عقد التأمين:

يقوم التأمين على أسس فنية دقيقة، ويؤدي وظائف لها خطرها بالنسبة للاقتصاد القومي، ذلك أن شركات التأمين تجمع من الأقساط التي تحصلها أموالاً ضخمة يتم استثمارها في المشروعات والقروض، ومن ثم كان على الدولة أن تفرض رقابتها بل وسيطرتها على هذه الشركات، وأن تصدر التشريعات التي تخضع هذه الهيئات لتنظيم دقيق، وتكفل بسط الرقابة عليها مراعاةً لصالح الاقتصاد القومي، ومحافظةً على مصالح المؤمن لهم والمستفيدين، وتضع الضمانات اللازمة لمواجهة هيئات التأمين لالتزامها نحو عملائها، كتكوين الاحتياطيات المختلفة وتنظيم عمليات إعادة التأمين.

أما فيما يتعلق بعلاقة المؤمن بعملائه، وهي العلاقة التي ينظمها عقد التأمين، فقد حرصت غالبية الدول على تنظيمها بقوانين خاصة، وأهم القوانين الأجنبية التي صدرت في هذا الشأن هي القانون البلجيكي الصادر في 11 يونيه سنة 1874، والقانون السويسري الصادر في 2 إبريل سنة 1908، والقانون الألماني الصادر في 30 مايو سنة 1908، والقانون الفرنسي الصادر في 13 يوليه سنة 1930، (وتعديلاته) بالإضافة إلى القوانين المختلفة صدرت بعد ذلك بتنظيم التأمين الإجباري.

وفي البلاد العربية، كان تقنين الموجبات والعقود اللبناني الصادر في سنة 1932، هو أول تقنين احتوى على تنظيم كامل لعقد التأمين، وذلك في الباب الأول من الكتاب العاشر منه تحت عنوان الضمان.

ولما صدر المشروع التمهيدي للتقنين المصري، كان عقد التأمين محل عنايته الكبيرة، فأفرد لهذا العقد فصلاً خاصًا يتضمن (99) مادة استهلها بنصوص تتناول أحكام العقد العامة والتزامات كل من المؤمن له والمؤمن، ثم أفرد المشروع لكل فرع من الفروع التأمين نصوصًا خاصة، فنظم التأمين على الحياة في فرع على حدة، ثم نظم التأمين من الحريق – وهو أظهر أنواع التأمين من الأضرار – وجعل من نصوصه أحكامًا عامة تنطبق على التأمين من الأضرار بوجه عام، وفى فرعين أخيرين نظم المشروع التأمين من المسؤولية، وهو فرع من التأمين من الأضرار، والتأمين من الإصابات، وهو فرع من التأمين على الأشخاص، وقد اقتبس المشروع هذه النصوص من مختلف القوانين الأجنبية التي نظمت عقد التأمين في العصر الحديث وأخصها القانون السويسري الصادر في سنة 1908، وقانون التأمين الفرنسي الصادر في سنة 1930، ولما عرض هذا المشروع التمهيدي على لجنة المراجعة، حذفت منه كثيرًا من النصوص التي اعتبرتها نصوصًا تفصيلية تغني عنها القواعد العامة، ثم حذفت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ غالبية النصوص الباقية ولم تبقِ من مواد المشروع غير خمس وعشرين مادة، جاءت غير كافية لتنظيم هذا العقد الهام، مع وعد سجل في المادة (748) بإصدار قوانين خاصة تكميلية، وهو ما حدا بالحكومة بعد ذلك إلى أن تعد مشروعًا لعقد التأمين، أعادت فيه كثيرًا من النصوص المحذوفة، كما أصدر المشرع القانون رقم (652) لسنة 1955 بشأن التأمين الإجباري من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات، إلى جانب قوانين أخرى كان قد أصدرها ومنها القانون رقم (68) لسنة 1942 بشأن التأمين الإجباري من حوادث العمل.

أما في الكويت، فلم تعرض المجلة لعقد التأمين، وهو أمر طبيعي ما دام هذا العقد لم يكن معروفًا في الفقه الإسلامي، وإن عرفت صورة منه عند بعض المتأخرين من فقهاء الحنفية، فقد تعرض ابن عابدين لعقد التأمين البحري، الذي أسماه بالسوكره، وذهب إلى تحريمه لأنه لا يشبه عقدًا من العقود المعروفة في الفقه الإسلامي، ولما انتشر التأمين في العصر الحديث، كثرت الفتاوى الشرعية في شأنه، بعضها يحلله وبعضها يحرمه، ولكن هذا الخلاف لم يكن له من أثر على دخول نظام التأمين في الحياة الاقتصادية للبلاد، فأنشأت كثير من الشركات الأجنبية فروعًا لها في الكويت، كما تكونت كثير من الشركات التي تزاول عمليات التأمين المختلفة، وأسبغ المشروع الشرعية عليها بإصداره القانون رقم (24) لسنة 1961 بشأن شركات ووكلاء التأمين، وفي سنة 1976 صدر قانون التأمينات الاجتماعية رقم (61) متضمنًا نظام التأمين الإجباري ضد إصابات العمل وقانون المرور رقم (67) ولائحته التنفيذية متضمنًا نظام التأمين الإجباري من المسؤولية المدنية عن حوادث السيارات، وفى غضون ذلك تم وضع مشروع متكامل لتنظيم عقد التأمين وصدر في 12/ 4/ 1970 مرسوم بإحالته إلى مجلس الأمة ولكنه لم يستكمل الخطوات اللازمة لإصداره حتى حُل المجلس بالأمر الأميري الصادر في 29/ 8/ 1976 فتقرر تأجيل النظر فيه إلى أن تتم دراسته من قبل اللجنة التي ستقوم بإعداد التشريعات المدنية، كما وضعت وزارة التجارة بدورها مشروعًا لا يخرج عما قرره المشروع السابق بعد إدخال تعديلات على نصوصه مستوحاة من مشروع تنظيم عقد التأمين الذي تم وضعه مؤخرًا في مصر، ويقع المشروع السابق في (92) مادة مستمدة جميعها من المشروع التمهيدي المصري، الذي استوحته جميع التقنينات العربية، فيما أوردته من نصوص تنظم جانبًا من أحكامه.

وعلى هدي هذه المشروعات المختلفة، وضع المشروع المعروض النصوص المتعلقة بتنظيم عقد التأمين، ولكنه آثر أن يقتصر على إيراد أحكام عامة متكاملة لتنظم العقد، وأن يترك ما عدا ذلك من أحكام ليصدر بها تشريع أو تشريعات خاصة تتناول جميع تفاصيل هذا العقد وجزئياته، وما يتخصص به كل نوع من أنواعه، حتى لا يترتب على الإفاضة في هذه التفاصيل إخلال بتناسق القسم الخاص بالعقود في المشروع، بل إن هناك من نواحي تنظيم عقد التأمين ما يحسن أن تتناوله لوائح تنفيذية لم يجر عرف الصياغة بإصدارها بالنسبة إلى التقنينات المدنية، مثل ما تضمنته لائحة المرور بالنسبة لتنظيم التأمين الإجباري من المسؤولية المدنية من حوادث السيارات.

ويبدأ المشروع في المادتين (773 و774) بتعريف عقد التأمين وبيان عناصره، فالتأمين عقد يبرم بين المؤمن له والمؤمن في شأن خطر أو حادث محتمل الوقوع في المستقبل ويبغي المؤمن له تأمينه منه، فيلتزم المؤمن بموجبه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه عوضًا يكون مبلغًا من المال أو إيرادًا مرتبًا أو أي عوض مالي آخر، في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد، كما يلتزم المؤمن له أن يدفع للمؤمن مقابل التأمين مبلغًا نقديًا على أقساط أو دفعة واحدة (مادة 773) فالمؤمن له هو الشخص الذي يتعهد بتنفيذ الالتزامات المقابلة لالتزامات المؤمن، وهو في العادة أيضًا يكون الشخص الذي يتقاضى من المؤمن مبلغ التأمين عند وقوع الحادث أو تحقق الخطر المؤمن منه، ولكن في بعض أنواع والتأمين، كالتأمين على الحياة والتأمين من الحوادث، يكون المؤمن له والمستفيد عادةً شخصين مختلفين ولذلك حرص المشروع على إيضاح التفرقة بينهما مع اعتبار المؤمن له هو المستفيد إذا لم يعين في العقد مستفيد آخر (مادة 774).

وعناصر التأمين كما يتضح من التعريف السابق هي الخطر، ومقابل التأمين، والعوض المالي.

1 – والخطر أو الحادث المؤمن منه له في عقد التأمين مدلول واسع، فهو قد يكون أمرًا يُخشى عاقبته، كحريق أو سرقة أو إصابة أو وفاة أو مسؤولية، وهو الغالب، ولكنه قد يكون أيضًا حادثًا سعيدًا، فهناك تأمين الأولاد يتقاضى فيه المؤمن له مبلغ التأمين كلما يرزق ولدًا، وهناك تأمين الزواج يتقاضى المؤمن له فيه مبلغ التأمين إذا ما تزوج قبل بلوغه سنًا معينة، وهناك تأمين المهر يكون المستفيد فيه أحد أولاد المؤمن له إذا عاش إلى تاريخ معين وهو التاريخ الذي يغلب أن يتزوج فيه فيكون في حاجه إلى المهر، وهناك التأمين لحالة الحياة يتقاضى فيه المؤمن له مبلغ التأمين إذا عاش إلى تاريخ معين.

2 – ومقابل التأمين هو القسط أو الدفعة المالية التي يدفعها المؤمن له للمؤمن لتغطية الخطر أو الحادث المؤمن منه، وبينه وبين الخطر علاقة وثيقة، فهو يحسب على أساس الخطر وإذا تغير الخطر تغير معه قسط التأمين زيادةً أو نقصًا، وهو ما يعرف بمبدأ نسبية القسط إلى الخطر، وقد يكون مقابل التأمين مبلغًا إجماليًا يدفع مرة واحدة، ويسمى بالقسط الوحيد، ولكن الغالب أن يكون دفع مقابل التأمين على أقساط جرت العادة على أن تكون سنوية تدفع مقدمًا في أول كل سنة، وإن جاز تقسيم القسط السنوي إلى أجزاء يدفع كل جزء منها مقدمًا كل ستة أشهر، أو كل ثلاثة أشهر أو كل شهر، ولكن ذلك ليس إلا طريقًا لتيسير الدفع على المؤمن له، ويبقى القسط سنويًا.

3 – أما العنصر الثالث وهو عوض التأمين، فقد يكون تعويضًا يقاس بمقياس الضرر وحده الأقصى المبلغ المذكور في وثيقة التأمين، كما هو الشأن في التأمين من الأضرار عمومًا، وقد يكون مبلغًا محددًا يتقاضاه المؤمن له أو المستفيد مرة واحدة أو إيرادًا مرتبًا كما هو في التأمين على الحياة.

أولاً: إبرام عقد التأمين:

يبرم عقد التأمين بين طرفيه وهما المؤمن والمؤمن له، على أنه يجوز أن يعقد التأمين لحساب الغير بناءً على تفويض منه أو دون تفويض فإذا كان بناءً على تفويض يكون المفوض مجرد نائب عن صاحب الشأن في إجراء التأمين، ويعتبر الأخير هو المؤمن له الذي يلتزم بدفع الأقساط وله وحده في حالة وقوع الخطر مطالبة المؤمن بمبلغ التأمين. أما إذا تم التأمين بغير نيابة، فإنه إذا أقر الغير (المؤمن له) التأمين المعقود لصالحه، حتى بعد تحقق الخطر المؤمن منه، انصرف أثر عقد التأمين إليه من وقت إبرامه لا من وقت الإقرار ويحق له أن يقبض مبلغ التأمين من المؤمن، كما يكون هو الملتزم بدفع الأقساط، فإذا تحقق الخطر ولم يقر المؤمن له العقد خلال ثلاث سنوات من تحقق الخطر أصبحت الأقساط حقًا خالصًا للمؤمن (مادة 775).

وغني عن البيان أنه يجوز أيضًا أن يعقد التأمين لحساب ذي المصلحة أو لحساب من يثبت له الحق فيه، كأن يؤمن شخص من المسؤولية عن حوادث السيارات لحساب أي سائق يقود سيارته، فهنا يكون صاحب السيارة هو المؤمن له الذي يلتزم بدفع الأقساط ويكون السائق الذي يقود السيارة هو المستفيد.

وتنص المادة (776) على أن التأمين من الأضرار يقع باطلاً إذا لم يستند إلى مصلحة اقتصادية مشروعة، فالرأي السائد هو أن المصلحة لا تكون عنصرًا إلا في التأمين من الأضرار، أما التأمين على الأشخاص فلا تشترط فيه المصلحة، والمقصود بالمصلحة هو أن يكون للمؤمن له أو للمستفيد مصلحة في عدم وقوع الخطر المؤمن منه، ومن أجل هذه المصلحة أمن هذا الخطر، ويجب أن تكون المصلحة اقتصادية أي ذات قيمة مالية، لأن المؤمن عليه في التأمين من الأضرار هو المال.

وغني عن البيان أنه يجب أن تكون المصلحة مشروعة، فالخطر المؤمن منه يجب أن يكون متولدًا عن نشاط غير مخالف للنظام العام أو الآداب، فلا يجوز التأمين من المخاطر المترتبة على أعمال التهريب أو الاتجار في المخدرات أو على الأماكن التي تدار للدعارة أو المقامرة وما إلى ذلك.

والخطر المؤمن منه هو العنصر الجوهري في التأمين، فإذا كان قد زال أو تحقق قبل تمام العقد وقع التأمين باطلاً (مادة 777)، ويسري هذا الحكم حتى لو كان كل من الطرفين يجهل وقت إبرام العقد أن الخطر قد زال أو قد تحقق، فلو كان كل منهما يظن أن الخطر قائم محتمل لبقي العقد باطلاً على الرغم من ذلك، إذ يكون الخطر في هذه الحالة خطرًا ظنيًا والتأمين من الخطر الظني لا يجوز، وهذا هو الرأي السائد في فرنسا بشأن التأمين البري، أما في التأمين البحري، فإن التأمين من الخطر الظني جائز، ويسمى بالتأمين على الأنباء السارة أو السيئة فالتأمين على السفينة إذا كانت قد غرقت قبل إبرام العقد دون أن يعلم أحد من الطرفين بذلك تأمين جائز.

ويعرض نص المادة (778) للآثار التي تترتب على إعادة التأمين، والمستقر عليه في ذلك أن المؤمن له (أو المستفيد) في عقد التأمين الأصلي أجنبي في عقد إعادة التأمين الذي يعقده المؤمن المباشر مع المؤمن المعيد، فلا يستمد من هذا العقد أي حق قبل المؤمن المعيد ولا يتحمل التزامًا، ويبقى المؤمن المباشر وحده هو المسؤول قِبل المؤمن له بموجب عقد التأمين الأصلي الذي أُبرم فيما بينهما.

وتعرض المواد من (779 إلى 789) لإبرام عقد التأمين والمراحل المختلفة التي يجتازها في إبرامه، فعقد التأمين يُبرم بين طرفيه، وهما المؤمن له والمؤمن، فيبدأ المؤمن له بتقديم طلب التأمين، ثم يتم الاتفاق النهائي بإصدار وثيقة التأمين، ولكنه يقع كثيرًا أن يتفق الطرفان اتفاقًا مؤقتًا، انتظارًا للاتفاق النهائي، فيرسل المؤمن للمؤمن له مذكرة تغطية مؤقتة، كما يقع أن يعمد الطرفان بعد العقد إلى إجراء إضافة أو تعديل في عقد التأمين، ويثبتان ذلك في ملحق للوثيقة.

1 – طلب التأمين – وهو ورقة مطبوعة يقوم المؤمن بإعدادها مسبقًا، وتشتمل على البيانات اللازمة التي يبرم عقد التأمين على أساسها، وبخاصة الخطر المطلوب التأمين منه وجميع الظروف التي تحيط بهذا الخطر، لتكون هذه البينات أمام المؤمن عندما ينظر في إجابة هذا الطلب، وفي بعض الأحيان يشتمل طلب التأمين على مجموع من الأسئلة يجيب عليها المؤمن له، وتنص المادة (779/ 1) من المشروع على أن طلب التأمين وحده لا يكون ملزمًا للمؤمن ولا للمؤمن له، ولا يتم العقد إلا إذا وقع المؤمن على وثيقة التأمين، وتم تسليم هذه الوثيقة إلى المؤمن له، ولكن طلب التأمين له، على الرغم من ذلك، أهمية كبيرة، فهو يعتبر عند تمام العقد مكملاً له بما جاء به من بيانات وإقرارات، وكل بيان أو سؤال يكون المؤمن له قد أدلى به أو أجاب عليه فيه، يحسب عليه، ويؤخذ به.

2 – مذكرة التغطية المؤقتة وقد يقبل المؤمن الطلب ومع ذلك يمضي جانب من الوقت قبل تحرير وثيقة التأمين وتوقيعها وتسليمها إلى المؤمن له، وفى هذه الحالة لا يكون المؤمن له قد أمن نفسه من الخطر الذي يتهدده، ولذلك جرت العادة بأن يسلم المؤمن إلى المؤمن له مذكرة تغطية مؤقتة موقعة منه لتغطية المؤمن له طوال الوقت الذي يستغرقه تحرير وثيقة التأمين وتسليمها للمؤمن له، وقد عرضت الفقرة الثانية من المادة (779) لهذه الحالة ونصت على أن العقد يتم حتى قبل تسليم الوثيقة، إذا سلم المؤمن للمؤمن له – استجابةً لطلب الأمين – مذكرة تغطية مؤقتة يضمنها القواعد الأساسية التي يقوم عليها التعاقد (نوع التأمين والخطر المؤمن منه ومبلغ التأمين والقسط والمدة) ويثبت فيها التزامات كل من الطرفين قِبل الآخر، وتقوم هذه المذكرة مؤقتًا مقام الوثيقة النهائية، ومع ذلك رأى المشروع من باب التيسير على المؤمن لهم أن ينص في الفقرة الثالثة من المادة (779) على أنه إذا قدم المؤمن له إيصالاً بدفع جزء من مقابل التأمين، كان له أن يثبت بكافة الطرق أن العقد قد تم، حتى ولو لم يكن قد تسلم مذكرة تغطية مؤقتة.

3 – وثيقة التأمين – وعندما يقبل المؤمن طلب التأمين، فإنه يعمد إلى تحرير وثيقة التأمين ويوقعها ثم يسلمها إلى المؤمن له، أما توقيع المؤمن له على الوثيقة فليس ضروريًا، ذلك أنه قد وقع على طلب التأمين الذي يعتبر من جانبه إيجابًا باتًا، ووثيقة التأمين هي المحرر المثبت لعقد التأمين، وتتضمن الشروط المطبوعة التي يضعها المؤمن بحسب نموذج يعده لذلك، والتي قل أن يختلف باختلاف المؤمنين، وإلى جانب هذه الشروط العامة، تذكر بيانات معينة تكتب باليد أو بالآلة الكاتبة، وهذه هي البيانات التي تخصص وثيقة التأمين باعتبارها عقدًا مبرمًا مع مؤمن له بالذات.

والمفروض أن ما يرد في وثيقة التأمين من بيانات أو شروط، يكون مطابقًا لما تم الاتفاق عليه ابتداءً بين الطرفين عند تقدم المؤمن له بطلب التأمين، فإذا تسلم المؤمن له الوثيقة ووجد أن بعض الشروط المدونة بها لا يطابق ما كان الاتفاق قد تم عليه، فإنه يكون له – طبقًا لنص المادة (780) من المشروع – أن يطلب تصحيح هذه الشروط بعد إثبات عدم المطابقة، فإذا أثبت ذلك، وجب تصحيح الوثيقة حتى تصبح مطابقة للمتفق عليه، ولكنه إذا سكت عن طلب التصحيح ثلاثين يومًا من وقت تسلم الوثيقة، فإن سكوته يعتبر قبولاً منه للشروط المدونة فيها، وهذا النص ليس إلا تطبيقًا للقواعد العامة فيما عدا تحديد مدة الثلاثين يومًا.

وتعرض المادة (781) للصور المختلفة لوثائق التأمين، والغالب أن تكون الوثيقة في صورة وثيقة لمصلحة شخص معين، ولكنها قد تكون أيضًا في صورة وثيقة إذنية أو وثيقة لحاملها، فإذا كانت الوثيقة إذنية، فإنها تنتقل بالطرق المقررة لانتقال الوثائق الإذنية، أي بالتظهير ولو كان على بياض، أما إذا كانت الوثيقة لحاملها فإنها تنتقل من يد إلى يد بمجرد المناولة الفعلية، وكل ذلك مع استثناء الوثائق الخاصة بالتأمين على الحياة التي تخضع لأحكام خاصة. ويجوز للمؤمن أن يحتج على حامل الوثيقة أو على الشخص الذي يتمسك بها بكل الدفوع التي يكون له أن يحتج بها على المؤمن له.

وقد عمد المشروع إلى طائفة من الشروط التي يكثر ورودها في العمل، فبين حكمها في المواد (782 إلى 784)، ومن هذه الشروط شروط رأى المشروع عدم الاعتداد بها أو الاحتجاج بها على المؤمن له لاعتبارات شكلية وأخرى رأى عدم الاعتداد بها أو إبطالها لاعتبارات موضوعية.

أما الشروط التي لا يعتد بها لاعتبارات شكلية فهي الشروط المطبوعة التي تتعلق بالتحكيم أو بحال من الأحوال التي تؤدي إلى البطلان أو السقوط، إذا لم تبرز هذه الشروط بطريقة متميزة كأن تكتب بحروف أكثر ظهورًا، أو أكبر حجمًا (مادة 782)، فإذا لم تبرز مثل هذه الشروط بشكل متميز فإنه لا يجوز الاحتجاج بها على المؤمن له، أما إذا كانت الشروط مكتوبة بالآلة الكاتبة أو باليد، ومن باب أولى إذا كانت موقعًا عليها من المؤمن له، فإن هذا يكون كافيًا لإعمالها.

وأما الشروط التي رأى المشروع عدم الاعتداد بها أو أبطالها لاعتبارات موضوعية فهي:

أولاً: الشرط الذي يقضي بسقوط حق المؤمن له بسبب تأخره في إعلان الحادث المؤمن منه إلى السلطات، أو في تقديم المستندات، إذا تبين من الظروف أن التأخر كان لعذر مقبول (مادة 783).

ثانيًا: الشرط الذي يستثني من نطاق التأمين الأعمال المخالفة للقوانين واللوائح، ما لم يكن الاستثناء محددًا (مادة 784/ أ) فإذا استثنى المؤمن من نطاق التأمين أي عمل يأتيه المؤمن له مخالفًا للقوانين واللوائح، كان الاستثناء غير محدد فلا يعتد به، أما إذا ذكر المؤمن على وجه التحديد، المخالفة التي يستثنيها من نطاق التأمين، كأن يستثني العمل الذي يخالف نصًا معينًا من قانون معين أو من لائحة معينة، فإن الاستثناء يكون صحيحًا وتخرج المخالفة المستثناة من نطاق التأمين لأن استثناءها محدد لا إبهام فيه ولا غموض، وغني عن البيان أن المخالفات المنطوية على جنايات أو على جنح عمدية تكون مستثناة دون حاجة إلى نص، لأن التأمين من الخطأ العمدي غير جائز.

ثالثًا: كل شرط تعسفي آخر يتبين أنه لم يكن لمخالفته أثر في تحقيق الخطر المؤمن منه (784/ ب)، وقاضي الموضوع هو الذي يقدر ما إذا كان لمخالفة الشرط أثر في تحقق الخطر المؤمن منه، فيكون الشرط صحيحًا، أو ليس لمخالفته أثر فيكون الشرط تعسفيًا ويقع باطلاً فلا يُعتد به.

ولم يرَ المشروع بعد ذلك أن يعرض للغة التي يجب أن تكتب بها وثيقة التأمين، كما فعل المشروع السابق في المادة (14) منه، لأن مجال هذا النص هو قانون الرقابة على هيئات التأمين.

4 – ملحق الوثيقة – وملحق الوثيقة هو اتفاق إضافي ما بين المؤمن والمؤمن له يلحق بالوثيقة الأصلية، ويكون من شأنه أن يعدل فيها، كأن يتفق على زيادة مبلغ التأمين أو على امتداد مدته أو على إضافة خطر لم يكن مؤمنًا منه. ويخضع في إثباته للقواعد العامة كما يسري عليه كل ما يسري على عقد التأمين الأصلي من أحكام.

مدة التأمين – ومدة التأمين هي من أهم البيانات التي ترد في الوثيقة، ولذلك أوجب المشروع أن تكون مكتوبة فيها بشكل ظاهر (مادة 785)، والأصل أن وثيقة التأمين يبدأ سريانها من وقت تمام العقد، فمن هذا الوقت تترتب الالتزامات الناشئة من العقد في ذمة كل من الطرفين، وذلك ما لم يتفق على وقت آخر لبدء سريان الوثيقة، كأن يؤمن مشتري السيارة على سيارته قبل أن يتسلمها ويجعل بدء سريان الوثيقة من تاريخ التسليم، ولما كان وقت تمام العقد، لو جُعل هو وقت بدء السريان، لا يعرف منه عادة إلا اليوم الذي تم فيه، لذلك نص المشروع على أن تبدأ مدة التأمين من أول اليوم التالي لليوم الذي تم فيه العقد (786/ 1) وتحديد مبدأ سريان العقد على هذا الوجه يكون له مزيتان – الأولى – أن هذا الوقت يكون منضبطًا تمامًا، فإذا تحقق الخطر قبل انتهاء اليوم الذي تم فيه العقد (الساعة 24) ولو بثانية واحدة، لم يكن المؤمن مسؤولاً، أما إذا تحقق الخطر بعد (الساعة 24) ليوم تمام العقد ولو بثانية واحدة فإن مسؤولية المؤمن تتحقق – والميزة الثانية – ميزة عملية، إذ يمنع سريان العقد من أول اليوم التالي من غش المؤمن له إذا أمن من الحادث عقب وقوعه مباشرة في نفس اليوم دون أن يخبر المؤمن بذلك، أما إذا اتفق على بدأ سريان التأمين في يوم معين، بدأ سريانه من أول هذا اليوم، وكل ذلك ما لم يتفق على خلافة (786/ 2 و3).

وعلى الرغم من أن لطرفي العقد مطلق الحرية في تعيين مدته، إلا أنه حرصًا على صالح المؤمن لهم ومنعًا من تورطهم في الالتزام بعقود طويلة الأمد، فقد نص المشروع في المادة (787) على تحديد أجل (خمس سنوات) يستطيع كل من الطرفين قبل حلوله بمدة ستة أشهر على الأقل، إنهاء العقد، وذلك دون إخلال بعقود التأمين على الحياة التي يكون للمؤمن له فيها أن يتحلل من العقد بعد انقضاء سنة واحدة، ويعتبر هذا الحق من النظام العام إذ يقصد به حماية المتعاقدين، ومن ثم فلا يجوز النزول عنه أو الحد منه أو الاتفاق على ما يخالفه، وهذا النص يقرر عرفًا تأمينيًا متبعًا، وأحكامه تدرج عادة في وثائق التأمين، ونظرًا لما ينطوي عليه حكم هذا النص من أهمية، فقد نصت المادة المذكورة على ضرورة بيانه في وثيقة التأمين.

وقد عرضت المادة (788) من المشروع لامتداد عقد التأمين فأجازت بمقتضى شرط محرر في الوثيقة بشكل متميز، الاتفاق على امتداد عقد التأمين من تلقاء ذاته، إذا لم يقم المؤمن له قبل انتهاء مدته بثلاثين يومًا على الأقل بإبلاغ المؤمن برغبته في عدم امتداد العقد، ولا يسري مفعول هذا الامتداد إلا سنة فسنة ويقع باطلاً كل اتفاق على أن يكون الامتداد لمدة تزيد على ذلك، وهذا النص ليس في مجموعه إلا تطبيقًا للقواعد العامة، فيما عدا ميعاد الثلاثين يومًا لصدور الرغبة في عدم امتداد العقد، وفيما عدا أن مدة الامتداد لا يجوز أن تزيد على سنة، وهو على كل حال يقرر عرفًا تأمينًا يحمي المؤمن من مفاجأته بعدم امتداد العقد يخطر به في وقت غير كافٍ، ويحمي المؤمن له بدوره، فلا يفاجأ لمجرد سكوته بامتداد العقد لمدة أطول من سنة ولذلك لم يرَ المشروع مانعًا من الأخذ بهذه الأحكام التي جرى عليها العرف التأميني ويُستثنى منها عقد التأمين على الحياة لأنه إما أن ينتهي بالموت فلا يقبل الامتداد وإما أن ينتهي بانقضاء مدته، وهذه المدة تقبل التعديل بملحق للوثيقة ولا تمتد عادةً بشرط في العقد، فإذا لم يكن هناك شرط صريح في وثيقة التأمين يقضي بامتداد العقد، وأراد المؤمن له قبل انقضاء مدة العقد امتداده لأية مدة (وكذلك تعديله أو سريانه بعد وقفه)، كان له أن يعرض هذا الامتداد على المؤمن بكتاب موصى عليه، فإن لم يقم المؤمن بإبلاغ المؤمن له خلال العشرين يومًا التالية لوصول الكتاب، بعدم الموافقة على الامتداد، عُد موافقًا عليه وامتد العقد المدة التي عرضها المؤمن له، على أنه إذا كان القرار المؤمن يعتمد على فحص طبي أو كان الطلب يتعلق بزيادة مبلغ التأمين، فلا يُعتد إلا بالموافقة الفعلية للمؤمن (مادة 789 من المشروع).

ثانيًا: التزامات المؤمن له:

طبقًا لنصوص المشروع يلتزم المؤمن له بالتزامات ثلاثة وهي:

1 – تقديم البيانات اللازمة وتقرير ما يستجد من الظروف.
2 – دفع مقابل التأمين.
3 – إخطار المؤمن بوقوع الحادث إذا تحقق الخطر المؤمن منه (مادة 790 من المشروع).

1 – فالمؤمن له يلتزم أن يبين بوضوح وقت إبرام العقد كل الظروف المعلومة له والتي يهم المؤمن معرفتها ليتمكن من تقدير المخاطر التي يأخذها على عاتقه، ويعتبر مهمًا على الأخص، الوقائع التي جعلها المؤمن محل أسئلة محددة ومكتوبة، كما يلتزم المؤمن له أيضًا أن يبلغ المؤمن بما يطرأ أثناء العقد من ظروف من شأنها أن تؤدي إلى زيادة المخاطر وذلك فور علمه بها (مادة 790/ أ وب).

فإذا سكت المؤمن له عن أمر أو قدم بيانًا غير صحيح، وكان من شأن ذلك أن يتغير موضوع الخطر أو تقل أهميته في نظر المؤمن، فإن عقد التأمين يكون بحسب الأصل قابلاً للإبطال لمصلحة المؤمن (مادة 791/ 1) سواء كان المؤمن له سيئ النية أو حسن النية في ذلك.

فإذا انكشفت الحقيقة قبل تحقق الخطر، فإنه يكون للمؤمن أن يطلب إبطال العقد، ويتم الإبطال بعد عشرة أيام من تاريخ إخطار المؤمن له بذلك بكتاب موصى عليه، ولا يكون للإبطال هنا، خلافًا لما تقضي به القواعد العامة، أثر رجعي بل يبقى المؤمن ملتزمًا بضمان الخطر كما يبقى المؤمن له ملتزمًا بدفع الأقساط وذلك إلى يوم إبطال العقد، ومن ثم يكون ما قبضه المؤمن من الأقساط عن مدة سابقة على يوم الإبطال حقًا خالصًا له، أما ما قبضة عن مدة تلي يوم الإبطال، وهي مده لا يتحمل في مقابلها خطرًا ما، فلا يجوز له أن يستبقيه ويجب عليه رده، ولكن المؤمن له يستطيع أن يدرأ طلب الإبطال إذا هو قبل زيادة في القسط تتناسب مع الزيادة في الخطر (مادة 791/ 2) وأما إذا لم تظهر الحقيقة إلا بعد تحقق الخطر، فإنه لا يجوز للمؤمن إبطال العقد، ذلك أن الخطر قد تحقق والعقد قائم وأصبح التزام المؤمن بالتعويض واجب الأداء، فلا يستطيع التحلل منه بالإبطال، ولكن لما كانت الأقساط التي دفعها المؤمن له لا تتناسب مع الخطر المؤمن منه، فإن المؤمن لا يدفع من التعويض إلا ما يتناسب مع هذه الأقساط (مادة 791/ 3)، وقد خالف المشروع في هذه الأحكام نصوص المشروع السابق التي كانت تفرق في ذلك بين حالة المؤمن له سيئ النية وحالة المؤمن له حسن النية، فتجعل العقد باطلاً في الحالة الأولى وقابلاً للإبطال في الثانية.

وغني عن البيان أن الأحكام المتقدمة تسري أيًا كان الوقت الذي وقع فيه الكتمان أو تم الإدلاء بالبيان غير الصحيح، يستوي أن يكون ذلك ابتداءً عند التعاقد، أو وقت أن يخطر المؤمن له المؤمن بما يستجد من ظروف تؤدي إلى زيادة الخطر.

ويعرض نص المادة (792) لحالة زيادة المخاطر المؤمن منها سواء بفعل المؤمن له أو بغير فعله بعد أن ألقى نص المادة (790 ب) على عاتق المؤمن له التزامًا بإبلاغ المؤمن بما يطرأ منها فور علمه بها، والنص لا يعدو أن يكون تنظيمًا مفصلاً لما يقتضيه تطبيق القواعد العامة ولما يقضي به العرف التأميني وفقًا للشروط التي جرت العادة بإدراجها في وثائق التأمين، ويخلص من أحكامه أنه إذا استجدت، في أثناء سريان العقد ظروف من شأنها أن تؤدي إلى زيادة المخاطر المؤمن منها فإن طبيعة عقد التأمين، وما يهدف إليه من استمرار تغطية الخطر ما أمكن ذلك، تقضي بإفساح المجال للطرفين حتى يستبقيا العقد بعد زيادة في مقابل التأمين، وذلك إلى جانب حق المؤمن في طلب إنهاء العقد طبقًا للقواعد العامة، وحقه في استبقاء العقد دون زيادة في المقابل، على أنه طبقًا لنص المادة (793) من المشروع يبقى عقد التأمين ساريًا دون زيادة في المقابل إذا تحقق الخطر أو زاد احتمال وقوعه نتيجة أعمال أُديت امتثالاً لواجب إنساني أو توخيًا للمصلحة العامة، فإذا تعمد المؤمن له زيادة الخطر لحماية مصلحة المؤمن نفسه، كما إذا أتلف في التأمين من الحريق بعض المنقولات المؤمن عليها لمنع امتداد الحريق وذلك لمصلحة المؤمن حتى ينحصر ضمانه في أضيق الحدود الممكنة فإن هذا العمل لا يكون له أثر في عقد التأمين، ويبقى هذا العقد ساريًا كما هو دون زيادة في المقابل، كذلك إذا عرض المؤمن له التأمين على الحياة نفسه للموت إنقاذًا لغيره فمات فعلاً أو قتل شخص حصانًا مؤمنًا عليه بعد أن أصيب بمرض، خشية أن يؤذي غيره، ففي مثل هذه الفروض يبقى عقد التأمين كما هو دون زيادة في المقابل، لأن هناك ما يبرر فعل المؤمن له، فهو يؤدي واجبًا أو يقوم بعمل للمصلحة العامة.

وكما تجوز زيادة مقابل التأمين في الحالة المنصوص عليها في المادة (792)، فإنه يجوز أيضًا تخفيضه، ويتحقق ذلك إذا كان قد لوحظ في تحديد مقدار المقابل اعتبارات معينة ثم زالت هذه الاعتبارات أو قلت أهميتها، فيجوز عندئذٍ للمؤمن له أن ينهي العقد، إلا إذا قبل المؤمن تخفيض المقابل بما يجعله مناسبًا للخطر بعد زوال هذه الاعتبارات أو بعد نقص أهميتها (مادة 794 من المشروع) ولا يجوز الاتفاق على ما يخالف هذا الحكم لأنه في مصلحة المؤمن له فلا يجوز المساس به باتفاق خاص.

2 – ويعرض المشروع في المواد (من 795 إلى 798) لالتزام المؤمن له بدفع مقابل التأمين، والأصل أن المقابل يدفع في الوقت الذي يتفق عليه المتعاقدان، وقد جرت العادة أن يشترط المؤمن على المؤمن له أن يدفع المقابل مقدمًا، حتى يستطيع أن يواجه الأخطار التي تتحقق في خلال السنة، ويسدد مبالغ التعويض المستحقة عنها، وقد اضطرد شرط الدفع مقدمًا في وثائق التأمين حتى أصبح ذلك عرفًا تأمينيًا مستقرًا.

والغالب أن يكون مقابل التأمين أقساطًا دورية سنوية، وقد يكون مبلغًا إجماليًا يدفع مرة واحدة ويسمى بالقسط الوحيد، سواء لأن مدة التأمين تقل عن سنة كما في التأمين لمدة الرحلة، أو تكون المدة طويلة ولكن المؤمن له يختار أن يوفي بمقابل التأمين دفعة واحدة، وفى هذه الحالة يدفع مقابل التأمين كله مقدمًا عند إبرام العقد، ولكن الغالب كما تقدم أن يكون دفع مقابل التأمين على أقساط، وقد جرت العادة بأن يكون القسط سنويًا يدفع مقدمًا في أول كل سنة، ويدفع القسط الأول عند إبرام العقد، وقد قننت المادة (795) من المشروع هذه الأحكام.

هذا ويُلاحظ أن المشروع يقضي بأنه إذا نُص في وثيقة التأمين على إرجاء سريان العقد إلى ما بعد سداد القسط الأول، ثم سلم المؤمن للمؤمن له الوثيقة قبل سداد هذا القسط، لم يجز للمؤمن أن يتمسك بعد ذلك بإرجاء سريان العقد، ذلك أن تسليمه الوثيقة للمؤمن له يعتبر قرينة إما على نزوله عن شرط إرجاء سريان العقد، وإما على أنه قبض القسط الأول فبدأ العقد في السريان.

وتعرض المادة (796) من المشروع لمكان الوفاء، والأصل طبقًا للقواعد العامة، أن يكون مكان دفع القسط هو موطن المدين به، أي موطن المؤمن له، ولكن العادة جرت في المحيط التأميني أن يكون دفع أول قسط في موطن المؤمن، ثم يكون دفع الأقساط التالية في موطن المؤمن له، والموطن التأميني للمؤمن له هو الموطن الذي ذكره في وثيقة التأمين أو آخر موطن أخطر به المؤمن، ولكن قد يجد المؤمن له من مصلحته أن يتفق مع المؤمن على أن يكون الدفع في مكان آخر غير موطنه (في موطن وكيله، أو في موطن المؤمن نفسه، أو في موطن وكيل المؤمن)، ولما كان المفروض أن هذا الشرط إنما هو في مصلحة المؤمن له الذي اشترطه فإنه يجب إدراجه ضمن الشروط الخاصة المكتوبة بحروف ظاهرة بناءً على طلب المؤمن له.

ويكون الدفع استثناءً في موطن المؤمن إلى جانب حالة الاتفاق على ذلك، في الحالتين الآتيتين:

( أ ) دفع القسط الأول، إذ جرت العادة كما تقدم أن يدفع هذا القسط في موطن المؤمن، ومن ثم يكون هذا القسط محمولاً لا مطلوبًا.

(ب) حالة ما إذا تأخر المؤمن له في دفع أي قسط آخر بعد أن سعى إليه المؤمن في طلبه، وعند ذلك يعذر المؤمن المؤمن له، ومن وقت الإعذار يصبح القسط محمولاً لا مطلوبًا، أي أنه يصبح واجب الدفع في موطن المؤمن لا في موطن المؤمن له (المادة 796 من المشروع).

وتعرض المادتان (797 و798) للجزاء الذي يترتب على الإخلال بالتزام دفع قسط التأمين، وطبقًا للقواعد العامة، إذا امتنع المؤمن له عن دفع القسط أو تأخر في دفعه، يكون للمؤمن، بعد إعذاره أن يطلب الحكم إما بالتنفيذ العيني وإما بالفسخ، ولا يتحلل من التزامه بضمان الخطر المؤمن منه إلا إذا حصل على حكم بفسخ العقد، ومن الوقت الذي يصدر فيه هذا الحكم، لأن التأمين عقد زمني لا يكون لفسخه أثر رجعي ولا يستطيع المؤمن وقف التزامه بضمان الخطر، وكل ما يستطيعه إذا تحقق الخطر ولزمه التعويض، أن يحبس مبلغ التأمين حتى يستوفي القسط أو الأقساط المستحقة، ويكون له أن يخصمها من هذا المبلغ، ولا شك أن هذه الإجراءات لا تلائم مصلحة المؤمن ولا تتفق في الوقت ذاته مع التبسيط الواجب مراعاته في تسيير عجلة التأمين، ولذلك كانت شركات التأمين تلجأ إلى تضمين وثائقها شروطًا من شأنها أن تيسر الإجراءات تيسيرًا شديدًا، فتشترط إعفاءها من الإعذار، فإذا تأخر المؤمن له في دفع القسط، وقف عقد التأمين ويفاجأ المؤمن له عند تحقق الخطر، بأن التزام المؤمن موقوف لعدم دفع القسط في الميعاد، فيضيع حقه في التأمين.

وقد جرى العرف التأميني، وهو عرف يتمثل في نصوص التشريعات الأجنبية في التأمين، وخاصةً قانون التأمين الفرنسي الصادر في سنة 1930، بالتوسط بين التشديد في الإجراءات إلى حد إرهاق المؤمن والتبسيط فيها إلى حد يجعل المؤمن له تحت رحمة المفاجآت، فأوجب إعذار المؤمن له بكتاب موصى عليه دون أن يكون للمؤمن أن يشترط إعفاءه من هذا الإعذار، وقرر مواعيد محددة يقف بعد انقضائها سريان عقد التأمين، ثم مواعيد أخرى يجوز بعدها أن يطلب المؤمن التنفيذ العيني أو الفسخ بإجراءات مبسطة، وحرم على المؤمن أن يشترط إعفاءه من هذه المواعيد أو تقصيرها، وإن جاز للمؤمن له أن يشترط إطالتها، وبذلك أقام التوازن بين مصلحة المؤمن ومصلحة المؤمن له، وقد نقل المشروع هذا العرف التأميني عن قانون التأمين الفرنسي، أسوة بمختلف المشروعات التي تم وضعها سواء في الكويت أو في مصر.

3 – فإذا تحقق الخطر المؤمن منه، وعلم المؤمن له بتحققه على وجه يستوجب مسؤولية المؤمن عن ضمانه، فإن المؤمن له يلتزم عندئذٍ بإخطار المؤمن بوقوع الحادث الذي نجم عنه تحقق الخطر، وقد ورد هذا الالتزام في الفقرة (د) من المادة (790) التي تلزم المؤمن له (أن يبادر إلى إبلاغ المؤمن بكل حادثة من شأنها أن تجعل المؤمن مسؤولاً)، وهذا الالتزام بديهي، فإن المؤمن قد تحققت مسؤوليته بتحقق الخطر المؤمن منه، فيعنيه أن يعلم ذلك في أقرب وقت ممكن حتى يتمكن من اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة في الوقت المناسب، وغني عن البيان أن على المؤمن له أن يخطر المؤمن بالحادث في وقت معقول، وإذا تأخر في الإخطار دون مبرر فألحق بتأخره ضررًا بالمؤمن كان عليه أن يعوضه عن هذا الضرر، ولا يوجد ما يمنع، طبقًا للقواعد العامة، من أن يشترط المؤمن أن يكون الإخطار في ميعاد معين، وعندئذٍ يجب على المؤمن له أن يراعي هذا الميعاد في الإخطار مع مراعاة حكم المادة (783) من المشروع.

ثالثًا: التزامات المؤمن:

أما المؤمن فيلتزم عند تحقق الخطر المؤمن منه أو عند حلول الأجل المحدد في العقد، بأداء مبلغ التأمين المستحق خلال ثلاثين يومًا من اليوم الذي يقدم فيه صاحب الحق البيانات والمستندات اللازمة للتثبت من حقه (مادة 799 من المشروع). وهذا النص ليس إلا تطبيقًا للقواعد العامة، وهو يبين ميعاد حلول الالتزام بدفع مبلغ التأمين، وما يقع على الدائن في هذا الالتزام من عبء إثبات الحادث المؤمن منه.

وتنص المادة (800) من المشروع على أنه في التأمين من الأضرار، يلتزم المؤمن بتعويض المؤمن له عن الضرر الناتج من وقوع الخطر المؤمن منه، على ألا يجاوز ذلك مبلغ التأمين، وهذا النص يتعلق بمبدأ الصفة التعويضية لعقد التأمين ولكنه مبدأ لا يسري إلا على التأمين من الأضرار فقط، أما التأمين على الأشخاص فيسوده مبدأ رئيسي عكسي هو انعدام صفة التعويض.

وتطبيقًا لمبدأ الصفة التعويضية في التأمين عن الأضرار، لا يجوز للمؤمن له أن يجمع بين مبلغ التأمين والتعويض، وإلا تقاضى مقدار ما لحق به من الضرر مرتين، مرة من المؤمن وأخرى من الغير المسؤول وهذا لا يجوز (على عكس الحال في التأمين على الأشخاص)، ولذلك تنص المادة (801) من المشروع على حلول المؤمن قانونًا بما أداه من تعويض في الدعاوى التي تكون للمؤمن له قِبل المسؤول قانون عن الضرر المؤمن منه، وهذا النص مستوحى من المادة (771) مصري والمادة (36) من قانون التأمين الفرنسي ولهما مقابل في كثير من التشريعات العربية. وقبل صدور قانون التأمين الفرنسي لم يكن من السهل توجيه رجوع المؤمن على المسؤول بطريق الدعوى المباشرة ولم يقر القضاء الفرنسي الآراء التي ذهبت إلى جواز الرجوع، والواقع أنه لم يكن هناك سبب قانوني يجعل المؤمن يحل محل المؤمن له قبل المسؤول، بل إنه لا يوجد سبب قانوني يمنع المؤمن له بعد استيفائه مبلغ التأمين من المؤمن أن يرجع بالتعويض على المسؤول، ومن أجل ذلك جرت العادة بأن يحصل المؤمن من المؤمن له مقدمًا على حوالة بحقوق هذا الأخير قبل المسؤول، ثم صدر القانون الفرنسي مشتملاً على نص المادة (36) التي نقلتها المادة (771) من التقنين المصري بالنسبة إلى التأمين ضد الحريق فقط، ولكن المشروع آثر أن يعمم الحكم على جميع أنواع التأمين من الأضرار.

على أنه يرد على مبدأ الحلول قيدان – الأول – ما نصت عليه العبارة الأخيرة في الفقرة الأولى من المادة (801) من استثناء أقارب المؤمن له وأصهاره الذين يكونون معه في معيشة واحدة والأشخاص الذين يكون المؤمن له مسؤولاً عن أفعالهم من الرجوع عليهم بدعوى الحلول – والسبب في ذلك واضح، ففيما يتعلق بالأقارب والأصهار الذين يعيشون مع المؤمن له، افترض المشروع أنهم إذا كانوا هم الذين تسببوا في الحادث، فلن يرجع عليهم المؤمن له بالتعويض لعلاقته الخاصة بهم التي تأكدت بمعيشتهم معه في بيت واحد، فإذا كان هو لا يرجع عليهم فأولى بالمؤمن ألا يرجع، وفيما يتعلق بالأشخاص الذين يكون المؤمن له مسؤولاً عن أفعالهم كالخدم والأتباع ويدخل أيضًا من هم تحت رقابته ولو لم يقيموا معه في معيشة واحدة منع المشروع أيضًا المؤمن من الرجوع عليهم بدعوى الحلول، ليس فحسب من أجل العلاقة الخاصة التي تربطهم بالمؤمن له، بل أيضًا لأن المؤمن له لو رجع عليهم وكانوا معسرين لجاز له الرجوع على المؤمن له باعتباره مسؤولاً عنهم، فيسلبه باليسار ما أعطاه باليمين، وهذا الحكم يعتبر من النظام العام فلا يجوز الاتفاق على ما يخالفه – القيد الثاني – أن يصبح حلول المؤمن محل المؤمن له متعذرًا بسبب راجع إلى المؤمن له (مادة 801/ 2)، مثل ذلك أن يقر المؤمن له، في غير الحدود المرسومة قانونًا، للمسؤول بعدم المسؤولية، أو يبرئ ذمته منها، أو يصالحه دون موافقة المؤمن، ومثل ذلك أيضًا أن يترك المؤمن له دعواه تجاه المسؤول تسقط بمضي الزمان، ثم يرجع بعد ذلك على المؤمن، ففي هذه الفروض وأمثالها يكون المؤمن له قد أضاع بفعله فرصة حلول المؤمن محله، فلا يستطيع عندئذٍ المؤمن الرجوع بدعوى الحلول على المسؤول، ومن ثم تبرأ ذمة المؤمن تجاه المؤمن له بقدر ما أضاعه هذا عليه من الرجوع بدعوى الحلول على المسؤول.

رابعًا: انتقال الحقوق والالتزامات الناشئة عن عقد التأمين وانقضاؤها:

وتعرض المواد (802 – 807) لنقل الحقوق والالتزامات الناشئة عن عقد التأمين في حالتين هما:

1 – انتقال الشيء المؤمن عليه إلى شخص آخر.
2 – إفلاس المؤمن له أو المؤمن كما تعرض لسقوط الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين بمرور الزمان.

1 – انتقال الشيء المؤمن عليه إلى شخص آخر:

الأصل أن الشيء المؤمن عليه، إذا انتقلت ملكيته إلى خلف عام أو خلف خاص، تنتقل وثيقة التأمين مع الشيء إلى الخلف، ذلك أنه إذا كان الخلف خلفًا عامًا، فإن حقوق السلف الناشئة عن عقد التأمين تنتقل إليه وكذلك التزاماته الناشئة عن العقد في حدود التركة، طبقًا لقواعد الاستخلاف العام، وإذا كان الخلف خلفًا خاصًا، فإن عقد التأمين يعتبر من مكملات الشيء المؤمن عليه ومحدداته، فينتقل حقوقًا والتزامات من السلف إلى الخلف طبقًا لقواعد الاستخلاف الخاصة. ولما كان عقد التأمين ينتقل بانتقال ملكية الشيء المؤمن عليه، بحكم القانون دون حاجة إلى موافقة المؤمن أو المؤمن له الجديد، فإن أكثر التشريعات قد احتفظ في مقابل ذلك لكل منهما بالحق في طلب إنهاء عقد التأمين وهو ما آثر المشروع الأخذ به (مادة 802 وما بعدها).

ويبقى حق المؤمن في الإنهاء قائمًا إلى أن ينزل عنه صراحةً أو ضمنًا، ويستخلص النزول الضمني من عدم استعماله حقه في الإنهاء في مدة ثلاثين يومًا من التاريخ الذي يخطر فيه بالتصرف الناقل للملكية أو بوفاة المؤمن له.

أما المؤمن له الجديد فيجوز له طلب الإنهاء في أي وقت منذ انتقال الملكية إليه، ويبقى حقه قائمًا إلى أن ينزل عنه صراحةً أو ضمنًا، ولا يجوز تحديد ميعاد لطلب الإنهاء لا في وثيقة التأمين ولا من جهة المؤمن، لأن في ذلك تضييقًا في حق المؤمن له الجديد في طلب الإنهاء وهو مخالف للنظام العام فيقع باطلاً، على أن حق المؤمن له الجديد في الإنهاء لا يبقى بالفعل قائمًا لمدة طويلة، فإنه لا يلبث أن يطالب بقسط التأمين الذي يحل عقب انتقال الملكية، وهنا لا بد من أن يتخذ موقفًا في أمر الإنهاء، فإما أن يطلبه وإما أن ينزل عنه بدفع القسط، فإذا طلب المؤمن له الجديد الإنهاء، انتهى عقد التأمين من هذا الوقت دون أثر رجعي، ويقع باطلاً كل شرط يستحق المؤمن بمقتضاه تعويضًا إذا اختار من انتقلت أو آلت إليه الملكية إنهاء العقد (مادة 803).

ويعرض نص المادة (804) للآثار التي تترتب على انتقال عقد التأمين، فيلتزم المؤمن له الجديد نحو المؤمن بدفع الأقساط المستقبلة أما الأقساط التي تكون قد حلت وقت انتقال الملكية فهي على المؤمن له الأصلي، فإذا لم يكن قد دفعها فعليه دفعها، وإذا كان انتقال الملكية بالموت ولم تكن بعض الأقساط الحالة قد دفعت، فهي دين على التركة طبقًا للقواعد المقررة في الميراث.

ولكن قد يكون المؤمن جاهلاً بانتقال الملكية ولا يعرف إلا المؤمن له الأصلي يتقاضى منه الأقساط التي تحل، فيبقى المؤمن الأصلي ملتزمًا بدفع هذه الأقساط ويرجع بها على المؤمن له الجديد، وذلك إلى أن يخطر المؤمن بكتاب موصى عليه بحصول التصرف الناقل للملكية، فمن وقت حصول هذا الإخطار يكون المؤمن له الجديد هو الملتزم بدفع ما يحل من أقساط، وتبرأ ذمة المؤمن له الأصلي منها، فلا يكون ملزمًا بدفعها لا بصفته مدينًا أصليًا ولا بصفته ضامنًا للمؤمن له الجديد.

على أنه يُلاحظ أنه إذا كان القسط يدفع مقدمًا كما هو الغالب ودفع المؤمن له الأصلي القسط عن العام الذي بدأ، وانتقلت الملكية في خلال هذا العام، فإنه يكون للمؤمن له الأصلي أن يرجع على المؤمن له الجديد بجزء من القسط يتناسب مع المدة التي بقيت من العام منذ انتقال الملكية.

وتنص المادة (805) من المشروع، عن أنه إذا تعدد الورثة أو المتصرف إليهم، وسرى عقد التأمين بالنسبة لهم، كانوا مسؤولين بالتضامن عن دفع الأقساط، وقد نقل المشروع هذا النص عن المادة (9/ 4) من قانون التأمين الفرنسي، حتى لا ينقسم القسط في حالة تعدد المؤمن له الجديد.

2 – إفلاس المؤمن له أو المؤمن:

وتعرض المادة (806) من المشروع لإفلاس المؤمن له ولإفلاس المؤمن، فإذا أفلس المؤمن له، فإن عقد التأمين يبقى، وتحل جماعة الدائنين محل المؤمن له في جميع الحقوق والالتزامات الناشئة عن العقد، ذلك أن الشيء المؤمن عليه قد دخل في التفليسة، فيبقى المؤمن ضامنًا للخطر المؤمن منه، وتصبح جماعة الدائنين ملتزمة بجميع التزامات المؤمن له وبدفع أقساط التأمين التي تحل بعد صدور الحكم بشهر الإفلاس، أما الأقساط التي حلت قبل ذلك ولم تُدفع فيدخل بها المؤمن في التفليسة شأنه في ذلك شأن سائر الدائنين.

وقد ترى جماعة الدائنين ألا مصلحة لها في بقاء العقد، كما قد يرى المؤمن أيضًا إنهاء العقد بعد إفلاس المؤمن له، ولذلك تحتفظ التشريعات عادةً لكل من الطرفين بالحق في إنهاء العقد، وهو ما أخذ به المشروع على أن يتم ذلك في خلال ثلاثة أشهر من وقت صدور الحكم بالإفلاس، ويكون على المؤمن في حالة الإنهاء، أن يرد لجماعة الدائنين الجزء من القسط الذي لم يتحمل في مقابله بخطر ما.

أما إذا أفلس المؤمن، فإن العقد يقف سريانه من يوم صدور الحكم بشهر الإفلاس ويكون للمؤمن له الحق في استرداد الجزء من القسط الذي يكون قد دفعه عن الفترة التي يوقف فيها العقد، وذلك مع مراعاة الأحكام الخاصة بالتأمين على الحياة حيث يحدد حق المؤمن له أو المستفيد في العقود السارية بمبلغ يعادل قيمة الاحتياطي الحسابي محسوبة على أساس تعريفة التأمين المعمول بها وقت إبرام العقد، دون زيادة.

3 – سقوط الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين بمضي الزمان:

وتنص المادة (807) من المشروع على سقوط الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين بانقضاء ثلاث سنوات من وقت حدوث الواقعة التي تولدت عنها هذه الدعاوى وذلك ما لم يقضِ القانون بخلاف ذلك، والدعاوى التي تُعتبر ناشئة عن عقد التأمين ويسري عليها حكم هذه المادة، إما أن تكون دعاوى للمؤمن أو دعاوى للمؤمن له.

وأما دعاوى المؤمن فهي دعاوى المطالبة بالأقساط المستحقة ودعاوى إبطال عقد التأمين، ودعاوى إنهاء عقد التأمين أيًا كان سبب الإنهاء، سواء كان إخلال المؤمن له بالتزامه بدفع الأقساط المستحقة، أو كان تقرير ما يستجد من الظروف ويكون من شأنه أن يزيد الخطر، أو كان غير ذلك من الأسباب.

وأما دعاوى المؤمن له فهي دعوى المطالبة بمبلغ التأمين عند تحقق الخطر المؤمن منه، سواء رفعت هذه الدعاوى من المؤمن له أو من المستفيد، وكذلك دعاوى البطلان والإبطال والإنهاء وكذلك دعوى استرداد المبالغ التي دفعت بغير حق.
وتسري مدة ثلاث السنوات من وقت حدوث الواقعة التي تولدت عنها الدعوى، غير أن هناك حالات يتأخر فيها مبدأ سريان المدة عن وقت حدوث الواقعة التي تولدت عنها الدعوى وهي:

( أ ) حالة إخفاء بيانات متعلقة بالخطر المؤمن منه، أو تقديم بيانات غير صحيحة أو غير دقيقة عن هذا الخطر، فلا تسري المدة في هذه الحالة إلا من اليوم الذي علم المؤمن بذلك.

(ب) حالة وقوع الحادث المؤمن منه، ففي هذه الحالة يبدأ سريان المدة من وقت وقوع الحادث المؤمن منه، بل من وقت علم ذوي الشأن بوقوع هذا الحادث.

(جـ) كذلك لا تسري المدة عندما يكون سبب دعوى المؤمن له على المؤمن ناشئًا عن رجوع الغير عليه، إلا من يوم رفع الدعوى من هذا الغير على المؤمن له أو من اليوم الذي يستوفي فيه الغير التعويض من المؤمن له.

وأخيرًا جعل المشروع النصوص التي تنظم عقد التأمين الواردة في هذا الفصل، والتي تهدف في مجموعها إلى حماية المؤمن له نصوصًا لا تجوز مخالفتها، إلا أن يكون ذلك لمصلحة المؤمن له أو المستفيد، (مادة 88 فقرة أولى) أما إذا اتفق على مخالفتها لمصلحة المؤمن فإن الاتفاق يكون باطلاً، وقد يُفهم من ذلك أنه يجوز الاتفاق على إطالة المدة المقررة لسقوط الدعوى المبينة في المادة (807) أو على تقصيرها إذا كان ذلك في مصلحة المؤمن له أو المستفيد، ولذا اقتضى الأمر النص على ذلك صراحةً في الفقرة الثانية من المادة (808) فلا يجوز الاتفاق على مدة تختلف عن المدة التي عينها المشروع.

كذلك تسري الأحكام المبنية في هذا الفصل على جميع أنواع التأمين، مع مراعاة ما تقضي به التشريعات الخاصة في شأن نوع معين منها (مادة 809 من المشروع).

فالنصوص الواردة في قانون التجارة البحرية هي التي تسري على التأمين البحري والنصوص الواردة في قوانين المرور هي التي تسري في شأن التأمين من حوادث السيارات، وهكذا، ولا تسري النصوص الواردة في هذا الفصل إلا عند عدم وجود نص في تلك التشريعات الخاصة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .