بحث و دراسة حول النظام الدستوري الأردني و تطوراته

التــبــيــيـــن
لملاحظات حول المادة
-54-
لمادة النظام الدستوري الأردني
الطالب: وليد جمعه الزواهره
بإشراف : د. ليث نصراوين المحترم

المقدمة :

إن دراسة النظام الدستوري الأردني، وتطوراته على مدى وجوده حتى الوقت الحاضر، لتثير الباحث و تحرك قريحة الكاتب، لتناوله موضوعات تجعله مـِنْ أرقى الدساتير العربية، و مـِنْ جانب آخر فإنها تثير تساؤلات و غرابة في نفسه.

و وجه كثير مـِنْ الباحثين أقلامهم لدراسة النصوص الدستورية الأردنية، وحذوت حذوهم، واخترت مادة لم أجد حولها معلومات كثيرة، رغم ما تثيره حولها مـِنْ تساؤلات، ألا وهي المادة 54/3 مـِنْ الدستور الأردني، و لتحقيق هذه الغاية، فإني قد قسمت بحثي إلى مبحثين:
1) مدى وجود إلزامية لاستقالة الحكومة عقب انعقاد الانتخابات و بحثت فيه بمدى وجود عرف دستوري دولي، حول هذا الموضوع، و أسميته: استقالة الحكومة بعد الانتخابات و مدى إلزاميتها.
2) بحثت فيه عـَنْ مدى أهمية تشكيل حكومة في فترة ما بعد الانتخابات و عقب انعقاد المجلس – و أسميته بذلك-، و بحثت فيه حول المادة 54/3، بنصها القديم والحالي.

و حاولت فيه الإجابة عـَنْ بعض الأسئلة، فهل يوجد نص تشريعي حول استقالة الحكومة بعد إجراء انتخابات؟ هل تكرر هذا الأمر فأصبح عرفاً ملزماً؟ ما مدى أهمية وجود مثل هذا العرف في ظل وجود نص المادة 54\3من الدستور الأردني.

و إن مما يشرفني أن أقدم بهذا البحث المتواضع بين أيديكم، وهو الأول مـِنْ نوعه – كما أسلفت لكم –، و هذا ما كان ليكون إلا بتوجيهات كريمة أغدقها علي أستاذي د. ليث نصراوين الذي وجهني للبحث في هذا الموضوع، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.

أهديه لكل مـِنْ يقرّح عينيه بالبحث عـَنْ كل جديد.
و الله ولي التوفيق
وليد الزواهره.

خطة البحث:
* المبحث الأول- استقالة الحكومة بعد الانتخابات و مدى إلزاميتها: وبحثته في مطلبين
• المطلب الأول- وجود نص تشريعي
• المطلب الثاني- مدى وجود عرف دستوري

* المبحث الثاني- مدى أهمية تشكيل حكومة في فترة ما بعد الانتخابات و انعقاد المجلس في ظل نص المادة 54\3
• المطلب الأول – كيفية طرح الثقة بالحكومة.
• المطلب الثاني – غياب المجلس النيابي.
• المطلب الثالث- مدى صلاحية خطاب العرش أن يكون بياناً وزارياً.
• المطلب الرابع – النص الحالي مقارنة بنص الدستور عند صدوره عام 1952.
• المطلب الخامس – وضع و مدى دستورية الحكومة قبل و بعد البيان الوزاري.

المبحث الأول- استقالة الحكومة بعد الانتخابات و مدى إلزاميتها

إن بحث فكرة استقالة الحكومة أو إقالتها عقب الانتخابات هو موضوع بالغ الأهمية، و لا نستطيع الإجابة عليه إلا بعد البحث عن السند القانوني (تشريعا أو عرفا ) والذي يمكن أن يكون في الإجابة عن هذا التساؤل المهم، وعلى ذلك سأتحدث في هذا المبحث عن وجود نص تشريعي يحكم مسألة الاستقالة أم الإقالة في المطلب الأول، أو وجود عرف دستوري حول ذلك في المطلب الثاني من هذا المبحث.

المطلب الأول- وجود نص تشريعي:

إن التمحيص بالبحث يجعل صاحبه يدرك أنه ما مـِنْ نص دستوري يوجد و يتحدث عـَنْ استقالة الحكومة في حالة انتخاب المجالس النيابية، و يختلف أسلوب تشكيل الحكومة في الدول باختلاف الأنظمة الأساسية للدول، و القوانين الانتخابية، فلكلِّ مذهبه في التنظيم، ففي الأنظمة التي تأخذ بنظام الانتخابات الحزبية-مثل بريطانيا-، لا تحتاج لنص عليها في النظام الأساسي، لأنه مـِنْ الطبيعي أن يشكل الحكومة رئيس الحزب الفائز بالانتخابات، و إن فاز الحزب الحاكم فيبقى مشكلاً للحكومة وله إجراء التعديلات عليها وفق ما يراه مناسبا، و نص القانون الانتخابي البريطاني على أن: ” الحكومة تشكل مـِنْ الحزب الفائز في الانتخابات” ، أمـَّا في حكومات الدول ذات الحزب الواحد فلا يوجد مثل ذلك النص ، إذْ أن هذه الحكومات ذات طبيعة دكتاتورية و انتخابات صورية ليس إِلاَّ، لا أثر لها على الحكومات، و إن حدثت انتخابات فيفوز الحزب الحاكم بأغلبية ساحقة دوماً، فيعود و يشكل الحكومة مـِنْ جديد.

أمـَّا في البلاد العربية ، فنجد أنها تحمل ثلاث طبائع ، فمنها ما استقلت بها الأنظمة ذات الحزب الواحد كالجمهورية العربية السورية و جمهورية مصر العربية، و منها ما كانت ذات طبيعة حزبية مثل جمهورية العراق – تحت الاحتلال الأمريكي –، و منها ما استقل رأس الدولة بتشكيل الحكومة و إقالتها مثل المملكة الأردنية الهاشمية، و لا نجد في دستور هذه الدول نصوص كالتي نحتاجها ، سوى نص دستوري في جمهورية العراق حيث ورد فيه:” يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء”.

و باستقراء ما سبق فلا نجد نصا دستورياً في الدولً ينص على إقالة الحكومة بعد إجراء انتخابات، و حتى إن وجد مثل هذه النصوص و تضافرت لتشكيل عرف دوليّ، فلا يكون لها أثر في الأردن، إذ أن الدستور في الأردن يسمو على المعاهدات – و يمكن قياسها بصفتها مصدرا للقوانين الدولية على الأعراف التي تشكل مصدرا لها كذلك –، و نص الدستور على اعتبار تعيين رئيس الوزراء حقا للملك، و أقره على ذلك المجلس العالي لتفسير الدستور باعتباره حقًّا شخصيّـًـا لجلالته .

المطلب الثاني- و هو مدى وجود عرف دستوري:

و نعود للحديث عـَنْ المملكة الأردنية الهاشمية مدار بحثنا إذْ أن دستورها – كما هو حال سائر الدساتير- ذو مصدر تشريعي مكتوب و آخر عرفي، فهل وجد في الأردن عرف دستوري على مرّ وجوده حول هذا الموضوع, وللإجابة عـَنْ هذا الأمر يجب أن نتصدى لدراسته- دراسةً أقرب ما تكون لدراسةٍ تاريخيةٍ- لتتبع أحوال الحكومات في المراحل الدستورية المختلفة في المملكة.

الفرع الأولً- مرحلة دستور 1928:
إن مما يلاحظ أن الحكومة كانت تشكل جزءاً مـِنْ البرلمان، إذْ كان الوزراء أعضاء في المجلس التشريعي بحكم وظائفهم . و كان رئيس الوزراء هو رئيس المجلس . فكان مـِنْ المنطقي أن يرافق كل حل للمجلس التشريعي حلّ لمجلس الوزراء، و المثال الذي اخترته على ذلك هو انتخابات 2\4\1929 الانتخابات الأولى، إذْ حلّت الحكومة و تم تكليف السيد حسن أبو الهدى بتشكيل الحكومة .

الفرع الثاني- مرحلة دستور 1946:
سننظر إلى أهم حدث في هذه الفترة حيث كانت فكرة الوحدة بين ضفتي النهر قد ترسخت لدى قادة الضفتين بعد هزيمة العرب في حرب 1948، و كانت أول انتخابات بعد ذلك في 11\4\1950 ، و تشكلت في اليوم التالي حكومة السيد سعيد المفتي في 12\4\1950، و هذا أبرز الأحداث الذي استوجب تعديل الدستور بعد إقرار الوحدة مباشرة و تشكلت لجنة لذلك .

الفرع الثالث- مرحلة الدستور الحالي- دستور 1952:
و سنتحدث عـَنْ هذه المرحلة بالتفصيل نوعا ما، إذْ حتى لو تشكل عرف دستوري مما سبق مـِنْ دساتير فقد ألغيت تلك الدساتير بصدور هذا الدستور.

و مما يلاحظ و بتتبع الأحداث فإن حكومة سمير الرفاعي الجدّ في ذلك الوقت تشكلت بعد انتخاب المجلس بشهرين فقط، و تشكلت حكومة السيد سعيد المفتي الثانية- في 2\8\1954، و الانتخابات كانت في شهر 11\1954.

أمـّا الانتخابات الحزبية الوحيدة في الأردن عام 1956 و التي فاز بها الحزب الاشتراكي الأردني، الذي كلفه جلالة المغفور له الملك الحسين بتشكيل الحكومة ممثلاً بأمينه العام، السيد سليمان النابلسي بعد الانتخابات مباشرة.

أقيلت حكومة بهجت التلهوني بعد انتخابات 22\10\1961، و كان ذلك في 28\2\1962و قد أجريت انتخابات أخرى في غضون أشهر في 7\10\1962 و شكلت حكومة برئاسة بهجت التلهوني أيضاً في 20\12\1962.

أيضا تشكلت حكومة الشريف حسين بن ناصر في 3\4\1967 و كانت الانتخابات في 15\4\1967 وهو المجلس الذي استمر 6 سنوات بسبب عدم القدرة على عقد انتخابات بعد احتلال الضفة الغربية.

عام 1989 تشكلت حكومة بعد الانتخابات برئاسة دولة طاهر المصري- و كان نائبا حينها- لكنها لم تستمر طويلا، وفي الانتخابات التالية في 8\11\1993 و تشكلت حكومة عبد السلام المجالي في 29\5\1993.

و تشكلت حكومة في 20\3\1997 و كانت الانتخابات في خريف العام نفسه و استمر هذا المجلس حتى عام 2001, و شهد اليمين الدستورية لجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين.

حدثت بعد ذلك انتخابات في 17\6\2003 و تشكلت حكومة دولة فيصل الفايز في 10\2003.

وآخر حادثة كانت في تاريخ المملكة هو انتخابات 9\11\2010 و استقالة حكومة الرفاعي ، و تم تكليفه بتشكيل حكومة جديدة في 22\11\2010.

و بذلك و بتتبع الأحداث التي مرت في عهد الدستور الحالي نجد عدم استقرار عمل دستوري حول استقالة الحكومة بعد الانتخابات أَو قبلها، و لا يمكن استنتاج عرف بتشكيل حكومة أثناء انعقاد الدورة العادية للمجلس، فلا يوجد استقرار، و تكرار هذه العملية لا ينفي اعتبار تعيين الوزارة و إقالتها حق شخصي للملك كما أسلفت، و لا يشكل قيدا على حقه مطلقا.ً

و لكن ما أهمية تشكيل حكومة في فترة ما بعد الانتخابات و انعقاد المجلس في ظل مواد الدستور الأردني، خاصةً مادة 54\3هذا ما سنعرضه في المبحث الثاني.

المبحث الثاني- مدى أهمية تشكيل حكومة في فترة ما بعد الانتخابات و انعقاد المجلس في ظل نص المادة 54\3

يتوجب بموجب هذه المادة على كل حكومة أن تتقدم لطلب الثقة أمـَّا مجلس النواب، و هذا ما تناولته في المطلب الأول، وإذا كان مجلس الأمة غائباً فتقدم خطبة العرش كبيان وزاري و هذا ما تناولته في المطلب الثاني حول غياب المجلس، و الثالث حول صلاحية هذه الخطبة لتكون بياناً وزارياً، وبحثت في مطلب رابع عـَنْ هذه المادة بنصها القديم، و في النهاية أثرت إشكالية دستورية الحكومة قبل نيلها للثقة في مبحث خامس.

المطلب الأول – كيفية طرح الثقة بالحكومة:

نصت المادة 53 مـِنْ الدستور الأردني على ذلك ، وحيث نصت المادة على أنه يجب أن تؤيد الأغلبية المطلقة عدم الثقة بالحكومة مـِنْ مجموع عدد أعضاء مجلس النواب وجب عليها أن تستقيل.

و يكون طرح الثقة بالحكومة بناء على بيان وزاري ، تقوم بتقديمه كما ورد في المادة54/3 مدار بحثنا، فتنال الثقة على أساسه أو تفقدها.

و إن كنا لسنا في صدد البحث حول المادة53، إلا أنه مـِنْ باب – الشيء بالشيء يذكر-، نجد أن هذه المادة تخالف المنطق، فكيف يحكم الشعب هيئة حاكمة ترفضها أغلبية النصف أو حتى الثلث، و إني أؤيد ما اتجه له بعض الفقهاء مـِنْ أنه يجب أن تكون الأغلبية المطلقة لنيل الحكومة الثقة، وليس لسحبها منها.

يذكر أن هذه المادة بنصها الحالي هو بعد تعديل طرأ عليها عام 1954م، و رغم ذلك فإن هذا التعديل لم يأت بجديد ملحوظ.

المطلب الثاني – غياب المجلس النيابي:

تتحدث المادة 54/3 عـَنْ غياب مجلس الأمة و في هذه الحالة فإن الحكومة غير ملزمة بتقديم بيان وزاري، بل تعتبر خطبة العرش السامي بمثابة بيان وزاري.

وهذا يدفعنا لطرح عدد مـِنْ التساؤلات: متى يعتبر المجلس غائباً، ومتى يعتبر منعقداً بحسب مقتضيات المادة؟ وهل تشمل هذه المادة حالات إرجاء المجلس و تأجيله و عدم دعوته لدورة برلمانية؟ هذا ما سنبحثه في المطالب التالية.

الفرع الأولً – حالة اعتبار المجلس غائباً أو منعقداً:
إن نص المادة قد قرر تطبيق المادة بشكل عام، في حالتي عدم الانعقاد أو انحلال المجلس، و قد لا نتفق مع الرأي القائل أن المجلس يعتبر قائماً بمجرد إعلان نتائج الانتخابات بموجب نص المادة 68من الدستور ، فإنني لا أخالفهم بوجود مجلس نيابي بمجرد إعلان النتائج في الجريدة الرسمية، لكن ذلك لا يعني أن المجلس أصبح منعقداً، ونصت المادة 78/ 3 و 79 مـِنْ الدستور على فترة انعقاد المجلس ضمنياً، وهي مـِنْ تاريخ دعوة المجلس للاجتماع.

و على الرغم مـِنْ إعادة تشكيل الحكومة عقب انتخابات المجلس السادس عشر،إلا أن أن المشكلة – و للأسف – ما زالت قائمة، حيث أنّ الحكومة تم تشكيلها بحسب المجلس العالي لتفسير الدستور، أثناء غياب المجلس ، حيث أن تاريخ الدعوة لانعقاد المجلس كانت لاحقة على تشكيل الحكومة، و فعلا تقدمت الحكومة لطلب الثقة بناء على خطاب العرش السامي.

الفرع الثاني – مدى شمول هذه المادة حالات إرجاء المجلس و تأجيله و عدم دعوته لدورة برلمانية:
نصت المواد 78/ 1 على حالة الإرجاء، وهي تأجيل الدعوة للدورة العادية، و المادة 81 على حالة التأجيل، وهي تأجيل جلسات المجلس بعد دعوته لدورته العادية.

ولا يمكن أن يشملهما نص المادة 54/3، حول تقديم خطبة العرش، لأنه نصّ استثنائيّ ورد على سبيل الحصر، فلا يجوز التوسع به، كما أن التوسع به يضر بالعملية الديموقراطية كما سيرد لاحقاً، كما أنه و بصريح نص المادة 68، نجد أن الانعقاد يبدأ مـِنْ تاريخ الدعوة للانعقاد، و التأجيل يكون بعد الانعقاد، فلا يمكن أن يشمله النص، كما أن السلطة التنفيذية تستطيع طلب انعقاد المجلس، و العدول عـَنْ إرجائه أو تأجيله، و تقدم البيان الوزاري حينئذ.

المطلب الثالث- مدى صلاحية خطاب العرش أن يكون بياناً وزارياً:

للبحث في هذا الموضوع لابدَّ مـِنْ التعريف بكل منهما، و مـِنْ ثمّ المقارنة بينهما.

الفرع الأول – ما هو خطاب العرش و ما هو البيان الوزاري :
يعرف البيان الوزاري – كما أسلفت- بأنه: هو السياسة العامة في المجالين الداخلي و الخارجي للحكومة خلال فترة ولايتها، أي أنّ هذا البيان يحوي مـِنْ التفصيلات ما يحويه، و ما ذلك إلا لتمنح الثقة للحكومة على أساس منطقي، و ليكون بين يدي مجلس الأمة مادة علمية منطقية، يستطيعون مناقشة الحكومة على أساسها.

أمـَّا خطاب العرش، فهو: خطاب يلقيه جلالة الملك أو مـِنْ ينيبه، لافتتاح دورة مجلس الأمة، ويتميز هذا الخطاب بأنه يمثل آمالا و نصائح وتوجيهات ملكية للعام التالي، ولا تشكل أي مادة ملموسة، أو خطط تفصيلية، تسمح لنا بمناقشتها، هذا فضلاً عـَنْ عزوف النواب عـَنْ مناقشتها، احتراماً لصاحبها، وهذا لا يخدم الصالح العام، الذي ما وجدت الهيئات الحاكمة إلا لخدمته، و يجعل النواب واقفين مكتوفي الأيدي حياله، فما مـِنْ خطط يناقشونها، و ما مـِنْ آراء يبدونها علّها تسعى لتعديل تلك الخطط.

الفرع الثاني – المقارنة بينهما:
إنني حين أوردت التعريف، قد بينت بعض النقاط الرئيسة التي تجعلنا قادرين على التمييز بينهما بشكل عام، لكن ذلك لا يكفي، فيجب أن نبين أيضاً أن أساس تقديم البيان الوزاري هو كمظهر مـِنْ مظاهر تحميل الوزراء المسؤولية أمام البرلمان، ولا يصحّ، أنّ نحملهم فوق ما يحتملون، إذ قد تحوي خطب العرش على آمال قد يطول تحقيقها، وهذا ما لمسناه في خطب العرش في الفترات السابقة، التي لا يكاد يخلو أيا منها منذ عام 2004م و حتى الآن عـَنْ ذكر نصّ حول مشروع اللامركزية، وقد مرت 6 سنوات و لم نلمس شيئا منها على أرض الواقع لأنها تحتاج لفترة طويلة للتطبيق، قد تصل إلى عقود لتجهيز النصوص التشريعية و البنى التحتية، للأخذ بمثل هذا النظام فكيف ستنال الثقة على أساسه لعام واحد قادم، فلا بدّلها مـِنْ تقديم تفصيلات حول خططها لتجهيز ما يمكن تجهيزه في عام واحد.

إن اعتبار خطاب العرش، مـِنْ قبيل البيان الوزاري، يحمل الحكومة ما لا تحتمل، فقد تخسر ثقة النواب بناء على آمال وردت، وعقدت في الخطاب يصعب تحقيقها، أو حتى السعي لتحقيقها في ظل الظروف المحيطة، فهذا العمل ليس لصالح الحكومة نفسها، ثم إن طرح الثقة مـِنْ مظاهر محاباة الدستور لمجلس النواب باعتباره مجلساً للشعب على مجلس الأعيان، فالبيان يتلى أمامه وحده دون الأعيان، أمـَّا خطبة العرش فتتلى أمـَّا كلا المجلسين، و خطبة العرش تدخل شخص جلالة الملك في عملية المساءلة للسلطة التنفيذية و هذا ما يتعارض مع المبدأ الدستوري أن الملك مصون وغير مسؤول.

إلا أننا نجد أن هذا الأمر أصبح ملزماً للحكومة بعد أن صدر قرار مـِنْ المجلس العالي لتفسير الدستور يلزم باعتبار خطبة العرش بياناً وزارياً ، و رغم أني لا أجد في النص الدستوري إشارة للإلزام، إلا أننا نحترم هذا الاجتهاد، و لا بدّ مـِنْ اتباعه.ّ

المطلب الرابع – النص الحالي مقارنة بنص الدستور عند صدوره عام 1952

كانت الفقرة 54\3 مـِنْ الدستور تقتضي انه إذا كان مجلس النواب غير منعقد أَو منحلا أن يدعى خلال شهرين و إن كان منحلا فعلى الوزارة أن تقدم بيانها الوزاري و أن تطلب الثقة على أساسه خلال 15 يوم مـِنْ تاريخ انعقاد المجلس الجديد ، و تم تعديله 1958 ليصبح نصه الحالي ، ليتناسب مع دستور الاتحاد العربي الهاشمي .

و جاء في الأسباب الموجبة لذلك ما ورد على لسان نائب رئيس وزراء الاتحاد آن ذاك دولة السيد سمير الرفاعي الجد:” أن المقصود من هذا التعديل هو أنه: إذا كان المجلس منعقدا فيترتب على الحكومة تقديم بيانها الوزاري خلال شهر، و إذا كان غير منعقد أَو منحلا، فمعنى ذلك أنها لا تطلب الثقة خلال شهر إِلاَّ عندما ينعقد المجلس في دورته العادية، و يقرأ خطاب العرش الذي يعتبر حين ذاك بيانا وزاريا، و هذا يعني إن الوزارة لا تكون مكلفة بدعوة المجلس خصيصا لكسب الثقة إِذَا لم يكن منعقدا في الفترة بين
تأليف الوزارة و موعد دورة المجلس العادية ، و هذا نفس الشيء ورد في دستور الاتحاد، و نفس الشيء أيضاً في الدستور العراقي .

و الجدير بالذكر أن نص المادة يوحي بأن الاجتماع الذي يعقده المجلس هو دورة غير عادية ، لبحث البيان الوزاري و منح أَو طرح الثقة على أساسه، بحسب النص القديم طبعاً.

و عند البحث في المادة بعد التعديل نجد بعض النقاط التي تستوجب إعادة النظر في النص، إذْ أن مدة الاتحاد لم تزد عـَنْ 5 شهور- استمرت في الفترة بين 14\2\1958 و حتى 14\7\1958 – ، عند سقوط النظام الهاشمي في بغداد، و كان النص ليناسب دستور الاتحاد في حينه، و بزوال هذا الاتحاد زال هذا المبرر.

و إني أجد لهذا النص مبرراً آخر هو أن الحكومة كانت قد شرعت فعليـّاً في تنفيذ خططها التي كان يفترض بها تقديمها بالبيان الوزاري، و اكتـُسبت الحقوق بناءً عليه ، فلم يعد هناك أهمية لطرح الثقة بالوزارة بناء على البيان الوزاري، بل طرح الثقة بناء على ما قامت به مـِنْ خطط.

و حتى مع إيراد هذا المبرر فإن هذا لا يعني التأييد للنص، بل إن له مضرّة بالمسيرة الديمقراطية، لأن التصويت على حجب الثقة في هذه الحالة لا يكون بناء على البيان الوزاري، بل بناءً على خطاب العرش، و يخلق تقييداً لقدرة النواب على حجب الثقة أو مناقشة الخطاب السامي، كما في البيان الوزاري احتراماً و ولاءً لصاحب الخطاب.

و إن ما نجده مـِنْ استقرار في تغيير الحكومة بعد الانتخابات في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني، لـَيَدُلّ على رغبة جلالته بعدم تطبيق هذا النص، و منح الثقة بناءً على البيان الوزاري، و بنفس الوقت، إفساح المجال للنواب لممارسة دورهم الدستوري في الرقابة السياسية، و هذا ما يُفهم مـِنْ المرة الأخيرة عند استقالة حكومة الرفاعي و طلب جلالة الملك منه تشكيل حكومة جديدة.

المطلب الخامس – وضع و مدى دستورية الحكومة قبل و بعد البيان الوزاري:

لم أجد أي شرح في الكتب، أو اجتهاد للمجلس العالي لتفسير الدستور الموقر، يتحدث في هذا الموضوع، فسمحت لنفسي أن أجترئ على النصوص، و أفسرها بنفسي، علّــي أصيب باجتهادي رأياً.

إن الناظر في نص المادة 54/3 يقسم الوضع إلى حالتين، الأولى قبل تقديم البيان و الثانية بعده.

الفرع الأول- وضع الحكومة قبل تقديم البيان الوزاري:
1) يترتب على كل وزارة تؤلف إن تتقدم ببيانها الوزاري إلى مجلس النواب خلال شهر واحد من تاريخ تأليفها إذا كان المجلس منعقداً: ويفهم مـِنْ نص هذه المادة أن الحكومة تبقى حائزة على الدستورية، طوال مدة شهر بعد تأليفها ، إنها إذاً تبقى مالكة لدستوريتها طوال هذا الشهر، و بعد انقضائه تنتفي دستوريتها، و يجب حلّها، و يجدر بي أن أشير إلى أن مسؤوليتها تنتهي بمجرد تقديمها لهذا البيان، وليس لها علاقة بالمدة التي يجب أن ينظر فيها البرلمان في هذا البيان.

2) وإذا كان المجلس غير منعقد أو منحلاً فيعتبر خطاب العرش بياناً وزارياً لأغراض هذه المادة: وهنا نجد أن الدستور أطلق المدة للحكومة، فطالما بقي المجلس غير منعقد، تبقى الحكومة حاملة لدستوريتها، وهذا فيه جزء مـِنْ المنطق إذ لا بد مـِنْ وجود جهة تتحمل المسؤولية نيابة عـَنْ جلالة الملك ، و لكني أكرر عدم اتفاقي معها، إذ كيف توجد هيئة حاكمة تتولى شؤون البلاد، و نحن لا ندري مدى رضى الشعب بها.

3) لا تشمل حالتي الإرجاء و التأجيل لأن هذه المادة استثناء، فيجب ألا نتوسع في تفسيرها، وفي حالة التأجيل يكون بحكم المنعقد.

الفرع الثاني – وضعها بعد تقديم البيان:
1) ذكرت في الحالة الأولى مـِنْ المطلب السابق أن مهمتها تنتهي دستورياً تبقى منتظرة أن يبتّ بأن بيانها و الثقة بها، وهي طوال هذه المدة تبقى دستورية، ولها ممارسة جميع التصرفات الإدارية، بصفتها صاحبة الولاية العامة في البلاد.

2) في حال عدم نيلها ثقة البرلمان فتنتهي ولايتها و يجب عليها أن تستقيل فورا ، ولكن ذلك لا يعني انقضاء الحقوق المكتسبة في فترتها، بل تبقى الحقوق لأصحابها.

3) إذا نالت الثقة فتستمر بممارسة أعمالها كهيئة حاكمة دستورية.

– الخاتمة:

مما يظهر بعد استعراض ما سبق استعراضه مـِنْ نصوص أن دستورنا لم ينص على إعادة تشكيل الحكومة عقب الانتخابات أو عند انعقاد دورة عادية للمجلس، و بذلك سنبقى تحت رحمة تطبيق نص المادة 54\3 لعام 1958.

إن العالم اليوم وهو يتنفس هواء الديمقراطية، و يطالب بها أغراب عـَنْ دولٍ، أرّقهم حاجة غيرهم لها، فلا بدّ لنا مـِنْ نصّ دستوريّ جديدٍ، و يعيد للدستور روحه بعد تعاقب عقود مـِنْ الأحكام العرفية المفروضة و الحروب المتلاحقة.

إنني و إن كنتُ أفضل نص المادة آنفة الذكر – مادة 54\3- كما صدرت في عام 1952، إِلاَّ أنني لا أترك خيالي مقيداً بها . فإنني أرى بنظرتي المتواضعة أن نوجد نصّاً يوجب على الحكومة طرح نفسها لنيل ثقة مجلس النواب مباشرة، و دون بيان وزاري في غضون شهر مـِنْ انعقاد الانتخابات، هذا إذا كانت شكلت أثناء انحلال المجلس، بناءً على ما قامت به مـِنْ مشاريع في فترة ولايتها، و ما شرعت به منها ، طالت مدة وجودها أم قصرت بناءً على كتاب التكليف السامي، و ما نصّ عليه مـِنْ توجيهات لها، فنحاسبها على مدى التزامها به، فإن لم تنل ثقة المجلس، فإنه في هذه الحالة تشكل حكومة جديدة، و تطرح بيانها الوزاري خلال شهر – كما هو النص الحالي- ، تنال الثقة على أساسه.

و بذلك نكون قد جنـّبنا أنفسنا مناقشة خطاب العرش، و بنفس الوقت نكون قد حاسبنا الحكومة السالفة على ما قامت به مـِنْ أفعال قبل أن تنسحب، أو أبقينا على وجودها إن كانت تستحق الثقة، و بنفس الوقت نكون قد شكلنا حكومة عليها تقديم بيانها الوزاري خلال شهر- بحسب النص الحالي-.

و قد يقول قائلٌ: ما ضمانة أن يَحرم النواب الحكومة ثقتهم ؟ فأقول: ما مـِنْ ضمانة، إِلاَّ ضمائر الشعب التي يجب عليها أن تختار نواباً يمثلونهم و آمالهم بصدق و يضعون ثقتهم حيثما وضعها الشعب.

هذا أفضل ما وصل إليه اجتهادي، و لعلّ مَن بعدي يقدم أفضل مني، و لعلي أشهد ذلك في المستقبل.
و الله وليّ التوفيق
27/11/2010
وليد الزواهره

المراجع:-

1) الجريدة الرسمية

2) القانون الدستوري و النظام الدستوري الأردني.د/عادل الحياري. دارالغانم

3) الوسيط في الأنظمة الأساسية/ المجلد4/الكتاب2.د/منصور العواملة.

4) الجماليات البركانية في مبادئ القانون الدولي العام(المصادر). أ/د/ غسان الجندي. دار وائل.

5) منشورات مركز عدالة.

الفهرس :

الموضوع الصفحة رقم
المقدمة 02
خطة البحث 03
المبحث الأول- استقالة الحكومة بعد الانتخابات و مدى إلزاميتها: وبحثته في مطلبين 04
• المطلب الأول- وجود نص تشريعي
• المطلب الثاني- مدى وجود عرف دستوري 04
05
المبحث الثاني- مدى أهمية تشكيل حكومة في فترة ما بعد الانتخابات و انعقاد المجلس في ظل نص المادة 54\3 07
• المطلب الأول – كيفية طرح الثقة بالحكومة.
• المطلب الثاني – غياب المجلس النيابي.
• المطلب الثالث- مدى صلاحية خطاب العرش أن يكون بياناً وزارياً.
• المطلب الرابع – النص الحالي مقارنة بنص الدستور عند صدوره عام 1952.
• المطلب الخامس – وضع و مدى دستورية الحكومة قبل و بعد البيان الوزاري. 07
08
09
10

11
الخاتمة 13
المراجع 14
الفهرس 15