السؤال

السلام عليكم ابي يمتلك عمارة في قريتنا وقد تبرع بدور كامل للازهر لاقامة مدرسة ابتدائي ازهري عشرة فصول منذ عام 1982 ولكن منذ عام قدمت المدرسة بلاغ بان المبني معرض للسقوط وانهم سيخلو المدرسة ويغلقوها او ستظل لحفظ ملفات فقط وقد استبدلوها بمدرسة اخري نحن الان نريد استرداد هذا الدور طالما انهم لن يستفيدو به فما العمل ؟

رأيى الشخصى 

منقول

العقد ينقسم إلى لازم وغير لازم:

اللازم: هو ما ليس لأحد عاقديه فسخه دون رضا الآخر، كالبيع والإجارة، والأصل في العقود اللزوم؛ لأن الوفاء بالعقود واجب شرعاً لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}[المائدة1].

وغير اللازم أو الجائز كما يسميه بعض الفقهاء: هو ما يملك كل من طرفيه أو أحدهما فقط فسخه دون رضا الآخر، ومن العقود غير اللازمة للطرفين: وهي التي يملك كل من العاقدين فيها حق الفسخ والرجوع كالهبة.

والهبة في الشرع: هي تمليك الإنسان شيئا من ماله لغيره في حياته بلا عوض، فإذا كان التمليك بعد الوفاة كان وصية، وإذا كان بعوض كان بيعا وتجري عليه أحكام البيوع.

والهبة في الحياة بدون عوض مشروعة بل مندوبة لما فيها من تأليف القلوب، وقد جاء في الحديث الحسن “تهادوا تحابوا” وكما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تقديمها حث على قبولها، ففي حديث أحمد “من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف -أي تطلع- ولا مسألة فليقبله ولا يرده، فإنما هو رزق ساقه اللّه إليه ” وكان عليه الصلاة والسلام يقبل الهدية، فقد جاء في رواية أحمد “لو أهدى إلىَّ كراع لقبلت” و الكراع من عظام الأطراف .

و الهبة تستحق للموهوب له بمجرد العقد حتى لو لم يقبضها، كما قال مالك وأحمد، لكن أبا حنيفة والشافعي شرطا القبض حتى تكون لازمة، جاء في فتح الوهاب لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله : (وشرط في ملك موهوب) بالهبة المطلقة (قبض بإذن) فيه من واهب (أو إقباض منه) وإن تراخى القبض عن العقد أو كان الموهوب بيد المتهب).

والرجوع في الهبة حرام عند جمهور العلماء، إلا إذا كانت من الوالد لولده، فإن له أن يرجع فيها، لما رواه أصحاب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” لا يحل لرجل أن يعطى عطية أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطى ولده”، وحكم الوالد حكم الوالدة، ويستوي في الولد أن يكون كبيراً أو صغيراً، ذكراً كان أو أنثى .

وجاء في النهي عن الرجوع في الهبة حديث الترمذي وغيره وهو حسن صحيح: “مثل الذي يعطى العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل ،فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه”. وفي إحدى الروايات “ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه”.

وبخصوص السؤال نقول: إن هذا التنازل عن هذه الأرض ثبت لصديقك قولاً، وقد تم الاتفاق على ذلك ضمناً، فإن تم التنازل عنها فعليا، ودخلت في ملكيته بالتنازل الرسمي، فعند جمهور الفقهاء كما أسلفناه سابقاً على أن الهبة تستحق للموهوب له بمجرد العقد حتى لو لم يقبضها، كما قال مالك وأحمد، لكن أبا حنيفة والشافعي شرطا القبض حتى تكون لازمة، هذا هو رأى الجمهور في حرمة الرجوع في الهبة.

وقال أبو حنيفة: ليس له الرجوع فيما وهب لابنه ولكل ذي رحم من الأرحام، وله الرجوع فيما وهبه للأجانب لكن بعد التسليم لا يصح إلا بقضاء قاض أو برضاء الموهوب له، جاء في الفتاوى الهندية: ( فِي الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ مَكْرُوهٌ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَيَصِحُّ، كَذَا فِي التَّتَار ْخَانِيَّة ).

وقال أيضاً: ( يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّ الْهِبَةَ أَنْوَاعٌ، هِبَةٌ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَهِبَةٌ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ لِذِي رَحِمٍ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ أَوْ لِمَحْرَمٍ لَيْسَ بِذِي رَحِمٍ وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ إلَّا أَنَّ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لَا يَنْفَرِدُ الْوَاهِبُ بِالرُّجُوعِ بَلْ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا أَوْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَنْفَرِدُ الْوَاهِبُ بِذَلِكَ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ ).

فالخلاصة نقول لك أيها السائل إن كان قد تم التنازل عنها بنقل ملكيتها رسمياً إلى الموهوب له فقد تم قبضها فيحرم الرجوع بهبتك بدون إذن الموهوب له برأي الجمهور. إلا في قول الحنفية يحق الرجوع بعد التسليم إذا كانت الهبة لغريب ولو بعد القبض والتنازل لكن بشرط رضا الموهوب له أو قضاء قاض، والله أعلم.

والخلاصة

الهبة مندوبة شرعا، ورغب الشارع الحكيم فيها، وتملك الهبة بالعقد عند المالكية والحنابلة، وبالقبض عند الحنفية والشافعية، ويجوز عند الحنفية الرجوع في الهبة بعد القبض إذا كانت لغريب لكن بشرط رضاء الموهوب له أو حكم قاض. والله أعلم