توضيح قانوني لمسودة القانون التنظيمي حول الجماعات في المغرب

يتميز تدبير الشأن العام المحلي هذه السنة بمستجدات غاية في الأهمية ، على رأسها القوانين المنظمة للجماعات الترابية . فعلى غرار التغيرات التي ادخلها المغرب على مختلف النصوص القانونية تعززت هذه الترسانة اليوم بمشروع القانون التنظيمي حول الجماعات الذي سينسخ الميثاق الجماعي فور اعتماده. استجابة للنصوص الدستورية ذات الصلة.

واعتمادا على مبدإ التشاركیة، فقد انطلقت مشاورات حول الترسانة التشریعیة المنظمة لھذا الورش. وفي ھذا الإطار، طرحت الوزارة الوصیة مسودة مشروع قانون تنظیمي حول الجماعات، فإلى أي حد تستجیب ھذه المسودة للمقتضیات الدستوریة؟
ما یعطي لھذه المسودة أھمیة كبرى ھو أن الأمر یتعلق بقانون تنظیمي، وھذا النوع من المشاریع یكمل الدستور، ولذلك بعد التصویت علیھا من البرلمان تحال وجوبا على المجلس الدستوري من أجل إبداء الرأي فیھا[1]

وتتكون هذه المسودة من 74 مادة تبتدئ من قسم شروط تدبير الجماعات لشؤونها لتنهي عند باب المقتضيات الخاصة بجماعة الرباط و مشاور القصر الملكي، مسودة من الأهمية بمكانونظرا لكونها مشروع الإطار القانوني الذي يحكم كل ما يتعلق بالجماعة من انتخاب المجلس إلى نهاية ولايته مرورا بانتخاب رئيسه وأعضائه في مختلف المهام ، وبتشكيل اللجان الدائمة والمؤقتة ،كما يتناول مختلف تدابير التسيير الإداري والمالي واللوجستي للجماعة … ، وذلك قصد تمكينها من بلوغ أهداف التنمية المتوازنة والعادلة

ومن بين أهم المستجدات التي أتت بها هذه المسودة:

مبادئ التفريع والتدبير الحر

ما يثير الانتباه عند قراءة هذه المسودة وهو لأول مرة يتم التنصيص على مبدأي التفريع (المادة 6) و التدبير الحر (المادة 3) طبقا للمواد 136و140 من الدستور لما لذلك من دلالات فقهية ودستورية لتمكين الجماعات الترابية مزيدا من الحصانة والاستقلالية لتقوم بأدوارها في تحقيق التنمية المحلية المستدامة لإرساء وتعزیز اللامركزیة واللاتمركز اللذان یمثلان ورشا حیویا لتعزیز الدیمقراطیة، وتطویر وتحدیث ھیاكل الدولة، والنھوض بالتنمیة المستدامة والمندمجة اقتصادیا واجتماعیا وثقافیا و بیئیا، وتعزیز سیاسة القرب. وھو ما یعكس الوعي التام بالرھان الذي یشكله ھذا الورش مع ما یتطلبه ذلك من عمل من أجل تفعیله.كما تقدم المسودة مجموعة من الآليات الجديدة لتدعيم التعاون الشراكة بين مختلف الجماعات.

انتخاب أعضاء مجلس الجماعة بالاقتراع العام المباشر:

انسجاما مع المقتضيات الدستورية، يؤكد المشروع الجديد على أن أعضاء مجلس الجماعة سيتم انتخابهم بالاقتراع العام المباشر (المادة 11)، ويتم انتخاب رئيس مجلس الجماعة بالاقتراع الأحادي الإسمي بالتصويت العلني في الجماعة التي ينتخب أعضاء مجلسها بالاقتراع الأحادي الإسمي عن طريق الآئحة من بين الأعضاء المرتبين على رأس لوائح المترشحين التي فازت بمقاعد داخل المجلس المعني( المادة 12) و بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين ( المادة 14) ، وفي باب التنافي ، تتنافى مهام رئيس مجلس الجماعي مع مهام رئيس مجلس جماعة ترابية أخرى أو مهام رئاسة غرفة مهنية، كما تتنافى مهامه مع صفة عضو في مجلس النواب أو في مجلس المستشارين أو في الحكومة. ( المادة 60)

منع الترحال السياسي مدة الانتداب :

منع مشروع المسودة الترحال السياسي مدة الانتداب، حيث تنص المادة 52 منه على يمنع على كل عضو منتخب بمجلس الجماعة التخلي طيلة مدة الانتداب عن الانتماء السياسي الذي ترشح باسمه لانتخاب المجلس المذكور. في حالة مخالفة أحكام الفقرة أعلاه، يرد العضو المعني من صفة العضوية في المجلس بقرار تصدره المحكمة الإدارية داخل أجل شهر من تاريخ إحالة الأمر عليها من طرف الرئيس أو أحد أعضاء المجلس أو لحزب السياسي الذي قام بتزكية المعني بالأمر.

السلطة التنظيمية المحلية[2]

بموجب الفقرة الثانية من الفصل140 من دستور2011 ” تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، في مجالات اختصاصاتها، وداخل دائرتها الترابية، على سلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها”، و هو ما نصت عليه المسودة في المادة 8 وهو ما يعتبر قفزة دستورية نوعية تأسس لمرحلة جديدة في تدبير الشأن المحلي[3]، تتماشى مع الرهانات و التحديات الاقتصادية و مواكبة المتغيرات والمستجدات محليا ووطنيا ودوليا، ذلك أن المسار الذي أصبحت تعرفه سياسة اللامركزية، يأخذ بعين الاعتبار إفرازات العولمة وتجلياتها وتأثيراتها ومؤثراتها وامتداداتها على المستوى المحلي، للانخراط في الحراك العالمي الذي يتقاطع فيها العالمي مع المحلي، لأن الدولة تبدو جد صغيرة بالنسبة للقضايا الكبرى، وجد كبيرة بالنسبة للشؤون الصغيرة

تفعيل دور القضاء الإداري

ومن الاقتراحات الهامة تفعيل القضاء الإداري وجعله يقوم بدوره الدستوري لفض النزاعات بين الجماعة وباقي المؤسسات، ولهذا أصبح للقضاء سلطة عزل أعضاء المجلس والتصريح ببطلان مداولات المجلس ووقف تنفيذ المقررات الجماعية التي قد تشوبها عيوب قانونية طبقا للمادة57.كمايتم البت في النزاعات المتعلقة بالمراقبة الإدارية من طرف المحكمة الادارية المختصة.تختص المحاكم الإدارية كذلك بالبت في النزاعات التي تكون الجماعة طرفا فيها (المادة 10)..

تقديم عرائض لمجلس الجماعة

تطبيقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 139 من الدستور، يحق للمواطنات والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني تقديم عرائض لمجلس الجماعة قصد إدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله( المادة 44)لكنها تقدم العرائض وفق شروط…… (المادة 45)

غير أن المتأمل في سطورالمسودة وبتمعن لا بد وأن تستوقفه حتما مجموعة من الملاحظات الجوهرية والتي نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر:

الملاحظ أن الوصاية مازالت حاضرة وبقوة من خلال هذه المسودة، اذ أن سلطة الوصاية تمارس المراقبة الإدارية على الجوانب المرتبطة بشرعية قرارات ومقررات الجماعة طبقا للمادة 09 من المسودة وهذا مناقض لمبدأ التدبير الحر واستقلالية الجماعة.

لقد نص الفصل 136 من الدستور على أن “التنظیم الجھوي والترابي یرتكز على مبادئ التدبیر الحر، وعلى التعاون والتضامن، ویؤمن مشاركة السكان المعنیین في تدبیر شؤونھم، والرفع من مساھمتھم في التنمیة البشریة المندمجة والمستدامة”.

وھو ما یلغي مفھوم الوصایة على عمل الجماعات الترابیة و كل أشكال الرقابة المتعلقة باختیارات الجماعات الترابیة، بحیث أن أدوار الإدارة وجب أن تقتصر على الدعم والمساعدة كما ھو منصوص علیھ في الفقرة الثالثة من الفصل 145 من الدستور “یساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابیة، وخاصة رؤساء المجالس الجھویة، على تنفیذ المخططات والبرامج التنمویة.”
وبالتالي حتى في حالة ملاحظة اختلالات في تدبیر الجماعات، فوجب أن تشكل موضوع طعن لدى المحاكم الإداریة احتراما لمبدأ التدبیر الحر.
وقد یقال بأن الدستور في نفس الفصل 145 قد أعطى للولاة والعمال سلطة المراقبة الإداریة.

في ھذا السیاق یمكن إبداء الملاحظتین التالیتین[4]:

-الحدیث عن سلطة المراقبة في سیاق الفقرة المتعلقة بدور الولاة والعمال في علاقتھم بالحكومة ” یعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمین تطبیق القانون، وتنفیذ النصوص التنظیمیة للحكومة ومقرراتھا، كما یمارسون المراقبة الإداریة.”فھذا الاختصاص یمارس باسم الحكومة، واعتمادا على مبدأ التدبیر الحر فلا سلطة للحكومة علیھا، ومن تم لا رقابة. كما أن الفقرة التي تتحدث عن علاقة الولاة والعمال بالجماعات ھي الفقرة الموالیة والتي تتحدث عن المساعدة في تنفیذ المخططات والبرامج التنمویة.
وتأتي الفقرة الموالیة “یقوم الولاة والعمال، تحت سلطة الوزراء المعنیین بتنسیق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزیة، ویسھرون على حسن سیرھا.”
لتوضح دورا آخر للولاة والعمال یتمثل في تنسیق أنشطة المصالح اللاممركزة، بما یمكنھم من دعم الجماعات الترابیة ومساعدتھا في تنزیل مشاریعھا التنمویة عبر تنسیق عمل المصالح الإداریة التابعة للحكومة
-وحتى لو سلمنا جدلا بأن المراقبة الإداریة تتجھ حتى إلى الجماعات الترابیة، فالقیام بھا یجب أن یتم في سیاق احترام مبدأ “التدبیر الحر” أي عبر الآلیة القضائیة.
كما أن مبدأ التدبیر الحر یستوجب مراجعة عمیقة لمجمل النصوص القانونیة المرتبطة بمجالات تدخل الجماعات الترابیة لتكریس ھذا المبدأ.

مبدأ التفریع:

لقد نص الفصل 140 من الدستور على أن للجماعات الترابیة، وبناءا على مبدإ التفریع، اختصاصات ذاتیة واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إلیھا من ھذه الأخیرة. وعلى أن الجھات والجماعات الترابیة الأخرى تتوفر، في مجالات اختصاصاتھا، وداخل دائرتھا الترابیة، على سلطة تنظیمیة لممارسة صلاحیاتھا.

وھو ما یعني أمرین أساسیین:

أ- اعتمادا على مبدأ التفریع وجب إعادة النظر بشكل عمیق في اختصاصات الجماعات الترابیة لتجنب التداخل الحاصل حالیا فیما بینھا بناءا على تقسیم واضح للوظائف، حیث یمكن تركیز وظائف الجھات على كل ما ھو تنموي والجماعات الترابیة الأخرى على ما ھو خدماتي

ب- نص الدستور على أن كل الجماعات الترابیة وجب أن تتوفر على سلطة تنظیمیة لممارسة صلاحیاتھا، مع ما یعنیھ ذلك من حاجة إلى تنظیم ھذه السلط ووضع المؤسسات الإداریة اللازمة لممارستھا.

تقييد السلطة التنظيمية المحلية

كما ان السلطة التنظيمية المحلية مرتهنة بترسانة ثقيلة من النصوص التنظيمية و هو اشكال سيعطل سلطة التنظيم اذ نصت المسودة في المادة 8 انه لا يجوز أن تشتمل القرارات التنظيمية الصادرة عن الجماعة على اجراءات مخالفة للأحكام الواردة في القرارات التنظيمية الصادرة عن السلطة التنظيمية لرئيس الحكومة والمحددة بمقتضى الفصل 90 من الدستور

عزل الرئيس في منصف الولاية

تعيد المادة 18 نفس الفصل الملغى بمقتضى القانون 17-08 و القاضي بامكانية عزل الرئيس في منصف الولاية و هو ما لن يساعد على استقرار المجالس و سيعمق منطق الابتزاز و الحسابات الصغيرة خاصة و انه توجد مقتضيات تحمي المجالس من حالات (البلوكاج)[5]عند فقدان الرئيس لاغلبيته (المواد 62و 63)قد يتم ايقاف المجالس 3 اشهر او حلها لدى قاضي المستعجلات بالمحكمة الادارية الذي يقضي بالحل يعقبه الحلول.

3- غموض في الاختصاصات الذاتية لمجلس الجماعي قد يؤدي الى تداخل في الاختصاصات مع الجماعات الترابية الاخرى

إن القارئ لهذه النصوص القانونية يجد صعوبة في فهم مقتضياتها ومحتواها وأبعادها، والسبب في ذلك كونها جاءت بصيغ فضفاضة وعمومية، تضفي نوعا من الصعوبة في تحديد المقصود مما يفتح الباب لكثرة التأويلات واختلاف الاجتهادات، بحيث قد يحمل الاعتقاد أن لكل جماعة محلية إمكانية التدخل بلا حدود في كل المجالات والميادين، وهو ما سيؤدي إلى تشابك وتداخل واختلاف الأدوار وإلى ازدواجيات في إنجاز مختلف المشاريع والاستثمارات والأشغال. وقد يحدث العكس بحيث تتقاعس الجماعات ا عن القيام بوظائفها وممارسة اختصاصاتها، معتقدة في ذلك أنها من اختصاصات جماعات أخرى أو هيآت عمومية أخرى. فهذه الصيغة في تحديد الاختصاص العام، كثيرا ما كانت سببا في سوء تدبير الشأن العام المحلي إذ أضاعت فرص حقيقية للاستثمار والتدخل الاقتصادي والعمل التنموي.

كما ان الغموض في الاختصاصات الذاتية لمجلس الجماعة قد يؤدي الى تداخل في الاختصاصات مع الجماعات الترابية الاخرى ، بحيث أنه من بين الانتقادات التي كانت قد وجهت للميثاق الجماعي و للقانون 47.96 المتعلق بتنظيم الجهات والقانون المنظم للعمالات والأقاليم هو عدم وضوح اختصاصات كل جماعة ترابية ما ينتج عنه تداخل وتضارب الاختصاصات بين كل المتدخلين في مجال ترابي معين “جماعة – اقليم/عمالة – جهة”، وهو الراجح أن يقع مع المشروع الجديد، حيث تم التنصيص على اختصاصات فضفاضة وغير محددة، وواقع الأمر يقتضي بطبيعة الحال تدقيق الاختصاصات من أجل تفعيل مبدأي المساءلة والمحاسبة الدستوريين[6].

3- رصد غيابعبارة “تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”،إعمالا لمبدأ التدبير الحر المقيد

في مقارنة مبسطة بين الميثاق الجماعي والمسودة نستخلص مايلي :

يلزم[7] الميثاق الجماعي رؤساء الجماعات بتقديم مخطط جماعي للتنمية على المستوى المحلي يا خد بعين الاعتبار حاجيات الجماعة وإمكانياتها، أما المسودة ففي قسم صلاحيات مجلس الجماعة ورئيسه نجد فقط العبارات التالية: يعد وينفذ برنامج عمل الجماعة. (المادة 68) دراسة برنامج عمل الجماعة والمصادقة عليه (المادة 65) وهي هزيلة بالمقارنة مع مقتضيات المادة 36 من الميثاق الجماعي التي نذكر منها على سبيل المثال : دعم المقاولات -انعاش السياحة – جدب الاستثمار – إنعاش الاقتصاد المحلي .

و وجبت الاشارة الى وجود اشكالية دستورية تتمثل في تخصيص قانون تنظيمي الجماعات الترابية دون للجهة ،لكون منطوق الفصل 146 من الدستور ينص على قانون تنظيمي “واحد” يشمل كل مستويات الجماعات الترابية بما فيها الجهات، وليس “قوانين تنظيمية” لكل مستوى من الجماعات الترابية قانون تنظيمي خاص، وهو ما يمكن أن نستنتجه من مقدمة الفصل السالف الذكر الذي ينص بصريح العبارة : “تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة : شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى…”

إن التدبير الجديد للشأن المحلي يقتضي تمكين الجماعات الترابية كإطار ملائم ومناسب للمساهمة في صياغة استراتيجيات جديدة للتنمية، بات من الضروري أن ينتقل دور الإدارة المحلية من المساهم إلى الشريك الفعلي والمنشط الحقيقي للتنمية، وكذلك المنسق الأمثل لتدخلات مختلف الشركاء الاقتصاديين لكن ما جاءت به المسودة نزل بالجماعات من جماعات ترابية باختصاصات نص عليها الدستور الى جماعة إدارية يتحكم الوالي والعامل في كل دوليب عملية تدبيرها و تسييرها . وهو بذلك تراجع عن الوضع الذي كان.