يعتبر القبول ضمانة للحامل مقررة لمصلحته إن شاء استعمل هذه الضمانة وإن لم يشاء له الحرية في عدم استعمالها، فالأصل أن القبول حق اختياري للحامل لا يجبر على استعماله وإذا أغفل الحامل مطالبة المسحوب عليه بالقبول فإنه لا يعتبر مهملاً ولا يسقط حقه في الرجوع على الضامنين طالما أن الكمبيالة لم تتضمن شرط التقدم للقبول. وكذلك أيضاً حق المسحوب عليه في القبول، فالأصل أنه اختياري له؟ هذا هو المبدأ بالنسبة للحامل والمسحوب عليه، غير أن هذا المبدأ ترد عليه استثناءات سوف نوضحها، ونتكلم أيضاً عن إجراءات تقديم الكمبيالة للقبول.

أولاً: القبول حق اختياري للحامل :

الأصل أن طلب القبول حق اختياري للحامل وليس إلزاماً عليه، فقد يكتفي الحامل بتوقيع الساحب وتوقيع المظهرين ويقتنع بذلك ولا يطلب من المسحوب عليه قبول الكمبيالة، وقد أكد حرية الحامل في تقديم الكمبيالة للقبول نص المادة ٤٠٩ من قانون التجارة بقولها “يجوز لحامل الكمبيالة ولكل حائز لها حتى ميعاد الاستحقاق تقديمها إلى المسحوب عليه في موطنه لقبولها”.

غير أن هذا الأصل ترد عليه استثناءات أخرى يكون فيها الحامل مجبراً وملزماً بأن يقدم الكمبيالة للقبول واستثناءات أخرى يمتنع فيها على الحامل تقديم الكمبيالة للقبول.

١- الحالات التي يلتزم فيها الحامل بتقديم الكمبيالة للقبول :

أ- إذا تضمنت الكمبيالة شرط التقدم للقبول :

فقد يشترط الساحب في الكمبيالة تقديمها للقبول، وذلك إذا أراد الاطمئنان على موقف المسحوب عليه قبل ميعاد الاستحقاق وقد يكون هذا الشرط مقترن بميعاد معين تقدم الكمبيالة فيه للقبول، كان يقول مثلاً “تقدم للقبول خلال شهر من تاريخه”.

وقد نص القانون التجاري في المادة ٤١٠/١ على أنه ” يجوز لساحب الكمبيالة أن يشترط تقديمها للقبول في ميعاد يحدده أو بغير تحديد ميعاد” ، وإذا لم يقم الحامل بتقديم الكمبيالة للقبول وفقاً لهذا الشرط فإنه يلتزم بتعويض الساحب أو المظهرين عن الضرر الناشئ عن عدم تقديم الكمبيالة للقبول(1) .بالإضافة إلى ذلك يعتبر الحامل مهملاً ويسقط حقوقه وفقاً للشخص الذي يرجع عليه، فقد نص قانون التجارة في المادة ٤٤٧/٣ على أنه ” إذا لم تقدم الكمبيالة للقبول في الميعاد الذي اشترطه الساحب سقطت حقوق الحامل في الرجوع بسبب عدم القبول وعدم الوفاء على السواء إلا إذا تبين من عبارة الشرط أن الساحب لم يقصد منه سوى إعفاء نفسه من ضمان القبول وحده”.

وإذا أضاف أحد المظهرين هذا الشرط، فله وحده الإفادة منه، وقد نص قانون التجارة في المادة ٤٤٧/٤ على أنه ” إذا كان المظهر هو الذي اشترط في التظهير ميعاداً لتقديم الكمبيالة للقبول، فله وحده الإفادة من هذا الشرط”.

ب- إذا كانت الكمبيالة مستحقة الدفع بعد مدة معينة من الإطلاع :

الكمبيالة واجبة الدفع بعد مدة معينة من الإطلاع يتعين تقديمها للمسحوب عليه للاطلاع عليها حتى يتحدد ميعاد الاستحقاق، حيث أن ميعاد الاستحقاق لا يسري في هذه الحالة إلا من تاريخ القبول أو الإطلاع أو من تاريخ تحرير احتجاج عدم القبول، حيث نص قانون التجارة في المادة ٤٢٣ على أن ” يبدأ ميعاد استحقاق الكمبيالة الواجبة الوفاء بعد مدة من الإطلاع من تاريخ القبول أو من تاريخ الاحتجاج. فإذا لم يعمل الاحتجاج اعتبر القبول غير المؤرخ حاصلاً بالنسبة إلى القابل في اليوم الأخير من الميعاد المقرر لتقديم الكمبيالة للقبول”.

والميعاد المقرر لتقديم هذه الكمبيالة للقبول هو سنه من تاريخ تحريرها(2) فقد نص قانون التجارة في المادة ٤١١ على أن ” الكمبيالة المستحقة الوفاء بعد مضي مدة معينة من الإطلاع عليها يجب تقديمها للقبول خلال سنة من تاريخها. وللساحب تقصير هذا الميعاد أو إطالته. ولكل مظهر تقصير هذا الميعاد”. يتضح من ذلك أن ميعاد السنة التي يجب تقديم الكمبيالة هذه خلالها ليس متعلقاً بالنظم العام حيث أجاز المشرع للساحب تقصير هذا الميعاد أو إطالته. بل أن المشرع أعطى لكل مظهر الحق في تقصير هذا الميعاد دون الحق في إطالته. وقد ألزم المشرع الحامل بتقديم هذه الكمبيالة للقبول خلال سنة من تاريخها، وإلا سقط حقه في الرجوع على المظهرين وعلى الساحب أيضاً إذا ثبت أنه قدم مقابل الوفاء إلى المسحوب عليه. وقد نصت المادة ٤٤٧/١ من قانون التجارة على أن “تسقط حقوق حامل الكمبيالة قبل المظهرين والساحب وغيرهم من الملتزمين ما عدا القابل بمضي المواعيد المعينة لإجراء ما يلي :

أ- تقديم الكمبيالة المستحقة

الوفاء لدى الإطلاع أو بعد مدة معينة من الإطلاع ” ، وأضافت المادة ٤٤٧ في الفقرة الثانية أنه “ومع ذلك لا يفيد الساحب من هذا السقوط إلا إذا أثبت أنه أوجد مقابل الوفاء في ميعاد الاستحقاق، وفي هذه الحالة لا يبقى للحامل إلا الرجوع على المسحوب عليه”.

٢- الحالات التي يمتنع فيها على الحامل تقديم الكمبيالة للقبول:

أ – إذا تضمنت الكمبيالة شرط عدم القبول :-

وهو شرط يضعه الساحب في الغالب دون المظهرين، لأنه ليس من مصلحة المظهرين وضع هذا الشرط(3)، والساحب يضع هذا الشرط إما لأن مبلغ الكمبيالة قليل لا يتناسب مع مصاريف احتجاج عدم القبول وانتقال الحامل إلى المسحوب عليه، وإما لأن الساحب يرغب في الاحتفاظ بحق التصرف في مقابل الوفاء حتى يحين ميعاد مقابل الوفاء، أو يرغب في عدم تقديم مقابل الوفاء، أو لا يستطيع تقديمه قبل ميعاد الاستحقاق، أو يعلم الساحب أن المسحوب عليه لا يريد ذكر اسمه في الالتزام الصرفي رغم أنه لا يمانع في دفع قيمة الكمبيالة.ولا يجوز للساحب اشتراط عدم القبول إذا كانت الكمبيالة مستحقة الدفع عند شخص آخر غير المسحوب عليه او كانت مستحقة الوفاء في محل آخر غير المحل الذي يوجد فيه موطن المسحوب عليه أو كانت مستحقة الدفع بعد مدة من الإطلاع عليها حماية للحامل وبث الطمأنينة في الحصول على حقه في الحالات التي تستحق فيها الكمبيالة عند شخص غير المسحوب عليه او في موطن آخر غير موطن هذا الأخير كما أن اشتراط عدم القبول في حالة الكمبيالة الواجبة الوفاء بمجرد الإطلاع يتعارض وطبيعتها في هذا الخصوص(4)

وقد نص القانون التجاري في المادة ٤١٠/٢ على أنه ” وللساحب أن يشترط عدم تقديم الكمبيالة للقبول، ومع ذلك لا يجوز وضع هذا الشرط إذا كانت الكمبيالة مستحقة الدفع عند شخص آخر غير المسحوب عليه أو كانت مستحقة الوفاء في محل آخر غير المحل الذي يوجد فيه موطن المسحوب عليه أو كانت مستحقة الدفع بعد مدة معينة من الإطلاع عليها”.

وشرط عدم القبول قد يكون مطلقاً، وقد يوضع لميعاد معين يسترد بعده الحامل حقه في تقديمها للقبول، وفي ذلك تنص المادة ٤١٠/٣ من قانون التجارة على أنه “وللساحب أن يشترط أيضاً عدم تقديم الكمبيالة للقبول قبل ميعاد معين”. وإذا خالف الحامل هذا الشرط وقدم الكمبيالة للقبول إلى المسحوب عليه وقبلها فعلاً هذا الأخير رغم وجود هذا الشرط، كان قبوله صحيحاً ولكن يتحمل المسحوب عليه مسئوليته عن ذلك، حيث يحق للساحب رغم قبول المسحوب عليه التصرف في مقابل الوفاء حتى حلول ميعاد الاستحقاق لأن المسحوب عليه كان عليه أن يستجيب إلى أوامر الساحب في هذا الشأن. أما إذا رفض المسحوب عليه القبول – وهذا هو الغالب والطبيعي في حالة تضمين الكمبيالة هذا الشرط – فإنه لا يجوز للحامل إجراء احتجاج عدم القبول، أو الرجوع على الضامنين، ولكن إذا قام الحامل بعمل هذا الاحتجاج كان للمسحوب عليه – نتيجة التشهير به – والساحب والمظهرين الرجوع على الحامل بالتعويض للضرر(5)

ب- إذا كانت الكمبيالة مستحقة الدفع بمجرد الإطلاع :

الكمبيالة واجبة الدفع بمجرد الإطلاع، تقديمها للمسحوب عليه يعني الوفاء بقيمتها والمطالبة بدفعها فوراً، وفي ذلك تنص المادة ٤٢٢/١ من قانون التجارة على أن ” الكمبيالة المستحقة الوفاء لدى الإطلاع تكون واجبة الوفاء بمجرد تقديمها، ويجب أنتقدم للوفاء خلال سنة من تاريخ إصدارها. وللساحب تقصير هذا الميعاد أوإطالته وللمظهرين تقصيره”. لذلك يمتنع على الحامل تقديم الكمبيالة المستحقة الدفع بمجرد الإطلاع للقبول، لأن هذه الكمبيالة إذا قدمت للمسحوب عليه فإنها تقدم للوفاء لا للقبول، فإذا رفض المسحوب عليه الكمبيالة فإنه يكون ممتنعاً عن الوفاء بقيمتها ويحق للحامل أن يعمل احتجاج عدم الوفاء والرجوع على الساحب والضامنين، وإلا كان حاملاً مهملاً.

ثانياً: القبول حق اختياري للمسحوب عليه :

الأصل أن القبول حق اختياري للمسحوب عليه، له حرية قبول الكمبيالة أوعدم قبولها، فهو الذي يقدر الموقف، فقد يراجع حساباته مع الساحب ويرى أنه ليس مديناً له، أو أنه مدين بدين أقل من مبلغ الكمبيالة، أو أنه رغم أنه مدين بمبلغ يكفي الوفاء بقيمة الكمبيالة إلا أنه يفضل الوفاء للساحب مباشراً. أو أنه يفضل ألا يقبل الكمبيالة وينتظر ميعاد الاستحقاق حتى يصل إليه مقابل الوفاء من الساحب. وقد يرى أن يقبل الكمبيالة حتى ولو لم يصله مقابل الوفاء اعتماداً على ثقته في الساحب. ورغم حرية المسحوب عليه في قبول الكمبيالة إلا أنه استقر على إلزامه بالقبول في حالتين :

الحالة الأولى : إذا كان هناك اتفاق سابق بين المسحوب عليه والساحب على قبول الكمبيالات التي تسحب عليه. وهذا الاتفاق يجري عادة بين أحد عملاء البنوك التي يفتح له البنك اعتماد وبين البنك، أو يكون له حساب لدى هذا البنك ويتفق معه على قبول الكمبيالات المسحوبة عليه في حدود هذا الاعتماد أو الحساب. وأساس إلزام المسحوب عليه في هذه الحالة هو العقد بين الساحب والمسحوب عليه، فإذا أخل المسحوب عليه بهذا الاتفاق كان للساحب الرجوع عليه بالتعويض.والمفروض أن هذا الاتفاق يسري بين الساحب والمسحوب عليه فقط إلا أنه يجوز للحامل أن يستعمل حق مدينة الساحب والرجوع بدعوى غير مباشرة على المسحوب عليه لقبول الكمبيالة(6)

الحالة الثانية : إذا كان هناك عرف تجاري يلزم المسحوب عليه بقبول الكمبيالة، ويكون عادة هذا العرف متواجداً إذا كان كل من الساحب والمسحوب عليه تاجراً وكانت العلاقة بينهما تجارية أو ارتبطت الكمبيالة بهذه العلاقة حيث يستطيع التاجر سحب كمبيالة على مدينة التاجر لتحصيل هذا الدين التجاري. ويكون المسحوب عليه مسئولاً عن التعويض إذا رفض القبول وسبب ذلك ضرراً للساحب (7 ) والمسحوب عليه قد يقبل الكمبيالة من أول مرة تقدم إليه لقبولها، وقد يطلب تقديم الكمبيالة للقبول مرة ثانية في اليوم التالي للتقدم الأول ولا يعتبر ذلك رفضاً للقبول، وفي ذلك تنص المادة ٤١٢ من قانون التجارة على أنه “يجوز للمسحوب عليه أن يطلب تقديم الكمبيالة للقبول مرة ثانية في اليوم التالي للتقديم الأول ولا يقبل من ذوي المصلحة الادعاء بأن هذا الطلب قد رفض إلا إذا ذكر في الاحتجاج”.

ثالثاً: إجراءات تقديم الكمبيالة للقبول :

١- من له التقدم بطلب القبول :

يجوز التقدم بطلب قبول الكمبيالة من الحامل او نائبه، كما يجوز تقديمها من كل حائز لها، فتكفي الحيازة المادية للكمبيالة حتى يكون لحائزها صفة التقدم بالقبول، وليس للمسحوب عليه مطالبة الحائز بإثبات أنه الحامل الشرعي أو تبرير حيازته للكمبيالة، ولكن يجوز للمسحوب عليه أن يمتنع عن قبول الكمبيالة التي آلت إلى حاملها عن طريق السرقة أو الضياع إذا تلقى إخطاراً بذلك من مالكها الشرعي (8) ولا يلزم حامل الكمبيالة المقدمة للقبول بالتخلي عنها للمسحوب عليه، وفي ذلك تنص المادة ٤١٢/٢ من قانون التجارة على أنه “ولا يلزم حامل الكمبيالة المقدمة للقبول بالتخلي عنها للمسحوب عليه”. والكمبيالة تقدم للقبول في موطن المسحوب عليه ما لم يتفق على محل آخر(9)، والكمبيالة يتم قبولها في موطن المسحوب عليه ولو تضمنت موطناً آخر للوفاء بقيمتها، وفي ذلك تنص المادة ٤٠٩ تجاري على أنه “يجوز لحامل الكمبيالة ولكل حائز لها حتى ميعاد الاستحقاق تقديمها إلى المسحوب عليه في موطنه لقبولها”.

٢- ممن يصدر القبول :

يصدر القبول من المسحوب عليه أو وكيله، وإذا عين الساحب أو أحد المظهرين قابلاً احتياطياً جاز له القبول إذا امتنع المسحوب عليه الأصلي عن القبول، وإذا توفى المسحوب عليه أو القابل الاحتياطي جاز أن يصدر القبول من الورثة.

٣- وقت تقديم الكمبيالة للقبول :

للحامل أو الحائز تقديم الكمبيالة للقبول في أي وقت بين إنشائها وتاريخ الاستحقاق. ولكن إذا كانت الكمبيالة مستحقة الدفع بعد مدة معينة من الإطلاع فإنه يجب على الحامل تقديمها خلال سنة من تاريخها (مادة ٤١١ تجاري)، وإلا سقط حقه في الرجوع على الضامنين مادة ٤٤٧/١ تجاري ويجوز للساحب تقصير هذا الميعاد أو إطالته، ولكل مظهر تقصير هذا الميعاد

__________________

1- راجع د/ سميحة القليوبي، الأوراق التجارية، الطبعة الثالثة ١٩٩٩ م ، دار النهضة العربية، ص ١٤٠ ، وأيضاً . د/ محمود سمير الشرقاوي – الأوراق التجارية – طبعة ١٩٩٣ م، ص ١٩٠ دار النهضة العربية. ، ص ١٦٦ ، وأيضاً د/ محسن شفيق، المطول في الاوراق التجارية، ص ٣٤٣

2- كانت المجموعة التجارية الملغاة في المادة ١٦٠ تقرر مدة ستة أشهر لتقديم هذه الكمبيالة للقبول، ولكن يبدو

أن المشرع في قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ راعى أن الستة أشهر غير كافية لحركة تداول الكمبيالة لذلك

مدها إلى سنة.

3- د/ محسن شفيق، المرجع السابق، ص ٣٤٢ .

4-د/ سميحة القليوبي، المرجع السابق، ص ١٤٣

5- د/ سميحة القليوبي، المرجع السابق، ص ١٤3.

6- د/ محمود سمير الشرقاوي، المرجع السابق، ص168.

7- د/ مصطفى كمال طه، القانون التجاري، مؤسسة الثقافة الجامعية، طبعة ١٩٨٣ ، ١٢٠ ، وأيضاً د/ محسن شفيق، المرجع السابق، ص ٣٤٤ .

8- د/ محمود سمير الشرقاوي، المرجع السابق، ص ١٦٩ .

9- د/ سميحة القليوبي، المرجع السابق، ص ١٤٥

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .