نصت المادة (30) من قانون العقوبات العراقي، مارة الذكر، على عدم اعتبار مرحلة التفكير والتصميم وكذلك مرحلة التحضير من قبيل الشروع، انما هما مرحلتان سابقتان له، وهو ما سارت عليه جميع قوانين العقوبات الحديثة (1).

1.مرحلة التفكير والتصميم :-

ويراد بها المرحلة التي تتضمن التعبير عن أولى الخطوات في نشاط الجاني نحو الجريمة. وهي مرحلة تمييز بانها داخلية لا تظهر في الحيز الخارجي بأعمال مادية. وقد انعقد الاتفاق بين جميع قوانين العقوبات الحديثة على عدم اعتبار هذه المرحلة داخلة في الشروع وبالتالي ان لا عقاب عليها (2). ان في هذا الأمر دفع للحرج عن القضاة لان اثبات النيات عسير، بالإضافة الى انه مما تقتضيه المحافظة على حريات الناس وتدعو إليه المصلحة. ثم كيف نسال شخصا عن فعل لم يرتكبه بعد وقد لا يرتكبه بالرغم من تفكيره فيه. بل ان ذلك قد يشجعه على ترك فكرة السير بالجريمة الى النهاية. وفي ذلك تقول المادة (30) عقوبات عراقي مارة الذكر (…….. ولا يعد شروعا مجرد العزم على ارتكاب الجريمة..). وقاعدة عدم العقاب على التفكير والعزم مطردة لا تقبل الاستثناء. اما القول بان العقاب على الاتفاق الجنائي وكذلك التهديد باعتبار كل منهما جريمة، هو عقاب على أعمال التفكير والتصميم، فانه غير صحيح. ذلك ان القانون يعاقب في كل من هاتين الجريمتين، في الواقع، لا على مجرد التفكير والعزم انما على الفعل الخارجي، أي السلوك الخارجي الذي حقق الاتفاق او التهديد، وهو الركن المادي للجريمة الواقعة، وأعني جريمة الاتفاق او جريمة التهديد (3).

2.مرحلة التحضير

ويراد بها التعبير عن الخطوات التي تتلو مرحلة التفكير والتصميم نحو ارتكاب الجريمة. وهي خطوات تظهر في الحيز الخارجي باعمال مادية ملموسة يقال لها (الأعمال التحضيرية) وتتضمن تلك الأعمال التي يتهيأ بها الجاني ويستعد لتنفيذ جريمته بعد ان كان قد عقد العزم على ارتكابها كان يشتري السلاح الذي سيرتكب به الجريمة او السلم الذي سيتسلق به الجدار للدخول الى المنزل للسرقة وقد انعقد الاتفاق بين جميع قوانين العقوبات الحديثة على عدم اعتبار هذه المرحلة داخلة في الشروع، وبالتالي ان لا عقاب عليها. وقد نهج قانون العقوبات العراقي نفس هذا النهج حيث تنص المادة (30) مارة الذكر : (لا يعد شروعا ……. ولا الأعمال التحضيرية لذلك ما لم ينص القانون على خلاف ذلك)(4). ومرد عدم العقاب على الأعمال التحضيرية هو أنها أعمال قابلة للتأويل، أي انها لا تدل بذاتها على اتجاه حتمي لارتكاب الجريمة. فمن يشتري سلاحا قد يشتريه لارتكاب جريمة، او للدفاع به عن نفسه او للتهديد به. بالإضافة الى انها لا تدل الى خطورة حاله لبعدها عن الهدف الاجرامي. ثم ان عدم العقاب على الأعمال التحضيرية يشجع مرتكبها على إعادة النظر في امر الجريمة، وبالتالي عدم ارتكابها، وبخلافه يكون حافزا للجاني على المضي في اتمام الجريمة (5). وقاعدة عدم العقاب على الأعمال التحضيرية مطردة لا استثناء عليها. اما القول بان العقاب على تقليد المفاتيح او صنعها وكذلك جريمة حيازة او اعتبار كل منها جريمة، وهو عقاب على أعمال تحضيرية، فانه غير صحيح. وذلك ان القانون عندما عاقب على هذه الأعمال لم يعاقب عليها باعتبارها اعمالا تحضيرية لجرائم إنما عاقب عليها باعتباره كل منها يكون لوحده جريمة مستقلة قائمة بذاتها. مما يترتب عليه ان المشرع العراقي لم يكن موفقا عندما ذيل المادة (30) مارة الذكر بالعبارة التالية : (…….. ما لم ينص القانون على خلاف ذلك). ذلك ان المشرع عندما وضع هذه الفقرة، كان يعتقد خطأ ان هناك أعمال تصميم وأعمال تحضيرية يعاقب عليها القانون بالرغم من صفتها هذه.

__________________

1-انظر مؤلفنا، الوسيط، ص436

2-انظر جارسون، المرجع السابق مادة 3 ن 32 – جارو، المرجع السابق ج1 ن 227 ص380 – فيدال ومانيول، المرجع السابق، ج1 ن 91 ص147 – دونديه دي فاير، المرجع السابق، ن322 ص131- بوزا، المرجع السابق ن187 ص163 – الدكتور السعيد مصطفى السعيد، المرجع السابق 228 – محمود إبراهيم إسماعيل شرح الاحكام العامة في قانون العقوبات المصري ن 112 ص226 وكذلك GRANDMMOULIN ، LE DROIT PENAL EGYPTEN INDIGENE TL N . 714

3-انظر الدكتور حميد السعدي، شرح قانون العقوبات العراقي الجديد ص174.

4-انظر كذلك المادة 45 من قانون العقوبات المصري

5-انظر جارو (الوجيز) ص198.

المؤلف : علي حسين خلف + سلطان عبد القادر الشاوي
الكتاب أو المصدر : المبادئ العامة في قانون العقوبات

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .