اضاءات حول دعوى تهيئة الدليل في القانون الكويتي

دعوى تهيئة دليل والحكم فيها “بانتهاء الدعوى، مع إبقاء البت في المصاريف”

* يحدث كثيراً في العمل أن ترفع دعوى مستعجلة لمجرد تهيئة الدليل قبل رفع الدعوى الموضوعية, كما في دعاوى إثبات الحالة والدعاوى التي ترفع بطلب انتقال المحكمة ذاتها (أو ندب أحد الخبراء لذلك) لمعاينة معالم واقعة يحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء إذا كان يخشى زوال هذه المعالم بمضي الوقت. ومن ذلك أيضا الدعاوى التي ترفع بطلب سماع شاهد يوشك أن يموت أو مزمع سفراً قد لا يعود منه، في موضوع لم يطرح بعد على القضاء ويحتمل عرضه عليه. وعلي العموم قد ترفع الدعوى للاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند المنازعة فيه.
ودعوى تهيئة دليل، في الأصل هي من الدعاوى المُستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت.

ومن أمثلتها:

دعوى التحقيق الأصلية، فهي دعوى لسماع شهادة شاهد على وشك الموت أو على وشك مغادرة البلاد نهائياً بلا رجعة.

فتنص المادة 51 من قانون الإثبات الكويتي رقم 39 لسنة 1980 على أنه: “يجوز لمن يخشى فوات فرصة الاستشهاد بشاهد على موضوع لم يعرض بعد أمام القضاء ويحتمل عرضه عليه، أن يطلب في مواجهة ذوي الشأن سماع هذه الشهادة، ويقدم هذا الطلب بالطرق المعتادة لقاضي الأمور المستعجلة، وتكون مصروفاته كلها على من طلبه …”.

ومن أمثلتها كذلك:

بل وأكثرها شيوعاً في العمل، دعاوى “إثبات الحالة”، فتنص المادة 72 من قانون الإثبات الكويتي رقم 39 لسنة 1980 على أنه: “يجوز لمن يخشى ضياع معالم واقعة يحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء، أن يطلب في مواجهة ذوي الشأن، بالطرق المعتادة من قاضي الأمور المستعجلة، الانتقال للمعاينة … ويجوز لقاضي الأمور المستعجلة في الحالة سالفة الذكر أن يندب أحد الخبراء للانتقال للمعاينة وسماع الشهود بغير يمين …”.

ودعاوى تهيئة الدليل، ترفع أمام قاضي الأمور المستعجلة، طبقاً للقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 31 من قانون المرافعات الكويتي رقم 38 لسنة 1980 والتي يقضي فيها قاضي الأمور المستعجلة بصفة وقتية ومع عدم المساس بأصل الحق باعتبارها من المسائل التي يخشى عليها من فوات الوقت.

ولما كانت دعوى إثبات الحالة لا تعدو أن تكون من الدعاوى المستعجلة التي يختص بها القضاء المستعجل إذ أن المشرع وقد اشترط (في المادة 134 من قانون الإثبات المصري) لاختصاصه بنظرها توافر الاستعجال وعدم المساس بـأصل الحق فإن هذين الشرطين هما المقرران لأصل ولايته العامة (المنصوص عليها في المادة 45 من قانون المرافعات المصري)، ومن ثم يتعين أن تخضع للقواعد العامة التي تخضع لها غيرها من الدعاوى المستعجلة، فقاضي الأمور المستعجلة مقيد في شأنها بنفس القيود التي يتقيد بها في صدد الدعاوى المستعجلة الأخرى.

(لطفاً، المرجع: “القضاء المستعجل وقضاء التنفيذ” – للمستشار/ عز الدين الدناصوري – الطبعة السابعة 2002 القاهرة – صـ 355).

ولما كانت صفة الاستعجال تتوفر في الدعوى إذا كان الإجراء المطلوب مقصوداً منه إثبات حق يحتمل ضياعه إذا ترك وشأنه، أو تأكيد معالم طالت مدتها أو قصرت قد ينازع فيها مستقبلاً. كما لا يمنع من اختصاص القضاء المستعجل في الفصل في تلك الدعوى كون الوقائع المطلوب إثباتها مضى عليها زمن قبل رفع الدعوى متى كانت قابلة للتغيير والزيادة من وقت لآخر، ويستوي في هذا أن تكون الخشية راجعة إلى عوامل طبيعية أو إلى فعل الغير أو إلى فعل الخصم نفسه.

ويختص قاضي الأمور المستعجلة بإثبات الحالة وإجراء التحقيق لتحصيل دليل آجل تمهيدي لنزاع مستقبلي. (لذا تعد دعوى إثبات الحالة دعوى “تهيئة دليل”). ويجوز الحكم بإثبات حالة واقعة مادية يصح أن تكون محل نزاع مستقبلاً متى كان يخشى أن تزول آثارها بمرور الوقت. لا سيما وأن القضاء في دعوى إثبات الحالة هو قضاء مؤقت لا يفصل في أمر يثبت فيه حقاً إنما هو بمثابة إجراء يرى القاضي من ظروف الدعوى أن الحاجة ماسة إليه للمحافظة على الحق الذي ستفصل فيه محكمة الموضوع. كما أن هذه الإجراءات يجوز نقض أثرها من محكمة الموضوع التي لها سلطة تقديرية في تقدير الأدلة المقدمة لها.

(لطفاً، المرجع: “القضاء المستعجل وقضاء التنفيذ” – للمستشار/ عز الدين الدناصوري – الطبعة السابعة 2002 القاهرة – صـ 371 : 375).

هذا، ومن المُقرر قضاءً أنه: “لما كان المراد بالاستعجال المبرر لاختصاص قاضي الأمور المستعجلة للحكم في دعوى إثبات الحالة هو الخشية من ضياع معالم واقعة يحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء ويشترط في تلك الواقعة أن تكون … أو لتأكيد واقعة طالت مدتها أو قصرت قد تتغير مع الزمن وتضيع كل أو بعض آثارها … فإن دعوى إثبات الحالة ما هي إلا مجرد تصوير مادي واقعي لحالة يصح أن تكون محل نزاع في المستقبل أمام قضاء الموضوع”.

(الحكم الصادر في الدعوى رقم 561 لسنة 1983 مستأنف مستعجل القاهرة بجلسة 30/4/1983 ومنشور في المبادئ القضائية في القضاء المستعجل ومنازعات التنفيذ للأستاذ/ هرجه – طبعة سنة 1984 – صـ 75. المصدر: “القضاء المستعجل وقضاء التنفيذ” – للمستشار/ عز الدين الدناصوري – الطبعة السابعة 2002 القاهرة – صـ 375 و 376).

وفي دعاوى إثبات الحالة، إذا ندب القاضي أحد الخبراء للمعاينة أو لسماع شهادة الشهود بغير يمين، ثم أودع الخبير تقريره بملف الدعوى، فهنا تقضي المحكمة “بانتهاء الدعوى” مع إرجاء البت في المصاريف لحين الفصل في الدعوى الموضوعية. لأن المصاريف القضائية يلتزم بها خاسر الدعوى، ودعوى إثبات الحالة ليس فيها لا خاسر ولا فائز، فهي مجرد تصوير للواقع الذي يخشى عليه من فوات الوقت لا أكثر، وهذه المصاريف تضاف عند رفع الدعوى الموضوعية ويلزم بها خاسر الدعوى الموضوعية، الذي أقيمت دعوى تهيئة الدليل لخدمتها ولتقديمه فيها.

وطبقاً للقواعد العامة، فالأحكام الصادرة من قاضي الأمور المستعجلة، يتم استئنافها أمام دائرة المستأنف المستعجل (المحكمة الابتدائية بهيئة استئنافية)، وأحكام تلك الأخير لا يجوز الطعن عليها بطريق النقض أو التمييز – كأصل عام – أولاً: لكونها صادرة من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية؛ وثانياً: لأنها دعوى ندب خبير، ومحكمة النقض أو التمييز (كأصل عام) لا تحيل للخبراء ولا تجري تحقيقاً ولا تتطرق لأي طريق من طرق الإثبات، لأنها ليست محكمة “موضوع” بل هي محكمة “قانون” تحاكم الحكم المطعون فيه فقط.

هذا، وقد جرى قضاء مجلس الدولة في مصر (لا سيما قضاء المحكمة الإدارية العليا) على أن: “اختصاص القضاء الإداري لا يمتد إلى دعوى تهيئة ا لدليل إذا كانت مرفوعة استقلالاً عن دعوى موضوعية مما يدخل في اختصاصه. ولكن يجوز رفع هذه الدعوى في مجال القضاء الإداري إذا رفعت مرتبطة بدعوى من دعاوى الإلغاء أو من دعاوى القضاء الكامل أو من دعاوى المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية، فعندئذ يكون قاضي الأصل هو قاضي الفرع، فيختص القضاء الإداري بنظر دعوى تهيئة الدليل باعتبارها منازعة متفرعة عن النزاع الموضوعي الأصلي الذي يدخل في ولايته القضائية”.

(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 851 لسنة 26 قضائية – جلسة 20/2/1982 – مجموعة المكتب الفني – السنة 27 – صـ 332 – القاعدة رقم 47).

ومن المُقرر في قضاء محكمة الاستئناف الكويتية أن: “المستأنف خاصم المستأنف عليه بالدعوى رقم …… مدني كلي ابتغاء الحكم بإلزامه بأن يؤدي للمستأنف مبلغ …… دينار كويتي تعويض جابر للضرر الأدبي والمادي والمصروفات والأتعاب وحفظ حق المدعى فيما يتعلق بالضرر المرجح حدوثها له. وحيث أنه بجلسة – قضت محكمة أول درجه بانتهاء الدعوى وأبقت الفصل في المصروفات، وأقامت قضائها على أن الطلبات الختامية للمستأنف طلب ندب الطبيب الشرعي لفحص حالته تمهيدا للحكم بالتعويض وباستجوابه عاد إلى التأكيد بندب الطب الشرعي لفحص حالته وقد قدم الخبير المنتدب تقريره بنهاية استقرار حالة المستأنف وكانت المحكمة تطمئن إلى سلامة النتيجة التي خلص إليها الخبير المنتدب ولا إلزام عليها بإعادة المأمورية إلى خبير آخر ومن ثم تكون الدعوى بلغت منتهاها مما تقضي معه المحكمة بانتهاء الدعوى … ولما كانت هذه الطلبات موضوعيه وكانت مطروحة على محكمة أول درجه وكان يتعين عليها أن تقول كلمتها فيه بقضاء موضوعي إلا إنها حجبت نفسها على سند من أن الطلبات الختامية للمستأنف قاصرة على طلب ندب الطبيب الشرعي لفحص حالة المستأنف فقط وقد قدم الخبير المنتدب تقريره بنهاية استقرار حالة المستأنف واطمئنانها إلى سلامة النتيجة التي خلص إليها ولا إلزام عليها إعادة المأمورية إلى خبير آخر ومن ثم تكون الدعوى قد بلغت منتهاها، فأغفلت طلب الحكم بالتعويض الوارد بصحيفة الدعوى والذي لم يقم دليل على تنازله عنه فظل مطروحا على المحكمة لتفصل فيه بما يستوجب إلغاء الحكم المستأنف”.

(حكم محكمة الاستئناف في الطعن رقم 694/98/1999 مدني – الصادر بجلسة 24/2/1999).(1)

كما جرى قضاء محكمة التمييز الكويتية أنه: “أقيمت دعوى مطالبة بندب خبير لتقدير قيمة أرض وفق الأسعار السائدة والتعويض، وقضت تلك المحكمة برفض الدعوى. وطُعِنَ بالاستئناف فقُضِيَ بانتهاء الدعوى، على سند أن دور هذه المحكمة قاصر على مجرد إثبات قيمة الأرض محل التداعي والأضرار التي لحقت المستأنفين دون أن يمتد ذلك إلى تقدير الدليل المستمد من التقرير باعتبار أن ذلك يجاوز نطاق الدعوى، ومحله دعوى أصل الحق التي يتناضل فيها ذو الشأن أمام الجهة المختصة، مما لا محل معه لما يثيره المستأنف عليه بشأن مضمون التقرير وتحديد الجهة بالفصل في مقدار التعويض”.

(حكم محكمة التمييز في الطعن رقم 28 لسنة 1989 مدني – الصادر بجلسة 8/3/1993).

التطبيق:

وهدياً بما تقدم، فمن الأرجح أن محكمة الاستئناف قد كيفت طلبكم بـ : “بندب أحد خبراء وزارة العدل لتكون مهمته إثبات الاتفاق الذي جرى بينكم وبين المدعى عليه بشأن واقعة الوساطة وقيمة أجرة السمسار. ومن ثم: احتساب أجركم تمهيداً للمطالبة بما يسفر عنه تقرير الخبير”. كيفت محكمة الاستئناف هذا الطلب بأنه “طلب إثبات حالة” أي باعتباره تهيئة دليل لتقديمه في دعوى مستقبلة، ومن ثم فيكون دور هذه المحكمة – في هذه الدعوى – قاصراً على مجرد إثبات الحالة محل التداعي دون أن يمتد ذلك إلى تقدير الدليل المستمد من التقرير باعتبار أن ذلك يجاوز نطاق دعوى إثبات الحالة (دعوى تهيئة الدليل)، والذي يكون محله (أي تقدير الدليل) دعوى أصل الحق التي يتناضل فيها ذو الشأن أمام جهة القضاء المختصة. ومن ثم فمن المرجح أنها أبقت الفصل في المصاريف، للأسباب السالف ذكرها آنفاً. وهذا الحكم – بهذه المثابة – ليس حكماً للصالح وليس حكماً للضد، فهو مجرد تصوير واقعي لحالة – من المفترض فيها – أنه يخشى عليها من فوات الوقت. ولكن طالما كانت تلك الدعوى هي دعوى تهيئة دليل وندب خبير لإثبات واقعة التعاقد وإثبات أجرة السمسرة، وكان تقرير الخبير قد انتهى إلى نتيجة نهائية مفادها عدم وجود تعاقد وعدم استحقاق السمسرة، ومن ثم فإن الحكمة من إقامة تلك الدعوى لتهيئة دليل قد انتفت (وآتت الرياح بما لا تشتهي السفن) ولا يصلح هذا الحكم لتقديمه كدليل في الدعوى الموضوعية التي تبغون رفعها مستقبلاً للمطالبة بما كنتم تأملون أن يحتسبه الخبير لكم كأجر للسمسرة.
هذا، والله أعلى وأعلم،،،

(1) مع كامل الاحترام، فهذا الحكم، كما صيغ، محل نظر من الناحية القانونية، فالطلب الذي تغفل محكمة أول درجة الفصل فيه، لا يكون محلاً للطعن عليه بالاستئناف، وإنما سبيل معالجة هذا الوضع، أن يتم تقديم طلب لمحكمة أول درجة للفصل في الطلب الذي أغفلت الفصل فيه، فما لم تفصل فيه المحكمة لا يصلح أن يكون محلاً للطعن أمام المحكمة الأعلى درجة. وأحكام المحاكم العليا مستقرة على ذلك، ولكن لا مجال لإيرادها هنا، ولكن لزمه التنويه فقط. علماً بأن نص المادة 126 من قانون المرافعات الكويتي تقضي بذات الحكم. هذا، والله أعلى وأعلم،،،

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .