الحق في حرية التنقل

المؤلف : كوثر عبد الهادي محمود الجاف
الكتاب أو المصدر : التنظيم الدستوري لعلاقة الدولة بالفرد
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

اولاً. مضمون الحق في حرية التنقل:

تعد حرية الذهاب والإياب احدى الحريات الأساسية للانسان(1). وانها من الحريات الاساسية التي تدخل في نطاق الحرية الشخصية (2).وقد اسماها البعض بحرية الحركة وأطلق عليها البعض اخر حرية الغدو والرواح ويمكن التمييز بين أنواع التنقل المختلفة كالتنقل الجوي والبحري والبري ، الا ان اكثر هذه الانواع وضوحاً وانتشاراً هو التنقل البري الذي يتم بصور شتى وطرق مختلفة ، كالسير على الاقدام او التنقل على صهوة جواد او داخل سيارة ، واكثرها اهمية هو التنقل سيراً على الاقدام لانه يتطلب قدراً اكبر من الحرية ويرتبط بالحركة الطبيعية للانسان (3) .

والتنقل بالغدو والرواح حق انساني طبيعي ، تقتضيه ظروف الحياة البشرية، من العمل والكسب والعلم ، ذلك لان الحركة قوام الحياة وضرورتها(4). ويتجلى الحق في اشكال متعددة منها الحق في الحركة، الاقامة والسفر، والعودة، والهجرة، ومنع الابعاد(5).

ثانياً. تنظيم الحق في حرية التنقل:

أ. النظم الدستورية:

حرصت النظم الدستورية على تقنين حرية التنقل، فقد اشار الدستور العراقي لعام 2005 في المادة (42) (6) منه على ان ((للعراقي حرية التنقل والسفر والسكن داخل العراق وخارجه. ثانيا: لا يجوز نفي العراقي او ابعاده ، او حرمانه من العودة الى الوطن ))(7). وبالمقارنة بين التطبيق الحالي والسابق ، نجد ان الدستور العراقي السابق اقر هذا الحق الا انه لم يستوعب جميع اشكال هذا الحق حيث لم ينص على الحق في الهجرة ومنع الابعاد ، على العكس من الدستور العراقي الحالي. وقد حمى الدستور المصري لعام 1971 حق التنقل في اربع مواد:

ففي المادة (41) نص بانه (( لا يجوز حرمان أحد ومنعه من التنقل ….. )). وفي المادة (50) نص على انه : (( لا يجوز ان يحظر على أي مواطن الاقامة في جهة معينة ، ولا ان يلزم بالاقامة في مكان معين ، الا في الاحوال المبينة في القانون )) . وفي المادة (51) تفي بانه ((لا يجوز ابعاد أي مواطن عن البلاد او منعه من العودة اليها )) . وفي المادة (52) نص على انه : (( للمواطنين حق الهجرة الدائمة او المؤقته الى الخارج وينظم القانون هذا الحق واجراءات وشروط الهجرة ومغادرة البلاد )) .

وبذلك اكد الدستور حق الفرد في الانتقال في داخل اقليم الدولة كيفما يشاء او حتى في ترك اقليمها والرحيل الى خارج البلاد والعودة عندما يريد(8) . وضمن الدستور الايطالي لعام 1947 حرية التنقل ، ونصت المادة (16) منه على ان : (( يجوز لكل مواطن ان ينتقل وان يقيم بحرية في كل جزء من الاقليم الوطني …. وكل مواطن حر في ان يغادر اراضي الجمهورية وان يعود اليها ولا يحد من ذلك الا الالتزامات القانونية)).

وكفل الدستور السويسري لعام 1999 حرية التنقل . وخصص المادة (24) لحرية الاقامة واحتوت فقرتين؛

1. من حق السويسريات والسويسريين الاقامة باي مكان يختارونه في سويسرا .

2. من حقهم ايضا مغادرة سويسرا او العودة اليها .

وخصص المادة (25) للحماية من الابعاد او للتسليم او للترحيل ، واحتوت فقرات ثلاث ؛

1. يكفل الدستور عدم ابعاد السويسريات او السويسريين من سويسرا ولا تسليمهم الى سلطات اجنبية الا بموافقتهم .

2. لا يجوز تسليم او ترحيل اللاجئين الى دولة هم مضطهدون فيها .

3. لا يجوز ترحيل أي شخص الى دولة يكون فيها مهدداً بالتعذيب او أي نوع اخر من المعاملة او العقوبة القاسية او اللاإنسانية.

كما ان القضاء لم يكن بعيدا عن مراعاة هذا الحق ففي حكم لمحكمة القضاء الإداري العراقي بتاريخ 25/2/1992م قراراً يقضي بأن قرار منع السفر يعتبر عملاً من اعمال السيادة.

وتتلخص وقائع الدعوى أن المدعي كان أحد منتسبي الطاقة الذرية، وبعد انتهاء مدة خدمته في القوات المسلحة انتهت علاقته مع دائرته( الطاقة الذرية)، وعندما اطلق السفر بأمر رئاسة الجمهورية، قام بمراجعة مديرية الجوازات لاستكمال إجراءات سفره الى خارج القطر، ألا إنه فوجئ بوجود اسمه ضمن قوائم المنع ولمدة ثلاث سنوات كونه أحد منتسبي الطاقة الذرية، وطلب المدعي من المحكمة الغاء قرار منع سفره لمخالفة هذا القرار للدستور ولأمر رئاسة الجمهورية، إلا أن المحكمة ردت الدعوى قائلة : إن قرار منع سفر المدعي قد جاء استناداً الى تعليمات ديوان الرئاسة والتي تشمل جميع المنتسبين بقرار المنع سواء أكانوا موظفين أصليين أم منتدبين لأن العلة في المنع متوفرة فيهم جميعا لأغراض أمنية… وطعن القرار لدى الهيئة العامة في مجلس شورى الدولة، وأصدرت الهيئة بتاريخ 25/12/1992 حكمها الذي قررت تصديق قرار محكمة القضاء الإداري واعتبر منع المميز من السفر مدة ثلاث سنوات هو من قبيل الاجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية التي تتخذها الادارة وفقاً لمقتضيات أمن الدولة ومصالحها العليا(9). ولذلك نجد أن قانون جوازات السفر العراقي نص على أن: “لكل شخص منع من السفر وفق البند أولاً من هذه المادة أن يطعن بقرار المنع لدى محكمة القضاء الإداري وفق الإجراءات المنصوص عليها في البند ثانياً من المادة (7) من قانون مجلس شوى الدولة المرقم 65 لسنة 1979″(10).

وفي حكم لمحكمة النقض المصرية حيث قضت المحكمة بان قضاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء الامر الوقتي 1255 لسنه 1986 بالسماح للطاعن بالسفر الى الخارج تأسيسا على انه مدين للبنك المطعون ضده الاول مؤداه انه قد منع الطاعن من السفر من دون ان يكون هذا المبلغ مستندا الى قرار صادر وفقا لاحكام قانون ينظم قواعد اصداره (11) ، وبذلك فانه يكون قد خالف القانون بما يوجب نقضه(12) . كما أننا نجد أن القضاء الإداري المصري أكد على حماية الحق في حرية التنقل بقوله:” إن حرية التنقل من مكان إلى آخر والسفر خارج البلاد مبدأ أصيل للمواطن وحق دستوري مقرر له، لا يجوز المساس به دون مسوغ ولا الانتقاص منه بغير مقتضى ولا تقييده إلا لصالح المجتمع وحمايته وفي حدود هذه التشريعات المنظمة لهذا الحق، ومؤدى نص المادة (11) من القانون رقم (97) لسنة 1959 في شأن جوازات السفر أن يكون قرار منح جواز السفر أو تجديده أو سحبه من صاحبه قائما على أسباب هامة يتولى وزير الداخلية تقديرها، وهذه السلطة ايست مطلقة بل تخضع لرقابة القضاء…”(13).

ب- الدستور الدولي المشترك :

كفلت الوثائق العالمية لكل فرد حرية التنقل داخل دولته ، وفي مغادرة اقليمها والعودة اليه ، فجاء في المادة (13) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948:

لكل فرد حق في حرية التنقل ، وفي اختيار محل اقامته داخل حدود الدولة.
لكل فرد حق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده ، وفي العودة الى بلده.
اما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966 فكان اكثر تفصيلا في بيان حرية التنقل ، حيث اجاز وضع قيود لها ، تكون ضرورية لحماية النظام العام ، او الصحة العامة ، او الاخلاق ، او حقوق وحريات الآخرين المنصوص عليها في العهد ، وتركت لقانون كل دولة امر تحديد هذه القيود ، فقد جاء في المادة (12) منه :

لكل فرد يوجد على نحو قانوني ، داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه ، وحرية اختيار مكان اقامته .
لكل فرد حرية مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده .

لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة باية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الامن القومي او النظام العام او الصحة العامة او الآداب العامة او حقوق الاخرين وحرياتهم ، وتكون متمشية مع الحقوق الاخرى المعترف بها في هذا العهد .
لا يجوز حرمان احد تعسفاً من حق الدخول الى بلده(14) .
واقر البروتوكول الرابع الملحق بالاتفاقية الاوربية بحقوق الانسان في المادة (2) حرية التنقل وتضمنت عدة فقرات وكما يأتي :

لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل اقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان اقامته .
لكل فرد حرية مغادرة أي بلد ، بما في ذلك بلده .
لا تفرض أي قيود على ممارسة تلك الحقوق باستثناء ما يفرض منها وفقاً للقانون …
وتضمنت المادة (3) حظر استبعاد المواطنين ، ونصت على ان :

لا يطرد احد بناء على اجراء فردي او جماعي من اقليم الدولة التي يكون هو احد مواطنيها .

لا يحرم احد من حق دخول اقليم الدولة التي يكون هو احد مواطنيها .

واحتوت المادة (4) على مبدأ حظر استبعاد الاجانب ، ونصت على انه :

– يحظر الطرد الجماعي للأجانب .

كما جاء في الاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان الصادرة عام 1969 ان : (لكل شخص متواجد بصورة شرعية في أراضي دولة طرف ، حق التنقل والاقامة فيها مع مراعاة احكام القانون )(15) .

____________

1- Leclercq، no. 301، p. 188.

2-La liberte d’aller et venire est un principe de vaieur constitutionnelle: cons. Constit. 12 july، 1979 wachsmann، p.3-4 .

2 ، 3 اشار اليهما د. اشرف توفيق شمس الدين، الحماية الجنائية للحرية الشخصية من الوجهة الموضوعية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1996، ص34 .

3- د. محمد سليم غزوي ، الوجيز في التنظيم السياسي والدستوري للملكة الاردنية الهاشمية، دار الثقافة والنشر ، عمان ، 1992 ، ص83 .

4- د. هاني سليمان الطعيمات ، حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، دار الشروق ،عمان،2001، ص148، ص138 .

5- د. محمد سليم محمد غزوي ، الوجيز في اثر الاتجاهات السياسية المعاصرة على حقوق الإنسان، المصدر السابق، ص83 .وكذلك

William B. Lockhart ، op، cit، p. 85.

6- أقر الدستور العراقي لعام 1970 ، في المادة (24) منه على انه : ((لايجوز منع المواطن من السفر خارج البلاد ، أو من العودة اليها ، ولا تتقيد تنقله واقامته داخل البلاد الا في الحالات التي يحددها القانون )) .

7- ومن الدساتير العربية التي كفلت هذا الحق ، المادة (33) من الدستور السوري لعام 1973، والمادة (57) من الدستور اليمني لعام 1994 ، والمادة (44) من الدستور الجزائري لعام 1996، والمادة (19/ ب) من الدستور البحريني لعام 2002 ، والمادة 36 /فق من الدستوري القطري لعام 2003.

8- – د. ماجد راغب الحلو، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 2005 ص840 وما بعدها .

– د. جورجي شفيق ساري ، اصول واحكام القانون الدستوري ،، دار النهضة العربية ، القاهرة، ط4 ، 2003 ، ص690 وما بعدها.

9- حكم محكمة القضاء القضاء الإداري العراقي ، العدد21، قضاء إداري ،91- جلسة 15/2/1992 غير منشور. ينظر:

– احمد اكرم عبدالقادر ، اعمال السيادة في ضوء احكام القضاء المقارن، دراسة مقارنة ، اطروحة ماجستير، كلية القانون ، جامعة بابل، 1995، ص154-155.

10- ينظر في ذلك الفقرة (2) من المادة ( 5) من القانون المذكور.

11- ومن الدساتير الاجنبية التي كلفت هذا الحق ، المادتين (99،90) من الدستور الاتحاد السوفيتي 1954 ، والمادة (27/2) من الدستور اصيني لعام 1982.

12- الطعن رقم 664 لسنه 60 ف جلسة 22/1/1991.

– د. عبد الفتاح مراد ، اوامر المنع من السفر والتصرف والتحفظ ، بلا مكان طبع ،2001 ص83 .

13- ينظر في ذلك قرار المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 27 لسنة 26 قضائية ، في 27/2/1982، منشور في مجلة العلوم الإدارية ، العدد الأول السنة السادسة والعشرون، يونيو،1984،ص162.

14- د.منصور العواملة، حقوق ووجبات الانسان العامة، ص 416 -435.

– د. هاني سليمان الطعيمات ، حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، دار الشروق ، عمان ، 2001 ، ص148 .

15- ينظر بهذا الصدد الانسان وحقوقه في القانون الدولي، مركز زايد للتنسيق والمتابعة، ابو ظبي ، 2000، ص183، حارث اديب ابراهيم ، تقييد ممارسة الحريات الشخصية ، دراسة دستورية ، رسالة ماجستير، كلية القانون ، جامعة بابل ، 2003 ، ص47 .