المفهوم القانوني للعقد في التشريع المغربي

الفقرة الأول: تعريف العقد

أولا: مفهوم العقد في اللغة والاصطلاح .

العقد نقيض الحل، يقال عقدت الحبل وعقدت النكاح ومنه قوله تعالى: (ولا تعزموا عقدة النكاح) ، فمعنى العقد، الشد والربط ويطلق العقد على العهد كما يطلق على الميثاق قال ابن العربي:”وسميت وثائق من الوثيقة، وهي ربط الشيء لئلا ينفلت ويذهب، وسميت عقودا لأنها ربطت كتبة، كما ربطت قولا”.
ويقصد به عند الفقهاء والموثقين تحرير الوثائق بطريقة معينة من أجل الاعتماد عليها فيما بعد .

ثانيا: مفهوم العقد في قانون الالتزامات والعقود:

ذهب المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود. ولا سيما في فصله 478 إلى تعريف عقد البيع: “البيع عقد بمقتضاه ينقل أحد المتعاقدين للأخر ملكية شيء أو حق مقابل ثمن يلتزم هذا الأخير بدفعه” وكذلك في الفصل 484 : “يكون البيع تاما، بمجرد تراضي عاقديه أحدهما بالبيع والأخر بالشراء وباتفاقها على المبيع والثمن ، وشروط العقد الأخرى”.

ومن ثم يشرط في تمام عقد البيع وجود متعاقدين أو أكثر حيث لا يمكن أن يقتصر على متعاقد واحد وإلا كان ضربا من الخيال لا أساس له ولا قاعدة له وحيث لا يمكن أن يصدر الإيجاب والقبول من شخص واحد إذا لابد إذن من شخصين أو أكتر يصدر عن أحدهما الإيجاب فيسمى موجبا، ويصدر عن الأخر القبول فيسمى قابلا، إذا يلتزم الأول بتسليم المبيع ويلتزم الثاني بأداء الثمن…. والمبيع والثمن إذا لبنتان أساسيتان لا بد من توافرهما في عقد البيع، وإلا فقد هذه الصبغة وأصبح نوعا أخر من العقود كالإيجار والوديعة والمقاولة والهبة، وغيرها الكثير .
وعقد البيع عقد رضائي ومسمى لأنه يتميز باسم معين كعقد الوكالة وعقد الإيجار وعقد الهبة .
هذا عن العقد بصفة عامة، مما يدفعنا إلى التساؤل حول عقد البيع العقاري وأحكامه في قانون الالتزامات والعقود.

الفقرة الثانية: تعريف عقد البيع العقاري:

اعتمادا على ما ذكر في الفقرة أعلاه، يمكن القول بأن عقد البيع العقاري هو عقد بيع منصب على عقار أو على حقوق عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رسميا، وهذا انطلاقا من نص المادة 489 من ق.ل. ع أيضا حيث نصت المادة المذكورة على أنه”إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء يمكن رهنها رهنا رسميا، وجب أن يجرى البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ، ولا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون” .
ومنه يمكن القول أن أي محرر واقع على ما جاء به الفصل 489 من ق.ل ع هو عقد عقاري، والمحرر الذي يثبت نقل ملكية عقار أو حق عقاري هو عقد بيع عقاري.

والملاحظ أن المشرع المغربي لم يعط تعريفا مدققا لعقد البيع العقاري أكتر مما جاء به الفصل 489 ق ل ع. فإنه بمقابل ذلك لم يلزم الأطراف المتعاقدة بإفراغ اتفاقهم في محرر معين. الأمر الذي يحتم دراسة الشكلين معا .

الفقرة الثالثة: خصائص عقد البيع العقاري

الملاحظ أن خصائص عقد البيع العقاري لا تختلف كثيرا عن باقي العقود المسماة.وهي :
عقد مسمى- رضائي- ملزم للجانبين – ناقل للملكية – أحد عوضيه ثمن نقدي .

أولا: عقد مسمى

هو العقد الكثير التداول في الحياة إلى أن أعرف باسمه الخاص، فالبيع والمقايضة والهبة والصلح مسماة شهدتها وكثرة تدوالها .

ثانيا: الرضائية في عقد البيع

الأصل في انعقاد البيع هو الرضائية، حيت يقوم العقد بمجرد توافق إرادة عاقديه واتفاقهما على الشيء المبيع والثمن وجميع الشروط الأخرى التي ينبني عليها ، وهو ما أقره الفصل 488 من ق.ل ع الذي جاء فيه “يكون البيع تاما بمجرد تراضي عاقديه أحدهما بالبيع والأخر بالشراء، واتفاقهما على البيع والثمن، وشروط العقد الأخرى، ألا أنه ونظرا لحضوره بعض التصرفات، وأهمية الحقوق المترتبة عنها أورد المشرع بعض الاستثناءات على القاعدة أعلاه، ومن أهما إفراغ الإرادة في محرر متى كان البيع عقارا.أو حقوقا عقارية أو أي شيء يمكن رهنه، رهنا رسميا وذلك تنفيذا لمقتضيات الفصل 489 من ق ل ع.

ثالثا: عقد البيع عقد ملزم للجانبين

ذلك أنه ينشىء التزامات متبادلة ومتقابلة بين الطرفين، البائع يلتزم ينقل الملكية والمشتري يلتزم بأداء الثمن .

رابعا: ناقل للملكية

يستفاد من نص المادة 478 من ق ل ع الذي جاء فيه” البيع عقد بمقتضاه ينقل أحد المتعاقدين للأخر ملكية شيء أو حق في مقابل ثمن يلتزم به هذا الأخر” .

خامسا: أحد عوضيه ثمن نقدي

هذه الخاصية هي التي تميز العقد عن غيره من العقود خاصة المقايضة والهبة، لا وجود للنقود في الفصل 418 ق ل ع .

سادسا: حول المتعاقدين

يحتاج البيع كغيره من العقود الرضائية إلى توافق الإرادتين، ، وتجدر الإشارة إلى أن هناك شروط متعلقة بإرادة طرفي العقد، وتحكم صحة هذا التراضي، ويمكن التركيز في هذا على أهلية المتعاقدين وما يعترضه من عوائق، كالمريض مرض الموت في عقد البيع وعوائق مرتبطة بعوامل وظيفية لمنع استغلال بعض عناصر العقد. وقد عرض المشرع لذلك في الفصول 480 و 481 و 482 من ق ل ع .

الفقرة الرابعة: البيع العقاري في نطاق الفصل 489 من ق ل ع.

إذا كان الأصل في انعقاد البيع هو الرضائية حيث يقوم العقد بمجرد توافق إرادة عاقديه واتفاقهما على الشيء المبيع والثمن وجميع الشروط الأخرى التي ينبني عليها العقد ، وهو ما أقره الفصل 488 من قانون الالتزامات والعقود الذي جاء فيه” يكون البيع تاما بمجرد تراضي عاقديه، أحدهما بالبيع والآخر بالشراء، وباتفاقهما على المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى” .
لكن يأتي الفصل 489 من ق ل ع بصراحة القول أنه” إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رسميا، وجب أن يجرى البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ” ومن ثم، فإن المشرع المغربي كما استثنى بيع العقار من أصل الرضائية، استثنى معاوضة هذا العقار كذلك بمقتضى الفصل 620 من ق. ل.ع، وهكذا فطبقا لمقتضيات الفصل 489 من ق. ل. ع فإن مجرد التراضي والاتفاق على الثمن لا يقيم للعقد قائمة مالم تتم كتابة، ويعتبر البيع في حالة عدم كتابته هو والعدم سواء .
وذهب أغلب الشراح للفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود إلى أن إثبات انعقاد البيع على العقارات أو حقوق عقارية يكون بالحجة الكتابية كلما زادت قيمتها عن مائتين وخمسين درهما .

ويبين هذا الفصل أنه إذا كان البيع مبرما على عقار أي على شقة أودار أو منزل أو أرض على سبيل المثال، أو على حق من الحقوق العقارية مثل حق الملكية أو على الانتفاع أو على السطحية أو الكراء الطويل الأمد أو حق الزينة أو الجلسة، وهي الحقوق الواردة في الفصل8 من ظهير 19 رجب 1333 المتعلق بالحقوق العينية، يستوي في ذلك أن يكون العقار محفظا أو غير محفظ، فلا بد من تحرير البيع وكتابته في محرر ثابت التاريخ .

والفصل 489 من ق ل ع يورد مايلي: ولا يكون له أثر في مواجهة الغير ألا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون طبقا للفصل 489 ق ل ع .
وقد قضى المجلس الأعلى بهذا الصدد: “أن يبع العقار يجب أن يكون كتابة في محرر ثابت التاريخ…..” كما قضي المجلس الأعلى بأنه” إذا كان المبيع عقارا محفظا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ وإذا أختل هذا الركن الشكلي فإن البيع لا يقوم” .
ومن هنا يظهر واضحا أن الكتابة هي شرط متعلق بالبيع العقاري سواء كان المبيع عقارا محفظا أو غير محفظ. والمشرع في الفصل 489 لم يحدد نوع المحرر الواجب في هذه الكتابة وطبيعته، ولم يلزم المتعاقدين بإفراغ اتفاقهم في محرر معين، الأمر الذي يحتم علينا الخوض في هذه الأنواع من خلال الحديث عن الجهات المرخص لها بتحرير هذه العقود، في المطلب الموالي.