الشرط الجوهري لاكتساب الشخص الطبيعي صفة التاجر هو مزاولة الأعمال التجارية على سبيل الاحتراف ٠

المقصود بالاحتراف:

يقصد باحتراف التجارة ممارسة الشخص الأعمال التجارية بصفة مستمرة ومتكرره بحيث يمكن اعتبارها مهنته الرئيسية التي يرتزق منها ٠ونظراً لعدم وجود ضابط معين يمكن الاستناد عليه لتحديد فكرة الاحتراف، ذهب الفقهاء مذاهب مختلفة لوضع ضابط لفكرة الاحتراف ذهب البعض(1)، إلى فكرة المضاربة وبالتالي يكتسب الشخص صفة التاجر إذا مارس الأعمال التجارية بصفة متكررة بهدف تحقيق ربح يرتزق منه، وبناء على هذه الضابط اعترف القضاء بصفة التاجر للشخص الذى يحترف عمليات المضاربة في البورصة ولكن يؤخذ على هذا المعيار أنه غير كاف حيث أن نية المضاربة قد تتوافر لدى الشخص الذى يمارس أحد الأعمال التجارية المنفردة بشكل عارض ومع ذلك لا يكتسب صفة التاجر ونادى البعض الآخر(2)، إلى الأخذ بفكرة المشروع التجاري فالشخص يكتسب صفة التاجر متى قام بالعمل في شكل مشروع، حيث أن وجود المشروع يؤدى إلى انعكاس الصفة التجارية على حرفة من يباشر استغلال المشروع واعتباره تاجراً ولكن لا يمكن الأخذ بهذا الرأي على إطلاقه، لأنه يوجد كثيراً من الحرفيين الذين يمارسون نشاطهم من خلال مشروع ومع ذلك لا يكتسبون صفة التاجر (3) كما يوجد كثيراً من الباعة الجائلين الذين يباشرون العمل التجاري على وجه الاستمرار بدون وجود مشروع ورغم ذلك يكتسبون صفة التاجر وعلى ذلك يمكن القول بأن الاحتراف فكرة واقعية تتمثل في قيام الشخص بممارسة الأعمال التجارية – المنفردة او في شكل مشروع – على نحو رئيسي معتاد بصفة مستمرة ومتكررة بحيث يمكن اعتبارها مصدر رزقه الأساسي ٠

اختلاف الاعتياد عن الاحتراف:

الاحتراف هو ممارسة الأعمال التجارية على سبيل الاعتياد بحيث تكون هي النشاط الرئيسي الذى يعتمد عليه في كسب رزقه أما الاعتياد فهو القيام بالأعمال بصورة طارئة بين الحين والآخر، واعتياد الشخص القيام بعمل معين لا يرفعه إلى مرتبة الاحتراف فقد يستطيع الشخص القيام بأعمال على وجه الاعتياد دون أن يصل الأمر إلى اعتباره محترفاً طالما إنه لم يصل إلى حد الاعتياد على هذا العمل التجاري كوسيلة منتظمة لكسب العيش والارتزاق وعلى ذلك يعتبر الاعتياد مرتبة أدنى من الاحتراف، فقد يعتاد الشخص مثلاً القيام بشراء كتب يضمها إلى مكتبته، ومع ذلك لا يعتبر محترفاً يكتسب صفة التاجر واعتياد مؤجر العقار سحب الكمبيالات على المستأجرين بقيمة الأجرة فإنه لا يعتبر محترفاً يكسب صفة التاجر لأنه لا يعتمد – في هذين الصورتين – على هذا العمل للحصول على دخله واشتراط التكرار لكى يعتبر الشخص محترفاً لا يعنى بالضرورة القيام بالعمل مئات المرات، بل يكفى أن يكون التكرار كافياً لاعتباره العمل الرئيسي الذى يعتمد عليه الشخص في رزقه ودخله، والتفرقة بين الاعتياد والاحتراف وثبوت الاحتراف مسألة موضوعية يستقل قاض الموضوع بتقديرها ويخضع في تقدير اكتساب صفة التاجر من عدمه لرقابة محكمة النقض حيث أنها من المسائل القانونية .

محل الاحتراف:

احتراف العمل في حد ذاته لا يكسب الشخص صفة التاجر، ولكن يجب أن يقع هذا الاحتراف على الأعمال التجارية ٠ والأعمال التجارية التي يجب أن يمارسها الشخص حتى يعتبر محترفاً هي الأعمال التجارية المنفردة لذاتها أو التي تقع على وجه الاحتراف، والتي نصت عليها المواد ٦، ٥ ،٤ من قانون التجارة رقم ١٧لسنة ١٩٩٩ إما الأعمال التجارية بالتبعية فإن احترافها لا يؤدى إلى اكتساب صفة التاجر حيث أنها أعمال ليست في الأصل تجارية بل هي أعمال مدنية تم إعطائها وصف التجارية لأنها مرتبطة بحرفة التاجر أما إذا تعددت أنشطة التاجر بأن كان يمارس نشاطاً تجارياً وله نشاط أخر مدنى فإن ذلك لا يمنع من اكتساب صفة التاجر إذا احترف مزاولة العمل التجاري وكان ذلك مستقلاً عن العمل المدنى مثل التاجر الذى يملك أرض زراعية يبيع حاصلاته من خلال مشروع ٠

المحظور عليهم الاتجار بمقتضى قوانين أو لوائح أو أنظمة خاصة:

كان الفقه والقضاء مستقر في المجموعة التجارية الملغاة على اكتساب صفة التاجر للأشخاص المحظور عليهم مباشرة التجارة بواسطة قوانين مهنتهم أو اللوائح أو الأنظمة الخاصة التي يخضعون لها(4)، مثل أعضاء هيئة التدريس بالجامعات والعاملين المدنيين بالدولة والمحامين والقضاة وغيرهم، إذا قام هؤلاء الأشخاص بممارسة العمل التجاري على سبيل الاحتراف ٠ وقد جاء قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ ونص على ذلك صراحة في المادة ١٧ حيث نصت على أنه (إذا زاول التجارة أحد الأشخاص المحظور عليهم الاتجار بمقتضى قوانين أو لوائح أو أنظمة خاصة اعتبر تاجراً وسرت عليه أحكام القانون التجاري . ولكن يجب ملاحظة أن اكتساب هؤلاء الأشخاص صفة التاجر لا يمنع من توقيع الجزاء التأديبي المنصوص عليه في قوانينهم أو لوائحهم أو أنظمتهم الخاصة(5) طالماً خالفوا الحظر المنصوص عليه في هذه القوانين أو اللوائح أو الأنظمة الخاصة ٠

مشروعية العمل التجاري:

يثور التساؤل عند قيام الشخص باحتراف الأعمال التجارية غير المشروعة التي تحرمها القوانين كتجارة المخدرات أو شراء وبيع الأسلحة غير المرخصة أو إدارة منزل للدعارة أو للعب القمار، هل يكتسب الشخص باحترافه هذه الأعمال صفة التاجر؟ ذهب رأى إلى أن عدم مشروعية النشاط الذى يمارسه الشخص لا يمنع من اكتسابه صفة التاجر لأن في ذلك إجحافاً بمصالح الغير حسن النية الذى تعامل مع الشخص باعتبار أنه يقوم بنشاط مشروع، فحماية لهؤلاء يمكنهم مطالبته بالديون على أساس القانون التجاري ويمكنهم شهر إفلاسه ٠ وذهب الرأي الراجح فقها وقضاءاً إلى أن صفة التاجر محددة بواسطة القانون فهذا مركز قانوني لا يتمتع به إلا من يباشر تجارة مشروعة، فحماية الديون التجارية للغير حسن النية الذين تعاملوا مع هؤلاء الأشخاص لا يساوى دخولهم في مركز قانوني يجب إلا يتمتع به إلا من مارس أعمال مشروعة كما أن هناك القوانين الجنائية التي تحقق الردع العام والخاص دون حاجة لإضفاء صفة التاجر على هؤلاء(6) ويذهب رأى أخر(7) إلى التفرقة بين الغير حسن النية والغير سيء النية الذى يتعامل مع الشخص الذى يحترف القيام بأعمال غير مشروعة فسيء النية غير جدير بحماية القانون كمن يشترى مواد مخدرة من تاجر مخدرات أو يشترى سلاحاً من صانع أسلحة بدون ترخيص .أما حسن النية فهو جدير بتلك الحماية، كمن يقوم بتوريد مواد غذائية لمحل عام معد للجمهور يدار لأغراض منافية للآداب وهو لا يعلم بذلك معتقداً أنه فندق أو مطعم فإذا توقف صاحب المحل عن دفع ثمن تلك المواد فإنه يعتبر تاجراً يمكن شهر إفلاسه لأن القواعد العامة والجزاءات المقررة في قانون العقوبات لا تسعف الدائن مثل نظام شهر الإفلاس ٠ ولكنا نرى تأييد الرأي الثاني حيث لا يجب أن يكتسب من يحترف أعمال تجارية غير مشروع صفة التاجر والغير حسن النية يمكن حمايته من خلال الوسائل العادية لحماية الدائن المقررة وفقاً للقواعد العامة ٠

استبعاد أرباب الحرف الصغيرة:

أصحاب الحرف الصغيرة هو كل من يزاول حرفة ذات نفقات زهيدة للحصول على مقدار من الدخل يؤمن معاشه اليومي(8) استبعد القانون التجاري رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ أرباب الحرف الصغيرة من نظام القانون التجاري وبالتالي لا يكتسب صفة التاجر حيث نصت المادة ١٦/١ من القانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ على أنه لا تسرى أحكام القانون التجاري على أرباب الحرف الصغيرة. والسبب في ذلك أن أصحاب هذه الحرف يعتمدون على مهاراتهم الخاصة وقدراتهم الذاتية في ممارسة هذه الأعمال وهى مشروعات صغيرة ذات نفقات زهيدة مثل النجار والحداد والنقاش وأصحاب الورش الصغيرة مثل الميكانيكا والبرادة فهؤلاء يمارسون الحرفة من خلال العمل اليدوي أو آلات بسيطة بدائية غالباً ٠

أما إذا تمت هذه الأعمال على نطاق واسع من خلال مشروع كبير تحتوى على الآلات وعمال فإنه يخضع للقانون التجاري لأنه يضارب على العمال وهذا الآلات .

شكل الاحتراف:

يكتسب الشخص صفة التاجر إذا احترف من الناحية الفعلية ممارسة الأعمال التجارية وهذا هو الاحتراف الفعلي، وقد يكتسب الشخص صفة التاجر إذا أدعى هذا الاحتراف من خلال الإعلان عن ذلك في الصحف أو المنشورات أو الإذاعة أو التلفزيون أو غير ذلك من الوسائل ٠ وهذا هو الاحتراف الظاهري ٠ فالاحتراف الظاهري يكسب الشخص صفة التاجر إذا لم يقم بنفي هذا الوضع الظاهر، ويستطيع الشخص نفى هذه القرينة وبالتالي نفى صفة التاجر إذا أثبت أنه لم يمارس الأعمال التجارية من الناحية الفعلية(9) وهذا هو ما نص عليه قانون التجارة رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ في المادة ١٩ حيث نصت على أن تفترض صفة التاجر فيمن ينتحلها بالإعلان عنها في الصحف أو في منشورات أو في الإذاعة أو في التليفزيون أو بأية وسيلة أخرى، ويجوز نفى هذه القرينة بإثبات أن من انتحل الصفة المذكورة لم يزاول التجارة فعلاً .

إثبات احتراف القيام بالأعمال الجارية:

احتراف الأعمال التجارية مسألة واقع يستقل قاض الموضوع بتقديرها لاكتساب الشخص صفة التاجر ويقع عبء إثبات احتراف هذه الأعمال على عاتق من يدعيها سواء كان التاجر أو الغير، لا يخضع لرقابة محكمة النقض لأنها مسألة تقديرية تترك له، أما تحديد الأعمال بأنها تجارية أو مدنية فإنها مسألة قانونية يخضع القاضي فيها لرقابة محكمة النقض . وتحديد بدء احتراف الأعمال التجارية وانتهائه تخضع أيضاً لتقدير قاض الموضوع فهو الذى يحدد المرحلة التي عندها يعتبر الشخص مزاولاً العمل التجاري بصورة متكررة وبالتالي تعتبر بداية الاحتراف، وهو أيضا الذي يقدر توقف الشخص عن ممارسة الأعمال التجارية وبالتالي فقدان صفة التاجر ٠ وقد استقر القضاء على اعتبار الشخص تاجراً حتى لحظة تسجيل اعتزال التجارة، كما أن ممارسة النشاط فى محل تجارى ليس كافياً لاكتسابه صفة التاجر وأن كان من أهم مظاهره .(10)

_______________________

1- مصطفى كمال طه – الوجيز في القانون التجاري – طبعة ١٩٩٠ رقم ٢٣ ص ٤٥

2- د/ محمود سمير الشرقاوي – الشركات التجارية فى القانون المصري – دار النهضة العريبة- ١٩٨٠ ص ١٥٣.

3- راجع د/ سميحة القليوبى – الموجز في القانون التجاري – دار النهضة العربية1980 – ص ٦٢ وأيضاً د/ أبو زيد رضوان – مبادئ القانون التجاري – 1996 . ص ٢٠٦.

4- د/ سميحة القليوبى – المرجع السابق – ص ٦٤ .

وأيضاً د/ ثروت عبد الرحيم – القانون التجاري المصري – دار النهضة العربية – ١٩٨ ، ص ١٦١

5- قد تتمثل هذه الجزاءات في الفصل من العمل أو الإيقاف من الخدمة أو الشطب اسم من النقابة التابع لها .

6- راجع د. أبو زيد رضوان – المرجع السابق – ص ٢١٨ وأيضاً د ٠ محمود. سمير الشرقاوى – المرجع السابق – ص ١٥٥

7- د . ثروت عبد الرحيم – المرجع السابق – ص ١٦٢

8- المادة ١٦/٢ من القانون التجاري الجديد رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩.

9- عكس ذلك د/ محمود سمير الشرقاوى – المرجع من ١٥٥ .

10- مرجع د/ سميحة القليوبي – المرجع السابق ص ٦٦ .

وأيضاً د/ محمود سمير الشرقاوى – المرجع السابق ص ١55.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .