مقارنة بين التفويض والحلول

المؤلف : عبد الحميد عبد المهدي
الكتاب أو المصدر : اثر تطور نشاط الادارة في ممارسة السلطة الرئاسية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

أولاً : حالات التشابه بين تفويض الاختصاص وبين الحلول
في حالة التفويض والحلول تكون هناك علاقة قانونية بين جهة إدارية أعلى وجهة إدارية أدنى (1) فالرئيس الإداري الذي يفوّض غيره من الموظفين الأدنى مرتبة في السلم الإداري تنتج عن هذا التفويض علاقة ما بين المفَوّض والمفوّض إليه حيث يخوّل المُفَوّض المُفَوّض إليه بعض اختصاصاته والتفويض عادة ما يكون جزئياً وللمُفَوّض أن يسحب تفويضه في أي وقت يشاء وفي حالة الحلول يستطيع الأصيل ممارسة اختصاصه وإنهاء حالة الحلول عندما تنهي الظروف أو الموانع التي تحول دون مباشرته وظيفته فكل من التفويض والحلول وقتي مرهون بالحالة التي استوجبتها (2) .

هذا وقد سمح مجلس الدولة الفرنسي للأصيل في الحلول أن يمارس اختصاصه في الحدود التي تتفق مع سبب التفويض والحلول وذلك في حكمين يحددان سبب نطاق اختصاص الحال عند سكوت النص وكان ذلك بمناسبة حلول نائب العمدة محله أثناء غيابه ففي حكم صدر في 22/12/1911 أجاز للأصيل (العمدة) رغم غيابه القيام بالأعمال التي لا تتعارض مع العرف الذي أدى إلى الحلول أي التي يستطيع القيام بها رغم غيابه فالعمدة يستطيع أثناء غيابه ورغم وجود الحال محله أن يدعو مجلس المدينة للانعقاد ، وفي الحكم الثاني الصادر في 8/3/1912 لم يُجز المجلس لمن حل محل العمدة ان يدعو لجنة للانعقاد حتى تصدر لائحة دائمة متى كانت غير مستعجلة .

وقد استخلص الفقيه هوريو من هذين الحكمين انه في حالة سكوت النص ليس بمقدور الحال القيام بعمل هو من اختصاص الأصيل (الغائب) إلا بشرطين: أحدهما أن يكون العمل مستعجلاً لا يحتمل الانتظار حتى عودة الأصيل والأخر أن يكون غياب الأصيل غياباً من شأنه أن يحول دون القيام بالعمل (3) .

وهناك جانب من الفقه (4) يذهب إلى اعتبار هذين الحكمين غير مبنيين على الحلول في ذاته وإنما هو تفسير للنصوص المكتوبة التي أصدرها المشرع الفرنسي الخاصة بالعمدة ونائبه والمجلس البلدي . ويرى أنصار هذا الرأي أن الحلول يحرم الأصيل من سلطاته نهائياً طيلة غياب الأصيل وذلك لغرض تحديد المسؤوليات بشكل واضح .

ثانياً : حالات الاختلاف بين التفويض والحلول
تتحدد أوجه الاختلاف بين التفويض والحلول تبعاً للنظام القانوني لكل منهما ويمكن تحديد أوجه الاختلاف فيما يلي :
أ) في التفويض يتعيّن إصدار قرار من الأصيل صاحب الاختصاص إلى المفوّض إليه يخوّله ممارسة جزء من اختصاصاته لمباشرتها ويستند الأصيل في ذلك إلى نص في القانون أو النظام يُجيز له تخويل غيره ممارسة جزء من اختصاصه وبعبارة أخرى يشترط لقيام التفويض صدور قرار أداري استناداً إلى نص قانوني . أما في حالة الحلول فإنه يتحقق بتحقق الظرف أو المانع الذي حال دون مباشرة الأصيل اختصاصاته ويحل الحال محل الأصيل بقوة النص القانوني ولا يستوجب صدور قرار أداري من الأصيل بذلك لأن الحال يُباشر اختصاصه استناداً إلى نص قانوني وليس استناداً إلى إرادة الأصيل .

ب) التفويض لا يكون إلا جزئياً كقاعدة عامة لأنه لا يجوز أن يكون التفويض كلياً والمفوّض إليه لا يمارس إلا الاختصاص المفوّض له (5) أما في الحلول فأنه يكون كلياً وشاملاً حيث يتمتع الحال بحق مباشرة اختصاصات الأصيل كافة إلا إذا وجد نص على خلاف ذلك في هذه الحالة يكون الحلول جزئياً وتكون التصرفات الصادرة عن الحال في الحدود التي بينها النص القانوني المنظم لحالة الحلول وكذلك يتعيّن تحقق الظرف الذي يستوجب الحلول .

جـ) التفويض عمل أرادي أي أن للأصيل الحرية الكاملة في أن يفوّض غيره أو لا يفوّضه فهو تصرف يُجريه الأصيل في الوقت الذي يشاء وله اختيار من يشاء ليفوّضه الاختصاص حيث يتمتع بحرية اختيار الموظف الذي يفوّضه جزءاَ من اختصاصاته (6) في حين في حالة الحلول لا دخل للأصيل في اختيار الحال لن النص القانوني هو الذي يحدد الحلول وليس الأصيل والنص القانوني يحدد الحال بصفته الوظيفية وليس باسمه في حين انه في التفويض يتحدد المفوّض إليه بصفته واسمه معاً (7) .

د) في التفويض قرارات المفوّض أليه لا تأخذ مرتبة قرارات الأصيل في حين أنه في الحلول تأخذ قرارات الحال مرتبة الأصيل أي تكون قرارات الحال وقرارات الأصيل من المرتبة ذاتها في حين في حالة التفويض تأخذ قرارات المفوّض إليه مرتبته هو لا مرتبة قرارات الأصيل .

هـ) في التفويض المفوّض إليه يخضع للسلطة الرئاسية للأصيل في حين أن الحال لا يخضع للسلطة الرئاسية له ويترتب على ذلك أن الأصيل مسؤول عن تصرفات المفوّض إليه في حين أن الأصيل لا يتحمل مسؤولية تصرفات الحال (8) .

و) في التفويض الذي من مزاياه التخفيف من أعباء الأصيل حيث يكون موجوداً ويؤدي واجباته الوظيفية وكل ما هنالك أنه يفوّض جزءاً من اختصاصاته إلى غيره للتخفيف عن أعباء المسؤولية .أما في الحلول فان الأصيل غائب ولا يباشر اختصاصاته إلى جانب الحال كما هو الأمر بالنسبة للتفويض (9) .

ز) في التفويض لا يستطيع المفوّض إليه أن يقوم بدوره بتفويض جزء من الاختصاصات المنوّطة إليه إلى غيره وهو خاضع لأشراف الأصيل ويعمل تحت سلطته الرئاسية في حين أن الحال يستطيع أن يقوم بتفويض بعض الاختصاصات المسندة إليه (10) إلى غيره لان هذه الاختصاصات مستمدة مباشرة من نص القانون بمجرد غياب الأصيل عن الوظيفة لسبب يحول دون قيامه بواجباته وبذلك يكون الحال بمرتبة الأصيل وله أن يفوّض بعض الاختصاصات إلى غيره شانه بذلك شان الأصيل دائماً.

ح) وأخيراً هناك اختلاف بين التفويض والحلول من حيث انتهاء ممارسة الاختصاصات ففي التفويض الانتهاء يكون مرهوناً بإرادة المفوّض الذي يستطيع في أي وقت إنهاء تفويضه بعض الاختصاصات إلى غيره في حين في حالة الحلول تنتهي عملية الحلول بزوال السبب الذي حال دون استمرار قيام الأصيل بواجبات وظيفته فإذا كان متمتعاً بإجازة وتنتهي المدة المقررة للإجازة يستطيع العودة أي مباشرة وظيفته ومباشرة اختصاصاته إلا إذا كان هناك مانع قانوني يحول دون عودته للوظيفة كأن يكون معاقباً بعقوبة سحب اليد أو محجوزاً أو موقوفاً .
_________________________________
1- د. مصطفى أبو زيد فهمي : القضاء الإداري ومجلس الدولة ص 415 .
2- د. ماجد راغب الحلو :القضاء الإداري / مصدر سابق / ص 199 .
3- د. عبد الفتاح حسن – التفويض / مصدر سابق ص 40 .
4- د. مصطفى أبو زيد فهمي : القضاء الإداري ومجلس الدولة ص 410 .
5- مجموعة المبادئ التي تضمنتها فتاوي الجمعية العمومية للقسم الاستشاري للفتوى والتشريع بمجلس الدولة المصري السنة 130 قاعدة رقم 285 ص 375 والسنة 16 و17 قاعدة 266 ص 673 حيث ورد فيها : ( ويبدو من ذلك أن التفويض لا يكون إلا جزئياً ولا يتصور أن يفوّض الموظف موظفاً أخر في كل اختصاصاته وإلا تعدى تفويض الاختصاص إلى تفويض السلطة ذاتها وهو ما لا يجوز قانوناً) .
6- د. عبد الفتاح حسن : المصدر السابق ص 39 .
7- د. بشار عبد الهادي : المصدر السابق ص 124 .
8- المصدر السابق ص 124 .
9- د. بشار عبد الهادي / مصدر سابق ص 125 .
10- د. محمد عبد الحميد أبو زيد : اثر التفويض في الإصلاح الإداري دار النهضة العربية القاهرة 1977 ص 164 .