الضمانات القانونية للموقوف وفقاً للتشريعات العراقية

المحامية: منال داود العكيدي
وجدت القوانين اساسا لترسم للإنسان حدود حرياته وحقوقه التي تبدأ عندها حقوق وحريات الاخرين وهذه الغاية السامية تتطلب قانوناً وضعياً يلتمس طريق العدالة وقاضياً يحسن تطبيق هذا القانون وتحقيق العدالة التي ينشدها ذلك القانون والتي هي هدف القاضي ايضا لاحقاق الحق ونصرة المظلوم ..

فالمبدأ العام حسب ما تقرره القواعد القانونية هو ان الاصل في الانسان البراءة وهذا يعني انه لا يجوز تقييد حرية اي انسان قبل اخضاعه للتحقيق والبحث عن الادلة التي تدينه فان انعدمت كان الانسان بريئا فالاتهام قد يؤدي الى الادانة ولكن ان عجزت الادلة عن اثبات التهمة عليه فهو بريء .

ولكن في المجتمعات التي تأخذ بالنظام الاتهامي فان التشريعات تجيز توقيف الاشخاص المتهمين كاجراء احترازي في حالة الاشتباه بهم بموجب ادلة معتبرة قانونا لان المصلحة العامة قد تتضرر اذا لم تتخذ ضدهم هذه الاجراءات ، الا ان مثل هذا الاجراء الذي يمثل تقييدا لحرية الانسان لم يكن ليأتي من دون قيد او شرط او يترك التصرف فيه لقاضي التحقيق الذي قد ينازعه هوى او محاباة فيميل في حكمه ويجانب العدالة لذلك كان هذا الاجراء محاطا بعدد من الضمانات الدستورية والقانونية فرضتها القوانين العقابية والجزائية .

لقد نص الدستور العراقي الصادر في ( 2005 ) على مبادئ دستورية تعتبر من المسلمات المتبعة في كل دساتير العالم تقريبا وتحديدا في المادة ( 19 الفقرة ثانيا ) حيث تقول ( لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ، ولا عقوبة الاعلى الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة، ولا يجوز تطبيق عقوبة أشد من العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجريمة) وجاء في ذات المادة في الفقرة ( 5 )منها التي قررت ان حق الدفاع مكفول للمتهم في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة .

وان المتهم بريء حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية عادلة كما ان الدستور العراقي النافذ كفل معاملة الاشخاص المتهمين معاملة انسانية في جميع مراحل الاجراءات القضائية والادارية و الزم عرض اوراق التحقيق الابتدائي على القاضي المتخصص خلال مدة لا تتجاوز اربعة وعشرين ساعة من تاريخ القبض عليه ولا يجوز تمديدها الا مرة واحدة استنادا الى المادة ( 19 / الفقرة 13 ) .

اما فيما يخص الضمانات الواردة في القوانين الاخرى وهي قانون العقوبات النافذ رقم ( 111 ) لسنة 1969 فقد نصت المادة الاولى منه على انه (لاعقاب على فعل أو امتناع الابناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه ولايجوز توقيع عقوبات او تدابير احترازية لم ينص عليها القانون) و بناء على هذا المبدأ فان المشرع وحده ملزم بتعيين الافعال التي تعتبر جريمة وكذلك عليه تحديد العقوبة لكل من هذه الافعال وهذا المبدأ من شانه ان يبين للأفراد ماهي الافعال التي تشكل جريمة فيتجنبوها كما انه لا يجعلهم في حيرة من امرهم في عدم معرفة الافعال المجرمة والافعال المباحة فتتعطل بذلك اعمالهم ومصالحهم ، كما انه ادعى للعدالة وفيه توحيد للأحكام القضائية ، فضلا عن انه يحميهم من تعسف القاضي ويحافظ على حقوقهم وحرياتهم التي كفلها الدستور .

وقد ورد في قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم ( 23 ) لسنة 1971 والذي حدد الاسس الاجرائية الجزائية المتعلقة بحقوق المتهم في الدفاع عن نفسه وهي مبادئ مقررة بموجب صكوك دولية منها الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 وهذه القواعد والاسس هي في حقيقتها لغرض ايجاد توازن بين السلطات الممنوحة للسلطة القضائية من جهة وضمان حقوق الفرد الدستورية في الدفاع عن نفسه من جهة اخرى .

وتقرر المادة ( 57 ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية على ان للمتهم الحق في حضور كل مراحل التحقيق الخاصة به والاطلاع على الاوراق التحقيقية وهذا الحق مكفول ايضا للمشتكي والمدعي بالحق المدني والمسؤول مدنيا عن فعل المتهم الا اذا منعهم القاضي من ذلك في حالة الضرورة على ان يتم تدوين ذلك في محضر التحقيق ويمنحهم حق الاطلاع على كل الاجراءات والاوراق التحقيقية حال زوال تلك الضرورة .

وكذا الحال في حالة طلب الاوراق التحقيقية من قبلهم فللقاضي ان يرفض طلبهم اذا وجد ان ذلك يؤثر على سير التحقيق او سريته ( المادة 57 / الفقرة ب ) على ان يتم تدوين الاسباب المانعة من ذلك في الاوراق التحقيقية .

وقد نصت المادة ( 92 ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية النافذ على انه( لايجوز القبض على أي شخص او توقيفه الا بمقتضى أمر صادر من قاض او محكمة وفي الاحوال التي يجيزها القانون ).

ويعرف التوقيف على انه اجراء تحفظي ضد من ينسب اليه ارتكاب جريمة او جنحة ويخشى منه فيما لو ترك حرا طليقا ان يؤثر على الشهود او يعبث بالادلة او يهرب ) ووفقا لذلك فانه لا يجوز توقيف اي شخص الا بموجب امر قضائي يتضمن اسم المتهم ولقبه وهويته واوصافه ان كانت معروفة ومحل اقامته ومهنته ونوع الجريمة المسندة اليه والمادة القانونية المنطبقة عليه وتاريخ الامر وتوقيعه وختم المحكمة ) .

وهذه تعتبر من الشروط الواجب توفرها في امر القاء القبض ، كما ان المادة ( 109 ) الزمت قاضي التحقيق انه لا يجوز ان تكون مدد التوقيف تزيد باي حال على ( 6 اشهر ) والا فان على قاضي التحقيق عرض الموضوع على محكمة الجنايات لاستحصال اذن له بتمديد التوقيف لمدة مناسبة على ان لا يتجاوز ذلك ربع الحد الاقصى من العقوبة المقررة للجريمة المنسوبة اليه .

لقد اولى المشرع القانوني اهتماما بالغا ببيان ادق التفاصيل التي تخص اجراءات التوقيف واصدار اوامر القبض على الاشخاص لان هذا الاجراء وان كان ضروريا في بعض الاحيان لحسن سير التحقيق وعدم الاضرار بالمصلحة العامة الا انه في حقيقته يمثل خروجا عن المبدأ الدستوري المنصوص عليه في المادة ( 19 / فقرة 5 ) ( المتهم بريء حتى تثبت ادانته في محاكمة عادلة وقانونية ) كما انه في ذات الوقت يتعارض مع القاعدة الفقهية التي تنص على ان ( الاصل في الصفات العارضة العدم).