انتقال ملكية مقابل الوفاء إلى حامل الكمبيالة :

أقر المشرع في قانون التجارة بحق الحامل في تملك مقابل الوفاء، فقد نصت المادة ٤٠٤/ 1على أن ” تنتقل ملكية مقابل الوفاء بحكم القانون إلى حملة الكمبيالة المتعاقبين”. ومبدأ تملك الحامل لمقابل الوفاء يتقرر أيضاً إذا كان مقابل الوفاء أقل من قيمة الكمبيالة حيث تنص الفقرة الثانية من المادة ٤٠٤ على أنه “إذا كان مقابل الوفاء أقل من قيمة الكمبيالة كان للحامل على هذا المقابل الناقص جميع الحقوق المقررة له على المقابل الكامل”. ويتملك الحامل أيضاً مقابل الوفاء حتى ولو كان مقابل الوفاء ديناً متنازعاً عليه أو غير حال عند استحقاق الكمبيالة، حيث تنص المادة ٤٠٤/٢ على أنه “………..ويسري هذا الحكم إذا كان مقابل الوفاء ديناً متنازعاً عليه أو غير حال عند استحقاق الكمبيالة”، يتضح من ذلك أنه لا أثر على حق الحامل في تملكه لمقابل الوفاء، كون هذا المقابل مشروطاً، أو غير قابل للتصرف فيه أو متنازع عليه، إذ يكفي أن يوجد مقابل الوفاء في تاريخ الاستحقاق، كما يتملك الحامل مقابل الوفاء ولوكان تاريخ استحقاقه في تاريخ لاحق على ميعاد استحقاق الكمبيالة. وعلى الساحب أن يسلم حامل الكمبيالة المستندات اللازمة للحصول على مقابل الوفاء حتى ولو عمل الاحتجاج بعد الميعاد المحدد له قانوناً، وهذا ما نصت عليه المادة ٤٠٥ من قانون التجارة الجديد كما ألزم المشرع أمين التفليسة في حالة إفلاس الساحب بتسليم الحامل المستندات التي تثبت وجود مقابل الوفاء لدى المسحوب عليه (المادة ٤٠٥ تجاري( وحتى في حالة إفلاس الساحب فإن المشرع أعطى للحامل دون غيره من دائني الساحب الحق في استيفاء حقه من مقابل الوفاء الموجود لدى المسحوب عليه، حتى ولو أفلس الساحب قبل حلول ميعاد الاستحقاق، وفي ذلك تنص المادة ٤٠٦ من قانون التجارة على أنه “إذا أفلس الساحب ولو قبل حلول ميعاد استحقاق الكمبيالة فللحامل دون غيره من دائني الساحب استيفاء حقه من مقابل الوفاء الموجود على وجه صحيح لدى المسحوب عليه”.

الوقت الذي يتملك فيه الحامل مقابل الوفاء :

استقر الرأي على أن ملكية الحامل لمقابل الوفاء لا تثبت إلا وقت استحقاق الكمبيالة، أما قبل ذلك فإن الساحب يظل مالكاً لكل حقوقه عند المسحوب عليه، حيث يظل له حرية التصرف في مقابل الوفاء والموجود لدى المسحوب عليه قبل ميعاد الاستحقاق أو توجيهه للوفاء بقيمة كمبيالة أخرى، لأن الساحب غير مسئول عن وجود مقابل الوفاء قبل حلول ميعاد الاستحقاق، وإنما يكون مسئولاً فقط وقت حلول ميعاد الاستحقاق. وعلى ذلك فإن حق الحامل على مقابل الوفاء قبل ميعاد الاستحقاق ليس إلا حقاً احتمالياً، وبالتالي لا يفقد الساحب حقه في التصرف في مقابل الوفاء بمجرد سحب الكمبيالة وذلك للأسباب الآتية :

١- أن المسحوب عليه قد لا يعلم بسحب الكمبيالة وبالتالي لا يعلم عن ملكية الحامل شيئاً(1)

٢- القول بملكية الحامل لمقابل الوفاء وقت إنشاء الكمبيالة معناه تجميد المبالغ التي تكون للساحب عند المسحوب عليه وقت إنشاء الكمبيالة وبقاؤها معطلة إلى حين حلول ميعاد الاستحقاق.

٣- أن مقابل الوفاء يعتبر ضمانة للحامل وليس شرطاً لصحة الكمبيالة، وبالتالي لا أهمية لوجوده عند إنشاء الكمبيالة ولكن المهم وجوده وقت الاستحقاق(2) وغير ذلك فإن حق الحامل على مقابل الوفاء لا يكون باتاً ونهائياً إلا في ميعاد الاستحقاق. على أن حق الحامل على مقابل الوفاء يتأكد قبل حلول ميعاد الاستحقاق في الحالات الآتية :

١- قبول المسحوب عليه الكمبيالة قبل حلول ميعاد الاستحقاق :

إذا قبل المسحوب عليه الكمبيالة يتملك الحامل مقابل الوفاء منذ لحظة التوقيع بالقبول ويمتنع على الساحب استرداد المقابل أو التصرف فيه لأن قبول المسحوب عليه الكمبيالة يعني أنه أصبح ملزماً بشكل مستقل في مواجهة الحامل وأصبح هو المدين الأصلي في الكمبيالة، وبالتالي لا يجوز لدائني الساحب التنفيذ على هذا المقابل تحت يد المسحوب عليه، كما لا يجوز لدائني المسحوب عليه القابل الحجر على مقابل الوفاء لأنه يخرج من ذمته المالية بمجرد قبول الكمبيالة(3) وإذا وضع الساحب شرط عدم القبول في الكمبيالة فإن هذا يعني احتفاظه بحق التصرف في مقابل الوفاء حتى حلول ميعاد الاستحقاق، فلا يتملك الحامل مقابل الوفاء إلا في هذا الميعاد، حتى ولو قبل المسحوب عليه الكمبيالة قبل ذلك مخالفاً للشرط(4) ، ولكن هذا لا يمنع الحامل من توقيع الحجز التحفظي تحت يد المسحوب عليه، وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأحقية الساحب في سحب المقابل حتى تاريخ الاستحقاق ما لم يوقع الحامل حجزاً عليه أو كان العرف يقضي بغير ذلك (5)

٢- تخصص مقابل الوفاء للحامل :

قد يتفق الحامل مع الساحب صراحة أو ضمناً على تخصص دين معين للساحب عند المسحوب عليه للوفاء بقيمة الكمبيالة، ولكن هذا التخصص لا يحتج به على المسحوب عليه إلا بإخطاره به، ويترتب على هذا التخصص المصاحب بإخطار المسحوب عليه تجميد الحق عند هذا الأخير ووقفه على الوفاء بقيمة هذه الكمبيالة، حيث يعتبر التخصيص بمثابة رهن مقرر للحامل على مقابل الوفاء فتكون له الأولوية عليه إذا اضطر للتزاحم مع غيره من دائني الساحب. وغالباً ما يلجأ الساحب إلى تخصص مقابل الوفاء إذا كان المسحوب عليه بنك يفتح حساب جاري للساحب حيث لا يستطيع تحديد موقفه كدائن أو مدين إلا بعد قفل الحساب فيخشى ألا يوجد لدى البنك المسحوب عليه ما يعادل قيمة الكمبيالة في ميعاد الاستحقاق فيطلب من البنك اقتطاع جزء من المبالغ للوفاء بقيمة هذه الكمبيالة. على أنه قد يكون مقابل الوفاء لدى المسحوب عليه ديناً نقدياً في ذمته للساحب، فإذا أفلس المسحوب عليه في هذه الحالة، دخل هذا الدين في موجودات التفليسة أما إذا كان المقابل الموجود لدى المسحوب عليه بضائع أو أوراق مالية أوأوراق تجارية أو غير ذلك من الأموال التي يجوز استردادها طبقاً لأحكام الإفلاس وتم تخصيص هذا المقابل صراحة أو ضمناً للوفاء بقيمة الكمبيالة فإنه يكون للحامل الأولوية في استيفاء حقه من هذا المقابل. وقد نصت المادة ٤٠٧ من قانون التجارة على أنه “إذا أفلس المسحوب عليه وكان مقابل الوفاء ديناً في ذمته للساحب دخل هذا الدين في موجودات التفليسة، أما إذا كان للساحب لدى المسحوب عليه بضائع أو أوراق تجارية أو أوراق مالية أوغير ذلك من الأموال التي يجوز استردادها طبقاً لأحكام الإفلاس وكانت هذه الأموال مخصصة صراحة أو ضمناً لوفاء الكمبيالة فللحامل الأولوية في استيفاء حقه من قيمتها”.

٣- إخطار الحامل للمسحوب عليه بإنشاء الكمبيالة وتجميد الحق الموجود عنده:

إذا أخطر الحامل المسحوب عليه بإنشاء الكمبيالة وطلب منه تجميد الحق الموجود عنده للساحب لكي يستعمله في الوفاء بقيمة الكمبيالة عند حلول ميعاد الاستحقاق، حيث يعتبر هذا الإخطار بمثابة القبول فيما يتعلق بتثبيت ملكية الحامل على مقابل الوفاء(6)، وبمجرد هذا الإخطار يمتنع على المسحوب عليه التصرف في مقابل الوفاء أو اتباع تعليمات الساحب أو إجراء مقاصة فيه، ويكتفي هذا الإخطار دون حاجة لقيام الحامل بالالتجاء إلى حجز ما للمدين لدى الغير. وقد ذهب رأي(7) إلى أن مجرد إطلاع المسحوب عليه على الكمبيالة يعتبر بمثابة إخطار يمنعه من التصرف في مقابل الوفاء. ولكننا لا نرى ذلك، ونرى أن مجرد علم المسحوب عليه بالكمبيالة أو مطالبته قبولها دون أن يقبلها لا يكفي لانتقال المقابل فوراً إلى الحامل، وإنما يجب أن يكون الإخطار على يد محضر أو بخطاب بعلم الوصول حتى يكون قاطعاً في الدلالة على معنى تجميد الحق الموجود لدى المسحوب عليه للوفاء بقيمة الكمبيالة.

آثار ملكية الحامل لمقابل الوفاء :

يترتب على ملكية الحامل لمقابل الوفاء النتائج الآتية :

١- حق الحامل في الرجوع على المسحوب عليه بدعوى استرداد مقابل الوفاء سواء قبل المسحوب عليه الكمبيالة أم لم يقبلها، فإذا قبل الكمبيالة كان للحامل الرجوع عليه بإحدى دعويين، دعوى ملكية مقال الوفاء وهي دعوى عادية، ودعوى الصرف الناشئة عن توقيع المسحوب عليه على الكمبيالة. فإذا اختار الحامل الرجوع بدعوى الصرف، فإن المسحوب عليه لا يستطيع التمسك في مواجهة الحامل بالدفوع التي كان يستطيع أن يتمسك بها في مواجهة الساحب وتسقط الدعوى بالتقادم الصرفي وهو مضى ثلاث سنوات من تاريخ الاستحقاق(8) ولكن إلى جانب ذلك لا يتمتع الحامل بأي امتياز في تفليسة المسحوب عليه القابل (9) أما إذا اختار الرجوع بدعوى ملكية مقابل الوفاء، فإنها تكون دعوى عادية وبالتالي يجوز الاحتجاج عليه بالدفوع التي كان يمكن الاحتجاج بها في مواجهة الساحب، ويستطيع الحامل مطالبة المسحوب عليه بمقابل الوفاء حتى بعد انقضاء مدة التقادم الصرفي، ولكن من ناحية أخرى للحامل حق التمتع بالرهن أو الامتياز الضامن لدين مقابل الوفاء.

٢- لا يجوز لدائني الساحب توقيع حجز ما للمدين لدى الغير على دين مقابل الوفاء من تاريخ تحرير الكمبيالة سواء قبلها المسحوب عليه أو لم يقبلها، لأنه بقبول المسحوب عليه يتأكد حق الحامل على مقابل الوفاء ويتملكه، أما إذا لم يقبلها المسحوب عليه فإنه رغم أن حق الحامل ما زال احتمالياً على مقابل الوفاء إلا أن ذلك كافياً لمنع توقيع حجز على دين مقابل الوفاء.

٣- لا يجوز للمسحوب عليه بعد أن يتأكد حق الحامل في ملكية مقابل الوفاء –سواء بالقبول أو حلول ميعاد الاستحقاق او الإخطار او التخصيص – أن يرد مقابل الوفاء للساحب، وإلا كان مسئولاً قبل الحامل.

٤- يجب على الساحب أن يمكن الحامل من مباشرة حقه على مقابل الوفاء بتسليمه المستندات اللازمة لحصوله على هذا المقابل، وفي حالة إفلاس الساحب يلتزم بذلك أمين التفليسة.

٥- إذا أفلس الساحب أصبحت الكمبيالة مستحقة الأداء حتى لو كان ميعاد الاستحقاق لم يحل بعد، لأن الإفلاس يؤدي إلى سقوط الأجل، وبالتالي يتأكد حق الحامل على مقابل الوفاء دون غيره من الدائنين ولا يجوز للسنديك أن يسترد مقابل الوفاء من المسحوب عليه، وفي ذلك تنص المادة ٤٠٦ من قانون التجارة على أنه إذا “أفلس الساحب ولو قبل حلول ميعاد استحقاق الكمبيالة فللحامل دون غيره من دائني الساحب استيفاء حقه من مقابل الوفاء الموجود على وجه صحيح لدى المسحوب عليه”.

٦- إذا أفلس المسحوب عليه فإنه يجب التفرقة بين ما إذا كان مقابل الوفاء ديناً نقدياً أم أنه لا يزال بضاعة أو أوراق تجارية أو أوراق مالية ولم يصبح بعد ديناً نقدياً، فإذا كان مقابل الوفاء ديناً نقدياً فإنه يختلط بذمة المسحوب عليه ولا يتميز عن سائر أمواله، وبالتالي يمتنع على الحامل استرداده من التفليسة لأنه مجرد دائناً عادياً يتزاحم مع دائني المسحوب عليه المفلس ويخضع لقسمة غرماء، أما إذا كان مقابل الوفاء لا يزال بضاعة أو أوراق تجارية أو أوراق مالية فإنه لا تختلط بأموال المسحوب عليه المفلس ويحق للحامل استرداده من التفليسة إذا كان مخصصاً صراحة أو ضمناً لوفاء الكمبيالة المادة ٤٠٧ تجارية.

التزاحم على مقابل الوفاء :

إذا سحبت عدة كمبيالات على المسحوب عليه ولم يكن مقابل الوفاء كافياً للوفاء بها جميعاً، وجب تفضيل حامل الكمبيالة الأسبق في تاريخ السحب ثم الذي يليه وهكذا، والساحب لا يملك التصرف في مقابل الوفاء لحامل كمبيالة أخرى بعد إنشاء كمبيالة سابقة إلا في حدود ما يتبقى من دين مقابل الوفاء، وهكذا الحكم يسري على الكمبيالات غير المقبولة من المسحوب عليه ومستحقة الدفع في تاريخ استحقاق واحد. وفي ذلك تنص المادة ٤٠٨/١ من قانون التجارة على أنه “إذا سحبت عدة كمبيالات على مقابل وفاء واحد لا يكفي لوفائها كلها فيراعي ترتيب تواريخ سحبها فيما يتعلق بحقوق حامليها في استيفاء ديونهم من مقابل الوفاء المذكور. ويكون حامل الكمبيالة السابق تاريخها على تواريخ الكمبيالات الأخرى مقدماً على غيره”.

أما إذا كانت إحدى الكمبيالات مقبولة فإنها تقدم على سائر الكمبيالات الأخرى ولو كانت هذه الكمبيالة لها تاريخ سحب لاحق لتاريخ سحب الكمبيالات الأخرى، ومن باب أولى إذا سحبت الكمبيالات في تاريخ واحد قدمت الكمبيالة التي تحمل قبول المسحوب عليه، وفي ذلك تنص المادة ٤٠٨/٢ من قانون التجارة على انه “فإذا سحبت الكمبيالات في تاريخ واحد قدمت الكمبيالة التي تحمل قبول المسحوب عليه”. والكمبيالات المخصص لها مقابل الوفاء أو التي أخطر بها المسحوب عليه فإنها تفضل على غيرها من الكمبيالات الأخرى حتى ولو كان تاريخ سحبها لاحق لتاريخ الكمبيالات الأخرى طالما أنه لا توجد كمبيالة تحمل قبول المسحوب عليه، وفي ذلك تنص المادة ٤٠٨ /٣ على أنه “إذا لم تحمل أية كمبيالة قبول المسحوب عليه قدمت الكمبيالة التي خصص لها مقابل الوفاء”. تأتي في المرتبة الأخيرة الكمبيالات ) التي تشتمل على شرط عدم القبول (المادة ٤٠٨/٤ تجاري.

_______________

1- د/ محسن شفيق : المطول في الأوراق التجارية ، ص ١٣٧ .

2- د/ كمال محمد أبو سريع ، الأوراق التجارية في القانون التجاري، طبعة ١٩٨٣ م، دار النهضة العربية ، ص ١٢٥

3- سميحة القليوبي، الأوراق التجارية، الطبعة الثانية ١٩٩٢ م، دار النهضة العربية، ص ١٤١ .

4- د/ محمود سمير الشرقاوي – الأوراق التجارية – طبعة ١٩٩٣ م، دار النهضة العربية. ، ص ١٥٨ .

5- د/ سميحة القليوبي، المرجع السابق، ص 143.

6- د/ محسن شفيق، المرجع السابق، ص ١٣٧.

7-د/ محمود سمير الشرقاوي، المرجع السابق، ص 159.

8- راجع المادة ٤٦٥/1من قانون التجارة.

9- راجع المادة ٤٠٧/1من قانون التجارة

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .