائل فرعيه كثيرة تتصل بالضمان لم يتناولوها كعادتهم في مبحث خاص ومما يذكره الفقهاء عن أسباب الضمان إلزام الشارع والعقد والاعتداء والإتلاف والغصب والتفويت والتعييب والتغيير واليد والشرط والغرور والحيلولة بين المال وصاحبه والتسبيب.

وكل هذه الأسباب ترجع إلى فكرة الواقعة الشرعية التي أشرنا إليها في مقدمة هذا البحث
والتي يعد التصرف الشرعي إحدى صورها.

وهنا أيضًا تتداخل بعض هذه الأسباب بحيث يمكن تقسيمها إلى نوعين رئيسيين الأول العق د
والثاني الفعل( 15 ). فض ً لا عن إلزام الشرع.

وإذا كان العقد من أسباب الضمان فما هو أساس الضمان في العقود؟
المطلب الثاني
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 – العدد الثاني- 2003 أيمن أبو العيال
85
عقود الضمان في الفقه الإسلامي

أولا- تقسيم العقود بحسب إفادتها للضمان:
تنقسم العقود في الفقه الإسلامي بالنظر إلى الضمان أو عدمه إلى عقود ضم ان وعقود أمانة
وعقود مزدوجة الأثر. فعقود الضمان هي التي يكون المال محلها مضمونًا على الطرف القابض له، فمهما يصبه من تلف فما دونه ولو بآفة سماوية يك  ن على مسؤوليته وحسابه .

وهذه العقود هي البيع والقسمة
والصلح عن مال بمال والقرض وإقالة هذه العقود والعارية على رأي الشافعية والحنابلة. أما عقود الأمانة فهي التي يكون المال المقبوض في تنفيذها أمانة في يد قابضه لحساب صاحبه فلا يكون القابض مسؤو ً لا عما يصيبه من تلف فما دونه إلا إذا تعدى أو قصر في حفظه، وهذه العقود هي الإيداع والشركة والوكالة والوصاية والعارية عند الأحناف والمالكية.

وأما العقود مزدوجة الأثر فتنشئ الضمان من وجه والأمانة من وجه على المعنى المتقدم
وهذه العقود هي الإجارة والصلح عن مال بمنفعة والرهن .

ثانيًا- أساس تقسيم العقود في الفقه الإسلامي إلى عقود أمانة وعقود ضمان.
إن أساس تقسيم العقود بهذا الاعتبار هو فكرة المعاوضة فالضمان يدور مع المعاوضة – ولو
بحسب المآل – وجودًا وعدمًا، وحينئذ يكون العقد عقد ضمان في حدود ما ينطوي عليه من
( معاوضة ويتعلق بها.( 16

فالبيع والصلح عن مال بمال معاوضة محضة والقرض معاوضة ا نتهاء ومآ ً لا لأن المقترض يمتلك مبلغ القرض على أساس أ ن يرد مثله عوضًا عنه أما الإجارة – و الصلح عن مال بمنفعة في معناها فالمعاوضة هي بين الأجرة وبين المنفعة دون عين المأجور فيعد هذا العقد من عقود الضمان بالنسبة للأجرة والمنفعة لأنهما محل المعاوضة ومتعلقها لا عين المأجور في يد المستأجر فالعقد في حقه أمانة.

وكذلك عقد الرهن فالمال المرهون عند الأحناف مضمون على المرتهن بما يعادل الدين والزيادة أمانة في يده لأن قبض المرهون هو قبض على أساس الاستيفاء عند الاقتضاء إلى جانب معنى الاستيثاق – والاستيفاء هنا معاوضة – ولكن لما كان الاستيفاء من المرهون فكرة ضمان العقد في الفقه الإسلامي
86
محددًا بمقد ار الدين فتكون الزيادة من المرهون أمانة إذ لا معاوضة فيما يتعلق بهذه
.( الزيادة ( 17

وأما عقد العارية فتمشيًا مع هذا الأساس فإنها ليست من عقود الضمان عند الأحناف والمالكية
ويد المستعير أمانة لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط لخلوها من معنى المعاوضة وكذا الوكالة والشركة والوديعة والوصاية، وخالف الشافعية والحنابلة وقالوا إن يد المستعير يد ضمان وأن العارية من عقود الضمان لورود الدليل الشرعي الذي أشرنا إليه فيما تقدم.

ثالثًا-قلب مقتضى العقد بالشرط من حكم الضمان إلى الأمانة أو العكس:
جاء في مجمع الضمانات “واشتراط ال ضمان على المستعير باطل وكذا الحكم في سائر
الأمانات نحو الودائع … والعين المؤجرة … وقيل إذا شرط الضمان على المستعير تصير
مضمونة عندنا في رواية، ذكره الزيلعي وجزم به في الجوهرة ولم يقل في رواية ” .

أيضًا لا يجوز الاتفاق على جعل الأجير المشترك في المذهب الحن في مسؤو ً لا فيما لا يمكنه
الاحتراز عنه، أما الاتفاق على جعله غير مسؤول فيما يمكنه الاحتراز عنه فهو جائز عند أبي حنيفة خلافًا لصاحبيه ( 17 ) مكرر .

وقد اختلفت الروايات عن أحمد في صحة اشتراط قلب مقتضى العقد من حكم الضمان إلى
حكم الأمانة أو العكس قال شمس الدين بن قدامة المقدسي “وإن اشترط المستعير نفي ضمان العارية لم يسقط الضمان وعن أحمد أنه ذكر له ذلك فقال: “المؤمنون على شروطهم ” ولكن. ” ( الأول هو ظاهر المذهب( 18

وعند الشافعية يلغون الشرط إذا كان من مقتضاه “قلب يد الضمان إلى أمانة كما في العارية
. ( لورود الدليل الشرعي بإفادة الضمان( 19

على أنه إذا كان العقد من أسباب الضمان في الفقه الإسلامي، فهل يفيد ضمان عقد بالمعنى
الاصطلاحي دائمًا؟ وهل فكرة ضمان العقد تقابل فكرة المسؤولية العقدية في فقه التقنينات
المدنية؟
المبحث الثاني
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 – العدد الثاني- 2003 أيمن أبو
العيال
87
التعريف بضمان العقد وتمييزه عما يلتبس به
المطلب الأول

التعريف بضمان العقد في الفقه الإسلامي
أولا- المعنى الإضافي لضمان العقد:
ذهب بعض الفقهاء إلى القول إن من العقود ما شرع لإفادة الضمان فكان الضمان حكمًا وأثرًا
لها وهو عقد الكفالة إذ حكمه التزام الكفيل وهو الضامن ضمان المكفول به ف تشغل ذمته به
وبأدائه عند الجمهور، وبأدائه فقط في الراجح عند الأحناف وقد يكون المكفول به دينًا في ذمة
الأصيل وقد يكون فعلا كما في كفالة تسليم عين من الأعيان وكما في أداء الدين عند محمد
من الأحناف.

ومن العقود ما شرع لإفادة حكم آخر غير الضمان، ولكن الضمان يت رتب عليه أثر لازم
لحكمه كعقد البيع فإنه شرع لإفادة الملك في البدلين، ويلزم من ذلك التزام البائع بتسليم المبيع
إلى المشتري عند أدائه الثمن فتشغل ذمته به، كما قد تشغل ذمته بالمبيع نفسه دينًا للمشتري إذا كان من المثليات، وكذلك يلتزم فيه المشتري بتسليم الثمن إ لى البائع إذا كان عينًا وتشغل ذمته بتسليمه كما تشغل به ذمته أيضًا إذا كان دينًا.

فتسليم البدلين واجب على العاقدين لأن العقد أوجب الملك في البدلين ومعلوم أن الملك ما ثبت لعينه وإنما ثبت وسيلة للانتفاع بالمملوك ولا يتهيأ الانتفاع به إلا بالتسليم فكان إيجاب ا لملك في البدلين شرعًا، إيجابًا لتسليمهما ضرورة، ولأن معنى البيع لا يحصل إلا بالتسليم والقبض لأنه عقد مبادلة وهو مبادلة شيء مرغوب فيه بشيء مرغوب فيه، وحقيقة المبادلة في التسليم ( والقبض لأنها أخذ بدل وإعطاء بدل.( 20

فإذا كان الضمان متعلقًا بمال فإن الذمة تشغل به كما في ضمان الدين، وكما في ضمان الاستحقاق عند الجمهور، وذلك عند استحقاق المبيع لمالكه الحقيقي غير البائع، إذ تشغل ذمة الضامن للاستحقاق – أي البائع – بالثمن . فإذا امتنع أجبره القضاء على الوفاء ونفذ فكرة ضمان العقد في الفقه الإسلامي
88
على ماله بالطرق المشروعة في التنفيذ على المدين بوفا ء دينه، وإذا ظهر إعساره فنظرة إلى
( ميسرة.( 21 ويمكن أن نسمي هذا المعنى لضمان العقد بالمعنى الإضافي لأنه مستخلص من معنى مصطلح الضمان مضافًا إلى العقد، وهو بهذا المعنى عبارة عن التنفيذ العيني للالتزامات الناشئة عن العقد.

ثانيًا- المعنى الاصطلاحي لضمان العقد:
يقول الإمام السيوطي : في الأشباه والنظائر ( 22 ) أسباب الضمان أربعة : أحدها العقد كالمبيع والثمن المعين قبل القبض، والسلم والإجارة ..الخ . فهذه الأعيان وأمثالها مضمونة ضمان عقد مادامت في يد من وجب عليه بالعقد تسليمها إذا هلكت قبله .

وضمانها عندئذ يكون بما ينص عليه العقد من بدل مقابل، من دون مراعاة لقيمتها كأساس في تقدير الضمان . ويقول الإمام الكاساني ( 23 ) “المبيع في يد البائع مضمون بأحد الضمانين وهو الثمن ألا ترى
أنه لو هلك في يده سقط الثمن عن المشتري فلا يكون مضمونًا بضمان آخر إذ المحل الواحد
لا يقبل الضمانين”.

إذًا، ضمان العقد هو ضمان مال تالف بناء على عقد اقتضى الضمان وضمانه عندئذ يكون بما يقتضيه العقد من بدل دون مراعاة لقيمة المال كأساس في التقدير، فالمبيع عند هلاكه في
يد البائع مضمون بالثمن فيسقط الثمن بهلاكه ويبطل عقد البيع ويرد الثمن إذا كان قد أُدي قبل ذلك.

فضمان العقد في نظر الفقهاء لا يكون إلا فيما ينص عليه في العقد كالمبيع في عقد البيع وكذلك الثمن إذا كان عينًا معينة والأجرة في عقد الإجارة إذا كانت عينًا معينة، ومنفعة العين المؤجرة، وبدل الصلح إذا كان عينًا كذلك وذلك لأن ضمان العقد لا يقوم عل ى تحقيق المماثلة
والمعادلة بين البدلين كما في ضمان الإتلاف وإنما يؤسس على الرضا والاتفاق الذي يقوم ( عليه العقد ولذا سقط اعتبار التفاوت فيه بين البدلين.( 24

ونستخلص مما تقدم أن ضمان العقد بالمعنى الاصطلاحي لا يتأتى إلا في عقود المعاوضة
التي ترتب التزامات متقابلة على عاقديها .
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 – العدد الثاني- 2003 أيمن أبو
العيال
89
المطلب الثاني
تمييز ضمان العقد وتحريره عما يلتبس به

أولا- ضمان العقد وضمان الإتلاف
يشير الإمام القرافي ( 25 ) إلى أن أسباب الضمان ثلاثة متى وجد واحد منها ثبت الضمان أحدها التفويت مباشرة كإحراق الثوب …… وثانيها التسبب بالإتلاف كحفر بئر في موضع لم يؤذن فيه … وثالثها وضع اليد غير المؤتمنة.

فضمان الإتلاف إنما يكون أثرًا للإتلاف ويضمن به المتلف قيمة ما أتلفه وقت تعديه سواء كان المتلف في يده أم لا، وأداء مثله إن كان مثليًا.

فإذا امتنع الأجير عن القيام بما التزم به من عمل فترتب على ذلك تلف مال لم ن استأجره وكان عمل الأجير وقاية له لزمه التعويض بأداء قيمة ما تلف وذلك كما إذا استأجر إنسان آخر لترميم جدار فامتنع عن ذلك فترتب عن امتناعه سقوط الجدار، أو استأجر أجيرًا ليقيم له حاجزًا على حافة مزرعته ليمنع طغيان ماء النهر عليها ثم امتنع فتسبب عن امتناعه أ ن طغى الماء عليها فأتلف ما فيها من زرع، فإنه يلزم بقيمة ما تلف لتسببه في هذا التلف فهذا ليس من ضمان العقد، إذ لم يكن من أثر عقد الإجارة ضمان الجدار أو ما في المزرعة من زرع، وإنما هو ضمان إتلاف حدث تسببًا بسبب امتناع الأجير عما التزم به امتناعًا كان فيه ( متعديًا.( 26

ثانيًا: ضمان العقد وضمان اليد
ضمان اليد هو الضمان لتلف مال في يد الضامن وذلك بسبب لا يد لصاحب اليد فيه ويراعى
في هذا النوع أيضًا قيمة المال التالف إذا كان قيميًا وأداء مثله إذا كان مثليً ا. فضمان العقد
( مرده ما اتفق عليه المتعاقدان أو بدله وضمان اليد مرده المثل أو القيمة. ( 27

ويد الضمان هي كل يد لا تستند إلى إذن شرعي سواء أكان من المالك أم من الشرع وكذلك كل يد تستند إلى إذن شرعي ولكن دل الدليل على تضمين صاحبها ( 28 ) ومن ثم تكون يد الأمانة هي ما كانت عن ولاية شرعية ولم يدل دليل على ضمان صاحبها . فيد الغاصب بناء
على المعيار السابق هي يد ضمان ( 29 ) وكذا يد من يقبض ما ً لا معتقدًا أنه ملكه فإذا هو
فكرة ضمان العقد في الفقه الإسلامي
90
مملوك لغيره . ومثل اليد التي تستند إلى إذن شرعي يد الملتقط على اللقطة بقصد التعريف بها
وقبض أموال المحجورين، ومثل اليد التي تستند إلى إذن ضمني يد الفضولي على المال الذي
( ينقذه لغيره من التلف، فكل هذه الأيدي هي أيدي أمانة ( 30

أما القبض بإذن المالك فإن كان بعقد لا يفيد التمليك فإن كان لمصلحة القابض فيده يد ضمان كما في العارية عند الشافعية والحنابلة في ظاهر مذهبهم وإن كانت لمصلحة المالك كالوديع فيده يد أمانة أما إ ن كان القبض لمصلحتهما كالرهن والمضاربة والوكالة والشركة والوصية فيده يد أمانة وكذا العين المأجورة أو الموصى بمنفعتها لأن مصلحة المالك أعظم من مصلحة
. ( القابض، وإن كان بقصد إفادة الملك فتبين فساد العقد فإن يده يد ضمان( 31

” ( وأما المقبوض على سوم الشراء ففيه خلاف جاء في مجمع الضمانات للبغدادي ( 32
المقبوض على سوم الشراء مضمون عند بيان الثمن في ظاهر الرواية وعلى وجه النظر ليس
بمضمون مطلقً ا” فالقابض على سوم الشراء مع تعيين الثمن يحوز الشيء بإذن المالك لمصلحة
. ” ( نفسه لأنه يحوزه بقصد شرائه لنفسه فتعد يده يد ضمان ( 33
حكم يد الضمان ويد الأمانة

لا ضمان على صاحب يد الأمانة عند تلف المال تحتها إلا إذا قصر في حفظها أو تعدى عليها
من أجل ذلك ضمن الوديع إذا أخبر اللص بمكان الوديعة فسرقها منه لتعديه بذلك وكذلك إذا كان الرد ومؤنته واجبين شرعًا على صاحب اليد فإن إهماله ا لرد بعدم سعيه فيه مستوجب لضمانه إذا كان بغير عذر وإن كان الاسترداد واجبًا على مالك المال لم يكن إغفاله من واضع اليد مستوجبًا ضمانه وعلى هذا الأساس حكم الأحناف بعدم ضمان المستأجر بعد انتهاء الإجارة إذا لم يسارع إلى تسليم العين المؤجرة لأن استردادها ومؤنته ع لى مالكها بعكس الإعارة فهو على المستعير.

أما يد الضمان فالحكم تضمين صاحبها عند تلف المال تحتها سواء أكان تلفه باعتداء من واضع اليد [ وعندئذ يكون من ضمان الإتلاف ] أم من أجنبي، أم كان بسبب لا يد لصاحب اليد فيه كالآفة السماوية مثل الموت والنار الغالبة.

إلا أ نه إن كان بفعل أجنبي فقرار الضمان عليه وإن كان بفعل المالك ذاته فعليه ضمانه ولا
.( شيء على صاحب اليد ( 34

مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 – العدد الثاني- 2003 أيمن أبو
العيال
91
الفصل الثاني
تطبيق ضمان العقد في بعض العقود المسماة

المبحث الأول
كيفية الضمان في عقود المعاوضات المالية

المطلب الأول
الضمان في عقود المعاوضة المالية ابتداء

أولا : الضمان في عقد البيع
جاء في بدائع الصنائع ( 35 ) “المبيع في يد البائع مضمون بأحد الضمانين وهو الثمن ألا ترى
لو هلك في يده سقط الثمن عن المشتري فلا يكون مضمونًا بضمان آخر، إذ المحل الواحد لا
يقبل الضمانين

وإن هلك بفعل المشتري لا ينفسخ البيع وعليه الثمن لأنه بالإتلاف صار قابضَا كل المبيع لأنه لا يمكنه إتلافه إلا بعد إثبات يده عليه وهو معنى القبض فيتقرر عليه الثمن.

وسواء كان البيع باتًا أم بشرط الخيار للمشتري لأن خيار المشتري لا يمنع زوال المبيع عن ملك البائع بلا خلاف فلا يمنع صحة القبض ولا يمنع تقرر الثمن.

وإن كان البيع بشرط الخيار للبائع فعليه ضمان مثله إن كان مماله مثل وإن كان مما لا مثل
له فعليه قيمته لأن خيار البائع يمنع زوال المبيع عن ملكه بلا خلاف فكان المبيع على حكم
ملك البائع، وملكه مضمون بالمثل أو القيمة …

وإن هلك بفعل أجنبي فعليه ضمانه لا شك فيه لأنه أتلف ما ً لا مملوكًا لغيره بغير إذنه ولا يد له عليه فيكون مضمونًا عليه بالمثل أو القيمة، والمشتري بالخيار إن شاء فسخ العقد فيعود المبيع إلى ملك البائع فيتبع الجاني فيضمنه مثله إن كان من ذوات الأمثال أو قيمته إن لم يكن من ذوات الأمثال وإن شاء اخت ار البيع فاتبع الجاني بالضمان واتبعه البائع بالثمن لأن المبيع قد تعين في ضمان البائع … وتعين المبيع في ضمان البائع يوجب الخيار .

ثم إن اختار الفسخ وفسخ واتبع (أي البائع ) الجاني بالضمان وضمنه ينظر إن كان الضمان من جنس الثمن وفيه فضل على الثمن لا يطيب له الفض ل لأن الفضل ربح ما لم يملك لزوال المبيع عن ملكه بالبيع نفسه، وربح ما لم يضمن لا يطيب لنهي فكرة ضمان العقد في الفقه الإسلامي 92

– النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن (الحديث رواه النسائي – 2112
والترمذي – 1252 ) .ولما فيه من شبهة الربا فربح ما لم يملك أولى وإن كان الضمان من
خلاف جنس ا لثمن طاب الفضل لأن الربا لا يتحقق عند اختلاف الجنس،

وإن اختار (أي المشتري) البيع واتبع الجاني بالضمان وضمنه فإن كان الضمان من جنس الثمن لا يطيب له الفضل لأنه ربح ما لم يضمن في حقه لا ربح ما لم يملك لأن المبيع ملكه وإن كان من خلاف جنسه طاب الفضل له . “

وإلى ما ذهب إليه الأحناف ذهب الشافعية والحنابلة إلا أن الخيار عند الشافعية الذي يثبت
للمشتري إن كان الإتلاف بفعل أجنبي إنما يمارسه تحت رقابة القاضي وسلطته التقديرية في أن يقرر الانفساخ مع ضمان المبيع بالثمن وبين إجازة البيع واتباع المشتري الأجنبي بالبدل.كما أنهم يبطلون إبراء المشتري للبائع عن الضمان في عقد البيع لأنه إبراء عما لم ( يجب .( 36

كما أن الحنابلة خلافًا للأحناف والشافعية فإنهم يثبتون الخيار للمشتري حال كون الإتلاف بفعل البائع لا بآفة سماوية لأنه إن تلف بها لم يوجد مقتض للضمان إلا حكم العقد وهو ضمان العقد بالمعنى الاصطلاحي بخلاف ما إذا أتلفه البائع فإن إتلافه يقتضي الضمانبالمثل وهو ضمان الإتلاف، وحكم العقد يقتضي الضمان بالثمن فكانت الخير ة للمشتري في ( التضمين بأيهما شاء كما لو كان الإتلاف بفعل أجنبي ( 37 وأما عند المالكية فإن ضمان المبيع غير العقا ر من البائع وهو مضمون بالثمن، وأما العقار فهو من ضمان المشتري، ولكن يجوز عندهم نقل الضمان إلى الآخر في الحالتين بمقتضى الشرط ويعمل بمقتضاه عندئذ ( 38 ) خلافًا للشافعية .

ثانيًا : الضمان في عقد الإجارة:
الإجارة عقد معاوضة بين الأجرة والمنفعة وهي من عقود الض مان بالنسبة للأجرة والمنفعة لأنهما محل المعاوضة ومتعلقها ( 39 ) فالمنفعة مضمونة على المؤجر ضمان عقد بالأجرة سواء كان مؤجرًا لعين أم مؤجرًا لنفسه، إذ تشغل ذمته بتسليم العين المؤجرة أو بأداء العمل الذي تم التعاقد عليه فيكون ضامنًا لما استؤجرعليه من تسليم أو عم ل ضمان عقد حتى إذا لم مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 – العدد الثاني- 2003 أيمن أبو
العيال
93
يقم بذلك لم يستحق أجرًا وسقطت الأجرة وبرئت ذمة المستأجر إذا لم يتحقق الانتفاع وفاتت
المنفعة.

وكذلك فإن الأجرة متى كانت عينًا معينة فهي مضمونة ضمان عقد على المستأجر بالمنفعة
فإذا هلكت العين قبل استيفاء المنفعة انفسخ عقد الإجارة للعجز ع ن تسليم الأجرة وسقط التزام
المؤجر بتسليم العين المؤجرة .
وأما إذا كانت المنفعة قد استوفاها المستأجر فإ  ن المؤجر يكون قد ملك العين التي هي الأجرة
كلها وتكون في يد المستأجر بعد تمام الانتفاع مضمونة عليه ضمان يد – لا ضمان عقد –
.( بالمثل أو القيمة ( 40

وأما با لنسبة للعين المؤجرة فإن يد المستأجر عليها يد أمانة ما دام عند عقده لم يتجاوز حقه
الذي تملكه في الانتفاع بها ولا ما تم اشتراطه في عقد الإجارة من شروط أو ما أوجبه
العرف، فإذا تجاوز ذلك صارت يده يد ضمان لأنها لم تعد مستندة إلى عقد الإجارة فإذا تلفت
في يده ضمن ها بقيمتها أو مثلها عند الاعتداء عليها ضمان يد لا ضمان عقد، بل إن هذا
الضمان ليس من آثار عقد الإجارة لأنه من عقود الأمانة بالنسبة للعين المؤجرة ويد المستأجر
يد أمانة إنما كان هذا الضمان من آثار الفعل أو الامتناع الذي صير يد المستأجر يد ضمان.

إجارة الأشخاص:
يميز الفقهاء بين الأجير الخاص والأجير المشترك أما الأجير الخاص فهو الذي تكون منافعه
مختصة بالمستأجر ضمن مدة محددة من الزمن، أما إذا لم يختص المستأجر بمنافعه خلالها
سمي مشتركًا لأنه يتقبل الأعمال لأكثر من شخص في وقت واحد .والأجير الخاص يستحق
الأجرة بتسليم ن فسه وإن لم يعمل لأن منافعه صارت مستوفاة بتسليم نفسه أما المشترك فلا يستحقها إلا بالعمل.

وإذا اقتضى عقد الإجارة أن يضع الأجير يده على بعض أشياء للمستأجر فهي أمانة في يده
عند جميع الفقهاء لا يضمنها إلا بالتعدي أو التفريط متى كان أجيرًا خاصًا، أما الأجير
.

( المشترك ففيه خلاف، فعند الأحناف يد الأجير المشترك على المتاع يد أمانة ( 41
وعند الظاهرية، فعند ابن حزم يد الأجراء عمومًا يد أمانة ما لم يثبت المستأجر تعدي الأجير
على المال أو إضاعته له فإنه يضمن والقول قول الأجير بيمينه ما لم يثبت صاحب المتاع
فكرة ضمان العقد في الفقه الإسلامي
94
تعديه أو إضاعته ويستحق الأجرة إذا أثبت الأجير أنه قام بالعمل المطلوب فإن لم تكن له بينة
.( حلف صاحب المتاع أنه لا يعلم أنه عمل ما يدعي أنه عمله ولا شيء عليه حينئذ ( 42
وأما عند المالكية فالأجراء على حمل الطعام والشراب – بصفة خاصة – يضمنون صيانة
لأموال الناس بشرطين،

الأول : أن يكون التلف حاصلا بسببهم، كأن يشدها بحبل واهن،
فإن كان التلف بسبب قهري لا يد لهم فيه فلا يضمنون .

والثاني : أن لا يكون صاحب الطعام
المحمول برفقة الأجير .

وأما الصناع فإنهم يضمنون، فالخياط يضمن الثياب التي يخيطها،
إلا إذا أثبت الصانع أن المتاع قد ضاع بسبب قهري من دون تفريط أو إهمال، وهو الأصح،
. ( وقيل عليهم الضمان مطلقًا ( 43

وعند الشافعية ثلاثة أقوال أظهرها أنه لاضمان على الأجير المشترك إلا بالتعدي أو التفريط
. وعند الحنابلة يضمن الأجير المشترك ما تلف بفعله كتخريق الثوب، روي عن عمر وعلي
وشريح والحسن رضي الله عنهم، لأن عمله مضمون عليه لكونه لا يستحق العوض إلا
بالعمل، وأن الثوب لو تلف في حرزه بعد عمله لم يكن له أجرة فيما عمل بخلاف الخاص
…، ولا يضمن المشترك ما تلف من حرزه أو بغير فعله لأن العين في يده أمانة كالمودع
.( ولا أجرة له فيما عمل لأنه لم يسلم عمله إلى المستأجر ( 44

والضمان عند القائلين به هو من ضمان اليد بالمثل أو القيمة يوم دفعه إليه أو يوم تعديه لا من
ضمان العقد.

ثالثًا : الضمان في عقد الصلح:
الصلح في الفقه الإسلامي عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة وهو من حيث موقف المدعى
عليه نوعان: صلح بعد الإنكار والسكوت في حكم الإنكار وصلح بعد إقرار المدعى
عليه بالحق المدعى به.

وهو من عقود الضمان ويفيد ضمان العقد بالمعنى الاصطلاحي، فإذا كان بدل الصلح مما
يتعين بالتعيين فهلك قبل تسليمه للمدعي، انفسخ الصلح فإن كان الصلح عن إقرار يرجع
المدعي على ال مدعى عليه بالمدعى به من دون حاجة إلى مخاصمة جديدة في إثباته لأنه ثبت بالإقرار لأن الصلح هنا بيع حقيقة إن كان على عين مال وإجارة حقيقية إن كان على منفعتها .

مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 – العدد الثاني- 2003 أيمن أبو العيال
95 فتنطبق أحكام الإجارة، والضمان يكون ضمان عقد الإجارة المذكور. وإن كان الصلح عن
إنكار أو سكوت رجع المدعي إلى دعواه بالمصالح عنه لتبين بطلانه.

فحق الدعوى مضمون ببدل الصلح وبدل الصلح إن كان عينًا معينة مضمون بحق الدعوى
وهذا في صلح الإنكار والسكوت فإذا هلك أحدهما قبل تسليمه إلى مستحقه بمقتضى عقد
الصلح انفسخ وسقط المقابل عن العاقد الآخر ورجع إلى دعواه في المص الح عنه قبل الصلح
. (45)

المطلب الثاني
الضمان في عقود المعاوضات المالية انتهاء

أولا – الضمان في عقد القرض
عقد القرض من عقود الضمان لأن المال المقترض يمتلكه المقترض بالقبض على أساس
الإيفاء برد مثله عوضًا عنه فهو تبرع ابتداء معاو ضة انتهاء ومآلا . والمقترض ض امن لمثل
القرض أو لقيمته إن تعذر المثل والضمان بهذه الصورة هو حكم من أحكام عقد القرض وأثر
من آثاره وسواء قلنا إنه من ضمان العقد بالمعنى الاصطلاحي لأن العوض المقابل في عقد
( القرض هو رد المثل أو القيمة أو قلنا إنه من ضمان اليد لأنه بالمثل أو القيمة. ( 46

ثانيًا : الضمان في عقد الرهن:
المال المرهون عند الشافعية – في قول – أمانة في يد الدائن المرتهن فهو من عقود الأمانة
لأن الغاية من قبض المرهون استيثاقية محضة عندهم بد ً لا من كتاب ة صك يوثق الدين
المضمون، فيأخذ المرهون حكم الصك فإذا تلف في يده دون تفريط لا يسقط شيء من الدين
مثلما لا يسقط شيء من الدين بتلف الصك . وكذلك الحكم في المذهب الحنبلي لأن منافع
المرهون للراهن فكذا غرمه .

في حين ذهب الأحناف إلى أن الغاية من قبض المرهون ليست استيثاقية فحسب بل فيه معنى الاستيفاء من قيمة المرهون عوضًا عن دينه متقدمًا بذلك على سائر غرماء المدين فلا يكون مجرد أمانة في يده بل هو أمانة فيما زاد من قيمة المرهون على مقدار الدين المضمون به
فكرة ضمان العقد في الفقه الإسلامي 96

لأن معنى المعاوضة في الرهن تقتصر على هذه الحدود أما في هذه الحدود فالمرهون في يد
المرتهن مضمون عليه ضمان عقد بالدين المضمون فإذا تلف المرهون في يد المر تهن سقط
الدين، وما زاد على قيمة المرهون فهو أمانة في يده يضمنه ضمان يد بالتعدي أو التقصير .
(47)

المبحث الثاني
كيفية الضمان في المعاوضات غير المالية والعارية والعقود الفاسدة

المطلب الأول
الضمان في المعاوضات غير المالية والعارية
أولا : الضمان في عقد النكاح

عقد النكاح من عقود الضمان بالنسبة للمهر وهو يلزم الزوج بالدخول أو الموت وإن حصل
الطلاق قبل الدخول لزمه نصفه إن كانت هناك تسمية للمهر وإلا فإن لم يكن هناك مهر مسمى
فإنه يلزمه مهر المثل بالموت أو الدخول ولها المتعة بالطلاق قبل الدخول .

ولكن ضمان المهر هل هو ضمان عقد أم ضمان يد؟ باعتباره من عقود المعاوضات غير
المالية.

عند الأحناف يضمنه ضمان يد بالبدل إذا تلف في يد الزوج قبل تسليمه للزوجة لأنه مال
مملوك للزوجة في يده وعليه تسليمه لها بموجب العقد فإذا لم يسلمه وجب عليه قيمته لها وقت تعديه بعدم تسليمه للزوجة عند القدرة عليه.

وإذا طلقها قبل الدخول وجب عليه نصف قيمته لارتفاع ملكها عن نصفه بالطلاق قبل الدخول
في هذه الحالة .

وإذا قبضته الزوجة فتلف في يدها وطلقها الزوج قبل الدخول بها وجب عليها
رد نصف قيمته لأنه تبين بالطلاق قبل الدخول فساد ملكها في النصف فكان في يدها مض مونًا
عليها كما يكون مضمونًا عليها إذا كانت الفرقة من قبلها قبل الدخول بسبب هو معصية.
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 – العدد الثاني- 2003 أيمن أبو
العيال
97
أما عند الشافعية فالأصح في مذهبهم أن الزوج يضمنه إذا تلف في يده قبل تسليمه للزوجة
ويجب عليه بتلفه مهر مثل الزوجة ولا يضمنه بقيمته وقيل يضمنه للزوجة بقيمته وهو قول
.( أحمد ( 48

ثانيًا : الضمان في عقد المخالعة:
الخلاف الذي أوردناه بخصوص الضمان في عقد النكاح يجري هنا لأن المال المسمى في
العقدين جميعًا هو عوض عن منفعة الاستمتاع وملك النكاح إلا أنه في أحدهما عوض عنه
( ثبوتًا وفي الآخر سقوطًا فيعد أحد العقدين بالآخر في هذا الحكم ( 49

فبدل الخلع مضمون بالقيمة عند الأحناف . وأما عند الشافعي فإن الزوج يملك بدل الخلع
بمجرد العقد ولكن لا يدخل في ضمانه إلا بالقبض كالمهر في النكاح فإن كان بدل الخلع عينًا
فهلكت قبل القبض أو استحقت أو تبين أنه خمر فإن الزوجة تضمنه للزوج بمهر المثل في
قوله ا لجديد، وفي قوله القديم تضمنه ضمان يد ببدل المسمى في عقد الخلع كما في الصداق .

( وإن خالعها على أن ترضع ولده فماتت فهو كالعين إذا هلكت قبل القبض . ( 50
يمكن القول إن ضمان العقد بالمعنى الاصطلاحي لا يكون إلا في عقود المعاوضات المالية
لأنها وحدها التي تقبل ا لفسخ أما الزواج والخلع فإنها من المعاوضات غير المالية وهي لا
تقبل الفسخ ( 51 ) لذا فإنه من غير المتصور أن يكون الضمان فيها ضمان عقد بالمعنى
الاصطلاحي الدقيق إنما يكون العوض عن منفعة الاستمتاع فيها مضمونًا ضمان يد بالمثل أو
القيمة وهو ما اختاره الأحناف أو يكو ن مضمونًا بما يقابله من بدل مع فساد التسمية وهو مهر
المثل وهو ما اختاره الشافعي في الجديد وهو شبيه بضمان العقد لأنه جعل منفعة الاستمتاع
مضمونة بالبدل المقابل وهو مهر المثل. دون أن ينفسخ العقد لأنه مما لا يقبل الفسخ.

ويمكن أن يجري رأي الشافعي في الجديد في ع قد الإجارة إذا كانت الأجرة عينًا معينة وهلكت
بعد استيفاء المنفعة فإن ضمان العقد بالمعنى الاصطلاحي يقتضي انفساخ الإجارة ولكن نظرًا
لاستحالة الرجوع بالزمن وعدم إمكانية الفسخ فإن المستأجر يضمن أجر المثل.

ثالثًا : الضمان في عقد العارية:
فكرة ضمان العقد في الفقه الإسلامي
98
قلنا إن فكرة ضمان العقد بالمعنى الاصطلاحي لا تتأتى إلا في عقود المعاوضات المالية، ومن
الثابت أن الإعارة من التبرعات المالية، ومع ذلك فهي من عقود الضمان عند الشافعية
والحنابلة ويد المستعير على العين المعارة يد ضمان ولو دون تفريط، ويستدلون على مذهبهم
بحديث صفوان بن أمية الذي أشرنا إليه.

فعند الشافعية فإن ضمان العين المستعارة يكون على المستعير إن تلفت لا باستعمال مأذون فيه فإنه يضمنها وإن لم يفرط لقوله عليه الصلاة والسلام بل ” عارية مضمونة “ولأنه مال
( يجب رده لمالكه فيضمن عند تلفه كالمستام فلو أعارها بشرط أن تكون أمانة لغا الشرط ( 52 وكذلك الحنابلة فإنهم فرقوا بين العارية والوديعة أن المستعير قبض المال لمصلحة نفسه منفردًا بنفعه من غير استحقاق ولا إذن في الإتلاف فكان مضمونًا كالغصب ولأن العارية
أخذتها اليد أما الوديعة فدفعت إلى الوديع ولنفع المودع فكانت يد الوديع يد أمانة، أما المست عير فقبضه لمصلحة نفسه فيكون مضمونًا لأن ا لإذن من المعير إنما تعلق بالانتفاع وقبض العين
وقع من حيث اللزوم فهو كقبض المضطر مال غيره لإحياء نفسه لا يسقط عنه الضمان لأن الإذن من الشرع تعلق بإحياء نفسه وجاء الإذن في الإ تلاف من باب اللزوم فوجب .( الضمان( 53

وأما ع ند الأحناف والمالكية فإن عقد العارية من عقود الأمانة ويد المستعير عليها يد أمانة
ولكنها تصير ضامنة في حال إتلاف المستعيرلها حقيقة أو معنى بالمنع بعد الطلب ولو قبل
انقضاء المدة أو بعد انقضاء المدة وبترك الحفظ فإن المستعير في هذه الأحوال يضمنها ضمان
.( يد بالمثل أو القيمة وقت الهلاك ( 54

وكذلك عند المالكية فالعارية في ضمان المالك إن هلكت من غير تعد أو تفريط من المستعير
فإن لم يثبت ضمن المستعير ما يغاب عليه كالعروض دون ما لا يغاب عليه كالحيوان فيقبل .( عندئذ قول المستعير فيما لا يغاب عليه ما لم يظهر كذبه ولا يقبل فيما يغاب إلا ببينة ( 55 فالضمان في عقد العارية عند القائلين به هو من ضمان اليد بالمثل أو القيمة وليس من ضمان العقد لأنه من التبرعات . ويكون الضمان عند الشافعية والحنابلة أثرًا من آثار عقد العارية
وحكمًا من أحكامه وأما عند الأحناف والمالكية فهو أثر من آثار الفعل أوالامتناع الذي حول يد
المستعير من يد أمانة إلى يد ضمان.

مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 – العدد الثاني- 2003 أيمن أبو
العيال
99
المطلب الثاني
الضمان في العقود الفاسدة
يفرق الأحناف في عقود المعاملات المالية غير الصحيحة بين الباطل والفاسد فالباطل ما كان .( غير مشروع لا بأصله ولا بوصفه والفاسد ما كان مشروعًا بأصله دون وصفه ( 56 والفاسد عندهم يفيد ملكًا خبيثًا بالقبض برضا صاحبه لا يبيح الانتفاع والواجب فسخه رعاية
( لأحكام الشرع .

فإذا تلف في يد المشتري كان ضامنًا لقيمته ضمان يد بمثله أو بقيمته ( 57
لأن البائع يفسخ البيع بحكم الفساد ويبقى المشتري مسؤو ً لا عن تلف المبيع لأن يده ي د ضمان ويرجع عليه البائع بمقتضى ضمان اليد بمثله أو بقيمته.

فليس للثمن المتفق عليه في البيع الفاسد اعتبار لبطلان التسمية ضمن فساد العقد كما أنه ليس لرضا البائع بالتسليم اعتبار مع الحظر من الشارع فعلى المشتري أن يرده إلى مالكه تجنبًا .( للمحظور فإذا تلف ضمنه ضمان يد بقيمته عند تسلمه ( 58

أما الباطل فلا ينعقد أص ً لا ولا يفيد الملك ولو بالقبض لذلك كان ينبغي أن يتلف المبيع في يد
المشتري بالبيع الباطل على البائع لأن المشتري قبض المبيع بإذنه دون أن ينتقل الملك إليه
فيكون أمانة في يده والأمانة تهلك على مالكها وهو البا ئع وقيل هذا قول أبو حنيفة.

ولكن ذهبالصاحبان إلى أنه يكون مضمونًا بالمثل أو القيمة على المشتري لأنه لا يكون أدنى حا ً لا منالمقبوض على سوم الشراء بعد بيان الثمن وهو مضمون ضمان يد على المشتري بالقيمة لأن .( القبض في الحالين تم لمصلحة المشتري ( 59

أما المالكية فإنهم يميزون بين العقد الباطل والفاسد لكن وفق معيار مغاير لمعيار الأحناف في
هذا الصدد فالباطل هو المتفق على فساده وهو محرم والفاسد هو المختلف في فساده ولو
خارج مذهب المالكية وهو مكروه فإذا فات المبيع فاسدًا بيد المشتري مضى المختلف فيه ولو
خارج المذهب بالث من الذي وقع به البيع وإن لم يكن مختلفًا فيه بل متفقًا على فساده

من7( المشتري قيمته إن كان مقومًا وضمن مثل المثلي ( 60
فالقاعدة المقررة في الفقه الإسلامي أن كل عقد يقتضي الضمان في صحيحه يثبت الضمان في فاسده وكل عقد لا يثبت الضمان في صحيحه لا يجب الضمان في فاسد ه، أما الأول
فكرة ضمان العقد في الفقه الإسلامية 100 فلأن الصحيح إذا أوجب الضمان فالفاسد أولى، وأما الثاني فلأن إثبات اليد عليه بإذن المالك، ( ولم يلتزم بالعقد ضمانًا . ( 61

والضمان الذي يفيده العقد الفاسد هو ضمان يد على أنه في الإجارة الفاسدة لا يضمن عند
الأحناف من أجر مثل المنفعة التي استوفاها إلا في حدود المسمى أيهما أقل لفساد التسمية
وإسقاط ما زاد على المسمى وإن كان فاسدًا ( 62 ) وأما عند جمهور الفقهاء فيضمن المنفعة
. ( بأجر المثل مهما بلغت ( 63

الخاتمة
ضمان العقد في الفقه الإسلامي بالمعنى الاصطلاحي الدقيق هو ضمان مال تلف بناء على عقد من عقود الضمان، وضمانه عندئذ يكون بما يقتضيه العقد من بدل دون مراعاة لقيمته كأساس في التقدير، فأساس حكم ضمان العقد ما اتفقت عليه إرادة المتعاقدين فالمبيع مضمون في يد البائع قبل التسليم بالثمن فإذا تلف قبل التسليم ولو بآفة سماوية انفسخ البيع وسقط الثمن وإذا كان المشتري قد أداه استرده.

وبهذا التحديد فلا يتحقق ضمان العقد إلا بشرطين إن صح التعبير:
الأول: أن يكون العقد من عقود الضمان.
الثاني: أن يكون من عقود المعاوضات المالية.

فإذا لم يكن من عقود الضمان لا يمكن أن يفيد ضمان العقد بالمعنى الاصطلاحي لأنه إن لم يكن من عقود الضمان فهو من عقود الأمانة ومن ثم فإن يد المدين على المال ستكون يد أمانة فلا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، وضمانه عندئذ لا يكون من ضمان العقد إنما يطلق عليه ضمان اليد وحكمه الالتزام بمثل المال المضمون أو بقيمته إن لم يكن من ذوات الأمثال.

ويكون ا لضمان وحكمه أثرًا من آثار الفعل أو الامتناع الذي حول يد المدين الأمين إلى يد ضمان فليس الضمان من آثار عقد الأمانة لأنه لا يفيد الضمان كعقد الوديعة والإجارة بالنسبة للعين المؤجرة وضمان اليد يدخل في عموم ضمان الفعل الذي يشمل إلى جانبه ضمان الإتلاف.

فإذا كان العقد من عقود الضمان ولكنه لم يكن من عقود المعاوضات بالنسبة لعين المال فإنه
عندئذ يفيد الضمان بحيث تكون يد المدين يد ضمان ولو دون تعد أو تفريط كعقد العارية ويد
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 – العدد الثاني- 2003 أيمن أبو العيال
101
المستعير على الشيء المعار عند الشافعية والحنابلة ومثل عقد الأجير المشترك ويده على ما
يسلم إليه من المستأجر من مال ليعمل فيه كالخياط فهي يد ضمان على أحد قولين، خلاف
الأصح، من مذهبي المالكية والشافعية .

إلا أن الضمان الذي يفيده عقد الضمان عندئذ ليس ضمان عقد بالمعنى الاصطلاحي لعدم
وجود مقابل للعين المضمونة، إنما يضمن العين عندئذ ضمانًا شبيهًا بضمان اليد أي بالمثل أو
بالقيمة في غير ذوات الأمثال.

وتكون يد الضمان وحكمها وهو الضمان أثرًا من آثار العقد، وكذلك إذا كان العقد من عقود
الضمان والمعاوضات لكنه من المعاوضات غير المالية كالزواج والخلع فإنه لا يفيد ضمان عقد بالمعنى الاصطلاحي لأن حكم ضمان العقد انفس اخ العقد وهذه العقود لا تقبل الفسخ، فإذا تلف المهر أو بدل الخلع فإن الزوج أو الزوجة تضمنه بالمثل أو القيمة فهو شبيه بضمان اليد.
نخلص إلى أن بين مصطلح ضمان العقد وعقد الضمان عموم وخصوص.

فضمان العقد يستلزم عقدًا من عقود الضمان أما عقد الضمان فلا يلزم أن يفيد ضمان عقد إنما
قد يفيد ضمان يد بمثل المال المضمون أو بقيمته، على أن الضمان عندئذ وحكمه يكون أثرًا
وحكمًا من أحكام العقد.

وفي سبيل الإجابة عن السؤال الذي طرحناه في المقدمة نقول إن فكرة ضمان العقد بالمعنى
الاصطلاحي تختلف اختلافًا كليًا عن فكرة المسؤولية العق دية في التقنينات المدنية الحديثة فهذه الأخيرة تعني تنفيذ العقد بطريق التعويض على الدائن عما فاته من كسب وما لحقه من خسارة بسبب إخلال المدين بالتزامه العقدي بعدم تنفيذه عينيًا بصورة كلية أو جزئية أو بصورة معيبة
أو إذا تأخر في تنفيذه.

وإذا كان هناك نظام قانوني شبيهًا بهذا النظام الفقهي أي ضمان العقد فإنه نظام انفساخ
العقود الملزمة للجانبين بسبب استحالة تنفيذ أحد الالتزامين المتقابلين بسبب أجنبي لا يد للمدين فيه كالقوة القاهرة أو خطأ الدائن أو خطأ غيره مع خلاف في بعض التفاصيل لا سيما إذا
كانت الاستحالة بفعل المدين أو بفعل أجنبي.

على أن ضمان اليد في الفقه الإسلامي يدخل في عموم المسؤولية العقدية في فقه التقنينات

فكرة ضمان العقد في الفقه الإسلامي
102
المدنية الحديثة ما دام إثبات اليد على المال قد تم بموجب عقد سواء كانت يد ضمان ابتداء
كيد الأجير المشترك في عقد الإجارة أم كانت يد أمانة إلا أنها تحولت إلى يد ضمان نتيجة
فعل الأمين أو امتناعه المعدود تعديًا أو تفريطًا.

فالمستأجر يده يد أمانة فإذا تعدى في استعمال العين المؤجرة خلافًا لما يقتضيه العقد أو
العرف فإنه تصير يده يد ضمان ويلتزم بتعويض المؤجر بأداء قيمتها أو مثلها .

وهذا هو
مقتضى المسؤولية العق دية في فقه التقنين المدني السوري إذا لم يبذل المستأجر في
المحافظة على العين المؤجرة عناية الرجل المعتاد على الأقل