لقد ورد مصطلح الغرقى والحرقى – او الغرقى والهدمى ، او الغرقى والحرقى والهدمى – في كتب الفقه الاسلامي(1). وقد تم اقتباس تسمية المطلب منها ، واضافة لفظ (ونحوهم) إليها ، وهي تدل على كل شخصين او اكثر يموتون معاً – أي في نفس الوقت – وكان بينهم سبب يتوارثون به كقرابة او زوجية او ولاء ، او كان السبب يورث احدهما من الاخر دون العكس . وكان موتهم بحادثٍ نزل بهم ، كأن انكسرت سفينة وهم فيها فغرقوا – الغرقى – او كأن انهدم عليهم بناء – الهدمى – ، أو احترقوا – الحرقى – ، أو التحموا مع عدوٍ في معركةٍ فانجلت المعركة وهم قتلى ، أو كان موتهم في وباء ، او ما شابهها من الحوادث اذا أدت الى وفاة شخصين فأكثر معاً ، كانت تتوافر فيهم الاوصاف المتقدمة(2).

أما اذا كانت الوفاة لهؤلاء الاشخاص في اكثر من حادثٍ ، فان الحالة تشترط نفس الشروط المتقدمة وهي ان يكون بينهما سبب للتوارث ، وان يكون موتهم في الوقت نفسه فإذا ما تحققت هذه الحالة ، فحينئذٍ لا يخلو حالهم من واحدٍ من خمسة احوال هي :

الاول ان يعلم ان واحداً بعينه قد تقدم موته ،

والثاني ان يعلم أنهم ماتوا معاً ،

والثالث ألا يعلم شيء من ذلك ،

والرابع ان يعلم ان احدهم مات قبل الاخر ، ولكن لا يعلم السابق منهم بعينه(3).

أما الاحتمال الخامس فهو الاحتمال الذي وضعه فقهاء الشيعة الامامية في كتب اصولهم ، والذي اعتبروه مسألة جزئية لكليةٍ كبرى ، وفرداً من افراد قاعدة عامة لا تختص بمسألة دون مسألة ، وبابٍ دون بابٍ من ابواب الفقه ، بل تشمل كل حادثين حصلا ، واشتبه المتقدم من المتأخر ، سواء أكان الحادثان او احدهما من نوع العقود ، ام من الارث ، ام من الجنايات ، ام غير ذلك .

وتستند هذه القاعدة الى اصلين اساسين ، الاول هو اصل عدم وقوع الحادث الذي لم يثبت وقوعه ومعناه الاخذ بالحال السابقة الى ان يثبت العكس ، وان الشك لا يغير هذه الحال ، لان اليقين لا يزول بالشك(4). والثاني هو اصل تأخر الحادث الواحد ، ومعناه ان الزمن السابق للعلم بالحادث لا يلحق بحكم زمن هذا العلم ، وانما يلحق بحكم الزمن الذي قبله . أي ان الحادث اذا كان واحداً غير متعددٍ ، وعلم بحدوثه ، وحصل الشك في تقدمه وتأخره ، أعتبر حدوثه متأخراً (5). أما مضمون القاعدة ، فهو انه اذا وقع حادثان احدهما معلوم التاريخ والاخر مجهول التاريخ ، فانه يحكم بقولٍ مطلقٍ بتقديم المعلوم وتأخير المجهول ، سواءٌ أكان الحادثان من نوعٍ واحدٍ كموت شخصين ، او إبرام عقدين أم كان الحادثان متغايرين(6).

________________

[1]-العلامة محمد بن عمر البقري ، حاشية البقري على شرح الرحبية للامام سبط المارديني ، ط1 ، المطبعة الخيرية ، القاهرة ، مصر ، دون سنة طبع ، ص43.

2- محمد نسيب البيطار ، الفريدة في حساب الفريضة ، ط3، دار القدس للطباعة والنشر ، ابو ظبي، الامارات العربية المتحدة ، 1980م ، ص87.

3- محمد محي الدين عبد الحميد ، الدرة البهية بتحقيق مباحث الرحبية ، المصدر السابق ، ص129.

4- محمد جواد مغنية ، الفقه على المذاهب الخمسة ، المصدر السابق ، ص565.

5- محمد جواد مغنية ، الفقه على المذاهب الخمسة ، المصدر السابق ، ص566.

6- احمد أل – كاشف الغطاء ، احسن الحديث في احكام الوصايا والمواريث ، المصدر السابق ، ص9.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .