القانون التونسي و إبطال محاضر التبليغ

الاستاذ سعيد العكرمي

“إنه لمن المبادئ القانونية ومن العدالة أنه لا يمكن إدانة شخص دون سماعه أو على الأقل تمكينه من الدفاع عن نفسه”[1].

يعتبر هذا المبدأ تطبيقا لاحترام حقوق الدفاع الذي استوحاه الضمير العام للشعوب قبل أن ينظمه علم القانون في شكل مجموعة من القواعد الإجرائية تحمل أطراف النزاع جملة من الواجبات تمتد على كامل مراحل الدعوى[2].

والقانون التونسي شأنه شأن العديد من الأنظمة يقوم على مجموعة من المبادئ العامة التي تحكم المادة الإجرائية بأسرها ومنها مبدأ المواجهة بين الخصوم والذي بمقتضاه يتم تمكين كل طرف من أطراف الخصومة من العلم بكامل العناصر الفعلية والقانونية للدعوى التي تهمه خلال أجل محدد، كي يتمكن من الدفاع عن حقوقه وإبلاغ صوته للمحكمة ومناقشة الحجج التي يدلي بها خصمه والرّد على ما يثيره من دفوعات. وترجع جذور مبدأ المواجهة بين الخصوم إلى القانون الروماني كقاعدة توجب سماع الطرف المقابل « Audi alteram portem » وتحجر على القاضي البتّ في النزاع قبل سماع مستندات الطرفين والمعبر عنها باللاتينية « Audiature et altera pars ».

أمّا في الشريعة الإسلامية فقد كان مبدأ المواجهة بين الخصوم شرطا لتحقيق العدالة، وقد جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلّم أنّه قال “إذا تقاض إليك رجلان فلا تقضي للأول حتى تسمع كلام الآخر فسوف تدري كيف تقضي”[3]. ذلك أنّ الحق باعتباره مفهوما ذاتيا لا يكفل وحده لصاحبه الفوز به، بل لا بد من إكسابه قوّة تعضده وتوفر له الحماية وإلاّ كان مصيره التلاشي والضياع. كذلك الأمر في المادة القانونية التي تتفرع في مجملها إلى قوانين تهمّ أصل الحق وأخرى تتعلق بالشكل المتبع للحصول على الحقّ إذ لا بد للفرد من مراعاة إجراءات قانونية عند الالتجاء للقضاء ليتمكن من الحفاظ على حقوقه.

هذه الإجراءات تندرج في إطار قانون المرافعات بالمعنى الخاص الذي يبين الوسيلة المعتمدة كي تؤدّى الحقوق وتحترم وهي شكلية واجبة الإتباع مهما كان الحق المطالب به. (مدني، جزائي، تجاري…)، وذلك “حتّى يطمئنّ الأفراد إلى المحافظة على حقوقهم متى اتخذوا الأوضاع التي نصّ عليها القانون”[4] .

وبالتطرق إلى مختلف القواعد الإجرائية يمكن القول أنّها إجراءات غير موحّدة إذ تختلف باختلاف المواد المنظمة لها. ففي المادّة الجزائية وجدت مجلة الإجراءات الجزائية التي نظمت الإجراءات المتبعة لدى المحاكم الزجريّة وهي إجراءات خاصّة تتلاءم مع طبيعة الخصوم[5].

كذلك في المادّة الإداريّة حدّد المشرّع إجراءات مميّزة عند التقاضي أمام المحكمة الإداريّة. أمّا في المادّة المدنيّة فقد اهتمت مجلة المرافعات المدنيّة والتجاريّة بتنظيم الإجراءات المتّبعة في المادّة المدنيّة بمفهومها الواسع. إذ أنّ المادّة المدنية تشمل جميع النزاعات المدنية سواء الشغليّة، الشخصية أو التجارية. خاصّة وأنّ الدوائر التجارية هي حديثة العهد وغير معمّمة على كافة المحاكم الابتدائية وتتّحد في إجراءات التبليغ مع بقية المواد المدنيّة.

وفي هذا السّياق تتنزّل مسألة إبطال محاضر التبليغ والتي لم يعرفها المشرّع التونسي. فهي مصطلح مركّب يتضمن مدلولات هامّة وتعرف محكمة التعقيب المحاضر بأنّها “أوراق شكليّة يجب أن تراعى في تحريرها الأوضاع التي أوجبها القانون لاحتوائها على بيانات وجوبية فهي تشتمل في صلبها دليل استكمال شروط صحّتها”[6].

فالمحضر إذا يستمدّ حجيّته من خلال بياناته وشكليّاته، باعتبار أنّه وثيقة ماديّة تتسم بالشكلية والرسميّة. ذلك أنّه يحرّر كتابة وتتعدد نظائره بتعدد الأطراف المعنية به ويجب أن يتضمن عدّة بيانات حدّدها المشرّع ويخضع إضافة إلى ذلك لضوابط في تبليغه.

والتبليغ في اللغة العربيّة يعني الإيصال أمّا في الاصطلاح الفقهي فقد عرّف بكونه “المستند الذي يتم بواسطته إعلام شخص معيّن ووفقا لشكل قانوني معيّن[7].

وعدم احترام مكوّنات المحضر أو طرق تبليغه يتولّد عنه جزاء الإبطال « Annulation » عن اللاتينية المشتقّة من « Annulare » ويقصد بها “إعلان عدم الصحّة”[8] .

ويختلف الإبطال عن جزاء الانعدام في كون أنّ الإجراء يكون معدوما إذا لم يستكمل مقوّمات وجوده القانوني أي الأركان التي يقوم عليها الإجراء أو العمل القضائي فلا يمكن أن تنشأ خصومة ولا يمكن أن يوجد حكم كعدم وجود خصم أو عدم وجود موضوع للخصومة، وكنتيجة لذلك يقوم جزاء الانعدام على اعتبار الإجراء معدوم الوجود والأثر، غير أن الإخلال بإجراءات التبليغ لا يمكن أن ينجر عنه انعدام الحكم لأنّه لا يتعلق بإجراء معدوم وإنّما بخلل إجرائي.

ويختلف الإبطال عن جزاء السقوط لكون هذا الأخير عرف فقها وقضاء بكونه ضياع حق بموجب عدم مباشرته في الأجل المحدد له قانونا، فالمسقطات تقوم على معيار الأجل المسقط للقيام بالإجراء أو بالدعوى أو بممارسة الطعون[9]، ويكون السقوط جزاء أخطر من الإبطال إذ لا يمكن للخصم القيام بالإجراء مرّة ثانية.

هكذا إذا تتضمّن مسألة إبطال محاضر التبليغ مضامين متعدّدة فلكي يتم إعلان عدم الصحّة يجب أوّلا الإخلال بطرق التبليغ أو خرق شروط صحّة المحضر.

ولئن وردت صياغة موضوع إبطال محاضر التبليغ بصفة تكتسي من العمومية والتعدّد ما يجعل الباحث يتطرّق إليها في كلّ المواد القانونية دون استثناء: سواء كانت إداريّة، مدنيّة أو جزائية. إلاّ أن أهميتها تبرز بصفة خاصة في إطار الدعاوي ذات الصبغة المدنية والتجاريّة وذلك لعدّة أسباب أهمّها المسائل الشائكة التي طرحتها مسألة تبليغ المحاضر في المادّة المدنيّة وعلى سبيل الذكر لا الحصر تجدر الإشارة إلى بروز ما يمكن تسميته بظاهرة التّحيّل في تبليغ الاستدعاء في المادّة المدنيّة مما دعا المشرّع إلى التدخل في مناسبة أولى بمقتضى القانون عـ4ـدد لسنـ1993ـة والمؤرخ في 12 جويلية 1993 فوقعت إضافة الفصل 32 مكرّر صلب مجلة الأحوال الشخصيّة. هذا التنقيح الذي يشكّل ثورة إجرائية والذي تمّ من خلاله إحداث نظام للتبليغ يقوم على التبليغ الفعلي ورتّب المشرّع على مخالفته عقوبة ذات صبغة جزائية.

ونظرا للنّجاعة التي حققتها التجربة القصيرة من تطبيق أحكام الفصل 32 مكرر من مجلة الأحوال الشخصيّة وقع التفكير في تعميم هذا التجريم من خلال إضافة الفصل 11 مكرر إلى مجلّة المرافعات المدنية والتجارية وهو ما تمّ فعلا بعد تنقيح 3 أوت 2002[10].

هذا بالإضافة إلى تضمّن مجلة المرافعات المدنية والتجارية عدّة قواعد منظّمة لإجراءات التبليغ في المادّة المدنيّة وذلك صلب الفصول05-06-07-08-09-10-11 و11 مكرر. وهي كما اعتبرها الأستاذ عمر الشتوي “إجراءات بالغة التعقيد وذات أهميّة جوهرية في نظام التقاضي يهدف المشرّع من خلالها للتأكّد من حصول التبليغ القانوني المقنع والمثبت لحصول العلم للمدّعى عليه بالتتبع الجاري ضدّه”[11].

ومن جهة أخرى فإنّ التشريع التونسي قد وضع قاعدة عامة للبطلان صلب أحكام الفصل 14 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية يتجه اعتمادها لتحديد نظام الإبطال لمحاضر التبليغ. وتناول إبطال محاضر التبليغ في المادة المدنية بدوره لا يمكن أن يتم دون دراسته عبر مختلف فروع القانون.

ولكن لمعرفة النظام الإجرائي في مجلة المرافعات المدنية والتجارية للبلاد التونسية لا بدّ قبل ذلك من إعطاء فكرة عن صدور هذه المجلة والمراحل التي عرفتها والتطوّرات التي شهدتها.

إنّ مجلة المرافعات المدنية والتجارية التونسية الصّادرة سنـ1910ـة كانت ترتكز على مؤسسة الحاكم المكلّف. وكان المدّعي يكفيه دون الالتجاء إلى المحاكم أن يعرض شكواه حتّى مشافهة على رئيس المجلس ثم تتولّى المحكمة سائر الأعمال التي يستلزمها بحث هذه الشكاية، وهذا ما يعرف بالنظام الاستقرائي[12].

وإذا كان تبسيط الإجراءات محمودا في حدّ ذاته فقد ينقلب إلى ضدّه إذا ما تجاوز القدر المناسب. والمجلة التونسية القديمة قد بلغت من الاقتصار درجة لم يكن لها مبرّرا إلاّ ذلك المستوى الضعيف الاجتماعي والذهني الذي كان عليه المجتمع آنذاك والدور المنصوص المسند لمحاكمنا في عهد الحماية. وقد جرّ تواكل الخصوم والمحامين على الحاكم أن تراكمت على هذا الأخير القضايا وبات يرزح تحت ثقلها وضعف إنتاجه وتعطّل الفصل ولحق من جرّاء هذا التأخير لأصحاب الحقوق ضرر فادح انعكس أثره السّيئ على سمعة القضاء، حتّى تحوّل الحاكم في ظل هذا النظام “كاتبا أكثر منه حاكما”[13] .

وقد قدّر المشرّع أنّ خير علاج للوضع يتوقّف على تحوير الاتجاه فصدرت المجلة الجديدة وهي مجلة المرافعات المدنية والتجارية والتي وقع إدراجها بالجريدة الرسمية التونسية بالقانون عـ130ـدد المؤرخ في 05 أكتوبر 1959، والتي دخلت حيز التطبيق في أوّل جانفي 1960 والتي لم تكن ترميما للمجلة القديمة بل كانت بناء جديدا حيث تضمنت نصوصا تعفي الحاكم من كثير من التكاليف التي كانت المجلة القديمة تحمّله إيّاها[14] وتجعل مسؤولية تسيير الدعوى وتهيئتها للحكم على عاتق الخصوم أنفسهم أوّلا وبالذات. وبالتالي وقع اعتماد مبدأ المواجهة.

كما أنّ عدل التنفيذ أصبح بدوره يلعب دورا هامّا حيث جاء بالفصل 5 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية “كل استدعاء أو إعلام بحكم أو تنفيذ يكون بواسطة عدل منفذ ما لم ينصّ القانون على خلاف ذلك”.

ونظرا لكون تبليغ المحاضر يجب أن يكون ذا فاعلية وجدوى تنبعث من خلاله الثقة في أعمال العدل المنفّذ من طرف كلّ من القاضي والمتقاضي، اعتنى المشرّع بهذا الجهاز فأصدر في 24 جوان 1957 أمرا ينظّم هيئة عدول التنفيذ والإشهاد، واستمرّ العمل بهذا الأمر إلى أن وقع إلغاؤه وإحلال قانون آخر بدلا عنه وهو القانون عـ29ـدد لسنـ1995ـة المؤرخ في 13 مارس 1995 والذي تمّ من خلاله إعادة تنظيم مهنة العدول المنفذين.

وتمّ تعريف العدل المنفّذ بكونه “مأمور عمومي مختصّ بأعمال التبليغ والتنفيذ وغيرها من الوظائف التي أوكلها له القانون”[15].

وتكريس هذا الجهاز يدلّ بوضوح على وعي المشرّع بعدم إمكانية تبليغ المحاضر من طرف الشخص نفسه ولكي لا تكون هذه المحاضر عرضة للإبطال وما يعنيه ذلك من تعطيل للمعاملات وضياع الحقوق، كانت الضرورة تستوجب اضطلاع عدل المنفذ بهذا الدور “لتحسين إجراءات تسليم المحاضر وتبليغها للمطلوب”[16].

والمحاضر المبلّغة من طرف العدل المنفّذ متنوّعة ومتعدّدة الأصناف إذ توجد محاضر تمهيدية كمحضر معاينة ومحضر تنبيه بالخروج من محلّ تجاري، ومحضر إعلام بانتقال ملكيّة…كما توجد محاضر إجراءات الخصومة وهي محاضر وجوبية ينجزها العدل المنفّذ بطلب من القائم بالدعوى أو الطاعن وأخيرا توجد محاضر التنفيذ يحرّرها العدل المنفّذ بموجب إذن قضائي أو بموجب سند تنفيذي كمحاضر العقل التحفّظية والتنفيذية أو محضر الإعلام بحكم، فالإعلام بالحكم لا يعتبر عملا تنفيذيا بل هو من مقدّمات التنفيذ.

وعموما فإنّ المحاضر متعدّدة ولا تقع تحت حصر[17]. هذه المحاضر يجب أن تتوفّر فيها مقوّمات صحّتها وذلك لغاية سدّ المنافذ أمام أيّ تلاعب بهذا الإجراء الأساسي. كما أنّ تبليغ المحاضر من طرف العدل المنفّذ لا يمثّل فقط ضمانة المطلوب بل يحمي كذلك الطالب بجعله في مأمن من كلّ مواجهة “حتّى ولو لم يحصل العلم إلى الموجّه إليه طالما أنّ التسليم كان بواسطة العدل المنفّذ مباشرة أو بواسطة كاتبه المحلّف وفق الشكليات المستوجبة”[18].

ولكن ومن المفارقات أنّه ورغم الأهميّة الممنوحة من طرف المشرّع لإجراءات تبليغ المحاضر إلاّ أنّ تعقيدات هذه الإجراءات أفرزت تناقضا بين ما سعت إليه النصوص التشريعية وبين الأعمال المنجزة من طرف عدل التنفيذ.

ومن المفارقات أيضا أنّ المشرّع رغم اشتراطه أن تكون أعمال التبليغ بواسطة العدل المنفّذ إلاّ أنّ القانون الأساسي لعدول التنفيذ أحدث إلى جانبهم ما يسمّى بالكتبة المحلّفين وخوّلهم تبليغ المحاضر مهما كان نوعها عوضا عن العدل المنفّذ[19].

وهذا ما أفرز العديد من المشاكل على المستوى العملي، وبالتالي هيّأ أرضيّة ملائمة للقيام بالأخطاء وبالتالي الوصول إلى النتيجة التي حاول المشرّع تفاديها، ألا وهي إبطال محاضر التبليغ.

هكذا إذًا، يمكن القول أنّ مسألة إبطال محاضر التبليغ تطرح العديد من التساؤلات. فرغبة المشرّع واضحة وهي المحافظة على استقرار عمليّة التبليغ وواقع فقه القضاء يبرز بوضوح كثرة القرارات التي وقع فيها إبطال محاضر التبليغ مما يجعلنا نتساءل: ما هي أسباب إبطال محاضر التبليغ وهل تنتهي المسألة بانتهاء العمل بالمحضر أم أنّ للإبطال تداعيات أخرى؟ ويمكن أن نلخص هذه الأسئلة في الإشكالية التالية: بأيّ معنى تتعدد وتتنوّع أسباب وتداعيات إبطال محاضر التبليغ؟

لقد حرص المشرّع على إيلاء إجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية أهمية قصوى من خلال التنصيص على عدة قواعد متعددة ووجوبية بغاية ضمان نجاعة التبليغ وحماية أطرافه. إلاّ أنّه ثبت تواجد عدّة عوائق تشريعية وعمليّة أدّت في كلّ مرّة إلى إبطال المحضر ولتجاوز هذه الصعوبات وتلافي النتائج القانونية الخطيرة لتبليغ المحاضر بالنسبة للأطراف وكذلك بالنسبة للسلطة المختصّة بالتبليغ. لا بد من البحث عن الأسباب المؤدّية لتواجد هذه العوائق من خلال دراسة أسباب إبطال محاضر التبليغ (الجزء الأوّل) ثمّ من خلال دراسة تداعيات إبطال محاضر التبليغ (الجزء الثاني).

الجزء الأوّل : أسباب إبطال محاضر التبليغ

أحاط المشرّع التونسي تبليغ المحاضر في المادّة المدنية بإجراءات متعدّدة ومبسّطة بغاية ضمان حماية قصوى للطالب وللمطلوب وتمكينهما من فرصة معرفة الطلبات الموجهة ضدّهما ودراسة مؤيداتها.

لكن حماية أيضا للطالب وحتى لا تضيع حقوقه نتيجة إخلال بالإجراءات الشكلية، لذلك جعل المشرّع من العدل المنفذ الوسيلة التي يلتجأ إليها للقيام بإجراءات التبليغ متلافيا بذلك العراقيل التي قد يتعرض لها الطالب، فكان العدل المنفذ مساعدا للقضاء بغاية الوصول للحقيقة وتحقيق العدل، رغم أنّ البعض يرى أنّه كلما اقترب القاضي من المتقاضي كانت الحقيقة أوضح وكلما ابتعد عنه غابت الحقيقة.

وتبليغ المحاضر إجراء خطير يترتب عنه اكتساب حقوق وضياع حقوق، لهذا لا بد للعدل المنفذ عند قيامه بهذا العمل من احترام شروط قانونية صارمة واعتماد طرق محدّدة وإلاّ فإنّ المحضر سيكون عرضة للإبطال سواء عند عدم احترام شروط صحّة تبليغ المحاضر (الفصل الأوّل) أو أيضا عند عدم احترام طرق تبليغ المحاضر (الفصل الثاني).

الفصل الأوّل:

عدم احترام شروط صحّة تبليغ المحاضر

احتراما لمبدأ المواجهة بين الخصوم وتكريسا لقاعدة المساواة بين كل الأفراد بقطع النظر عن مراكزهم أو وضعياتهم[20] وضع المشرّع شروطا موحّدة ووجوبيّة عند إجراء عملية تبليغ المحاضر.

هذه الشروط يمكن تفريعها لشروط شكلية وأخرى موضوعية ورغم أنّ الشروط الشكليّة المتعلّقة بالبيانات الواجب توفرها في المحاضر المدنية المبلغة بواسطة العدل المنفّذ تعتبر واضحة، متكاملة ودقيقة إلاّ أنّ الشروط الموضوعيّة المحددة للإطار الزّماني والمكاني للتبليغ لا تزال مبهمة فالمشرّع كان واضحا في بعض الصور لكنه سكت في بعض الصور الأخرى مما أدّى لتواجد العديد من الصعوبات عند التطبيق. ولكن سواء تعلّق الأمر بخرق الشروط الشكليّة (مبحث أوّل) أو خرق للشروط الموضوعية (مبحث ثاني) فإنّ ذلك قد يتسبب في إبطال المحضر.

المبحث الأوّل: خرق الشروط الشكلية

عمل العدل المنفذ في إطار تبليغ المحاضر عمل مزدوج فهو يتولى تحرير المحاضر وفقا للشروط القانونية المستوجبة وإثر ذلك يتعهد بتبليغ هذه المحاضر رغم أنّه عمليا غالبا ما يتولى المحامي تحرير كلّ من العريضة والمحضر في آن الوقت[21].

وبالتالي فإن التحرير والتبليغ كلّ لا يتجزأ، فهما عملان متكاملان يستوجبان شروطا متعدّدة وصارمة، جعلها المشرّع شروط صحّة.

وكانت الغاية من ذلك إكساء صبغة خاصّة وأهميّة قصوى لمحاضر التبليغ. لذلك كان لا بدّ إثر إبراز البيانات الوجوبية الواجب توفرها في محاضر التبليغ، التعرّض للغاية من فرض هذه الشروط الشكلية.

الفقرة الأولى: الشكليات الواجب احترامها

لتكون إجراءات التبليغ مستوفية لشكلياتها القانونية يجب أن يحتوي المحضر على بيانات محدّدة نصّ عليها كل من الفصل6 من م.م.م.ت الذي يعتبر النص العام إلى جانب بعض الفصول المتفرقة من المجلّة.

البيان الخاص بتاريخ المحضر
نصّ الفصل 6 من م.م.م.ت أنّه يجب أن تشمل المحاضر التي يحررها عدول التنفيذ التاريخ الذي حصل فيه الإعلام يوما وشهرا وسنة وساعة…

الملاحظ أنّه رغم تنقيح الفصل 6 بمقتضى قانون 03 أوت 2002[22] إلاّ أنّ هذه الفقرة لم يطرأ عليها أي تغيير لكونها واضحة ودقيقة، والتاريخ يبيّن بطالع المحضر عادة، لكن لا شيء بالقانون يمنع أن يكون التاريخ منصوصا عليه بآخر المحضر باعتبار أنّ المحضر يمثّل وحدة متكاملة[23]. كما لا يلزم ذكره بالأحرف والرقم بل يكفي ذكر أحدهما فقط وذلك لأنّ عبارات النص جاءت عامة ولم تشترط أسلوبا محددا.

وإن تم التنصيص على التاريخ بالأحرف والأرقام وكانا مختلفين، يقع اعتماد ما تم ذكره بالأحرف ما لم يثبت عكس ذلك من خلال الوقائع[24]. فالعبرة بالألفاظ لأنّها الأقرب إلى الصّواب وأبعد عن الخطأ عملا بالفقرة الثانية من الفصل 23 من أمر 1957 المتعلق بإعادة تنظيم خطة العدالة وإحداث هيئة العدول المنفذين وكتبة لهم محلّفين.

وقد اتبع عدول التنفيذ ذكر التاريخ بالأحرف والأرقام مما يغني عن كل إشكال في هذا الموضوع.

وفقه القضاء مستقر منذ زمن على اعتبار تاريخ المحضر من البيانات الجوهريّة، بدونه يعتبر المحضر مبلغا خلافا للشكل القانوني وبالتالي يعتبر كأنّه لم يكن. إذ أكدت محكمة التعقيب في قرار لها صادر في 11/10/1977[25] أنّه “يعتبر الإعلام مستوفيا لشكلياته القانونيّة إذا اتضح أنه ينصّ على اليوم والشهر والسنة”.

البيانات المتعلقة بالطالب والمطلوب ومن سلم إليه الإعلام
نصّ الفصل 6 قديم على ضرورة ذكر:

“ثانيا: اسم الطالب ولقبه ومهنته ومقرّه المختار واسم من يمثله إن وجد ولقبه ومهنته ومقرّه…”.

“رابعا: اسم الموجه إليه الإعلام ومهنته ومقرّه وإن لم يكن له مقر معلوم وقت الإعلام فآخر مقر إقامة كان له”.

بقراءة هاتين الفقرتين نلاحظ تشابها بين البيانات التي تعتبر واجبة حتى يكون المطلوب على علم بكونه هو المعني بالمحضر، وعلى علم بهويّة الشخص الذي بلّغه المحضر، في هذا الصدد اعتبرت محكمة التعقيب أن محكمة الاستئناف قد أصابت لما قضت بإبطال التنبيه لعدم ذكره لأسماء وعناوين من قاموا بتوجيهه للمطلوب وجاء حكمها موافقا لأحكام الفصل 6 من م.م.م.ت[26].

وقد يكون الطالب فردا كما يمكن أن يكون مجموعة أشخاص وفي هذه الحالة يتم ذكرهم جميعا[27]، أمّا في صورة ما إذا كان المطلوبون متعددون فإنّه يقع توجيه محضر لكل مطلوب وتتعدد النظائر بتعدد المطلوبين.

وبتنقيح بعض الفصول من م.م.م.ت بمقتضى قانون 3 أوت 2002 وتماشيا مع التوجه الرامي إلى التدقيق في هويّة أطراف النّزاع في جميع المراحل بدأ من مرحلة التمهيد للتقاضي، تمّ أيضا تنقيح الفقرتين الثانية والرابعة من الفصل 6، وورد في شرح أسباب القانون المنقح لـ م.م.م.ت. أنّه نتيجة لوجود عدّة عراقيل كان سببها نقص البيانات المتعلقة بالأطراف “تمّ فرض إدراج بيانات إضافية وكافية حول هوية كل من الطالب والمطلوب في جميع محاضر عدول التنفيذ عبر إضافة فقرات إلى الفصل6 من م.م.م.ت[28].

من هذا المنطلق تمت إضافة ضرورة الإدراج بالمحضر عدد التسجيل بالسجل التجاري بالنسبة للأشخاص الطبيعيين، وإن كان أحد الأطراف أو كليهما ذاتا معنويّة فبيان اسمها وشكلها القانوني ومقرها وعدد ترسيمها بالسجل التجاري ومكانه.

واهتمّ المشرّع اهتماما خاصا بمحاضر العُقل التوقيفيّة بهدف تطويرها وإيجاد السبل الناجعة لتلافي نواقصها لما لها من أهميّة في الممارسة اليومية لعدول التنفيذ، فأضاف فقرة ثالثة للفصل332 من م.م.م.ت ينصّ بمقتضاها على ضرورة بيان عدد ترسيم المدين بالسجل التجاري ومكانه إن كان تاجرا أو شخصا معنويا وإن لم يكن المدين مرسما التنصيص على ذلك صراحة، هذه الإضافة شرعت لمصلحة المعقول تحت أيديهم خاصة البنوك لمعرفة المدين بأكثر سهولة وسرعة.

كما تضمّن الفصل 70 من م.م.م.ت نفس التنقيحات الجديدة إذ أكّد المشرّع على ضرورة ذكر عدد الترسيم بالسجل التجاري بالنسبة للخصوم عند الاقتضاء، كما أنّه إذا كان الخصم شخصا معنويا يجب أن يشمل المحضر على اسمه ومقرّه الاجتماعي وشكله القانوني إن كان شركة وعدد ترسيمه بالسجل التجاري.

في هذا الإطار يمكن التساؤل عن مدى الجدوى من تكرار نفس البيانات بالفصول 6 و70 و332 من م.م.م.ت؟

فالفصل 06 من م.م.م.ت[29] يعتبر النص العام والمحاضر كلها تندرج في إطاره، لذلك كان من الأفضل لو اقتصر المشرّع على هذا النصّ بدلا من اتخاذ مناهج متعددة بإضافة أحكام خاصة في كل من الفصلين 70 و332 مما قد يؤدّي إلى التناقض.

ولكن يمكن تبرير ذلك بالحرص المتزايد من المشرّع على صحّة محاضر التبليغ وعدم تعريضها للإبطال لما في ذلك من أضرار باستمرار المعاملات.

وإلى جانب البيانات المتعلقة بالطالب والمطلوب أضافت الفقرة الخامسة من الفصل 06 من م.م.م.ت وجوب أن يشمل المحضر “اسم من سلم إليه الإعلام وإمضاءه أو وضع علامة إبهامه على الأصل أو تسجيل امتناعه وسببه”.

والغاية من هذا الإجراء هي التحقق من كون نسخة المحضر سلمت إلى واحد ممن يجوز قانونيا تسليم النسخة له، أمّا إمضاؤه أو وضع علامة إبهامه في صورة جهله للإمضاء وذلك على أصل المحضر فهو وسيلة إثبات على كونه تسلم النسخة، لذلك لا يمكن للعدل المنفذ ترك ورقة التبليغ على طاولة المبلغ إليه الرافض أو رميها أرضا أمامه.

وهذه التنصيصات واجبة سواء كان من تسلم النظير هو المراد التبليغ إليه شخصيا أو أحد الأشخاص الذين يجيز القانون تسليم النظير لهم، وفقه القضاء مستقر في هذا الاتجاه إذ اعتبرت محكمة التعقيب أنّه: “من الإجراءات الأساسية في تبليغ نظير الإعلام حسب الفقرة الثانية من الفصل 8 جديد م.م.م.ت وجوب التعريف بهوية الشخص المبلغ له ذلك الإعلام بالوثائق الرسمية التي يدلي بها أو بالتعريف به بواسطة معرف يحمل تلك الوثائق”[30].

وفي صورة عدم الإمضاء على أصل المحضر فيجب على العدل المنفذ ذكر سبب الامتناع من الإمضاء على الأصل لا سبب الامتناع عن استلام النظير، ويعتبر الامتناع من التوقيع على الأصل قرينة على الامتناع عن تسليم النظير وفي هذه الصورة يواصل العدل المنفذ إجراءات التبليغ الأخرى.

البيانات المتعلقة بالعدل المنفذ
تتمثل هذه البيانات في ذكر اسم العدل المنفذ والدائرة التي يعمل بها وإمضاءه وختمه على كل من الأصل والنظير إلى جانب ذلك إضافة العدد الرتبي للمحضر بمكتب العدل المنفذ.

وتوقيع المحضر من العدل المنفذ له أهميّة كبرى إذ أنّ “إغفاله على أصل الإعلان أو على الصورة يعدم ذاتيتها كورقة رسمية”[31]، ولقد أكدت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة هذا المبدأ في القضية عـ27728ـدد بتاريخ 13/04/1995 واعتبرت أن إمضاء العدل المنفذ على أصل المحضر ونظيره إجراء أساسي.

كما أنّ ذكر اسم العدل المنفذ لا يغني عن إمضائه، لكن اعتبر فقه القضاء والفقه أن العكس جائز فتوقيع العدل المنفذ على المحضر توقيعا واضحا يغني عن ذكر اسمه فيه طالما لم ينتج عن ذلك ضرر. وبالتالي فإنّ “محاضر عدل التنفيذ ونسخ الوثائق المقدمة منه لا تعتمد إذا لم يشهد بمطابقتها للأصل ولم يمض عليها بخط يده ولا يكفي فيها وضع طابعه دون الإمضاء”[32].

وفيما يتعلق بالتنصيص على الدائرة التي يعمل بها العدل المنفذ فالغرض منه التثبت من حدود اختصاصه إذ أن قانون 1995 المنظم لمهنة العدول المنفذين حدد للعدل المنفذ مجال اختصاص ترابي إلى جانب الاختصاص الموضوعي.

ومن جهة أخرى لا بد من بيان مصاريف الإعلام والأجر بكل من الأصل والنظير وذلك لدرئ الشبهات وحتى يكون الطالب في مأمن من الغش، وأخيرا يجب على العدل المنفذ أن يضع على المحضر العدد الرتبي له.

البيانات الخاصة بموضوع التبليغ ومحتواه
رغم أنّ المشرّع لم ينص صراحة على هذا الشرط بالفصل 6 من م.م.م.ت إلاّ أنّه يعتبر من البيانات الجوهريّة التي تكرّس حق الدفاع وتحمي مبدأ المواجهة بين الخصوم، فذكر الوقائع والطلبات وأسانيدها الغاية منه تمكين المطلوب من معرفة موضوع النزاع وما هو مطلوب منه، كمثال لذلك نصّ الفصل 69 من م.م.م.ت على ضرورة أن ترفع الدعوى لدى المحكمة الابتدائية بعريضة يحررها محامي الطالب يبلغ نظير منها مصحوبا بنسخ من المؤيدات للمطلوب بواسطة عدل منفذ، في هذا الإطار اعتبر فقه القضاء أنّ إجراءات تبليغ الاستدعاء لدى الطور الإستئنافي تعتبر سليمة قانونيّّا طالما كان محضر الاستدعاء يحمل في صفحته الثانية مستندات الاستئناف[33].

ويتعيّن أن يكون موضوع الدعوى واضحا نافيا للجهالة حتى يستطيع المدعى عليه تقديم طلباته وتحضير دفاعه.

هكذا إذًا تتضح الشكليات الواجب احترامها وكلّ خرق أو عدم احترام لهذه البيانات يمكن أن يؤدي إلى إبطال المحضر ولكن يبقى السؤال قائما عن الغاية من فرض هذه الشروط الشكليّة؟

الفقرة الثانية : الغاية من فرض الشروط الشكليّة

إنّ فرض الشروط ووضع القواعد غايته حماية الخصائص المميزة للمحاضر، إذ المحاضر المدنية وثائق شكلية كما أنها وثائق رسميّة.

المحاضر وثائق شكليّة
إن التبليغ الذي يعتد به هو التبليغ الذي يصدر من أحد طرفي الخصومة بغاية إيصال واقعة معيّنة إلى علم المبلغ له.

والوسيلة الوحيدة لهذا العلم هي الكتابة إذ لا بد من التبليغ كتابة بواسطة عدل منفذ، فالكتابة هنا هي شرط صحة الإجراء في حدّ ذاته وليست مجرد وسيلة للإثبات.

وبالتالي لا يجوز عند عدم التبليغ أو حصول خلل قانوني بهذا التبليغ الاستعاضة عنه أو تكميله بالعلم الفعلي.

وفي صورة ما إذا تمّ التبليغ وفق الشكل الذي اشترطه القانون فلا يقبل الادعاء بعدم العلم لأنّ عدم العلم الفعلي لا ينفي تحقق العلم القانوني كما أنّ العلم الفعلي لا يغني عن وجوب العلم القانوني[34].

وتطبيقا لهذه الخاصية يجب على العدل المنفذ أن يبين في محضره جميع الإجراءات التي اتبعها عند قيامه بالتبليغ، إذ عليه إثبات جميع المراحل التي اعتمدها عند قيامه بتبليغ المحضر، من ذلك أنّه يجب عليه احترام ما اشترطه المشرّع من بيانات وجوبيّة في المحاضر، كما عليه احترام الإطار المكاني والزّماني المحدد قانونا.

وقد اعتبرت محكمة التعقيب في قرارها عـ46462ـدد الصادر في 20/11/1977 أنّ: “التبليغ غير الملم بصبغة القانون يعتبر والعدم سواء”. لهذا لا بدّ من احترام الطريقة التي وضعها المشرّع لتبليغ المحاضر، فإذا وجد نقص أو كان العمل المنجز من قبل العدل المنفذ معيبا شكلا فلا يجوز تكملة النقص باعتماد طريقة تكميلية كالإثبات، كما أنّه لا يمكن تعويض الشكل المحدد قانونا بشكل آخر كالإقرار أو شهادة الشهود[35].

وسبب تعدد الشروط الشكلية الواجب توفرها بمحضر التبليغ هو ما يتميّز به هذا المحضر من استقلالية تجعله غير قابل لتكملته بأي إجراء آخر، والشروط الشكلية الواجب توفرها بمحضر التبليغ لا بد أن تتوفر كذلك في نظير المحضر، إذ أن كل محضر يتكون من أصل يرد للطالب بعد إتمام الإجراء ثم يودع بملف القضية إن وجدت دعوى، ومن نسخة تسلم للمبلغ له. ولا بدّ أن يكون كل من الأصل والنسخة متطابقتين فلا يقبل الاختلاف إلاّ في بيانين اثنين يتمثلان في أنّ المبلغ له يمضي فقط في أصل المحضر ويتسلم النسخة. أمّا في صورة ما إذا لم يجد العدل المنفذ أحدا يترك النسخة تحت الباب لكن لا يترك بها عدد المكتوب مضمون الوصول لكونه إجراء لاحق.

هذه الشكليات المستوجبة لا تقتصر على إجراءات تحرير وتبليغ المحاضر وإنّما هي من مميزات مادة المرافعات ككل، فالعمل الإجرائي يقوم على أساس قانونيّة الشكل على خلاف القانون المدني الذي يعتمد مبدأ الرضائية[36] ولا يقر بالشكلية إلا في حالات خاصة.

وإجراءات تبليغ المحاضر مهما اشتدت صرامة شروطها الشكلية فإنها وضعت بهدف تكريس مبدأ المواجهة بين الخصوم وبالتالي إقامة العدل وتأمين الوصول لجوهر الحق.

وبتنقيح مجلة المرافعات المدنية والتجارية بتاريخ 03 أوت 2002 تمّ تكريس الصبغة الشكلية بأكثر وضوح، إذ أضيفت شروط جديدة في محاضر التبليغ بغاية ضمان أكثر نجاعة لعملية التبليغ.

لكن صرامة هذه الشكليات قد تكبّل القاضي إذ تؤدّي في عديد الحالات إلى تهميش الحق وضياعه، فإبطال المحضر بمجرد خرقه للشكل المحدد قد يكون خطيرا بمعنى أن يتغلّب الشكل على الحق. وهذا الموقف قد سبق أن رفضته محكمة التعقيب حين صرّحت في أحد قراراتها الشهيرة “أنّ الحق يعلو ولا يعلى عليه”[37]. ولكن ومن جهة اخرى قد يكون تبرير هذا الإبطال بسبب خرق الشكل في كون المحاضر ليست فقط وثائق شكلية وإنما أيضا في كونها وثائق رسميّة.

المحاضر وثائق رسميّة
من يقوم بمهمة تبليغ المحاضر في المادة المدنية هو العدل المنفذ المختصّ بذلك قانونا، إلى جانب ذلك فهو يوقع على المحاضر وهو ما يسبغ على هذه الوثيقة صفة الورقة الرسمية. لذلك كان لا بدّ أن يضع المشرّع شروطا شكلية صارمة حماية لما لهذه الوثيقة من أهميّة.

ويترتّب على اعتبار سند التبليغ وثيقة رسمية نتيجتان أساسيتان:

النتيجة الأولى: هي أنّ المحضر يعتبر حجة بما فيه إذ أن مضمون التصريحات الصادرة عن الأشخاص المبلغين والتي يدونها العدل المنفذ في محضر التبليغ تعتبر حجة عليهم وتعتبر صحيحة ما لم يثبت العكس ولا يمكن إثبات العكس إلاّ عن طريق دعوى الزور.

وليكون لهذا المحضر قوّة ثبوتيّة لا بد أن يقوم به العدل المنفذ ويكون ذلك ضمن حدود اختصاصه. وقد اعتبرت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة في القرار عـ27728ـدد الصادر في 13/04/1995[38] أنّ “إمضاء العدل المنفذ على أصل المحضر ونظيره هو إجراء أساسي باعتبار أن العدل المنفذ هو مأمور عمومي وأنّ محضر الاستدعاء هو حجة رسمية وأن عدم إمضائه من ذلك المأمور العمومي يفقده صبغة الحجة الرسميّة…”.

على خلاف ذلك فإن الاستدعاء من طرف المحكمة سواء بواسطة السلط الإدارية كالشرطة والعمدة، أو بواسطة أحد أعوانها أو بواسطة مكتوب مضمون الوصول لا يعتبر مستندا رسميا وبالتالي ليست له حجة ثبوتية على الكافة.

وفي هذا السياق تساءل بعض الفقهاء عن مصير محضر التّبليغ في صورة فقدانه سواء تم ذلك بعمل إرادي كالسرقة أو عمل غير إرادي كالضياع. فهل يؤدّي ذلك إلى إبطال العمل بالمحضر؟

اعتبر الفقهاء[39] أنّه في صورة فقدان أصل المحضر يتم اعتماد النسخة الرسمية منه، لكن في صورة فقدان النسخ الرسمية مع المحضر الأصل بعد حصول التبليغ فإنّه لا يمكن اعتبار حصول التبليغ ثابتا ولا التاريخ الذي حصل فيه ويعتمد التاريخ الذي يذكره المستأنف لحصول التبليغ.

النتيجة الثانية: تتمثّل في أنّ العدل المنفذ يعتبر مرتكبا لجريمة تزوير وثيقة رسمية إن غيّر في المعطيات الحقيقيّة، كذلك يعتبر مرتكبا لهذه الجريمة كل شخص قام بتحريف معطيات المحضر أو التغيير فيها أو تقليد إمضاء العدل.

ويُعرف التزوير بكونه تحريف متعمد للحقيقة في البيانات التي يثبتها مستند رسمي بهدف إحداث ضرر، وبالتالي لإبطال محضر التبليغ لا بدّ من إثبات أنّ المعني بالأمر قد حرّف الحقيقة في مضمون السند المذكور عن قصد منه وليس أنّه لم يتمم عن سهو أو جهل منه لشروط صحة التبليغ، لأنّ الأمر هنا يتعلّق بإثبات واقعة ماديّة تمت على يد العدل المنفذ[40].

ولكن لا يمكن في كل الحالات الاقتصار على الطعن بدعوى التزوير لإبطال المحضر، فعلى سبيل المثال: إذا وقع تناقض في بيان جوهري بين ما أثبته العدل في أصل المحضر وما أثبته في النظير فلا يكون المطلوب في حاجة للطعن بالتزوير للتوصل للحكم بإبطال المحضر بل يكفي إثبات هذا التناقض في البيانين الجوهريين حتى لا يعتمد المحضر، كما أنّه إذا خرج العدل المنفذ عن حدود اختصاصه أو سلطته أو أثبت في المحضر أمورا تخرج عن مهمته ولا يتطلبها القانون منه، فإن إثبات هذه الأمور من طرف ذي المصلحة لا يلزم فيه الادعاء بالتزوير بل يجوز بكافة طرق الإثبات[41].

هذه الخاصيات للمحضر المتمثلة في كونه ورقة رسمية وشكلية هامّة تبرز تعدد وتنوّع أسباب إبطاله.

المبحث الثاني: خرق الشروط الموضوعيّة

لا يكفي أن يتم تبليغ المحاضر وفق الشكل الذي حدّده القانون لهذه المحاضر بل يجب إضافة لذلك احترام كلّ من الإطار المكاني والإطار الزّماني لعمليّة التبليغ. هذه الشروط الموضوعيّة تطرح عدّة إشكاليّات تطبيقية نتيجة النقائص التي تسود النصوص القانونية.

الفقرة الأولى: الإطار الزّماني لتبليغ المحاضر في المادّة المدنيّة

وعيا من المشرّع بضرورة احترام مبدأ المواجهة بين الخصوم ولتمكين المطلوب من فرصة معرفة النزاع الموجه ضده وإعداد مستندات ووسائل دفاعه، اشترط على العدل المنفذ عند إجرائه لعملية تبليغ المحاضر ضرورة احترام آجال معيّنة تختلف باختلاف نوعية المحاضر، كما حدّد كيفية احتساب هذه الآجال، ورغم تعدد النصوص القانونية وتنوعها في هذا المجال إلا أنّ مسألة آجال تبليغ المحاضر طرحت عدّة صعوبات على المستوى العملي.

تحديد آجال تبليغ المحاضر في المادّة المدنيّة
الآجال تختلف بين آجال إجرائية تتعلق بالمرافعات وآجال موضوعيّة خاصة بآجال الالتزامات والعقود، والمشرّع رغم تنظيمه لهذا الميدان لكنّه لم يعرّف معنى الآجال، ويعرّفها الفقه بكونها لحظات زمنيّة أو وحدات زمنية من خصائصها الحركة وعدم الثبات، فلا يوجد زمن ثابت وإلا كان العدم[42].

كما أنّ آجال التبليغ تختلف باختلاف نوعية المحاضر:

فبالنسبة لمحاضر التمهيدية كمحضر معاينة أو محضر إعلام بانتقال ملكية، تبليغ هذه المحاضر لا يخضع لآجال محددة بل يجوز القيام بها في كل وقت طالما استلزمت الحاجة تبليغ مثل تلك المحاضر.

أمّا بالنسبة لمحاضر إجراءات الخصومة فهي تعتبر وجوبيّة يحرّرها ويبلّغها العدل المنفذ بطلب من القائم بالدعوى أو الطاعن، وهي تخضع لآجال حدّدها القانون تختلف باختلاف درجات التقاضي، فعند الاستدعاء لدى محكمة الناحية سواء كان الاستدعاء مدنيا أو استعجاليّا فإنّه يجب تبليغ نظير الاستدعاء قبل ثلاثة أيام من تاريخ الجلسة وذلك دون اشتراط إرفاقه بالمؤيّدات، لكن إذا كان المستدعى يقيم بالخارج فإن التبليغ يتمّ قبل 60 يوما من موعد الجلسة.

أمّا بالنسبة لتبليغ محاضر الاستدعاء لدى المحكمة الابتدائيّة: يجب أن يتم قبل 21 يوما من موعد الجلسة وذلك سواء تعلق الأمر بمحضر استدعاء مدني أو محضر استدعاء شخصي، وهذا الأجل يرتفع إلى 60 يوما إذا كان المطلوب مقيما بالخارج أو كان يتمثل في الدولة أو المؤسسات العموميّة.

وإذا تعلق الأمر بدعوى استعجاليّة أمام المحكمة الابتدائية فإن محضر الاستدعاء يجب أن يتمّ تبليغه من طرف العدل المنفذ على الأقل قبل 3 أيام من تاريخ الجلسة، ويخضع تبليغ محاضر الاستدعاء إذا كانت الدعوى مرفوعة لدى دائرة الشغل بالمحكمة الابتدائية إلى آجال استثنائيّة إذ يجب أن يقع التبليغ في أجل لا يقل عن 8 أيّام من تاريخ الجلسة.

فيما يتعلّق بتبليغ محاضر الاستدعاء لدى محكمة الاستئناف فإنّ أجل التبليغ في المادّة الاستعجاليّة قصير مقارنة ببقية الآجال إذ يجب أن يتمّ تبليغ محضر الاستدعاء والمؤيدات ونسخة من عريضة الطعن في أجل لا يقلّ عن 3 أيام، وذلك بخلاف التبليغ العادي في المادّة المدنيّة الذي يجب أن يتم قبل 20 يوما على الأقل من تاريخ الجلسة[43].

بخلاف ذلك فإنّ تبليغ مستندات التعقيب إلى المعقب عليه يجب أن تكون بواسطة عدل منفذ خلال أجل ثلاثين يوما من تاريخ تقديم عريضة الطعن بالتعقيب.

هذا الاختلاف في الآجال غايته أن يكون كل أجل متماشيا مع أهميّة النّزاع.

بالنسبة لمحاضر التنفيذ، فإنّه يتم تحريرها من طرف العدل المنفذ بموجب سند قابل للتنفيذ أيا كان شكل هذا السند طالما أعطاه القانون إمكانية إجراء عمل تنفيذي به كالشيك الذي حرر في شأنه شهادة في عدم الخلاص لانعدام الرصيد مثلا، وهي تخضع كذلك لآجال محدّدة.

فعلى سبيل المثال في إطار العقلة التوقيفيّة على الدّائن العاقل أن يعلم المعقول عنه بالعقلة في ظرف 05 أيام من إجرائها بواسطة محضر محرّر من أحد العدول المنفذين. ويجب أن يشمل هذا المحضر استدعاءه للحضور أمام المحكمة المختصة خلال أجل لا يقلّ عن 08 أيّام ولا يتجاوز 21 يوما لسماع الحكم بصحة إجراءات العقلة.

كما يجب على الدّائن أن يدخل الغير المعقول تحت يده في القضية المرفوعة لتصحيح العقلة بمقتضى محضر يسمى محضر إدخال وذلك قبل انعقاد الجلسة الأولى بخمسة أيام على الأقل.

ومن خلال كلّ ما ذكر يتبيّن أنّه متى حصل العلم للمطلوب بواسطة المحضر المحرّر من طرف العدل المنفّذ تنتهي آجال التبليغ لتبدأ آجال الحضور إذا تعلّق الأمر بخصومة.

وإلى جانب هذه الآجال العامة المتعدّدة توجد آجال أخرى استثنائية وموحّدة إذ نصّ الفصل 206 من م.م.م.ت.[44] أنّه يمكن للقاضي الاستعجالي عند شدّة التأكّد أن يأذن باستدعاء الخصوم وحتى في أيّام العطل.

كذلك ما نصّ عليه الفصل8 من م.م.م.ت من ضرورة أن يوجه العدل المنفذ إلى الشخص المطلوب إعلامه في ظرف 24 ساعة مكتوبا مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ إلى مقرّه الأصلي أو مقرّه المختار يعلمه فيه بتسليم النظير، هذا الأجل يتعلّق بإجراء احتياطي إذ لا يمكن الالتجاء إليه إلاّ في صورة امتناع من وجد في المقر عن تسلم النظير أو في صورة ما لم يجد العدل المنفّذ أحدا.

بالتالي عند توجه العدل المنفّذ لتبليغ المحضر في الأوقات العاديّة التي يجوز فيها التبليغ وتعذر عليه ذلك، يلتجأ إلى طرق تبليغ إضافيّة في أجل 24 ساعة.

هكذا إذًا يحدّد المشرّع الآجال عسى أن يتحقق التبليغ. ولكن مسألة إبطال محاضر التبليغ لا تقتصر فقط على عدم احترام هذه الآجال بل تتجاوزها بمعنى أنّه لا يجب فقط احترام الآجال فحسب بل أيضا يجب مراعاة كيفية احتسابها.

كيفية احتساب آجال تبليغ المحاضر في المادّة المدنية
أولى المشرّع عناية بالآجال باعتبارها جوهر المرافعات المدنيّة وحدّدها بصفة واضحة حسب نوعيّة كلّ محضر، لكن في المقابل عند دراسة م.م.م.ت يمكن أن نلاحظ أنّه لا توجد نصوص تحدد كيفية احتساب هذه الآجال باستثناء الفصل 291 الذي اقتصر على تنظيم أوقات التنفيذّ.

هذا الفراغ التشريعي يمكن أن يخلق إشكاليات عملية. فمن ناحية أولى لم يحدّد المشرّع الأوقات التي لا يجوز فيها تبليغ المحاضر في المادّة المدنيّة، وحدّد فقط الأوقات التي لا يجوز فيها التنفيذ. فهل يمكن إبطال محاضر التبليغ التي تتم في الليل والأعياد وأيام الأحد؟ أم أنّها تكون صحيحة؟

يبدو أنّ الإجابة عن هذا السؤال الواضح قد تكون غير واضحة بل قد تصل حدّ التناقض نتيجة وجود فكرتين متعارضتين.

الفكرة الأولى: يمكن اعتماد تأويلا موسعا للفصلين291 و292 من م.م.م.ت[45] المتعلقين بزمن القيام بأعمال التنفيذ، ويتم اعتبار أن الأوقات التي لا يجوز فيها إجراء عملية التبليغ هي نفس الأوقات التي لا يجوز فيها إجراء أعمال التنفيذ، وبالتالي يمكن إبطال محاضر التبليغ على نفس الأساس بالنسبة لمحاضر التنفيذ.

الفكرة الثانية: يمكن اعتبار أن سكوت المشرّع يمكننا من القيام بأعمال تبليغ المحاضر باختلاف أنواعها وأشكالها في كل زمن عملا بقاعدة أنّ ما كان مطلقا جرى على إطلاقه خاصة وأن الفصل 291 لا يتعلق بأحكام التبليغ بل ورد في الأحكام العامة لوسائل التنفيذ.

ويمكن استبعاد أحكام الفصل 292 لأنه يتعلق بالأيام التي لا يمكن إجراء عمل التنفيذ فيها ضدّ المسيحيين والمسلمين واليهود والهدف من ذلك أن لا تؤثر إجراءات التنفيذ على المشاعر الدينية للأطراف، أما تبليغ المحاضر المدنية فهو ليس بعمل تنفيذي لذلك هو جائز هذه الأيّام وقد اعتبرت محكمة التعقيب في القرار عـ39558ـدد الصادر في 06/02/1996 أنّ “الإعلام بالأحكام القضائية جائز في أيام العطل وتأسيسا على ذلك فإن الإعلام الواقع يوم أحد يعتبر إعلاما صحيحا إذا ما ثبت أنه قد تم طبق الإجراءات التي حدّدها القانون”[46].

ويبدو أنّ الآجال وكيفيّة احتسابها وإن كان عدم احترامها يشكل أحد أسباب إبطال المحاضر إلاّ أنّها ومن جهة أخرى تشكو نقصا على المستوى التشريعي ممّا يجعلها أرضية متحرّكة قد تجعل فقه القضاء يصدر أحكاما مختلفة عند إبطال المحضر خاصّة وأن المشرّع لم يحدّد تاريخ بداية احتساب الأجل وتاريخ نهايته. لذلك كان لا بدّ من الاستئناس بأحكام تخرج عن إطار هذه المجلة.

فطبقا لأحكام الفصل الثاني من القانون عـ31ـدد لسنـ1965ـة المؤرّخ في 04/07/1965 “اليوم يبتدئ عند منتصف الليل ويدوم 24 ساعة كاملة، وإذا قدّر الأجل بالأسابيع أو الأشهر أو السنين اعتبر الأسبوع سبعة أيام كاملة والشهر 30 يوما كاملة والسنة ثلاثمائة وخمسة وستون يوما كاملة وغرّة الشهر هي أول يوم منه ومنتصفه الخامس عشر منه وآخره اليوم الأخير”.

كما تضمّنت الأحكام العامة المضمنة صلب مجلة الالتزامات والعقود بيانات حول كيفية احتساب الآجال صلب الفصول 140 و141 و142 منها وذلك إلى جانب الفصل 401.

رغم ذلك لا تزال توجد بعض المسائل المبهمة التي نتج عنها نقاش فقهي واختلاف بين الأحكام القضائية وعلى سبيل المثال تم التساؤل إن كان اليوم الأول واليوم الأخير يندرجان في إطار الأجل الممنوح، فاعتبر البعض أنّ اليوم الأخير يدخل في احتساب الأجل[47] لكن أغلبية محاكم الموضوع تعتبر يوم التبليغ ويوم الجلسة لا يدخلان في احتساب أجل تبليغ المحاضر وهو ما يتماشى مع أحكام الفصل 401 من م.ا.ع. الذي ينصّ أنّ: “حساب المدّة يكون بالأيام الكاملة لا بالساعات ويوم ابتداء العد لا يحسب منها”.

ويبدو أن مسألة الآجال لا تنتهي عند هذا الحد بل يمكن أن تطرح المزيد من الصعوبات فعلى سبيل المثال قد يقع تبليغ المحضر مرتين فأي المحاضر تعتمد لاحتساب مدى صحة الآجال؟ طرح الإشكال على فقه القضاء واعتبرت محكمة التعقيب في قرار لها صادر في 05/12/1995 أنّ “آجال الطعون تهم النظام العام ولا يجوز للأطراف التصرف فيها وبناء على ذلك فإنه إذا وقع الإعلام بحكم مرتين فإن أجل الاستئناف يحتسب من تاريخ الإعلام الأوّل متى كان مطابقا للقانون”.

وكان من الأفضل تلافيا لكل الإشكاليات ولتحديد نظام واضح لإبطال محاضر التبليغ وضع نص قانوني صلب م.م.م.ت ينظم كيفية احتساب آجال التبليغ كما فعل المشرّع الفرنسي[48] بالفصل 664 من قانون أصول المحاكمات المدنية الفرنسية. وكذلك كما فعل المشرّع المصري في المادة السابعة من قانون المرافعات[49].

الفقرة الثانية: الإطار المكاني لتبليغ المحاضر في المادّة المدنيّة

تسعى كل التشاريع إلى ضبط الإطار المكاني لعملية التبليغ لارتباطه بقواعد الاختصاص الترابي وتأثيره على سير الإجراءات وصحّتها فيكون محضر التبليغ قابلا للإبطال في صورة تبليغه في غير مقر المطلوب. والمشرّع التونسي اعتنى بمسألة المقرّ منذ صدور م.م.م. بمقتضى الأمر العلي المؤرخ في 24/12/1910. وتواصل هذا الحرص مع القانون عـ130ـدد لسنـ1959ـة المؤرخ في 5 أكتوبر 1959 والمتعلق بإدراج م.م.م.ت. ثم التنقيحات التي تمّ إدخالها على المجلة المذكورة تنصّ على أنّ “تسليم نظير إلى الشخص نفسه أينما وجد أو في مقرّه المختار حسب الأحوال” ولعلّ الإضافة التي أدخلها تنقيح 3 أوت 2002 على الفصل 8 هي زيادة عبارة “أينما وجد”. وبالتالي فإن تبليغ الإستدعاءات والإعلامات يجب أن تقع بمقر الطرف المتوجه إليه، وبالرجوع إلى م.م.م.ت وتحديدا الفصل 7 نجد أنّ المشرّع عرف المقر وصنفه إلى مقر أصلي”أ” ومقر مختار”ب”.

أ: المقر الأصلي

حرصا من المشرّع التونسي على صحّة عملية التبليغ فقد تبنّى فكرة تعدّد المقر إذ نص الفصل 7 من م.م.م.ت على أنّ المقرّ الأصلي للشخص هو “المكان الذي يقيم فيه عادة والمكان الذي يباشر فيه الشخص مهنته أو تجارته يعتبر مقرا أصليا بالنسبة للمعاملات المتعلقة بالنشاط المذكور”.

ومن خلال ما تقدّم يتضح أن المقر الأصلي نوعان المقر الأصلي العادي1 والمقر الأصلي الحكمي2.

المقر الأصلي العادي
هو المكان الذي يقيم فيه الشخص بصفة معتادة أي الإقامة الفعليّة المستمرّة التي يصحبها ركن الاعتياد على أنه من الجائز أن تتخلل هذه الإقامة فترات غيبة متباعدة أو متقاربة بدون أن يؤدي ذلك إلى اختلال الثبات والاستقرار. وبالتالي غياب هذين الركنين قد يؤدّي إلى إبطال المحضر المبلّغ في ذاك المكان.

ويجب الإشارة هنا إلى مسألتين هامتين الأولى تتمثل في أنّ المقر الأصلي يختلف عن مكان الوجود المؤقت أو الإقامة العرضية فمكان الاصطياف لا يمكن اعتباره مقرا أصليا لعدم توفر ركني الاعتياد والاستقرار.

كما يغيب هذان العنصران مثلا في حالة الإقامة المعينة في نزل أو مبيت وهو ما أكدته محكمة التعقيب[50]

المسألة الثانية تتعلق بتعدّد المقر فالدستور يضمن لكل إنسان الحق في اختياره. فقد يكون للشّخص عدّة مقرّات إقامة ذات أهمية مثال مقر يقيم به في الشتاء ومقر يقيم به في الصيف، فعند حصول نزاع ما هو الحل؟

الفقه الفرنسي اعتمد عدة معايير لتحديد المقر كمكان الترسيم بالقائمات الانتخابية أو العلاقات العائلية…

كما اعتبر فقه القضاء الفرنسي أنه يمكن استدعاء الطلبة والجنود أمام المحكمة التي يقيمون في دائرتها رغم أن المقر الذي يقيم فيه الأولياء معروف.

وهو ما استقر عليه فقه قضاء محكمة التعقيب التي اعتبرت “المقر المقام فيه بالدعوى وصدر به الحكم الابتدائي ولا يوجد بأوراق القضية ما يفيد تغييره بمقر آخر فإن ذلك المقر هو المعتمد في الدرجة الثانية ويكون تبليغ الاستدعاء بالطرق القانونية صحيحا ولا مطعن منه في الحكم الإستئنافي الصادر عن ذلك الخصم”[51].

المقر الأصلي الحكمي
هو مقرّ مهني[52] لأنّه ليس مقرا أصليا بطبيعته إنما أعطيت له صفة المقر الأصلي بحكم القانون وذلك في إطار محدّد وهو حسب الفصل 7 من م.م.م.ت. “المكان الذي يباشر فيه الشخص مهنته أو تجارته وذلك بالنسبة للمعاملات المتعلقة بتلك المهنة أو التجارة” فمقاضاة تاجر من أجل كراء محل تجارته يعتبر فيه مكرى تجارته مقرا أصليا حكميا ولعل اعتبار مقر المهنة مقرا أصليا يستجيب لسرعة المعاملات التجارية وتيسير معاملات التاجر مع غيره من المتعاملين معه ويحتفظ المهني أو التاجر بمقره الأصلي العام في كل ما خرج عن مهنته أو تجارته. فإذا ما استدعى تاجرا من محل تجارته وتسلم الاستدعاء معينه وكان النزاع يتعلق بقضية طلاق مثلا كان هذا الاستدعاء عرضة للإبطال لأنّه لم يكن واقعا بالمقر الأصلي للشخص الذي يجب أن يستدعى فيه.

ب: المقر المختار

لقد نصّ الفصل 7 من م.م.م.ت على أنّ المقرّ المختار هو “المكان الذي يعيّنه الاتفاق أو القانون لتنفيذ التزام أو القيام بعمل قضائي”. وقد أكّدت محكمة التعقيب على هذا التعريف “المقر المختار هو المكان الذي يعيّنه الاتفاق أو القانون لتنفيذ التزام أو القيام بعمل قضائي وطالما تبيّن أن المعقب ضدها استدعت المعقب لدى محكمة الاستئناف بغير مقرّه المختار الواقع الإعلام به بصفة قانونية فإن استدعائها لم يتمّ كما يجب قانونا”[53]. وعليه فالمقرّ المختار يكون مصدره الاتفاق أو القانون.

المقرّ المختار بموجب الاتفاق
في كثير من الأحيان يقع الاتفاق بين المتعاقدين على مقر محدّد لإجراء عمل قانوني معين وبالتالي يصبح هذا المقر مختارا من طرف المتعاقدين[54] ولا يجوز تغييره دون اتفاق الأطراف عملا بمبدأ سلطان الإدارة الذي يسمح لأطراف العقد باختيار المقر بموجب الاتفاق وذلك بإدراج بند يسمى بند اختيار المقر ولم يشرط المشرّع التونسي شكلا معيّنا لاختيار المقر طالما صدر عن شخص رشيد ذي أهلية وقد اعتبرت محكمة التعقيب أنّه إذا اتفق الطرفان على مقرّ معيّن لم يجز تغييره إلا باتفاق ثان ثابت قانونا. كما اعتبرت في قرارها عـ42797ـدد المؤرخ في 11/06/1996 أن “تغيير المقر التعاقدي ولو وقع إشهاره بالرائد الرسمي لا يمكن أن يعارض به الطرف الآخر إلا إذا وقع إعلامه بهذا التغيير بصفة فردية، لأن ذلك المقر أصبح من مكونات العقد ولا يمكن تغيير الاتفاقات المدرجة بالعقود بمجرد نشر إعلان بالرائد الرسمي بل لا بد من إعلام المعاقد”.

المقر المختار القانوني
في بعض الأحيان يفرض المشرّع على الشخص اختيار مقر للقيام بعمل قضائي وذلك حتى يقع تجنب إضاعة الوقت في البحث عنه وربط الصلة به على وجه السرعة وقد يكون الاختيار حرّا أحيانا ومن صوره يمكن أن نذكر حالة طالب الجنسية أو المعترض عنها حيث أوجب عليه الفصل 39 من مجلة الجنسية اختيار مقرّ كما فرض الفصل 385 م.ح.ع على كل شخص يقع بإسمه ترسيم بسجلات الملكية العقاريّة أن يختار مقرّا له بالجمهوريّة التونسيّة.

كما يمكن أن نذكر هنا أنّ اختيار المقر يكون مقيّدا إذ يفرض القانون على الشخص اختيار مقر بمكان يحدّده المشرّع وفق نصوص معيّنة مثال الفصل 292 م.ح.ع الذي يفرض على المالك الجديد للعقار الذي يريد تطهير ما على العقار من رهون مرسمة عليه أن يختار مقرّا بدائرة المحكمة الابتدائيّة لمكان العقار.

هكذا إذًا يمكن القول أنّ للمقرّ أهمية فائقة عند النظر في مدى صحة عملية التبليغ. ولكن ورغم اعتناء المشرّع به إلاّ أنّه لم ينظمه بصفة دقيقة مما جعله يثير الكثير من الإشكاليات.

ج: الإشكاليات الناجمة عن مقر التبليغ

بالنظر في الواقع القضائي يمكن ملاحظة صدور عدة أحكام في غياب أطرافها في حين أن محاضر الاستدعاء لم تبلغهم فحرموا من حق الدفاع، كذلك كثيرا ما تصدر أحكام غيابية ولا يعلم بها المتقاضي مما يؤدي لتفويت أجل الطعن أو أجل الوفاء[55].

نتيجة لذلك كان المقر سببا في قصور وظيفة تبليغ المحاضر عن أداء الدور المتمثل في الإعلام. إذ أن المشرّع رغم ما بذله من مجهود لإعطاء تعريف واضح ودقيق للمقرّ إلاّ أن توفيقه في ذلك كان محدودا[56]، مثال ذلك أنه لم يحدد أركان المقر وبالتالي يمكن اعتبار أنّ أي عنوان منصوص عليه بمحضر التبليغ مقر مخابرة معتمد عند القيام بالتبليغ وحتى وإن كان مقتضبا لا يمكن من العثور على المعنى.

هذا الفراغ التشريعي جعل محرري العقود والقضاة لا يعطون الأهمية المرجوة للمقر فمحررو العقود عند تدوين عناوين المتعاقدين يعتمدون صيغا مقتضبة أو مبهمة مما ينجر عنها عرقلة وظيفة التبليغ، كذلك المحاكم عند اكتشاف عنوان مقتضب أو مبهم ولا يحضر الأطراف تحكم في القضية باعتبار أن التبليغ كان طبق القانون، في حين كان بإمكانها اعتبار أنّ العنوان لا يشكل مقرا وبالتالي تحكم بإبطال المحضر وبإعادة الاستدعاء بشكل أدق[57].

وطرح مفهوم المقر عدة إشكاليات فعلى سبيل المثال طرح تساؤل إن كان السجن يعتبر مقرا، المشرع لم يحدد مقر السجين، لكن محكمة التعقيب في قرارها المؤرخ في 14 نوفمبر 1985 اعتبرت أن السجين يحتفظ بمحل المهنة كمقر. أما في صورة السجن لمدة تتجاوز عشرة سنوات فإن مقر المسجون يكون مقر ممثله القانوني باعتباره يكون محجورا عليه بحكم القانون، وفي كل الحالات يمكن اعتبار السجن مقرا إذا ثبت أن المعاقد على علم به[58].

أما مكتب المحامي فلا إشكال حول أنه مقر مختار للمنوّب في درجة التقاضي التي هو نائب فيها لكن الفصل 68 من م.م.م.ت جاء مقتضبا ولم يبين من له صفة قبول المحضر، تلاف الفقهاء هذا النقص واعتبروا أن مكتب المحامي يعتبر مقرا مختارا بمجرد توكيله ويصح التبليغ في هذا المكتب لأي كان من المحامين الشركاء أو المعاونين له أو لأي من المستخدمين العاملين بالمكتب، وكان من الأفضل حماية أكثر للمطلوب التنصيص على تبليغ المحضر مرتين وذلك بمكتب المحامي وبمقر المتقاضي الأصلي.

لكن في صورة صدور حكم ابتدائي هل يمكن للمستأنف عند الاستئناف اعتماد مقر المحامي المنصوص عليه بنسخة الحكم أم يعتبر هذا المقر المختار قد انحل بصدور الحكم باعتبار انقضاء نيابة المحامي؟ أقرت محكمة التعقيب في قرار لها أنّ “المقر المقام منه بالدعوى وصدر به الحكم الابتدائي ولا يوجد بأوراق القضية ما يفيد تغييره لمقر آخر، فإن ذلك المقر هو المعتمد في الدرجة الثانية ويكون تبليغ الاستدعاء فيه بالطرق القانونية صحيحا قانونا”[59].

فالقاعدة أن نيابة المحامي تنتهي بصدور حكم في القضية وهو ما يتضمنه الفصل 68 من م.م.م.ت الذي ينص على أنه يعتبر مقر المحامي مقرا مختارا لمنوّبه في درجة التقاضي التي هو نائب فيها، ولكن لو لم تتضمن عريضة الدعوى أيّ مقر آخر للطالب غير مقر المحامي الذي تولى نيابته في الطور الأوّل جاز تبليغ مستندات الاستئناف لديه في هذا المقر دون أن يمكنه الاحتجاج بأنّ نيابة المحامي انتهت منذ صدور الحكم الابتدائي وهو ما أكدت محكمة التعقيب في قرارها الصادر في 30/10/2003[60].

هكذا إذًا يمكن القول أن تعدّد شروط صحة محاضر التبليغ والفراغ على المستوى التشريعي خاصة في مستوى تحديد الآجال وأركان المقر يمكن أن يجعل من كلّ عملية تبليغ محل نقاش قد تؤدي إلى هدم الأهداف التي سعى إليها المشرّع وهي الحد من إبطال محاضر التبليغ عبر محاولة تحديد شروط صحته وأيضا من خلال تحديد طرق تبليغه التي بدورها تشكل إحدى المسائل الهامة وعدم احترامها يتسبب أيضا في إبطال المحضر.

الفصل الثاني: عدم احترام طرق تبليغ المحاضر

يهدف المشرع من خلال إجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية إلى حماية الخصوم والمحافظة على صحة عملية التبليغ.

وبالتأمل في مختلف قواعد التبليغ خاصة بعد تنقيح م.م.م.ت بمقتضى قانون 3 أوت 2002 يمكن الملاحظة بوضوح مدى حرص المشرّع على محاولة الحد من إبطال محاضر التبليغ حتى لا يتضرر الأطراف من إجراءات تتخذ ضدهم في غفلة منهم. ولعلّ أبرز دليل على ذلك تنوع وتعدّد طرق تبليغ هذه المحاضر.

وتتمثل النصوص القانونية المنظمة لطرق التبليغ في الفصول 8 و9 و10 و11 من م.م.م.ت. ويمكن القول أن عدم احترام هذه النصوص قد يؤدي إلى إبطال محضر التبليغ وسنحاول إبراز ذلك من خلال دراسة التبليغ الفعلي (مبحث أول) والتبليغ الاعتباري (مبحث ثاني).

المبحث الأول: التبليغ الفعلي

التبليغ الفعلي يمثل الطريقة الأصلية لتبليغ المحاضر في المادة المدنية وهو ما يطلق عليه “بالتبليغ اليقيني”. في التبليغ لشخص المطلوب ذاته وفي صورة عدم وجوده فلأحد الأشخاص اللذين مكنهم القانون من قبول المحاضر عوضا عنه. وقد جعل المشرّع منها شروط صحة فيجب إذًا على العدل المنفذ احترامها لتحقيق سلامة عملية التبليغ.

الفقرة الأولى: تبليغ المحضر لذات المطلوب

بدراسة فصول م.م.م.ت يلاحظ اختلاف إجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية للشخص الطبيعي عن إجراءات التبليغ للشخص المعنوي.

التبليغ للشخص الطبيعي
يتم تبليغ المحضر للذات الطبيعية المقيمة بالبلاد التونسية طبق أحكام الفصل 8 فقرة 1 من م.م.م.ت التي تنص أنه “يسلم النظير إلى الشخص نفسه أينما وجد أو في مقره الأصلي أو في مقره المختار”.

هذه الطريقة تعتبر الأصل في التبليغ، اعتمدتها عدة قوانين عربية أو أوروبية كالقانون الفرنسي[61]. فالتبليغ للشخص نفسه يبعد كلّ إمكانية لإبطال المحضر ويحقق العلم اليقيني للمطلوب.

من هذا المنطلق لم يقيد المشرّع العدل المنفذ بالتوجه إلى مقر معين، لكن في كل الحالات لا بد لهذا الأخير من إتباع الترتيب المنصوص عليه بالفصل8 “الذي يعتبر الشريعة العامة في مادة التبليغ”[62].

لذلك يجب على العدل المنفذ في البداية أن يسعى إلى التبليغ الفعلي اليقيني بتسليم النظير إلى شخص المطلوب ذاته وذلك “أينما وجد”. ويمكنه الاستعانة بمن يراه لاستدعاء المعني بالأمر شخصيا من أي مكان يوجد به، كما يجب عليه البحث عنه ويمكنه تسليمه النظير بمقر العمل أو إن كان له علم بأنه موجود بمقر آخر معلوم غير المقر المنصوص عليه من طرف الطالب فيتوجه إليه، أو حتى بالطريق العام، فلا لزوم للتقيد بالمقر إلا في صورة عجز العدل المنفذ عن التوصل إلى المطلوب، وهي تعتبر أنجع طرق التبليغ.

المشرّع الفرنسي نص على هذه الطريقة صراحة بالفصل 655 من م.إ.م. فرنسية إذ اعتبر أنه لا يمكن الالتجاء للتبليغ بواسطة إلا في صورة إستحالة الوصول إلى الشخص المطلوب ذاته وعدل التنفيذ ملزم بالتنصيص صلب المحضر على المجهودات المبذولة[63].

عبء إثبات تسليم المحضر لشخص المطلوب نفسه يقع على عاتق طالب التبليغ وعلى المطلوب إن لم يبلغه المحضر إثبات ذلك بكافة الوسائل، وعبارة “أينما وجد” المضافة بالفصل إثر تنقيح 3 أوت 2002 هي نتيجة لما درج عليه عمل فقه القضاء، فعلى سبيل المثال اعتبرت محكمة التعقيب في قرارها الصادر في 16 أكتوبر 1996 أن:”عملية التبليغ ليس بلازم أن تتم بمقر المراد تبليغه بل يجوز للعدل المنفذ أن يسلم له في أي مكان يعثر عليه فيه كالطريق العام أو مقرّ العمل، وإذا خاطب عدل التنفيذ الشخص المراد إعلامه أين وجده فهو أقوى دلالة على علم المراد إعلامه، إذ فيه معنى علمه علما مؤكدا بهذا الإعلام ولهذا جرى القضاء على تسمية هذه الحالة باسم حالة العلم اليقين”[64].

لكن إذا كان المبلغ له فاقد الأهلية أو ناقصها فإن الفقه وفقه القضاء[65] درجا على اعتبار النظير يسلم إلى الممثل الشرعي وإلا فإنه سيكون سببا في إبطال المحضر.

أما في حالة عدم عثور عدل التنفيذ على المطلوب يتم التبليغ بالمقر، والفصل 8 فقرة أولى رغم تنقيحه إلا أن صيغته بقيت عامة وهذا ما يقودنا إلى التساؤل التالي، كيف يمكن إثبات تحوّل عدل التنفيذ حقيقة إلى المقر؟

فقد لا يكلف العدل المنفذ نفسه عناء البحث عن المقر وينص على أنه لم يجده ولم يجد أحدا في المقر، في حين لا وجود لما يثبت توجهه للمقر من عدمه، في بعض الحالات الأخرى يتوجه العدل المنفذ لتبليغ محضر لمطلوب يقيم بعمارة بدور عال، فلا يقوم بالصعود للمقر وإنما يضع النظير بصندوق البريد وينصّ: “لم أجده وتركت نسخة تحت الباب”، لذلك كان من الأفضل لو اشترط المشرّع على العدل المنفذ وصف المقر الذي تحوّل إليه.

كذلك تم التساؤل عن كيفية التبليغ في حالة صدور حكم ووفاة المحكوم عليه، أو فقدانه الأهلية أو صفة الممثل القانوني أثناء مدة الطعن، اتجه الفقه إلى اعتبار أن مهلة الطعن تنقطع وتجرى مجدّدا بعد تبليغ الحكم إلى من يقوم مقام الخصم الذي توفي أو فقد أهلية التقاضي أو مقام من زالت صفته لتمثيله[66]، فعلى سبيل المثال إذا توفي المحكوم له أثناء ميعاد الطعن فإنه يمكن للطاعن رفع الطعن وإعلانه إلى ورثته جملة دون ضرورة ذكر أسمائهم أو صفاتهم ويكون ذلك في آخر مقر كان لمورثهم “ومتى تم رفع الطعن وإعلانه على الوجه المتقدم وجب إعادة إعلانه لجميع الورثة بأسمائهم وصفاتهم لأشخاصهم أو في موطن كل منهم”.

ومن المسائل الأخرى التي لم يشر إليها المشرّع بالفصل 8 فقرة أولى مسألة التعريف بهوية المطلوب، اعتبر بعض الفقهاء هذا النقص يمثل ثغرة قانونية قد تؤدي للتحايل على القانون، في حين اعتبر البعض الآخر هذا الموقف فيه مغالاة إذ التثبت من الهوية هو من طبيعة عملية التبليغ لذلك لا لزوم لاشتراطه صراحة من المشرّع[67].

فقه القضاء التونسي تلافى هذا الفراغ واستقر على ضرورة أن يتحقق العدل المنفذ من هوية الشخص المسلم له النظير، كما أكدت محكمة التعقيب في قرار تعقيبي عدد 17065 مؤرخ في 13 جانفي 1987 أن: “التحقق من الهوية هو إجراء أساسي يتعلق بالنظام العام”.

أمّا إذا امتنع شخص المطلوب عن الإدلاء بهويته يجب على العدل المنفذ الإشارة إلى ذلك صراحة بالمحضر.

غير أنه في صورة ما إذا كان المطلوب متمتعا بحصانة كالممثلين الدبلوماسيين فهل يجوز تبليغ المحاضر في المادة المدنية باعتماد نفس القواعد، معاهدة فيانا لسنة 1961 ربطت مفهوم الحصانة بالسلطة، على ذلك الأساس لا يقاضى الممثل الدبلوماسي بخصوص الأعمال التي مارس بموجبها السلطة ويقاضي فيما يتعلق ببقية الأعمال كالأعمال التجارية[68]. هكذا إذًا تبدو النّصوص المنظمة للتبليغ لذات الشخص الطبيعي يشوبها بعض النقائص مما قد يشكل عائقا أمام صحة المحضر ولكن يبقى التساؤل حول عملية التبليغ للذات المعنوية؟

ب- التبليغ للذات المعنوية

ليس للذات المعنوية وجود مادي بالتالي لا يمكن التعامل معها أو تبليغها المحاضر إلا بوجود من يمثلها ماديا إذ أن تبليغ نظير المحضر في المادة المدنية يكون للشخص الطبيعي الذي يمثل الذات المعنوية.

لهذه الأسباب وضع المشرّع قواعد تبليغ تختلف عن تلك المتعلقة بالذات الطبيعية ونص عليها بالفصل 11 من م.م.م.ت.

في هذا الإطار ميز المشرّع بين التبليغ للذوات المعنية العامة والتبليغ للذوات المعنوية الخاصة.

تتمثل الذوات المعنوية العامة في الدولة أي الوزارات والإدارات العامة التابعة لها إلى جانب المؤسسات العمومية، تبليغ المحاضر المدنية لهذه الذوات المعنوية يقتصر على مكاتب المكلف العام بنزاعات الدولة: “تبلغ الاستدعاءات والإعلامات الموجهة إلى الدولة إلى مكاتب المكلف العام بنزاعات الدولة وإلاّ كانت باطلة”.

تبليغ المكلف العام بنزاعات الدولة أو من ينوبه بمكتبه يكون طبق الإجراءات المنصوص عليها بـ م.م.م.ت وذلك وفقا لأحكام الفصل 8 من القانون عـ21ـدد لسنة 1962.

إلى جانب الدولة أصبح المكلف العام بنزاعات الدولة يمثل أيضا المؤسسات العمومية الإدارية وذلك بمقتضى قانون 7 مارس 1988 المتعلق بتمثيل الدولة والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية والمؤسسات الخاضعة لإشراف الدولة لدى سائر المحاكم[69].

إضافة للتبليغ للذات المعنوية العامة نص الفصل 11 من م.م.م.ت في فقرته الثانية أنّ “الإعلام الواقع لسائر الذوات المعنوية الأخرى يقع إبلاغها لمكتبها بالمكان الذي استقرت به بصفة رسمية أو للمكتب أو للفرع الذي يهمه الأمر”.

تتمثل الذوات المعنوية الخاصة في المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية والشركات والجمعيات…

كما اعتبر الفصل 8 من قانون غرة فيفري 1989 المنشأة العمومية ذات معنوية خاصة ذات نشاط صناعي وتجاري.

وتبليغ المحاضر لهذه الذوات يكون لممثلها القانوني المتمثل في الوكيل نفسه أو نائبه وفي صورة وجود شركة ضخمة فإن قسم النزاعات هو الذي يتولى القبول، كما يمكن تبليغ المحضر للمسؤول عن فرع بشركة أو مؤسسة بشرط أن يكون موضوع محضر التبليغ ناشئ عن التعاقد مع هدا الفرع أو عن عمله.

إذا كان التبليغ لذات معنوية فإن فقه القضاء مستقر على أنه يجب ذكر اسم الممثل القانوني لهذه الذات ولا يقع الاكتفاء بذكر العبارة التالية: “في شخص ممثلها القانوني”[70]، غير أن هذا لا يجعل عدل التنفيذ في حل من وجوب بيان اسم الشخص الذي تسلم النظير وهويته كاملة وصفته في الشركة المبلغ إليها ووضع الطابع والإمضاء، وفي هذا الصدد اعتبرت محكمة التعقيب في القرار عـ5660ـدد مؤرخ في 03 مارس 1983 أن “تبليغ أسانيد الطعن إلى مسؤول في الشركة المطعون عليها دون بيان الخطة التي يشغلها ولا ذكر هويته يكون به التبليغ غير صحيح”.

كما أنّ فقه القضاء لم يحصر التبليغ للممثل القانوني أو نائبه بل اعتبر تسلم شخص موجود بمكاتب الشركة نظير الاستدعاء وتصريحه للعدل المنفذ أنه موظف بها وإمضاؤه على النظير مع وضع ختم الشركة عليه يجعل التبليغ قانونيا[71].

ولعله كان على المشرّع التنصيص بصفة مدققة على الأشخاص الذين يخوّل لهم القانون قبول النظير إذ لا يعقل أن يتقبله موظف غير مختص أو حارس في حين يوجد مكتب نزاعات أو يوجد من يمثل الذات المعنوية بالمقرّ.

كما يجب الإشارة فيما يتعلق بالشركات إلى كون شخصيتها المعنوية تبقى قائمة إلى حين ختم أعمال التصفية ويجب أن يتم تبليغ المحاضر إلى من عيّن مصفيا لها باعتباره الممثل القانوني للشركة في مرحلة التصفية[72].

والذات المعنوية الخاصة قد تكون تونسية أو أجنبية، وفي الحالة الثانية لا يمكن تطبيق أحكام الفصل 11 فقرة ثانية إلا إذا ما كان لهذه الذات المعنوية ممثل قانوني في تونس أو كان موضوع المحضر المبلغ ناشئا عن تعاقد أو عن عمل مع فرع لها موجود بالبلاد التونسية.

وفي غير هذه الصور ليتمّ تطبيق القواعد الخاصّة بالتبليغ للذوات المقيمة خارج الوطن إذا كان لها مقر معلوم بالخارج أو تطبق القواعد الخاصة بمجهولي المقر إذا لم يكن لها مقر معلوم في الخارج. وإذا كان التبليغ الفعلي سواء للشخص الطبيعي أو الشخص المعنوي يشكو نقصا على مستوى النصوص القانونية فما هو حال التبليغ بواسطة؟

الفقرة الثانية: التبليغ بواسطة

نصّ الفصل 8 من م.م.م.ت. في فقرته الثالثة أنّه “إذا لم يجد العدل المنفذ المطلوب إعلامه في مقرّه وجب عليه أن يسلم نظير محضر الإعلام إلى وكيله أو إلى من يكون في خدمته أو ساكنا معه بشرط أن يكون مميزا أو معرفا بهويّته”.

وبالتالي حدّد المشرّع بصفة حصريّة الأشخاص الذين يجوز تسليم نظير المحضر لهم عوضا عن المطلوب، كما وضع شروطا لا بد من توفرها في المتسلّم ليكون التبليغ صحيحا. ورغم تنقيح المشرّع للفصل 8[73] إلاّ أنّه لم يغير في هذه الفقرة شيئا.

الأشخاص الذين يجوز لهم تسلم نظير المحضر
تمّ حصر الأشخاص الذين يجوز تبليغ المحاضر لهم عوضا عن المطلوب ذاته في ثلاث فئات هم الوكيل أو من يكون في خدمة المطلوب أو من يكون ساكنا معه.

وليكون التبليغ لهؤلاء الأشخاص صحيحا لا بد من تعذر تبليغ المحضر للمطلوب ذاته أينما وجد أو في مقرّه، إذ لا بد من مراعاة الترتيب المضمن بالفصل 8 م.م.م.ت.

فيما يتعلق بالوكيل، عرّف الفصل 1104 من م.إ.ع. الوكالة بكونها عقد يكلف بمقتضاه شخص شخصا آخر بإجراء عمل جائز في حق المنوّب، بمجرد توفر هذا العقد يصبح بإمكان الوكيل تسلم نظير المحضر من طرف العدل المنفذ عوضا عن المطلوب، كما أنّه في صورة ما إذا كانت الوكالة خاصة تتعلق بنازلة مخصوصة أو عمل معين فإنه يجوز للوكيل بمقتضى الفصل 8 تجاوز نطاق الوكالة وقبول المحضر، لكن على العدل المنفذ التثبت من الوكالة كالاطلاع مثلا على عقد التوكيل.

يعتبر البعض أنّه يجب أن يتم تسليم النظير من المحضر إلى الوكيل في موطن المطلوب إعلامه لا في مقر الوكيل[74]، لكن المشرّع بتمكين العدل من تبليغ المحضر للوكيل لم يشترط أن يكون الوكيل مساكنا للمطلوب وبالتالي يمكن القول أنه يجوز التبليغ له بمقر عمله أو بمنزله أو بأي مكان يجده فيه.

نصّ الفصل 8 ثالثا على إمكانية التبليغ لمن يكون في خدمة المطلوب، عبارات هذه الجملة جاءت عامة ويمكن أن تشمل كلّ من وجدت بينه وبين المطلوب علاقة شغليّة ساعة التبليغ أي من يعمل بأجر لديه وتوجد رابطة تبعية تتسم بالدوام والاستمرارية[75] كالموظف والسّائق والجنّان والحارس.

أمّا فيما يتعلق بحارس العمارة فلا يمكن تسليم المحضر له إذا كان المطلوب هو المستأجر لأنّ العمارة مجمع سكني وليست مقرّا للسكنى، باستثناء حالة وجود هذا الأخير داخل شقة المطلوب وتسلمه النظير، إذا كان المطلوب هو المؤجر مالك العمارة والمعين مقرّه بها، ففي هذه الحالة يجوز التبليغ أيضا للحارس لكونه يرتبط بعلاقة تبعية مع المؤجر.

على خلاف ذلك مكّن المشرّع الفرنسي صراحة من تبليغ المحضر لحارس العمارة وذلك بالفصل 655 م.إ.م فرنسية[76].

تجدر الملاحظة أنّ العدل المنفذ يبلغ نظير المحضر لمن يكون في خدمة المطلوب أينما وجده إذ لا يشترط عنصر المساكنة مع المطلوب لأنّ العبارة جاءت مطلقة بالفصل وبالتالي تؤخذ على إطلاقها.

إضافة للوكيل ومن يكون في الخدمة مكن المشرّع المساكن للمطلوب من تقبل النظير، وذلك على خلاف تشاريع عدة دول عربية فإنّ المشرّع التونسي استعمل عبارة المساكن للمطلوب وليس “أفراد العائلة المقيمين مع المطلوب في مسكن واحد”، وهي عبارة مطلقة تمكن من التبليغ لأي شخص يتواجد بمقر المطلوب ساعة التبليغ مع تصريحه بمساكنته له.

والمساكنة التي يشترطها الفصل 8 ثالثا ليست الإقامة العاديّة والمستمرّة بل يكفي أن تكون مؤقتة ولفترة معينة بالتالي المساكنة مسألة ماديّة تفترض الإقامة تحت سقف واحد.

ويرى شقّ من الفقهاء أن العدل المنفذ غير مكلف بالتحقق من صفة من يتقدم إليه لتسلم النظير ما دام هذا الشخص قد خوطب في مقر المطلوب إعلامه لأنّ ذلك يسمح له بالتدخل في الحياة الخاصة[77]، كما أنّ المعني بالتبليغ مسؤول عن الأشخاص الموجودين بمقره، في حين اعتبر شقّ آخر أن المساكنة مسألة موضوعية موكولة لاجتهاد العدل المنفذ الذي عليه أن يسعى جهد المستطاع لبيان العلاقة الرابطة بين المطلوب ومساكنه المبلغ له أو يذكر أوجه القرابة[78].

كما أنه في القانون التونسي الجار لا يعتبر مساكنا ولا يمكن تبليغ المحضر له بخلاف القانون الفرنسي الذي أجاز بالفصل 655 م.إ.م فرنسية التبليغ للجار بشرط أن يعلن اسمه وشهرته وصفته وعنوان سكنه ويعطي أيضا إيصالا بالاستلام.

الملاحظ أنه في صورة تسلم أحد الأشخاص المذكورين للنظير دون تسليمه للمطلوب، فإن التبليغ يعتبر رغم ذلك صحيحا، وربّما كان من الأفضل إلزام المساكن قانونيا بإيصال المحضر الذي تسلمه إلى المعني بالأمر، كذلك في صورة الخطأ في صفة متسلم الورقة فإن العدل المنفذ لا يتحمل أيّة مسؤولية، وفي كلّ الحالات استقر فقه القضاء منذ زمن على ضرورة أن يذكر العدل المنفذ من تسلم النظير وصفته (مساكن، وكيل، خادم) إذ أن الاقتصار من قبل العدل المنفذ على ذكر اسم من تسلم النظير دون بيان صفته يعيبه ويشكل سببا كافيا لإبطال المحضر.

تجدر الملاحظة أيضا أن المخول لهم تسليم نظير المحضر غير مجبرين على ذلك إذ يمكنهم الرّفض و بالتالي يقع الالتجاء لوسائل التبليغ الأخرى.

الشروط الواجب توفرها فيمن يجوز تسليم النظير لهم
نص المشرّع على شرطين يتمثلان في التمييز والتعريف بالهوية.

يجب أن يكن متسلم النظير مميزا وقد اعتبر الفصل 156 من م.أ.ش. أن “الصغير الذي لم يبلغ الثالثة عشر يعدّ غير مميّز وجميع تصرفاته باطلة”.

على هذا الأساس لا يشترط أن يكون هذا الشخص متمتعا بأهلية التعاقد والتقاضي بل يكفي أن يكون مميزا، وفقه القضاء التونسي ميّز بين التمييز والرّشد إذ أكدت محكمة التعقيب في قرارها عـ52608ـدد الصادر في 2 أفريل 1998 أنّ “المشرّع اشترط التمييز لصحة تسلم النظير ولم يشترط الرشد ويعني ذلك أنه جعل فرقا بين سن الرشد وسن التمييز وأنه اكتفى لصحة تسلم النظير توفر سن التمييز باعتبار أن الشخص المتسلم له درجة من الوعي تمكنه من إدراك أهمية ما سلم إليه وتسليمه لصاحبه”.

لذلك اشترط التمييز بهدف الحيلولة دون وقوع الأوراق المراد تبليغها بين أيدي أشخاص لا يولونها أهمية[79].

عدة تشاريع مقارنة اشترطت أيضا ضرورة بلوغ متقبل النظير لسن معينة، فالمشرّع اللبناني مثلا اشترط 18 سنة، في حين تخلت بعض التشاريع الأخرى عن هذا الشرط كالمشرّع الفرنسي.

تخضع مسألة التمييز مبدئيا لاجتهاد العدل المنفذ والمشرّع لم يشترط ضرورة التنصيص على التمييز بالمحضر مما جعل فقه القضاء يعتبر أنّه: “لا يوجب الفصل 8 من م.م.م.ت. على العدل المنفذ المكلف بتبليغ الاستدعاء التنصيص بمحضر الاستدعاء على أن من تسلمه كان مميزا، وبالتالي فإن صفة التمييز مسألة اعتبارية موكولة لاجتهاد العدل المنفذ، فمتى وقع تسليم الاستدعاء فإنّه يحمل على أنه سلم لمن كان مميزا، فالأصل في الأمور الصحة إلى أن يثبت العكس”[80].

رغم ذلك يعتبر الفقهاء أنّه من المحبّذ التنصيص على حالة التمييز للمبلغ له[81] حتى تتمكن المحكمة من إجراء رقابتها.

وفي صورة وجود أشخاص بالمقر ليست لهم صفة القبول نظرا لصغر السنّ، أو لأسباب أخرى يجب على العدل ذكر أسماء من وجدهم بالمحل ولماذا لم تكن لهم صفة القبول.

الشرط الثاني الواجب توفره عند تسليم النظير وفق الفصل8 فقرة ثانية يتمثل في التعريف بهوية متسلّم النظير، ويكون ذلك عن طريق الإدلاء ببطاقة التعريف الوطنية وذلك تطبيقا لأحكام الفصل الأوّل من قانون 27 جويلية 1968 الناص على أنّه: “أحدثت بطاقة قومية للتعريف بهوية صاحبها”، أو جواز السفر الخاص بالأجانب أو البطاقة المهنية وهي تمثل أقل ضمانة للمحافظة على صحّة تبليغ المحاضر. كما قبلت محكمة التعقيب التعريف بهوية متسلّم الورقة بواسطة معرف يحمل تلك الوثائق إذا اعتبرت أنّه من”الإجراءات الأساسية في تبليغ نظير الإعلام حسب الفقرة الثانية من الفصل8 من م.م.م.ت. وجوب التعريف بهوية الشخص المبلغ له ذلك الإعلام بالوثائق الرسمية التي يدلي بها أو بالتعريف به بواسطة معرّف يحمل تلك الوثائق”[82] ويجب على العدل المنفذ التنصيص على الوسيلة المعتمدة للتعريف بهوية متسلم الورقة بالمحضر حتى تتمكن المحكمة من مراقبة صحة الإجراءات فـ:”عدم التنصيص على اسم أو هوية متسلم الإستدعاء يحول دون تحقيق الغاية التي رتبها القانون ورمى إليها المشرّع كما أنّ التبليغ على هذه الصورة لا يمكن اعتباره تبليغا بصفة قانونية”[83].

طرح إشكال بالنسبة للصغير المميز إذ كيف سيتم تطبيق هذا الشرط عليه في حين أنّه غالبا لا يكون بحيازته ما يعرف هويته؟

بعض التشاريع العربية كالتشريع المصري أضاف شرط أن لا تتعارض مصالح متسلم نظير المحضر مع مصلحة المبلغ إليه[84]، إلا أنّ المشرّع التونسي تغافل عن هذا الشرط، لم يتلاف هذه الثغرة القانونية التي تتسبب في ضياع العديد من الحقوق وتفتح الباب للتحيّل، وقد اعتبر رجال الفقه أنّه رغم سكوت المشرّع، لا غنى عن هذا الشرط “ولا بد من مراعاته عند النظر في سلامة الإعلام أو الاستدعاء”[85]. ولكنّ يبقى رأي الفقهاء غير ملزم ممّا يجعل الباب مفتوحا لاجتهاد فقه القضاء و بترك التبليغ بواسطة منقوصا، وقد يؤدّي بدوره إلى التسبب في إبطال المحاضر ولكن ما هو الشّأن بالنسبة للتبليغ الإعتباري؟

المبحث الثاني: التبليغ الاعتباري

التبليغ الاعتباري هي طريقة استثنائية للتبليغ لا تتخذ إلاّ في حالة استحالة التبليغ الفعلي، وتسمى هذه الطريقة بالاعتباري لكونها لا تحقق اتصالا مباشرا بين العدل المنفذ والشخص المطلوب أو أحد الأشخاص الذين أجاز لهم القانون التسليم في حقه.

وفقه القضاء أطلق على هذه الطريقة بالإعلام القانوني “معتبرا أنّ إقرار مبدأ الإعلام القانوني بدل الإعلام الشخصي تحتّمه صعوبة التبليغ الشخصي أحيانا وتعذره في أحيان أخرى”[86].

تخضع إجراءات التبليغ الاعتباري إلى قواعد دقيقة يلتجأ فيها المبلغ إلى جهات إداريّة مختلفة، ويمكن تحديد طريقتين للتبليغ الاعتباري هما الإيداع والرّسالة مضمونة الوصول، وهما تتواجدان أحيانا مزدوجتين وأحيانا أخرى منفردتين.

الفقرة الأولى: الإيداع

اعتبر المشرّع إيداع نظير أو نسخة المحضر لدى بعض جهات إدارية يمثل وسيلة من وسائل التبليغ الاعتباري، لكن ليكون هذا التبليغ صحيحا يجب أن يتم لدى جهات إدارية معينة وفق إجراءات محدّدة تضمّنها الفصلان 8 و10 من م.م.م.ت.

ويتم إيداع نظير المحضر على ذمة المطلوب طبق أحكام الفصل 8 في فقرته الثالثة والفصل 10 م.م.م.ت في صورة امتناع من وجد من تسلم النظير أو مبارحة المطلوب المقر نحو مكان مجهول.

في حين يتم إيداع نسخة من المحضر فقط في صورة عدم وجود أحد بالمقر، أمّا النظير فإنه يترك بالمقر وذلك طبقا لأحكام الفصل 8 فقرة رابعة.

أمّا إذا كان المطلوب أجنبي مقيما ببلاده فإن الإيداع يتم وفق إجراءات خاصة.

جهات الإيداع
يتمّ إيداع النظير أو نسخة من المحضر وذلك في المادة المدنية على ذمة المطلوب بجهات إدارية حددها المشرّع بصفة حصريّة وذلك بالفصول 8 و10 من م.م.م.ت، لكنه لم يضع ترتيبا لتلك الجهات مما يمكن العدل المنفذ من الاختيار حسب وضعية كل حالة على حدة.

وجهات التسليم تتمثل أساسا في عمدة المكان أو رئيس مركز الشرطة الذي بدائرته مقر المطلوب، أو لآخر مقر معروف له في صورة مبارحة المطلوب مقره وصار مجهول المقر[87].

غير أنّ هذه الطريقة في التبليغ أثبتت عدم جدواها العملية وذلك لانعدام الدور الإيجابي للإدارة المختصة إذ أن العمد لا يتواجدون في مكاتبهم إلا في أوقات محدودة كما أن الاستعانة بهم تكاد تكون منعدمة في حين أن دورهم يمكن أن يكون أكثر فاعلية لإرشاد العدل المنفذ[88]، كما أنّ التبليغ بتسليم النظير لمركز الشرطة أثبت عدم فاعليته، مما أدّى ببعض الفقهاء إلى المناداة بتعديل الفصل 8 و10 من م.م.م.ت وجعل الإعلام يسلم للنيابة العمومية التي تمضي على تسلمه وتبذل قصارى جهدها بالتنسيق مع وزارة الداخلية ليتم التبليغ للشخص نفسه[89].

غير أنّ المشرّع بتنقيحه لبعض فصول من م.م.م.ت بتاريخ 03 أوت 2002 لم يعتمد هذا الحل بل حافظ على الجهتين المذكورتين مضيفا إليها كتابة محكمة الناحية ومركز الحرس الوطني، إذ نص الفصل 8 فقرة 3 جديد أنّه: “إذا امتنع من وجده عن تسلم النظير يقع إيداعه لدى كتابة محكمة الناحية أو عمدة المكان أو مركز الأمن الوطني أو الحرس الوطني الذي بدائرته مقر الشخص المطلوب إعلامه”، كما نص الفصل 8 فقرة 4 على أنه في صورة لم يجد العدل المنفذ أحدا يترك له نظيرا من محضر الإعلام بالمقر ويودع نسخة أخرى بإحدى الجهات المذكورة سابقا، ونفس تلك الجهات يودع بها النظير إذا بارح المقصود بالإعلام مقره وصار مجهول المقر طبق أحكام الفصل 10 فقرة أولى. لعلّ أهم إضافة في هذا الصدد تتمثل في إدراج محاكم النواحي إذ أن كتابة المحكمة تعتبر “ضمانا إضافيا للمتقاضي خصوصا وأنّ محاضر عدول التنفيذ تكون لها دائما علاقة بالتقاضي وبالطعون وبالتنفيذ فيمكن للمعني بالأمر أن يتخذ الإجراء اللازم حينا عند توصله بنظير المحضر بما يجنبه ضياع الوقت كما يمكنه الاسترشاد حول الإجراءات المتعين عليه اتخاذها”[90].

وبالتالي إدراج محاكم النواحي هو أسلوب اعتمده المشرّع التونسي بغاية “المزج بين نظامي المبادرة الذاتية والمبادرة القضائية ودعوته الواضحة إلى دعم مجال تشريك القضاء في مهمة تبليغ نظائر المحاضر”[91].

فالهدف إذن هو تقريب المتقاضي من القضاء خاصة وأنّ محكمة الناحية هي محكمة جهة وتوجد بغالب مناطق الجمهورية.

وإضافة إلى هذه الحالات العامّة، نص المشرّع على جهات إدارية أخرى في بعض الصور الخاصة وهي صورة المطلوب مجهول المقر مطلقا، إذ نص الفصل 10 فقرة ثانية أنّه: “إذا كان مجهول المقر مطلقا يعلق نظير من الإعلام بالمحكمة المتعهدة ونظير آخر بمقر الولاية التي توجد بدائرتها المحكمة المذكورة”، وبالتالي في هذه الصورة لا يقع الإيداع وإنما يتم التعليق بدائرة المحكمة وذلك لعدم وجود مقر معروف بصفة مطلقة.

هذا الفصل أثبت عدم نجاعته إذ أنه لا يحقق علم المطلوب بالمحضر المبلغ ومقر الولاية لا يلتجئ إليه إلا من كانت له حاجة الالتجاء إليها كذلك المحكمة. فهذه الإجراءات تعتبر عديمة الجدوى ولا بد من وضع حل بديل، وكمثال يمكن ذكر الحل الذي اعتمده المشرّع اللبناني والمتمثل في النشر في جريدتين يوميتين من الجرائد المعدة للإعلانات القضائية بوجود تبليغ يخص المطلوب بالمحكمة[92].

إلى جانب ذلك قد تكون البلاد التونسية مختصة في نزاع بين أجانب إذ مكنت مجلة القانون الدولي الخاص التونسي من الاختصاص للمحاكم التونسية اختصاصا موضوعيا طبق أحكام الفصول 5 و6 وذلك مثلا في صورة وجود الحق المنقول بتونس أو الدعاوى المتعلقة بالتركات، أو اختصاصا مطلقا طبق أحكام الفصل 8 وذلك مثلا في الدعاوى المتعلقة بعقار موجود بالبلاد التونسية في هذه الصورة حتى ينفذ الحكم التونسي لا بد أن يحترم إجراءات اتفاقيات التعاون القضائي لكونها أعلى مرتبة من التشريع وذلك في صورة وجود معاهدة.

والتبليغ وفق معاهدات التعاون يتم بالطريقة الدبلوماسية[93] إذ يتم إيداع النظير مع المؤيدات بوكالة الجمهورية التي تحيلها إلى وزارة العدل ثم إلى وزارة الشؤون الخارجية التي تحيلها إلى نظيرتها ببلاد المطلوب التي تتولى إحالتها أيضا إلى أن تصل إلى المطلوب.

وفي هذا الإطار لا يمكن أن يقل الأجل عن ستون يوما كما تنتج عن تطبيق هذه الإجراءات عدة مشاكل ففي غالب الحالات يتعطل رجوع ما يفيد الإبلاغ للمطلوب، كما قد لا يرجع مطلقا مما يؤدي لضياع حقوق المتقاضين[94]. إلى جانب ذلك تمّ التساؤل حول ما إن كانت المؤيدات يجب أن تبلغ باللغة العربية أو بلغة البلاد المبلغ إليها.

كما طرحت اتفاقية التعاون القضائي التي تربط بين تونس وفرنسا إشكالا يتمثل في هل أنها تشمل فقط الفرنسيين أم أيضا يمكن التبليغ بالإيداع وفق هذه المعاهدة بالنسبة للأجانب المقيمين في فرنسا؟ فاعتبر الأستاذ العربي هاشم أن هذه المعاهدة تطبق على كل مقيم بفرنسا في حين اعتبر شق آخر أن فرنسا تدافع عن مواطنيها فقط وبالتالي لا يتم الإيداع طبق المعاهدة إلا إذا كان المطلوب فرنسيا.

مع الملاحظ أن هذه المعاهدة لا تطبق إلاّ في صورة ما إذا كان عنوان الشخص المتوجه إليه معروفا لا مجهول المقر[95]. ولكن المحافظة على صحة تبليغ المحضر تستوجب بالإضافة إلى الإيداع بهذه الأماكن احترام إجراءات معينة جعل منها المشرّع شرط صحّة.

إجراءات الإيداع
لقد كان المشرّع قبل تنقيح 3 أوت 2002 يفرض على عدل التنفيذ تسليم النظير أو نسخة المحضر إلى الجهة الإداريّة مما أدى ببعض المحاكم إلى اعتماد الفصل 6 من م.م.م.ت. معتبرين وجوب إمضاء الجهة كرئيس المركز على الأصل أو تسجيل امتناعه وسببه وإلاّ اعتبرت إجراءات التبليغ غير صحيحة، مما أدى إلى تعطيل سير العمل واحتجاج المحامين و”ثارت ثائرة الدائنين الذين عجزوا عن استخلاص ديونهم بسبب هذا الخلل التشريعي”[96].

لذلك إثر تنقيح 3 أوت 2002 تم التنصيص على الإيداع بغاية وضع حد للاختلاف لكن رغم ذلك بقي هذا الإجراء قاصرا عن أداء وظيفته فمجرد الإيداع لا يكفي لضمان معرفة المطلوب بالمحضر، ولا وجود لأي نص قانوني يجبر الجهة الإدارية (كالعمدة أو رئيس الحرس أو رئيس الأمن) على البحث عن المقصود بالإعلام وتسليمه نظير المحضر، بل يبقى هذا النظير إلى حين طلبه من قبل المطلوب وهذا ما استقر عليه فقه القضاء الذي اعتبر أن القانون لم يوجب على العمدة تسليم التنبيه في أجل معين[97].

وتبليغ المحاضر وفق إجراءات الإيداع أو التعليق لا يتم بمجرد أن يذكر الطالب أن المطلوب بارح مقره وصار مجهول المقر، أو ذكر أنّه مجهول المقر مطلقا، إذ في هاتين الصورتين على العدل المنفذ أن يقوم بالتحريات اللازمة والكافية للبحث عن محل إقامة المطلوب إعلامه[98]. كما عليه إثبات ذلك بالمحضر حتى تتمكن محكمة الموضوع من التقدير، في هذا الإطار بعض التشريعات المقارنة كالتشريع اللبناني اعتمدت إجراءات مختلفة وأكثر دقة لضمان وصول النظير للمطلوب بأن مكنت المحكمة من التثبت إذ اعتبرت أنّه إذا لم يكن للشخص المطلوب إبلاغه مقر معلوم يجرى التبليغ الاستثنائي بعد تثبت المحكمة من هذا الأمر، وتتثبت المحكمة من ذلك بالاستناد إلى تحقيق دقيق يقوم به مأمور التبليغ لدى أقارب ومعارف وجيران المطلوب وعلى ضوء إيضاحات الطالب، ويضع مأمور التبليغ محضرا بالوقائع ويرفعها للمحكمة التي أمرت بإجراء التحقيق التي تدرسه وتقرر على ضوءه إذ كان للمطلوب مقر أم لا[99].

والملاحظ أن التبليغ بالإيداع محدد من حيث المكان بمكان مقر إقامة المطلوب أو آخر مقر معروف له وذلك حسب الأحوال إذ اعتبرت محكمة التعقيب في قرارها عـ55130ـدد الصادر في 2 أكتوبر 1996 أنّ: “إيداع أصل رقيم الاستدعاء المبلغ للطاعنة والمضاف للملف لدى مركز الأمن الذي لا يتبع دائرة مقر المعقبة يستنتج منه أن التبليغ لهذه الأخيرة لم يحصل الأمر الذي عاقها عن الحضور بالجلسة والدفاع عن مصالحها”. أمّا التبليغ بتعليق النظير فيكون بمكان وجود المحكمة المتعهدة.

كما أنّ التبليغ بالإيداع يخضع لشروط أضافها تنقيح 3 أوت 2003 إذ لا بد من إيداع النظير أو النسخة حسب الأحوال في ظرف مختوم لا يحمل سوى اسم ولقب المعني بالتبليغ وعنوانه، والغاية من هذا الإجراء الحفاظ على الحقوق الخاصة التي حرص الدستور على حمايتها وقد اعتبره وزير العدل “أهمّ إجراء من وجهة حقوق الإنسان وبالنسبة إلى حقوق المدين حيث أنه عندما لا يوجد المدين ويوجد له الاستدعاء أو المطلوب عموما فإن هذا الاستدعاء وهذه الوثائق القضائية التي يمكن أن تهم حياته الخاصة تودع في ظرف مختوم ولا يقع الإطلاع عليها لا من كتابة محكمة الناحية ولا من مركز الأمن ولا في مكتب العمدة أو غيرها…”[100]. وفي هذا الصدد صدر قرار محكمة التعقيب في 30 جانفي 2004 الذي اعتبر أن: “الغاية من ترك النظير داخل ظرف مختوم لا يحمل سوى اسم ولقب المعني بالتبليغ هي المحافظة على سرية المراسلات بحيث لا يطّلع أي شخص أجنبي على فحوى الظرف وفي ذلك تكريس لمبدأ دستوري حريص على تسلم الرسالة والاطلاع على مضمونها…”[101].

وعموما فإن التبليغ في غالب الأحيان لا يؤدّي لمعرفة المطلوب بالمحضر المبلغ إليه لهذه الأسباب اعتبر طريقة استثنائية عند عدم إمكانية التبليغ الفعلي وأدّى بالبعض إلى اعتبارها “لا تحقق سوى عدالة شكليّة”[102].

والمشرّع التونسي في محاولة لتوفير أقصى حد من النجاعة فرض في بعض الحالات إجراءات إضافية إذ اعتبر أنه في صورة ما لم يجد العدل المنفذ أحدا يودع نسخة من المحضر في حين يترك النظير من محضر الإعلام بالمقر، كما اشترط توجيه رسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ إلى جانب الإيداع في صورة امتناع من وجد تسلم النظير أو عدم وجود شخص يمكن التبليغ إليه.

الفقرة الثانية: توجيه مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ

من الإجراءات الاستثنائية إلى جانب الإيداع والتعليق لنظير المحضر، تعرض المشرّع بكل من الفصل 8 و9 من م.م.م.ت إلى طريقة مختلفة لتبليغ المحاضر المتمثلة في توجيه مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ، هذه الطريقة الاعتبارية طرحت عدة إشكاليات عملية مما اضطر المشرّع إلى التدخل بتنقيح مقتضيات الفصلين 8 و9 في مناسبة أولى بمقتضى القانون عـ87ـدد لسنة 1986 المؤرخ في غرة سبتمبر 1986 ومناسبة ثانية بمقتضى قانون عـ82ـدد لسنة 2002 المؤرخ في 03 أوت 2002.

وتوجيه المكتوب المضمون الوصول يكون طبق شروط قانونية معينة، إضافة لذلك لا بد من الإدلاء بما يثبت البلوغ.

شروط توجيه المكتوب مضمون الوصول
لم يعرف المشرّع المكتوب مضمون الوصول في حين عرفه الفقهاء[103] بأنه عبارة عن رسالة صغيرة تحمل اسم وعنوان العدل المنفذ وتكون مؤرخة بتاريخ المحضر يتم بمقتضاها إعلام المطلوب أنّه سلم نظير أو نسخة من المحضر إلى جهة إدارية معينة هو موضوع على ذمته، وتكون الرسالة حاملة للعدد الرتبي للمحضر المتعلقة به وتوجه للمطلوب بعنوانه المعتمد بالإبلاغ.

وتوجيه المكتوب المضمون الوصول لا يكون من طرف الطالب وإنما هو من مهام العدل المنفذ القائم بإجراءات التبليغ فهو الذي يقوم بإيداع المكتوب بشباك البريد ويتسلم في المقابل وصل الإيداع الأبيض وبه ختم.

وتخضع عملية تبليغ المكتوب المضمون الوصول إلى إجراءات بريدية محضة وفي هذا الإطار يجب على ساعي البريد التحقق من هوية المسلم له، فموظف البريد لا يسلم المراسلة مضمونة الوصول إلا إلى الشخص المرسل إليه بالذات بعد التأكد من هويته ولا بد من توقيع متسلم الاستدعاء على بطاقة الإعلام بالبلوغ إذ اعتبرت محكمة التعقيب أنّه “يعتبر الاستدعاء قد بلغ بصفة قانونية للمعقب على كون هذا الأخير وقّع على بطاقة الإعلام بالبلوغ المتعلقة بالاستدعاء أمام المحكمة الابتدائية حسبما يتضح ذلك من الختم المبهور بأصل الإعلام بالبلوغ المتعلقة بالاستدعاء أمام المحكمة الابتدائية وذلك من قبل من تسلم الاستدعاء”[104].

يجب التأكيد أن التبليغ بتوجيه مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ يتميز بخاصيتين، الخاصية الأولى أنه يمثل طريقة استثنائية للتبليغ فهو لا يحقق اتصال العدل المنفذ بالمطلوب بصفة مباشرة، والخاصية الثانية تتمثل في أنه في حالات يعتبر إجراءا تكميليّا وفي حالات أخرى يعتبر إجراءا أساسيّا.

توجيه المكتوب المضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ يعتبر إجراءا تكميليّا في صورة ما إذا لم يجد العدل المنفذ أحدا، أو امتنع من وجده عن تسلم النظير إذ يتم إيداع النظير أو النسخة من المحضر بإحدى الجهات الإداريّة المنصوص عليها بالفصل 8 فقرة ثالثة ورابعة ثم يوجه مكتوبا مضمون الوصول، هذا الإجراء التكميلي الذي يعتبر كفالة احتياطية للتيقن من بلوغ المحضر للمطلوب، يعتبر إجراءا إلزاميا وهو ما أكدته محكمة التعقيب التي اعتبرت أنّ: “عملية توجيه المكتوب البريدي للمطلوب طبق الفصل 8 إنما هي تتمة حتمية لموجبات التبليغ اقتضتها أحكام ذلك الفصل استكمالا لمقوماته وشكلياته، وهو إجراء جوهري لما له من مساس بأحكام الإجراءات”[105]، وعلى هذا الأساس اعتبرت محكمة التعقيب أنه على المحكمة أن لا تنظر في أصل النزاع إلا بعد التثبت من قيام العدل المنفذ بتوجيه المكتوب وعليها أن تثير هذا الإجراء من تلقاء نفسها، وفي هذه الصورة يتم توجيه المكتوب مضمون الوصول إلى مقر المطلوب الأصلي أو مقره المختار في حين يكون نظير المحضر أو نسخته مودعة بمكتب العمدة أو مركز الأمن الوطني أو مركز الحرس الوطني أو بكتابة محكمة الناحية، فما إن يتصل المطلوب بالمكتوب فإنه يتوجه للجهة الإداريّة لتسلم نظير أو نسخة محضره.

توجيه مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ يعتبر إجراءا أساسيا وحيدا في صورة المطلوب المقيم بالخارج والمعروف المقر به طبق أحكام الفصل 9 من م.م.م.ت. وذلك سواء كان المطلوب أجنبيا أو تونسيا[106].

الملاحظ أن هذا الفصل لا يطبق في صورة وجود اتفاقيات تعاون مع الدولة الموجود بها المطلوب فـ: “أحكام الفصل التاسع من م.م.م.ت. هو نصّ عام يطبق عند إقامة المبلغ إليهم مستندات الطعن بدولة لا تربطها بالجمهورية التونسية اتفاقية قضائية ولم يكن من مواطنيها، أما في صورة وجود اتفاقية فإن العمل بأحكامها أمر حتمي باعتبارها أعلى مرتبة من القانون الداخلي”[107].

تختلف أحكام الفصل 9 عن الفصل 8 فقرة أخير في بعض النواحي، فيما أن المطلوب مقيم خارج البلاد التونسية ومقره خارج البلاد التونسية فإنه لا يمكن اعتماد إجراءات التبليغ العادية، إذ لا يمكن للعدل المنفذ التحول في كل مرة يكون فيها المطلوب مقيما بالخارج لتسليمه النظير، كما لا يمكن ترك النظير بإحدى الجهات الإدارية المنصوص عليها بالفصل 8 لأنها ستصبح عديمة الفاعلية، لهذا كان الحل الأنجح إلى جانب التبليغ بالطرق الدبلوماسية هو توجيه نظير المحضر صحبة مكتوب مضمون الوصول إلى المطلوب بالمقر المعلوم بالخارج.

كما أنه وعلى خلاف الفصل 8 فقرة أخيرة فإن الفصل 9 لم يحدد أجل التوجيه وذلك لأن هذا الإجراء غير مرتبط بإجراء سابق.

مع توجيه المكتوب المضمون الوصول لا بد من الإدلاء بما يثبت البلوغ.

ضرورة الإدلاء بما يثبت البلوغ
اشترط المشرّع التونسي إلى جانب مكتوب مضمون الوصول الإدلاء بعلامة البلوغ وذلك على خلاف المشرّع المصري الذي لا يوجب علامة البلوغ.

بطاقة الإعلام بالبلوغ وهي “القصاصة الحمراء” طرحت عدة إشكاليات أدت لتذبذب موقف فقه القضاء الذي اعتبرها تارة إجراء غير وجوبي “حيث يكفي التنصيص بالمحضر على إرسالها مع وصل التبليغ دون انتظار رجوع هذا الأخير أو رجوع تلك الرسالة”[108]، واعتبرها تارة أخرى إجراء وجوبيا باعتبار “عدم إدلاء المعقب بعلامة البلوغ في خلال الأمد القانوني المحدد بالفصل 185 من م.م.م.ت يجعل إجراءات التبليغ مشوبة بالإخلال لعدم حصول النتيجة المرجوة منها بحسب أحكام الفصل 9 من م.م.م.ت”[109].

وللتخفيف من التشدد المتعلق بوجوب الإدلاء بما يثبت البلوغ تدخل المشرّع بموجب تنقيح 11/09/1986 معتبرا لزوم الإدلاء بما يثبت الإبلاغ غير وارد بالنسبة للقضايا المنظورة إستعجاليا، فيكفي تقديم محضر استدعاء الجلسة والتنصيص به على أنه بعث له رسالة مضمونة الوصول، وذلك لأن الاستعجال والتأكيد يحول دون انتظار ورود علامة البلوغ الذي قد يتطلب وقتا طويلا.

بذلك لا ضرورة للإدلاء بما يفيد المكتوب المضمون الوصول في هذه الحالة “مهما كان وجه التبليغ وأينما وجد مقر المطلوب بالتراب التونسي أو خارجه، سواء كان مقره معلوما بالنسبة للطالب أو مجهولا لديه”[110].

كما أنه بعد تنقيح 3 أوت 2002 لـ م.م.م.ت. منح المشرّع سلطة اجتهادية لقضاء الموضوع حسب وضعية كل حالة عن حدة وذلك بأن مكن من عدم الإدلاء بعلامة البلوغ في صورة “تعذر الإدلاء بها” وتمّ اعتبار “حالات تعذر الإدلاء ببطاقة الإعلام عديدة مثل الضياع والتلف ومرور مدة طويلة على توجيه الرسالة…”[111].

وفي إطار مداولات مجلس النواب بتاريخ 16 و17 جويلية 2002 تم اعتبار حضور المطلوب يعتبر قرينة البلوغ ولا لزوم في هذه الحالة للإدلاء بما يثبت البلوغ.

والملاحظ أن مشروع التنقيح أقرّ التخلي عن مبدأ وجوب تقديم علامة البلوغ والاستعاضة عنه بمبدأ ترك حرية الاجتهاد للتقاضي معتبرا أن الطالب غير ملزم بتقديمها ما لم يطالب بها القاضي المتعهد بالدعوى الأصلية وذلك سواء كان المطلوب مقيما بالبلاد التونسية أو خارجها.

لكن بصدور قانون 03 أوت 2002 تخلى المشرّع عن هذا الاتجاه مكتفيا باعتبار الطالب غير مجبر على الإدلاء بعلامة البلوغ إذا تعذر عليه الإدلاء بها أمّا في بقية الحالات فإن الإدلاء بهذه الوثيقة إجباري لتكون إجراءات التبليغ صحيحة.

هكذا إذًا تعدّدت الأسباب المؤدّية لإبطال محاضر التبليغ ولكن الأمر لا يتوقّف عند هذا الحدّ، فالمسألة تطرح من جهة ثانية العديد من التداعيات.

الجزء الثّاني : تداعيّات إبطال محاضر التبليغ

إنّه لمن الضّروري التقيّد بما ينصّ عليه القانون من إجراءات لتبليغ المحاضر في المادّة المدنية من أجل ضمان احترام حقوق الدّفاع و تكريس مبدأ المواجهة بين الخصوم.

و الإخلال بهذه الإجراءات يتسبّب في إبطال محاضر التّبليغ ، و هذا من شأنه أن يخلّف تداعيات مختلفة على المستوى المدني دون شك سيؤدّي إلى البطلان.

علاوة على ذلك ووعيا من المشرّع بضرورة حماية إختياراته إلى جانب حماية الحقوق التي يقدمها، تدخّل مؤخرا بمقتضى القانون عدد 82 المؤرخ في 03 أوت 2002 ليضع نصّا جزئيا يجرم التحيّل في التّبليغ مقتبسا أحكامه من أحكام الفصل 32 مكرّر م.ا.ش.

الفصل الأوّل: تداعيّات إبطال محاضر التّبليغ على المستوى المدني

تبليغ المحاضر في المادة المدنية يتم وفق إجراءات قانونيّة معيّنة، هذه الإجراءات هي وسيلة جعلت بهدف حسم النزاعات و “ضمان حسن سير الخصومة أمام القضاء”[112]، لكن لا يكفي ضبط الشكليّات و الإجراءات بل لا بدّ من تسليط جزاء قانوني يضمن احترام هذه القواعد، لذلك عند تجاوز هذه القواعد الإجرائية الشكليّة يسلط جزاء البطلان و يصبح المحضر عديم الفاعليّة.

و قد تمّ اعتبار البطلان “جزاء يلحق بالإجراء الذي اختل فيه عنصر أو أكثر من عناصره أو شرط أو أكثر من شروطه و يمنعه من ترتيب آثاره القانونيّة التي يرتبها لو كان صحيحا”[113].

وبالتالي في صورة عدم احترام إحدى شروط تبليغ المحاضر المدنية أو في صورة وجود خلل يعتري طرق التبليغ فإنّ الجزاء القانوني المسلّط هو البطلان.

لكن يمكن ملاحظة تعدد و تنوع إجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية و شدّة الجزاء، مما قد يؤدي أحيانا إلى ضياع الحق بسبب خلل إجرائي بسيط.

المبحث الأوّل: تعدد صور بطلان محاضر التّبليغ

إجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية إجراءات شكليّة واجبة الإحترام والإخلال بأحد عناصرها أو شروطها مهما كان بسيطا يفرض تسليط جزاء البطلان. لكن المشرع عند تنظيمه لهذه الإجراءات اتخذ مواقف مختلفة إذ في حالات ينصّ صراحة على جزاء البطلان، و في حلات أخرى يكتفي بصبغة الوجوب دون التنصيص صراحة على الجزاء، كما أنه في بعض الحالات يقر إجراءات محددة دون ذكر صيغة الوجوب و دون تعرض لجزاء عند الإخلال بها.

لذلك كان لا بدّ من معرفة أوجه البطلان المسلّطة على الإجراء المختلّ، في هذا الإطار نصّ الفصل 14 من م.م.م.ت. أنه :” يكون الإجراء باطلا إذا نصّ القانون على بطلانه أو حصل بموجبه مساس بقواعد النظام العام أو أحكام الإجراءات الأساسية و على المحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها. أما مخالفة القواعد التي لا تهم سوى مصالح الخصوم فلا يترتب عليها بطلان الإجراء إلاّ متى نتج عنها ضرر للمتمسك بالبطلان و بشرط أن يثيره قبل الخوض في الأصل”.

فعلى مستوى الجزاء اعتمد المشرع نظاما توفيقيا بين نظامين من المبطلات نظام البطلان الآلي و نظام البطلان الحر، و يبرز هذا المزج بصورة واضحة عند الإخلال بإجراءات تبليغ المحاضر.

الفقرة الأولى: البطلان المطلق كجزاء الإخلال بإجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية

اختار المشرع في بعض الصور التنصيص صراحة على البطلان كجزاء للإخلال بالإجراء لكنه في معظم النصوص المتعلقة بإجراءات تبليغ المحاضر التزم بالصمت تاركا المجال لفقه القضاء في تكريس أحكام الفصل 14 من م.م.م.ت.

حالات البطلان الصريح للمحضر:
يعتبر الفصل 14 من م.م.م.ت. المرجع العام كلما اختل إجراء شكلي إذ احتوى جميع صور البطلان كجزاء في مادة الإجراءات، و قد نصّ في فقرته الأولى أن الإجراء يكون باطلا إذا نصّ القانون على بطلانه.

وبالتالي في صورة ما إذا نص المشرع صراحة على جزاء البطلان عند الإخلال بإجراء من إجراءات تبليغ المحاضر فإن هذا الجزاء يطبّق بصفة آليّة مهما كان الخرق الإجرائي بسيطا.

على سبيل المثال نصّ الفصل 11 من م.م.م.ت. في فقرته الأولى أنه: “تبلغ الإستدعاءات والإعلامات الموجهة إلى الدولة إلى مكاتب المكلف بنزاعات الدولة وإلاّ كانت باطلة”.

هذا البطلان بحكم النص يجعل المحكمة معزولة عن كل اجتهاد و تقدير، فيكون دور القاضي منحصرا في “التحقق من عدم مطابقة الإجراء لما نصّ عليه القانون و ترتيب الجزاء المقرّر وهو البطلان دون حاجة للتمسك به ممن يهمه الأمر و التحقق من وجود الضرر من عدمه”[114].

فقه القضاء مستقر في هذا الإتجاه إذ أكدت محكمة التعقيب التونسية أن “المشرع تكفّل ببيان الحلات التي يكون فيها الإجراء مشوبا بعيب يقتضي بطلانه و لم يوكل أمر ذلك للمحكمة”[115].

وكنتيجة لذلك لا يجوز الحكم بالبطلان دون نصّ صريح كما لا يجوز للقاضي أن يمتنع عن تقرير البطلان حيث يكون المشرع قد قرره، فكلما لم يتم تبليغ المحضر الموجه للدولة إلى المكلف العام بنزاعات الدولة كان المحضر باطلا.

ومن الإجراءات التي تنجرّ عن الإخلال بها بطلان المحضر بمقتضى القانون صورة تبليغ محضر العقلة التوفيقيّة وهو خال من إحدى أو بعض التنصيصات الوجوبيّة، إذ نصّ الفصل 332 “يجب أن يشتمل هذا المحضر على ما يلي وإلاّ كان باطلا…” وبتنقيح هذا الفصل بمقتضى قانون 03 أوت 2002 أصبح هذا الجزاء ينطبق أيضا في صورة ما إذا لم يشتمل المحضر على “بيان الهوية الكاملة للمدين المعقول عنه ومقره وبيان عدد ترسيمه بالسجل التجاري ومكانه إن كان تاجرا أو شخصا معنويا وإن لم يكن المدين مرسما فالتنصيص على ذلك صراحة بالمحضر”.

من النصوص القانونية التي تعرضت أيضا لجزاء البطلان صراحة، الفصل 71 من م.م.م.ت. المتعلق ببطلان عريضة الدعوى، إذ في صورة تبليغها و كان بها خطأ أو نقص في بيان إسم و لقب المدعي عليه أو المحكمة أو تاريخ الجلسة أو إذا لم تقع مراعاة مواعيد الحضور فإن عريضة الدعوى تكون باطلة ويبطل بالتالي محضر تبليغ هذه العريضة، كذلك في صورة ما إذا لم يقع التنبيه على المدعي عليه بوجوب تقديم جوابه ودفوعاته كتابة بواسطة محام في أجل أقصاه يوم الجلسة فإن عريضة الدعوى التي لم يتم تبليغها بواسطة العدل المنفذ تعتبر باطلة.

لكن بتنصيص المشرع على كون البطلان يزول بحضور المدعي عليه أو محاميه إذا كان الخلل موضوع الصورة الأولى وبتقديم الجواب عن الدعوى إذا كان الخلل موضوع الصورة الثانية، أثير إشكال حول ماهية هذا البطلان النصي، هل هو بطلان مطلق على معنى أحكام الفصل 14 فقرة أولى من م.م.م.ت. أم بطلان نسبي باعتبار إمكانية تلافي الإجراء المختلّ وإصلاحه؟

يمكن اعتبار هذا الخلط مجسما لنوع جديد من المبطلات تخرج عن إطار الفصل14[116]، وهو اختيار تشريعي غرضه تفادي إرهاق المدعي، إذ رغم وجود خلل إجرائي فإن الغاية من الإجراء قد حصلت لذلك يتم استبعاد جزاء البطلان.

وغاية المشرع من التنصيص صراحة على جزاء البطلان تجنب التضارب بين الأحكام وتحقيق استقرار فقه قضائي وهو ما كرسه أيضا المشرع الفرنسي من ذلك أن الفصل 648 مجلة الإجراءات المدنية الفرنسية يحدد ما يجب أن يحتوي عليه المحضر المحرر من قبل العدل المنفذ و ينصّ على البطلان كجزاء عن السهو عن إحدى التنصيصات.

بطلان المحضر بموجب إخلاله بالإجراءات الأساسية :
المشرع التونسي لم ينص في جميع الحالات على جزاء عدم مراعاة ما وضعه من قواعد إجرائية متعلقة بتبليغ المحاضر في المادة المدنية، بالتالي فإن قاعدة لا بطلان بدون نص تعتبر غير ناجعة بمفردها وهو ما جعل المشرع يضيف بالفصل 14: “أو حصل بموجبه مساس بقواعد النظام العام أو أحكام الإجراءات الأساسية”.

وفي هذا النطاق فإن سلطة القاضي تبقى مقيدة و تقتصر في تقييم مدى وجود مساس بالنظام العام أو بالإجراءات الأساسية فلو أن الظروف تقتضي تصحيح الإجراء فإن الحكم بالبطلان يكون حتميا، كما أنه لا يمكن للقاضي تجاوز هاتين الصورتين لتسليط جزاء البطلان المطلق وهو ما أكدته محكمة التعقيب حين اعتبرت أن ” المشرع التونسي لم يوكل أمر تقدير المبطلات… إلى المحكمة بل أنه عدّد الحالات التي يكون فيها الإجراء باطلا … وليس للمحكمة أن تضيف صورة أخرى ما لم يقع المساس بالإجراءات الأساسية أو قواعد النظام العام حسب منطوق الفقرة الأولى من الفصل 14 من م.م.م.ت.”.

كما اعتبرت أن”الأحكام في مادة الإجراءات لا تؤخذ بطريقة القياس أو التأويل”[117]. فهل أن إجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية تتصل بالنظام العام أم بالإجراءات الأساسية ؟

المشرع لم يعرف قواعد النظام العام في حين اعتبر الأستاذ السنهوري أن قواعد قانون المرافعات التي تتعلق بالنظام العام هي التي تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع و تعلو على مصلحة الأفراد[118].

كما عرّفها الأستاذ Algave بكونها تتعلق بتكوين المجتمع و تحيط بكل ما وقع وضعه لصالح هذا المجتمع.

علاوة على ذلك لم يعرّف المشرع قواعد الإجراءات الأساسية و اجتهد الفقهاء في إيجاد ضوابط لهذا المصطلح فعرفها الأستاذ نور الدين الغزواني بكون الإجراءات الأساسية غايتها ضمان حسن سير الخصومة أمام القضاء.

واعتبرها البعض الأحكام التي تهم طرق التقاضي و كيفية رفع الدعوى أي الإجراءات التي بدونها لا يصح تعهد المحكمة بالخصومة[119].

من خلال هذه التعاريف يمكن اعتبار أحكام الفصول 8 و9 و10 من م.م.م.ت المتعلقة بقواعد التبليغ التي ولئن لم ينص بها جزاء عن عدم احترامها، قواعد تتعلق بالإجراءات الأساسية، يقضي بالبطلان كلما تم خرقها، و ذلك لأن الأحكام المضمنة بها تهم الإجراءات الأساسية وهو ما استقر عليه عمل فقه القضاء الذي اعتبر” إجراءات التبليغ من الإجراءات الأساسية التي يترتب عن الإخلال بها البطلان عملا بالفصل 14من م.م.م.ت.”[120].

مع الملاحظ أن للقاضي سلطة رقابة صحة هذه الإجراءات و مدى تطابقها مع النصوص القانونية إذ أن “رقابة صحة الإجراءات ومدى تطابقها للأوضاع والكيفيات التي ضبطها القانون من اختصاص الهيئة القضائية التي يتم أمامها الإجراء”[121]، وعلى هذا الأساس أقرت الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب أن “رأي الدائرة التعقيبية المطعون في قرارها والذي اتخذته في نطاق ممارستها لهذا الإختصاص القاضي بأن تبليغ نظير من مذكرة أسباب الطعن وفق أحكام الفصل 8 من م.م.م.ت. بناء على عدم وجود المعني بالأمر أو من يمثله) لا يعد صحيحا إلا إذا تعزز بتقديم بطاقة الإعلام بالبلوغ ورتب على ذلك بطلان الإجراء وسقوط الطعن أخذا بأحكام الفصلين 14 و185 من م.م.م.ت. هو رأي اجتهادي في تفسير القانون لا يدخل ضمن الخطأ البين”.

على هذا الأساس أقر فقه القضاء أن عدم استدعاء الزوجة في المقر الذي لا تقيم فيه عادة يعد خرقا للقواعد الإجرائية الأساسية[122]، كما تم اعتبار إمضاء العدل المنفذ على كل من الأصل و النظير هو إجراء أساسي[123].

من خلال ما ذكر لا يوجد شك في أن إجراءات تبليغ المحاضر إجراءات أساسية لا يمكن للعمل القانوني في غيابها أن يوجد وحتى إن وجد فإنه لا يوجد بالمقومات التي أرادها القانون ولا يمكن أن يحقق النتيجة المرجوة منه مثلما لو قام صحيحا[124].

غير أنه نظرا لصعوبة تحديد الفاصل بين مفهومي الإجراءات الأساسية و النظام العام فإن بعض الأحكام استعمل فيها مصطلح النظام العام كمرادف لمصطلح الإجراءات الأساسية باعتبار هذين المصطلحين يؤديان نفس المعنى إذ من الصعب إيجاد إجراءات أساسية لا ترقى لمستوى النظام العام أو إجراءات تهم النظام العام ولا تكون في نفس الوقت أساسية[125].

من ذلك تم اعتبار عدم التعريف بهوية المبلغ إليه تجعل إجراء التبليغ فاقدا لمقوماته الشكلية و بالتالي باطلا لمساسه بقواعد النظام العام[126].

و لعل ما يؤكد عدم مساندة فقه القضاء للتفريق النظري الذي نصّ عليه المشرع بالفصل 14 من م.م.م.ت. أن محكمة التعقيب في عدة مواضع أضافت مصطلح النظام العام إلى جانب مصطلح الإجراءات الأساسية إذ اعتبرت أنه على العدل المنفذ التحقق من هوية الشخص المسلم له النظير ” ولما لم يفعل فإن محضر تبليغ المستندات يعتبر باطلا لأن التحقق من الهوية هو إجراء أساسي يتعلق بالنظام العام وعدم احترامه موجب لسقوط الطعن”[127].

ولعل هذا ما حدا بشق من الفقهاء إلى اعتبار المبطلات في حقيقة الأمر تنقسم إلى قسمين فقط، قسم أول يتعلق بالنظام العام وقسم ثاني يتعلق بالنظام الخاص[128]، واعتبار قواعد الإجراءات الأساسية والبطلان بمقتضى القانون يندرجان في إطار القسم الأول.

الفقرة الثانية : البطلان النسبي كجزاء الإخلال بإجراءات تبليغ المحاضر

المشرع التونسي بتنصيصه على جزاء البطلان حاول التوفيق بين هدفين، حماية المصلحة العامة من جهة وتحقيق الإستقرار على مستوى عناصر النزاع من جهة أخرى.

من هذا المنطلق كلما كانت الإخلالات الحاصلة في إجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية غير ماسة بالمصلحة العامة ولا تهم سوى مصالح الخصوم الشخصية فإنه لا ضرورة للتصريح الوجوبي بالبطلان، وإنما يبقى هذا الجزاء بيد الأطراف يمكن لأحدهم أن يتمسك به بشرط بيان وجود الخلل في إجراء التبليغ وأن يكون هذا الخلل سببا في ضرر لحقه.

بالتالي لا بد من التمييز بين إجراءات تبليغ المحاضر الجوهرية التي بدونها لا يمكن تحقيق الغاية التي أراد المشرع حمايتها وهي ضمان مبدأ المواجهة بين الخصوم وحق الدفاع، وضمان حسن سير الخصومة أمام القضاء، وإجراءات تبليغ المحاضر الثانوية المتصلة بشخص المتقاضي ومصالحه والتي إذا تم نسيانها أو الإخلال بها فإنها لا تغير من طبيعة العمل الإجرائي وخاصياته[129].

أ – البطلان النسبي كجزاء للإخلال بالبيانات الواجب توفرها في المحاضر المدنية المبلغة :

طرح إشكال فيما يتعلق بالبيانات الوجوبية الواجب التنصيص عليها بالمحاضر المدنية قبل تبليغها، هل يمكن اعتبارها إجراءات جوهرية أم ثانوية لا تتصل سوى بمصلحة الخصوم الشخصية.

الملاحظ أنه في غياب تعريف تشريعي وفقه قضاء تونسي، اعتبر الفقه أن الإجراءات التي تهم مصلحة الخصوم هي مجموعة الإجراءات الثانوية التي رغم السهو عنها فإنها لا تغير من طبيعة العمل الإجرائي وخاصياته[130]. فهي بذلك لا تهم النظام العام أو الإجراءات الأساسية، فهل ينطبق هذا التعريف على بيانات المحاضر المدنية ؟

أسباب طرح هذا الإشكال تتمثل في كون الفصول 6 و70 و332 من م.م.م.ت. التي تنصّ على البيانات الوجوبية الواجب توفرها غير موحدة إذ يختلف محتوى كل فصل عن الآخر في بعض الجزئيات.

ومن بين الإختلافات نجد أن المشرع نصّ صراحة على البطلان المطلق بالفصل 332 جديد م.م.م.ت، ولم يذكره كجزاء في بقية الفصول رغم الصبغة الوجوبية التي تكتسي هذه الفصول، ورغم تنقيح م.م.م.ت فإن المشرع لم يتلاف هذا الإشكال.

هنا نتساءل لماذا هذا التمييز في صورة ما إذا وجد تمييز حقيقة و هل هو تمييز مقصود من المشرع أم أنه مجرد سهو عن ذكر جزاء البطلان في بقية الفصول ؟

أما لبقية الفصول فالتنصيصات الوجوبية التي تحتويها اعتبرها البعض بأنها إجراءات هدفها ضمان حسن سير الخصومة القضائية، فيما اعتبرها البعض الآخر إجراءات تهم مصلحة الخصوم.

ففيما يتعلق بالفصل 70 جديد بعد تنقيح 03 أوت 2002 ، فإن أحكام الفصل 71 الذي لم يشمله التنقيح لا يزال ينصّ على بطلان عريضة الدعوى وزوالها عند مخالفة مقتضيات الفصل 70 فالفصلان كانا مرتبطان من جهة البيانات الوجوبية ومن جهة جزاء الإخلال، لكن بتنقيح الفصل 70 وإضافة الفقرة الثانية التي تنصّ على أنه :” وإن كان الخصم شخصا معنويا يجب أن يشتمل المحصر على إسمه ومقره الإجتماعي وشكله القانوني إن كان شركة وعدد ترسيمه بالسجل التجاري و مكانه”، أصبح الإنسجام بين الفصلين 70 و71 معدوم.

اعتبر البعض أن الأمر ما هو إلاّ سهو من المشرع[131] الذي لم يتفطن إلى ترتيب الفقرات بالفصل 70 التي لم تعد مع مقتضيات زوال البطلان بالفصل 71 وبالتالي بتعين تنقيح الفصل 71 ليصبح ناصا على زوال البطلان بحضور المدعى عليه أو محاميه إذا كان الخلل واردا بالفقرتين 1 و2 من الفصل 70.

لكن حسب البعض يختلف الفصل 70 عن الفصل 332 في كون نية المشرع في تنقيح الفصل 70 لم تستهدف سوى التأكيد على ذكر عدد الترسيم بالسجل التجاري باعتباره من متممات هوية التاجر وهو أمر لا يهم النظام العام ولا الإجراءات الأساسية ومن المسائل التي تهم مصالح الخصوم1، وبالتالي لا وجوب لتنقيح الفصل 70 وما يؤكد هذا الإتجاه “أن الفصل 71 بقي على حاله مما يعني أن المشرع لم يرتب البطلان عند عدم احترام هذا البيان الإضافي”.

كنتيجة لذلك رغم الوضوح بالفصل 332 حول جزاء البطلان إلا أن سكوت المشرع عن هذا الجزاء بالفصل 70 جعل الفقهاء منقسمين لشقين: شق يقول بوجوبية البطلان لخرق قواعد الإجراءات الأساسية و شق يقول بالبطلان النسبي.

أما بالنسبة للفصلين 6 و43 فإن حرص المشرع على أن تشمل محاضر عدول التنفيذ وعرائض الدعوى على عدد الترسيم بالسجل التجاري ومكانه، وهو إجراء غايته التدقيق في هوية أطراف القضية فقد تم اعتباره عند مناقشة القانون المتعلق بتنقيح م.م.م.ت إجراءا استنهاضيا ولم يترتب عنه جزاء البطلان، وبالتالي عدم بيانه لا يترتب عنه البطلان إلا إذا نتج عنه ضرر ووقعت إثارته قبل الخوض في الأصل.

من خلال ما ذكر نستنتج أن البطلان بالفصل 332 من م.م.م.ت. يختلف عن البطلان في بقية الفصول المذكورة.

فجزاء البطلان بالفصل 332 هو بطلان بمقتضى النص و كانت الغاية الأولى والوحيدة من التأكيد عليه حماية مصالح المعقول تحت يده، أما جزاء البطلان بالفصلين 06 و43 فغايتها حماية مصلحة الخصوم[132] لذلك لم يورد المشرع صراحة هذا الجزاء.

كما أنه ليكون الفصل 70 متناسقا مع الفصل 71 يجدر بنا اعتبار عدم التنصيص على عدد الترسيم بالسجل التجاري من المسائل التي تهم مصلحة الخصوم وبالتالي لا تبطل العريضة إلا متى تمسك المتضرر بالبطلان.

كل ذلك اعتمادا على مقتضيات الفصل 14 فقرة ثانية من م.م.م.ت:” أما مخالفة القواعد التي لا تهم غير مصلحة الخصوم الشخصية فلا يترتب عليها بطلان إلا متى نتج عنها ضرر للمتمسك بالبطلان وبشرط أن يثيره قبل الخوض في الأصل”.

من خلال اعتماد قاعدة البطلان النسبي يمكن تفادي البطلان إذا كان الإجراء المختل متعلقا بمصلحة الخصوم في صورة ما إذا تحققت الغاية من الإجراء رغم اختلاله ولم يحصل ضرر للمتمسك به كبلوغ الإستدعاء إليه رغم عدم ذكر حرفته صلب الإستدعاء الموجه له، والغاية من منح القاضي سلطة تقديرية هي الحيلولة دون تمسك الخصوم بالبطلان عن سوء نية.

فمتى كانت البيانات لا تنال من المحضر كحجة رسمية ولا تتعلق بالإجراءات الأساسية ولا تهم النظام العام كالعدد الرتبي بالمحضر أو مصاريفه، لا يمكن إقرار جزاء البطلان ما لم يتمسك به المتضرر وذلك قبل الخوض في الأصل[133].

ب- البطلان النسبي كجزاء للإخلال بطرق تبليغ المحاضر المدنية:

اتفق فقه القضاء على اعتبار إجراء تبليغ المحاضر من الإجراءات الأساسية التي ينجر على الإخلال بها البطلان المطلق.

وهذا البطلان المطلق يجد أساسه في مبدأ المواجهة بين الخصوم الذي يعدّ من المبادئ الأساسية للقضاء، فكل إجراء لم يحترم فيه مبدأ المواجهة بين الخصوم هو إجراء يمس بمبدإ أساسي يترتب على مخالفته البطلان ولا يصححه تنازل من تضرر عن حقه.

لكن في بعض الحالات ورغم وجود خلل في إجراءات التبليغ وبالتحديد في طرق التبليغ إلاّ أن فقه القضاء اعتمد على مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 14 لإقرار جزاء البطلان النسبي وهو جزاء اختياري إذ فيه ترك لحرية تقديرية للمحكمة وليس مفروضا عليها بحيث يكتفي التصريح به فقط.

المعطيات التي يجب اعتمادها عند التخلي على جزاء البطلان المطلق تتمثل في أن يكون الإجراء المختل لم يترتب عليه المشرع جزاء البطلان، ولا يندرج في قواعد النظام العام أو الإجراءات الأساسية ويهم مصالح الخصوم الذين يتعين عليهم إثبات تضررهم من عدم ذكره وإثارة ذلك قبل الخوض في الأصل.

من ذلك أنه رغم اعتبار توجيه المكتوب مضمون الوصول تتمة حتمية لموجبات التبليغ وهو إجراء جوهري لما له من مساس بأحكام الإجراءات[134] ، إلاّ أن فقه القضاء اعتبر أن عدم تقديم وصل للرسالة المضمونة الوصول مع محضر التبليغ لا تأثير له على صحة المحضر وبالتالي لا يوهن المطلب في شكله فـ” تبليغ اللإعلام من العدل المنفذ لا لزوم فيه لإضافة وصل الرسالة المضمونة الوصول لمحضر التبليغ إذ أن وصل التبليغ خاص بالرسالة التي زادها القانون من باب الإحتياط لا غير ويكفي فيها تنصيص المحضر على إرسالها مع وصل التبليغ دون انتظار رجوع هذا الأخير أو رجوع الرسالة إذا ما رفض قبولها المرسل إليه”[135].

كما أكدت محكمة التعقيب أن ” الأجل المحدد للعدل المنفذ بشأن توجيه الرسالة المضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ لمن وقع استدعاؤه طبق الحالتين الأخيرتين من الفصل 8 من م.م.م.ت. لا يندرج بحال في الإجراءات الأساسية، إذ أن ذلك الأجل ليس مقصودا لذاته بل يندرج في مواعيد الحضور التي هي من القواعد التي تهم مصلحة الخصوم الشخصية”[136].

إلاّ أن فقه قضاء محكمة التعقيب غير موحد فتارة يعتبر تقديم وصل التبليغ ليس إجراءا أساسيا وتارة أخرى يعتبر من الإجراءات الأساسية التي تجعل الحكم لفائدة المدعي وعريضة دعواه مختلفة فعدم وجود وصل التبليغ يجعل ذلك الحكم مخالفا للقانون ويستوجب النقض[137].

كذلك في بعض الأحيان يعتبر أجل توجيه الرسالة المضمونة الوصول لا يندرج في الإجراءات الأساسية وفي حالات أخرى يعتبر توجيه الرسالة المضمونة الوصول بعد 24 ساعة من تاريخ وضع التنبيه للمنبه عليه بمركز الشرطة، غير قانوني ولا عمل عليه[138].

من هذا المنطلق نلاحظ خلط بين الإجراءات الأساسية والإجراءات الخاضعة لمصلحة الخصوم ففقه القضاء متذبذب بين موقفين، موقف أول يعتبر أن طرق التبليغ كلها من الإجراءات الأساسية التي لا شأن لها بمصلحة الخصوم وبالتالي فلا اعتبار لوجود ضرر أو عدم وجوده، وموقف ثاني يعتبر أنه يمكن تفادي جزاء البطلان عند الإخلال بإجراءات طرق التبليغ إذا تحققت الغاية من الإجراء.

ويبقى كلا الموقفين صحيحين رغم إنبنائهما على نظريتين مختلفتين.

المبحث الثاني : تطبيق البطلان كجزاء الإخلال بإجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية

تبليغ المحاضر في المادة المدنية هو إجراء قد يندرج صلب دعوى قائمة بالتالي يتم طلب البطلان عن طريق الدفع في إطار الدعوى الأصلية الجارية دون القيام بدعوى مستقلة، وقد يتعلق بحكم من الأحكام و في هذه الصورة يمكن طلب البطلان في شكل دعوى مبتدئة، لكن في مرحلة الطعن في هذا الحكم يمكن القيام بهذا الطلب في شكل دفع أمام المحكمة المختصة، وأخيرا قد يصيب إجراء من إجراءات التنفيذ كالعقلة التنفيذية أو البتة وفي هذه الحاتة يمكن المطالبة بالبطلان في شكل دفع أثناء سير الإجراءات أو بواسطة دعوى مبتدئة[139] وسواء كان البطلان مطلقا يتمسك به القاضي من تلقاء نفسه أو بطلانا نسبيا يثيره الأطراف عند حصول ضرر فإنه عندما تتحقق المحكمة من جزاء البطلان لا بد أن تحكم به.

والملاحظ أن التمسك بالبطلان المطلق حق لكل طرف لأنه جزاء لتجاوز المصلحة العامة، أما في صورة سكوت الأطراف عن إثارة البطلان فإن القاضي يثيره من تلقاء نفسه إثر التثبت من الحالة المعروضة عليه، والنيابة العمومية كطرف يمكنها إثارة هذا البطلان بما أنها الممثل للمجتمع والمدافع عن المصلحة العامة.

ويجوز التمسك بالمبطل الوجوبي في كل مرحلة من مراحل النزاع وحتى بعد الخوض في الأصل في حين أنه للتمسك بالبطلان النسبي لا بد من توفر بعض الشروط الإضافية إذ لا بد أن يمس الإجراء المختل بمصلحة شخصية وعلى المتمسك بإبطال المحضر إثبات حصول ضرر من الخلل الإجرائي و ذلك قبل الخوض في الأصل، هذه الشروط الإضافية وضعت بغاية جعل نظام البطلان يتميز بالمرونة للتخفيف من حدة هذا الجزاء والحد من آثاره وذلك على خلاف النظام المشدد للبطلان المطلق.

ولعل قسوة الآثار المترتبة عن الحكم بالبطلان المطلق الذي قد ينال من حق المتقاضي الذي لا يكون له عادة أية مسؤولية، يوجب على القاضي التعامل مع إجراءات تبليغ المحاضر لا كقوالب شكلية و إنما كشروط غايتها ضمان حسم النزاعات والوصول لكشف الحقيقة، إذ لا يجب التمسك بالشكل والتفريط بالمقابل في أصل الحق.

الفقرة الأولى: ضرورة التضييق في مجال البطلان

إن أداء إجراءات تبليغ المحاضر لوظيفتها يوجب ترك حرية التقدير للقضاء في تسليط جزاء البطلان أو عدم تسليطه بالرجوع إلى معايير يتعين تحديدها ومنها التأكد من وجود الضرر المدعى حصوله أو تقدير خطورته ومدى حصول الغاية من الإجراء الذي وقع الإخلال به.

والملاحظ أن القاضي لم يعد له ذلك الدور السلبي المتمثل في التطبيق الآلي للنصوص القانونية دون أي اجتهاد وذلك طبقا لمدرسة الشرح على المتون، فتدريجيا تطور فقه القضاء وأصبح فعالا وقد أجبر في عديد الحالات المشرع على التدخل وتنقيح نصوصه نظرا لعدم جدواها التطبيقية.

ومن خلال إجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية عادة ما يعتمد القاضي على معايير تتمثل في مدى حصول الغاية من الإجراء الذي وقع الإخلال به[140] فإن حصلت الغاية فإن القاضي يستبعد البطلان، وبهذا الإتجاه يساير ويتبنى نفس المعيار الذي اعتمده المشرع في الفصل 71 من م.م.م.ت.

كما يساير الإتجاه الفقهي[141] الذي يدعو إلى الإستغناء عن البطلان المطلق والإكتفاء بنصّ واحد يقر جزاء البطلان يكون عموما كلما تخلفت الغاية من الإجراء بهدف تمكين القضاء من سلطة اجتهادية، و تقدير ظروف كل حالة على حدة لإقرار البطلان من عدمه.

ومزايا هذا النظام كثيرة لذلك يعتمد فقه القضاء شروط البطلان النسبي و يمدها إلى مجال البطلان المطلق تماشيا مع الإتجاه الحديث الذي يعتمد نظاما موحدا للمبطلات يقوم على أساس السلطة التقديرية للقاضي ويشترط للحكم بالبطلان في كل الأحوال الدفع به صبغة واحدة و قبل الخوض في الأصل كما يشترط إثبات حصول ضرر[142].

ومن الحالات التطبيقية لتبني القضاء التونسي لهذا النظام يمكن ذكر في خصوص تنصيصات عريضة الدعوى، اعتبار محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة في قرار صادر في جانفي 1985 أن : “عدم ذكر الممثل القانوني للذات المعنوية لا يترتب عنه البطلان” مؤكد أن إنابة المحامي عن الذات المعنوية تقتضي تعامله مع ممثل قانوني.

كذلك فيما يتعلق بالمقر، إذ اعتبر فقه القضاء أنه في صورة تبليغ المحضر لغير المقر المبلّغ إليه و دون أن يكون التبليغ لشخصه فإن التبليغ يعتبر باطلا لأن الغاية من الإجراء لم تتحقق وبالتالي فإن الإجراء لم يستكمل وجوده ويكون الجزاء الإنعدام[143]، لكن في صورة عدم ذكر المقر، وكان المقر معروفا فإن الجزاء يكون البطلان الإختياري وذلك لأن التبليغ تم في المقر وبالتالي الغاية من الإجراء حصلت، ” فعدم ذكر مقرات الخصوم لا يعيب القرار المطعون فيه طالما أن هؤلاء يمثلون شركات معروفة و أن إهمال ذكر مقرّاتها للحكم لا يثير أي التباس حول معرفتها، وأن هذا الإجراء لا يهم سوى مصلحة الخصوم الشخصية و لا يترتب على الإخلال به البطلان إلاّ متى نتج عنه ضرر للمتمسك به الأمر الذي لم يثبته الطاعن”[144].

وفي نفس الإتجاه أكد فقه القضاء أن تعدّد الخصوم مع اختلاف مقرّاتهم و بلدان سكناهم لا يكتفي فيه تبليغ أسانيد الطعن إلى من هو مساكن لواحد منهم على أنه مساكن لجميعهم لما لهذا التبليغ من مخالفة للقانون وبالتالي عدم حضور أولئك لعدم علمهم يلزم منه رفض الطعن شكلا[145]. ولو حضر الخصوم أمام محكمة التعقيب ما كانت لترفض الطعن شكلا.

ويبرز بوضوح اعتماد فقه القضاء على معيار الغاية من الإجراء عندما اعتبر أن: “غاية المشرع من حتمية وقوع التبليغ و التسليم بالصورة المذكورة وبالفصل 8من م.م.م.ت. هي حماية الخصوم والتحقق من صحة إبلاغ صوت الخصم لخصمه حتى لا يضار بإجراء يتّخذ ضده في مغيبه”[146].

إلى جانب ذلك وفي محاولة للتخفيف من تطبيق الأوضاع الشكلية عمل فقه القضاء على وضع قواعد لإقصاء جزاء البطلان تتمثل في أنه:

1- لا يتعين في إجراءات البيانات الواردة بالفصل 6 و 8 من م.م.م.ت. الإلتزام بألفاظ معينة كما لا يتعين في إيراد تلك البيانات الإطالة والإفاضة، فالإختصار كاف مادام غير مخلّ، كما لا لزوم لورود البيانات بترتيب معين.

2- البيانات تتم بعضها البعض.

لا بطلان إذا كان الخطأ في البيان لا يحتاج إلى عناء في كشفه.
هذه القواعد وضعت بغاية جعل النصوص المحددة لإجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية ترسم الطريق المتعين انتهاجها للوصول إلى الحق وعلى هذا الأساس يجب أن لا تتعارض مع الحق.

المشرع في بعض الحالات نصّ على جزاء البطلان المطلق عند الإخلال بإجراءات تبليغ المحاضر واعتبر جانب من فقه القضاء أن البطلان بحكم النص يجعل المحكمة معزولة عن كل اجتهاد و تقدير ولا يمكنها اعتماد معيار مدى توفر الغاية من الإجراء لكن هذا الإتجاه لا يمكن تطبيقه في كل الحالات.

كمثال يمكن ذكر جزاء البطلان الوارد بالفصل 332 من م.م.م.ت. المتعلق بالعقلة التوقيقيّة فعبارة البطلان الواردة بالفصل جاءت مطلقة ولم تحدد الشخص الذي يمكنه التمسك بهذا البطلان وبتطبيق مقتضيات الفصل 14 فقرة أولى من م.م.م.ت. يمكن للمدين التمسك ببطلان محضر العقلة، كما يمكن للمعقول تحت يده كذلك طلب إبطال المحضر لعدم التنصيص على عدد الترسيم بالسجل التجاري أو عدم التنصيص على أن المعقول عنه غير مرسم رغم كون الدائن لا يكون في الحقيقة عالما بعدد الترسيم أو بكون المعقول عنه غير مرسم أو عدم التنصيص على القرار الذي أذن بإجراء العقلة التوقيفية، أو الحكم الذي أجريت بمقتضاه، أو عدم بيان مقدار دين العاقل، كما يمكن للمحكمة التمسك بالبطلان في كل طور.

ففيما يتعلق بذكر عدد الترسيم بالسجل فهو إجراء حديث أضيف للفصل 332 بمقتضى تنقيح 03 أوت 2002 وهو إجراء جعل لمصلحة المعقول تحت يده فهل يجب التمسك بجزاء البطلان رغم عدم وجود تأثير لعدم توفر الإجراء على مصالح هذا الأخير؟

الفهم السليم لقواعد الإجراءات المدنية والتجارية يفرض على فقه القضاء عدم اعتماد المنطق السالف الذكر إذ متى شرع الإجراء لمصلحة طرف فهو وحده الذي يمكنه التمسك ببطلانه ويجب أن يكون ذلك قبل الخوض في الأصل إلى جانب ذلك لا يصح التصريح ببطلان الإجراء ما لم ينتج عنه ضرر ولو نص القانون على بطلانه وذلك عملا بقاعدة لا بطلان بدون ضرر[147].

وبما أنّ ذكر عدد الترسيم بالسجل التجاري بالنسبة للمدين المعقول عنه يهم البنك المعقول تحت يده وحده، وبالتالي لا يمكن لأحد غيره التمسك بهذا البطلان وذلك لانعدام الصفة إلى جانب ذلك لا يمكن للمعقول تحت يده التمسك بالبطلان إلا في حالة حصول ضرر، وبالتالي لا يمكن التمسك بالبطلان في صورة ما إذا انعدمت المصلحة بأن كان الدائن العاقل عالما بكون المدين المعقول عنه غير مرسم أو في صورة إذا صدر عنه تصريح صحيح.

إن إبطال محضر العقلة التوقيفية له تأثير كبير على حقوق الدائن إذ أنه يؤدي لإبطال العقلة والإضرار بالدائن بسبب إمكانية تمسك المحاكم ببطلان العقلة من تلقاء نفسها تطبيقا آليا للفقرة الأولى من الفصل 14 من م.م.م.ت، إلى جانب كون هذا الإجراء يمثل عقبة تعطل سير تنفيذ الأحكام.

فهنا يكون دور المحاكم كبيرا عند تطبيق هذه الإضافة فإما أن تطبق النص حرفيا وإما أن تكسيها النجاعة والغاية المرجوة منها وذلك باعتماد مرونة في تفسير مقتضيات هذه الإضافة مع مراعاة لا فقط أحكام الفصل 332 بل مراعة الفلسفة التشريعية لاعتماد العقلة التوقيفية,

وبالرجوع للتقرير المشترك المقدم من طرف لجنة التشريع العام والتنظيم الإداري ولجنة المالية والتخطيط والتنمية الجهوية، تمّ ذكر أن “البنوك هي المستهدفة بالدرجة الأولى بالعقل التوقيفية وأن أي خطأ أو سهو ترتكبه عند تقديمها التصريح للمحكمة يؤدي إلى تحميلها بكامل الدين وهو ما يكبدها خسائر جسيمة، ولقد اتضح أن سبب عسر مهمة المعقول تحت يده وتعذر وصوله إلى معرفة المدين بسرعة هو أن محاضر العقل لا تتضمن بيانات كافية حول هوية أطرافها وخاصة منهم المدين المعقول عنه، ولهذا السبب فقد تضمن المشرع تنقيح أحكام الفصل 322 من م.م.م.ت.”[148]. فواضح إذ من شرح الأسباب أن الإضافة المذكورة شرعت لمصلحة المعقول تحت يده.

كمثال ثاني يمكن ذكر الفصل 336 م.م.م.ت[149] الذي نص على وجوب تضمين عدد القضية وتاريخ الجلسة بمحضر الإدخال ورتب بطلان العقلة وليس بطلان محضر الإدخال عند عدم ذكرها.

لكن بما أن المشرع نصّ بالفصل 225 من م.م.م.ت. أن طلب التداخل أو الإدخال يقع بنفس الطريقة التي ترفع بمقتضاها الدعوى فإن محضر الإدخال لا بد أن يتضمن جميع البيانيت المذكورة بأحكام الفصل 71 من م.م.م.ت.

وتم التساؤل إن كان عدم توفر إحدى هذه البيانات ينجر عنه بطلان العقلة بطلانا مطلقا بمقتضى الفصل 336 من م.م.م.ت.؟ باعتماد المعنى الحقيقي لنص الفصل 225 يمكن الإستنتاج أن الجزاء هو بطلان المحضر عملا بأحكام الفصل 71 من م.م.م.ت. وليس بطلان العقلة الذي يستفاد منه التنقيح الأخير عند عدم ذكر عدد القضية و تاريخ الجلسة، من ناحية أخرى هل يجوز تصحيح الإجراءات أو الإقرار بزوال البطلان في حال خلو المحضر من عدد القضية وتاريخ الجلسة عند حضور المعقول تحت يده بالجلسة أو محاميه أو قيامه بواجب التصريح؟

اعتبر البعض أنه لا مانع من ذلك طالما كان التصريح صحيحا ومتعلقا بالمدين المراد عقلة أمواله فعلا، إضافة لذلك “لا يحق سوى للمعقول تحت يده التمسك ببطلان العقلة لخلو المحضر من ذكر عدد القضية و تاريخ الجلسة طالما أن الإجراء شرع لمصلحته لكن بشرط حصول ضرر له”[150].

كما أنه ولتوفير أكثر مرونة لجزاء البطلان الصريح الوارد بالفصل 336 من م.م.م.ت. فإنه في صورة تخلف المعقول تحت يده أو من ينوبه قانونيا عن الحضور يجوز للقاضي أن لا يتدخل للتصريح ببطلان العقلة من تلقاء نفسه و إنما يأذن بإعادة استدعاء المعقول تحت يده بطلب من الدائن لتفادي الإخلالات الواردة بمحضر الإدخال الأول.

ومن هذا المنطلق لتجاوز صرامة الجزاء الوارد والمتمثل في البطلان المطلق بمقتضى القانون، يجب التعويل على مرونة المحاكم في تفسير النصوص القانونية عن طريق حصر نطاق البطلان و الإقرار بإمكانية التصحيح للإجراء المختل.

غير أنه إلى جانب الإتجاه الذي يمنح القاضي سلطة ويمكنه من التغاضي عن جزاء البطلان متى توفرت الغاية من الإجراء المختل ومتى انعدمت المصلحه من إثارة هذا الجزاء، كما في حالات أخرى من تصحيح الإجراء الباطل مما يساعد على حسن سير الإجراءات وتجاوز إجراء التبليغ الباطل بإعادته على نحو سليم أو تكملته.

لا تزال بعض المحاكم تقر بضرورة احترام جميع إجراءات تبليغ المحاضر وتصرّح بالبطلان في صورة الإخلال بإجراء من إجراءاتها مهما كان بسيطا معتبرة أن جميع إجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية هي إجراءات أساسية تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها وفي كل أطوار النزاع، ومؤكدة من جهة أخرى أن مجلة المرافعات المدنية تعتبر بمثابة الدستور للقاضي.

وفي بعض الأحيان يتم تجاوز جزاء البطلان ليتم تسليط جزاء السقوط على أساس أن “التبليغ غير الملم بصبغة القانون يعتبر و العدم سواء وهو ما يستوجب السقوط و المسقطات كلها وجوبيّة تتمسك بها المحكمة من تلقاء نفسها”[151].

كما أنه في بعض الصور الأخرى اعتبرت محكمة التعقيب الإجراء منعدما مؤكدة أنه “طالما لم يجد العدل المنفذ المطلوب ولا من له صفة القبول فكان عليه ترك النظير المراد تبليغه بالمقر وفقا لتوجيه الفقرة الثالثة من الفصل 8 من م.م.م.ت. ولمّا لم يفعل ذلك واقتصر على ترك النظير لدى مركز الأمن الوطني بالمكان مع توجيه مكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ فإن محضر التبليغ يكون في حكم المعدوم…”[152].

هذا التشدد في الجزاء من شأنه أن يؤدي إلى ضياع الحقوق نتيجة تمسك آلي بخرق أو خلل إجرائي بسيط. لذلك لا بد من تدخل قانوني يوحد توجهات الفقه القضائية يخول للقاضي سلطة أوسع في التحرر من بعض القيود التشريعية للوصول لتحقيق العدالة.

الفقرة الثانية: آثار تطبيق جزاء بطلان تبليغ المحاضر

ينتج عن تطبيق جزاء بطلان تبليغ المحاضر آثار موحدة وذلك سواء كان البطلان بطلانا مطلقا أو نسبيا هذه الآثار أفرزت عديد الإشكاليات ويمكن عموما توزيعها إلى آثار متصلة بالأعمال الإجرائية المرتبطة بإجراء تبليغ المحاضر وآثار متصلة بالأشخاص الذين أوكل لهم القانون مهمة تبليغ المحاضر.

أ- الآثار الإجرائية :

إنّ تبليغ المحاضر في المادة المدنية هو إجراء يندرج في إطار عدة أعمال إجرائية متشابكة تهدف إلى الفصل في موضوع النزاع من هذا المنطلق القيام بتبليغ المحضر كعمل إجرائي من آثاره افتراض عمل سابق له وعمل لا حق له.

وقد اعتبرت محكمة التعقيب في عدة قراراتها أن “المحكمة المتعهدة بالنظر في القضية ملزمة بمراقبة الإستدعاء وفق الإجراءات القانونية للتأكد من سلامة إجراءات التبليغ، خاصة في صورة عدم حضور المستدعى أو من يمثله كما أنه بموجب المفعول الإنتقالي للإستئناف فإن محكمة الدرجة الثانية تراقب محضر استدعاء المطلوب للحضور لدى محكمة الدرجة الأولى لما في ذلك من مساس بالإجراءات الأساسية”[153].

وبالتالي إذا ما صدر حكم استئنافي يقضي ببطلان محضر استدعاء المطلوب للحضور لدى المحكمة الإبتدائية فإن ذلك يؤدي إلى نقض الحكم الإبتدائي لكونه انبنى على محضر استدعاء باطل.

طرح إشكال فيما يتعلق بمحاضر الإعلام بالأحكام، إذ في صورة صدور حكم وكان محضر الإعلام بالحكم مستوفيا لشروطه فإن كل طعن لذلك الحكم على إثر انقضاء الأجل قانونا ينجر عنه سقوطه، في حين أنه في صورة ما إذا وجد محضر الإعلام بالحكم المختل باطلا فإن أجل الطعن في الحكم يبقى مفتوحا طالما كان في الأجل القانوني.

لكن ما هو الحل في صورة رفع الطعن بالإستئناف في حكم ابتدائي بعد إنقضاء 3 أشهر على تاريخ الإعلام به مثلا، مع القيام بقضية أصلية في إبطال محضر الإعلام؟

هناك نظرية وهي النظرية الراجحة تعتبر أن محكمة الأصل هي محكمة الدفع، وبالتالي فإن محكمة الإستئناف تنظر في صحة الطعن و تقرر قبوله أو رفضه حتى لا يطول نشر القضية وتتعطل مصالح الخصوم وأصحاب هذه النظرية يعتقدون أن هذا هو الحل الأمثل قضائيا وأنه لا فائدة من إكثار القضايا وانتظار البت فيها على الفصل في قضايا أخرى.

وهناك إتجاه ثاني يعطي لمحكمة الإستئناف حق تأخير القضية في انتظار صدور الحكم في قضية الإبطال.

كما طرح إشكال ثاني يتعلق بصدور حكم بالطلاق، وإثر فوات أجل الطعن تزوج المطلق ثم إثر ذلك ادّعت الزوجة أنها طلقت دون أن يتم استدعاؤها فقامت بقضية ابتدائية في إبطال محضر التبليغ و بالتالي إبطال حكم الطلاق.

في هذه الصورة إمكانية إبطال المحضر قد تكون منعدمة لأن الحكم قد اتصل به القضاء وكنتيجة لذلك يعتبر الإستدعاء صحيحا، أمّا إذا تمّ الحكم ببطلان محضر التبليغ ونقض حكم الطلاق فإنّه في هذه الفرضية يبقى السؤال مطروحا حول مآل الزواج الثاني؟

ب- الآثار على الأشخاص :

يتم تبليغ المحاضر المدنية للمطلوب عموما بواسطة العدل المنفذ، وفي صورة ما إذا صدر حكم يقضي ببطلان محضر التبليغ نتيجة للإخلال بإجراءات التبليغ تمّ التساؤل عمّن يتحمل المسؤولية؟

إذا كان جزاء البطلان ناتجا عن خطإ صادر من العدل المنفذ فلا بد من تحميله مسؤولية هذا الخطأ لأن الإكتفاء بالتصريح ببطلان محضر التبليغ يحمل أطراف الدعوى لوحدهم عواقب هذا البطلان في حين أنهم بقوا خارج إطار العمل الإجرائي الباطل ويبرئ ساحة العدل المنفذ الذي أخل بالإجراء مما يؤدي لإنعدام الطمأنينة.

لهذه الأسباب ورغم غياب نص خاص، أجمع االفقه و فقه القضاء حول تحميل مساعدي القضاء مسؤولية مدنية نتيجة الأضرار التي تلحق حريفهم بسبب أخطائه المهنية[154].

تجد هذه المسؤولية أساسها كمسؤولية تعاقدية من خلال أحكام الوكالة فالعدل المنفذ كمأمور عمومي يعتبر في علاقته مع حريفه في مركز الوكيل المسؤول عن الخسارة الناشئة لموكله وذلك طبق أحكام الفصل 1131 من م .ا. ع.

لكن وكنتيجة لتنوع وتعدد وتشعب إجراءات التبليغ المنوطة بعهدة العدل المنفذ تم اعتبار علاقة العدل المنفذ بطالب التبليغ لا تقتصر بالضرورة على أحكام الوكالة بل تتعداها لتصبح من نوع خاص يفرض بذل العناية الفائقة والحذر والإهتمام لما تفرضه إلتزاماته من درجات يمليها قانون المهنة و أخلاقياتها.

كذلك لتحميل المسؤولية على عاتق العدل المنفذ يمكن للمحكمة أن تحكم بالبطلان للإجراء المختل مع حمل المصاريف على العدل المنفذ وهو ما كرّسه التشريع الفرنسي القديم الذي يحمل مساعد القضاء مصاريف العمل الإجرائي الباطل ومصاريف إعادة ذلك العمل من جديد إن كان ممكنا[155].

لكن رغم وضوح ومرونة هذا التشريع إلا أنه تم تنقيحه بجعل مصاريف التقاضي الواقعة بمناسبة الإجراء الباطل تندرج في إطار تعويض مالي.

وتحديد قيمة التعويض عن الإجراء المختل بخطئ من العدل المنفذ يتم من طرف المحكمة بصفة مستقلة وفي إطار ما لها من سلطة تقديرية.

في تونس ورغم عدم وجود نص تشريعي فإنه لمزيد دعم حرص العدل المنفذ على تلافي الأخطاء عند تبليغه للمحاضر المدنية لا بد من إيجاد نص قانوني يمكن المحكمة مباشرة من تحميل العدل المنفذ لمصاريف التبليغ حفاظا على حقوق الأطراف وحتى يولي العدل المنفذ لإجراءات التبليغ ما ينبغي من العناية، فليس من العدل أن يخسر الطالب القضية ويتحمل كذلك المصاريف، كما ليس أقل من أن يتحمل العدل المنفذ هذه المصاريف استنادا إلى قاعدة من له الغنم عليه الغرم، هذا الموضوع تم اقتراحه في إطار شرح الجزء الأول من مجلة المرافعات المدنية والتجارية لكن وقع التغاضي عنه إثر ذلك، ولا شك لو اتبع هذا الإجراء لكان له تأثيره البالغ على حسن سير التبليغ وسلامته وجعله محل ثقة كل الأطراف.

إلى جانب ذلك فإن بطلان إجراءات تبليغ المحاضر نتيجة خطئ عدل التنفيذ تترتب عنه مسألة تأديبية إذ أن للنيابة العمومية سلطة تتبع أعمال عدول التنفيذ والبحث عن شكاية المواطنين، فإن اتضح لها أن العدل المنفذ ارتكب خطأ مهنيا تحيل الملف على وزير العدل الذي يحيل المعني على مجلس التأديب الذي يقرر العقوبة المستوجبة على ضوء تقرير وكيل الجمهورية.

و تتمثل هذه العقوبات في الإنذار أو التوبيخ[156].

لكن في صورة ما إذا كان الخطأ فادحا فإنه يمكن لوزير العدل تسليط عقوبتي التوقيف عن العمل لمدة أقصاها ستة أشهر أو العزل وذلك بعد أخذ رأي مجلس التأديب[157].

الفصل الثاني : تداعيات إبطال محاضر التبليغ على المستوى الجزائي

رغم ما لجزاء البطلان من أهمية إلا أنه غير كاف في حد ذاته لضمان تحقيق غاية بلوغ المحضر للمطلوب.

فعمليا يمكن تبليغ المحضر مع احترام كل الإجراءات القانونية دون أن يتم بلوغ المحضر للمطلوب بصفة فعلية، وذلك نتيجة أفعال ارتكبها أحد المتداخلين في التبليغ بغاية حرمان المبلغ إليه من تسلم المحضر والدفاع عن حقوقه، أو يرتكبها المطلوب في حد ذاته للتفصي من تسلّم المحضر بهدف إبطاله لاحقا.

لهذه الأسباب، إلى جانب البطلان رتب المشرع بمجلة المرافعات المدنية والتجارية تداعيات جديدة في بعض صور الإخلال بإجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية و ذلك بإضافة الفصل 11 مكرر بمقتضى القانون 82 لسنة 2002 المؤرخ في 03 أوت 2002 الذي نص أنه “يعاقب بالسجن مدة عام كل من يتحيّل لغاية عدم بلوغ المحاضر و الإستدعاءات”.

هذا الفصل يعتبر أول نص جزائي يندرج بـ م.م.م.ت. لكنه ليس أول نص يجرّم التحيّل في التبليغ، ففي إطار م.أ.ش نص الفصل 32 مكرر: “إذا تحيل أحد الزوجين لغاية عدم بلوغ الإستدعاء إلى الطرف الآخر، يعاقب بالسجن مدة عام”.

الغاية من إقحام هذه النصوص الجزائية ضمن التشاريع المدنية هي دعم نجاعة وفاعلية قواعد تبليغ المحاضر في المادة المدنية وذلك بتجريم التحيّل بغاية عدم بلوغ المحاضر. وبالتالي تكريس العقوبة الجزائية كوسيلة للتصدّي لكلّ الإخلالات التي قد تهدّد سلامة المحضر وتؤدّي إلى إبطاله.

المبحث الأول: التدخل الجزائي لحماية محاضر التبليغ

جرّم المشرع التونسي التحيّل في التبليغ من خلال تنقيح م.أ.ش سنة 1993 وإضافة الفصل 32 مكرر، ثم تنقيح م.م.م.ت سنة 2002 وإضافة الفصل 11 مكرر.

سبب تجريم التحيّل في التبليغ ضمان نجاعة تبليغ المحاضر في المادة المدنية والتصدي لكلّ محاولة لإبطالها تكون مبنية على التحيّل وذلك لحماية حق الدفاع ومبدأ المواجهة بين الخصوم.

وفي هذا الإطار وجب قبل التعرض لأركان جريمة التحيّل في التبليغ تعريفها من خلال تحديد نطاقها.

الفقرة الأولى: نطاق جريمة التحيّل في تبليغ المحاضر

جريمة التحيّل في التبليغ تعتبر جريمة ذات صبغة إجرائية وبالتالي تختلف في مضمونها عن جريمة التحيّل المنظمة بالفصل 291 وما يليها من م.ج الواردة في القسم الثالث في باب الإعتداء على الملك تحت عنوان “الغصب والتلويث والإستحواذ والتسبب في الإفلاس”.

علاوة على ذلك ومع ميلاد الفصل 11 مكرر بـ م.م.م.ت، لم يعد نطاق جريمة التحيّل في التبليغ يقتصر على مادة الأحوال الشخصية وإنما تم تعميمها بجعلها قاعدة عامة تطبق في كافة القضايا المدنية و التجارية.

الصبغة الإجرائية لجريمة التحيّل في التبليغ :
تضمن كل من الفصلين 11 مكرر من م.م.م.ت و32 مكرر من م.أ.ش. المتعلقين بالتحيّل في التبليغ مصطلح التحيّل. هذا المصطلح مقتبس من المجلة الجنائية إذ استعمله المشرع التونسي أساسا عند تنظيمه للجرائم المتعلقة بالأموال بالفصول 291 وما بعده من م.ج.

في هذا الإطار يتم التساؤل إذا كان المشرع بتجريمه للتحيّل في التبليغ استند إلى مفهوم التحيّل الوارد بالقانون الجنائي، أم ابتكر مفهوما جديدا يتلاءم مع طبيعة هذه الجريمة و مع ما تتميز به الإجراءات المدنية من خصوصيات.

من خلال مقارنة بين كل من الفصل 291 من م.ج. والفصلين المنظمين للتحيّل في التبليغ يستنتج وجود جريمتين منفصلتين لا علاقة بينهما.

فجريمة التحيّل في التبليغ وضعت بغاية تفعيل نجاعة تبليغ المحاضر في المادة المدنية عموما، إذ نظمها المشرع أولا في م.أ.ش إثر تنقيح 11 جويلية 1993 وإضافة الفصل 32 مكرر في إطار سياسة تشريعية تهدف إلى ضمان الحفاظ على حقوق الأسرة بدعم وضعية المرأة بالخصوص وإحاطتها بحقوق وضمانات متعددة، فأقحم عدة نصوص جزائية من بينها الفصل 32 مكرر بسبب تفطنه إلى أن الطريقة المعمول بها مدنيا في تبليغ المحاضر غير ناجعة، حيث أنه عمليا في عديد الحالات يكون المدعى عليه من الزوجين غير عالم بنشر قضية في الطلاق ضده نتيجة أفعال وتصرفات يقوم بها المدعي عن سوء نية قبل تبليغ المحضر وإلى حين تبليغه.

ولتجاوز هذه الإشكاليات أصبح مرتكبا لجريمة التحيّل في التبليغ كل مرتكب لهذه الأفعال ويعاقب بالسجن مدة عام، رغم أنه اتبع جميع الإجراءات القانونية الواجبة الإحترام عند تحرير وتبليغ المحضر.

كما نظم المشرع جريمة التحيّل في التبليغ إثر ذلك في نطاق الإجراءات المدنية وهي تعتبر كذلك جريمة إجرائية لارتباطها بعملية تبليغ المحاضر.

وكانت غاية المشرع من إدراج هذا النص الجزائي بـ م.م.م.ت تقليص صدور الأحكام في غياب المطلوب والتصدي للحيل والخزعبلات التي تصدر من طرف الطالب أو أحد المتداخلين أو من المطلوب ذاته، في عملية التبليغ بهدف عدم توصل المطلوب بالمحضر وتفويت فرصة معرفته لمضمون المحضر لتحضير أسانيد دفاعه، أو تفويت حضوره بالجلسة، ومثال ذلك أن يتم المحضر لشركة يوم أحد في حين أن أجل التبليغ لا يزال ممتدا، أو كان يبلغ المدعي محضر إعلام بحكم في مقر ليس بالمقر الحقيقي أو المختار للطالب، ثم وإثر تفويت أجل الإستئناف يقوم بتبليغ محضر إعلام بالعقلة التنفيذية في مقر آخر وهو المقر الصحيح، ففي هذه الصورة سوء النية واضح و يمكن إثباته بسهولة. أو قد يتفق المدعي عليه مع شخص متواطئ يقوم بتسلم المحضر ثمّ يدعي عدم العلم ليقوم لاحقا بإبطال المحضر.

هكذا يتبين أن جريمة التحيّل في التبليغ عموما هي جريمة إجرائية بسيطة يتركب ركنها المادي من “نمط وحيد من السلوك هو فعل التحيّل القائم على استعمال الخدعة”[158]، إذ يقصد بها القيام بكل أنواع الحيل والخديعة التي من شأنها منع الإستدعاء الفعلي للخصم وحصول علمه بقيام قضية ضده، وبالتالي تختلف عن جريمة التحيّل التي تعتبر جريمة مركبة.

فجريمة الفصل291 م.ج هي عبارة عن الإستيلاء على ملك الغير لكن باستعمال الخديعة عوضا عن القوة، و فعل التحيل هنا يستوجب استعمال طرق احتيالية عن سوء نية من طرف المتحيل لمغالطة المتضرر وحمله على تسليم الشيئ، وبالتالي تستوجب أولا استعمال وسيلة من وسائل الخزعبلات المنصوص عليها بالفصل 291 م.ج، وتسليم شيء ممن تسلطت عليه تلك الوسائل والإستيلاء عليه ثانيا، ووجود علاقة سببية بين تلك الوسائل والإستيلاء ثالثا[159]، “ورغم توسع فقه القضاء في تطبيق الفصل 291 م.ج إلا أنه ظل متشبثا بالطابع المالي للجريمة”[160].

يستخلص مما سبق أن جريمة التحيّل في التبليغ جريمة إجرائية مستقلة تختلف عن التحيّل المالي من حيث مفهومها و من حيث الغاية من وضعها.

بتطبيق هذه الجريمة الإجرائية تبقى أيضا أحكام التدليس الواردة بالفصلين 172 و173 م.ج منطبقة على العدل المنفذ في صورة توفر شروطها.

الصبغة العمومية لجريمة التحيّل في التبليغ :
قبل تنقيح قانون 03 أوت 2002 كان التحيّل في التبليغ يعرف بكونه ما يقوم به أحد الزوجين عند رفع دعوى في الطلاق بأي نوع من أنواع الخداع أو المغالطة أو الخزعبلات للحيلولة دون الإستدعاء الفعلي لخصمه[161] وذلك قبل تبليغ المحضر وإلى حين تبليغه. فكان فعل التحيّل المجرم منحصر النطاق في مادة الأحوال الشخصية وتحديدا في قضايا الطلاق من خلال تطبيق أحكام الفصل 32 مكرر م.أ.ش، وقد أثبتت التجربة نجاعة هذه الأحكام لما لها من مفعول ردعي ووقائي وهو ما يفسر التفكير في تعميم هذا المنهج بإدراج قاعدة عامة تتضمن تجريم التحيّل لغاية عدم بلوغ الإستدعاءات والمحاضر إلى الطرف المقابل في كافة القضايا المدنية والتجارية[162].

هذا التفكير نتج عنه إدراج الفصل 11 مكرر في م.م.م.ت الذي يجرم التحيّل في التبليغ، وهو تجريم ورد عاما من حيث الأشخاص الخاضعين للجريمة ومن حيث موضوع الجريمة.

إذ من حيث الأشخاص الخاضعين للتجريم، كان الفصل 32 مكرر من م.ا.ش يجرم التحيّل في التبليغ إذا ارتكبه أحد الزوجين لغاية عدم بلوغ الإستدعاء إلى الطرف الآخر، هذا الفصل ينطبق على أطراف الدعوى المتمثلين في الزوج والزوجة دون غيرهما.

واعتبر البعض أن عبارة “أحد الزوجين” تشمل كلا من المدعي والمدعى عليه إذ إذا قصد المشرع خلاف ذلك لكانت العبارات التي وردت في أول الفصل مختلفة ولكانت ناصة مثلا على أنه “إذا تحيل المدعي من الزوجين”[163].

لكن اعتبر البعض الآخر أن التحيّل في التبليغ المجرم هو التحيل الذي يرتكبه “القرين طالب التبليغ أي المدعي في النزاع أو الطاعن في الحكم الإبتدائي أو الإستئنافي”، ولو كانت إرادة المشرع منصرفة إلى سحب أحكام الفصل 32 مكرر على كل من المدعي والمدعى عليه في نفس الوقت لكان اقتصر على عبارة أحد الزوجين دون الإشارة إلى الطرف الآخر[164].

ومهما يكن فليس كل شخص تدخل بالحيلة في عملية التبليغ بغاية عدم توصل الطلوب بالمحضر يعتبر مرتكبا لجريمة التحيّل في التبليغ.

لكن بقراءة الفصل 11 مكرر من م.م.م.ت. يلاحظ أن عباراته جاءت عامة فمن ناحية نص أنه “يعاقب…كل من يتحيل” ومن ناحية أخرى لم يستعمل عبارة “إلى الطرف الآخر” الواردة بالفصل 32 مكرر من م.أ.ش.

وبالتالي ينطبق هذا الفصل على أطراف الدعوى، كما يمكن تطبيقه على أطراف أجنبية عن النزاع متداخلة في عملية التبليغ كأهل أحد الطرفين أو المحامي أو ساعي البريد… كما أنه في بعض الحالات يستعمل المطلوب ذاته حيلا وخزعبلات بهدف عدم وصول المحضر له وإثر ذلك يقوم بقضية في إطار المحضر أو يرجو تأخير البت في النزاع لإعادة الإستدعاء.

هذا النوع من التحيّل خطير لذلك وجب التصدي له من خلال تطبيق مقتضيات الفصل 11 مكرر م.م.م.ت وإدخاله دائرة التجريم.

وتمّ التساؤل إن كان العدل المنفذ أو كاتبه يخضعان لجريمة التحيّل في التبليغ؟

الملاحظ أن العدل المنفذ يعتبر مرتكبا لجريمة الزور في صورة تغييره في حقيقة المحضر وذلك بإنشاءه ما لا وجود له أو بتحريف ما هو موجود، لكن إذا كانت الغاية من هذا التغيير هي نية الإضرار بحقوق المطلوب أو منع وصول المحضر إليه فإنه يعتبر مرتكبا لجريمة التحيّل في التبليغ، كأن “يتعمد مثلا التبليغ بالمقر القديم للمطلوب الوارد بالحكم الذي هو مكلف بالإعلام به حال أنه عالم بصفة يقينية و ثابتة بانتقاله إلى مقر جديد سبق له التبليغ فيه”[165].

إلى جانب ذلك فمن حيث موضوع تجريم التحيّل في التبليغ فإنه لم يعد مقتصرا على مادة الطلاق، وإنما أصبح يشمل جميع القضايا المدنية والتجارية مما سيعطي أكثر فاعلية ونجاعة لإجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية، علاوة على ذلك فإن الفصل 11 مكرر م.م.م.ت يجد تطبيقه لا فقط في التحيل المتعلق بمحاضر الإستدعاء للجلسة كما هو الأمر مع الفصل 32 مكرر م.أ.ش، وإنما يشمل كل أنواع المحاضر المبلغة في المادة المدنية، ويبرز ذلك من استعمال المشرع لعبارتي “المحاضر والإستدعاءات” معا، إذ يشمل محاضر عدول التنفيذ وكذلك الإستدعاءات المبلغة بالطرق الإدارية دون استثناء.

إلا أن استعمال المشرع لعبارة “لغاية عدم بلوغ المحاضر والإستدعاءات” يجعل نطاق هذا الفصل “لا يشمل إلا المحاضر الواجبة للتبليغ للغير كالإستدعاءات ومحاضر الإعلام و الإنذارات دون المعاينات مثلا”.

يتضح إذا أنّ موضوع الفصل 11 مكرر م.م.م.ت واسع وقد أدرجه المشرع في آخر الأحكام المتعلقة بتبليغ المحاضر دون المجلة الجنائية بغاية إبراز ارتباطه بإجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية، واعتبر البعض أن الفصل 32 مكرر يعتبر منسوخا ضمنيا طالما أن الفصل 11 مكرر استوعب كافة أحكامه.

لكن التشابه بين الفصلين والتقاءهما لا يصل إلى حد التطابق بينهما إلى جانب ذلك فإن الفصل 11 مكرر و 32 مكرر يختلفان في كون النص الأول عام، أما النص الثاني فهو خاص، وفي هذه الحالة يسبق الخاص على العام ولا يمكن للنص العام إبطال النص الخاص إلاّ إذا وقع التنصيص على ذلك صراحة[166].

علاوة على كل ذلك من مظاهر العمومية الفصل 11 مكرر م.م.م.ت أنه يشمل كامل المحاضر والإستدعاءات في المادة المدنية و التجارية، وبالتالي تخضع لأحكام هذا الفصل التحيّلات التي يقترفها الشركاء في الشركات الخفية الإسم أو الشركات ذات المسؤولية المحدودة عند تبليغ الإستدعاءات للأعضاء كحضور الجلسات بغاية عدم تمكينهم من الحضور والتصويت أو إبداء مقترحاتهم.

الفقرة الثانية : أركان جريمة التحيّل في التبليغ

ككل جريمة تفترض جريمة التحيّل في التبليغ توفر ركنين:ركن مادي وركن معنوي.

الركن المادي :
يتمثل الركن المادي لجريمة التحيّل في التبليغ في فعل التحيّل، لكن ما المقصود بفعل التحيّل؟

ورود هذا المصطلح بكل من الفصلين 32 مكرر و11 مكرر على إطلاقه دون بيان مفهومه أدى إلى بروز عدة إشكاليات عند تحديد الركن المادي لجريمة التحيّل في التبليغ.

أثناء مناقشة قانون 03 أوت 2002 تم اقتراح تحديد الأفعال المعاقب عليها باعتبار أنه “لا يمكن أن نتحدث عن التحيّل، فالتحيّل نصفه ونصف، لكن لا بد أن نعاقب على أفعال معينة”[167]، هذا الإقتراح لم يتم الأخذ به وبقي الإشكال المطروح يتمثل في معرفة الأعمال التي من شأنها أن تؤدي لتوفر جريمة التحيّل.

اعتبر البعض وجود أعمال مادية خارجية ملموسة تشكل بداهة تحيّلا في التبليغ إذ أن فعل التحيّل يتمثل عموما في “فعل الخداع والتغرير والمغالطة الذي من شأنه الإيهام بأمر مخالف للواقع والحقيقة”، كأن يتفق المدعي مع شخص على تسلم الإستدعاء من العدل المنفذ ثم لا يسلمه للمدعى عليه[168].

لكن هل أن مجرد الكذب أو إخفاء معلومات تندرج في نطاق التحيّل في التبليغ؟

التحيّل بالمفهوم الجزائي يفترض وجود أعمال مادية إيجابية مما يقصي الأعمال السلبية القائمة على الكتمان و الإخفاء.

لكن نظرا لما لتبليغ المحاضر من أهمية في ضمان حقوق الدفاع و مبدأ المواجهة بين الخصوم و بما أن جريمة التحيّل في التبليغ جريمة إجرائية غير مادية، فإنه يمكن اعتبار مجرد الكذب أو الكتمان دون أن يكون مصحوبا بأعمال مادية خارجية تحيّلا في التبليغ يعاقب عليه بالسجن، و ما يعزز هذا الموقف اعتبار الفصل 56 م.إ.ع أن التغرير يمكن أن يحصل بالعمل الإيجابي أو السكوت بخلاف القانون الجنائي الذي يشترط العمل الإيجابي ليكون الفعل مشكلا لتغرير، وكمثال للفعل السلبي الذي يمكن تجريمه عدم ذكر العنوان كاملا مع العلم أن العنوان المنصوص عليه يشترك فيه عدة أشخاص[169]، كذلك في صورة التبليغ لذات معنوية ويتم ذكر “لم أجد المعني بالأمر ورفض من وجد بالشركة من القبول”، فهذه الصياغة غامضة وخطيرة ويمكن أن تدل أن العدل المنفذ لم يقم بتبليغ المحضر إذ لا وجود لذكر “الممثل القانوني للشركة” إلى جانب ذلك لم يقع ذكر الشخص الذي وجده وامتنع عن القبول.

بقي التساؤل المطروح يتمثل في معرفة إن كانت جريمة التحيّل في التبليغ تتواجد بمجرد ارتكاب فعل التحيّل حتى وإن تمكن المطلوب من تسلم المحضر ومعرفة محتواه، أو تمكن من الحضور بالجلسة و ممارسة حقه في الدفاع عن نفسه رغم عدم توصله بالمحضر، أم لا بد لتوفر هذه الجريمة من عدم بلوغ المحضر للمطلوب في الآجال القانونية، وعدم تمكنه من معرفة ما هو مطلوب منه؟

غموض كل من الفصلين 11 مكرر م.م.م.ت و32 مكرر م.أ.ش يؤدي لتواجد اتجاهين متناقضين :

– الإتجاه الأول : يعتبر أنه لتوفر الركن المادي لجريمة التحيّل في التبليغ لا بد من وجود عنصرين يتمثل الأول في التبليغ لغير الشخص المطلوب و يستثنى هنا التبليغ الإعتباري لكونه تبليغا قانونيا صحيحا، أما العنصر الثاني فهو ضرورة توفر النتيجة الواقعية المتمثلة في حصول ضرر للمبلغ له يتمثل في عدم تسلمه لمحضر الإستدعاء نتيجة أفعال قصدية صادرة من طرف الطالب أو أحد المتداخلين في التبليغ، إلى جانب عدم تمكنه من الدفاع نتيجة تلك الأفعال فيصدر حكم ضده في غيابه، هذا الإتجاه يتماشى مع غاية تبليغ المحاضر الحمائية وهو يعتبر أن قضاة الأصل هم المتمتعون بسلطة تقدير متى توفر ضرر من جراء التحيّل في عملية التبليغ وذلك استنادا إلى ملابسات القضية و ما أثبته المطلوب.

– الإتجاه الثاني : تعتبر جريمة التحيّل في التبليغ جريمة شكلية تشترط فقط فعل التحيّل في التبليغ و ذلك بأن يتم التبليغ لغير الشخص المطلوب إما بعنوان خاطئ لا وجود له، أو بعنوان صحيح لكن المتحيل يعلم أن المطلوب غير قاطن به و يعلم مقر إقامته الجديد، هذا الإتجاه اعتبر معطيين لبيان أن المشرع لم يشترط توفر النتيجة المتمثلة في حصول ضرر من جراء عدم تبليغ المحضر.

يتمثل المعطى الأول في أن كلا من الفصلين 11 مكرر و32 مكرر يعتبران التحيّل يكون لغاية عدم بلوغ المحاضر والإستدعاءات وبالتالي فهو ليس بنتيجة مادية واجبة التوفر لقيام جريمة التحيّل، أما المعطى الثاني فيتمثل في أن المشرع لم يجرم المحاولة، و بما أن المحاولة حكر على الجرائم المادية دون الشكلية فإن جريمة التحيّل في التبليغ تعتبر جريمة شكلية[170].

و مهما يكن من أمر فإنه يبقى لفقه القضاء اتخاذ أحد الموقفين فإما أن يتعامل مع النصوص تعاملا حرفيا و يعتبر جريمة التحيّل في التبليغ جريمة شكلية، و إما أن يجعل هذين النصين ذوي نجاعة واسعة ويؤولهما آخذا بعين الإعتبار الغاية من فرض هذا الجزاء وهو المحافظة على حقوق الدفاع و مبدأ المواجهة بين الخصوم من خلال ضمان حسن تبليغ المحاضر.

هذا، ونتيجة الملاحظة أن صياغة الفصلين المتعلقين بالتبليغ تركت ثغرة تمكن المطلوب من التحيّل دون أن يخضع للتجريم وهي صورة التحيّل إثر تبليغ المحضر للمطلوب بصورة قانونية[171]، ومثال ذلك أن يتم إستدعاء المطلوب للجلسة بصفة قانونية وواقعية ثم إثر ذلك يعلمه الطالب كذبا أنه طرح القضية، فيتم النظر في القضية وإصدار حكم ضد المطلوب دون أن يحضر هذا الأخير و يقدم مؤيداته، ومع تنقيح م.م.م.ت وإضافة الفصل 11 مكرر فإن المشرع لم يتلاف هذا الإشكال.

هكذا يتجلى أنه رغم الأهمية العملية من تجريم التحيّل في التبليغ إلا أن الأحكام المتعلقة بهذه الجريمة مقتضبة مما أدى لبروز عدة إشكاليات عند البحث عن الركن المادي لهذه الجريمة.

الركن المعنوي :
تستوجب جريمة التحيّل في التبليغ توفر الركن المعنوي إلى جانب الركن المادي و ذلك لكونها جريمة قصدية.

فبالإضافة إلى كون المتحيّل بارتكابه لهذه الجريمة واتجاه إرادته لتحقيقها لا بد من توفر غاية أو هدف معين لدى مرتكب السلوك الإجرامي وهو ما يطلق عليه بالقصد الجنائي الخاص.

يتمثل القصد الجنائي الخاص في جريمة التحيّل في التبليغ في عدم بلوغ المحضر أو الإستدعاء للمطلوب قصد الإضرار بحقوقه، و مثال ذلك أن يقوم الطالب باستدعاء المطلوب لجلسة بواسطة عدل منفذ بمكان يعلم أنه ليس بمقر إقامته[172] وبالتالي يتحصل على الحكم لصالحه باستعمال الحيلة، أو أن يقوم باستدعاء المطلوب بمقره الصحيح لكنه يكون على علم بغيابه عنه.

على أنه ووفقا لأحكام الفصل 11 مكرر م.م.م.ت يمكن أن يمثل القصد الجنائي الخاص أيضا في هدف التهرب من التحصل على الإستدعاء قصد إبطال المحضر لاحقا، مثال ذلك أن يقوم بتغيير المقر أثناء نشر القضية دون أن يقوم بإعلام القائم بالإستدعاء.

ولإثبات الركن المعنوي لهذه الجريمة يمكن اعتماد أي وسيلة من وسائل الإثبات[173] إذ يكفي توفر شهادة شهود، أو قرائن متضافرة على توفر نية التحيّل، وفي مادة الطلاق فإن إثبات هذا الركن سهل كأن تقوم الزوجة بقضية في النفقة وتغادر محل الزوجية فيعطيها الزوج النفقة بالمحل الجديد لكن إثر ذلك يقدم قضية في الطلاق ويستدعيها بمحل الزوجية[174].

ويمكن أيضا إثبات التحيّل من خلال محاضر عدول التنفيذ ذاتها، فقه القضاء الفرنسي لم يكرس هذا الإتجاه إذ أنه لم يشترط إثبات نية التحيّل من طرف المتضرر في صورة ما إذا كان التحيّل واضحا، وإنما ينقلب عبء الإثبات على المتحيل الذي عليه إثبات حسن نيته[175].

هذا الحل يبدو أكثر وجاهة إذ أن البحث في مدى توفر الركن المعنوي في جريمة التحيّل في التبليغ يعتبر من قبيل التزيد “لأن من يعتمد المغالطة والتغرير بمناسبة عملية التبليغ في دائرتها الموسعة إنما يهدف بداهة إلى منع بلوغ المحضر إلى المعني به”[176].

المبحث الثاني : الإشكاليات المثارة نتيجة تجريم التحيّل في التبليغ

بإضافة الفصل 11 مكرر أصبحت جريمة التحيّل في التبليغ عامة من حيث الموضوع إذ أصبحت تشمل كل المحاضر و الإستدعاءات بما في ذلك القضائية والإدارية، ومن حيث الأشخاص لكون عبارات الفصل 11 مكرر جاءت عامة ومطلقة تشمل كلا من الأشخاص العاديين، عدول التنفيذ، سعاة البريد، الخبراء والمصفين.

هذا الفصل الحديث يعتبر مكسبا، إذ أن المشرع التونسي كعادته كان سباقا، فعلى سبيل المثال لا وجود إلى الآن في التشريع الفرنسي لنص عام يجرم التحيّل في التبليغ، كذلك في القوانين البنانية و المصرية.

لكن لكي يؤدي هذا النص الدور المرجو منه في ضمان تبليغ المحاضر في المادة المدنية بكل شفافية و التصدي لكل تحيّل من شأنه المس بحقوق الدفاع، كان على المشرع تنظيم هذه الجريمة بأكثر دقة و وضوح.

فمن جهة أولى الصبغة العامة والجافة لعبارات كل من الفصلين 11 مكرر و32 مكرر الخاص تؤدي لترك المجال لفقه القضاء لوضع قواعد في إطار سلطة القضاة الإجتهادية مما قد يؤدي للتناقض و تذبذب في المواقف.

ومن جهة أخرى الإنسان لا يعاقب إلا بمقتضى نص جزائي سابق الوضع يجرم الفعلة، هذا النص يجب أن يكون دقيقا وواضحا خاصة إذا كان به إجراء سالب للحرية، وذلك تكريسا لمبدئ شرعية الجريمة والعقوبة.

وفي انتظار تدخل تشريعي جديد يبقى القاضي متعرضا لعدة صعوبات عملية عند تطبيقه لأحكام هذه الجريمة، إذ تثار عدة إشكاليات عند تجريم التحيّل في التبليغ، وعلاوة على ذلك تثار إشكاليات أخرى أمام القاضي المدني المختص بالبحث في صحة إجراءات تبليغ المحاضر.

الفقرة الأولى : الإشكاليات المثارة جزائيا

عند توفر جريمة التحيّل في تبليغ المحاضر في المادة المدنية، يتم إثارة دعوى عمومية للتثبت من مدى توفر أركان هذه الجريمة وتسليط العقاب على مرتكبها.

لكن نتيجة للنقص التشريعي يجد القاضي الجزائي نفسه مطالبا بإيجاد حلول لعدة إشكاليات اعتمادا على اجتهاده الخاص أو بالرجوع للقواعد العامة.

و من الإشكاليات المطروحة أنه في بعض الأحيان يتعدد مرتكبو جريمة التحيّل في التبليغ، كما أنه في حالات أخرى قد تتوفر في الفعلة أركان جريمة التحيّل في تبليغ المحاضر، كما تتوفر أركان جريمة الزور، إلى جانب ذلك أثيرت إشكالية في إطار الفصل 32 مكرر بالخصوص تتمثل في كيفية إثارة الدعوى.

أ- تعدد مرتكبي الجريمة :

عند تبليغ المحاضر في المادة المدنية تتدخل عدة عناصر إذ يتوجه الطالب للعدل المنفذ ويمده بمجموعة بيانات طالبا منه تكليفه بعملية التبليغ، والعدل المنفذ يبلغ المحضر إذا لم يجد المطلوب تبليغه بالمقر لمساكنه أو وكيله…، كما يمكنه تبليغ المحضر بصفة اعتبارية عند تعذر التبليغ الفعلي وفي هذه الحالة يمكن أن يكون ساعي البريد طرفا في عملية التبليغ.

الإشكال لا يطرح إلا في صورة وجود تحيّل في التبليغ فمن سيكون المسؤول عن هذا التحيّل؟

ومثال ذلك أن يكون المطلوب قاطنا بنهج أميلكار بباردو وهو مقره الأصلي حسب عقد التسويغ الرابط بينه و بين الطالب، إثر ذلك يقوم الطالب بقضية مدنية و يستدعيه بواسطة عدل التنفيذ باعتباره قاطنا بنهج لافيات عدد 14 تونس، فيتعذر على المطلوب الحضور بالجلسة للدفاع عن حقوقه بسبب عملية التحيّل، واعتمادا على المحضر المخالف للقانون وفي غياب المطلوب تصدر محكمة الموضوع حكما يقضي بإلزامه بمبالغ مالية هو غير مطالب بأدائها[177].

وكمثال ثاني أن يتم تبليغ نظير المحضر إلى مركز الشركة في حين:” أن الرسالة مضمونة الوصول لم يسلمها موزع البريد إلى المعقب ضدها ولم يترك لها بالمقر إعلاما بوجودها على ذمتها بمركز البريد، بل سارع إلى إرجاعها لمرسلها عدل التنفيذ بعلة أنها غير معروفة بالمقر”[178].

ففي هذه الصورة يمكن أن يكون ساعي البريد متواطئا مع العدل المنفذ على عدم تسليم الرسالة مضمونة الوصول للمطلوب، كما يمكن أن يكونا متواطئين مع الطالب بغاية منع المطلوب من الدفاع عن حقوقه.

الإشكال الأكبر المطروح هو في صورة تواطئ الطالب مع العدل المنفذ للتحيّل في التبليغ بغاية منع المطلوب من التوصل بنظير المحضر، فمن يكون الفاعل الأصلي؟ ومن يكون الشريك؟ أم أن كلا منهما فاعلا أصليا؟

يعرف الفاعل الأصلي بكونه كل شخص يرتكب بصفة مباشرة وأصلية الأفعال المكونة للركن المادي للجريمة، إلا أن الفقه يستعمل هذا المصطلح ليشمل معنيين أولهما الفاعل المادي الذي يرتكب بمفرده جملة الأفعال المادية المجسمة للجريمة، كما يمكن اعتبار الفاعل الأصلي كل شخص يقع دفعه من طرف الغير لإرتكاب جريمة و يباشر استجابة لرغبة الغير الأفعال المكونة للجريمة بصفة شخصية و مباشرة، أما المعنى الثاني للفاعل الأصلي فهو يتمثل في الفاعل المعنوي الذي يقوم بتحريض غيره على ارتكاب الجريمة بإصدار أوامر[179].

كنتيجة لذلك يمكن استخلاص اتجاهين متناقضين:

-اتجاه أول : يقر بعدم اعتبار الطالب فاعلا أصليا في جريمة التحيّل في التبليغ لكونه لم يرتكب في الواقع أي فعل مادي يمكن أن ينسب إليه ارتكابه بصفة شخصية ومباشرة، إذ أنه لم يرتكب الأفعال المكونة للركن المادي للجريمة، بل أن العدل المنفذ هو الذي ارتكب بمفرده جملة الأفعال المادية المجسمة للجريمة، حيث باشر استجابة لرغبة الطالب الأفعال المكونة للجريمة بصفة شخصية ومباشرة باعتباره المكلف قانونيا بإجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية، وبالتالي يكون المنفذ بصفة فعلية للجريمة بما يوجد تطابقا بين مفهوم الفاعل الأصلي ومفهوم تنفيذ جريمة التحيّل فعلا.

وفي هذه الحالة يكون الطالب شريكا باعتبار توفر أركان المشاركة المتمثلة في وجود جريمة أصلية معاقب عليها وتوفر سوء نية الطالب وعلمه بأن الفعل المرتكب غير جائز، إلى جانب استعمال إحدى وسائل المشاركة المنصوص عليها بالفصل 32 م.ج والمتمثلة في توفير المعلومات للعدل المنفذ لإرتكاب هذه الجريمة مع إرشاده.

– اتجاه ثان : يعتبر أن الطالب هو من قام بتحريض العدل المنفذ على ارتكاب الجريمة من خلال الأوامر التي أصدرها له، فهو من ارتكب جريمة التحيّل في تبليغ المحضر بواسطة شخص آخر، فيكون الطالب هو فاعل أصلي معنوي بمثابة العقل المدبر، أما العدل المنفذ فيكون شريكا باعتباره مع علمه بنية التحيّل أعان على إيقاع الجريمة بأن قدم الوسائل المساعدة لارتكابها عبر وسائل الخداع و الحيلة.

إن التطبيق القضائي هو الكفيل باختيار أحد هذين الإتجاهين، و في انتظار ذلك يبدو من الأسلم تكريس الإتجاه الأول و اعتبار العدل المنفذ هو الفاعل الأصلي باعتباره المنفذ الفعلي للجريمة، إلى جانب صعوبة الإقرار باعتبار الفاعل المعنوي مقترفا للجريمة بصفة أصلية، علاوة على اعتبار الفقه أنه إذا كانت المساعدة ضرورية لتنفيذ الجريمة فإنها لا تكون أمام حالة مشاركة و إنما تعتبر جريمة أصلية[180].

و مهما يكن فإن إطلاق وصف الفاعل الأصلي أو الشريك ليس له تأثير على العقاب باعتبار المشارك يعاقب بمثل العقاب الذي ينال الفاعل الأصلي[181] باستثناء جرائم المخالفات[182].

علاوة على كل ذلك يمكن أن يتداخل عون البريد في عملية التحيّل فيكون ذلك في صورة التبليغ الإعتباري، فإذا كان على علم بأنه بصدد المساهمة في جريمة التحيّل في التبليغ واتجهت إرادته نحو المشاركة في هذه الجريمة، وساعد فعلا في ارتكابها من خلال الأعمال المسهلة لارتكابها فإنه يعتبر شريكا، أما إذا كان حسن النية فلا يمكن مؤاخذته جزائيا، كما يمكن أن يتداخل المطلوب في حد ذاته في عملية التحيّل، وفي هذه الصورة يكون في نفس موقع الطالب.

وعموما يبقى تحديد دور المساهم في ارتكاب جريمة التحيّل في التبليغ من حيث كونه شريكا أو فاعلا أصليا من المسائل الموضوعية الموكولة لاجتهاد محاكم الأصل دون رقابة عليها من طرف محكمة التعقيب.

ب- زجر جريمة التحيّل في التبليغ

1) إشكالية إثارة الدعوى الناتجة عن جريمة التحيّل في التبليغ

في صورة تحقق جريمة التحيّل في التبليغ للمحضر تتم إثارة دعوى عمومية، في هذا الإطار تتمتع النيابة العمومية بحرية مطلقة لإثارة هذه الدعوى ثم لمباشرتها تطبيقا للقواعد العامة، إذ لوكيل الجمهورية الإجتهاد المطلق في تقرير مآل الشكايات و الإعلامات التي يتلقاها أو التي تنتهي إليه[183]، فله حرية تامة في إثارة التتبع من عدمه حسب اجتهاده الخاص.

كما أنه في صورة حفظ القضية من طرفه لانعدام الحجة أو عدم كفايتها فإنه يمكن للمتضرر من الجريمة عند تأكده من وجود تحيّل لغاية عدم بلوغ المحضر إليه، إثارة الدعوى العمومية على مسؤوليته الشخصية.

إضافة لذلك يملك الغير الأجنبي عن القضية حق إثارة الدعوى العمومية متى توفرت المصلحة، لكن في كل الأحوال تبقى النيابة العمومية هي الممارسة للدعوى.

ويبدو أنه حتى في مادة الأحوال الشخصية وفي مادة الطلاق على وجه التحديد لا يمكن اشتراط توفر محضر شكاية مقدم من طرف المتضرر بتعلة الحفاظ على أسرار الأسرة والعمل على عدم هدم كيانها وقياسا مع بعض الجرائم الأخرى، وذلك لأن المشرع التونسي عندما حدّ من حرية واجتهاد النيابة العمومية في إثارة التتبع من عدمه في بعض الجرائم كجريمة الزنا وجريمة الثلب، اشترط صراحة محضر شكاية من طرف المتضرر[184] في حين لم يقع التنصيص على ذلك بالفصل 32 مكرر م.أ.ش.

طرح الإشكال حول إمكانية قيام قاضي الأسرة بإثارة الفصل 32 مكرر م.أ.ش باعتباره يتحقق من تبليغ الإستدعاء شخصيا للمدعي و يحاول معرفة مقره الحقيقي.

باعتبار الفصل 32 مكرر م.أ.ش نص بصفة دقيقة و حصرية على مهام قاضي الأسرة فإن المنطق القانوني السليم يقتضي اعتبار إثارة التحيّل في التبليغ لا تندرج في إطار اختصاصاته، ورغم أنه بالإمكان التفطن لعملية التحيّل قبل انعقاد الجلسة الصلحية، مع عدم حضور المطلوب فإنه لا يكون بوسع قاضي الأسرة سوى الإعلان عن فشل المحاولة الصلحية وإحالة القضية على المحكمة.

2) إشكالية توارد جريمة التحيّل في التبليغ مع جريمة الزور

المشرع جرم التحيّل في تبليغ المحاضر في إطار سياسة تشريعية هادفة للتصدي لظاهرة التحيّل على القانون عموما.

لكن من جهة ثانية يعتبر المحضر في المادة المدنية وثيقة رسمية لكونه محرر وممضى من طرف العدل المنفذ الذي يعتبر مأمورا عموميا[185]، فهذا المحضر هو حجة بما فيه ولا يمكن إثبات العكس إلا عن طريق دعوى الزور طبق أحكام الفصل 176 وما بعده من المجلة الجنائية.

وتتوفر جريمة الزور عند تغيير حقيقة المحضر و ذلك بإنشاء ما لا وجود له أو تحريف ما هو موجود بالحذف أو التعديل، أو تغيير مادة أو موضوع المحرر، وأن ينجر عن هذا التحريف أو الإنشاء ضرر للمبلغ له.

والملاحظ أنه يمكن ارتكاب جريمة التحيّل في تبليغ محضر دون جريمة الزور كأن يعتمد العدل المنفذ التبليغ بالمقر القديم للمطلوب الوارد بالحكم الذي هو مكلف بالإعلام به حال أنه عالم بصفة يقينية وثابتة بانتقاله إلى مقر جديد سبق له التبليغ فيه[186].

لكن الثابت أنه يمكن أن يتكون من عملية تبليغ المحاضر في المادة المدنية كلا الجريمتين معا.

ومثال ذلك أن يقوم العدل المنفذ بتحريف المحضر المبلغ وتكون غايته منع المطلوب من التوصل بالمحضر، وبالتالي ففي هذا الفصل نية الإضرار بحقوق الدفاع ومبدأ المواجهة بين الخصوم من جهة كما أنه من جهة أخرى من شأن فعله أن يمس بطبيعة المحضر كحجة رسمية.

فهل يعاقب العدل المنفذ على أنه مرتكب لجريمة الزور و إلى جانب ذلك يسلط عليه العقاب الناتج عن ارتكاب جريمة التحيّل في التبليغ؟

اعتبرت المجلة الجنائية أنه “إذا تكون من الفعل الواحد عدة جرائم فالعقاب المقرر للجريمة التي تستوجب اكبر عقاب هو الذي يقع الحكم به وحده”[187].

بالإستناد إلى هذا الفصل ومع اعتبار أن العقاب المسلط على مرتكب جريمة الزور أشد من العقاب المسلط على جريمة التحيّل في التبليغ، فإنه متى التقت كل من الجريمتين تكون الأولوية بتطبيق أحكام الزور دون التحيّل في التبليغ .

غير انه في بعض الأحيان قد تتوفر في أفعال العدل المنفذ أركان جريمة الزور إلى جانب توفر أركان جريمة التحيّل في التبليغ، ويكون فعل التحيّل في التبليغ ناتجا عن تحريض أو تقديم المساعدة بالمد بمعطيات مغلوطة سواء كان ذلك من طرف الطالب أو المطلوب أو أي شخص آخر.

فإن تم عقاب العدل المنفذ بعقاب جريمة الزور هل سيقع معاقبة الطالب أو المطلوب بعقاب جريمة التحيّل؟

إن فقه القضاء هو الكفيل بالإجابة عن هذا التساؤل.

الفقرة الثانية : الإشكاليات المثارة مدنيا

في صورة توفر جريمة التحيّل في التبليغ يتم التساؤل حول مدى تأثير هذه الجريمة على الدعوى المدنية.

أ- الإشكاليات المثارة أثناء سير القضية المدنية

إن أساس كلا من جزاء البطلان وجريمة التحيّل في التبليغ مختلفان، إذ يمكن إثارة الدعوى العمومية على أساس وجود جريمة تحيّل في التبليغ ومع ذلك تكون جميع إجراءات تبليغ المحضر في المادة المدنية محترمة ومتوفرة، كما يمكن أن تثار في إطار قضية مدنية من طرف القاضي المتعهد بالنزاع او المتضرر بحسب الأحوال، بطلان تبليغ المحضر نظرا للإخلال بالإجراءات الأساسية المستوجبة في تحرير المحضر أو طريقة تبليغه دون إمكانية إثارة جريمة التحيّل في التبليغ، إذ رغم وجود خلل إجرائي في عملية التبليغ إلا أنه لا تتوفر نية الإضرار بالمطلوب بمنعه من توصل المحضر إليه[188]، وعموما يبقى لقضاة الأصل تقدير مدى توفر هذه النية حسب وقائع و مؤيدات كل ملف.

غير أنه في بعض الحالات تكون إجراءات تبليغ المحاضر مختلة، مع ثبوت نية التحيّل في التبليغ من جهة ثانية و ذلك سواء كان التبليغ فعليا أو اعتباريا، ومثال ذلك أن يتواطأ طالب التبليغ مع العدل المنفذ على توجيه الإستدعاء اعتباريا للمطلوب باعتباره مجهول المقر في حين أن له مقرا معلوما يقيم فيه.

ويطرح الإشكال عندما تثار في إطار القضية المدنية مسألة الإخلال بالإجراءات الأساسية، كما تثار دعوى عمومية لعقاب المتحيّل.

فهل أن المحكمة المدنية توقف النظر في القضية وتنتظر مآل الدعوى العمومية عملا بمبدئ أن الجزائي يوقف النظر في المدني أم تواصل النظر في القضية المدنية وتغض النظر عن وجود دعوى جزائية ؟

المشرع التونسي لم يجب على هذا الإشكال بـ م.م.م.ت تاركا المجال مفتوحا للاجتهادات الفقهية والفقه القضائية، وقد اعتبر البعض المبدأ أنه كلما كانت الدعوى الجزائية مؤثرة في الدعوى المدنية وفي الحكم الذي سيصدر فيها فإن إيقاف النظر في الدعوى المدنية أمر محتم، فهي مسألة أولوية.

وما يزيد الأمور تعقيدا هي صورة انتظار حكم جزائي، فما هو مدى تأثير هذا الحكم على الموقف الذي سيتخذه القاضي المدني، هل يكون للحكم الجزائي حجية الأمر المقضي به على المدني و بالتالي يلزم القاضي المدني ؟

بالتأمل في أحكام جريمة التحيّل في التبليغ لا وجود لنص خاص يجعل للحكم الجزائي حجية الأمر المقضي به على المدني.

وبالرجوع للأحكام العامة نص الفصل7م.أ.ج أنه “يمكن القيام بالدعوى المدنية المترتبة عن الجريمة في آن واحد مع الدعوى العمومية أو بانفرادها لدى المحكمة المدنية وفي هذه الصورة يتوقف النظر فيها إلى أن يقضى بوجه بات في الدعوى العمومية التي وقعت إثارتها”.

بالتمعن في هذا الفصل يستنتج عدم إمكانية تطبيقه على وضعية الحال، لأن الهدف أصالة أو ضمنيا من القيام بقضية مدنية هو التثبت من مدى احترام إجراءات تبليغ المحضر في المادة المدنية و تسليط جزاء بطلان المحضر في صورة وجود خلل أو نقص إجرائي، في حين أن الهدف من القيام بدعوى مدنية طبق مقتضيات الفصل 7من م.أ.ج في آن واحد مع الدعوى العمومية أو بصفة مستقلة، هو طلب تعويض الضرر المترتب عن الجريمة و بالتالي في صورة الإدانة يجبر القاضي المدني على التمكين من تعويض الضرر، أما في صورة البراءة فإنها لا تؤثر على مسألة تعويض الخسارة الناتجة عن الفعل الضار الذي قامت به التهمة.

كنتيجة لكل ما ذكر يكون من المنطقي اعتبار الدعوى الجزائية في تجريم التحيّل في التبليغ مستقلة عن الدعوى المدنية في إبطال المحضر، وبالتالي يمكن رغم عدم تجريم التحيّل في التبليغ و إقرار حكم البراءة، أن يتم الحكم ببطلان إجراءات تبليغ المحاضر، كما يمكن تجريم التحيّل في التبليغ في حين يكون الحكم المدني قاضيا بصحة إجراءات التبليغ، فالقاضي المدني غير ملزم بما يقرره القاضي الجزائي وبإمكانه مواصلة النظر في القضية المدنية دون انتظار صدور الحكم الجزائي، لكن استند البعض الآخر إتجاه ثاني لأحكام الفصل 240 من م.م.م.ت المتعلق بدعوى الزور[189] ملاحظين إمكانية تطبيق هذا الفصل على دعاوي التحيّل في التبليغ استنادا إلى قواعد القياس، وبالتالي في صورة القيام بدعوى التحيّل في التبليغ يعطل الحكم في النازلة المدنية.

وكمثال مؤكد للتوجه الأول يمكن ذكر أنه في صورة توفر خلل إجرائي في تبليغ المحضر، و حضر المطلوب بالجلسة و كان حضوره يصحح الإجراءات، يواصل القاضي المدني النظر في القضية على اعتبار إجراءات تبليغ المحضر صحيحة، لكن مع ذلك يبقى للمطلوب إمكانية طلب إثارة جريمة التحيّل في التبليغ أمام القاضي الجزائي م دام يملك الإثباتات الكافية على وجود نية التحيّل.

ومهما يكن فلا بد من تدخل تشريعي جديد يضع حدا لكل الإشكاليات العملية المطروحة وينير سبيل كل من القاضي المدني والقاضي الجزائي، وتكون الغاية والهدف الوحيدين حماية إجراءات تبليغ المحاضر و ضمان ممارسة حق الدفاع في كنف الشفافية.

ب- الإشكاليات المثارة إثر صدور حكم مدني:

إذا ما أصدرت المحكمة المدنية حكمها على أساس أن إجراءات تبليغ المحاضر صحيحة رغم حضور المطلوب، وإثر ذلك يستصدر المطلوب حكما جزائيا يثبت وجود تحيّلا في تبليغ المحضر فهل سيؤثر صدور الحكم الجزائي على الحكم المدني ؟

الملاحظ أنه إذا ما كان الحكم المدني ابتدائي الدرجة وقابلا للإستئناف جاز للمطلوب طلب إبطال محضر التبليغ ونقض الحكم الإبتدائي أمام محكمة الإستئناف على أساس الإخلال بإجراءات تبليغ المحضر، ويستشهد بالحكم الجزائي المثبت للتحيّل في التبليغ و المثبت مثلا أنه تم تبليغ المحضر بمقر غير مقره الأصلي في حين أن الطالب يعلم مقره الأصلي باعتباره مدونا بعقد التسويغ الرابط بينهما.

لكن إذا ما كان الحكم المدني نهائي الدرجة بأن سبق الطعن فيه بالإستئناف فهل يمكن الطعن بالتعقيب فيه ؟

استقر فقه قضاء محكمة التعقيب منذ زمن على اعتبار استعمال الخصوم الحيلة والخديعة للتحصيل على حكم على فرض ثبوته لا يشكل سببا من أسباب الطعن بطريق التعقيب وإنما يمكن أن يكون أساسا بمطلب التماس إعادة النظر على معنى الفصل 156 من م.م.م.ت[190]. إذ أن التحيّل في التبليغ يمكن أن بندرج في إحدى الصور الواردة بالفصل 156 من م.م.م.ت والمتمثلة في الخديعة الواقعة من الخصم والتي كان لها تأثير على الحكم ولم يكن المحكوم عليه عالما بها أثناء نشر القضية.

والتماس إعادة النظر وسيلة طعن غير عادية مفتوحة أمام الأحكام النهائية الدرجة لا أمام الأحكام الباتة والتي أحرزت على قوة اتصال القضاء، فهل يمكن أن يكون حكم محل طعن بالتعقيب ومحل التماس إعادة النظر في نفس الوقت ؟

لقد استقر عمل المحاكم على عدم النظر في مطالب التماس إعادة النظر إلا بعد نظر المحكمة التعقيبية في القضية.

علاوة على ذلك بما أن التماس إعادة النظر يقع لدى المحكمة المصدرة للحكم النهائي المطعون فيه، فقد اعتبرت محكمة الإستئناف أن صفة الحكم النهائي هو الصادر عن محاكم الدرجة الثانية أو محاكم الدرجة الأولى في حدود نصابها النهائي وكنتيجة لذلك اعتبرت أنه لا يمكن الطعن في حكم ابتدائي عن طريق التماس إعادة النظر حتى وإن أصبح الإستئناف متعذرا نتيجة فوات الأجل القانوني فيه، وعلى أساس ذلك أقرت الحكم الإبتدائي لكون هذا الحكم “وإن توفر فيه ركن الخديعة فإنه لم يتوفر فيه الركن الثاني الذي هو الصفة النهائية ومن هاته الناحية وجب رفض طلب الإلتماس فيه”.

إلا أنه ورغم عدم إمكانية التماس إعادة النظر فإنه يمكن للمتضرر المتحصل على حكم جزائي لفائدته يثبت وجود تحيل في التبليغ طلب غرم الضرر. غير أن البعض لا يساند هذا الموقف معتبرين أن المشرع فتح آجالا استثنائية بالفصل 141 من م.م.م.ت. في فقرته الثالثة[191] تمكن من الطعن بالإستئناف، إذ يعتبر تاريخ الإستئناف هو تاريخ العلم بثبوت الزور أو التغرير أو ثبوت الحجة، وبالتالي فإن في صورة صدور حكم ابتدائي وعدم استئنافه في الأجل القانوني الأصلي لا يمكن طلب التماس إعادة النظر لكن يمكن استئناف الحكم عند ثبوت التحيّل في التبليغ الذي يعتبر بمثابة التغيير.

هكذا يتبين أن جريمة التحيّل في التبليغ جريمة حديثة العهد لذلك سوف تطرح عدة إشكالات قانونية أمام فقه القضاء بمناسبة وجود دعاوي تحيّل في التبليغ، ويبقى الأمل جائزا في أن تتجاوز المحاكم النقص الحاصل في أحكام جريمة التحيّل في تبليغ المحاضر لتضع قواعد ترقى لمستوى التشريع وتكون محل إجماع وتضمن النجاعة المرجوة في تبليغ المحاضر في المادة المدنية.

الخـــاتـمـة

إن مسألة إبطال محاضر التبليغ تكتسي من الأهمية و الخطورة القدر الذي يرتبط بتحقيق العدالة من عدمه فكانت محور عناية من طرف المشرع التونسي الذي تدخل في مناسبات عدة محاولا تلافي النقائص والصعوبات التي يتعرض لها كل من القضاة، المحامين و عدول التنفيذ، بغاية ضمان نجاعة تبليغ المحاضر في المادة المدنية.

تتجلى هذه الغاية خاصة من خلال التنقيحات الأخيرة بمقتضى القانون عدد 82 المؤرخ في 3 أوت 2002 و التي هدفت إلى مزيد تكريس حق الدفاع وضمان حصول التبليغ الفعلي.

لكن رغم التنقيحات المتتالية بم.م.م.ت إلا أن إجراءات تبليغ المحاضر لا تزال بحاجة إلى تنقيحات جذرية هادفة لضمان مبدأ المواجهة بين الخصوم و حق الدفاع وتقوم على أساسين اثنين:

يتمثل الأساس الأول في التخفيف من الشكليات، فإجراءات تبليغ المحاضر في المادة المدنية تبدو مصاغة في قواعد قانونية بسيطة، واضحة ودقيقة إلا أن تعدد الشكليات وتشعبها من شأنه أن يجعل مهمة التبليغ صعبة إن لم تكن مستحيلة.

أما الأساس الثاني فيتمثل في تخويل القاضي سلطة أوسع في التحلل من بعض القيود التي يضعها التشريع للوصول إلى تحقيق العدالة، فالإجراءات مجعولة للتمكين من فصل الخصومة بسهولة و ليست مجرد قوالب شكلية.

هكذا فإن قواعد تبليغ المحاضر في المادة المدنية كغيرها من القواعد المدنية تهدف لضمان حسم النزاعات إثر التحقق من احترام حقوق الدفاع، و أدائها لهذه الوظيفة يستوجب الوضوح مع ضمان فاعلية إجراءاتها من جهة، إلى جانب ترك بعض الحرية للقضاة في تسليط الجزاء عند الإخلال بهذه الإجراءات و ذلك لكون القضاء لا يفصل قضية و إنما يفصل خصومة.

علاوة على ذلك و بتجريم التحيل في تبليغ المحاضر اتخذ المشرع موقفا متشددا ومتطرفا، إذ أقحم نصا جزائيا وحيدا و جافا بم.م.م.ت مما يكسبه صفة الغموض ويحط من نجاعته.

ويبقى الأمل في أن تتلاف المحاكم هذه النقائص بأن تضع قواعد ترقى لمستوى التشريع و تكون هادفة أولا وبالأساس لتحقيق العدل، وذلك في انتظار تدخل تشريعي جديد وفعال.

[1] CORNU et FOYER : Procédure civil, coll. Themis, Paris 1958, p. 309.

[2] DEL VECCHIO : La justice – la vérité essais de philosophie juridique et morale, tard. Hennebicq, Dalloz, 1955, p. 29.

[3] سنن الترمذي، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، الجزء الثالث، ص. 609.

[4] أحمد أبو الوفاء، المرافعات المدنية والتجارية، منشأة المعارف بالاسكندرية، الطبعة الخامسة عشر لسنة 1990، ص. 15.

[5] رجي مارل وأندري فيتي Traité des Droits Criminels, p. 15.

[6]قرار الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب عـ31550ـدد، مؤرخ في 10/03/1992، ن م ت 1993، ص. 108.

[7] GRAND LA ROUSSE de la langue Française : « Acte instrumentaire par lequel est porté à la connaissance des intéressés dans les formes, un acte Juridique fait ou à faire ».

[8] جيرار كورني- معجم المصطلحات القانونية، ترجمة منصور القاضي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، ص. 27.

[9] قرار تعقيبي مدني، عـ2003/26395 ـدد مؤرخ في 16/12/2003، ن م ت 2003، ج1، ص 35.

[10] مداولات مجلس النواب: الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، 16-17 جويلية 2002، عدد 40، ص. 2120.

[11] الأستاذ عمر الشتوي: الجديد في طرق التبليغ والتنفيذ المدني من خلال قانون أوت 2002 جريدة الصباح ليوم 13/10/2002.

[12] المنصف الكشو: إجراءات الإستدعاء، مجلة القضاء و التشريع، جانفي 2003، ص. 48.

[13] للسيد محمد الهادي خفشّة كاتب الدولة للعدل : تقديم مجلة المرافعات المدنية والتجارية مجلة القضاء والتشريع، جوان 1959، ص.9.

[14] ينص الفصل 12 من محكمة المرافعات المدنية و التجارية : ليس على المحكمة تكوين أو إتمام أو إحضار حجج الخصوم

[15] قرار تعقيبي جزائي عـ2641ـدد، مؤرخ في 16 جوان 2000، مجلة القضاء والتشريع، نوفمبر 2000، ص.80.

[16] محمد كمال الحلاب: تعليق على التنقيحات الجديدة لمجلة المرافعات المدنية والتجارية، مجلة القضاء والتشريع، جانفي 2003.

[17] نبيل إسماعيل عمر: أصول المرافعات المدنية والتجارية، منشأة المعارف بالاسكندرية، الطبعة الأولى، ص 702.

[18] عبد المنعم الشرقاوي : شرح قانون المرافعات المدنية و التجارية، الطبعة الثانية 1956، ص149 و ما بعدها.

– محمد عزمي البكري : الدفوع في قانون المرافعات فقها و قضاء، دار محمود للنشر 1956، ص.5.

Desdevises (Y) : Moyens de défense, juris-classeur 1992 ; proc ., civ. Fascicule 128,n°1,p4.
Isabelle Pélel Teyssié : Défense Exeption, fins de non-recevoir ; Rép. Proc. Civ ; Octobre 1994, n°1, p.1 et s.
[19] الفصل 56 من القانون عـ29ـدد، مؤرخ في 13 مارس 1995، “يمكن للعدل المنفّذ أن يستعين بكاتب محلّف أو أكثر للقيام بأعمال التبليغ المنصوص عليها بالفقرة الأولى من الفصل 13 من هذا القانون.

[20] حسين بن سليمة و احمد الجندوبي:اصول المرافعات المدنية والتجارية,اورابيس للطباعة,تونس2001,ص11

-VINCENT(J)et GUINCHARD(S) :procédure civil,25émé, éd., Dalloz1999, p.501.

[21] نبيل إسماعيل عمر: مرجع سابق ص.705.

[22] الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، 9أوت 2002، ص.2020.

[23] نبيل إسماعيل عمر: مرجع سابق، ص. 708.

[24] أبو الوفاء : نظرية الدفوع في قانون المرافعات، منشأة المعاريف، الطبعة السادسة 1980، ص.332.

[25] قرار تعقيبي مدني عـ1002ـدد صادر في 11-10-1977، ص.116، من نشرية 1977.

[26] قرار تعقيبي مدني ( غير منشور)عـ2003 25824ـدد مؤرخ في 10-11-2003، (أنظر الملحق عدد 1، ص.11) .

[27] فائز الإيعالي : أصول التبليغ، المؤسسة الحديثة للكتاب، لبنان 1997، ص.223.

[28] شرح أسباب القانون المنقح لـ م.م.م.ت، الرائد الرسمي للبلاد التونسية، مداولات مجلس النواب 16 و17 جويلية 2002 عـ40ـدد، ص.119.

[29] ينص الفصل 06 جديد م.م.م.ت: رابعا : إسم الموجه إليه الإعلام و لقبه و مهنته و مقره و إن لم يكن له مقر معلوم وقت الإعلام فآخر مقر إقامة كان له وعند الإقتضاء عدد ترسيمه بالسجل التجاري و مكانه. و إن كان الموجه إليه الإعلام شخصا معنويا يجب أن يشتمل المحضر على إسمه ومقره الإجتماعي وشكله القانوني إن كان شركة وعند الإقتضاء عدد ترسيمه بالسجل التجاري.

[30] قرار تعقيبي مدني عـ425ـدد مؤرخ في 15/07/1983، صادر عن الدوائر المجتمعة ن. م. ت، لسنة 1984، ج.2، ص. 67.

[31] محمد عبد المنعم الشرقاوي : المرجع السابق، ص.95.

[32] قرار تعقيبي عـ8222ـدد، مؤرخ في 15-10-1983 ن.م.ت، لسنة 1984، ج.2، ص. 300.

[33] قرار تعقيبي مدني، (غير منشور)، عـ2003 27283ـدد، صادر بتاريخ 04/02/2004، (أنظر الملحق عدد 1، ص.8).

[34] القرار التعقيبي المدني عـ14480ـدد، المؤرخ في 16 جوان 1987 ن م ت، ق.م 1987، ص. 155.

جاء به: “محاضر تبليغ مستندات الطعن هي أوراق شكلية يتعين أن تراعى في تحريرها الأوضاع التي أوجب القانوني احتوائها على بيانات وجوبية فهي تشمل في صلبها دليل استكمال شروط صحتها”.

[35] أحمد الجندوبي وحسين بن سليمة : أصول المرافعات المدنية و التجارية، المرجع السابق، ص.15.

[36] محمد الزين : النظرية العامة للإلتزامات، تونس 1997،الطبعة الثانية، ص.109.

[37] قرار تعقيبي مدني عـــ3784ــدد بتاريخ 11 مارس 1980، م. ق. ت. عــدد 5 ماي 1980، القرار الذي أقرّ المبدأ الشهير المعروف بـ “الحق يعلو ولا يعلى عليه”.

[38] قرار تعقيبي مدني عـــ71505ـدد بتاريخ 16 جانفي 2000، نشرية محكمة التعقيب، ج.2 مرافعات، ص.80.

– قرار تعقيبي مدني عـ17168ــدد مؤرخ في 19/12/1988، ن. م. ت. ج.1، ص.70.

[39] فائز الإيعالي : المرجع السابق، ص. 198 – 203 .

[40] نبيل إسماعيل عمر: أصول المرافعات المدنية والتجارية، ص.729.

[41] نبيل إسماعيل عمر: مرجع سابق، ص.735.

[42] جون بول سارتر: l’être et le néant, 1975, p. 35.

[43] عمر الشتوي : إجراءات التبليغ و التنفيذ في المادة المدنية و التجارية طبق القانون التونسي، الشركة التونسية لفنون الرسم، طبعة أولى، ص.337.

[44] الفصل 206 م.م.م.ت: يمكن للحاكم عند شديد التأكد الإذن بالاستدعاء لليوم نفسه أو للغد كما يمكن له أن يتلقى المطلب مباشرة ولو بمنزله الخاص وأن يأذن باستدعاء للخصوم حينا وحتى في أيام العطل وفي هاته الصورة يمكن الاستدعاء بواسطة العدل المنفذ أو أحد أعوان المحكمة أو السلطة الإدارية ويرجأ خلاص المعاليم إن اقتضى الحال.

[45] الفصل 291 م.م.م.ت : إجراء أي عمل تنفيذي ليلا وفي أيام الأعياد الرسمية يكون باطلا إلا في صورة الضرورة وبمقتضى إذن من قاضي الأذون على العرائض.

[46] كلية الحقوق بالتعاون مع محكمة التعقيب، مبادئ مختارة من قرارات محكمة التعقيب 1995/1996، تونس 1998.

[47] قرار تعقيبي عـ10770ـدد “عملا بمقتضيات الفصل 140 م.ا.ع فإنّ تبليغ الاستدعاء تم في 08/09/1995 وهو اليوم الذي يعد في احتساب الآجال”.

[48] Art 664 : « Aucune signification ne peut être faite avant six heures et après vingt et une heures, non plus que les dimanches, les jours fériés où chômés, si ce n’est en vertu de la personne mission du juge en cas d nécessité ».

[49] تنصّ المادة السابعة من قانون المرافعات “أنّه لا يجوز إجراء أي إعلان أو تنفيذ قبل الساعة السابعة صباحا ولا بعد الساعة الخامسة مساء ولا في أيام العطلة الرسمية إلاّ في حالة الضرورة وبإذن كتابي من قاضي الأمور الوقتية”.

[50] قرار تعقيبي عـ3549ـدد بتاريخ 17/07/1977، ن. م. ت. لسنة 1977، الجزءال ثاني، مرافعات، ص.130.

[51] قرار تعقيبي عـ6717ـدد بتاريخ 05/04/1983، ن. م. ت. 1983، ج.1، ص.70.

[52] علي الجلولي : المقر في القانون التونسي، م.ق.ت سنة 1983، ص.19.

[53] قرار تعقيبي عـ18523ـدد مؤرخ في 28/01/2002، نشرية محكمة التعقيب 2002، ج.1، ص.30.

[54] قرار تعقيبي عـ44376ـدد مؤرخ في 25/02/1997: “تبليغ مستندات التعقيب طبقا لأحكام الفصل 10 م.م.م.ت باعتبار أن الشركة مجهولة المقر …. أنها عينت مقرا مختارا لها منذ انطلاق القضية فيه إخلال بأحكام الفصل 185 م.م.م.ت”.

[55] عمر الشتوي : مرجع سابق، ص.350.

[56] باشا البجار : المقر، مرجع سابق، ص.18.

[57] عمر الشتوي : تجسيد مبدأ المواجهة بين الخصوم من خلال إجراءات التبليغ، بتاريخ 01/11/1989. (محاضرة مرقونة).

[58] عمر الشتوي : مرجع سابق.

[59] قرار تعقيبي مدني عـ6717ـدد مؤرخ في 05/06/1983، ن.م.ت لسنة 1984،ج2.

[60] قرار تعقيبي مدني، عــ2003/25032ـدد، غير منشور، أنظر الملحق عدد 1، ص.17.

[61] Art 654 C.P. civil : « La signification doit être faite à la personne ».

[62] نور الدين الغزواني : التعليق على م.م.م.ت: “الأحكام العامة والاختصاص”، مطابع شركة أوربيس، قصر السعيد، تونس، أكتوبر 1996، ص.33.

[63] Art 655 C.P. civil « Si la signification à personne s’avère impossible l’acte peut être délivré soit à domicile soit à défaut de domicile connu, a résidence ».

[64] م.م.م.ت: جمع و تعليق الأستاذ محمد الحبيب الشريف، دار الميزان للنشر، أفريل 2002، ص.44.

[65] أمينة مصطفى النّمر : أصول المحاكمات المدنية، منشأة المعارف، طبعة أولى، ص.161.

– قرار تعقيبي مدني عــ18102ــدد، مؤرخ في 13 ديسمبر 1989، نشرية 1989، ص.115. ورد به ما يلي: “عرض القضية على النيابة العمومية لأبداء ملحوظاتها فيها إذا كانت متعلّقة بقصر هو أمر يهم النظام العام تتمسّك به المحكمة من تلقاء نفسها”.

[66] فائز الإيعالي : مرجع سابق.

[67] مراد اسكندر: التبليغ على ضوء قانون المرافعات المدنية والتجارية: ملتقى وطني حول تحديث مناهج التبليغ والتنفيذ، 28/03/2003، بصفاقس.

[68] أحمد الجندوبي وحسين بن سليمة: مرجع سابق، ص. 252.

[69] قانون عـ13ـدد لسنة 1988 مؤرخ في 07 مارس 1988، الرائد الرسمي للبلاد التونسية، 15 مارس 1988.

[70] أنظر الملحق عدد 3، ص 1←8.

[71] قرار تعقيبي مدني عـ63213ـدد مؤرخ في 29/04/1988، نشرية م.ت 1998، ص.68.

[72] قرار تعقيبي مدني مؤرخ في 3 أفريل 1979 صادر عن محكمة التعقيب الفرنسية:”يستخلص من خلال المزج بين أحكام الفصول 654 و690 فقرة ثانية من مجلة الإجراءات المدنية الفرنسية أنه إذا كانت الذات المعنوية المبلغ إليها بحالة تصفية فإنه يقع توجيه هذا الإجراء إلى المصفي و ذلك في مقره الرئيسي و بمقره الثانوي.

2 بمقتضى قانون 03 أوت 2002.

[74] أحمد الجندوبي: مرجع سابق، ص.70.

[75] مراد إسكندر: مرجع سابق، ص.23.

[76] Art. 655 C.P.C.F : la copie peut être remise à toute personne présente, à défaut au gardien de l’immeuble, en dernier lieu à tout voisin ».

[77] عبد الباسط الجميعي: مبادئ المرافعات، دار الفكر العربي، ص.495.

[78] عمر الشتوي : مرجع سابق، ص.36.

[79] عبد الله الأحمدي: أطروحة دكتوراه، ج.1، ص.554.

[80] قرار تعقيبي مدني عـ10770ـدد مؤرخ في 17/04/1975 ، نشرية 1975، ق.م.جزء1، ص.17.

[81] مراد إسكندر: مرجع سابق، ص.45.

[82] قرار تعقيبي مدني: دوائر مجتمعة عــ6425ـدد، مؤرخ في 15 جويلية 1983، مجموعة الدوائر المجتمعة، 1991-1992، ص. 23.

[83] قرار تعقيبي مدني عـ26071ـدد مؤرخ في 18 جوان 1991

[84] أمينة مصطفى النّمر : مرجع سابق، ص.170.

[85] باشا البجار : المقر، مجلة القضاء و التشريع، عـ1ـدد، جانفي 1991.

[86] قرار الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب، عـ68211ـدد، 29/02/1996.

[87] فصل 08 و 10 م.م.م.ت قديم.

[88] مراد إسكندر: مرجع سابق، ص.56.

[89] أحمد الجندوبي وحسين بن سليمة: مرجع سابق، ص.65.

[90] مداولات مجلس النواب: 16 و17 جويلية 2002، عـ40ـدد، ص. 2120

2 اعتبرت مذكرة شرح الأسباب: “تخويل العدل المنفذ إيداع نظير لدى كتابة محكمة الناحية ضمانا إضافيا للمتقاضي خصوصا وأن محاضر عدول التنفيذ تكون لها دائما علاقة بالمتقاضي و بالطعون و بالتنفيذ فيمكن للمعني بالأمر أن يتخذ الإجراء اللازم حينا عند توصله بنظير المحضر بما يجنبه ضياع الوقت كما يمكنه الاسترشاد عن الاجراءات المتعين عليه اتخاذها

[92] فائز الإيعالي : مرجع سابق، ص.156.

[93] المادة 1 من إتفاقية لاهاي 1954.

[94] مراد إسكندر: مرجع سابق، ص.49.

[95] قرار تعقيبي مدني عـ6672ـدد، مؤرخ في 08 ماي 2001، “إذا كان الطاعن مجهول المقر عند القيام بقضية الحال في كامل الطور الابتدائي فإنه لا مجال لتطبيق الاتفاقية التونسية الفرنسية على موضوع الدعوى أي التبليغ بالطريقة الدبلوماسية طبقا للمادة السادسة من الاتفاقية المذكورة ضرورة أن الفصل السابع منها يوجب أن يكون عنوان الشخص المتوجه إليه معروفا”.

[96] الأستاذ أحمد الجندوبي وحسين بن سليمة : مرجع سابق، ص. 222.

[97] قرار تعقيبي عـ3640ـدد، مؤرخ في 14 ماي 1981، نشرية 1981، ق.م، جزء 2، ص.14.

[98] قرار تعقيبي مدني عـ1387ـدد، مؤرخ في 03 جوان 1973، م.ق.ت 1974، ص.57.

[99] فائر الإيعالي: مرجع سابق، ص. 155.

[100] مداولات مجلس النواب: 16 و 17 جويلية 2002، عـ40ـدد، ص.2136.

[101] قرار تعقيبي، (غير منشور)، عـ2003 28462ـدد، صادر بتاريخ 30/01/2004، (أنظر الملحق عدد 1، ص.5).

[102] مراد إسكندر: مرجع سابق، ص.79.

[103] عمر الشتوي : مرجع سابق، ص.26.

[104] قرار تعقيبي مدني عـ3640ـدد، مؤرخ في 15/10/1996، نشرية محكمة التعقيب لسنة 1996، ج.1، ص.59.

[105] قرار تعقيبي عـ43346ـدد، مؤرخ في 15 أكتوبر 1996، نشرية محكمة التعقيب، 1996، ج.1، ص.79.

[106] الحنفي الفريضي: المفيد في القانون والقضاء. ص. 112-125.

[107] قرار تعقيبي (دوائر مجتمعة)، عـ43ـدد مؤرخ في 10 ديسمبر 1991، مجموعة الدوائر المجتمعة، 1961/1992، ص. 52.

[108] قرار تعقيبي مدني، عـ4752ـدد، مؤرخ في 13 جانفي 1982، نشرية 1982،ق.م، ج1، ص. 109.

[109] قرار تعقيبي (دوائر مجتمعة)، عـ80ـدد، مؤرخ في 15 ماي 1997، م.م.م.ت، جمع وتعليق الأستاذ محمد الحبيب الشريف، ص. 48.

[110] مداولات مجلس النواب: 16 و17 جويلية 2002، عـ40ـدد، ص. 2120.

[111] مداولات مجلس النواب: 16 و17 جويلية 2002، عـ40ـدد، ص. 2127.

[112] الأستاذ نور الدين الغزواني : تعليق على القانون الجديد المنقح لبعض فصول مجلة المرافعات المدنية والتجارية، مجلة المحاماة عـدد 3 و4، 1985، ص.36.

[113] إجراءات الإستدعاء، المنصف كشو، مجلة القضاء والتشريع، جانفي 2003.

[114] محمد بن سلامة: نظرية البطلان في مادة الاجراءات المدنية مجلة القضاء و التشريع جوان 1975 ص 98

[115] قرار تعقيبي، عـ43571ـدد، مؤرخ في 17/02/1998، نشرية 1998، ج.1، مرافعات، ص.311.

[116] نبيل اسماعيل عمر: مرجع سابق، ص.780.

[117] قرار تعقيبي مدني، عـ35107ـدد، صادر بتاريخ 21/12/1992، مجلة القضاء و التشريع عدد 9 نوفمبر 1993، ص.95.

[118] الأستاذ عبد الرزاق السنهوري: الوسيط- العقد، طبعة 1981، ص.534.

[119] عز الدين بن عمر: ملتقى جهوي بسوسة 1995، ص.09.

[120] قرار تعقيبي، عـ43571ـدد، مؤرخ في 13/12/1989، ن. م. ت. 1989، ج.1، ص.122.

[121] قرار تعقيبي (دوائر مجتمعة)، عـ13699ـدد، مؤرخ في 30/11/2000، مجموعة قرارات الدوائر المجتمعة 1999-2000.

[122] قرار تعقيبي، عـ64270ـدد، مؤرخ في 15/06/1998، نشرية محكمة التعقيب 1998.

[123] قرار تعقيبي، عـ27728ـدد، مؤرخ في 13/04/1995.

[124] Jean Beauchard, juris classeur 1996, p. 137.

[125] مرجع سابق: ص.142. Jean Beauchard

[126] قرار تعقيبي مدني، عـ14480ـدد، مؤرخ في 16/06/1987، نشرية 1987، ص.155.

[127] قرار تعقيبي، عـ16384ـدد، مؤرخ في 13/01/1987، ص.124.

[128] بلقاسم الشابي: النظام العام من خلال الإجراءات المدنية و التجارية، مجلة ق.و.ت 1970، ص.27.

[129] R. JAPIOT : les sanctions en matière de procédure, Revue trimestrielle de droit civil 1914 n°13, p.35.

[130] R. JAPIOT : op.cit., p.45.

[131] المنصف الكشو: إجراءات الإستدعاء، مجلة القضاء والتشريع، جانفي 2003، ص.79.

[132] قرار تعقيبي مدني عــ3892ـــدد بتاريخ 14/12/1965 “يؤخذ من أحكام الفصلين 06 و 14 من م.م.م.ت أن الغلط في اسم المدعى عليه لا يترتب عليه بطلان الإجراءات إلا متى ثبت أن ذلك الغلط ألحق ضررا بمصالح الطرف المقابل”.

[133] المنصف كشو : مرجع سابق، ص.63.

[134] قرار تعقيبي، عـ43346ـدد، مؤرخ في 15/10/1996، نشرية 1996، ص.57.

[135] قرار تعقيبي، عـ4752ـدد، مؤرخ في 13/01/1982، نشرية 1982، ق.م.، جزء 1، ص.109.

[136] قرار تعقيبي مدني، عـ10082ـدد، مؤرخ في 22/10/1984، نشرية م.ت لسنة 1985، ص.64.

[137] قرار تعقيبي، عـ8804ـدد، مؤرخ في 14/04/1983، نشرية 1983، ق.م، جزء 2، ص.120.

[138] قرار تعقيبي، عـ1931ـدد، مؤرخ في 18/04/1978، نشرية 1978، ق.م، جزاء 1، ص.197.

[139] نبيل اسماعيل عمر: مرجع سابق، ص. 220.

[140] عبد الباسط الجميعي : مرجع سابق، ص.449.

[141] قرار تعقيبي (دوائر مجتمعة)، عـ114ـدد، مؤرخ في 20/05/1999:”لا يحكم بالبطلان إذا أثبت تحقق الغاية من الإجراء”.

[142] قرار تعقيبي مدني عدد 13221 المؤرخ في 3/6/1974

[143] محكمة التعقيب (دوائر مجتمعة) 02-06-1988، نشرية 1988.

[144] قرار تعقيبي مدني، مؤرخ في 30-06-1988.

[145] قرار تعقيبي مدني، عـ7743ـدد، مؤرخ في 28 جوان 1983.

[146] قرار تعقيبي مدني، عـ5184496ـدد، مؤرخ في 25-01-1998.

[147] عبد المنعم كيوة: الجديد في العقلة التوقيفية: ملتقى 13 و14 ديسمبر 2002 بصفاقس، ص.13.

[148] مداولات مجلس النواب 16 و17 جويلية 2002 الرائد الرسمي للبلاد التونسية عدد40.

[149] الفصل 336 جديد “يجب على الدئن العاقل أيضا أن يدخل الغير المعقول تحت يده في القضية المرفوعة لتصحيح العقلة قبل انعقاد الجلسة الأولى بخمسة أيام على الأقل ويجب أن يتضمن محضر الإدخال عدد القضية وتاريخ الجلسة وإلا بطلت العقلة.

[150] عبد المنعم حسني: طرق الطعن في الأحكام المدنية والتجارية، طبعة أولى، 1975، ص. 190.

[151] قرار تعقيبي مدني، عـ46462ـدد، مؤرخ في 20-11-1997، ن. م. ت.، 1997، ج.1، ص.58.

[152] قرار تعقيبي مدني، عـ6686ـدد، مؤرخ في 02-03-2001، ن. م. ت.، 2001، ج.2، ص.33.

[153] قرار تعقيبي، عـ25901ـدد، مؤرخ في 02-04-1991، نشرية 1991، ص.13.

[154] Hatem Habchi : la responsabilité civile des huissiers notaires dans leurs rapports avec leurs clients : Mémoire DEA de droit privé, faculté des droits et de sciences politiques et économiques de Tunis, p.73.

2 الفصل 1031 مجلة الإجراءات المدنية الفرنسية، تنقيح 20 جويلية 1972.

[156] الفصل 46 من قانون عدد 99 لسنة 1995 المؤرخ في 13-03-1995 والمنظم لمهنة عدول التنفيذ.

[157] أحمد الجندوبي وحسين بن سليمة : مرجع سابق، ص.45.

[158] كارم جوة : جريمة التحيل في تبليغ المحاضر، مداخلة ضمن ملتقى وقع تنظيمه بكلية الحقوق بصفاقس يومي 13-14 ديسمبر 2002 حول الجديد في الإجراءات وطرق التنفيذ من خلال قانون 3 أوت 2002، ص.6.

[159] قرار تعقيبي جزائي عـــــ3077ـــدد مؤرخ في 15/04/1964، نشرية 1964، ص.78.

[160] كارم جوة : مرجع سابق، ص.8.

[161] عبد الله الأحمدي : خواطر حول التنقيح الجديد في م.أ.ش .م ق ت أفريل 1998 ص 110

[162] مداولات مجلس النواب : الرائد الرسمي للبلاد التونسية : 16 و 17 جويلية 2002، عدد40، ص.2120.

[163] بسمة الفقي : جريمة الفصل 32 مكرر من م.أ.ش، م.ق.ت، أفريل 1998، ص.139.

[164] كارم جوة : مرجع سابق، ص.10.

[165] كارم جوة : مرجع سابق، ص.13.

[166] محمد الشرفي : مدخل لدراسة القانون، دار سراس للنشر، ص.185.

الفصل 542 م.إ.ع :”لا تنسخ القوانين إلا بقوانين بعدها إذا نصت المتأخرة على ذلك نصا صريحا أو كانت منافية لها و استوعبت جميع فصولها”.

[167] مداولات مجلس النواب : الرائد الرسمي للبلاد التونسية : 16 و 17 جويلية 2002، ص.2144.

[168] بسمة الفقي : مرجع سابق، ص.148.

[169] قرار تعقيبي مدني، عـ12ـدد، مؤرخ في 25/05/1989، اعتبر أن الإقتصار على “ذكر المنزه السادس بتونس لا يشكل مقرا وهو عنوان غير كاف”.

[170] كارم جوة : مرجع سابق، ص.14.

[171] بسمة الفقي : مرجع سابق، ص.150.

[172] قرار تعقيبي مدني، عـ1893ـدد، مؤرخ في 11 جويلية 1963.

[173] فصل 150 م.أ.ج.

[174] بسمة الفقي: مرجع سابق، ص.152.

[175] C.A Aix EN Provence, 18 Oct 1985, D 1986, p.221.

[176] كارم جوة : مرجع سابق، ص.9.

[177] قرار تعقيبي مدني، عـ5553ـدد، مؤرخ في 18 مارس 1982، ن. م. ت.، 1982، ص.62.

[178] قرار تعقيبي مدني، عـ5785ـدد، مؤرخ في 08 جويلية 1981. ن. م. ت.، 1981، ص.75.

3 فرج القصير: القانون الجنائي العام، مركز النشر الجامعي، 2006، ص.53.

[180] فصل 33 مجلة جنائية.

[181] فصل 35 مجلة جنائية.

[182] فصل 30 م.أ.ج.

[183] فرج القصير: مرجع سابق، ص.59.

[184] فصل 236 م.ج بالنسبة لجريمة الزنا.

[185] قرار تعقيبي عـ27728ـدد، مؤرخ في 13/04/1995، مبادئ مختارة من قرارات محكمة التعقيب، تونس 1998.

[186] كارم جوة، مرجع سابق، ص.8.

[187] فصل 54 من المجلة الجنائية.

[188] Cass. n°64-92885 le 26 octobre 1965, hH p : // www. Cour de cassation. F.r.

[189] الفصل 240 فقرة أولى من م.م.م.ت :”في صورة القيام بدعوى الزور الجنائي يعطل الحكم في النازلة إلا إذا رأت المحكمة أن النازلة يمكن الحكم فيها بقطع النظر عن الكتب المخدوش فيه”.

[190] قرار تعقيبي مدني، عـ1893ـدد، مؤرخ في 11/07/1963، نشرية 1964، ص.35.

[191] فصل 141 ثالثا :”و بالنسبة للأحكام الصادرة بناءا على تغرير من الخصم أو ورقة مزورة أو بناءا على شهادة زور أو بناءا على عدم الإستضهار بحجة قاطعة منعت بفعل الخصم فإن أجل الطعن يبتدئ من تاريخ علم المحكوم عليه بثبوت الزور أو ظهور الحجة أو التغرير”.