اختصاص القضاء المستعجل في المنازعات الضريبية

خصوصية القضاء الإستعجالي في المادة الإدارية – المنازعات الضريبية نموذجا

انطلاقا من مقتضيات الفصلين 149 و152 من ق م م ، فإن القواعد الموضوعية لانعقاد اختصاص القضاء المستعجل تنحصر في توافر شرط الاستعجال في المنازعة المطروحة عليه، و الشرط الثاني هو أن يكون المطلوب إجراءا وقتيا لا فصلا في أصل الحق، وهو ما يسمى بشرط عدم المساس بجوهر النزاع .

وتعتبر هاته القواعد الموضوعية قواعد مشتركة بين القضاء المستعجل سواء أمام المحاكم العادية أوالمحاكم الإدارية ، ذلك أن المادة 7 من القانون 90-41 المنشئ للمحاكم الإدارية قد أحالت على مقتضيات الفصلين 149 و 152 من ق م م، وذلك حينما نصت على أنه تطبق ” أمام المحاكم الإدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خلاف ذلك.”

وبالرجوع الى مقتضيات المادة 19 من القانون 90-41 المنشئ للمحاكم الإدارية، نجدها قد نصت على أن رئيس المحكمة الإدارية أو من ينوب عنه بصفته قاضيا للمستعجلات والأوامر القضائية يختص بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية.

وانطلاقا من وحدة القانون المسطري والمتمثل في مقتضيات قانون المسطرة المدنية، فإن اختصاص القضاء الاستعجالي سواء بالمحاكم العادية أو بالمحاكم الإدارية، مشروط -وبمقتضى الفصلين 149 و 152 من قانون المسطرة المدنية – بتوافر حالة الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق، وهما شرطان متلازمان إذا انعدم أحدهما زال اختصاص قاضي الأمور المستعجلة لفائدة قضاء الموضوع،ذلك أن المقصود بأصل الحق الممنوع على القضاء المستعجل المساس به هو السبب القانوني الذي يحدد حقوق كل من الطرفين والتزاماته قبل الآخر و يحظر عليه تناوله بالتفسير والتأويل وتأسيس قضاءه بذلك على أسباب تمس أصل الحق أو تعرض لقيمة المستندات المدلى بها أو تأمر باتخاذ إجراء تمهيدي بإثبات أصل الحق المقصود بالحماية من خلال الإجراء المطلوب، غير أن شرط عدم المساس بأصل الحق هذا لا يمنع قاضي الأمور المستعجلة من البحث في المستندات المقدمة إليه بحثا عرضيا يلتمس من ظاهره في ضوء سلطته التقديرية من جهة أي الطرفين أجدر بالحماية .[1]

غير أنه و إذا كان شرطي الاستعجال وعدم المساس بالموضوع هما شرطان مشتركان بين القضاء العادي والقضاء الإداري، فإن القضاء الإداري الاستعجالي قد أضاف شرط الجدية كشرط موضوعي ثالث إلى جانب شرطي الاستعجال وعدم المساس بالموضوع في مجال المنازعات الجبائية .

وللوقوف على طبيعة هذا الشرط الجديد المضاف من طرف القاضي الإداري، فإننا سنخصص( المبحث الأول ) للوقوف على تحديد مفهوم شرط جدية، على أن نخصص (المبحث الثاني) للوقوف على الطبيعة القانونية لهذا الشرط ومعيار استخلاصه من طرف القضاء الإداري الاستعجالي .

المبحث الأول : مفهوم شرط الجدية

إذا كان شرط الجدية هو شرط موضوعي جديد بالنسبة للقضاء المستعجل في المادة الضريبية ( المطلب الثاني ) ، فان هذا الشرط ليس جديدا على قضاء الإلغاء ( المطلب الأول ) .

المطلب الأول : مفهوم الجدية كشرط لوقف تنفيذ القرارات الإدارية

يعتبر شرط الجدية أو شرط الأسباب الجدية شرطا موضوعيا من بين شروط وقف تنفيذ القرارات الإدارية، والحديث عن وقف تنفيذ القرارات الإدارية هو خروج عن اختصاص القضاء المستعجل و القضاء الشامل[2]، والاندراج في مجال اختصاص قضاء الإلغاء .[3] فبالرغم من عدم التنصيص في المادة 24 من القانون المنشئ للمحاكم الإدارية في المغرب[4] على شرط الجدية كشرط لوقف تنفيذ القرارات الإدارية، إلا أن الاجتهاد القضائي المغربي ساير نظيره في فرنسا ومصر، و استقر على ضرورة توافر شرطين موضوعيين أساسين في طلب وقف تنفيذ القرار الإداري وهما شرط جدية أسباب الطعن لإلغاء القرار الإداري المطعون فيه أمام قاضي الموضوع[5]، وشرط الاستعجال لتفادي أن يلحق تنفيذ القرار الإداري بالمدعي أضرارا يتعذر إصلاحها مستقبلا. و المقصود بالأسباب الجدية كأحد شروط وقف تنفيذ القرارات الإدارية، هي تلك الأسباب التي يقدمها طالب الإيقاف، و التي من شأنها أن تـؤدي إلى إبطال القرار الإداري محل طلب وقف التنفيذ من طرف قاضي الموضوع، هذه الأسباب التي وصفها القضاء الإداري المصري برجحان إلغاء القرار الإداري، أو الحالة التي يتأكد فيها بأن إلغاء القرار أمرا لا مفر منه.[6] غير أن ما يتميز به شرط الجدية عن شرط الاستعجال، هو أن شرط الجدية يأخذ وضعه في دائرة المشروعية ومن منظورها ويكتسب معناها المتطلب لإلغاء القرار المطعون فيه .[7]

المطلب الثاني : مفهوم الجدية في المنازعات الجبائية

بالرغم من غموض مفهوم جدية المنازعة في المنازعات الجبائية، فقد عمل الاجتهاد القضائي الإداري المغربي[8] على تحديد هذا المفهوم في الحالة التي ينازع فيها الملزم في صفته كملزم، مثل الدفع بعدم الخضوع للضريبة أصلا أو حالة المنازعة في قانونية فرض الضريبة، كأن يخضع ملزم لضريبة وهو معفى منها بمقتضى القانون، أو في حالة عدم احترام فرض الضريبة وفق القواعد المسطرية المحددة قانونا .[9] كما أن شرط الجدية يكون متوفرا عند المنازعة “من جهة في مبدأ فرض الضريبة باعتبار أن الضريبة المطالب بها قد طالها التقادم الرباعي، ومن جهة ثانية في عدم احترام القابض لمسطرة تدرج متابعات التحصيل الجبري، الأمر الذي يقتضي بإيقاف إجراءات التحصيل الجارية في حق الطرف المستأنف عليه إلى حين البت في دعوى الموضوع مادامت المنازعة تنصب على أسباب جدية “.[10] و”إذا كان الملزم بالضريبة ينازع كليا أو جزئيا في قيمة الضريبة، فإنه يتعين عليه قبل تقديم طلب إيقاف إجراءات التحصيل أمام المحكمة، تكوين الضمانة المنصوص عليها في المادة 117 من مدونة التحصيل وأنه لا يعفى من أدائها إلا إذا كان ينازع في مبدأ فرض الضريبة أي في صفته كملزم بها أو في مشروعيتها بصفة جدية “.[11] وعدم احترام مبدأ تدرج المتابعات قبل إجراء الحجز التي تقتضي توجيه الإنذار بدون صائر والتبليغ و التسليم للإنذار القانوني بأداء الدين العمومي قبل الإقدام على عملية الحجز، تشكل صورة من صور الأسباب الجدية، و” ذلك بصرف النظر عن المنازعة في أساس الدين موضوع الطلب باعتبار اختصاص جهة القضاء العادي في ذلك وأن حالة الاستعجال قائمة بالنظر لما يترتب عن مواصلة التنفيذ بعد بيع الأصل التجاري من صعوبة إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه” .[12] و كما عبرت عنه المحكمة الإدارية بمراكش أحسن تعبير في حكمها الصادر بتاريخ 25/9/2001 حين اعتبرت بأن الجدية في المنازعة تكمن في عدم وجود مبررات الفرض والتحصيل واقعا وحكما، وذلك عندما تبث لها بان ” الطالب ينازع أصلا في سبب الدين الذي بموجبه تم إيقاع الحجز على أمواله منازعا في صفته أصلا كمدين للجهة الحاجزة، مما قدرنا معه الاستجابة لطلب إيقاف هذه الإجراءات، بغض النظر عن أداء أية ضمانة، مع إلزامه بعرض جوهر النزاع على المحكمة المختصة داخل اجل 15 يوما من تاريخ صدور هذا الحكم تحت طائلة إيقاف مفعوله تلقائيا إن لم يكن قد رفع دعواه فعلا .[13]

المبحث الثاني : الطبيعة القانونية لشرط الجدية ومعايير استخلاصه

يمتاز شرط الجدية في مجال القضاء الإداري الاستعجالي في المادة الضريبية بطبيعة خاصة ( المطلب الأول )، غير أن معايير استخلاص القاضي الإداري لشرط الجدية يتسم بالصعوبة البالغة ( المطلب الثاني ).

المطلب الأول : الطبيعة القانونية لشرط الجدية

أن استخلاص قاضي المستعجلات لشرط الجدية هو مسألة واقع يستقل قاضي الأمور المستعجلة باستخلاصه ولا رقابة للمجلس الأعلى عليه، متى تم ذلك الاستخلاص مستمدا من ظاهر الوثائق [14]. كما أن شرط الجدية يستغرق شرط الاستعجال، وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى حين اعتبر” بأنه مادام الطلب يرمي إلى الأمر بإجراء تدبير وقتي وهو إيقاف إجراءات التحصيل إلى حين البث في دعوى الموضوع، فهو طلب يفترض فيه الاستعجال ، وأن المحكمة ولو لم تتعرض له في تعليلها للقرار المطعون فيه فأنها بتقريرها لجدية المنازعة المثارة في الطلب تكون قد تبنته ضمنيا ويكون ما أثير بدون أساس، مما يتعين معه رفض الطلب .”[15] و إذا كان قاضي المستعجلات يستخلص شرط الجدية من الأسباب الموضوعية المعروضة على قضاء الموضوع ، فإنه لا يشترط سبق عرض هذه الأسباب على قضاء الموضوع ، ذلك أن هذه الأسباب يمكن أن تكون أسبابا لطعن إداري، و هذا ما قررته المحكمة الإدارية بالرباط في الأمر الصادر عنها، والذي جاء فيه بأنه ” تقبل المطالبة بإيقاف تنفيذ الدين العمومي في إطار القواعد العامة للاستعجال و حيادا على ضوابط وإجراءات إيقاف الأداء والتنفيذ كما هي منصوص عليها بالفصلين 117– 118 من القانون 97 – 15 لغاية استفاد مسطرة الطعن الإداري أو القضائي متى توافرت في الطلب حالة الاستعجال بمفهوم الضرر الذي يصعب تداركه بعد التنفيذ وجدية السبب بمفهوم المنازعة في صفة الملزم كخاضع للدين العمومي أو في مسطرة فرضه وتحصيله الآيلة بحسب الظاهر إلى إلغاء الدين العمومي إداريا أو قضائيا. وحيث استقر عمل قضاء هذه المحكمة على قبول المطالبة بإيقاف تنفيذ الدين العمومي بما فيه الدين الضريبي في إطار القواعد العامة للاستعجال المنصوص عليها بالفصل 149 من ق م م المحال عليه بموجب الفصل 7 من القانون 90-41 ، وذلك لغاية استنفاد مسطرة الطعن الإداري أو صدور حكم نهائي في جوهر -النزاع وحيادا على ضوابط وإجراءات إيقاف الأداء كما هي منصوص عليها في الفصلين 117 و 118 من القانون15 – 97، متى توافرت في الطلب حالة الاستعجال بمفهوم الضرر الذي يصعب تداركه، أو تقييم نتائجه بعد التنفيذ وجدية السبب بمفهوم المنازعة في صفة الملزم كخاضع للدين العمومي أو في مسطرة فرضه أو تحصيله الآيلة بحسب الظاهر إلى إلغاءه موضوعا .”[16] و ما قضت به المحكمة الادارية في حكمها المشار اليه أعلاه هو نفس ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بمراكش، حين اعتبرت بأن ” الطالب ينازع أصلا في سبب الدين الذي بموجبه تم إيقاع الحجز على أمواله منازعا في صفته أصلا كمدين للجهة الحاجزة، مما قدرنا معه الاستجابة لطلب إيقاف هذه الإجراءات بغض النظر عن أداء أية ضمانة مع الزامه بعرض جوهر النزاع على المحكمة المختصة داخل اجل 15 يوما من تاريخ صدور هذا الحكم تحت طائلة إيقاف مفعوله تلقائيا إن لم يكن قد رفع دعواه فعلا .[17] و إذا كانت المادة 117 و 118 من مدونة تحصيل الديون العمومية تنص على ضرورة إيداع الضمانة الموازية للدين الضريبي لإيقاف إجراءات التحصيل، فإن المنازعة الجدية من طرف الملزم بالضريبة تعفيه من تكوين الضمانة المنصوص عليها في المادة 117 من مدونة التحصيل، ما دام أنه ينازع في مبدأ فرض الضريبة أي في صفته كملزم بها أو في مشروعيتها بصفة جدية [18]، فالضمانة التي يفرضها القانون للحصول على إيقاف إجراءات المتابعة لا تكون إلزامية في حالة المنازعة في مشروعية الضريبة بصورة جدية . [19] وهو نفس المنحى الذي سارت عليه المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، وذلك حين اعتبرت بأنه و ” فيما يتعلق بدفع القابض بوجوب تقديم ضمانات من طرف الملزم للأمر بوقف الأداء حسب المادتين 117 و118 من مدونة تحصيل الديون العمومية، فإن العمل القضائي الإداري استقر على كون المقتضيات القانونية المذكورة موجهة أساسا إلى موظفي الخزينة العامة وتتعلق فقط بمسطرة وقف الأداء إداريا، وبالتالي فهي غير ملزمة للقضاء عند بثه في مسطرة إيقاف التنفيذ قضائياً. وحيث إنه وبالنظر إلى جدية الوسائل المثارة من الظاهر وتجنباً لأخطار مواصلة إجراءات التنفيذ التي قد تصيب المدعي وهي أخطار يصعب تداركها أو إزالة آثارها لاحقا، فإننا نرى بأن الطلب وجيه ويتعين الاستجابة له مؤقتاً إلى حين انتهاء المنازعة الضريبية.”[20]

المطلب الثاني : معايير استخلاص القاضي الإداري لشرط الجدية

إن معايير استخلاص القاضي الإداري لشرط الجدية يتسم بالصعوبة البالغة، فشرط الجدية يستمد وجوده من توافر أسباب موضوعية تتعلق بجوهر الموضوع والمحظور على قاضي المستعجلات الخوض فيه، ذلك أنه و إذا كان قاضي الأمور المستعجلة يستخلص وجود حالة الاستعجال من الأسباب المضمنة بالمقال المعروض أمامه ، فان جدية الدفوع والأسباب هي في الحقيقة دفوع وأسباب موجهة لقضاء الموضوع، فقد جاء بالقرار الصادر عن الغرفة الاستعجالية بمحكمة الاستئناف الإدارية بمراكش، حين قضت بتأييد الأمر الصادر بتاريخ 19/11/2007 عن رئيس المحكمة الإدارية بأكادير في الملف عدد 318/2007 س، بأن ” الاستجابة لطلب إيقاف تنفيذ إجراءات التحصيل رهينة بتوفر عنصري الاستعجال وجدية الطلب، ومن المعلوم أن حالة الاستعجال إنما تنشأ من طبيعة الحق المطلوب صيانته ومن الظروف المحيطة به ويستنتجها قاضي المستعجلات من ظروف وملابسات الدعوى المعروضة عليه، أما الجدية فتتبين لقاضي الاستعجال من خلال الفحص الظاهري لوثائق ملف المنازعة في الموضوع المؤسس على نفي صفة الإلزام الضريبي أو على المنازعة في قانونية الفرض الضريبي أو على المنازعة في مسطرة و إجراءات التحصيل والتي يمكن أن تؤول حسب الفحص الظاهري إلى الإلغاء والبطلان “.[21] وهو نفس المنحى الذي سار عليه الأمر الاستعجالي الصادر عن السيد رئيس المحكمة الإدارية بالرباط، وذلك حين اعتبر بأنه ” ما دامت مشروعية فرض الضريبة المطلوب استيفاؤها هي محل منازعة جدية أمام محكمة الموضوع حسب ما يستشف من المقال المرفق بطلب المدعي ( والمقصود هنا المقال الافتتاحي للدعوى المقدم أمام قضاء الموضوع )، فان هذا الأخير يبقى غير ملزم بتقديم الضمانة المنصوص عليها في المادة 117 السالفة الذكر ..”[22] غير أنه و بالرغم من صعوبة استخلاص شرط الجدية وعدم المساس بجوهر النزاع، فإن قاضي المستعجلات يقيم جدية الوسائل بشكل عرضي، فإذا كان ” طلب إيقاف إجراءات التحصيل طلب استعجالي بطبيعته يهدف إلى وقف المتابعات التي تهدد المركز المالي للطالب المدين في انتظار البت في دعوى الموضوع المتعلقة بالطعن إما في الوعاء الضريبي أو في إجراءات التحصيل، تبرر تقديمه لأن القاضي في هذه الحالة لا يناقش تلك الأسباب، وإنما يتلمس فقط ظاهر المستندات المدلى بها للوقوف على مدى جدية المنازعة ذات العلاقة بالحق المراد حمايته” [23] فقاضي المستعجلات ليس ممنوعا من مناقشة ظاهر ما هو معروض عليه للتأكد من جدية طلب إيقاف التنفيذ واستخلاصه من ظاهر معطيات النزاع، مما يفيد هذه الجدية لا يشكل مساسا بجوهر النزاع، وهذا ما ذهبت إليه الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى حين عللت ما ذهبت إليه بأن ” لكن حيث أن قاضي المستعجلات ليس ممنوعا من مناقشة ظاهر ما هو معروض لا من اجل إثبات الحق أو نفيه و إنما للتأكد من مدى جدية المنازعة التي تبرر الإجراء المطلوب وهو في النازلة تأجيل تنفيذ تنبيه باسترداد مبلغ …”[24] وفي الأخير فانه وإذا كان شرط الجدية قد أصبح شرطا لازما لانعقاد اختصاص القضاء المستعجل للبث في الطلبات الاستعجالية في المادة الجبائية، فإن بوادر اعتماد هذا الشرط كشرط ثالث لانعقاد اختصاص القضاء الاستعجالي الإداري بشكل عام أصبحت تلوح في الأفق، فقد جاء في تعليل أمر استعجالي صادر عن السيد رئيس المحكمة الإدارية بالرباط عند بثه في طلب يهدف إلى استصدار أمر بالإذن للطالبة في مواصلة أشغال الصفقة غير المنجزة بعد المطالبة بفسخها بأن ” اختصاص القضاء الاستعجالي باتخاذ الإجراءات الوقتية الكفيلة بحماية المراكز القانونية للأطراف في مجال الصفقات العمومية مادام أنه غير محدد بنصوص خاصة يبقى خاضعا للقواعد العامة للاستعجال التي يملك في إطارها قاضي المستعجلات اتخاد أي إجراء وقتي كفيل بحماية الحقوق المتنازع فيها موضوعا ، طالما استبان له من ظاهر أوراق الملف مع عدم المساس بجوهر الحق أن هنالك منازعة جدية في موضوع الحق وأن حالة الاستعجال قائمة أو أن المراكز القانونية للأطراف واضحة إزاء موضوع المنازعة” .[25] وفي أمر استعجالي أخر اعتبر السيد رئيس المحكمة الإدارية بالرباط عند تعليله للأمر المذكور، “إن انعقاد اختصاص القضاء الاستعجالي بالمحاكم الإدارية مشروط وبمقتضى الفصلين 149 و 152 من قانون المسطرة المدنية بتوافر حالة الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق، وهما شرطان متلازمان إذا انعدم احدهما زال اختصاص قاضي الأمور المستعجلة لفائدة قضاء الموضوع …. ومن جهة أخرى مبلغ الجد في المنازعة على ضوء أوجه الدفاع الموضوعية القانونية المثارة فإذا استبان له أن المنازعة جدية وأن أصل الحق والمركز القانوني للطالب – سند الطلب – لم يعد واضحا وضوحا يستوجب الحماية من طرف القضاء المستعجل بالإجراء المطلوب وأن البت فيه من شأنه المساس بأصل الحق، حكم بعدم اختصاصه بالبت في الطلب ومتى إذا كانت المنازعة حوله مفتعلة والغاية منها إبعاد اختصاص القضاء الاستعجالي من البت في الطلب حكم باختصاصه وبالإجراء المطلوب حماية للأوضاع القانونية القائمة .[26]

الهوامش

[1] الأمر الاستعجالي رقم 272، الصادر عن السيد رئيس المحكمة الإدارية بالرباط ، بتاريخ 28/5/2008 في الملف رقم 255/08 س.
[2] والمنازعات الضريبية تدخل – من حيث الأصل – ضمن مجال منازعات القضاء الشامل، وهذا ما أكده المجلس الأعلى في العديد من قراراته. ونذكر على سبيل المثال قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، عدد 1188 الصادر بتاريخ 24/7/1997 في الملف عدد 573/5/1/1997 ، و الذي جاء فيه: ” حيث أنه من الواضح أن المحكمة الإدارية تبث في دعاوي الإلغاء التي حددها قانون 90-41 المنشئ لها، كما تبت في نفس الوقت في دعاوي القضاء الشامل التي اسند ت إليها حسب نفس القانون على سبيل الحصر . وحيث أن مادة الضرائب والمنازعات المتعلقة بها تدخل في الطائفة الثانية المذكورة، وحيث أنه لا جدال في أن موضوع الدعوى هو المنازعة في ضريبة، الشيء الذي يعني أن المحكمة الإدارية كانت مختصة للبت في الطلب المذكور ،ولو أن الطاعنة استعملت مصطلح الإلغاء مادام الهدف المتوخى من دعواها هو الوصول إلى إبطال الضريبة المفروضة عليها …”
وفي قرار آخر للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، عدد 903 الصادر بتاريخ 14/12/2005 في الملف عدد 1870/4/2/2004، والذي جاء فيه : ” المنازعة الضريبية لا تدخل ضمن زمرة دعاوى الإلغاء المعفية من أداء الرسوم القضائية بمقتضى المادة 22 من القانون 90-41 والتي لا يشملها الإعفاء من أداء الرسم القضائي …”
[3] المحكمة الإدارية بالرباط القضاء المستعجل ملف رقم : 553/ 05 س، أمر رقم : 650 بتاريخ 6/9/2005 :” حيث إن حاصل طلب المدعية جمعية “غ” إصدار أمر استعجالي بإيقاف الأشغال الجارية بالمنتزه المركزي لحي الرياض الكائن بمحاذاة شارع النخيل بجوار اتصالات المغرب حي الرياض الرباط ……وحيث إنه تبعا لذلك ، ولما كان من المحظور على قاضي المستعجلات أن يبت في المسائل التي لها مساس بما يمكن أن يقضى به في الجوهر، وطالما أنه بوسع المدعية في نازلة الحال اللجوء إلى قضاء الموضوع بهذه المحكمة الذي يرجع إليه دون غيره محاكمة مشروعية قرار الترخيص المشار إليه ، فإن إيقاف مفعول هذا الأخير ، ولو على فرض توفر عنصر الإستعجال، لا يمكن أن يتم إلا عبر المسطرة المنصوص عليها في المادة 24 من القانون رقم 41.90 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية ، التي تباشر بدورها من طرف قضاة الموضوع ، حيث نصت هذه المادة على ما يلي : ” للمحكمة الإدارية أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري رفع إليها طلب يهدف إلى إلغائه إذا التمس ذلك منها طالب الإلغاء صراحة ”
وحيث إنه تأسيسا على ما سبق ، يتعين التصريح بعدم اختصاص قاضي المستعجلات للبت في الطلب ، و بإحالة صاحب المصلحة إلى قضاء الموضوع بهذه المحكمة قصد النظر في مشروعية قرار الترخيص مع إمكانية المطالبة عند الاقتضاء بوقف تنفيذه وفق المسطرة المشار إليها أعلاه .”
[4] تنص المادة 24 القانون 90-41 المنشئ للمحاكم الإدارية على أن : ” للمحكمة الإدارية أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري رفع إليها طلب يهدف إلى إلغائه إذا التمس ذلك منها طالب الإلغاء صراحة”.