ان الشكلية في مجال الإجراءات القضائية ليست حديثة العهد، بل هي قديمة قدم المجتمعات البشرية، التي عرفت تلك الإجراءات، ولعل إجراءات التقاضي في القانون الروماني خير دليل على صرامة الشكلية، اذ كانت توجب على المتنازعين اتباع شكلية معينة وضرورة التفوه بعبارات خاصة وممارسة طقوس معينة أثناء مقاضاتهم وإلا خسروا حقوقهم من جراء عدم اتباع تلك الشكليات. لقد بررت الشكلية في الاجراء القضائي في القوانين البدائية بفكرة التفكير الوثني والذي كان يهتم بالظاهرة الجمالية، ويرى ان اهمية العمل تكمن في مظهره المرئي، فضلاً عن كون تلك الشكليات تمثل لجاماً ضد انفعال الافراد في صراعهم من اجل الحق(1). اما في الوقت الحاضر، فان القاعدة العامة بخصوص الاعمال الإجرائية هي قانونية الشكل، ومعنى قانونية الشكل ان تتم الأعمال الإجرائية كقاعدة عامة تبعاً للوسيلة التي يحددها القانون وليس تبعاً للوسيلة التي يختارها من يقوم بها(2).

يعرف جانب من الفقهاء(3). الشكل بمدلوله الواسع بأنه الحركة أو التغيير الذي يحدث في العالم الخارجي، والشكل بذلك هي وسيلة العمل لإحداث اثاره، والعمل بدوره يتضمن عنصرين: الأول: هو نشاط يقوم به الشخص، والثاني: هو حدث أو نتيجة لهذا النشاط وكل نشاط يؤدي إلى حدث، وكل حدث يفترض نشاطاً أو حركة أدت إليه. وتبدو أهمية الشكل في الإجراءات القضائية من نواح عدة، فهي من جهة تستجيب إلى حاجة السهولة والسرعة حيث تؤدي إلى معرفة طريقة اتخاذ الاجراء وهي كفيلة بتقديم وسائل منضبطة للتعرف عليه، وتضع في الوقت نفسه حدوداً زمنية للقيام به(4). من جهة أخرى فان الشكل في الإجراءات القضائية تسعى إلى تحقيق ضمانات مهمة تسعى اليها كافة التشريعات، ومن هذه الضمانات التي تحققها الشكلية هي حرية الدفاع وضمانه مبدأ المواجهة والمجابهة بالأدلة بين الخصوم(5).

فضلاً عن ذلك كله فالسمة الشكلية في الإجراءات القضائية، تمثل اهم المعطيات في العملية القضائية والتي لم يتوان أي قانون للتخلي عنها، فالشكل هو الاخ التوأم للحرية ضمن نطاق حرية الدفاع والتي تمثل السلاح الفتاك ضد سوء النية والتي يمكن ان تظهر من الطرف الاخر، كذلك فهي ضمانة ضد تعسف القاضي(6).وبالرغم من أهمية الشكلية في الإجراءات القضائية، الا انه يجب عدم المبالغة والإفراط في هذه الشكليات وتوسيع مواعيدها، والتقيد بقوالب شكلية صارمة بحجة السعي إلى توفير الضمانات اللازمة لتحقيق العدل، وذلك حتى لا ينقلب الأمر عكس ما أراده المشرع، وتصبح الشكلية مجرد جملة عراقيل تحول دون حسم الدعوى(7).ولعل من يتساءل، كيف يكون بالمقدور التخفيف أو التقليل من الشكلية الصارمة في الإجراءات القضائية بشكل عام وفي التبليغات القضائية على وجه الخصوص، وذلك في وقت تكفل فيه المشرع بوضع كافة الضوابط والإجراءات في هذه المسالة بحيث لا يدع مجالا للأفراد في اللجوء إلى خلاف ما رسمه المشرع؟ وللإجابة على هذا التساؤل، نشير إلى ان الإجراءات القضائية وان كانت تتصف بالشكلية القانونية، الا انها في نفس الوقت تحمل في ثناياها صوراً للمرونة، بحيث تتحقق في المحصلة التوازن ما بين هدف المشرع في تحقيق الاستقرار في العمل القضائي، وفي نفس الوقت عدم إرهاق الأفراد بشكليات صارمة، وينطبق هذا القول على التبليغات القضائية والتي سنجد فيها العديد من الإجراءات المتسمة بالمرونة. فبالرجوع إلى التبليغات القضائية، باعتبارها من الإجراءات القضائية، نرى ان هذه التبليغات هي من الإجراءات التي يتوجب فيها حصول الكتابة، وذلك لغرض سهولة اثباتها، وهي تندرج تحت طائفة أوراق المرافعات والتي تشمل إلى جانب أوراق التبليغات أوراقاً أخرى، وتجمعها خاصيتي الشكلية والرسمية. وعلى هذا الأساس، يمكن ان تعرف ورقة التبليغ القضائي بانها تلك الورقة الرسمية التي تنظم من قبل المحكمة بنسختين أو اكثر والتي يوقع الشخص المطلوب تبليغه على النسخة الأصلية منها والتي تعاد إلى المحكمة مؤيداً اطلاعه على محتوياتها ويتم تسليمه النسخة الأخرى وذلك لكي تتأكد المحكمة من صحة التبليغ(8).

ومن مظاهر الشكلية في ورقة التبليغ القضائي، إلى جانب وجود الكتابة، هي وجوب اشتمال ورقة التبليغ على جملة بيانات، بحيث يترتب على تخلف بعض هذه البيانات بطلان ورقة التبليغ، أو حتى إذا وقع التبليغ على نحو مغاير لما هو مقرر في قانون المرافعات وفي هذا الصدد قضت محكمة التمييز العراقية(9). (يعتبر التبليغ الواقع خلافاً لقانون المرافعات باطلاً وكانه لم يقع). وتجدر الاشارة، ان التشريعات(10). تكاد تكون متفقة على البيانات الواجب ادراجها في ورقة التبليغ، الامر الذي تتشابه عندها الغايات والاهداف المتوخاة من وراء توجيه ورقة التبليغ إلى الشخص المطلوب تبليغه. ان الشكلية المقررة في التبليغات القضائية، والمتمثلة بالبيانات الموجودة في ورقة التبليغ هي بالأساس مقررة بوصفها شرط صحة للاجراء لكي ينتج آثاره وليست مقررة بوصفها شرط للإثبات، عليه إذا كانت ورقة التبليغ معيبة بعيب شكلي فلا يجوز تكملة هذا العيب عن طريق الإثبات(11).. وفيما يلي عرض بالبيانات الخاصة في ورقة التبليغ ومدى الأهمية التي يحتلها كل بيان في هذا الإجراء. ففيما يتعلق بالبيان الأول والمتمثل بوجوب ان تشتمل ورقة التبليغ على رقم الدعوى وبيان اليوم والشهر والسنة التي حصل فيها التبليغ، فالفائدة المتوخاة فيه واضحة وتتمثل في ان هذا البيان يسهل من معرفة طبيعة الدعوى فيما إذا كانت شرعية أو دعوى عمل أو دعوى مدنية …الخ كذلك يساعد على معرفة المحكمة ونوعها سواء كانت استئناف أو بداءة، اما بيان التواريخ فتتمثل أهميتها بضبط مواعيد التبليغات والمدد، كذلك لمعرفة فيما إذا كان المدعى عليه قد منح الاجل المناسب للحضور امام المحكمة وهي ثلاثة ايام على الأقل(12). وفي هذا الشان جاء في قرار لمحكمة التمييز العراقية(13). (يجب ان يجري التبليغ قبل ثلاثة ايام على الاقل من موعد المرافعة إذا كان محل المدعى عليه في منطقه المحكمة ما لم تكن الدعوى مستعجلة). وفي قرار لمحكمة النقض المصرية(14). (الغاية من تاريخ الاعلان والساعة التي حصل فيها معرفة الوقت الذي تم فيه بحيث يترتب عليه اثاره التي رتبها القانون عليه في ساعة يجوز اجراؤه خلالها).

الجدير بالذكر هنا، انه ليس من الضروري ذكر التاريخ بالكتابة، بل يكفي بيانه بالارقام ولو انه في حقيقة الامر ان الحيطة تدعو إلى وجوب تفضيل الكتابة على الارقام وذلك تفادياً من الوقوع في الخطأ، فاذا ما ذكر التاريخ بالكتابة والرقم معاً ولم يكن هناك تطابق فالعبرة بالكتابة(15). واذا ما حصل اختلاف ما بين اسم اليوم وتاريخه، فالمعول عليه هو التاريخ، الا إذا كانت ظروف القضية كلها تفيد اليوم لا التاريخ لا سيما عندما يكون التاريخ يصادف عطله رسمية(16). ان ما يلاحظ على البيان المتقدم انه يخلو من ذكر كلمة (الساعة) التي يحصل فيها التبليغ، وذلك بعد الغاء المادة التي تقرر الاوقات التي يجوز فيها اجراء التبليغات، عليه نعتقد بضرورة تحديد الساعات والأوقات التي يجوز فيها اجراء التبليغات، وذلك اسوة بباقي التشريعات، بحيث تكون المادة كالآتي (لا يجوز اجراء أي تبليغات قبل شروق الشمس، ولا بعد غروبها، ولا في ايام العطل الرسمية الا في حالات الضرورة وباذن من قاضي الأمور المستعجلة). وان كان من يعتقد ان وجود مثل هذه المادة قد يكون سبباً لعرقلة اجراء التبليغات، وذلك بتحديدها للأوقات، الا انه وفي موازاة ذلك ينبغي الا تنتهك حقوق الخصوم متمثلة بازعاجهم بمختلف الأوقات وتعكير أوقات وساعات راحتهم. ويتجه قانون الإجراءات المدنية الفرنسي نحو عدم السماح باجراء التبليغ في أي ساعة كانت ولا في أي يوم كان، وقبل كل شيء يجب ان يتم التبليغ خلال النهار، كما ان الساعات المثبتة في الصيف ليست هي في الشتاء، كما انه لا يوجد أي تمييز بالنسبة لفصول السنة، فان أي تبليغ أو تنفيذ لا يمكن ان يتم قبل السادسة صباحاً، كما لا يجوز اجراء التبليغات في ايام العطل، والا تعرض ذلك الاجراء للأبطال، الا ان هناك استثناء من الحالات المتقدمة إذا وجدت حاجة ملحة لأجراء التبليغات وبعد حصول الاذن من القاضي المختص(17).

وفي ما يتعلق بالبيان الخاص بوجوب ذكر اسم طالب التبليغ ومهنته وموطنه فتبدو الغاية من ادراج هذا البيان في ورقة التبليغ لتمكين المدعى عليه من معرفة خصمه في الدعوى والتأكد من مزاعمه للاجابة عليها، فضلاً على ان هذا البيان كفيل بتسهيل تبليغ المدعي في المستقبل، كذلك ليتحدد اختصاص المحكمة لا سيما في قضايا الاحوال الشخصية(18).وبالرغم من الشكل الذي أوجبه المشرع فيما يتعلق بهوية طالب التبليغ، الا ان هذا الشكل مرن وغير جامد، بمعنى انه لا يشترط ذكر تلك المعلومات الخاصة بطالب التبليغ حرفياً، اذ يمكن الاستغناء عن بعضها إذا كانت البيانات الاخرى تكمل بعضها البعض وهو ما يسمى بمبدأ تكافؤ البيانات، فالقانون حين يتطلب ذكر بيان معين فالعبرة بالمقصود من هذا البيان ولا يشترط ان يرد البيان بألفاظ معينة(19).وفي ضوء ما تقدم، لا يؤثر مثلاً إغفال اسم طالب التبليغ إذا ذكرت وظيفته وكانت الوظيفة قاطعة في التعريف بشخصيته بشكل لا يثير الشك في حقيقة ذاته، كان يكون رئيس جامعة معينة، أو رئيس لمجلس إدارة شركة معروفة وهكذا، وكذلك يمكن الاستغناء عن اسم طالب التبليغ إذا كان لقبه كفيلاً بتحديد شخصيته(20).وفي هذا الشأن جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية(21). (لا يوجب قانون المرافعات في البيان الخاص باسم الطالب اكثر من ذكر الاسم واللقب، فاذا كان تقرير الطعن الذي أعلن للمطعون عليه قد استوفى هذا البيان بصدده فان وقوع الخطأ في صيغة الاعلان ليس من شانه ان يجهل بالطعن ولا يؤثر على صحته لان بيانات الورقة المعلنة مكملة لبعضها).أما الغرض من ذكر موطن طالب التبليغ فهي واضحة، ويتمثل في تمكين المدعى عليه من الرد على التبليغ في هذا الموطن؛ والموطن كما عرفته المادة (42) من القانون المدني (هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادةً بصفة دائمة أو مؤقتة ويمكن ان يكون للشخص اكثر من موطن واحد) ولا يلزم ان يذكر الموطن الأصلي بل يكفي ان يذكر الموطن المختار أيضاً. من البيانات الأخرى التي تحويها ورقة التبليغ القضائي، هو ضرورة بيان المحل الذي يختاره طالب التبليغ لغرض إجراء التبليغات. لقد منح المشرع لطالب التبليغ الحق في ان يختار المحل الذي يكون معتبراً لأجراء التبليغات ويكون هذا العنوان معتبراً للتبليغات اثناء سير المرافعة لحين انتهائها ما لم يخطر طالب التبليغ المحكمة والخصم بتغيير عنوانه(22).

تجدر الاشارة هنا، ان المشرع المصري واللبناني والاردني لم يشر إلى البيان المذكور آنفاً كأحد بيانات ورقة التبليغ، ويبدو ان السبب في ذلك انها اكتفت بذكر موطن طالب التبليغ في الفقرة السابقة. الا اننا نرى ان موقف المشرع العراقي كان موفقاً اكثر من تلك التشريعات، والسبب في ذلك انه قد يكون لطالب التبليغ اكثر من موطن ويختار من بينها ما يكون كفيلاً بتيسير إجراء التبليغات، فقد يكون لطالب التبليغ موطن دائمي أو مؤقت أو حتى موطناً مختاراً، فيعلم المحكمة الموطن الأكثر ملائمة لتسيير إجراءات التبليغات وما لذلك من دور في حسم الدعوى بأقصر وقت، وكل ذلك ينصب في مجال تسهيل الإجراءات الشكلية ودون التقيد بأمور شكلية جامدة. ويعد اسم المطلوب تبليغه ومهنته أو وظيفته وموطنه من البيانات التي لا يختلف عليها اثنان في أهميتها بالنسبة لورقة التبليغ، بحيث لا يكون لورقة التبليغ أهمية تذكر دون هذا البيان وذلك لان ورقة التبليغ هي بالأساس معدة لمخاطبة شخص معين فلا جدوى من هذه الورقة إذا تعذر معرفة الشخص المخاطب بموجبها. وإذا كان الأمر ينطبق على المطلوب تبليغه فيما يتعلق بالاسم والموطن والمهنة مع ما ذكر بخصوص طالب التبليغ، الا ان هناك نقطة مهمة جدا وتتمثل في وجوب تحديد شخصية المطلوب تبليغه تحديدا نافياً للجهالة أو الشك(23).

ان تحديد هوية المطلوب تبليغه وبيان وظيفته وموطنه يؤدي إلى تسهيل مهمة القائم بالتبليغ والعثور عليه والتأكد من شخصيته، إلا انه ينبغي الإشارة إلى مسالة مهمة الا وهي ان الخطأ أو النقصان في البيانات الخاصة بالمطلوب تبليغه لا يؤدي حتما إلى بطلان الورقة ولا سيما عندما يتعذر على المدعي (طالب التبليغ) معرفة هذه البيانات على وجه التأكيد، وذلك لوجود مبدأ تكافؤ البيانات والذي يعني ان بيانات الورقة تكمل بعضها بعضاً(24). وبناءا على ما تقدم، إذا كان طالب التبليغ يجهل اسم المطلوب تبليغه، الأمر الذي دعا به إلى الاكتفاء بذكر لقبه ولم يؤدِ ذلك إلى الشك في شخصية المراد تبليغه، فان التبليغ يكون صحيحاً، وكذا الحال إذا جهل طالب التبليغ مهنة أو وظيفة المطلوب تبليغه واكتفى بذكر اسمه ولقبه وكان صحيحاً مما يؤدي إلى نفي الشك في حقيقة شخصية المطلوب تبليغه فهنا يكون التبليغ صحيحاً(25).أما فيما يتعلق بالفقرة الخاصة ببيان موطن المطلوب تبليغه فهو لا يقل أهمية عن ذكر اسم ومهنة المطلوب تبليغه وذلك لان في إدراجه الأثر البالغ في حسم التبليغات بأيسر وقت. من هنا يجب التعامل بصرامة امام المحاولات التي من شأنها التضليل فيما يتعلق بموطن المطلوب تبليغه، وقد كان هذا مسلك المشرع المصري(26). عندما فرض غرامة على طالب التبليغ الذي يذكر موطناً غير صحيح لخصمه، كل ذلك من اجل عدم وصول ورقة التبليغ اليه، مما يدعو المحكمة إلى السير في المرافعة بغيابه بالاستناد إلى الموطن المجهول مما يفوت مواعيد الطعن على المدعى عليه الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى ان يخسر المدعى عليه الدعوى بشكل غير صحيح .عليه نقترح ان يورد المشرع العراقي نصاً في قانون المرافعات يفرض على طالب التبليغ السيء النية غرامة إذا تعمد إلى ذكر موطن غير صحيح للمطلوب تبليغه بحيث يكون نص المادة على النحو الاتي:

(1. على المحكمة ان تفرض غرامة لا تقل عن الف دينار ولا تزيد عن خمسة الاف دينار على طالب التبليغ إذا تعمد ذكر موطن غير صحيح للمطلوب تبليغه أو سعى إلى ذلك بقصد عدم وصول ورقة التبليغ اليه.

2.يقع عبء الاثبات لسوء نية طالب التبليغ على المطلوب تبليغه ويجوز اثبات ذلك بكافة طرق الاثبات).

واذا لم يذكر موطن المراد تبليغه أو كان هذا البيان معيباً ومع ذلك تم تسليم ورقة التبليغ إلى الشخص المراد تبليغه فان التبليغ يعد صحيحاً، وذلك لان الغاية من الاجراء قد تحققت الا وهي تبليغ الشخص المخاطب بها(27).من البيانات الجوهرية الاخرى التي يجب ان تحويها ورقة التبليغ القضائي، هي وجوب ذكر اسم القائم بالتبليغ وتوقيعه. والفائدة من ذكر اسم المبلغ أو القائم بالتبليغ هو ان الأخير يعد موظفاً عاماً، ولابد من قيامه بالتبليغ وفق القواعد العامة التي وضعها المشرع وهو بذلك يتحمل مسؤولية قيامه بالتبليغ وفقاً لتلك القواعد، فاذا ما حدث أي خلل أو نقص أو تقصير في الإجراءات المقررة يصبح حينذاك من المستطاع تحديد المسؤول وبالتالي يمكن للمحكمة من فرض العقوبات ضد القائم بالتبليغ كما هو منصوص عليه في قانون المرافعات(28).من جهة أخرى فان ذكر اسم القائم بالتبليغ في ورقة التبليغ له فائدة اخرى، تتمثل في التأكد بأن الذي قام بالتبليغ له سلطة (صلاحية) القيام بذلك وانه قد قام به في حدود اختصاصه المكاني(29).

وبهذا الصدد قضت محكمة النقض المصرية(30). (لما كان يبين من اصل ورقة إعلان صحيفة الطعن انه ورد بها اسم المحضر الذي باشر الإعلان والمحكمة التي يتبعها وبذلك تحقق ما قصدت إليه المادة التاسعة من قانون المرافعات من بيان اسم المحضر والمحكمة التي يعمل بها في ورقة الاعلان، ومن ثم فان الدفع بالبطلان لخلو الصورة المعلنة من هذا البيان يكون على غير أساس). أما الشطر الثاني من البيان المتقدم والمتمثل في وجوب توقيع القائم بالتبليغ على ورقة التبليغ فيحتل أهمية بالغة ويكاد يكون البيان الوحيد الذي يحدد هوية ورقة التبليغ وقيمتها القانونية. والتوقيع على ورقة التبليغ من قبل موظف عام، والمتمثل بالقائم بالتبليغ يضفي الصفة الرسمية على تلك الورقة ولا يغني أي بيان في الورقة عن توقيع القائم بالتبليغ بل ان التوقيع يغني عن ذكر اسم القائم بالتبليغ(31). تجدر الاشارة ان تخلف التوقيع يترتب عليه بطلان ورقة التبليغ، وفي ضوء ما تقدم قضت محكمة التمييز العراقية(32). (إذا خلا التبليغ من توقيع القائم به ومن تاريخ اجرائه كان باطلاً).وفي قرار لمحكمة النقض المصرية(33).(إغفال البيان الخاص بتوقيع المحضر على صورة الإعلان يعدم ذاتيتها كورقة رسمية فيكون البطلان الناشئ عنه متعلقاً بالنظام العام فلا يسقط بالحضور ولا بالنزول عنه وإنما يكون للخصم ان يحضر الجلسة وان يتمسك بها).تنبغي الإشارة هنا، انه لا يؤثر في صحة التبليغات ان يكون خط القائم بالتبليغ غير واضح بخصوص ذكر اسمه، وكذا الحال إذا كان الإمضاء غير مقروء، طالما ان المبلغ اليه لم يدع ان من قام بالتبليغ ليس من المبلغين(34).

وتطبيقاً لذلك جاء في قرار لمحكمة النقض المصرية(35). (لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة انه متى اثبت المحضر في اصل ورقة الإعلان وصورتها اسمه ووقع عليها بامضائه فانه يتحقق بذلك ما قصدت اليه المادة التاسعة من قانون المرافعات من وجوب اشتمال ورقة الإعلان على اسم المحضر، ولا ينال من ذلك ان يكون خطه غير واضح وضوحاً كافياً في خصوص ذكر اسمه ولا ان يكون توقيعه كذلك، ما دام ان الطاعن لم يدع أن من قام باجراء الإعلان من غير المحضرين وانه لا ينال من صحة الإعلان عدم بيان اسم وصفة من سلمت اليه صورة الإعلان من رجال الإدارة).من الأمور الأخرى التي يجب على القائم بالتبليغ مراعاتها والتي تقع على عاتقه هي ضرورة ان يذكر في ورقة التبليغ اسم الشخص الذي سلمت اليه صورة الورقة وكذلك بيان صفته وتوقيعه على الأصل أو إثبات امتناعه وسببه ان وجد.ولعل من يتساءل عن الجدوى من ذكر صفة الشخص المتسلم لورقة التبليغ والسبب في عدم الاكتفاء باسم الشخص الذي سلمت اليه الورقة ؟ وللاجابة على هذا التساؤل نشير ان التشريعات ورغبة منها في حسم مسألة التبليغات بسرعة أجازت تسليم ورقة التبليغ إلى أشخاص ليسوا هم المخاطبون بها وإنما هم على علاقة بالشخص المعني بموجب ورقة التبليغ وهذا ما سيأتي تباعاً في مواضع أخرى من هذه الأطروحة. فالأشخاص الذين هم على علاقة بالشخص المخاطب بموجب ورقة التبليغ والذين لهم الحق في تسلم الورقة اما ان يكون زوجة الشخص أو شقيقه أو وكيله أو أبناؤه وهكذا.ان الامر لا يثير إشكالاً بخصوص الشخص المخاطب بموجب ورقة التبليغ حيث يجوز تسليم الورقة اليه في أي مكان وجد ولو كان خارج محل اقامته(36).الا ان المسالة ليست كذلك مع الاشخاص الذين هم على علاقة بالشخص المخاطب بموجب تلك الورقة، حيث يشترط ان يكونوا مقيمين معه في محل إقامته أو ممن يعملون في خدمته أو إلى مستخدميه في محل عمله. وبهذا الصدد قضت محكمة التمييز العراقية(37). (لا يجوز تبليغ شقيقة المدعى عليها إذا كانت تسكن في مدينة اخرى ولو حلت المدعى عليها لديها بصورة مؤقتة).وفي قرار آخر لها(38). (يجوز تبليغ العامل والمستخدم نيابة عن المطلوب تبليغه بشرط ان يقع تبليغهما في محل إقامة أو عمل المطلوب تبليغه، ويعتبر باطلاً إذا وقع تبليغهما في غير هذين المكانين).

وفضلاً عن وجوب قيام القائم بالتبليغ بذكر اسم من سلمت اليه صورة الورقة وبيان صفته، فانه يتوجب عليه ايضاً ان يحصل على توقيع المستلم على النسخة الاصلية، كما يوقعها القائم بالتبليغ مع بيان تاريخ وساعة التبليغ(39). تجدر الاشارة ان محكمة التمييز قد اعتبرت في احدى قراراتها(40). ان الاستنكاف عن التوقيع على ورقة التبليغ يجعل الخصم مبلغاً، فقد جاء في القرار (يكون الخصم مبلغاً إذا استنكفت زوجته الساكنة معه عن التوقيع واجري شرح الاستنكاف وفق الأصول).وأخيراً هنا يجب ان تحوي ورقة التبليغ القضائي على اسم المحكمة التي يجب الحضور أمامها وبيان اليوم والساعة الواجب الحضور فيها. ان هذا البيان لا تقل أهميته عن باقي البيانات الأخرى التي تحويها ورقة التبليغ، لا بل ان هذا البيان يساعد كثيراً على حسم مسألة التبليغات بأقصر وقت، وذلك لان معرفة الشخص المخاطب بموجب ورقة التبليغ للمحكمة التي يتوجب عليه الحضور أمامها، وكذلك فإن بيان الساعة واليوم كفيلان بازالة الغموض والتجهيل والذي قد يتذرع بها المخاطب بموجب الورقة وتجعله على علم تام بالجهة التي يتوجب عليه الحضور أمامها.

ان ما يدعو للاستغراب هنا، هو عدم إشارة المشرع المصري لهذا البيان، في حين ان المشرع اللبناني والأردني قد اكتفيا بذكر اسم المحكمة التي أمرت بالتبليغ أو التي يجري التبليغ لأمرها.ان موقف المشرع المصري ويتبعه في ذلك موقف المشرعين اللبناني والأردني يدعو إلى نوع من الالتباس، وذلك عند عدم الاشارة الصريحة للمحكمة الواجب الحضور أمامها، ويبدو ان المشرع المصري قد اكتفى بالبيان الذي يذكر فيه اسم القائم بالتبليغ والمحكمة التي يعمل فيها، على اعتبار ان المحكمة التي يتبعها ذلك المبلغ هي صاحبة الاختصاص والتي يجب الحضور امامها، وكذلك يبدو الامر مع موقف المشرع اللبناني والأردني. وفي الحقيقة ان موقف هذه التشريعات بخصوص هذه المسالة ليس من الدقة بمكان، فقد تكون هناك اكثر من محكمة ذو علاقة بالدعوى وبخاصة ما يتعلق بالانابات القضائية .فعلى سبيل المثال، قد يكون الشخص المراد تبليغه في مكان خارج الاختصاص المكاني للمحكمة (أ) والتي تختص بنظر الدعوى، فتقوم هذه المحكمة بانابة المحكمة (ب) والتي يتواجد فيها ذلك الشخص لتبليغه بورقة التبليغ القضائي وذلك بحكم اختصاصها المكاني، فهنا المحكمة التي قامت بالتبليغ هي المحكمة (ب) في حين ان المحكمة التي يجب الحضور أمامها هي المحكمة (أ).عليه، نرى ان موقف المشرع العراقي كان اكثر دقة وموضوعية من موقف باقي التشريعات بخصوص هذه المسألة، حيث يتكفل هذا البيان في المحصلة النهائية بحسم الدعوى بشكل سريع. يتضح ، ان الشكلية هي الصفة الغالبة للتبليغات القضائية، لكن ليست تلك الشكلية التي قد يتصورها البعض من ضرورة التقيد باجراءات محددة والتفوه بعبارات معينة، بل الشكلية المتسمة بمرونة تامة والتي لا تنكر ما للأفراد من حقوق وفي الوقت نفسه التي تحافظ على المصلحة العامة.

__________________________________________

1- د. آدم النداوي، فلسفة إجراءات التقاضي، مصدر سابق، ص41.

2- د. وجدي راغب، مصدر سابق، ص36. د. عبد المنعم الشرقاوي، د. فتحي والي، مصدر سابق، ص49. حسني مصطفى، إعلان الأوراق القضائية، منشأة المعارف، الإسكندرية، دون سنة نشر، ص5.

3- د. نبيل اسماعيل عمر، اعلان الأوراق القضائية، مصدر سابق، ص21-22.

4- د. وجدي راغب، مصدر سابق، ص36.

5- د. نبيل اسماعيل عمر، اعلان الأوراق القضائية، مصدر سابق، ص25.

6-Dr. valerie Lasserre، kiesow، Op.Cit.، P.2

7- د. آدم وهيب النداوي، مستلزمات تبسيط إجراءات التقاضي في قانون المرافعات، بحث منشور في مجلة القانون المقارن، العدد الثامن عشر، السنة الثانية عشر، جامعة بغداد، 1986، ص104.

8- أستاذنا د. عباس العبودي، التبليغ القضائي بوساطة الرسائل الالكترونية، مصدر سابق، ص31.

9- قرار محكمة التمييز المرقم 611/حقوقية ثانية/69 في 22/10/1969. أشار إليه الأستاذ ابراهيم المشاهدي، المبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز، قسم المرافعات المدنية، مطبعة الجاحظ، بغداد، 1990، ص113.

10- راجع المادة (16) مرافعات عراقي، المادة (9) مرافعات مصري، المادة (405) أصول لبناني، المادة (5) أصول أردني، المادة (648) إجراءات فرنسي.

11- د. أحمد أبو الوفا، المرافعات المدنية والتجارية، ط14، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1986، ص435-436. د. محمود محمد هاشم، مصدر سابق، ص162. جمال مولود ذيبان، مصدر سابق، ص76.

12- الأستاذ ضياء شيت خطاب، بحوث ودراسات في قانون المرافعات العراقي، معهد البحوث والدراسات العربية، جامعة الدول العربية، 1970، ص172. د. ممدوح عبد الكريم حافظ، شرح قانون المرافعات المدنية العراقي، ج1، ط1، مطبعة الأزهر، بغداد، 1972، ص291-292.

13- قرار محكمة التمييز المرقم 486/صلحية/65 في 24/4/1965، أشار إليه المشاهدي، مصدر سابق، ص112.

14- قرار محكمة النقض المرقم 2322 لسنة 55 ق، جلسة 28/1/1990، أشار إليه حسن الفكهاني، الموسوعة الذهبية للقواعد القانونية لمحكمة النقض المصرية، الدار العربية للموسوعات، القاهرة، دون سنة نشر، ص698.

15- محمد العشماوي، د. عبد الوهاب العشماوي، مصدر سابق، ص669.

16- د. ممدوح عبد الكريم، مصدر سابق، ص292. وذلك كأن نقول الخميس 6 تموز 2002، في حين أن الصحيح هو الخميس 5 تموز 2002 لأن تاريخ 6 تموز يصادف يوم الجمعة.

17- Jean vincent et Serge Guinchard، Op.Cit.، P.469.

18- الأستاذ ضياء شيت خطاب، شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية العراقي، مطبعة العاني، بغداد، 1967، ص254. د. ممدوح عبد الكريم، مصدر سابق، ص292.

19- د. نبيل اسماعيل عمر، أصول المرافعات المدنية والتجارية، ط1، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1986، ص703. عبد الرحمن العلام، شرح قانون المرافعات المدنية، ج1، مطبعة العاني، بغداد، 1970، ص231.

20- د. وجدي راغب، مصدر سابق، ص53.

21- قرار محكمة النقض المصرية رقم 204 سنة 28 ق جلسة 20/6/1963، س14، أشار إليه حسني مصطفى، مصدر سابق، ص53.

22- تنص المادة (58) مرافعات عراقي “1. يجب على المحكمة في أول جلسة يحضر فيها الخصوم أن تطلب إلى كل منهم بيان المحل المختار الذي يختاره لغرض التبليغ ويتبع ذلك عند نظر الاعتراض والاستئناف.

2. يكون هذا المحل معتبراً في تبليغ الأوراق اللازمة لسير الدعوى في جميع مراحل التقاضي مالم تخطر المحكمة والطرف الآخر بتغييره”.

23- د. نبيل اسماعيل عمر، إعلان الأوراق القضائية، مصدر سابق، ص50.

24- عبد الرحمن العلام، مصدر سابق، ص234. د. ممدوح عبد الكريم، مصدر سابق، ص293.

25- د. نبيل اسماعيل عمر، إعلان الأوراق القضائية، مصدر سابق، ص50.

26-نصت المادة (14) من قانون المرافعات المصري “تحكم المحكمة بغرامة لاتقل عن مائة جنيه ولا تجاوز اربعمائة جنيه على طالب الاعلان اذا تعمد ذكر موطن غير صحيح للمعلن إليه بقصد عدم وصول الاعلان إليه”.

27- د. نبيل اسماعيل عمر، أصول المرافعات المدنية والتجارية، مصدر سابق، ص713.

28- ضياء شيت خطاب، بحوث ودراسات، مصدر سابق، ص172. د. سعدون القشطيني، مصدر سابق، ص194-195. تجدر الاشارة أن قانون المرافعات العراقي يبين في م/28 العقوبات التي يمكن أن تطال القائم بالتبليغ وهو ما سنبحثه عند بحث مسؤولية القائمين بالتبليغ.

29- د. أحمد مسلم، أصول المرافعات، مصدر سابق، ص437. د. فتحي والي، الوسيط، مصدر سابق، ص273.

30- قرار محكمة النقض المرقم 587/41 ق في 16/3/1976، س27، أشار إليه أحمد هبة، موسوعة مبادئ النقض في المرافعات، ط1، عالم الكتب، القاهرة، 1986، ص199.

31- د. نبيل اسماعيل عمر، إعلان الأوراق القضائية، مصدر سابق، ص54.

32- قرار محكمة التمييز المرقم 2436/شخصية- شرعية/72 في 23/5/1972، أشار إليه المشاهدي، مصدر سابق، ص115.

33- قرار محكمة النقض المرقم 584 سنة 44 ق جلسة 7/12/1977، س28، أشار إليه الفكهاني، مصدر سابق، ملحق 3، ص980.

34- د. وجدي راغب، مصدر سابق، ص54.

35- قرار محكمة النقض المرقم 245 لسنة 52 ق، جلسة 26/2/1989، أشار إليه الفكهاني، مصدر سابق، ملحق 4، ص631.

36- راجع المادة (18) مرافعات عراقي.

37- قرار محكمة التمييز المرقم 1536/شخصية/75 في 17/11/1975، أشار إليه المشاهدي، مصدر سابق، ص121.

38- قرار محكمة التمييز المرقم 326/مدنية ثانية/72 في 26/7/1972، أشار إليه المشاهدي، مصدر سابق، ص116.

39- راجع المادة (19) مرافعات عراقي.

40- قرار محكمة التمييز المرقم 1299/مدنية رابعة/73 في 17/10/1973، أشار إليه المشاهدي، مصدر سابق، ص118.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .